شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (090)

 

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أيها الإخوة والأخوات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً بكم إلى حلقة جديدة ضمن برنامجكم: شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

مع بداية حلقتنا يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور: عبد الكريم بن عبد الله الخضير، عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، فأهلاً ومرحبًا بكم شيخ عبد الكريم.

حياكم الله وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: لازلنا ضمن هذه الحلقة والحلقات الماضية أيضًا في حديث أبي هريرة في باب سؤال جبريل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الإيمان والإسلام والإحسان. أشرنا في الحلقات إلى شيء من معاني، أو بعض معاني الحديث، لعلنا نستكمل ما تبقى فيه -أحسن الله إليكم-.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

بعد أن استكمل جبريل -عليه السلام- السؤال عن مراتب الدِّين الإسلام والإيمان والإحسان، وأجابه النبي -عليه الصلاة والسلام- عنها سأله جبريل عن قيام الساعة، وهي في الشرع عبارة عن قيام القيامة، عن يوم القيامة، فقال: "متى الساعة؟" أي متى تقوم الساعة؟ ولَمَّا كان علمها من المغيَّبات التي استأثر الله بها فلم يُطْلِع عليها أحدًا كما سيأتي في آخر الحديث في الآية التي تلاها النبي -عليه الصلاة والسلام- وغيرها من الآيات والأحاديث المستفيضة.

قال: «ما المسؤول عنها» (ما) نافية، أي ليس المسؤول عنها بأعلم من السائل، والباء زائدة لتأكيد النفي، والمراد نفي علم وقتها؛ لأن علم مجيئها مقطوع به، فهو علم مشترَك، وهذا وإن أشعر بالتساوي في العلم إلا أن المراد التساوي في العلم بأن الله استأثر بعلم وقت مجيئها بقوله بعد: «خمس لا يعلمهن إلا الله» ثم تلا الآية.

قال الكرماني: فإن قلت: ما الحكمة في سؤال الساعة حيث علم جبريل أن وقتها غير معلوم لخلق الله تعالى؟ قلت: أقله التنبيه على ألا يطمع أحد في التطلع إليه، والفصل بين ما يمكن معرفته وما لا يمكن، يقول: أقله التنبيه على ألا يطمع أحد في التطلع إليه، والفصل بين ما يمكن معرفته وما لا يمكن.

وقال القرطبي: مقصود هذا السؤال كَفُّ السامعين عن السؤال عن وقت الساعة؛ لأنهم قد أكثروا السؤال عنها، كما ورد في كثير من الآيات والأحاديث؛ فلما حصل الجواب بما ذُكِر هنا حصل اليأس من معرفتها.

قلت: من ذلك قوله تعالى: {يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا} [سورة الأحزاب 63] وقوله: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا} [سورة النازعات 42] [سورة الأعراف 187] في موضعين، وبهذا يُعلَم خطأ من حدد قيامها بحساب عمر هذه الأمة التي هي آخر الأمم بحسابات ظنية وهمية تُعارَض بها النصوص القطعية، ومن ذلك قول بعضهم: إن الساعة تقوم في عام (1407هـ) سنة سبع وأربعمائة وألف.

المقدم: هذه راحت، انتهت.

نعم انتهت، أخذًا بحساب الجُمَّل، من قوله تعالى: {فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً} [سورة محمد 18] حساب الجُمَّل بغتة تعادل (1407).

المقدم: كيف يا شيخ؟

في قوله: {أَفَأَمِنُواْ أَن تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِّنْ عَذَابِ اللّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً} [سورة يوسف 107] وقوله: {وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً} [سورة الحـج 55] بغتة هذه بحساب الجُمَّل (1407) على اعتبار أن التاء الأخيرة المربوطة هاء؛ لأن الباء عن اثنين، والغين عن ألف بحساب الجُمَّل، والتاء عن أربعمائة، والهاء عن خمسة (1407) ألف الغين، وأربعمائة التاء، وخمسة الهاء، والباء اثنين، (1407) وقرروا أن الساعة تقوم في عام (1407هـ) أخذًا من قوله: {بَغْتَةً} وهذا بحساب الجُمَّل، مع هذه النصوص.

المقدم: وهذا الحساب قديم؟

هذا في كتب أشراط الساعة لبعض..، ما هو من المتقدمين يعني بعد الألف؛ لكنه مع ذلك كلام لا قيمة له، وكذَّبه الواقع.

بعضهم ذكر أن الساعة تقوم في سنة (1400 هـ).

المقدم: وهذه انتهت.

لماذا؟ لأن في الحديث الذي شبَّه النبي -عليه الصلاة والسلام- هذه الأمة بالنسبة لمن قبلها من اليهود والنصارى برجل استأجر أجيرًا، فعمل له من أول النهار إلى منتصفه على قيراط، وعمل الثاني في وقت الظهر على قيراط، وعمل الثالث في وقت العصر على قيراط، قالوا: عمر أمة موسى -عليه السلام- التي هي نصف النهار ألفين سنة، إذا حسمنا منها ستمائة سنة من النصف الثاني حسمنا ستمائة سنة اعتبرنا اليوم الكامل كم؟

الأخ الحاضر: .....

لا، أربعة آلاف، الكامل أربعة آلاف نصفه ألفين، نحسم من الألفين الستمائة التي هي عمر أمة عيسى -عليه السلام-، يبقى عمر أمة محمد ألف وأربعمائة، لكن هل سياق الحديث من أجل هذا؟! من أجل أن يستنبط منه هذا؟ وتُعارَض به هذه النصوص القطعية؟! لكن بعض الناس مُغرَم بمثل هذه الغرائب، ويعمى -سبحان الله العظيم-، يغفل غفلة شديدة، بل ينطمس قلبه عن النصوص القطعية، يصير مُغرَم بالإغراب، ولا بد أن يأتي بجديد يقع في مثل هذه المحظورات، يعني إذا كان استنباط الحنفية من هذا الحديث، أن وقت الظهر يمتد إلى مصير ظل الشيء مثليه، من هذا الحديث، ما هو حديث الباب الحديث الأمم الثلاث، قالوا: إن وقت الظهر يمتد إلى مصير ظل كل شيء مثله، من أين؟

الأخ الحاضر: إلى وقت العصر.

لا من قولهم: "نحن أكثر عملاً وأقل أجرًا" إذًا عمل النصارى أكثر من عمل أمة محمد، وعمل النصارى في وقت الظهر، وعمل أمة محمد في العصر، إذًا لا بد أن يكون الظهر أطول من العصر، وحينئذٍ يمتد إلى مصير ظل كل شيء مثليه، ومع ذلكم فإن وقت الظهر في كل زمان ومكان أطول من وقت العصر مع كونه ينتهي بمصير ظل كل شيء مثله، والتقويم شاهد على ذلك، فلا دليل فيه، وهذا استنباط فيه بُعْد شديد، مع أنه في أمور فرعية يمكن تدخل في الاجتهاد، يعني يمكن خاضعة للاجتهاد، وليست مُعارَضة مثل هذا الكلام يعني كلام الحنفية بمثل حديث عبد الله بن عمرو "حتى يصير ظل كل شيء مثله" مثل معارضة هذه النصوص الغيبية، يعني أمور العبادات اجتهادية، لكن هذه أمور غيبية «خمس لا يعلمهن إلا الله» والنصوص كثيرة جدًّا، تؤكد أن قيام الساعة لا يعلمه أحد، وهذا جبريل أشرف الرسل، وهذا محمد أشرف البشر لا يدري متى تقوم الساعة؟ وهؤلاء يحددون بمثل هذه الاستنباطات البعيدة كل البعد.

يقول النووي -رحمه الله تعالى-: يستنبط منه أن العالم إذا سئل عما لا يعلم يصرح بأنه لا يعلم، فإذا سئل عن شيء لا يعلمه يقول: الله أعلم، ولا يجرؤ على الفتيا بغير علم {وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [سورة البقرة 169] والفتيا على الله بغير علم هي عين الكذب عليه -جل وعلا- {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ} [سورة النحل 116] فيدخل هذا الكذب في عموم قوله -جل وعلا-: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ} [سورة الزمر 60] فعلى الإنسان أن يحتاط لهذا الأمر، فلا يفتي بغير علم.

المقدم: وفيه رفعة له يا شيخ، إذا قال: لا أعلم أحيانًا في بعض المواضع يكون له رفعة الحقيقة.

يأتي كلام النووي، تكملة كلام النووي، لكن نريد أن نؤكد على أن على العالم فضلاً عن طالب العلم والمتعلم إذا سئل عن شيء لا يعلمه، وهذا محمد -عليه الصلاة والسلام- قال: «ما المسئول عنها بأعلم من السائل» من أعلم من محمد؟! «إن أعلمكم وأتقاكم وأخشاكم لله أنا» يقول -عليه الصلاة والسلام-، ومع ذلك يقول: «ما المسئول عنها بأعلم من السائل» فعلى العالم فضلاً عن طالب العلم أو الذي لا يعرف شيئًا كالعامي، بعض العوام يجرؤ على الفتيا، ويغفل عن مثل هذه الأمور، فالذي لا علم عنده إذا أفتى بغير علم ولو أصاب الحق على خطر عظيم {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ} [سورة الزمر 60] وبالمقابل إذا سئل عن علم يعلمه لا يجوز له أن يتأخر عن بيانه إذا كان من أهل العلم.

يقول النووي: يستنبط منه أن العالم إذا سئل عما لا يعلم يصرح بأنه لا يعلم، ولا يكون في ذلك نقص من مرتبته، بل يكون ذلك دليلاً على مزيد ورعه؛ لأن الشخص الذي يفتي بكل شيء لا يدري العامي عن نسبة الخطأ من الصواب، لكن الذي يقول: يجيب بما يعلم، ويتورع عما لا يعلم، تُعرَف نسبة الخطأ من الصواب فيقلده عامة المسلمين، وبذلك تبرأ الذمة.

وليس في فتواه مفتٍ متبع    .

 

ما لم يضف للعلم والدين الورع

الورع لا بد منه.

على كل حال موضوع الفتوى، وتتابع كثير من طلاب العلم وأنصاف المتعلمين عليها وجرأتهم أمر حقيقة في غاية السوء، وهو محزن، لكن الله المستعان.

المقدم: قد كان الشيخ -رحمه الله- الشيخ عبد العزيز بن باز لا تمر أحيانًا الشهرين أو ثلاثة إلا ويُسمَع في برامج الإذاعة ويقول على بعض المسائل: لا أعلم، بل ويَمنع أن تقطع هذه لا أعلم ويتركها؛ لأنه يرى أن فيها أيضًا تدريب وتعليم للناس على أن قول: لا أعلم فيه رفعة.

أحيانًا قول العالم: لا أعلم أنفع للسامع من الجواب، أنفع؛ لأنها تربية، لا سيما لطلاب العلم، هذه تربية، والله المستعان.

في شرح الحافظ ابن رجب -رحمه الله تعالى- يقول: وأما قول جبريل: "أخبرني عن الساعة" فقال: «ما المسؤول عنها بأعلم من السائل» فمعناه أن الناس كلهم في وقت الساعة سواء، وكلهم غير عالمين به على الحقيقة؛ ولهذا قال: «في خمس لا يعلمهن إلا الله» ثم تلا: {إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ } [سورة لقمان 34] الآية، وهذه مفاتيح الغيب التي لا يعلمها إلا الله، وقد جاء عن ابن مسعود أن نبينا -صلى الله عليه وسلم- أوتي علم كل شيء سوى هذه الخمس.

وروي ذلك مرفوعًا من حديث ابن عمر، وكلاهما في مسند الإمام أحمد؛ لكن في كل منهما نظر؛ لأنه فيه أمور لا يعلمها من المغيبات {وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ} [سورة الأعراف 188] وهذا أعم مما معنا من الخمس، أعم من الخمس، وذُكر عند عمرو بن العاص العلم بوقت الكسوف قبل ظهوره، فأنكره بعض من حضر، فقال عمرو: إنما الغيب خمس، ثم تلا هذه الآية، يعني المذكورة في الحديث.

كثير من أهل العلم يقررون أن العلم بوقت الكسوف قبل حصوله من ادعاء علم الغيب، ومن أهل العلم من يرى أنه يُدرَك بالحساب، الواقع شهد ويُشهَد أنه يُدرَك، لكن يبقى أن إخبار عوام الناس به قبل وقوعه كما هو حاصل الآن لا شك أنه يقلل من الحكمة من وقوعه، والفائدة منه، وهي تخويف الناس «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد يخوف بهما عباده» هما للتخويف، لكن إذا عرفت أنه ينكسف القمر في منتصف الشهر، أو الشمس في آخر الشهر، وقرر هذا، وحدد بالدقيقة، ما صار له الأثر المرجو شرعًا.

على كل حال المسألة لها ذيول تأتي في مكانها -إن شاء الله تعالى-، في وقتها.

يقول ابن رجب -رحمه الله-: وما سوى ذلك يعلمه قوم ويجهله قوم، خرَّجه حُميد بن زنجويه، وقد زعم بعضهم كالقرطبي أن هذه الخمس لا سبيل لمخلوق على علم بها قاطع، وأما الظن بشيء منها بأمارة قد يخطئ ويصيب، فليس ذلك بممتنع، ولا نفيه مراد من هذه النصوص.

يعني إذا جيء بالشيء على سبيل الاحتمال؛ لأنه يريد أن يقرر أن المنفي العلم القاطع، أما مجرد احتمالات وتوقعات، وأن هذه الأمارات تدل على كذا، والعلامات تدل على كذا، وأن ما في بطن هذه المرأة كذا بأمارة كذا، بعلامة كذا، لكن لا يقطع به، وكم قطع الأطباء بحمل امرأة وخرج على خلاف ما ظنوه، على أنه يختلف العلم به قبل علم الملَك به، يعني إذا علمه الملَك، خرج عن كونه من المغيبات، لكن قبل علم الملَك لا يمكن أن يعلمه أحد.

على كل حال المسألة لو ذهبنا نسترسل في هذه الأمور يمكن تأخذ علينا وقت الحديث.

قوله: «وسأخبرك عن أشراطها» وفي رواية: «ولكن سأحدثك» وفي رواية: «ولكن لها علامات تعرف بها» الأشراط بفتح الهمزة جمع شرَط بالتحريك، كسبب وأسباب، ونهر وأنهار، وقلم وأقلام، يعني علاماتها، وقيل: مقدماتها، وقيل: صغار أمورها، وفي المحكم والجامع، المحكم لمن؟ لابن سيده، والجامع؟

المقدم: الجامع في اللغة للقزاز؟

القزاز نعم، مر بنا مرارًا.

وفي المحكم والجامع أوائلها، وفي الغريبين لمن؟

سائل: أبي عبيد؟

لا، غريبين ليس بواحد، غريبين للهروي.

عن الأصمعي: ومنه الاشتراط الذي يتشرط بعض الناس على بعض، إنما هي علامة يجعلونها بينهم.

قال العيني: والمراد أشراطها السابقة، لا أشراطها المقارنة كطلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة ونحوها.

يقول ابن حجر، وهذه فائدة اصطلاحية يقول: يستفاد من اختلاف الروايات «سأخبرك» «سأحدثك» يستفاد من اختلاف الروايات أن التحديث والإخبار والإنباء بمعنى واحد، وإنما غاير بينهما أهل الحديث اصطلاحًا {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} [سورة الزلزلة 4] {وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [سورة فاطر 14] لا فرق بينها من حيث اللغة، لكن أهل الحديث غايروا بينها، فجعلوا التحديث على أهل الاصطلاح لمن تحمل بطريق...

المقدم: السماع.

السماع، والإخبار لمن روى بطريق...

طالب: الإجازة.

لا، الإخبار الإخبار.

المقدم: القراءة على الشيخ.

القراءة على الشيخ التي هي العرض، والإنباء في الإجازة، هذا مجرَّد اصطلاح وإلا فالمعنى واحد، ولذا البخاري لا يفرق بين هذه الأمور -رحمه الله-، إنما هو مجرد اصطلاح، حتى يقال: إن أول من فرق بينها بمصر ابن وهب، والإمام مسلم يفرِّق بدقة، حدثنا فلان وفلان وفلان، قال: فلان أخبرنا، وقال الآخران: حدثنا، فمسلم يعتني بهذه الأمور، وهو مجرَّد اصطلاح.

هنا أيضًا نقل عن شرح ابن رجب -رحمه الله تعالى- ابن رجب يقول: قوله: «سأخبرك عن أشراطها» لما كان العلم بوقت الساعة المسؤول عنه غير ممكن انتقل منه إلى ذكر أشراطها، وهي علاماتها الدالة على اقترانها، وهذا كما سأله الأعرابي: متى الساعة؟ فقال: «ما أعددت لها؟» فأعرض عن الجواب عن الساعة إلى ذكر الاستعداد لها لأنه هو المأمور به، نعم الذي يعنيك الاستعداد، أما كونها متى تقوم؟ هذا ليس إليك، وليس من مصلحتك معرفته، وليس إلى أحد معرفته، لا تمكن معرفته «ما أعددت لها؟» هذا الذي يهمك، قد يقول قائل: لماذا لم يحدد وقت الساعة ليستعد الناس مثل ما حدد أوقات الصلاة وأوقات الحج وغيرها من العبادات؟ نقول: هي مثل تحديد عمر الإنسان التي هي قيام قيامته الخاصة، لو حددت ما بقي عمل، الناس ينتظرون إلى آخر لحظة، ولو حدد العمر أيضًا ما بقي للإنسان عمل، يبقى طول عمره في المعاصي فإذا قرب أجله عَمِل، فالمقصود العمل، ولذا قال: فقال: «ما أعددت لها؟» فأعرض عن الجواب عن الساعة إلى ذكر الاستعداد لها؛ لأنه هو المأمور به، وهو الذي يعني السائل وغيره، وينبغي الاهتمام به.

ثم أخبره بشيء من علاماتها وأماراتها، فقال: «إذا ولدت الأمة» التعبير بـ(إذا) للإشعار بتحقق الوقوع؛ ولم يعبر بـ(إن) لأنه لا يصلح أن يقال: إن قامت الساعة كان كذا، بل يرتكب قائله محظورًا؛ لأنه يُشعِر بالشك فيه، من أين؟

الأخ الحاضر:.......

وإذا شرطية.

الأخ الحاضر: لأن إذا تُشعِر أكثر في التحقق.

عندك قاعدة أو ما عندك؟

الأخ الحاضر: .....

هذه قاعدة، تحقق إذا أردت أن تأتي بجملة شرطية مع تحقق وقوعها تأتي بـ(إذا) وإن أردت أن تشك في وقوع هذه الجملة، تأتي بـ(إن) ولذا يقول الشاعر وهذا جئنا به مرارًا:

أنا إن شككت وجدتموني جازمًا 

 

وإذا جزمت فإنني لم أجزم 

كيف؟

الأخ الحاضر: إن شككت...

أنا إن شككت وجدتموني جازمًا 

 

وإذا جزمت فإنني لم أجزم    .

كيف؟

المقدم: يعني هو إذا كان جازمًا يحسبونه شاكًّا.

لا، ما يحسبونه، لا، ما يصلح هذا، لا، ما يصلح.

المقدم: يعني إذا كان شاكًّا يأتي بـ(إن) وإذا كان جازمًا يأتي بـ(إذا).

صحيح، لكن ما معنى البيت؟

أنا إن شككت وجدتموني جازمًا 

 

...................................

ما هي بـ(إن) تجزم و(إذا) لا تجزم؟

المقدم: فعند الشك يستخدم (إن).

إذا أراد الشك في المعنى جاء بـ(إن) التي تجزم في الإعراب، وإذا أراد الجزم في المعنى جاء بـ(إذا) التي لا تجزم في الإعراب.

ووقعت هذه الجملة بيانًا للأشراط نظرًا إلى المعنى والتقدير: ولادة الأمة، وتطاول الرعاة.

«ربها» أي مالكها وسيدها، وذكروا في معنى هذا أوجهًا، الأول: قال الخطابي: معناه اتساع الإسلام واستيلاء أهله على بلاد الشرك، وسبي ذراريهم، فإذا ملك الرجل الجارية واستولدها كان الولد فيها بمنزلة ربها؛ لأنه ولد سيدها، قال النووي وغيره: هذا قول الأكثرين، لكن قال ابن حجر: لكن في كونه المراد نظر، ابن حجر يقول: لكن في كونه المراد نظر، ما مُحصَّل هذا القول؟ معناه اتساع رقعة الإسلام، واستيلاء أهله على بلاد الشرك، وسبي ذراريهم، فإذا ملك الرجل الجارية، سُبِيَت هذه الجارية واستولدها كان الولد منها بمنزلة ربها؛ لأنه ولد سيدها، والولد بمنزلة أبيه؛ لأنه ولد سيدها، قال النووي وغيره: هذا قول الأكثرين، لكن قال ابن حجر: في كونه المراد نظر؛ لأن استيلاد الإماء كان موجودًا حين المقالة، الإماء موجودة في وقت النبي -عليه الصلاة والسلام-، والسياق يدل على أن هذه العلامات لم تحصل، يعني تحصل مقدمات لقيام الساعة، لكن في كونه المراد نظر؛ لأن استيلاد الإماء كان موجودًا حين المقالة، والاستيلاء على بلاد الشرك وسبي ذراريهم باتخاذ سرارٍ، ووقع أكثره في صدر الإسلام، وسياق الكلام يقتضي إشارة إلى وقوع ما لم يقع مما سيقع قرب قيام الساعة.

قال العيني: قلت: في نظره نظر؛ لأن قوله: «إذا ولدت الأمة ربها» كناية عن كثرة التسرِّي من كثرة فتوح المسلمين، واستيلائهم على بلاد الشرك، وهذا بلا شك لم يكن واقعًا وقت المقالة والتسرِّي، وإن كان موجودًا حين المقالة، ولكنه لم يكن من استيلاء المسلمين على بلاد الشرك والمراد ما يكون من هذه الجهة فافهم.

في الانتقاض لابن حجر، انتقاض الاعتراض، قلت: مُحصَّل نظر الأول أن الخطابي إن كان أراد...، من نظر الأول؟ قلت: مُحصَّل نظر الأول، هو ابن حجر، هو الذي نظَّر في كلام الخطابي، يقول: قلت: محصَّل نظر الأول أن الخطابي إن كان أراد مطلق التسري فلا يصح؛ لأنه كان موجودًا عند المقالة، وإن كان أراد بقيد من الاستيلاء فلا يصح؛ لأن الاستيلاء قد وجد في صدر الإسلام، والسؤال إنما وقع عن العلامات التي إذا وجدت قامت الساعة، وإنما لم يجزم الشارح يعني نفسه بردِّه اكتفى بقوله في كونه المراد نظر ما قال: مردود؛ لأن هذا موجود، اكتفى في تنظيره فقط.

وإنما لم يجزم الشارح يعني نفسه برده لاحتمال أن يكون المراد بالعلامة ما يتجدد بعد وقت المقالة، سواء قرب عهد تجدده أم بعد، فاقتصر على قوله: فيه نظر، والله الموفِّق.

الثاني من الاحتمالات: معناه أن الإماء يلدن الملوك، فتكون أم الملك من جملة الرعية، وهو سيدها، وسيد غيرها من رعيته، وهذا قول إبراهيم الحربي، معناه أن الإماء يلدن الملوك، فتكون أم الملك من جملة الرعية وهو سيدها وسيد غيرها من رعيته، هذا قول إبراهيم الحربي، لكن هذا الكلام يستقيم؟ أليس الكلام أيضًا ينطبق على الحرة، إذا ولدت الملك كانت من جملة رعيته، لكن فيه إشارة إلى أنه يكثر في آخر الزمان من يملك زمام الأمر من أبناء الجواري، إن كان هذا هو المراد في كلام إبراهيم الحربي.

والثالث: معناه أن تفسد أحوال الناس فيكثر بيع أمهات الأولاد في آخر الزمان، فيكثر تردادها في أيدي المشترين حتى يشتريها ابنها وهو لا يدري.

قال العيني: وعلى هذا يكون المراد غلبة الجهل بتحريم بيع أمهات الأولاد.

والرابع: أن أم الولد كان عتقها بسبب ولدها بموت أبيه صارت له المنة عليها كمنة السيد الذي أعتق أمته.

والخامس: أن يكثر العقوق في الأولاد، فيعامل الولد أمه معاملة السيد أمته من الإهانة والسب والضرب والاستخدام، وغير ذلك، وأطلق عليه ربها لذلك.

قال ابن حجر: أو المراد بالرب المربي، وهذا أوجه الأوجه عندي لعمومه؛ ولأن المقام يدل على أن المراد حالة تكون مع كونها تدل على فساد الأحوال مستغرَبة، يعني هذا لا يلزم أن تكون الأم أمة، إنما أن تكون الأم مشبَّهة بالأمة. المراد بالرب المربي، وقد وجد من يلفظ بمثل هذه الأمور، وقد وقف بعض الناس بعض المصلحين على مشكلة فيها أن شخصًا يضرب أمه، فسأله عن السبب، فقال: أريد أن أربيها، يربي أمه التي حملته وحضنته وتعبت عليه وأرضعته ونشأته، لا شك أن مثل هذا من العلامات.

يقول ابن حجر: أو المراد بالرب المربي، وهذا أوجه الأوجه عندي لعمومه؛ ولأن المقام يدل على أن المراد حالة تكون مع كونها تدل على فساد الأحوال المستغربة.

إذا كان هذا الكلام مع أم حرة فكيف يكون إذا كانت الأم أمة؟ كيف يكون؟ ومحصَّله: الإشارة إلى أن الساعة يقرب قيامها عند انعكاس الأمور بحيث يصير المربي مربيًا، والسافل عاليًا، والله المستعان، وسيأتي مزيد بيان لهذا -إن شاء الله تعالى-.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المقدم: أحسن الله إليكم ونفع بعلمكم.