كتاب الطهارة من المحرر في الحديث - 07

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين.

 قال ابن عبد الهادي -يرحمه الله- في محرره:

باب صفة الوضوء وفرائضه وسننه

 عن يونس عن ابن شهاب أن عطاء بن يزيد الليثي أخبره أن حمران مولى عثمان بن عفان- رضي الله عنه- أخبره أن عثمان بن عفان- رضي الله عنه- دعا بوَضوء فتوضأ فغسل كفيه ثلاث مرات ثم تمضمض واستنثر واستنشق ثم غسل وجهه ثلاث مرات، ثم غسل يده اليمنى إلى المِرْفَق ثلاث مرات، ثم غسل يده اليسرى مثل ذلك، ثم مسح برأسه، ثم غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاث مرات، ثم غسل رجله اليسرى مثل ذلك، ثم قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- توضأ نحو وُضوئي هذا، ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم قام فركع ركعتين لا يحدث فيهما نفسه، لا يحدث فيهما نفسه، غفر له ما تقدم من ذنبه».

 قال ابن شهاب: وكان علماؤنا يقولون: هذا الوضوء أسبغ ما يتوضأ به أحد للصلاة، متفق عليه، وهذا لفظ مسلم، وقال البخاري: ثم تمضمض واستنشق واستنثر. وعن فطر عن أبي فروة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: رأيت عليًّا -رضي الله عنه- توضأ فغسل وجهه ثلاثًا، وغسل ذراعيه ثلاثًا، ومسح برأسه واحدة، ثم قال: هكذا توضأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، رواه أبو داود عن زياد بن أبي أيوب.."

ابن أيوب، زياد بن أيوب..

زياد بن أيوب؟

ابن أيوب.

"عن زياد بن أيوب عن عبيد الله بن موسى عن فطر، ورواته صادقون، مخرج لهم في الصحيح، وأبو فروة اسمه مسلم بن سالم الجهني."

أقول: تقليد بعض الأئمة اتباعًا للهوى، اتباعًا للهوى موجود، تجد مثلاً شخصًا نغمة الجوال موسيقية، ومعلوم ما أصدرته اللجنة الدائمة في تحريم هذه النغمة ثم يقول لك: إن ابن حزم إمام من أئمة المسلمين يقول: الموسيقى حلال، طيب متى قلدت ابن حزم؟ متى قلدت ابن حزم من أجل أن تقلده في هذا المسألة؟ مسألة هوى وإلا لو قيل له: إن من لازم مذهب الظاهرية أن للابن أن يضرب أباه، لكن لا يجوز له أن يقول له: أف، يرضى الأب أن يقال له مثل هذا الكلام؟ يرضى أن يقال له مثل هذا الكلام؟! المسألة مسألة هوى، نسأل الله السلامة والعافية، ويقول لك: ابن حزم، عامي ما يفهم شيئًا، ابن حزم إمام من أئمة المسلمين يجيز الموسيقى، متى عرفت ابن حزم؟ اقرأ المحلى واقتدِ بابن حزم، وهو إمام من أئمة المسلمين، وصر مقلّدًا صر ظاهريًّا نشوف حياتك هل تستقيم وتستمر أم لا؟  

تصير حلوة حياتك أم مرة، أو جاز لك كلام ابن حزم في الموسيقى، ابن حزم إمام من أئمة المسلمين، لكن له اجتهاداته التي تخصه، له اجتهاداته، وله طوامّ في مسائل الاعتقاد، يعني إذا تجاوزنا مسائل الفروع، وأنه يبني مذهبه على ظواهر النصوص، تعال إلى مسائل الاعتقاد، يقلَّد من يقول: إن المسلمين عندهم أربعة قرآنات، يمكن أن يقلَّد مثل هذا؟!

من يعتمد قول جهم في كثير من المسائل يمكن أن يقلَّد؟! لكن مشكلتنا مع هذه وسائل الإعلام التي أدخلت هذه الشرور إلى بيوت العوام يقول: ابن حزم إمام يبيح الموسيقى، طيب ماذا عن أئمة المسلمين كلهم؟ وهذا يقلد ابن عمر في اللحية نقول: أدخل الماء بعيونك إلى أن تعمى، وقلد ابن عمر بعد، ابن عمر كُفَّ بصره من أجل إدخال الماء في العينين، أما التنقل والتشهي التنقل بين مذاهب الأئمة بحسب الرغبة فهذا في آخر الأمر يخرج من الدين، يخرج بدون دين؛ لأنه يتتبع الرخص، يتبع ابن عمر في هذه، يتبع ابن عباس في هذه، يتبع أبا حنيفة، المسألة إلا القليل النادر فيه أكثر من قول، وفي هذا يقول أهل العلم: من تتبع الرخص تزندقن نعم يخرج من الدين، والله المستعان.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب صفة الوضوء وفرائضه وسننه" صفة الوضوء المتلقاة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، المبيِّن عن الله ما جاء في كتابه، والوضوء عبادة من العبادات، وهو وسيلة وشرط من شروط صحة الصلاة؛ «لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ»، «لا تُقبل صلاة بغير طُهور، ولا صدقة من غلول»، هذا حديث ابن عمر في صحيح مسلم لما عاد ابن زياد لما قال: عظني قال: لا تقبل صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول وكنتَ على البصرة، ما معنى هذا الكلام؟ كان واليًا على البصرة، لكن أنت المريض واحتمال أنك تريد أن تتصدق وأن ترجع وتتوب، إن شاء الله، لكن انتبه كنتَ على البصرة ما معنى هذا الكلام؟

معناه أن من تولى ولاية بحيث يكون رأس الهرم في عمل من الأعمال، ولا يكون فوقه رقيب يخلَّى بينه وبين أمور الدنيا فعليه أن يحتاط أشد الاحتياط، ويخرج من العهدة بيقين، كما دخل، يريد أن يلفت نظره إن كنت تساهلت في شيء من الأشياء من أموال المسلمين فاحتط لنفسك، هذا وقته، فالوضوء شرط من شروط الصلاة لا تصح إلا به، وهو مشتمل على أعمال منها ما هو فرض، ومنها ما هو واجب، ومنها ما هو سنة.

 يقول المؤلف- رحمه الله تعالى-: "عن يونس عن ابن شهاب يونس بن يزيد الأيلي، نعم، عن ابن شهاب محمد بن مسلم الزهري، أن عطاء بن يزيد الليثي أخبره أن حمران مولى عثمان بن عفان أخبره أن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- دعا بوَضوء".

 الوَضوء بالفتح هو الماء الذي يُتَوَضَّأ به، والوُضُوْء هو المصدر الذي هو فعل المكلَّف، استعماله الماء في الطهارة، دعا بوَضوء فتوضأ إما للصلاة أو للتعليم، "فتوضأ فغسل كفيه ثلاث مرات" غسل كفيه هذه سنة قبل الشروع في الوضوء، يغسل يديه، كفيه ثلاث مرات، يعني من أطراف الأصابع إلى الرسغ هذا الكف ثلاث مرات، وهذه سنة، وما يتعلق بمن قام من نوم الليل سيأتي إن شاء الله تعالى.

 "غسل كفيه ثلاث مرات ثم تمضمض واستنثر" مضمض المضمضة إدخال الماء في الفم وإدارته وتحريكه باللسان ومَجُّه، هذه حقيقة المضمضة عند بعضهم، وبعضهم لا يُدخِل المَجّ في حد المضمضة، الفرق بينهما فيما لو بلع الماء هل يقال: تمضمض أم ما تمضمض؟ أدخل الماء في فمه، وحركه بلسانه وشدقيه، ثم ابتلعه، إن مجه تمضمض اتفاقًا، لكن إن ابتلعه على قول؛ لأن منهم من يدخل المج في مسمى المضمضة، وهذا عليه جمع من أهل اللغة، وأنه لا يسمى مضمضة حتى يُمَجّ ويُخرَج من الفم، ومنهم من يقول: إن المضمضة إدخال الماء وتحريكه فقط سواء مجه أو ابتلعه حصلت المضمضة.

 واستنثر استنثر قبل الاستنثار يكون الاستنشاق، وهو جذب الماء من اليد إلى داخل الأنف بالنَّفَس، والاستنثار إخراج الماء من الأنف بالنَّفَس أيضًا، استنشق واستنثر، الاستنشاق شيء، والاستنثار شيء، ومنهم من يقول: إن الاستنثار هو الاستنشاق، هو الاستنشاق بناءً على مثل هذا النص بناءً على مثل هذا النص، فيكون الاستنثار شاملًا لإدخال الماء ولإخراجه، لكن ماذا عن النصوص التي فيها الجمع: استنشق واستنثر؟ هذه تبيِّن أن الاستنثار غير الاستنشاق.

 "ثم غسل وجهه ثلاث مرات، مضمض واستنشق ثم غسل وجهه ثلاث مرات" العطف، عطف غسل الوجه على المضمضة والاستنشاق يدل على أن الأنف والفم من مسمى الوجه أو خارجة عن مسماه؟ لا شك أن الأنف والفم في محيط الوجه وداخلة في حدوده، لكن هل من مسماه لغة وهو ما تحصل به المواجهة يدخل في حقيقته اللغوية الفم والأنف؟

هي موجودة فيه، لكن هل هي من حقيقته اللغوية أم ليست من حقيقته؟

بمعنى أنك لو أردت أن تواجه شخصًا فاغرًا فاك مثلاً مناسب أم غير مناسب؟ فالفم ما تحصل به مواجهة، ومثله الأنف، والمقصود داخله، ما هو خارجه، ولذا عُطِف عليهما الوجه، عُطِف عليهما الوجه، وهذه حجة من يقول: إن المضمضة والاستنشاق ليستا بواجبتين؛ لأنهما لم يذكرا في آية الوضوء {فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ} [سورة المائدة:6]، والذي يقول بوجوبهما يقول: هما داخلان في مسمى الوجه، في محيط الوجه، في الوجه إضافة إلى ما جاء فيما يخصهما من أوامر على ما سيأتي: «إذا توضأت فمضمض»، «فليستنثر»، «فليستنشق»، «فليجعل في منخريه من الماء»، أوامر صريحة، وهي حجة من يقول بوجوب المضمضة والاستنشاق. غسل الكفين ثلاث مرات قبل الوضوء هذه سنة، وسيأتي ما يتعلق بالقائم من النوم، أما إذا كانت اليد نظيفة وأراد أن يتوضأ يغسل الكفين ثلاث مرات على سبيل الاستحباب، ثم مضمض واستنثر، والخلاف فيهما معروف يأتي ذكره، إن شاء الله تعالى، عند ذكر الأمر بهما.

 "ثم غسل وجهه ثلاث مرات" وهذا فرض من فرائض الوضوء إجماعًا، وهو منصوص عليه في آية المائدة ثلاث مرات.

 "ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاث مرات" غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاث مرات، ثلاث مرات اليد من أين؟ تبدأ من أين؟ نهايتها المرفق، لكن بدايتها قد يقول قائل: إن الكفين غسلا ثلاث مرات، فهل هناك داعٍ أن نكرر غسلهما؟

لا بد؛ لأن اليد من أطراف الأصابع إلى المرفق في الوضوء، من أطراف الأصابع إلى المرفق في الوضوء، ولا يجزئ غسلهما الأول، لا يجزئ غسلهما الأول؛ لأن الغسل الأول مستحب، ويلزم منه عدم الترتيب، لو قلنا بالإجزاء يلزم منه عدم الترتيب، غسل يديه أو غسل يده.

 والغسْل في غسل الوجه واليد والرجل من مسماه الدَّلْك عند مالك، لا بد من الدَّلْك، يعني ما يكفي إمرار الماء على اليد أو على الرجل أو على الوجه، بل لا بد من دلكها عند مالك، والجمهور لا يشترطون ذلك، الجمهور لا يشترطون ذلك؛ لأنهم يستدلون بقول العرب: غسله المطر، وغسله العرق، وغسله، يسمونه غسلًا بغير دلك.

 "ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاث مرات، ثم غسل يده اليسرى اليسرى مثل ذلك" الترتيب عند أهل العلم مختلف فيه، لكن على القول بوجوبه هل يجب يعني الوجه يُغسَل قبل اليدين وجوبًا، بل من فرائض الوضوء عند جمع من أهل العلم على ما سيأتي، لكن غسل اليمنى قبل اليسرى أو العكس هما بمنزلة الفرض الواحد، النبي -عليه الصلاة والسلام- غسل يده اليمنى قبل يدِه اليسرى، لكن هما بمنزلة الفرض الواحد، ولذا لو غسل شق وجهه الأيسر قبل الأيمن صح وضوؤه، هذا إذا لم يتم الغسل دفعة واحدة، يعني وكذا لو لكن الترتيب ليس ليس بواجب في الغسل يعني لو أفاض الماء على شقه الأيسر قبل الأيمن فما فيه إشكال، لكن السنة أن يقدِّم اليمين قبل الشمال.

 ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق (إلى) غاية، لبيان الغاية والمغيى، يعني دخول الغاية، الغاية إيش؟ المرفق، والمغيى اليد، فهل تدخل الغاية في مثل هذا، بمعنى أنه يغسل المرفق من النص أو من نصوص خارجية؟

هم يقولون: إذا كانت الغاية من جنس المغيى دخلت، وإذا كانت من غير جنسه لم تدخل، فرأس المرفق هذا رأسه، هل هو تابع للذراع أو تابع للعضد؟ يعني يكون الحد رأس المرفق رأسه أم جميعه؛ لأن المرفق مركب من رأس العضد ورأس الذراع؟ هل نكتفي برأس الذراع أم لا بد من إدخال رأس العضد ليتم المرفق؟

طالب: ............

نعم، لكن من هذا النص ما فيه ما يدل، ما فيه ما يدل لأن الغاية التي هي المرفق مركبة من رأس الذراع ورأس العضد، هذا المرفق، فرأس الذراع داخل، ورأس المرفق ليس بداخل؛ لأنه ليس من جنس المغيى، النصوص الأخرى التي تدل على أن المرفق داخل مثل قوله: توضأ فأدار الماء على مرفقيه، وتوضأ- كما في صحيح مسلم- حتى أشرع في العضد، تدل على أنها داخلة، تدل على أن المرفق كله داخل في غسل اليد.

 "ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاث مرات، ثم غسل يده اليسرى مثل ذلك ثلاث مرات، ثم مسح برأسه، ثم مسح برأسه".

 مسح الرأس سيأتي في حديث علي -رضي الله عنه- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- مسح برأسه واحدة، مسح علي برأسه مرة واحدة، ثم قال: هكذا وضوء رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، رفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهو مسح يناسب عدم التكرير بخلاف الغسل يناسب عدم التكرير؛ إذ لو طلب تكرير المسح لاكتفي بغسله ولو مرة واحدة، ولذا قال: ثم مسح برأسه ولم يقل: ثلاثًا، منهم من يرى استحباب تثليث المسح؛ لعموم توضأ ثلاثًا ثلاثًا، ومسح الرأس من فرائض الوضوء يشمله هذا العموم، لكن مثل قوله: غسل ذراعيه ثلاثًا، ومسح برأسه واحدة يخرج الرأس من هذا العموم، ولذا المرجح أن الرأس لا يمسح إلا مرة واحدة، ولا يكرر مسحه.

 "ثم غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاث مرات، ثم غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاث مرات".

 إلى الكعبين، الكعب عند عامة أهل العلم، والكعبان هما العظمان الناتئان في جانبي القدم، في جانبي القدم، يرى بعض الطوائف أن المراد بالكعب هو العظم الناشز على ظهر القدم عند معقد الشراك، لكن ليس بمراد وليس بصحيح، وإن سُمِّيَ كعبًا؛ لأن كل شيء بارز يسمى كعبًا، ومنه سُميت الكعبة، ومنه قيل للجارية: كاعِب؛ لنشوزه يسمى كعبًا، لكن هل هو المراد في هذا النص؟ غسل رجله اليمنى إلى الكعبين لقال: إلى الكعب، واحد، ما قال: إلى الكعبين؛ لأن هذه رجل واحدة، وعندهم ليس فيها إلا كعب واحد، الأمر الثاني مما يُستَدل به، مما يستدل به على أن المراد بالكعبين العظمان الناشزان على جانبي القدم الحديث المتفق عليه: «ويل للأعقاب من النار، ويل للأعقاب من النار» العقب على القول بأن الكعب هو العظم الناشز على ظهر القدم يدخل أم ما يدخل؟ ما يدخل، ما يدخل.

 ثم غسل رجله اليمنى ثلاث مرات تعيِّن أن فرض الرجل الغسل، فرض الرجل الغسل لا المسح، كما يقول به بعض المبتدعة، فماذا عن قراءة الجر؟

معروف مذهب الشيعة المسح، مسح القدم، ويُنسَب إلى محمد بن جرير الطبري أنه يقول بمسح الرجل؛ لأن قراءة الجر، الرجل على قراءة الجر تكون معطوفة على الرأس، والرأس ممسوح لا مغسول، يُنسَب هذا القول لمحمد بن جرير الطبري، الآن رجعنا إلى تفسير محمد بن جرير الطبري يؤكِّد على مسألة المسح، يؤكِّد على مسألة المسح، ولذا يحصل اللبس في هذه النسبة للإمام، يؤكِّد على مسألة المسح مريدًا به المسح المرادف للغسل؛ لأنه يأتي المسح في لغة العرب يرادف الغسل، ويؤكِّد هذا الفهم بأحاديث «ويل للأعقاب من النار»، ساقها في هذه الآية، فهل يُظَن به أنه يكتفي بالمسح، بمسح الرجل مثل مسح الرأس؟

الأمر الثاني أن محمد بن جرير الطبري هذا الذي نُسب إليه هذا القول يتفق مع هذا الإمام في الكنية، أبو جعفر محمد بن جرير، لكن الجد ابن رُسْتُم الطبري، وهو معروف من الشيعة هذا، فحصل اللبس بينه وبين الإمام المفسِّر، نعم كلام الإمام يؤكِّد على مسألة المس،ح على مسألة المسح، لكن عنده أن المسح في لغة العرب كما يُطلَق على مجرد إمرار اليد المبلولة على العضو يطلق أيضًا على الغسل، وأورد لذلك شواهد، وأورد مع ذلك حديث «ويل للأعقاب من النار» من طرق متعددة، هل نقول: إنه يكتفي بالمسح مع إيراده هذا الحديث؟ ما يمكن، ما يمكن، فنسبة القول إليه خطأ، فنسبة القول إليه خطأ.

 "ثم غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاث مرات" ثلاث مرات، ولو كانت ممسوحة لاكتفي بمرة، مسحة واحدة كالرأس.

 "ثم غسل رجله اليسرى مثل ذلك" يعني ثلاث مرات، "ثم قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- توضأ نحو وُضوئي هذا، توضأ نحو وُضوئي هذا" هل تمكن المماثلة؟ هل يمكن أن يقول: توضأ مثل وضوئي هذا، ومن توضأ مثل وضوئي هذا وفيه في آخره ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من توضأ نحو وضوئي هذا» ما قال مثل؛ لأن المماثلة شبه مستحيلة، شبه مستحيلة المماثلة من كل وجه؛ لأنه يدخل في المماثلة مقدار الماء الذي صُبَّ عليها، كيفية غسلها ودلكها، إلى أن يصل الأمر إلى مقدار الإخلاص في هذا الوضوء؛ لأنه من متطلباته، فلا يمكن أن يتوضأ أحد مثل وضوء النبي -عليه الصلاة والسلام- من كل وجه، ولذا قال: لو قال مثل وضوئي صار عنتًا، بل قال: نحو وضوئي هذا، يعني قريب منه، نحو وضوئي هذا ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من توضأ نحو وضوئي هذا ثم قام فركع ركعتين لا يحدِّث فيهما نفسه غُفر له ما تقدم من ذنبه، لا يحدِّث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه»، وفي الرواية الأخرى ثم قال: «أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وهو على كل شيء قدير إلا دخل الجنة من أي أبوابها الثمانية».

 قال البخاري -رحمه الله تعالى- في كتاب الرقاق: ولا تغتروا؛ لأن الإنسان قد يغتر ويفعل معاصي وجرائم ومنكرات ثم يتوضأ وضوءًا يحرص على أن يكون موافقًا لما جاء عن النبي- عليه الصلاة والسلام- ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله ويغتر بمثل هذا ولذا قال الإمام البخاري ويقول بعضهم أنها من أصل الحديث ولا تغتروا نعم ما نغتر بمثل نصوص الوعد هذه بل على المسلم أن يكون محسنًا لعمله، مخلصًا لربه، مجتنبًا لما نُهي عنه خائفًا راجيًا، {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} [سورة المؤمنون:60]، يعني مع الإحسان إحسان العمل، والثقة بالله -جل وعلا-.

طالب:.........

 الخوف نعم، لا بد أن يكون المسلم خائفا راجيًا ما يقول: والله يفعل ما يشاء من منكرات ويتساهل في الواجبات ثم يأتي لنص رُتِّب عليه دخول الجنة أو غفران الذنوب يغتر بهذا؟ لا؛ لأن هذه طرائق المبتدعة، الاعتماد على بعض النصوص دون بعض، ما الذي أوجد رأي المرجئة إلا الاعتماد على نصوص الوعد، وما الذي أوجد فكر الخوارج إلا الاعتماد على نصوص الوعيد، لكن وُفِّق أهل السنة فنظروا إلى الشريعة متكاملة نصوص الوعد والوعيد، فتوسطوا، فمثل هذه الأمور لا يُغتَرّ بها، على الإنسان أن يمتثل ما أُمِرَ به، وعليه أن يجتنب ما نُهِيَ عنه، وعليه أيضًا أن يأتي هذه الأعمال وقلبه وجل خائف من الله -جل وعلا-؛ لأن الأعمال بالخواتيم، وما يدريك أنه يخطر في بالك شيء يحبط عملك، وما يدريك الآن بعض الناس يفتن في كل يوم مرة أو مرتين ولا يدري، ما هو في كل عام، في كل يوم وهو ما يدري؛ لأن الفتن كثرت، وهذا الزمان المخيف الذي يصبح فيه الرجل مؤمنًا ويمسي كافرًا، فعلى الإنسان أن يكون دائمًا خائفًا من الله -جل وعلا- راغبًا فيما عنده راجيًا له ولاهجًا بذكره وشكره، والثناء عليه، والدعاء الخالص من القلب أن يثبته على هذا الدين.

 «من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم قام فركع ركعتين» هما ركعتا الوضوء، هما ركعتا الوضوء، وهما سنة، وجاء في الحديث الصحيح في حديث بلال، النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا دخل الجنة سمع خشخشة بلال، فسأله، قال: والله ما عندي عمل أرجوه إلا أني لا أذكر أني تطهرت إلا صليت ركعتين، لا أذكر أني تطهرت إلا صليت ركعتين، فهاتان الركعتان، ركعتا الوضوء مشروعيتهما بمثل حديث الباب وبمثل حديث بلال بعد إقرار النبي- صلى الله عليه وسلم-، بعد إقرار النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه قد يقول: بلال اجتهد فهل عنده نص أنه يصلي ركعتين؟ ولماذا لا يكون غيره ممن هو أسبق منه مثله؟

 فيدل على أنه اجتهد، واكتسب اجتهاده الشرعية من إقرار النبي -عليه الصلاة والسلام-، لا يقول قائل: إني ما أذكر أني طلعت من الدوام إلا وصليت ركعتين، ولا أذكر أني دخلت من كذا إلا.. بدون شرعية، إنما اكتسب عمل بلال الشرعية من إقرار النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهذا الحديث صريح في مشروعية صلاة ركعتين بعد الوضوء- «لا يحدِّث فيهما نفسه».

 قد يقول قائل: حديث النفس معفوٌّ عنه، فكيف يشترط انتفاؤه وهو معفو عنه، يعني حديث النفس معفو عنه في سائر الأحوال، لكن في حال الصلاة لو أن الإنسان كبَّر وحدَّث نفسه من التكبير إلى السلام، مثل هذا نقول: حديث نفس معفو عنه؟!

ما فيه مؤاخذة، لكن الأثر المترتب على هذه الصلاة ما له منها شيء؛ لأنه ليس له من صلاته إلا ما عقل، يعني معفو عنه من حيث العقوبة، ما فيه عقوبة، لكن هل تترتب الآثار على حديث نفس الإنسان؟ يحدث نفسه بأمور، وآخر يشغل لسانه بذكر الله- جل وعلا- والتفكر في مخلوقاته، هل أجرهما سواء؟ نقول: هذا معفو عنه، لكن هذا غير هذا، الذي يصلي ركعتين لا يحدث فيهما نفسه يستحق مثل هذا، لكن الذي صلى ركعتين وهو لا يدري ماذا صلى، لا يعقل من صلاته شيئًا، ليس له من الأجر شيء؛ لأن له من الأجر بقدر ما يعقل من صلاته، وليس له من صلاته إلا ما عقل، والصلاة التي يبدأ معها حديث النفس، وينتهي مع نهايتها، هل هذه الصلاة التي تكفر إلى الصلاة الأخرى؟

لا، ليست هذه الصلاة، شيخ الإسلام -رحمه الله- يقول: إن كفرت نفسها نعمة، بركة، ولذا ثبت في الحديث الصحيح أنه ليس للإنسان من صلاته إلا ما عقل، والشيطان، إذا أقبل الإنسان على صلاته، جاء إليه وأجلب عليه وذكَّره بما نسي، وقرَّب له البعيد، وبعَّد له القريب، وفتح له المشاريع، شيء يخصه، وشيء لا يخصه، وشيء لا يخصه ولا يعنيه، ولا شيء، لكن الإنسان بين مُعطى ومحروم.

 شخص صف في مسجد مثل هذا نظيف ومكيَّف وواسع، فتأمل، هو جاء مع الأذن، جاء وصف بقرب المؤذِّن، تأمل إذا أصبح المسجد جامعًا، فلماذا لا يكون جامعًا هذا؟ لا بد أن يكون جامعًا، ثم نظر فإذا هو ما فيه منبر أصلاً، كيف يكون جامعًا وما فيه منبر؟ هذا من بداية الصلاة، فيه غرفة بجوار المحراب قال: تصلح هذه منبرًا بعد التعديلات، يقول: سلم الإمام وأنا أنقل العفش الذي بالغرفة إلى آخر المسجد، أما مسألة الإجراءات والتقديم على المسؤولين فتحتاج إلى صلاة ثانية، الشيطان حريص على مثل هذا، يغيظه أن المسلم يأتي بصلاة كاملة تترتب عليها آثارها، تنهى المصلي عن الفحشاء والمنكر.

 «فركع ركعتين لا يحدث فيهما نفسه» وحديث النفس معروف أنه متجاوز عنه، معفو عنه، وحديث النفس مرتبة من مراتب القصد، مرتبة من مراتب القصد التي أولها الهاجس، ثم الخاطر، ثم حديث النفس، ثم الهم، ثم العزم، فما قبل العزم كله معفو عنه، كما هو معروف. «غفر له ما تقدم من ذنبه» الكبائر أم الصغائر؟

الصغائر، الصغائر نعم؛ لأن الفرائض لا تكفِّر إلا الصغائر، وجاء القيد المعروف «ما اجتُنِبت الكبائر»، «ما لم تغش كبيرة»، أما الكبائر فلا بد فيها من التوبة.

 "قال ابن شهاب: وكان علماؤنا يقولون: هذا الوضوء أسبغ ما يتوضأ به أحد للصلاة، متفق عليه". وهذا فيه التثليث، ما التثليث؟

طالب: ............

نعم غسل الأعضاء ثلاثًا ثلاثًا، والنبي -عليه الصلاة والسلام- ثبت عنه أنه توضأ ثلاثًا ثلاثًا، ومرتين مرتين، ومرة مرة، وتوضأ ملفقًا -عليه الصلاة والسلام-؛ بأن غسل بعض الأعضاء مرة، وبعضها ثلاثًا، فالتثليث هو الأكثر، وهو الأكمل، وهو الأسبغ، ولا تجوز الزيادة على ثلاث مرات، لا تجوز الزيادة على ثلاث مرات، كما سيأتي: «من زاد أو نقص فقد أساء وظلم»، لكن قد يقول قائل: أنا شككت هل غسلت العضو مرتين أو ثلاثًا، إذا شك في صلاته هل صلى ركعتين أو ثلاثًا يبني على الأقل؛ لأنه المتيقن، لكن في الوضوء يبني على الأقل، أو على الأكثر؟

منهم من يطرد هذا ويقول: يبني على الأقل، وهو معروف عند الحنابلة، وغيرهم يبني على الأقل، ويزيد واحدًا؛ ليكون ثلاثًا، لكن المرجح أن يبني على الأكثر، لماذا؟ لأنه إذا بنى على الأكثر وصارت بالفعل ثلاثًا أتى بالسنة إن لم يكن بالفعل ثلاثًا صار ثنتين، مازال في دائرة السنة، لكن لو بنى على الأقل، وزاد واحدة، ثم صارت في الحقيقة أربعًا خرج عن دائرة السنة إلى البدعة، فكونه يتردد فعله بين سنة وسنة أفضل من أن يكون فعله مترددًا بين سنة وبدعة، بخلاف الصلاة، الصلاة تبطل بفقدان هذه الأمر، الوضوء ما يبطل إذا فقدت مرة، فهناك فرق بينهما.

 "هذا الوضوء أسبغ ما يتوضأ به أحد للصلاة، متفق عليه". ذُكِر عن بعض أهل العلم أنه يغسل الأعضاء عشر مرات، ذُكِر في ترجمة ابن دقيق العيد والحافظ العراقي وجمع من أهل العلم أنهم يزيدون، وقال المترجمون: إن هذا لا يخرجهم إلى حد الوسوسة، وإنما هو من باب الاحتياط، وحضرتُ وضوءًا لشخص من كبار أهل العلم، فزاد على العدد المطلوب، إلا أنه اعتذر بأنه أعمى، ما يدري هل أسبغ أم ما أسبغ، ما يدري، يقول: هو رجل أعمى، ما يدري. كل هذا لا يُجدِي، كل هذا لا يُجْدِي، والاحتياط المدَّعَى المزعوم الاحتياط في تركه؛ لأن شيخ الإسلام -رحمه الله- يقول: إذا أدى الاحتياط إلى ارتكاب محظور أو ترك مأمور فالاحتياط في ترك هذا الاحتياط، هذا الاحتياط، الاحتياط أن تدور مع النص، وليس الاحتياط أن تخالف النصوص.

 "متفق عليه، وهذا لفظ مسلم، وقال البخاري: ثم تمضمض واستنشق واستنثر"؛ لأن الرواية التي ساقها المؤلِّف: "ثم مضمض واستنثر"، وعرفنا أن منهم من يرى أن الاستنثار هو الاستنشاق بإدخال الماء وإخراجه، هو الاستنثار، لكن رواية البخاري مفسِّرة، مفسرة؛ "ثم تمضمض واستنشق واستنثر"، وعرفنا أن الاستنشاق إدخال الماء إلى الأنف بالنفس، والاستنثار إخراجه منه.

 يقول: "وعن فِطْر، عن أبي فروة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: رأيت عليًّا، رأيت عليًّا توضأ فغسل وجهه ثلاثًا، وغسل ذراعيه ثلاثًا" يعني مثلما فعل عثمان- رضي الله عنه-، "ومسح برأسه واحدة" صرَّح بأن المسح للرأس واحدة، "ثم قال: هكذا وضوء رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، هكذا وضوء رسول الله -صلى الله عليه وسلم"-. يعني الرفع هنا أو الفعل موقوف في أصله؟ لكن كونه يحكي وضوء النبي -عليه الصلاة والسلام- هنا يكون الرفع.

 "رواه أبو داود عن زياد بن أيوب عن عبيد الله بن موسى عن فطر، ورواته صادقون مخرَّج لهم في الصحيح" صادقون، يكفي في الراوي أن يكون صادقًا؟ يكفي في الراوي أن يكون صادقًا؟ يكفي؟ ما الفرق بين صادق وصدوق، لا بد في الراوي مع صدقه أن يكون ضابطًا، لا بد مع عدالته أن يتصف بشريطة الضبط، قد يكون صادقًا ملازمًا للصدق، ومع ذلك لا يضبط، ويفرِّقون بين صادق وصدوق، يفرقون بين صادق اسم الفاعل، وبين صيغة المبالغة صدوق، الإنسان قد يكون كاذبًا لكن الشيطان إيش؟ كذوب، صدقك وهو كذوب، وهنا فرق بين أن يكون الراوي صادقًا، وأن يكون صدوقًا، مجرد الصدق لا يُشعِر بشريطة الضبط، أما وصف الراوي بصيغة المبالغة التي هي صدوق، وهي محل خلاف طويل بين أهل العلم، أبو حاتم لا يقبل حديث الصدوق، وجمع من أهل العلم، ويقولون: إن مجرد الوصف بهذا ولو صحب المبالغة أنه لا يشعر بشريطة الضبط، يعني هل هناك تلازم بين ملازمة الإنسان للصدق وبين الضبط؟ فيه تلازم؟

 نضرب مثالًا نقول: لو أن شخصًا في يوم عيد مثلاً، وهو من الأعيان، في يوم عيد طُرِق عليه الباب في ذلك اليوم ألف مرة من أجل إيش؟ أن يهنأ بالعيد، هو من الملأ، من كبار القوم، وعنده ولد، طُرق الباب، افتح يا ولد، رجع الولد، مَن؟ فلان ائذن له، بالفعل كان فلانًا، صدق أم كذب؟ صدق إلى أن انتهى الألف، وهو في كل مرة يقول: فلان، ويقع الخبر كما أخبر، صادق، يستحق الوصف بصيغة المبالغة أنه صدوق، ملازم للصدق، الولد، لكن من الغد يا بني من جاءنا أمس؟

 فلان وفلان وفلان، يعد له عشرة، عشرين، وينسى تسعمائة، هل هذا ضابط أم ليس بضابط؟ يعني صار فيه تلازم بين وصف الصدق وبين الضبط؟ ما فيه تلازم، لا تلازم بين وصف الصدق والضبط، ولذا أبو حاتم- لأن أصل المادة لا تُشعِر بشريطة الضبط- يضبط حديث الصدوق الذين يقولون: حديث الصدوق مقبول، وأقل أحواله أن يكون حسنًا، كيف قَبِلوه مع أن الحجة قوية في رده؟ كيف قبلوه؟

 تعرفون أن العمل عند المتأخرين استقر على أن حديث الصدوق حسن، يعني ما هو معروف هذا عندهم؟ استقر على هذا عند المتأخرين يقولون: إن الراوي لا يستحق صيغة المبالغة حتى يكون ملازِمًا للصدق، والصِّدْق نقيض الكذب، والكذب مخالفة الكلام للواقع عن قصد وعمد، ومن غير قصد ولا عمد، بمعنى أن كلامه لا يخالف الواقع، لا عن عمد ولا عن خطأ، إذًا اشترطنا الضبط هنا إذا كان لا يقع الخطأ في كلامه ولا الكذب يساوي الخطأ؛ لأنه لا يشترط في وصف الكذب أن يكون عن عمد، بل قد يوصف بأنه كذب؛ لأنه خالف الواقع، وإن لم يكن قائله متعمدًا، فمادام استحق هذه الصيغة المبالغة، وأنه ملازم للصدق في جميع أحواله وأقواله إذًا لا يقع الخطأ في كلامه؛ لأنه لو وقع الخطأ في كلامه ما سميناه صدوقًا هذه حجتهم، هو الذي استقر عليه الاصطلاح عند المتأخرين، وفيها كلام طويل، واستعماله عند المتأخرين أكثر من استعماله عند المتقدمين. قد تجد ابن حجر يصف رواة كثرًا بأنهم فلان صدوق، وتبحث في أقوال المتقدمين، ما تجد هذه الكلمة من أين أتى بها ابن حجر؟

أتى بها للجمع بين أقوال أهل العلم الذين اختلفوا في هذا الراوي، بعضهم قال: ثقة، وبعضهم قال: ضعيف، وكلام عشرة من الأئمة تميل إلى توثيقه، وعشرة يميلون إلى تضعيفه، فنحت من مجموع هذه الأقوال هذه الكلمة، وهل يلزم أن تكون اجتهاداته كلها صائبة ما يلزم، لكن يكفيه أنه بذل وسعه واستفرغ الجهد، وخرجنا بهذه النتائج، ولا يعني أنه معصوم، وبناءً على ذلك، يعني بناءً على ما استحضره في ذهنه أن الصدوق مرتبة متوسطة بين الثقة والضعيف، والحسن مرتبة متوسطة بين الصحيح والضعيف، استصحب هذا ومشى عليه وجرى عليه، وقوله: رواته صادقون، ما يلزم من الصادق أن يكون ضابطًا مخرجًا لهم في الصحيح هذا الذي عليه المعوَّل كونهم مخرجًا لهم في الصحيح، يعني هل يوجد من رواة الصحيح من هو صدوق؟

يوجد يعني في مرتبة متوسطة بين، يعني على اصطلاح المتأخرين مرتبة متوسطة بين الثقة والضعيف؛ لأن صاحبي الصحيحين ينتقيان من أحاديث الراوي المتكلَّم فيه.

 "مخرج لهم في الصحيح، وأبو فروة اسمه مسلم بن سالم الجهني، مسلم بن سالم الجهني" لكن الذي يهمنا من هذا الحديث أن المسح صُرِّح فيه بأنه واحدة.

طالب: ............

ثم تمضمض واستنشق واستنثر.

طالب: ............

أيهم؟

طالب: ............

ثم مضمض واستنثر هذه الرواية الأولى ماذا فيها؟

طالب: ............

فيه واستنشق عندك؟ أي طبعة هي؟

أرني الطبعة، ارفعها قليلًا وإلا عندنا، ثم مضمض واستنثر وأردفها برواية البخاري، ثم تمضمض واستنشق واستنثر، ما فيها استنشاق أصلاً، الأولى ثم مضمض واستنثر فقط، أرني الطبعة التي معك.

 ارفعها انظر مثل الذي معك؟ تخريجها سهل إن ثبتت؛ لأن الواو لمطلق الجمع ما فيها ترتيب، يعني تكون مثل رواية البخاري ما فيها إشكال.

طالب: ............

أين؟

طالب: ............

استنشق؟

طالب: ............

هو الطبعة التي معنا ما فيها استنشق، ولذلك أردفها برواية البخاري يعني قال: هذا لفظ مسلم، يعني كأن لفظ الشيخين لو فيها استنشق، لو فيها استنشق في مسلم، لو في مسلم استنشق صار هذا لفظ الشيخين.

"قال ابن عبد الهادي -يرحمه الله- وعن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه قال: شهدت عمرو بن أبي حسن قال: سأل عبد الله بن زيد عن وضوء النبي -صلى الله عليه وسلم- فدعا بتَوْر من ماء فتوضأ لهم فكفأه فأكفأ على يديه فغسلهما ثلاثًا، ثم أدخل يده في الإناء فمضمض واستنشق واستنثر ثلاثًا بثلاث غرفات من ماء، ثم أدخل يده في الإناء فغسل وجهه ثلاثًا، ثم أدخل يده في الإناء فغسل يديه إلى المرفقين مرتين مرتين، ثم أدخل يده في الإناء فمسح برأسه فأقبل بيديه وأدبر بهما، ثم أدخل يده في الإناء فغسل رجليه إلى الكعبين فقال: هكذا رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتوضأ، وفي رواية فمضمض واستنثر ثلاث مرات من غرفة واحدة، وفي رواية: بدأ بمقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه متفق عليه."

يقول المؤلف- رحمه الله تعالى-: "وعن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه يحيى قال: شهدت عمرو بن أبي حسن، شهدت عمرو بن أبي حسن سأل عبد الله بن زيد" ابن عاصم راوي الوضوء وهو غير راوي حديث الأذان. "سأل عبد الله بن زيد عن وضوء النبي -عليه الصلاة والسلام- فدعا بتَوْر من ماء تَوْر إناء من ماء فتوضأ لهم".

 توضأ لهم، يعني من أجلهم، لتعليمهم؛ لأنه سئل عن وضوء النبي -عليه الصلاة والسلام- فبدلاً من أن يشرحه بالقول وضحه بالفعل، والفعل أبلغ؛ لأن طريقة تحصيل العلم به المشاهدة، والمشاهدة أقوى من السماع؛ لأن السماع يعتريه ما يعتريه، بينما المشاهدة أقوى، ولذا يستحبون اصطحاب الوسائل في التعليم، الوسائل الموضِّحة في التعليم، وقد جاءت بها بعض النصوص، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- خط بعض الخطط، ووضح بعض الأمور بالقول والفعل، لكن لا يُتَوَسَّع في هذا الأمر ويتلاعَب بالنصوص الغيبية؛ تذرُّعًا بمثل هذا؛ لأن بعض الناس يأتي إلى الآية فيرسم حولها رسومًا يجعلها تصوِّر ما تحتويه الآية، وهذا أمر غيبي، {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً} [سورة النحل:112] يجيء لك بقرية من أبدع القرى، وفيها العمران الشاهق، ثم يرسم صورة أخرى وقد نسفت وقُلِبَت، خُسِف بها، أو يرسم لك النار مثلاً، أو يرسم لك شيئًا من الأمور الغيبية التي مجرد قراءتها أبلغ من تصويرها؛ لأن الأمور الغيبية هذه ليس مما ندركه بعقولنا إلا الأسماء، ولذا جاء أنه ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء.

 يعني لو قرأ الإنسان {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [سورة الرحمن:68] جاء ورسم لك نخلًا ورمانًا وكذا، فهل هذا الكلام صحيح؟!

 لا يا أخي، ما هو بصحيح؛ لأنك تقلل من شأن الجنة، وتهون من شأن النار حينما ترسم، فلا يعني هذا أننا نسترسل في الوسائل التوضيحية للطلاب والتقريبية، لا.

 قد يقول قائل: إنه جاء في بعض النصوص ما يدل على شيء من هذا، لما قرأ {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعاً بَصِيراً} [سورة النساء:134] وضع أصبعه على عينه وعلى أذنه، هل معنى هذا أن العين تشبه العين، والأذن تشبه الأذن؟

لا، إنما تلك العين حقيقة، كما أن هذه العين حقيقة، يعني مثل تشبيه رؤية الباري برؤية القمر هذه حقيقة، لا يمتري أحد في أن رؤية القمر حقيقية، لكن هل الرؤية مثل الرؤية؟ هل المرئي مثل المرئي؟ أبدًا، ولذا ابن خزيمة -رحمه الله تعالى- في كتاب التوحيد يصوِّر بعض الأمور بعبارات بارعة يقول مثلاً، يثبت لله -جل وعلا- وجهًا، فهل معنى هذا أننا نثبت لله وجهًا مثل وجه الإنسان؟ طيب للإنسان وجه، للحمار وجه، للخنزير وجه، للقرد وجه، للديك وجه، هل الوجوه هذه متساوية؟ كلها وجوه لكن هل هذه الوجوه متساوية؟ إذا كانت هذه النسب متفاوتة بين وجوه المخلوقين، فكيف التفاوت بين الخالق والمخلوق؟

 فنقول: مثل هذه الأمور تفعل، لكن في الأمور المشاهدة، ليس في الأمور الغيبية التي لا ندرك مداها، الوسائل التوضيحية تفعل في الأمور المشاهدة، نشوف بعض الناس يسترسل ويرسم، يرسم لك الصراط، ويرسم لك كذا، هذا تهوين من شأنه، جاء في النصوص ما هو أبلغ مما رسمت.

 "فدعا بتور من ماء فتوضأ لهم فكفأ" كفأ يعني أماله على يديه، "فغسلهما ثلاثًا" فغسل يديه ثلاثًا، "ثم أدخل يده في الإناء" يعني بعد أن نظف اليدين، وهذا سنة لغير القائم من النوم، أما ذاك فاختلفوا فيه هل هو واجب أو سنة؟

 "فغسلهما ثلاثًا، ثم أدخل يده في الإناء" يدًا واحدة التي هي اليمنى، "أدخل يده في الإناء فمضمض واستنشق واستنثر ثلاثًا بثلاث غرفات من ماء"، يعني يتمضمض ويستنشق من كف واحدة، يفعل ذلك ثلاثًا، هذا أقوى ما جاء في كيفية المضمضة والاستنشاق، يغرف بيده فيدخل جزءًا منه في فمه والجزء الآخر في أنفه، يتمضمض ويستنشق من كف واحدة، وهذه أقوى الصور، الرواية التي تأتي "فمضمض واستنثر ثلاث مرات من غرفة واحدة" مضمض واستنثر ثلاث مرات من غرفة واحدة، نحن عندنا مضمضة ثلاث مرات، واستنشاق ثلاث مرات، يكون المجموع ستًّا إذا قلنا بثلاث غرفات اجتمع عندنا مضمضة واستنشاق من غرفة واحدة، ومضمضة واستنشاق ومضمضة.. وهكذا، ثلاث غرفات، وهذا واضح، وجاءت به نصوص كثيرة ومفسَّر ومتصوَّر، لكن الرواية مضمض واستنثر ثلاث مرات من غرفة واحدة للثلاث أو لكل مرة؟

طالب: ............

لكل مرة من أجل إيش؟ أن تتفق الروايات، وإلا فمتصوَّر أن الإنسان تكون يده كبيرة ويتمضمض ويستنشق ويستنثر ثلاث مرات بغرفة واحدة، لكن هذه تحتاج إلى يد كبيرة جدًّا، هذه صورة، صورة بثلاث غرفات، وصورة بغرفتين يتمضمض ثلاثًا من غرفة واحدة ويستنشق ثلاثًا من غرفة واحدة، والصورة الثالثة بغرفة واحدة كما في هذه الرواية، لكن قلنا: إن هذه تحتاج إلى يد كبيرة، الصورة الرابعة بست غرفات، بست غرفات، مضمضة بغرفة ومضمضة بغرفة وهكذا، واستنشاق بغرفة وهكذا، ست غرفات، هذه الصور كلها متصورة، لكنها أفضلها أن تكون بثلاث غرفات؛ لأن أكثر الروايات وأصح الروايات على هذا، ومنها حديث الباب.

طالب: ............

أين؟

طالب: ............

يغرف ثم يدخل جزءًا من الماء في فمه، والجزء الآخر في أنفه، ثم يستنثر هذه مرة، يفعل ذلك ثلاثًا.

طالب: ............

كيف؟

طالب: ............

نعم، يمجه، ما يمكن فعلهما في آن واحد.

"بثلاث غرفات من ماء ثم أدخل يده في الإناء" بعد ذلك، "أدخل يده في الإناء فغسل وجهه ثلاثًا" أدخل يده اليد الواحدة أو الثنتين؟ يغسل وجهه بيد واحدة؟ أو يُدخِل اليدين كلتيهما ويغسل وجهه؛ لأن اليد مفرد مضاف، فتعم، يراد بها جنس اليدين.

طالب: ............

ممكن.

 "ثم أدخل يده في الإناء فغسل وجهه ثلاثًا، ثم أدخل يده في الإناء فغسل يديه إلى المرفقين مرتين مرتين".

 أدخل يده في الإناء فغسل يديه إلى المرفقين غسل يديه اليمنى ثم اليسرى إلى المرفقين مرتين مرتين، هناك ثلاثًا، فالوضوء إيش؟ مُلَفَّق، الأول مثلَّث، والثاني ملفق، فيه ثلاث، وفيه مرة، وفيه مرتين مرتين. "ثم أدخل يده في الإناء فمسح برأسه فأقبل بهما وأدبر"، أدخل يده في الإناء، الرأس يُمسح بيد أم باليدين؟ باليدين إذًا أدخل اليدين فمسح برأسه، الباء هذه للإلصاق، ولو حذفت الباء مسح رأسه؛ لأن مسح يتعدى بالباء، ويتعدى بنفسه، لصدق أنه مسحه بدون ماء، إلا أن قوله: ثم أدخل يده في الإناء الذي فيه ماء، فلا يرد مثل هذا الاحتمال، فمسح برأسه، لكن اقتفاء أثر النص للآية هو الأصل في التي هي الأصل في صفة الوضوء.

 "فمسح برأسه فأقبل بهما وأدبر" فأقبل بيديه وأدبر بهما، أقبل وأدبر مقتضى هذا التركيب أن تكون البداية من أين؟ من الخلف؛ ليتم أنه أقبل بعد ذلك أدبر، فهل هذه الصفة المشروعة جاء في بعض الروايات بدأ بمقدَّم رأسه أقبل بهما وأدبر، بدأ بمقدَّم رأسه، هنا يقول: "وفي رواية بدأ بمقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه" إذًا ماذا نقول في أقبل بيديه وأدبر، الواو لا تقتضي ترتيبًا، هذا من أقوى ما يقال في هذا، أن الواو لا تقتضي ترتيبًا، ابن دقيق العيد وجمع من أهل العلم يقولون: إن الإقبال والإدبار أمور نسبية، أمور نسبية يكون أقبل بهما إلى جهة الخلف، ثم أدبر عن هذه الجهة، وتتفق الروايات، لكن الأوضح أن يقال: إن الواو لا تقتضي ترتيبًا.

 "ثم أدخل يده في الإناء فغسل رجليه إلى الكعبين، فقال: هكذا رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وفي رواية: فمضمض واستنثر ثلاث مرات من غرفة واحدة، وفي رواية: بدأ بمقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه الذي بدأ منه" الذي هو الناصية.

والله أعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

طالب: ............

هم يقولون: فائدة الإقبال والإدبار أن الشعر له وجه وله قفا، يعني الشعرة الواحدة اعتبرها مثل الأصبع لو كُبِّرت فلها وجه هذا يُمسَح بالإدبار، والثاني يمسح بالإقبال هذه فائدته، ويأتي مزيد لهذا إن شاء الله تعالى في دروس قادمة.

"