التعليق على تفسير القرطبي - سورة الأحزاب (06)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نعم.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلّ الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

قال الإمام القرطبي -رحمه الله تعالي-: قَوْلُهُ تَعَالَى :{ وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا}. 

فِيهِ تِسْعُ مَسَائِلَ: 

 الْأُولَى: رَوَى التِّرْمِذِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ الزِّبْرِقَانِ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا- قَالَتْ: لَوْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَاتِمًا شَيْئًا مِنَ الْوَحْيِ لَكَتَمَ هَذِهِ الْآيَةَ. { وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ}  يَعْنِي بِالْإِسْلَامِ، وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ بِالْعِتْقِ فَأَعْتَقْتَهُ { أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ}  إِلَى قَوْلِهِ: { وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا}،  وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لَمَّا تَزَوَّجَهَا قَالُوا: تَزَوَّجَ حَلِيلَةَ ابْنِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ}. وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- تَبَنَّاهُ وَهُوَ صَغِير، فَلَبِثَ حَتَّى صَارَ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ زَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: { ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} فُلَانٌ مَوْلَى فُلَانٍ، وَفُلَانٌ أَخُو فُلَانٍ، هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ يَعْنِي أَعْدَل.  

قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ قَدْ رُوِيَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ: عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ : لَوْ كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- كَاتِمًا شَيْئًا مِنَ الْوَحْيِ لَكَتَمَ هَذِهِ الْآيَةَ { وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ}  هَذَا الْحَرْفُ لَمْ يُرْوَ بِطُولِه.

بطوله الذي تقدم في الرواية السابقة عند الترمذي، وإنما هذا القدر معروف في صحيح مسلم، وهذا على سبيل التنزل، لو أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أراد أن يكتم شيئًا من الوحي لكتم هذه الآية؛ لأن فيها شدة عليهم، ومع ذلك لم يكتمها، ومع ذلك هو لم يكتمها {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ}، ولكن ما أبداه في نفسه لم يكن إلا مجرد خلاف الأولى، لم يكن من قبيل المكروه ولا المحرم ولا شيء من ذلك، إنما هو خلاف الأولى، أُخبر بأن زيدًا سيطلق زينب، وأنك سوف تتزوجها من بعده، فلما جاءه زيد يستشيره في أمرها بأنها كانت تترفع عليه؛ لأنه مولى، وهذه طبيعة البشر، فقال له: {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ} مع علمه أنه سوف يطلقها، وتكون من نصيبه -عليه الصلاة والسلام-، نصحه، وهذه هي النصيحة {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ}  حتى لو أن إنسانًا يتمنى أن فلانًا يطلق زوجته، يعني في عامة الناس يتمنى أن فلانًا يطلق زوجته؛ لأنها تعجبه في دينها وفي خلقها وفي جمالها، لكنه ما يظهره له، هذا التمني ما فيه إشكال، هذا التمني لا يظهره، ولا يرتِّب عليه عملًا، ثم بعد ذلك إذا جاءه يستشيره، وفي نفسه هذه الأمنية عليه أن يقول: {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ} من باب النصيحة، وهذه النصيحة لا تنافي هذه الأمنية، مع أنه -عليه الصلاة والسلام- موعودٌ بها، وقد أُخبر أن زيدًا طلقها، وأنك تتزوجها، لكن لما جاءه مَحَضَه النصيحة، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- في هذا المقام حقَّق الأمرين، يعني محض النصيحة، وكتم ما في نفسه مما أُخبر عنه، مع أنه -عليه الصلاة والسلام- في مقامه يختلف عن مقام عامة الناس؛ لأنه جال بخاطره -عليه الصلاة والسلام- أن يُقال: تزوج فلان أو تزوج محمد زوجة ابنه. فأنزل الله -جل وعلا-: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ}.

وخاض الزنادقة والمغرضون والمستشرقون في هذه القصة خوضًا يبرأ منه محمد -عليه الصلاة والسلام-، ويتنزه عنه؛ لأنه معصوم من أن يقول أو يفعل مثلما قالوا.

"قُلْتُ: هَذَا الْقَدْرُ هُوَ الَّذِي أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، وَهُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ. وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ}  نَزَلَتْ فِي شَأْنِ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ وَزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ. وَقَالَ عَمْرُ وابْنُ مَسْعُودٍ وَعَائِشَةُ وَالْحَسَنُ: مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ آيَةً أَشَدَّ عَلَيْهِ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَعَائِشَة: لَوْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَاتِمًا شَيْئًا مِنَ الْوَحْيِ لَكَتَمَ هَذِهِ الْآيَةَ؛ لِشِدَّتِهَا عَلَيْهِ.

وَرُوِيَ فِي الْخَبَرِ أَنَّهُ: أَمْسَى زَيْدٌ فَأَوَى إِلَى فِرَاشِهِ، قَالَتْ زَيْنَبُ: وَلَمْ يَسْتَطِعْنِي زَيْدٌ، وَمَا أَمْتَنِعُ مِنْهُ غَيْرَ مَا مَنَعَهُ اللَّهُ مِنِّي، فَلَا يَقْدِرُ عَلَيَّ. هَذِهِ رِوَايَةُ أَبِي عِصْمَةَ نُوحِ بْنِ أَبِي مَرْيَم، رَفَعَ الْحَدِيثُ إِلَى زَيْنَبَ أَنَّهَا قَالَتْ ذَلِكَ. وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: أَنَّ زَيْدًا تَوَرَّمَ ذَلِكَ مِنْهُ حِينَ أَرَادَ أَنْ يَقْرَبَهَا، فَهَذَا قَرِيبٌ مِنْ ذَلِكَ".

نوح بن أبي مريم معروفٌ أنه ضعيف هالك، نعم. ماذا قال؟

طالب: ........

معروف تالف.

طالب: قال: هذا القول ليس بشيء، نوح هذا متروك، والقول الآتي أيضًا ليس بشيء...

نعم.

»وَجَاءَ زَيْدٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: إِنَّ زَيْنَبَ تُؤْذِينِي بِلِسَانِهَا وَتَفْعَلُ وَتَفْعَلُ! وَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُطَلِّقَهَا، فَقَالَ لَهُ: {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ} الْآيَةَ. فَطَلَّقَهَا زَيْدٌ»، فَنَزَلَتْ: { وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} الْآيَةَ .

 وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ، فَذَهَبَ قَتَادَةُ وَابْنُ زَيْدٍ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ، مِنْهُمُ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ- إِلَى أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- وَقَعَ مِنْهُ اسْتِحْسَانٌ لِزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، وَهِيَ فِي عِصْمَةِ  زَيْدٍ، وَكَانَ حَرِيصًا عَلَى أَنْ يُطَلِّقَهَا زَيْدٌ فَيَتَزَوَّجَهَا هُوَ، ثُمَّ إِنَّ زَيْدًا لَمَّا أَخْبَرَهُ بِأَنَّهُ يُرِيدُ فِرَاقَهَا، وَيَشْكُو مِنْهَا غِلْظَةَ قَوْلٍ وَعِصْيَانَ أَمْرٍ، وَأَذًى بِاللِّسَانِ، وَتَعَظُّمًا بِالشَّرَفِ، قَالَ لَهُ: اتَّقِ اللَّهَ أَيْ فِيمَا تَقُولُ عَنْهَا، وَأَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ، وَهُوَ يُخْفِي الْحِرْصَ عَلَى طَلَاقِ زَيْدٍ إِيَّاهَا. وَهَذَا الَّذِي كَانَ يُخْفِي فِي نَفْسِهِ، وَلَكِنَّهُ لَزِمَ مَا يَجِبُ مِنَ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوف".

هو أدى حق النصيحة، {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ}؛ لأن مثل هذا لا يقتضي الفراق.

وَقَالَ مُقَاتِلٌ: زَوَّجَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ مِنْ زَيْدٍ فَمَكَثَتْ عِنْدَهُ حِينًا، ثُمَّ إِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَتَى زَيْدًا يَوْمًا يَطْلُبُهُ، فَأَبْصَرَ زَيْنَبَ قَائِمَةً، كَانَتْ بَيْضَاءَ جسيمة".

كانت بيضاء جميلة جسيمة.

"كانت بيضاء جَمِيلَةً جَسِيمَةً، مِنْ أَتَمِّ نِسَاءِ قُرَيْشٍ، فَهَوِيَهَا وَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ مُقَلِّبِ الْقُلُوبِ! فَسَمِعَتْ زَيْنَبُ بِالتَّسْبِيحَةِ، فَذَكَرَتْهَا لِزَيْد، فَفَطِنَ زَيْدٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ائْذَنْ لِي فِي طَلَاقِهَا، فَإِنَّ فِيهَا كِبْرًا، تَعْظُمُ عَلَيَّ، وَتُؤْذِينِي بِلِسَانِهَا، فَقَالَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: { أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّه}  . وَقِيلَ: إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ رِيحًا فَرَفَعَتِ السِّتْرَ وَزَيْنَبُ مُتَفَضِّلَةً فِي مَنْزِلِهَا، فَرَأَى زَيْنَبَ فَوَقَعَتْ فِي نَفْسِهِ، وَوَقَعَ فِي نَفْسِ زَيْنَبَ أَنَّهَا وَقَعَتْ فِي نَفْسِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، وَذَلِكَ لَمَّا جَاءَ يَطْلُبُ زَيْدًا، فَجَاءَ زَيْدٌ فَأَخْبَرَتْهُ بِذَلِكَ، فَوَقَعَ فِي نَفْسِ زَيْدٍ أَنْ يُطَلِّقَهَا".

هذه الأخبار كلها ليست بصحيحة. ماذا يقول؟

طالب: قال مقاتل لا يُحتَج برواية ما يتفرد به، وقال الحافظ في الفتح: وردت آثار أخرجها ابن أبي حاتم والطبري، ونقلها كثير من المفسرين لا ينبغي التشاغل بها.

وقال عن الأثر الآخر: هذا منكر لا يُشتَغل بأمثاله، كما ذكر الحافظ و....

بلا شك هذه لا أصل لها، وهذه نظير ما لُفِّق من الإسرائليات على داود -عليه السلام-، أنه هوي امرأة، فبعث زوجها بالجهاد؛ ليقتل، ثم ليتزوجها من بعده، هذا لا يليق بمقام الأنبياء -عليهم السلام-.

 "وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ} الْحُبَّ لَهَا. {وَتَخْشَى النَّاسَ} أَيْ تَسْتَحْيِيهِمْ. وَقِيلَ: تَخَافُ وَتَكْرَهُ لَائِمَةَ الْمُسْلِمِينَ لَوْ قُلْتَ: طَلِّقْهَا، وَيَقُولُونَ: أَمَرَ رَجُلًا بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ ثُمَّ نَكَحَهَا حِينَ طَلَّقَهَا. {وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ. وَقِيلَ: وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَسْتَحِيَ مِنْهُ، وَلَا تَأْمُرَ زَيْدًا بِإِمْسَاكِ زَوْجَتِهِ بَعْدَ أَنْ أَعْلَمَكَ اللَّهُ أَنَّهَا سَتَكُونُ زَوْجَتَكَ، فَعَاتَبَهُ اللَّهُ عَلَى جَمِيعِ هَذَا. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ: أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ قَدْ أَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ أَنَّ زَيْدًا يُطَلِّقُ زَيْنَب، وَأَنَّهُ يَتَزَوَّجُهَا بِتَزْوِيجِ اللَّهِ إِيَّاهَا، فَلَمَّا تَشَكَّى زَيْدٌ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- خُلُقَ زَيْنَبَ، وَأَنَّهَا لَا تُطِيعُهُ، وَأَعْلَمَهُ أَنَّهُ يُرِيدُ طَلَاقَهَا، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى جِهَةِ الْأَدَبِ وَالْوَصِيَّةِ: اتَّقِ اللَّهَ فِي قَوْلِكَ، وَأَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ سَيُفَارِقُهَا وَيَتَزَوَّجُهَا".

وليس في هذا  تنافٍ ولا تناقض، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- مَحَضَ زيدًا النصيحة، وأن هذه الأمور التي ذكرها لا تقتضي طلاقًا، وأما ما وُعد به مما يترتب عليه من حكمة وحكم شرعي، فكما قال بالنسبة لعائشة -رضي الله عنها-: إن يرد الله شيئًا يمضه، كأن الله قد أراد أن يتزوج هذه المرأة فالله يمضي طلاقها من زيد، ويتزوجها، مع أنه وُعد بذلك.

 وعلى كل حال قام في هذا المقام أجلّ المقامات، وأما كونه يُلام أنه يخفي في نفسه ما الله مبديه فهذا لا شك أنه أخفى لنفسه ما هو خلاف الأولى؛ لأنه مع محضه النصيحة، خشي أن يقال: إن محمدًا تزوج زوجة ابنه، ثم جاء ما يدل على أنه ليس بابن له، {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ}. نعم.

 "وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَخْفَى فِي نَفْسِهِ، وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يَأْمُرَهُ بِالطَّلَاقِ؛ لِمَا عَلِمَ أَنَّهُ سَيَتَزَوَّجُهَا، وَخَشِيَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ يَلْحَقَهُ قَوْلٌ مِنَ النَّاسِ فِي أَنْ يَتَزَوَّج  زَيْنَبَ بَعْدَ زَيْدٍ، وَهُوَ مَوْلَاهُ، وَقَدْ أَمَرَهُ بِطَلَاقِهَا".

يعني بعض الناس قد يظهر للناس أنه يبدي النصيحة، يأتي شخص يشتكي زوجته ويقول: إن فيها وفيها وفيها وفيها، فيقول له: يا فلان هذه امرأة صالحة، وإن كان فيها وفيها ويضيف عليه أضعاف ما ذكره زوجها، هو كاذب في نصيحته، يريد منه أن يطلقها، فبعض الناس يظهر للناس ما لا يخفيه في نفسه من أمر لا يجوز، هو محرم.

 وجاءت امرأة الأعمش تشتكي على واحد، تشتكي الأعمش أن فيه وفيه وفيه، قال: لا يغرنك منه عمش عينيه، تعرف أنه أعمش، ثم قال: وحمش ساقيه، ونتن فيه، وبدأ يعدِّد أشياء ما تدري أول مرة تسمع عنه، وبعضها صحيح، وبعضها ليس بصحيح، وكل هذا لأنه يريد أن يطلقها؛ ليتزوجها. وجاء شخص يقول لآخر، يستشيره قال: إن زوجته امرأة جميلة وخلوقة وكذا وكذا يمدحها، لكنها أصرَّت إلا أن أدخّل التليفزيون، قال: لا لا، ما يجوز، هذه فارقها ما يجوز، لا تستجب لها، وفي قرارة نفسه أنه إذا طلقها تزوجها، ولبى طلبها، وهذا كلامه، نسأل الله العافية، نسأل الله العافية.

 من هنا يأتي اللوم الشرعي والمنع الشرعي، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أخفى في نفسه خلاف الأولى، محضه النصيحة وقال له: {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ} ، ومع ذلك هو يخشى أن يقال: تزوج زوجة ابنه، ثم جاء النفي، وليس في الآية أدنى إشكال مع شدتها على النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنها مقامات، يعني كونه يعاتب النبي -عليه الصلاة والسلام- بمثل هذا الكلام الذي الناس كلهم جروا عليه، لكن مقامه فوق مقامات الناس -عليه الصلاة والسلام-، كما قالوا: حسنات الأبرار سيئات المقربين.

 "فَعَاتَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى هَذَا الْقَدْرِ مِنْ أَنْ خَشِيَ النَّاسَ فِي شَيْءٍ قَدْ أَبَاحَهُ اللَّهُ لَهُ، بِأَنْ قَالَ: أَمْسِكْ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ يُطَلِّقُ. وَأَعْلَمَهُ أَنَّ اللَّهَ أَحَقُّ بِالْخَشْيَةِ، أَيْ فِي كُلِّ حَالٍ. 

قَالَ عُلَمَاؤُنَا -رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ-: وَهَذَا الْقَوْلُ أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ أَهْلُ التَّحْقِيقِ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ وَالْعُلَمَاءِ الرَّاسِخِينَ، كَالزُّهْرِيِّ وَالْقَاضِي بَكْرِ بْنِ الْعَلَاءِ الْقُشَيْرِيِّ، وَالْقَاضِي أَبِي بَكْرِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ وَغَيْرِهِمْ".

ولا منافاة بين ما في هذه الآية {وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} مع ما جاء من الأمر بالاستتار وعدم المجاهرة بالمعصية؛ لأن العاصي يقول: إذا كان الله -جل وعلا- يعلم بي ويعلم مكاني ويعلم معصيتي، فلماذا أستتر؟ كيف أخشى الناس والله أحق أن أخشاه؟ فالمجاهرة والاستتار ما فيه فرق، والله -جل وعلا- {يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} [طه:7]، ويعلم ما ظهر وما بطن، فكوني أستتر إنما هو عن أعين الناس لا عن عين الله -جل وعلا-، هل هذا من باب قوله: {وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ}؟

يعني شخص مركب الطبق فوق سطحه ويراه الناس كلهم، فقيل له: ألا تستحي أنت لست بإنسان عادي، ولا شخص من عامة الناس، فجاء فرفع السور وزوَّده بلوكتين، وصار الناس ما يشوفونه، هل هذا من قوله: {وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} أو أن هذا من باب الاستتار؟

هو الأصل أن يستجيب لداعي الخير، وأن يقلع عن معصيته فورًا، لكن هل المجاهر مثل المستتر؟ لا، »كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِونَ» أو المجاهرين كما جاء في بعض الروايات، والذي يستحي من الناس لا شك أنه على خير على كل حال، ما لم يُظهر لهم خلاف ما يبطن، لم يُظهر لهم خلاف ما يبطن، إذا أظهر لهم أنه إنسان تقي صالح، وإذا خلا بمحارم الله وتفرَّد بها اقترفها، فهذا جاء الوعيد عليه الشديد، نسأل الله العافية، إذا أظهر للناس خلاف ما يبطن، وكذلك إذا أظهر للناس من فعل الخير ما يُمدح به، وقصده ونيته خلافه، كمن هاجر لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها، هذا إذا تظاهر أنه هاجر لله -جل وعلا- وإلى رسوله، وفي قرارة نفسه أنه يهاجر للدنيا أو المرأة يُذم، والسياق سياق ذم في الحديث، لكن لو بحث عن عمل، وظيفة أو مصدر رزق في بلده فلم يجد فسافر من أجل هذا، يلام أم يلام؟ هاجر من أجل هذا ما يلام، وكذلك لو بحث عن امرأة في بلده ما وجد، وسافر إلى بلد آخر وتزوج، ما يلام، إلا إذا أظهر للناس أنه إنما هاجر لله ورسوله، هاجر إلى بلاد الحرمين مثل مكة أو المدينة وقال: أنا أريد أن أجاور بقية عمري، وحقيقة الحال أن هناك امرأة قالت: لا أتزوجك حتى تسكن في مكة أو في المدينة، وأظهر للناس أنه مجاور، فهذا يُذم.

 هذا هاجر لامرأة يتزوجها، هذا هاجر لامرأة يتزوجها، ومثل هذا لو أن إنسانًا في مثل هذا اليوم دخل المسجد أو خرج من بيته وبيده الكيس الذي يحمل فيه المتاع، وفيه التمر والقهوة والماء، وفتح المسجد ودخل وجلس ووضع السماط، وانتظر الآذان، وكل من دخل قاله: تفضل يا أخي، تعال افطر، وهو ما صام، ما فيه أحد يمنعه من الأكل في هذا الوقت، ولا فيه أحد يمنعه من الأكل في المسجد، كل هذا مباح، لكن كونه يُظهر للناس أنه صائم في هذا اليوم فهنا يأتي الذنب، وإلا فالأكل مباح ما فيه شيء، والله المستعان.

"وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَتَخْشَى النَّاسَ} إِنَّمَا هُوَ إِرْجَافُ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّهُ نَهَى عَنْ تَزْوِيجِ نِسَاءِ الْأَبْنَاءِ، وَتَزَوَّجَ بِزَوْجَةِ ابْنِهِ. فَأَمَّا مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- هَوِيَ زَيْنَبَ امْرَأَةَ زَيْد، وَرُبَّمَا أَطْلَقَ بَعْضُ الْمُجَّانِ لَفْظَ عَشِقَ، فَهَذَا إِنَّمَا يَصْدُرُ عَنْ جَاهِلٍ بِعِصْمَةِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ مِثْلِ هَذَا، أَوْ مُسْتَخِفٍّ بِحُرْمَتِهِ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ فِي نَوَادِرَ الْأُصُولِ، وأُسند".

وأَسنَد.

" وَأَسْنَدَ إِلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ قَوْلَهُ".

أسند يعني ذكره بإسناده، وكتاب النوادر معروف أنه بالأسانيد، لكن المطبوع منه بغير أسانيد، المطبوع محذوف الأسانيد، والكتاب فيه أسانيد، مع أنه إذا تفرد بخبر فلا يحتاج إلى بحث، ضعيف بلا إشكال.

 "فَعَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ جَاءَ بِهَذَا مِنْ خِزَانَةِ الْعِلْمِ جَوْهَرًا مِنَ الْجَوَاهِرِ، وَدُرًّا مِنَ الدُّرَرِ، أَنَّهُ إِنَّمَا عَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي أَنَّهُ قَدْ أَعْلَمَهُ أَنْ سَتَكُونُ هَذِهِ مِنْ أَزْوَاجِكَ، فَكَيْفَ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ لِزَيْدٍ: أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَأَخَذَتْكَ خَشْيَةُ النَّاسِ أَنْ يَقُولُوا: تَزَوَّجَ امْرَأَةَ ابْنِهِ، وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ. وَقَالَ النَّحَّاسُ: قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: لَيْسَ هَذَا مِنَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- خَطِيئَةً، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمْ يُؤْمَرْ بِالتَّوْبَةِ وَلَا بِالِاسْتِغْفَارِ مِنْهُ".

وإنما هو خلاف الأولى، خلاف الأولى، وإذا فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- خلاف الأولى يُعاتَب عليه كما في قضية الأسرى.

" وَقَدْ يَكُونُ الشَّيْءُ لَيْسَ بِخَطِيئَةٍ إِلَّا أَنَّ غَيْرَهُ أَحْسَنُ مِنْهُ، وَأَخْفَى ذَلِكَ فِي نَفْسِهِ؛ خَشْيَةَ أَنْ يُفْتَتَنَ النَّاسُ.

الثَّانِيَةُ: قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيّ:ِ فَإِنْ قِيلَ لِأَيِّ مَعْنًى قَالَ لَهُ: { أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ}  وَقَدْ أَخْبَرَهُ اللَّهُ أَنَّهَا زَوْجُهُ.

قُلْنَا: أَرَادَ أَنْ يَخْتَبِرَ مِنْهُ مَا لَمْ يُعْلِمْهُ اللَّهُ مِنْ رَغْبَتِهِ فِيهَا أَوْ رَغْبَتِهِ عَنْهَا، فَأَبْدَى لَهُ زَيْدٌ مِنَ النُّفْرَةِ عَنْهَا وَالْكَرَاهَةِ فِيهَا مَا لَمْ يَكُنْ عَلِمَهُ مِنْهُ فِي أَمْرِهَا.

 فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَأْمُرُهُ بِالتَّمَسُّكِ بِهَا وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ الْفِرَاقَ لَا بُدَّ مِنْهُ؟ وَهَذَا تَنَاقُضٌ.

قُلْنَا: بَلْ هُوَ صَحِيحٌ لِلْمَقَاصِدِ الصَّحِيحَةِ؛ لِإِقَامَةِ الْحُجَّةِ وَمَعْرِفَةِ الْعَاقِبَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ –تَعَالَى- يَأْمُرُ الْعَبْدَ بِالْإِيمَانِ وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ، فَلَيْسَ فِي مُخَالَفَةِ مُتَعَلَّقِ الْأَمْرِ لِمُتَعَلَّقِ الْعِلْمِ مَا يَمْنَعُ مِنَ الْأَمْرِ بِهِ عَقْلًا وَحُكْمًا. وَهَذَا مِنْ  نَفِيسِ الْعِلْمِ فَتَيَقَّنُوهُ وَتَقَبَّلُوهُ".

هذا من ابن العربي كلام جميل جيد، وكونه يغري به فتيقنوه وتقبلوه لا شك أنه ليس من باب التمدح بمثل هذا الكلام، وإنما هو من باب إغراء طالب العلم بمثل هذا الكلام؛ لأنه قد يمر عليه من دون توقف فلا يثبت في ذهنه، فأراد أن يراجعه؛ ليتقنه ويقبله؛ لأنه كلام نفيس.

"وَقَوْلُهُ: {وَاتَّقِ اللَّهَ} أَيْ فِي طَلَاقِهَا، فَلَا تُطَلِّقْهَا. وَأَرَادَ نَهْيَ تَنْزِيهٍ لَا نَهْيَ تَحْرِيمٍ؛ لِأَنَّ الْأَوْلَى أَلَّا يُطَلِّقَ. وَقِيلَ: اتَّقِ اللَّهَ فَلَا تَذُمَّهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْكِبْرِ وَأَذَى الزَّوْجِ. {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ} قِيلَ: تَعَلُّقَ قَلْبِهِ. وَقِيلَ: مُفَارَقَةَ زَيْدٍ إِيَّاهَا. وَقِيلَ: عِلْمَهَ بِأَنَّ زَيْدًا سَيُطَلِّقُهَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْلَمَهُ بِذَلِكَ.

 الثَّالِثَةُ: رُوِيَ »عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ لِزَيْدٍ: مَا أَجِدُّ فِي نَفْسِي أَوْثَقَ مِنْكَ فَاخْطُبْ زَيْنَبَ عَلَيَّ»".

يعني بعد أن طلقها.

" »قَالَ: فَذَهَبْتُ وَوَلَّيْتُهَا ظَهْرِي تَوْقِيرًا لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، وَخَطَبْتُهَا فَفَرِحَتْ وَقَالَتْ: مَا أَنَا بِصَانِعَةٍ شَيْئًا حَتَّى أُوَامِرَ رَبِّي، فَقَامَتْ إِلَى مَسْجِدِهَا»"

يعني تستخير.

»"فَقَامَتْ إِلَى مَسْجِدِهَا وَنَزَلَ الْقُرْآنُ، فَتَزَوَّجَهَا النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- وَدَخَلَ بِهَا».

 قُلْتُ: مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحِ. وَتَرْجَمَ لَهُ النَّسَائِيُّ (صَلَاةُ الْمَرْأَةِ إِذَا خُطِبَتْ وَاسْتِخَارَتُهَا رَبَّهَا) رَوَى الْأَئِمَّةُ وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ »عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمَّا انْقَضَتْ عِدَّةُ زَيْنَبَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- لِزَيْدٍ: فَاذْكُرْهَا عَلَيَّ قَالَ: فَانْطَلَقَ زَيْدٌ حَتَّى أَتَاهَا وَهِيَ تُخَمِّرُ عَجِينَهَا. قَالَ: فَلَمَّا رَأَيْتُهَا عَظُمَتْ فِي صَدْرِي، حَتَّى مَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَنْظُرَ إِلَيْهَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ذَكَرَهَا»".

يعني لهذا السبب.

» فَوَلَّيْتُهَا ظَهْرِي، وَنَكَصْتُ عَلَى عَقِبِي، فَقُلْت: يَا زَيْنَبُ، أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَذْكُرُكِ، قَالَتْ: مَا أَنَا بِصَانِعَةٍ شَيْئًا حَتَّى أُوَامِرَ رَبِّي، فَقَامَتْ إِلَى مَسْجِدِهَا وَنَزَلَ الْقُرْآنُ. وَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَدَخَلَ عَلَيْهَا بِغَيْرِ إِذْنٍ. قَالَ: فَقَالَ وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَطْعَمَنَا الْخُبْزَ وَاللَّحْمَ حِينَ امْتَدَّ النَّهَارُ» الْحَدِيثَ. فِي رِوَايَةٍ: (حَتَّى تَرَكُوهُ)".

يعني من كثرته.

"وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَنَسٍ أَيْضًا قَالَ:  »مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَوْلَمَ عَلَى امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ مَا أَوْلَمَ عَلَى زَيْنَبَ، فَإِنَّهُ ذَبَحَ شَاةً». قَالَ عُلَمَاؤُنَا: فَقَوْلُهُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- لِزَيْدٍ: فَاذْكُرْهَا عَلَيَّ أَيِ اخْطُبْهَا، كَمَا بَيَّنَهُ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ. وَهَذَا امْتِحَانٌ لِزَيْدٍ وَاخْتِبَارٌ لَهُ، حَتَّى يُظْهِرَ صَبْرَهُ وَانْقِيَادَهُ وَطَوْعَهُ".

نعم؛ لأن هذا من أشق الأمور على النفس، من أشق الأمور على النفس أن تطلق امرأة وتخطبها لغيرك، شاق عليك، والإجابة شاقة عليها؛ لأنك أنت الوسيط، والطليق بغيض عند الناس، ومن أشق الأمور أن تطلق امرأة وتجعل أباها سفيرًا لك عند غيره، تقول: اخطب لي بنت فلان مثلًا أو أخوها، لا يتحملون مثل هذه الأمور، لكن هؤلاء يسِّيرهم الدين من غير نظرٍ إلى أمر آخر، لا ينظرون إلى حظوظ النفس، لكن الدين يسِّيرهم. الله المستعان,

طالب:.....................

ماذا؟

طالب:.....................

في أي وقت كان، ما فيه وقت محدد، الأصل أنها وقت الدخول عند جمع من أهل العلم، ومنهم من يقول: إنها عند العقد.

 "قُلْتُ: وَقَدْ يُسْتَنْبَطُ مِنْ هَذَا أَنْ يَقُولَ الْإِنْسَانُ لِصَاحِبِهِ: اخْطُبْ عَلَيَّ فُلَانَةً، لِزَوْجِهِ الْمُطَلَّقَةِ مِنْهُ، وَلَا حَرَجَ فِي ذَلِكَ. وَاللَّهُ أَعْلَم". 

يعني ما فيه حرج شرعي، لكن فيه حرج عرفي الآن، يصعب على الإنسان أن تقول له: أنت طلقت فلانة اذهب واخطبها لي. 

"الرَّابِعَةُ: لَمَّا وَكَّلَتْ أَمْرَهَا إِلَى اللَّهِ وَصَحَّ تَفْوِيضُهَا إِلَيْهِ تَوَلَّى اللَّهُ إِنْكَاحَهَا، وَلِذَلِكَ قَالَ: { فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا}. وَرَوَى الْإِمَامُ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ آبَائِهِ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- (وَطَرًا زَوَّجْتُكَهَا). وَلَمَّا أَعْلَمَهُ اللَّهُ بِذَلِكَ دَخَلَ عَلَيْهَا بِغَيْرِ إِذْنٍ، وَلَا تَجْدِيدِ عَقْدٍ وَلَا تَقْرِيرِ صَدَاقٍ، وَلَا شَيْءٍ مِمَّا يَكُونُ شَرْطًا فِي حُقُوقِنَا وَمَشْرُوعًا لَنَا. وَهَذَا مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ -صلى الله عليه وسلم- الَّتِي لَا يُشَارِكُهُ فِيهَا".

كما أن له أن يتزوج الواهبة من غير صداق خالصة له من دون المؤمنين، وهذه من خواصه. وخصائصه -عليه السلام- في باب النكاح كثيرة، وهي ظاهرة وأظهر من غيره من الأبواب. نعم.

"وَهَذَا مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ -صلى الله عليه وسلم- الَّتِي لَا يُشَارِكُهُ فِيهَا أَحَدٌ بِإِجْمَاعٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. وَلِهَذَا كَانَتْ زَيْنَبُ تُفَاخِرُ نِسَاءَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَتَقُولُ: »زَوَّجَكُنَّ آبَاؤُكُنَّ، وَزَوَّجَنِي اللَّهُ تَعَالَى»، أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَتْ زَيْنَبُ تَفْخَرُ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- تَقُولُ: »إِنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- أَنْكَحَنِي مِنَ السَّمَاء». وَفِيهَا نَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ، وَسَيَأْتِي الْخَامِسَةُ: الْمُنْعَمُ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ هُوَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، كَمَا بَيَّنَّاهُ".

يعني أنعم الله عليه بالإسلام، وأنعم عليه النبي -عليه الصلاة والسلام- بالعتق على ما تقدم.

 "وَقَدْ تَقَدَّمَ خَبَرُهُ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ. وَرُوِيَ أَنَّ عَمَّهُ لَقِيَهُ يَوْمًا وَكَانَ قَدْ وَرَدَ مَكَّةَ فِي شُغْلٍ لَهُ، فَقَالَ: مَا اسْمُكَ يَا غُلَامُ؟ قَالَ: زَيْدٌ، قَالَ: ابْنُ مَنْ؟ قَالَ  ابْنُ حَارِثَةَ. قَالَ ابْنُ مَنْ؟ قَالَ: ابْنُ شَرَاحِيلَ الْكَلْبِيِّ قَالَ: فَمَا اسْمُ أُمِّكَ؟ قَالَ :سُعْدَى، وَكُنْتُ فِي أَخْوَالِي طَيٍّ، فَضَمَّهُ إِلَى صَدْرِهِ. وَأَرْسَلَ إِلَى أَخِيهِ وَقَوْمِهِ فَحَضَرُوا، وَأَرَادُوا مِنْهُ أَنْ يُقِيمَ مَعَهُمْ، فَقَالُوا: لِمَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: لِمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّه، فَأَتَوْهُ وَقَالُوا: هَذَا ابْنُنَا فَرُدَّهُ عَلَيْنَا. فَقَالَ: اعْرِضْ عَلَيْهِ، فَإِنِ اخْتَارَكُمْ فَخُذُوا بِيَدِهِ، فَبَعَثَ إِلَى زَيْدٍ وَقَالَ: هَلْ تَعْرِفُ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: نَعَمْ هَذَا أَبِي، وَهَذَا أَخِي، وَهَذَا عَمِّي. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: فَأَيُّ صَاحِبٍ كُنْتُ لَكَ؟ فَبَكَى وَقَالَ: لِمَ سَأَلْتَنِي عَنْ ذَلِكَ؟ قَالَ: أُخَيِّرُكَ، فَإِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ تَلْحَقَ بِهِمْ فَالْحَقْ، وَإِنْ أَرَدْتَ أَنْ تُقِيمَ فَأَنَا مَنْ قَدْ عَرَفْتَ، فَقَالَ: مَا أَخْتَارُ عَلَيْكَ أَحَدًا. فَجَذَبَهُ عَمُّهُ وَقَالَ: يَا زَيْدُ، اخْتَرْتَ الْعُبُودِيَّةَ عَلَى أَبِيكَ وَعَمِّكَ؟! فَقَالَ: أَيْ وَاللَّهِ الْعُبُودِيَّةُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَكُونَ عِنْدَكُمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: اشْهَدُوا أَنِّي وَارِثٌ وَمَوْرُوثٌ. فَلَمْ يَزَلْ يُقَالُ: زَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ إِلَى أَنْ نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} وَنَزَلَ {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُم}.

القصة تقدم نظيرها في أول السورة إلا ما كان من قوله: اشهدوا أني وارث وموروث . ماذا قال عنها المخرج؟

طالب: ........

لكن الجملة اشهدوا أني وارث وموروث ما تقدمت، ما تقدمت.

طالب: تقدم هذا الحديث بطوله في أول السورة.

نعم، معروف تقدم أول السورة، لكن ما فيه أني وارث وموروث. فقال محمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند ذلك: »يامعشر قريش اشهدوا أنه ابني يرثني وأرثه».  يرثني وأرثه هذا قبل أن يُنسخ ويبين للنبي -عليه الصلاة والسلام- أنه لا يورث، فالأنبياء لا تورث، ما تركوه صدقة. أول السورة أول السورة، وجدت؟

طالب: نعم.

طالب: قال: صحيح أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي في التفسير .....

طيب، نعم.

"السَّادِسَةُ: قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ السُّهَيْلِيُّ -رضي الله عنه-: كَانَ يُقَالُ زَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَتَّى نَزَلَ { ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ}  فَقَالَ: أَنَا زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ .وَحُرِّمَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ: أَنَا زَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ. فَلَمَّا نُزِعَ عَنْهُ هَذَا الشَّرَفُ وَهَذَا الْفَخْرُ".

يعني شرف الانتساب إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، لما مُنع منه عُوض عنه.

" وَعَلِمَ اللَّهُ وَحْشَتَهُ مِنْ ذَلِكَ شَرَّفَهُ بِخِصِّيصَةٍ لَمْ يَكُنْ يَخُصُّ بِهَا أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-".

وهو أنه ذُكر باسمه في القرآن، ما فيه غيره أحد ذُكر باسمه العلم في القرآن إلا ما كان من الأنبياء ونحوهم.

 وَهِيَ أَنَّهُ سَمَّاهُ فِي الْقُرْآنِ، فَقَالَ تَعَالَى: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا}  يَعْنِي مِنْ زَيْنَبَ. وَمَنْ ذَكَرَهُ اللَّهُ –تَعَالَى- بِاسْمِهِ فِي الذِّكْرِ الْحَكِيمِ حَتَّى صَارَ اسْمُهُ قُرْآنًا يُتْلَى فِي الْمَحَارِيبِ، نَوَّهَ بِهِ غَايَةَ التَّنْوِيهِ، فَكَانَ فِي هَذَا تَأْنِيسٌ لَهُ وَعِوَضٌ مِنَ الْفَخْرِ بِأُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- لَهُ. أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ حِينَ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-:» إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ سُورَةَ كَذَا » فَبَكَى وَقَالَ: أَوَذُكِرْتُ هُنَالِكَ؟ وَكَانَ بُكَاؤُهُ مِنَ الْفَرَحِ حِينَ أُخْبِرَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَهُ".

يعني سماه، ذكره باسمه.

" فَكَيْفَ بِمَنْ صَارَ اسْمُهُ قُرْآنًا يُتْلَى مُخَلَّدًا لَا يَبِيدُ، يَتْلُوهُ أَهْلُ الدُّنْيَا إِذَا قَرَءُوا الْقُرْآنَ، وَأَهْلُ الْجَنَّةِ كَذَلِكَ أَبَدًا، لَا يَزَالُ عَلَى أَلْسِنَةِ الْمُؤْمِنِينَ، كَمَا لَمْ يَزَلْ مَذْكُورًا عَلَى الْخُصُوصِ عِنْدَ رَبِّ الْعَالَمِينَ، إِذِ الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ الْقَدِيمُ، وَهُوَ بَاقٍ لَا يَبِيدُ".

كلامه القديم يعني قديم النوع، ومع ذلك هو محدث الآحاد فالله -جل وعلا- يتكلم، تكلم في الأزل والقدم، ويتكلم ولا يزال يتكلم متى يشاء إذا شاء.

 قد يقول قائل: إن مجرد الذكر لا يدل على المدح، فقد ذُكر إبليس، وذُكر فرعون، وذُكر هامان، وذكر من ذُكر، وذُكر الأنبياء، فمجرد الذكر لا يعني المدح، لكن الذي يفيد المدح السياق، يعني شخص من هذه الأمة لم يُذكر غيره في القرآن، ولم يُذم بهذا الذكر، لا شك أن هذه مزية. مزية وخصيصة لا توجد لغيره، أما من ذُكر من الأنبياء فمعروف موقعهم ووضعهم، وأنهم مدحوا، وما ذكر من عداهم فإنما ذُكِروا على سبيل الذم {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} [المسد:1]، نعم. فذكره على سبيل الذم لا شك أنه في مقابل الذكر على سبيل المدح، فإذا كان هنالك خصيصة يرتفع بها الإنسان، فهذه أيضًا مسلبة يتضع بها الإنسان.

 "فَاسْمُ زَيْدٍ هَذَا فِي الصُّحُفِ الْمُكَرَّمَةِ الْمَرْفُوعَةِ الْمُطَهَّرَةِ، تَذْكُرُهُ فِي التِّلَاوَةِ السَّفَرَةُ الْكِرَامُ الْبَرَرَةُ. وَلَيْسَ ذَلِكَ لِاسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَّا لِنَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، وَلِزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ تَعْوِيضًا مِنَ اللَّهِ -تَعَالَى -لَهُ مِمَّا نُزِعَ عَنْهُ. وَزَادَ فِي الْآيَةِ أَنْ قَالَ: { وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَيْ بِالْإِيمَانِ}، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، عَلِمَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ، وَهَذِهِ فَضِيلَةٌ أُخْرَى.

السَّابِعَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَطَرًا} الْوَطَرُ كُلُّ حَاجَةٍ لِلْمَرْءِ لَهُ فِيهَا هِمَّةٌ".

ويدخل في طلب المسلمين في صلواتهم من أولهم إلى آخرهم، الذين يتلون سورة الفاتحة، المسلم يسأل الله -جل وعلا- أن يهديه الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم، ومنهم زيد، وهذه خصيصة لا توجد لغيره. استدل أهل العلم على صحة إمامة أبي بكر بقوله -جل وعلا-: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ* صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة:6-7] مع آية النساء {الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ} [النساء:69]، فإمامة أبي بكر؛ لأنه صديق، ثبت بالنص أنه صديق، وطُلب منا أن نسأل الصراط المستقيم الذي اتبعوه واقتضوا به، وأما بالنسبة لزيد فالتنصيص عليه بالحرف، أنعم الله عليه.

"الْوَطَرُ كُلُّ حَاجَةٍ لِلْمَرْءِ لَهُ فِيهَا هِمَّةٌ، وَالْجَمْعُ الْأَوْطَارُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيْ بَلَغَ مَا أَرَادَ مِنْ حَاجَتِهِ، يَعْنِي الْجِمَاعَ. وَفِيهِ إِضْمَارٌ، أَيْ لَمَّا قَضَى وَطَرَهُ مِنْهَا وَطَلَّقَهَا زَوَّجْنَاكَهَا. وَقِرَاءَةُ أَهْلِ الْبَيْتِ (زَوَّجْتُكَهَا)".

يعني التي سبق ذكرها عن جعفر بن محمد عن أبيه.

 "وَقِيلَ: الْوَطَرُ عِبَارَةٌ عَنِ الطَّلَاقِ، قَالَهُ قَتَادَةُ. 

الثَّامِنَةُ: ذَهَبَ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ، وَمِنْ قَوْلِ شُعَيْبٍ: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ} [القصص:27] إِلَى أَنَّ تَرْتِيبَ هَذَا الْمَعْنَى فِي الْمُهُورِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ: (أَنْكَحَهُ إِيَّاهَا)، فَتَقَدَّمَ ضَمِيرُ الزَّوْجِ كَمَا فِي الْآيَتَيْنِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- لِصَاحِبِ الرِّدَاءِ: اذْهَبْ فَقَدْ أَنْكَحْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهَذَا غَيْرُ لَازِمٍ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ فِي الْآيَةِ مُخَاطَبٌ فَحَسُنَ تَقْدِيمُهُ، وَفِي الْمُهُورِ الزَّوْجَانِ سَوَاءٌ، فَقَدِّمْ مَنْ شِئْتَ، وَلَمْ يَبْقَ تَرْجِيحٌ إِلَّا بِدَرَجَةِ الرِّجَالِ".

يعني سواءٌ قلت: أنكحتك إياها، أو أنكحتها إياك؛ لأن الفعل يتعدى إلى مفعولين هما الزوج والزوجة، ولا مزية لأحدهما على الآخر، إلا أن الذكورة في الأصل مقدمة على الأنوثة.

 "وَلَمْ يَبْقَ تَرْجِيحٌ إِلَّا بِدَرَجَةِ الرِّجَالِ، وَأَنَّهُمُ الْقَوَّامُون".

نعم النساء تؤخر كما في النص حيث أخَّرهن الله.

 "التَّاسِعَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {زَوَّجْنَاكَهَا} دَلِيلٌ عَلَى ثُبُوتِ الْوَلِيِّ فِي النِّكَاحِ، وَقَدْ: تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ. رُوِيَ أَنَّ عَائِشَةَ وَزَيْنَبَ تَفَاخَرَتَا، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: »أَنَا الَّتِي جَاءَ بِي الْمَلَكُ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ فَيَقُولُ: هَذِهِ امْرَأَتُكَ» خَرَّجَهُ الصَّحِيحُ.

وترجم عليه باب النظر إلى المخطوبة؛ لأن جبرائيل جاء بها في المنام في سرقة من حرير، وقال: هذه زوجتك، فنظر إليها النبي -عليه الصلاة والسلام- كما في الصحيح وقال: »إن يرد الله شيئًا يمضه»، فالبخاري ترجم عليه باب النظر إلى المخطوبة، مع أنها نظر إلى غير مكلفة، نظر إلى غير مكلفة، وأورد معه حديث سهل في قصة الواهبة: صعد النظر وصوبه، وهذا أخص.

 "وَقَالَتْ زَيْنَبُ: »أَنَا الَّتِي زَوَّجَنِي اللَّهُ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ»، وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: كَانَتْ زَيْنَبُ تَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: إِنِّي لَأَدِلُّ عَلَيْكَ بِثَلَاثٍ، مَا مِنْ نِسَائِكَ امْرَأَةٌ تَدِلُّ بِهِنَّ: إِنَّ جَدِّي وَجَدَّكَ وَاحِدٌ، وَإِنَّ اللَّهَ أَنْكَحَكَ إِيَّايَ مِنَ السَّمَاءِ، وَإِنَّ السَّفِيرَ فِي ذَلِكَ جِبْرِيلُ. وَرُوِيَ عَنْ زَيْنَبَ أَنَّهَا قَالَتْ: لَمَّا وَقَعْتُ فِي قَلْبِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لَمْ يَسْتَطِعْنِي زَيْدٌ، وَمَا أَمْتَنِعُ مِنْهُ غَيْرَ مَا يَمْنَعُهُ اللَّهُ –تَعَالَى- مِنِّي فَلَا يَقْدِرُ عَلَيَّ".

تقدم هذا؟

طالب: ........

تقدم.

طالب:.........................

أنت ما حضرت من أول الأمر؟ لا، ما وقع شيء، النبي -عليه الصلاة والسلام- وُعِد بها، وُعِد بها فجاء زيد يستشيره بطلاقها، وأنها تترفع عليه شأن الحرة مع المولى، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: { أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ}  هذا من باب النصيحة، مَحَضَه النصيحة، وإن كان قد وُعد بها إلا أنه دار في خاطره ما سيقوله الناس من أن محمدًا تزوَّج زوجة ابنه؛ لأنه عُرف زيد بن محمد، زوجة ابنه، فخاف من كلام الناس في مثل هذا، ولذا قال: {وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} مثل هذا لا أثر ولم يحصل لا حب ولا عشق، ولا شيء.

طالب:.........................

ماذا يعني؟

طالب:.........................

طلَّقها زيد وخطبها للنبي -عليه الصلاة والسلام- وأنكحها الله إياه من فوق سبعة أرقعة، كما في الحديث.

طالب:......................

أولم عليها من غير صداق، ما يحتاج إلى صداق،

طالب:.......................

العدة ما ذُكرت، لكنها مطلوبة، لكن الصداق ما فيه صداق كالواهبة.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: { سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ} هَذِهِ مُخَاطَبَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِجَمِيعِ الْأُمَّةِ. أَعْلَمَهُمْ أَنَّ هَذَا وَنَحْوَهُ هُوَ السُّنَنُ الْأَقْدَمُ فِي الْأَنْبِيَاءِ أَنْ يَنَالُوا مَا أَحَلَّهُ لَهُمْ، أَيْ سُنَّ لِمُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- التَّوْسِعَةُ عَلَيْهِ فِي النِّكَاحِ سُنَّةَ الْأَنْبِيَاءِ الْمَاضِيَةِ، كَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ. فَكَانَ لِدَاوُدَ مِائَةُ امْرَأَةٍ وَثَلَاثُمِائَةِ سُرِّيَّةٍ، وَلِسُلَيْمَانَ ثَلَاثُمِائَةِ امْرَأَةٍ وَسَبْعُمِائَةِ سُرِّيَّةٍ".

والنكاح من سنن المرسلين »من رغب عن سنتي فليس مني» ردًّا على من قال: لا أتزوج النساء. نعم.

طالب:...................

العدة لا بد منها، العدة لا بد منها، وليس في هذا اختصاص.

" وَذَكَرَ الثَّعْلَبِيُّ عَنْ مُقَاتِلٍ وَابْنِ الْكَلْبِيِّ أَنَّ الْإِشَارَةَ إِلَى دَاوُدَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، حَيْثُ جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ فُتِنَ بِهَا".

على أنه لا يصح ما ذكره المفسرون من الإسرائيليات في هذا الباب شيء.

 وَ{سُنَّةَ} نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَرِ، أَيْ سَنَّ اللَّهُ لَهُ سُنَّةً وَاسِعَةً و{الَّذِينَ خَلَوْا} هُمُ الْأَنْبِيَاءُ، بِدَلِيلِ وَصْفِهِمْ بَعْدُ بِقَوْلِهِ: { الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ}.  

قَوْلُهُ تَعَالَى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا}.  

فِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ: 

الْأُولَى: لَمَّا تَزَوَّجَ زَيْنَبَ قَالَ النَّاسُ: تَزَوَّجَ امْرَأَةَ ابْنِهِ، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ، أَيْ لَيْسَ هُوَ بِابْنِهِ حَتَّى تُحَرَّمَ عَلَيْهِ حَلِيلَتُهُ، وَلَكِنَّهُ أَبُو أُمَّتِهِ فِي التَّبْجِيلِ وَالتَّعْظِيمِ، وَأَنَّ نِسَاءَهُ عَلَيْهِمْ حَرَامٌ. فَأَذْهَبَ اللَّهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ".

ولذا عامة أهل العلم في قوله -جل وعلا- {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ } [النساء:23]، يُخرِج ولد التبني، يُخرج ولد التبني، ولا يخرج ولد الولد كحالة ما إذا أراد جده أن يتزوج ابنته، ولا الولد من الرضاعة في قول الأكثر، وإنما يخرج ولد التبني كما هنا.

"فَأَذْهَبَ اللَّهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ مَا وَقَعَ فِي نُفُوسِ الْمُنَافِقِينَ وَغَيْرِهِمْ، وَأَعْلَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يَكُنْ أَبَا أَحَدٍ مِنَ الرِّجَالِ الْمُعَاصِرِينَ لَهُ فِي الْحَقِيقَةِ".

يعني حال كونهم رجالًا، أما في حياته فكان أبًا حقيقة لأطفال، أما رجال فما فيه، فكان أبًا لإبراهيم وأبًا للقاسم من صلبه، ولم يدرك منهم أحدًا، من صلبه ما أدرك منهم أحدًا، وأسباطه كالحسن والحسين في حياته صغار، وما صاروا رجال إلا بعد وفاته -عليه الصلاة والسلام-.

"وَلَمْ يَقْصِدْ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ، فَقَدْ وُلِدَ لَهُ ذُكُورٌ إِبْرَاهِيمُ، وَالْقَاسِمُ،   وَالطَّيِّبُ، وَالْمُطَهَّر، وَلَكِنْ لَمْ يَعِشْ لَهُ ابْنٌ حَتَّى يَصِيرَ رَجُلًا. وَأَمَّا الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ فَكَانَا طِفْلَيْنِ، وَلَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ مُعَاصِرَيْنِ لَهُ. 

الثَّانِيَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ} قَالَ الْأَخْفَشُ وَالْفَرَّاءُ:  أَيْ وَلَكِنْ كَانَ رَسُولَ اللَّهِ. وَأَجَازَا {وَلَكِنْ رَسُولُ اللَّهِ وَخَاتَمُ} بِالرَّفْعِ. وَكَذَلِكَ قَرَأَ ابْنُ أَبِي عَبْلَةَ وَبَعْضُ النَّاسِ (وَلَكِنْ رَسُولُ اللَّهِ) بِالرَّفْعِ، عَلَى مَعْنَى هُوَ رَسُولُ اللَّهِ وَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ. وَقَرَأَتْ فِرْقَةٌ (وَلَكِنَّ) بِتَشْدِيدِ النُّونِ، وَنَصْبِ (رَسُولَ اللَّهِ)

عَلَى أَنَّهُ اسْمُ (لَكِنَّ) وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ.

وَ{خَاتَمَ} قَرَأَ عَاصِمٌ وَحْدَهُ بِفَتْحِ التَّاءِ، بِمَعْنَى أَنَّهُمْ بِهِ خُتِمُوا، فَهُوَ كَالْخَاتَمِ وَالطَّابَعِ لَهُمْ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ بِكَسْرِ التَّاءِ بِمَعْنَى أَنَّهُ خَتَمَهُمْ، أَيْ جَاءَ آخِرَهُمْ. وَقِيلَ: الْخَاتَمُ وَالْخَاتِمُ لُغَتَانِ، مِثْلُ طَابَعٍ وَطَابِعٍ، وَدَانَقٍ وَدَانِقٍ، وَطَابَقٍ مِنَ اللَّحْمِ وَطَابِقٍ.

 الثَّالِثَةُ: قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: هَذِهِ الْأَلْفَاظُ عند جَمَاعَةُ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ خَلَفًا وَسَلَفًا مُتَلَقَّاةٌ عَلَى الْعُمُومِ التَّامِّ مُقْتَضِيَةٌ نَصًّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ -صلى الله عليه وسلم-".

لأنه -عليه الصلاة والسلام- به خُتموا، به خُتموا خاتم النبيين، خلاف من قال: إنه كالخاتم بمعنى أنه أفضلهم ومقدمهم، ولا يعني أنه خاتمهم، وهذه ذلة وهفوة، قد جاءت الأدلة القطعية على أنه لا نبي بعده.

" وَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِالْهِدَايَةِ: مِنْ تَجْوِيزِ الِاحْتِمَالِ فِي أَلْفَاظِ هَذِهِ الْآيَةِ ضَعِيفٌ. وَمَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَهَذَا الْمَعْنَى فِي كِتَابِهِ الَّذِي سَمَّاهُ بِالِاقْتِصَادِ".

الاقتصاد في الاعتقاد لأبي حامد الغزالي.

"إِلْحَادٌ عِنْدِي، وَتَطَرُّقٌ خَبِيثٌ إِلَى تَشْوِيشِ عَقِيدَةِ الْمُسْلِمِينَ فِي خَتْمِ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- النُّبُوَّةَ، فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ مِنْهُ! وَاللَّهُ الْهَادِي بِرَحْمَتِه.

قُلْتُ: وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ".

ما راجعت كلام الغزالي، ما راجعته، هل ـحد راجعه؟

طالب:.........................

لأن مثل هذا الكلام نقله الأُبِّي عن ابن بُزيزة وقال: إن الغزالي ألحد في هذه الكلمة، وكلامه زندقة وخروج عن الملة، أنا ما راجعت كلام الغزالي، كلام الأُبي قبل يمكن ثلاثين سنة أنا ما راجعته، ولكن كلام الغزالي ما رجعته، في نفسي أراجع كلام الغزالي ولا تيسر.
طالب:.......................

الاقتصاد مطبوع ومتداول، مشهور كثير يعني وطُبع طبعات كثيرة، الاقتصاد في الاعتقاد عندنا منه نسخ وطبعات متعددة.

طالب: ........

بلا شك.

"قُلْتُ: وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ» لَا نُبُوَّةَ بَعْدِي إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ»".

يعني إن صح الاستثناء، حُمل على الرؤيا،  وأنها جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة.

 "قَالَ أَبُو عُمَرَ : يَعْنِي الرُّؤْيَا - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - الَّتِي هِيَ جُزْءٌ مِنْهَا ، كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام:ُ» لَيْسَ يَبْقَى بَعْدِي مِنَ  النُّبُوَّةِ إِلَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ» وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ (مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ نَبِيًّا خَتَمَ النَّبِيِّينَ). قَال َالرُّمَّانِيُّ: خُتِمَ بِهِ -عليه الصلاة والسلام- الِاسْتِصْلَاحُ ، فَمَنْ لَمْ يَصْلُحْ بِهِ فَمَيْئُوسٌ مِنْ صَلَاحِه". 

نعم، لا صلاح إلا عن طريقه -عليه الصلاة والسلام-، يعني من يبحث عن الصلاح من أي طريق كان غير طريق المصطفى -عليه الصلاة والسلام- كما يفعله كثير من المتصوفة بالرياضات ومجاهدة النفس ومخالفت هواها، وهذا لا يمكن أن يصل إلى الصلاح، ولا إلى تزكية النفس بهذه الطريقة، كيف يصل إلى صلاح القلب، وتزكية النفس من يترك صلاة الجمعة؟! وهذا عندهم ولي، دخل عليهم مُريد وقت صلاة الجمعة، فلما عُوتب لماذا ما صليت الجمعة؟ قال: الفقهاء يقولون: الخائف على ماله له أن يترك الجمعة والجماعة، وأنا خائف على قلب هذا المريد، وهو أعز من المال وأغلى. بهذه الطرق تُنال التزكية والصلاح؟

لا والله، الفارابي أبو نصر جاور البيت الحرام آخر عمره، وكان يصوم النهار ويقوم الليل، ويفطر على أفئدة الحملان والخمر المعتق، بمثل هذا تُستصلَح النفوس؟ ما فائدة هذه المجاورة؟! وأحمد أمين ذكر عن شيخ له أنه فقده في آخر عمره وبحث عنه عشر سنوات ما وجده، ثم إنه ذهب إلى تركيا في زيارة لها، فوجد هذا الشيخ قد اعتزل الناس، فصار يلازم الصيام والقيام، إلا أن صيامه يبدأ من الضحى، ما يتسحر إلا الساعة التاسعة الضحى، والسبب في ذلك -نسأل الله العافية، ونعوذ بالله من الخذلان- السبب أن الشقة التي تحته في السكن فيها عائلة يهودية، ولا يريد أن يزعجهم إذا استيقظ للسحور، شيء ما يخطر على البال، والضلال لا نهاية له، ما ينتهي الضلال لحد، نسأل الله العافية، بمثل هذا تُستصلَح النفوس؟! ما فيه إلا عن طريق المصطفى -عليه الصلاة والسلام-، كل طريق غير طريقه مسدود.
"قُلْتُ: وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ : »بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ» وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-:» مَثَلِي وَمَثَلُ الْأَنْبِيَاءِ كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى دَارًا فَأَتَمَّهَا وَأَكْمَلَهَا إِلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ فَجَعَلَ النَّاسُ يَدْخُلُونَهَا وَيَتَعَجَّبُونَ مِنْهَا وَيَقُولُونَ لَوْلَا مَوْضِعُ اللَّبِنَة»،  قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- » فَأَنَا مَوْضِعُ اللَّبِنَةِ جِئْتُ فَخَتَمْتُ الْأَنْبِيَاءَ» . وَنَحْوُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: » فَأَنَا اللَّبِنَةُ وَأَنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ».

 قوْلُهُ تَعَالَى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا } أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى عِبَادَهُ بِأَنْ يَذْكُرُوهُ وَيَشْكُرُوهُ، وَيُكْثِرُوا مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِمْ. وَجَعَلَ تَعَالَى ذَلِكَ دُونَ حَدٍّ لِسُهُولَتِهِ عَلَى الْعَبْدِ".

لأن الذكر ما يكلِّف، ما جُعل حد محدود للذكر، إنما حث الله -جل وعلا- وحث نبيه -عليه الصلاة والسلام- على كثرة الذكر، سبق المفرِّدون {الذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ}، وجاء في أنواع من الذكر وجمل خُصّت من غيرها، ورُتِّب عليها أجور عظيمة وهي لا تأخذ دقائق. والله المستعان، نعم.

 "وَلِعِظَمِ الْأَجْرِ فِيهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمْ يُعْذَرْ أَحَدٌ فِي تَرْكِ ذِكْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ غُلِبَ عَلَى عَقْلِهِ".

ومن غُلب على عقله، وقد كان الذكر ديدنه في صحته، يستمر ولو غُلب على عقله يذكر الله، المؤذن يؤذن وهو في الغيبوبة، والذاكر يذكر الله، والشتام اللعان يلعن ويشتم وهو في الغيبوبة {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [الليل:4].

والقرآن يسمع واضحًا من بعض المغمى عليهم.

 "وَرَوَى أَبُو سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: »أَكْثِرُوا ذِكْرَ اللَّهِ حَتَّى يَقُولُوا مَجْنُونٌ»".

ضعيف.

طالب: قال: ضعيف أخرجه أحمد والحاكم وابن حبان من حديث أبي سعيد، وإسناده ضعيف فيه دراج عن ابن الهيثم، وذكره الذهبي في ترجمة دراج، وعده من مناكيره .....

دراج أبو السمح ضعيف. نعم.

وَقِيلَ: الذِّكْرُ الْكَثِيرُ مَا جَرَى عَلَى الْإِخْلَاصِ مِنَ الْقَلْبِ، وَالْقَلِيلُ مَا يَقَعُ عَلَى حُكْمِ النِّفَاقِ كَالذِّكْرِ بِاللِّسَانِ".

يعني مقابل الذكر بالقلب وهو ما يقابل النسيان بأن يكون العبد ذاكرًا لربه غير ناسٍ له، ويترتب على ذلك من الخوف والخشية والمحبة والرضا والتسليم واليقين من هذا الذكر، مع أن النصوص التي جاءت بالحث على الذكر إنما هو الذي يتواطأ فيه القلب مع اللسان.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا } أَيِ اشْغَلُوا أَلْسِنَتَكُمْ فِي مُعْظَمِ أَحْوَالِكُمْ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّكْبِيرِ. قَالَ مُجَاهِدٌ: وَهَذِهِ كَلِمَاتٌ يَقُولُهُنَّ الطَّاهِرُ وَالْمُحْدِثُ وَالْجُنُبُ. وَقِيلَ: ادْعُوهُ".

التَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ هذه الباقيات الصالحات وهي غراس الجنة، كما جاء في الحديث الصحيح أن إبراهيم -عليه السلام- قال لمحمد -صلى الله عليه وسلم-:  »أخبر أمتك أن الجنة قيعان، وأن غراسها التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير».

"قَالَ جَرِيرٌ:   

فَلَا تَنْسَ تَسْبِيحَ الضُّحى إِنَّ يُوسُفًا            دَعَا رَبَّهُ فَاخْتَارَهُ حينَ سَبَّحَا
  

وَقِيلَ: الْمُرَادُ صَلُّوا لِلَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا، وَالصَّلَاةُ تُسَمَّى تَسْبِيحًا".

ولاسيما النافلة يقال لها: سُبحة، منها سبحة الضحى يعني صلاة الضحى.

 "وَخُصَ الْفَجْرُ وَالْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّهَا أَحَقُّ بِالتَّحْرِيضِ عَلَيْهَا؛ لِاتِّصَالِهَا بِأَطْرَافِ اللَّيْلِ".

ولأنها تقع في الظلام، تقع في الليل، في ظلام الليل قبل انتشار الصبح، والإسفار، فيحث عليها، وهي ثقيلة على المنافقين لاسيما العشاء والصبح.

 "وَقَالَ قَتَادَةُ وَالطَّبَرِيُّ: الْإِشَارَةُ إِلَى صَلَاةِ الْغَدَاةِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ".

نعم، هما صلاة البردين.

" وَالْأَصِيلُ: الْعَشِيُّ وَجَمْعُهُ أَصَائِلُ. وَالْأُصُلُ بِمَعْنَى الْأَصِيلِ، وَجَمْعُهُ آصَال، قَالَهُ الْمُبَرِّدُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: أُصُلُ جَمْعُ أَصِيلٍ، كَرَغِيفٍ وَرُغُفٍ. وَقَدْ تَقَدَّمَ. 

مَسْأَلَةٌ: هَذِهِ الْآيَةُ مَدَنِيَّةٌ، فَلَا تَعَلُّقَ بِهَا لِمَنْ زَعَمَ أَنَّ الصَّلَاةَ إِنَّمَا فُرِضَتْ أَوَّلًا صَلَاتَيْنِ فِي طَرَفَيِ النَّهَارِ. وَالرِّوَايَةُ بِذَلِكَ ضَعِيفَةٌ، فَلَا الْتِفَاتَ إِلَيْهَا، وَلَا مُعَوَّلَ عَلَيْهَا. وَقَالَ: مَضَى الْكَلَامُ فِي كَيْفِيَّةِ فَرْضِ الصَّلَاةِ، وَمَا لِلْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ فِي (سُبْحَانَ)، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ".

يعني في قصة الإسراء وفرض الصلاة خمسين إلى أن أُقرت على خمس.

"قَوْلُهُ تَعَالَى :{ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُم}  قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:  لَمَّا نَزَلَ { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ}  قَالَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ: هَذَا لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ خَاصَّةً، وَلَيْسَ لَنَا فِيهِ شَيْءٌ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَة. 

قُلْتُ: وَهَذِهِ نِعْمَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنْ أَكْبَرِ النِّعَمِ ، وَدَلِيلٌ عَلَى فَضْلِهَا عَلَى سَائِرِ الْأُمَمِ. وَقَدْ قَالَ : {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}.  وَالصَّلَاةُ مِنَ اللَّهِ عَلَى الْعَبْدِ هِيَ رَحْمَتُهُ لَهُ وَبَرَكَتُهُ لَدَيْهِ. وَصَلَاةُ الْمَلَائِكَةِ: دُعَاؤُهُمْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَاسْتِغْفَارُهُمْ لَهُمْ".

يعني في البخاري عن ابن عباس يصلون يُبركون، نعم، وعن أبي العالية صلاته على عباده الرحمة.

 "كَمَا قَال: وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَسَيَأْتِي. وَفِي الْحَدِيثِ: إنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ سَأَلُوا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَيُصَلِّي رَبُّكَ -جَلَّ وَعَزَّ-؟ فَأَعْظَمَ ذَلِكَ".

لأن سؤالهم عن الصلاة ذات الأفعال يعني ذات الركوع والسجود، يعني هل هو يصلي؟ يعني مثلما أمرنا يفعل؟ هذا أمر عظيم من تعنُّتهم إن صح الخبر، ماذا قال عنه؟

طالب: قال ليس بحديث، وإنما ورد عن الحسن البصري، رواه عبد الرزاق في تفسيره، وهو متلقَّى عن أهل الكتاب.

نعم.

 "فَأَوْحَى اللَّهُ -جَلَّ وَعَزَّ-: (إِنَّ صَلَاتِي بِأَنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي) ذَكَرَهُ النَّحَّاسُ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَرَوَتْ فِرْقَةٌ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- »قِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ صَلَاةُ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ؟ قَالَ: سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي»

وَاخْتُلِفَ فِي تَأْوِيلٍ هَذَا الْقَوْلِ، فَقِيلَ: إِنَّهُ كَلِمَةٌ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَهِيَ صَلَاتُهُ عَلَى عِبَادِهِ. وَقِيلَ سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ مِنْ كَلَامِ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وَقَدَّمَهُ بَيْنَ يَدَيْ نُطْقِهِ بِاللَّفْظِ الَّذِي هُوَ صَلَاةُ اللَّهِ، وَهُوَ» رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي» مِنْ حَيْثُ فَهِمَ مِنَ السَّائِلِ أَنَّهُ تَوَهَّمَ فِي صَلَاةِ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ وَجْهًا لَا يَلِيقُ بِاللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، فَقَدَّمَ التَّنْزِيهَ وَالتَّعْظِيمَ بَيْنَ يَدَيْ إِخْبَارِه. 

قَوْلُهُ تَعَالَى: { لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّور} أَيْ مِنَ الضَّلَالَةِ إِلَى الْهُدَى. وَمَعْنَى هَذَا التَّثْبِيتُ عَلَى الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا فِي وَقْتِ الْخِطَابِ عَلَى الْهِدَايَةِ. ثم أخبر تعالى برحمته بالمؤمنين تأنيسا لهم فقال: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا}.

قَوْلُهُ تَعَالَى". 

طالب:...................

عن ابن عباس، يعني يصلون يبرّكون. نعم.

طالب:..........................

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا} الصلاة في اللغة الدعاء، لكنه من الدعاء البركة، من الدعاء الذي يُطلب البركة، و(يسلمون) التسليم طلب السلامة الأصل فيه.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: { تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا }  اخْتُلِفَ فِي الضَّمِيرِ الَّذِي فِي يَلْقَوْنَهُ عَلَى مَنْ يَعُودُ؟

 فَقِيلَ: عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، أَيْ كَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا، فَهُوَ يُؤَمِّنُهُمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَفِي ذَلِكَ الْيَوْمِ يَلْقَوْنَهُ. و{تَحِيَّتُهُمْ} أَيْ تَحِيَّةُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ. {سَلَامٌ} أَيْ سَلَامَةٌ لَنَا وَلَكُمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ. وَقِيلَ: هَذِهِ التَّحِيَّةُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، الْمَعْنَى: فَيُسَلِّمُهُمْ مِنَ الْآفَاتِ، أَوْ يُبَشِّرُهُمْ بِالْأَمْنِ مِنَ الْمُخَافَاتِ.

{يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ} أَيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَعْدَ دُخُولِ الْجَنَّةِ. قَالَ مَعْنَاهُ الزَّجَّاجُ، وَاسْتَشْهَدَ بِقَوْلِهِ -جَلَّ وَعَزَّ-: {وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ} . وَقِيلَ: {يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ}  أَيْ يَوْمَ يَلْقَوْنَ مَلَكَ الْمَوْتِ، وَقَدْ وَرَدَ أَنَّهُ لَا يَقْبِضُ رُوحَ مُؤْمِنٍ إِلَّا سَلَّمَ عَلَيْهِ.  رُوِيَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَام} فَيُسَلِّمُ مَلَكُ الْمَوْتِ عَلَى الْمُؤْمِنِ عِنْدَ قَبْضِ رُوحِهِ، لَا يَقْبِضُ رُوحَهُ حَتَّى يُسَلِّمَ عَلَيْهِ".

والظاهر هو الأول يوم يلقونه، يعني يوم يلقون الله -جل وعلا-، والضمائر متناسقة، فإذا عاد الضمير في قوله: يوم يلقونه -جل وعلا- فهو الذي أعد لهم أجرًا كريمًا.

"قَوْلُهُ تَعَالَى :{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا} هَذِهِ الْآيَةُ فِيهَا تَأْنِيسٌ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَلِلْمُؤْمِنِينَ، وَتَكْرِيمٌ لِجَمِيعِهِمْ. وَهَذِهِ الْآيَةُ تَضَمَّنَتْ مِنْ أَسْمَائِهِ -صلى الله عليه وسلم- سِتَّ أَسْمَاءٍ وَلِنَبِيِّنَا -صلى الله عليه وسلم- أَسْمَاءٌ كَثِيرَةٌ وَسِمَاتٌ جَلِيلَةٌ، وَرَدَ ذِكْرُهَا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ. وَقَدْ سَمَّاهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ مُحَمَّدًا وَأَحْمَدَ. وَقَالَ -صلى الله عليه وسلم- فِيمَا رَوَى عَنْهُ الثِّقَاتُ الْعُدُولُ: »لِي خَمْسَةُ أَسْمَاءٍ أَنَا مُحَمَّدٌ وَأَنَا أَحْمَدُ وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللَّهُ بِي الْكُفْرَ وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي وَأَنَا الْعَاقِبُ»،  وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ حَدِيثُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ:  وَقَدْ سَمَّاهُ اللَّهُ (رَءُوفًا رَحِيمًا). وَفِيهِ أَيْضًا عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ» : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُسَمِّي لَنَا نَفْسَهُ أَسْمَاءً، فَيَقُولُ: أَنَا مُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ وَالْمُقَفِّي وَالْحَاشِرُ وَنَبِيُّ التَّوْبَةِ وَنَبِيُّ الرَّحْمَةِ»". 

جاء نبي المرحمة، نبي الملحمة -عليه الصلاة والسلام-.

وَقَدْ تَتَبَّعَ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ عِيَاضٌ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى (بِالشِّفَا) مَا جَاءَ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَفِي سُنَّةِ رَسُولِهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَمِمَّا نُقِلَ فِي الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَإِطْلَاقِ الْأُمَّةِ أَسْمَاءً كَثِيرَةً وَصِفَاتٍ عَدِيدَةً، قَدْ صَدَقَتْ عَلَيْهِ -صلى الله عليه وسلم- مُسَمَّيَاتُهَا، وَوُجِدَتْ فِيهِ مَعَانِيهَا. وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي أَحْكَامِهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ أَسْمَاءِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- سَبْعَةً وَسِتِّينَ اسْمًا".

كثير منه أوصاف، وذُكِرت في كتب الشمائل، ومع ذلك بعضها لا يثبت، بعضها لا يثبت، تجدون بعض هذه الأسماء كُتبت في قبلة المسجد النبوي في البناية القديمة التركية كثير منها لا دليل عليه، وأكثرها أوصاف وليست أسماءً.

 "وَذَكَرَ صَاحِبُ وَسِيلَةُ الْمُتَعَبِّدِينَ إِلَى مُتَابَعَةِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِين عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ لِمُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- مِائَةً وَثَمَانِينَ اسْمًا، مَنْ أَرَادَهَا وَجَدَهَا هُنَاكَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:»  لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلِيًّا وَمُعَاذًا، فَبَعَثَهُمَا إِلَى الْيَمَن، وَقَالَ: اذْهَبَا فَبَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا، وَيَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا، فَإِنَّهُ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيَّ» وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ.

قوْلُهُ تَعَالَى: {شَاهِدًا} قَالَ سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ : { شَاهِدًا} عَلَى أُمَّتِهِ بِالتَّبْلِيغِ إِلَيْهِمْ، وَعَلَى سَائِرِ الْأُمَمِ بِتَبْلِيغِ أَنْبِيَائِهِمْ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، {وَمُبَشِّرًا} مَعْنَاهُ لِلْمُؤْمِنِينَ بِرَحْمَةِ اللَّهِ وَبِالْجَنَّةِ {وَنَذِيرًا} مَعْنَاهُ لِلْعُصَاةِ وَالْمُكَذِّبِينَ مِنَ النَّارِ وَعَذَابِ الْخُلْدِ. {وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ}  الدُّعَاءُ إِلَى اللَّهِ هُوَ تَبْلِيغُ التَّوْحِيدِ وَالْأَخْذُ بِهِ، وَمُكَافَحَةُ الْكَفَرَةِ. وبِإِذْنِهِ هُنَا مَعْنَاهُ: بِأَمْرِهِ إِيَّاكَ، وَتَقْدِيرِهِ ذَلِكَ فِي وَقْتِهِ وَأَوَانِهِ. و{وَسِرَاجًا مُنِيرًا} هُنَا اسْتِعَارَةٌ لِلنُّورِ الَّذِي يَتَضَمَّنُهُ شَرْعُهُ. وَقِيلَ: وَسِرَاجًا أَيْ هَادِيًا مِنْ ظُلْمِ الضَّلَالَةِ".

كما أن الناس يهتدون بالسراج وبالمصباح في الظلام، كذلك يهتدون بالنبي -عليه الصلاة والسلام- وبأتباعه من بعده، وقد مثَّل اللآجري في كتابه "أخلاق العلماء" حاجة الناس إلى أهل العلم بحاجة أناس يمشون في صحراء بها أودية وأشجار وسباع وهوام في ليلة مظلمة، يُخشى عليهم من المخاوف والمخاطر من كل جانب، ثم يأتيهم من بيده سراج أو مصباح يضيء لهم الطريق، ويرون ما أمامهم حتى يخرجوا من هذا الوادي، فما منة هذا عليهم؟ يعني صنع هذا فيهم معروفًا لا يستطيعون مكافأته عليه، وإذا كان هذا في مخاوف الدنيا، فكيف بمخاوف الآخرة التي القربة منها لا تعادل جميع كرب الدنيا منها شيئًا، والله المستعان.

"وَقِيلَ: وَسِرَاجًا أَيْ هَادِيًا مِنْ ظُلْمِ الضَّلَالَةِ، وَأَنْتَ كَالْمِصْبَاحِ الْمُضِيءِ. وَوَصَفَهُ بِالْإِنَارَةِ؛ لِأَنَّ مِنَ السُّرُجِ مَا لَا يُضِيءُ، إِذَا قَلَّ سَلِيطُهُ وَدَقَّتْ فَتِيلَتُهُ".

يعني يكون فيه ضعف فلا يضيء. يكون فيه ضعف.

 "وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ: ثَلَاثَةٌ تُضْنِي".

تُضني يعني تُتعب.

"رَسُولٌ بَطِيءٌ، وَسِرَاجٌ لَا يُضِيءُ، وَمَائِدَةٌ يُنْتَظَرُ لَهَا مَنْ يَجِيءُ".

 وبعضهم يقول: يجعل بدل هذه سيف صديء، وقلم رديء، سيف صديء لا يقطع ولا يبتر، وقلم رديء، يؤذي في كتابته، وهذا شيء مشاهد، طالب العلم إذا أراد كتابة شيء، ثم صار القلم لا يُسعِف تعب منه تعبًا شديدًا.

"وَسُئِلَ بَعْضُهُمْ عَنِ الْمُوحِشَيْنِ فَقَالَ: ظَلَامٌ سَاتِرٌ وَسِرَاجٌ فَاتِرٌ، وَأَسْنَدَ النَّحَّاسُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الرَّازِيّ". 

لكن من أنس بالله -جل وعلا- لا تهمه هذه الأمور، بل الظلام أحب إليه. والله المستعان.

"قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ الْأَزْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُحَارِبِيُّ عَنْ شَيْبَانَ النَّحْوِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: » لَمَّا نَزَلَتْ { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا . وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا}  دَعَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلِيًّا وَمُعَاذًا فَقَالَ: انْطَلِقَا فَبَشِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا ، فَإِنَّهُ قَدْ نَزَلَ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ آيَةُ { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا}  مِنَ النَّارِ- وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ قَالَ: شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ بِإِذْنِهِ بِأَمْرِهِ  وَسِرَاجًا مُنِيرًا قَالَ بِالْقُرْآنِ »".

وهذه دعوة من النبي -عليه الصلاة والسلام- لأهل اليمن، وإن كانت بالواسطة، وإن كانت بالواسطة، وعلى هذا فعلى طالب العلم أن يستغل أوقاته وأنفاسه بالدعوة إلى الله -جل وعلا- بكل السبل والوسائل المتاحة المباحة، ولا يرتكب ما نهانا الله عنه وما لا يجوز في شرعنا ويقول: إن وسائل الدعوة يُتسامح فيها ويُتجوَّز فيها، ما عند الله لا يُنال بسخطه، فإذا اقتصر الإنسان على ما يؤدي الغرض من المباح، يكفي، وتبرأ عهدته، ويُكتَب إن شاء الله من الدعاة عند الله -جل وعلا-. نعم.

"وَقَالَ الزَّجَّاجُ :وَسِرَاجًا أَيْ وَذَا سِرَاجٍ مُنِيرٍ، أَيْ كِتَابٍ نَيِّرٍ. وَأَجَازَ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى: وَتَالِيًا كِتَابَ اللَّهِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا}  

قَوْلُهُ تَعَالَى"وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ" الْوَاوُ عَاطِفَةٌ جُمْلَةً عَلَى جُمْلَةٍ، وَالْمَعْنَى مُنْقَطِعٌ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ. أَمَرَهُ تَعَالَى أَنْ يُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ بِالْفَضْلِ الْكَبِيرِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى. وَعَلَى قَوْلِ الزَّجَّاجِ : ذَا سِرَاجٍ مُنِيرٍ، أَوْ وَتَالِيًا سِرَاجًا مُنِيرًا، يَكُونُ مَعْطُوفًا عَلَى الْكَافِ لَا فِي أَرْسَلْنَاكَ،  قَالَ ابْنُ:  عَطِيَّةَ:  قَالَ لَنَا أَبِي -رضي الله عنه-: هَذِهِ مِنْ أَرْجَى آيَةٍ عِنْدِي فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- قَدْ أَمَرَ نَبِيَّهُ أَنْ يُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عِنْدَهُ فَضْلًا كَبِيرًا، وَقَدْ بَيَّنَ تَعَالَى الْفَضْلَ الْكَبِيرَ فِي قَوْلِهِ: {تَعَالَى وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} ".

ومع ذلك، مع هذا الرجاء الكبير من الله -جل وعلا- ، مع ذلك لا يغتر المسلم، ولا يسترسل في المعاصي اتكالًا على ما عند الله -جل وعلا- من الأجر العظيم والثواب الكبير، عليه أن يرجو، لكن أيضًا عليه أن يخاف، إذا كان الرجاء لا ينفع إذا لم يبعث على العمل فالخوف مثله، الخوف لا قيمة له إذا لم يبعث على العمل.

 في الصحيح في البخاري أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: »مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، وصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، لا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ إلا دخل الجنة من أبوابها الثمانية» أو من أي أبوابها الثمانية شاء، قال: »ولا تغتروا»، ولا تغتروا، يعني بمثل هذه الأحاديث وبمثل هذه الآيات التي هي آيات الرجاء؛ لأن في مقابلها نصوص خوف ووعيد، فعلى الإنسان أن يوازن بين هذين الأمرين. فلا يغلب عليه الرجاء فيكون مرجئًا، ولا يغلب عليه الخوف فيكون حروريًّا خارجيًّا.

 "فَالْآيَةُ الَّتِي فِي هَذِهِ السُّورَةِ خَبَرٌ، وَالَّتِي فِي {حم عسق} [الشورى:1-2] تَفْسِيرٌ لَهَا {وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ} أَيْ لَا تُطِعْهُمْ فِيمَا يُشِيرُونَ عَلَيْكَ مِنَ الْمُدَاهَنَةِ فِي الدِّينِ وَلَا تُمَالِئْهُمْ".

{وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ}[القلم:9] المداهنة حرام، ولا تسوغ بحال، التي تقتضي ترك مأمور أو ارتكاب محظور، بخلاف المداراة والمجاملات، والبشر في وجوه الناس وإن كانت القلوب تنفر منهم، كما جاء في الحديث الصحيح: »بئس أخو العشيرة».  لما دخل بسط معه النبي –عليه الصلاة والسلام- وسمعت عائشة –رضي الله عنها- ضحكه، ضحك النبي –عليه الصلاة والسلام- فقالت له: قلت: بئس أخو العشيرة، ثم بعد ذلك انبسط معه؟ قال: »يا عائشة، إن شر الناس من تركه الناس اتقاء شره»، فالمداراة مطلوبة، بخلاف المداهنة.

 "{الْكَافِرِينَ} أَبَي سُفْيَانَ وَعِكْرِمَةَ وَأَبَي الْأَعْوَرِ السُّلَمِيَّ، قَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، لَا تَذْكُرْ آلِهَتَنَا بِسُوءٍ نَتَّبِعْكَ. {وَالْمُنَافِقِين} عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَعْدٍ وَطُعْمَةَ بْنَ أُبَيْرِقٍ، حَثُّوا النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى إِجَابَتِهِمْ بِتَعِلَّةِ الْمَصْلَحَةِ".

لأنهم يرون فيما يبدونه للنبي -عليه الصلاة والسلام- أن المصلحة تقتضي إجابتهم إلى ما طلبوا؛ ليجيبوه بما طلب.

"{وَدَعْ أَذَاهُمْ} أَيْ دَعْ أَنْ تُؤْذِيَهُمْ مُجَازَاةً عَلَى إِذَايَتِهِمْ إِيَّاكَ. فَأَمَرَهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِتَرْكِ مُعَاقَبَتِهِمْ، وَالصَّفْحِ عَنْ زَلَلِهِمْ، فَالْمَصْدَرُ عَلَى هَذَا مُضَافٌ إِلَى الْمَفْعُولِ. وَنُسِخَ مِنَ الْآيَةِ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ مَا يَخُصُّ الْكَافِرِينَ، وَنَاسِخُهُ آيَةُ السَّيْفِ".

دع أذاهم إياك، وإذا قلنا: إنه مضاف إلى الفاعل كان التقدير دع أذاك إياهم، فالمقدم منهما هو الفاعل في المعنى.

"وَفِيهِ مَعْنًى ثَانٍ: أَيْ أَعْرِضْ عَنْ أَقْوَالِهِمْ وَمَا يُؤْذُونَكَ، وَلَا تَشْتَغِلْ بِهِ، فَالْمَصْدَرُ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ مُضَافٌ إِلَى الْفَاعِلِ. وَهَذَا تَأْوِيلُ مُجَاهِدٍ، وَالْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ. وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ، أَمَرَهُ بِالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ، وَآنَسَهُ بِقَوْلِهِ: {وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا}، وَفِي قُوَّةِ الْكَلَامِ وَعْدٌ بِنَصْرٍ. وَالْوَكِيلُ: الْحَافِظُ الْقَائِمُ عَلَى الْأَمْر".

يعني من توكل على الله كفاه، في قوة الكلام وعدٌ بنصر، {وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا}، يعني إن حققتَ هذا فلا تخش أحدًا، ولا تخف من أحد.

"وَفِي قُوَّةِ الْكَلَامِ وَعْدٌ بِنَصْرٍ. وَالْوَكِيلُ: الْحَافِظُ الْقَائِمُ عَلَى الْأَمْر.

 قَوْلُهُ تَعَالَى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا }.

 فِيهِ سَبْعُ مَسَائِل: 

الْأُولَى:  قَوْلُهُ تَعَالَى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} لَمَّا جَرَتْ قِصَّةُ زَيْدٍ  وَتَطْلِيقِهِ زَيْنَبَ، وَكَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا، وَخَطَبَهَا النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا كَمَا بَيَّنَّاهُ خَاطَبَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ بِحُكْمِ الزَّوْجَةِ تَطْلُقُ قَبْلَ الْبِنَاءِ، وَبَيَّنَ ذَلِكَ الْحُكْمَ لِلْأُمَّةِ، فَالْمُطَلَّقَةُ إِذَا لَمْ تَكُنْ مَمْسُوسَةً لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا بِنَصِّ الْكِتَابِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَى ذَلِكَ".

يعني بخلاف المتوفى عنها قبل الدخول، المطلقة قبل الدخول لا عدة عليها، وأما المتوفى عنها قبل الدخول فإن عليها العدة والإحداد.

طالب:.................

لأنها زوجة، هو مات، زوجة ترثه ويرثها بخلاف المطلقة.

 "فَإِنْ دُخِلَ بِهَا فَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ إِجْمَاعًا.

 الثَّانِيَةُ: النِّكَاحُ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ ، وَتَسْمِيَةُ الْعَقْدِ نِكَاحًا لِمُلَابَسَتِهِ لَهُ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ طَرِيقٌ إِلَيْهِ".

يعني الخلاف بين أهل العلم في حقيقة النكاح هل هو العقد أو الوطء؟ مسألة معروفة بين أهل العلم، والذي حرَّره شيخ الإسلام تيمية -رحمه الله- أن حقيقة النكاح المنهي عنه يكون بأحدهما، والمأمور به لا يكون إلا بهما، بالعقد والوطء،  » يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج». هذا أمر، هل يتم الامتثال بمجرد العقد دون الوطء؟ لا يتم، كما أنه لا يتم بالوطء دون العقد، بل لابد من الأمرين، أما النكاح المنهي عنه فيتم بأحدهما. {وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء:22] لا يجوز العقد عليها كما أنه لا يجوز وطؤها.

"وَنَظِيرُهُ تَسْمِيَتُهُمُ الْخَمْرَ إِثْمًا لِأَنَّهُ سَبَبٌ فِي اقْتِرَافِ الْإِثْمِ. وَلَمْ يَرِدْ لَفْظُ النِّكَاحِ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَّا فِي مَعْنَى الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْوَطْءِ، وَهُوَ مِنْ آدَابِ الْقُرْآنِ، الْكِنَايَةُ عَنْهُ بِلَفْظِ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُمَاسَّةِ وَالْقُرْبَانِ وَالتَّغَشِّي وَالْإِتْيَانِ ."

يعني في قوله {حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}[البقرة:230] لا بد من الوطء، ولا يتم هذا إلا بالوطء، حتى تذوق العُسيلة.

"الثَّالِثَةُ: اسْتَدَلَّ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} وَبِمُهْلَةِ (ثُمَّ) عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ نِكَاحٍ،  وَأَنَّ مَنْ طَلَّقَ الْمَرْأَةَ قَبْلَ نِكَاحِهَا وَإِنْ عَيَّنَهَا".

كأن قال: إن تزوجت فلانة فهي طالق، قالوا: لا يقع الطلاق؛ لأنه لا طلاق إلا بعد نكاح، والمسألة خلافية.

"فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ. وَقَالَ هَذَا نَيِّفٌ عَلَى ثَلَاثِينَ مِنْ صَاحِبٍ وَتَابِعٍ وَإِمَامٍ. سَمَّى الْبُخَارِيُّ مِنْهُمُ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-:» لَا طَلَاقَ قَبْلَ نِكَاحٍ»، وَمَعْنَاهُ: أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ حَتَّى يَحْصُلَ النِّكَاحُ".

لأنه تصرف بغير ملك، تصرف بغير ملك كما لو أعتق عبد فلان، قبل أن يملكه، لا ينفذ العتق. نعم.

"قَالَ حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ: سُئِلَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ -رضي الله عنهمَا- عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَةٍ: إِنْ تَزَوَّجْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ؟ فَقَالَ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، ذَكَرَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- النِّكَاحَ قَبْلَ الطَّلَاقِ.  وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: إِنَّ طَلَاقَ الْمُعَيَّنَةِ الشَّخْصِ".

كما لو قال: إن تزوجت فلانة يعني شخصها معين.

"إِنَّ طَلَاقَ الْمُعَيَّنَةِ الشَّخْصِ أَوِ الْقَبِيلَةِ أَوِ الْبَلَدِ لَازِمٌ قَبْلَ النِّكَاحِ".

يعني إن قال: إن تزوجت من قبيلة كذا أو من البلد الفلان فهي طالق، قالوا: لازم؛ لأنها شبه مملوكة يعني محددة.

"مِنْهُمْ مَالِكٌ وَجَمِيعُ أَصْحَابِهِ، وَجَمْعٌ عَظِيمٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ. وَقَدْ مَضَى فِي (بَرَاءَةٌ) الْكَلَامُ فِيهَا وَدَلِيلُ الْفَرِيقَيْنِ. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ.

فَإِذَا قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ، وَكُلُّ عَبْدٍ أَشْتَرِيهِ حُرٌّ، لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ".

لأنه لم يعين لا شخصًا ولا بلدًا ولا قبيلة ولا شيئًا، ويقع في هذا في العنت والحرج الشديد.

"وَإِنْ قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا إِلَى عِشْرِينَ سَنَةٍ، أَوْ إِنْ تَزَوَّجْتُ مِنْ بَلَدِ فُلَانٍ أَوْ مِنْ بَنِي فُلَانٍ فَهِيَ طَالِقٌ، لَزِمَهُ الطَّلَاقُ مَا لَمْ يَخَفِ الْعَنَتَ عَلَى نَفْسِهِ فِي طُولِ السِّنِينَ، أَوْ يَكُونُ عُمُرُهُ فِي الْغَالِبِ لَا يَبْلُغُ ذَلِكَ، فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ. وَإِنَّمَا لَمْ يَلْزَمْهُ الطَّلَاقُ إِذَا عَمَّمَ؛ لِأَنَّهُ ضَيَّقَ عَلَى نَفْسِهِ الْمَنَاكِحَ، فَلَوْ مَنَعْنَاهُ أَلَّا يَتَزَوَّجَ لَحَرِجَ وَخِيفَ عَلَيْهِ الْعَنَتُ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إِنَّهُ إِنْ وَجَدَ مَا يَتَسَرَّرُ بِهِ لَمْ يَنْكِحْ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَذَلِكَ أَنَّ الضَّرُورَاتِ وَالْأَعْذَارَ تَرْفَعُ الْأَحْكَامَ، فَيَصِيرُ هَذَا مِنْ حَيْثُ الضَّرُورَةِ كَمَنْ لَمْ يَحْلِفْ، قَالَهُ ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادَ.

الرَّابِعَةُ: اسْتَدَلَّ دَاوُدُ  وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ إِنَّ الْمُطَلَّقَةَ الرَّجْعِيَّةَ إِذَا رَاجَعَهَا زَوْجُهَا قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا ثُمَّ فَارَقَهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا، أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهَا أَنْ تُتِمَّ عِدَّتَهَا وَلَا عِدَّةً مُسْتَقْبَلَةً، لِأَنَّهَا مُطَلَّقَةٌ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا. وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَفِرْقَةٌ: تَمْضِي فِي عِدَّتِهَا مِنْ طَلَاقِهَا الْأَوَّلِ  وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ؛  لِأَنَّ طَلَاقَهُ لَهَا إِذَا لَمْ يَمَسَّهَا فِي حُكْمِ مَنْ طَلَّقَهَا فِي عِدَّتِهَا قَبْلَ أَنْ يُرَاجِعَهَا. وَمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فِي كُلِّ طُهْرٍ مَرَّةً بَنَتْ وَلَمْ تَسْتَأْنِفْ".

لأن هذه الرجعة لم يترتب عليها نكاح فلا أثر لهذه الرجعة.

"وَقَال َمَالِكٌ : إِذَا فَارَقَهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا إِنَّهَا لَا تَبْنِي عَلَى مَا مَضَى مِنْ عِدَّتِهَا".

يعني تستأنف، نعم.

"وَإِنَّهَا تُنْشِئُ مِنْ يَوْمِ طَلَّقَهَا عِدَّةً مُسْتَقْبَلَة.ً وَقَدْ ظَلَمَ زَوْجُهَا نَفْسَهُ وَأَخْطَأَ إِنْ كَانَ ارْتَجَعَهَا وَلَا حَاجَةَ لَهُ بِهَا".

وإنما ارتجعها لإطالة العدة عليها، وهذا ظالم لها.

 "وَعَلَى هَذَا أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الزَّوْجَاتِ الْمَدْخُولِ بِهِنَّ فِي النَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلِذَلِكَ تَسْتَأْنِفُ الْعِدَّةَ مِنْ يَوْمِ طَلُقَتْ، وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُور ِفُقَهَاءَ الْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ وَمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَالشَّامِ، وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عِنْدَنَا عَلَى ذَلِك.

يعني العبرة بآخر طلقة هي التي تعتد من أجلها، ما مضى ألغاه الرجعة.

"الْخَامِسَةُ: فَلَوْ كَانَتْ بَائِنَةً غَيْرَ مَبْتُوتَةٍ فَتَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ أَيْضًا، فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَزُفَرُ وَعُثْمَانُ الْبَتِّيُّ: لَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ وَتُتِمُّ بَقِيَّةَ الْعِدَّةِ الْأُولَى. وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَعَطَاءٍ وَعِكْرِمَةَ وَابْنِ شِهَابٍ.  وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ،  لَهَا مَهْرٌ كَامِلٌ لِلنِّكَاحِ الثَّانِي وَعِدَّةٌ مُسْتَقْبَلَةٌ. جَعَلُوهَا فِي حُكْمِ الْمَدْخُولِ بِهَا لِاعْتِدَادِهَا مِنْ مَائِهِ. وَقَالَ دَاوُدُ: لَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ، وَلَيْسَ عَلَيْهَا بَقِيَّةُ الْعِدَّةِ الْأُولَى وَلَا عِدَّةٌ مُسْتَقْبَلَةٌ. وَالْأَوْلَى مَا قَالَهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ".

البائنة غير مبتوتة، يعني البينونة صغرى، طلق رجعية ثم تتم عدتها تبين من زوجها وليس له أن يراجعها، وإنما له أن يتزوجها.

طالب:.............................

أين؟

المسألة الرابعة.

تلك لم تبن منه، ما خرجت من عدتها وهذه خرجت من عدتها.

 "السَّادِسَةُ: هَذِهِ الْآيَةُ مُخَصِّصَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} ، وَلِقَوْلِهِ: { وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ}  وَقَدْ مَضَى فِي (الْبَقَرَةِ)، وَمَضَى فِيهَا الْكَلَامُ فِي الْمُتْعَةِ، فَأَغْنَى عَنِ الْإِعَادَةِ هُنَا".

يعني ما تُمتع به الزوجة إذا طُلقت، وقد جاء الأمر بالمتعة فأوجبها جمع من أهل العلم وقال كثير من أهل العلم: إنها مستحبة، وتكون على قدر جدة الزوج {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ}[البقرة:236].

"{وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا}  فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ دَفْعُ الْمُتْعَةِ بِحَسَبِ الْمَيْسَرَةِ وَالْعُسْرَةِ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ.  الثَّانِي: أَنَّهُ طَلَاقُهَا طَاهِرًا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ، قَالَهُ قَتَادَةُ .  وَقِيلَ: فَسَرِّحُوهُنَّ بَعْدَ الطَّلَاقِ إِلَى أَهْلِهِنَّ، فَلَا يَجْتَمِعُ الرَّجُلُ وَالْمُطَلَّقَةُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ".

أما المطلقة الرجعية فلا يجوز تسريحها على هذا المعنى، ولا يجوز أن تخرج، ولا يجوز أن تُخرج إلا أن تأتي بفاحشة مبينة
"السَّابِعَةُ: قوله تعالى: { فَمَتِّعُوهُنَّ} قَالَ سَعِيدٌ: هِيَ مَنْسُوخَةٌ بِالْآيَةِ الَّتِي فِي الْبَقَرَةِ، وَهِيَ قَوْلُهُ: { وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ}[البقرة:237]، أَيْ فَلَمْ يَذْكُرِ الْمُتْعَةَ. وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي هَذَا فِي (الْبَقَرَةِ) مُسْتَوْفًى. وَقَوْلُهُ: {وَسَرِّحُوهُنَّ} طَلِّقُوهُنَّ. وَالتَّسْرِيحُ كِنَايَةٌ عَنِ الطَّلَاقِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِهِ فَيَحْتَاجُ إِلَى النِّيَّةِ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ صَرِيحٌ. وَقَدْ مَضَى فِي (الْبَقَرَةِ) الْقَوْلُ فِيهِ فَلَا مَعْنَى لِلْإِعَادَةِ. {جَمِيلًا} سُنَّةً، غَيْرَ بِدْعَةٍ" .

التسريح لا شك أنه ليس بصريح في الطلاق، بصريح يحتاج إلى نية، إن يرد الطلاق فلابد من النية، وهكذا سائر الكنايات.