كتاب البيوع من المحرر في الحديث - 10

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

نعم.

"بسم الله، والحمد الله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، قال الإمام ابن عبد الهادي -يرحمه الله تعالى- في كتابه المحرر:

 باب بيع الأصول والثمار:

 عن ابن عمر -رضي الله عنهما-، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحها، نهى البائع والمبتاع.

 وعنه -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «من ابتاع نخلاً بعد أن تُؤَبَّر فثمرتها للذي باعها إلا أن يشترط المبتاع، ومن ابتاع عبدًا فماله للذي باعه إلا أن يشترط المبتاع»، متفق عليهما، واللفظ لمسلم.

 وعن أنس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع العنب حتى يَسْوَدّ، وعن بيع الحب حتى يشتد، رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي وحسنه وقال: لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث حماد بن سلمة، وابن حبان والحاكم وقال: على شرط مسلم، ولم يخرجاه.

 وعن جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لو بعت من أخيك ثمرًا فأصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئًا، بمَ تأخذ مال أخيك بغير حق»، رواه مسلم."

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد،

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب بيع الأصول والثمار" الأصول التي تنتج عنها الثمار كالشجر والنخل وما أشبه ذلك، والثمار الناتج الذي يخرج من هذه الأصول فلا يخلو إما أن يباع الأصل دون الثمرة، أو الثمرة دون الأصل، أو الأصل مع ثمرته، قال -رحمه الله-: "عن ابن عمر -رضي الله عنهما-، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحها، نهى البائع والمبتاع".

 نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا شك في كونه مرفوعًا، وإنما ينازِع بعضهم في دلالة مثل هذه الصيغة على المنع كقوله: لا تفعلوا، وعامة أهل العلم على أنها بمثابة لا تفعلوا، تدل على المنع، وهي في الأصل للتحريم، مثل لا تبيعوا سواءً بسواء، وقال بعضهم: لا نحتج بمثل هذا حتى ينقل اللفظ النبوي.

 وعلى كل حال هذا القول لا حظ له من النظر، ولا يلتفت إليه، نهى عن بيع الثمر تمرًا كان أو غيره، تمرًا أو عنبًا أو حبًّا من قمح أو شعير أو غيرهما، حتى يبدو صلاحها، وبدوُّ الصلاح سيأتي في الأحاديث اللاحقة، حيث فَسَّرت هذا الحديث بأن يحمار أو يصفار ويشتد، يسود العنب، ويشتد الحب، إلى غير ذلك من العلامات التي تدل على بدوِّ الصلاح، وهل يشترط في الصلاح أن يكون شاملاً لكل فرد من أفراد النخل أو الشجر، أو لكل ثمرة بعينها من أفراد هذه الشجرة، أو يكفي بدو الصلاح ولو في شجرة واحدة من البستان؟

أقوال لأهل العلم، والقول الوسط في هذه المسألة هو أن يبدو الصلاح في هذه الشجرة ولو لم يكن الصلاح في جميع مفرداتها في جميع رطبها مثلاً في جميع تمرها، وإنما إذا بدا في هذه النخلة لوَّن البسر احمار أو اصفار، وقوله: احمارّ أو اصفارّ يختلف عن قوله: احمرّ بدون ألف أو اصفرّ، احمرّ أو اصفرّ يعني صار أصفر، صار أحمر بالكامل، وأما احمارّ فيعني صار فيه شوب حمرة، مع بقاء اللون الأصلي الذي هو الأخضر.

وبدو الصلاح في الغالب يكون عند طلوع النجم الذي هو الثريا، فيأمن العاهة، وليس للثريا أثر في أمن العاهة، ولا في وجود هذه العاهة النجم، إنما هو وقت، وجرت العادة بأنه إذا طلع النجم أُمنت العاهة؛ لأن الوقت وقت صلاح للثمرة، نهى البائع والمبتاع، يعني نهى البائع، ونهى المشتري على حد سواء، ومعلوم أن النهي إذا اتجه إلى أحد الطرفين فإن الثاني حكمه حكمه؛ لأن الثاني متعاون معه إما على الإثم والعدوان أو على البر والتقوى.

 "وعنه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «من باع نخلاً بعد أن تُؤَبَّر»" يعني تلقح، والتلقيح يكون بشق طلع النخلة الأنثى، وذر شيء من طلع النخلة الذكر هذا تلقيح، تزاوج كما يحصل في الحيوان إذا باعه بعد التأبير، قال: «فثمرتها للذي باعها»؛ لأنها نشأت في ملكه، وهو الذي تعب عليها «إلا أن يشترطها المبتاع».

 الآن البيع للنخلة ما هو للثمرة؛ لأن بيع الثمرة لا يجوز حتى يبدو صلاحها، وبدو الصلاح ليس بمجرد التأبير، بل يمضي عليه مدة، «من باع نخلاً بعد أن تؤبر فثمرتها للذي باعها إلا أن يشترط المبتاع» إذا قال: أنا أشتري هذه النخلة بطلعها فله ذلك، والمسلمون على شروطهم، ولو لم يَبْدُ صلاحها، لماذا؟

لأن الثمرة إنما جاء بيعها تبعًا لا استقلالاً، لا يجوز بيع الثمرة استقلالاً حتى يبدو صلاحها، لكن يجوز بيعها قبل بدو صلاحها تبعًا لأصلها الذي هو النخل، ويثبت تبعًا ما لا يثبت استقلالاً، فالأصل أنها إذا أبرت تكون ثمرتها للذي باعها، وقبل التأبير ثمرتها مفهوم الحديث للمشتري بعد التأبير إن اشترط المشتري هذه الثمرة فهي له؛ لأن المسلمين على شروطهم، ومن باع، «ومن ابتاع عبدًا» من اشترى عبدًا «فماله للذي باعه»؛ لأنه نشأ في ملكه، وهو نماء منفصل، نماء منفصل، فهو للذي باعه «إلا أن يشترط المبتاع، من ابتاع عبدًا فماله للذي باعه إلا أن يشترط المبتاع».

 قد يقول قائل: إن العبد ليس له مال؛ لأنه لا يملك، لا يملك، فمن الأصل المال للبائع، فلماذا يقال: «من ابتاع عبدًا فماله للذي باعه إلا أن يشترطه المبتاع»، المقصود بالمال ما هو أعم من النقود والدراهم، ما يتبعه من فراش وألبسة تزيد على ما يواري سوأته ويغطي عورته، فهذا للبائع؛ لأنه هو الذي اشتراه، هو الذي تعب عليه إلا أن يشترطه المبتاع، يعني المشتري، ومثل ما قلنا في السابق المسلمون على شروطهم.

 "متفق عليهما، واللفظ لمسلم.

 وعن أنس -رضي الله عنه-، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع العنب حتى يسوَد".

 يعني هذا في النوع الذي يسود، هناك أنواع لا تسود، يستمر لونها أخضر، أو لون آخر أحمر مثلاً، هذا مثال لنوع، وذِكْر النوع من أنواع ما يعم أنواعًا من الأشياء العامة لا يقتضي تخصيصًا، ما يقال: إن هذا خاص بالعنب الأسود، هذا شامل لجميع أنواع العنب؛ لأن ذكر الخاص لا يقتضي التخصيص في مثل هذا؛ لأن الحكم موافق لحكم العام؛ لأنه جاء العنب مطلقًا حتى يتموَّه حلوًا، يعني تصير فيه حلاوة بعد أن ينتقل من كونه حصرمًا حامضًا تبدأ فيه الحلاوة يتموه حلوًا، أو يسود إذا كان من النوع الذي يميل إلى السواد.

 "وعن بيع الحب حتى يشتد" يعني يصلب ويقوى، أما قبل ذلك، قبل أن يشتد فإنه لا يجوز بيعه؛ لأنه لا تُؤمَن عاهته، ولا يؤمَن تلفه.

 قال: "رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي وحسنه، وقال: لا يعرف مرفوعًا إلا من حديث حماد بن سلمة"، حماد بن سلمة من رواة الصحيح، ويحتمل تفرده لاسيما وأنه ليس فيه مخالفة، فالحديث لا إشكال فيه، ولو تفرد فيه حماد بن سلمة.

 "وابن حبان والحاكم وقال: هو صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه"، يعني هذا الأصل أن ما في المستدرك لا يخرج في الصحيحين، فالتنصيص على كونه لم يخرجاه على خلاف ما اشترطه المؤلف، ما يحتاج إلى أن ينص على ذلك؛ لأنه في مستدركه قال: وأنا أستعين الله على أحاديث رواتها ثقات، احتج بمثلها الشيخان، بمثلها ما هي بها، فالأحاديث لا تكون موجودة، فليس المستدرك مثل المستخرجات التي أحاديثها موجودة في الأصل، هي استدراك وزيادة على ما في الأصل.

 "وعن جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لو بعتَ من أخيك ثمرصا فأصابته جائحة، أصابته جائحة»" آفة سماوية أو أرضية، نزل برد وأتلفه، جاءه برد شديد فصرمه، جاءه حر شديد فأحرقه، تعرَّض لحريق، تعرض لغرق، تعرض لشيء من الآفات سواء كانت سماوية أو أرضية قال: لو بعت من أخيك، يعني اشتريت من أخيك لو بعت من أخيك، يعني بعت عليه، بعته أو بعت منه أو بعت عليه ثمرًا فأصابته جائحة، الآن الثمر ممنوع بيعه حتى يأمن العاهة، حتى يأمن العاهة، فكيف يقال هنا: لو بعت من أخيك ثمرًا يعني بعته قبل أن يأمن العاهة أم بعد أن يأمن العاهة؟

طالب: ...........

لا لا، الأصل ذاك ممنوع بالأصل قبل، لكن بعته على الوجه الجائز بعد أن أمن العاهة، وبدا صلاحه، ثم بعد ذلك أصابته جائحة حتى المجذوذ المحرَز لا تؤمَن عليه العاهة، ولا الآفة، لكنه في الغالب أنه إذا بدا صلاحه وطلع النجم أنه يأمن، لكن لا يعني أن الأمن مضمون، هذا لا.

«فإذا بعت من أخيك ثمرًا فأصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئًا، بمَ تأخذ مال أخيك بغير حق»؛ لأنه ما استفاد من السلعة، وهذا قبل أن يحرزه المشتري، وهو ثمر في الشجر أو تمر على رؤوس النخل أصابته جائحة، وجاء الأمر بوضع الجوائح، وحمله كثير من أهل العلم على الاستحباب، أنك لا تأخذ منه استحبابًا، وإلا فقيمته ثبتت للبائع بمجرد العقد، فيستحقها بمجرد العقد الذي هو الإيجاب والقبول.

 ومنهم من يقول: إن الأمر بوضع الجوائح أمر ملزِم، وللوجوب بدليل قوله: فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئًا، ما الذي حمل من قال بأنه على سبيل الاستحباب، وعلى سبيل التعامل بالأفضل والأحسن؟

 الذي حمله على ذلك أن الإيجاب والقبول تم، والبيع ثبت وصح وترتبت عليه آثاره، فالمشتري يستحق المبيع، والبائع يستحق الثمن، هذا الأصل، فكون البائع يلزم بدفع أو بعدم أخذ قيمته بعد أن ثبت البيع على خلاف ما تقرر في العقود فحملوه على الاستحباب، وأن هذا ينبغي أن يتعامل الناس فيه بالفضل لا بالمشاحة والمشاحنة.

 قد يقول قائل: إذا كان المشتري متضررًا بهذه الجائحة فالبائع أيضًا متضرر، إذا قلنا بوضع الجائحة الآن إذا أصابته جائحة وقد باعه على زيد من الناس وقلنا: لا تأخذ، لا يحل لك أن تأخذ منه شيئًا، ألا يتضرر البائع بذلك وقد تعب عليه سنة كاملة؟ هو متضرر، فكيف يلاحظ مصلحة طرف على حساب مصلحة الطرف الثاني؟ الحديث في صحيح مسلم ما فيه مجال لأن نتكلم فيه، ولماذا لا يقال: إن القيمة بينهما، يأخذ نصف القيمة حتى يكون هناك عدل بين الطرفين، ممكن؟ يعني النظر النظر ماذا يقتضي؟

يقتضي أن يكون محاصّة بينهما، لا ضرر ولا ضرار، لا يتضرر البائع، ولا يتضرر المشتري، لكن الشرع ركز على مصلحة المشتري، ولم يلتفت إلى مصلحة البائع، البائع في الغالب تعبه بدني، وهو في مزرعته وبين أهله، ويشتغل وإذا أصيبت هذه النخلة بجائحة سلم له غيرها، وإذا أصيب التمر بجائحة سلم له أنواعًا من الثمر وما أشبه ذلك، فالغالب أن الذي يدفع الأموال هو الذي يراعى جانبه، لا يبيع حاضر لبادٍ، لا يبيع حاضر لبادٍ، الآن إذا لاحظنا مصلحة الحاضر؛ لأنه إذا باع الحاضر للبادي، وأهملنا مصلحة البادي فإن البادي في الغالب إنما يجلب ما يصنعه بنفسه من سمن أو صوف أو أقط أو ما أشبه ذلك، فتعبه البدني هذا أمره أسهل من أن يتعب ويكدح على جمع الأموال، وفي النهاية تذهب عليه، فيلاحظ في هذا مصلحة من يدفع المال.

 وأما من يعمل بيده فأمره أسهل، الآن لو نظرنا إلى قصة موسى مع صاحب مدين بالنظر العادي وقلنا: إنه زوجه على أن يأجره ثماني حجج، قدرنا في تقديرنا اليوم هل يُقدِم أحد أن يشتغل عاملًا عند شخص؛ من أجل يزوجه ابنته عشر سنين أو ثمانٍ؟ أوساط الناس الذي راتبه خمسة آلاف مثلاً السنة ستون وعشر سنين ستمائة ألف، والمهر بين أربعين وخمسين، تزيد تنقص، يعني إذا نظرنا، لكنه عمل بدني، والعمل البدني أسهل في تقدير الشارع من المادة، ومنه هذا، ومنه ما جاء في بيع الحاضر للبادي، ومنه أيضًا عمل موسى عند صاحب مدين مدة عشر سنين، فيلاحظ من يدفع المال، وهذا منه أمرنا بوضع الجوائح، والقول بأن هذا على سبيل الاستحباب متجه؛ لأن الشرع إذا لاحظ مصلحة الطرف فإنه في الغالب لا يهدر مصلحة الطرف الثاني، فإذا لاحظ مصلحة الفقير في الزكاة فإنه لا يهدر مصلحة الغني، ولذا جاء التحذير من أخذ كرائم الأموال؛ لئلا يجحف مال الغريم، وإن كانت مصلحة الفقير ظاهرة في هذا فالشارع يلاحظ المصالح كلها مثل هذا.

طالب: ...........

بمَ تأخذ مال أخيك بغير حق؟! ليس له حق، ألم يتعب عليه مدة سنة كاملة؟! إنما هو من باب الحث على التعامل بالأحسن، هذا إذا كان على رؤوس النخل، أما إذا أحرزه المشتري وأصابته الجائحة في ملكه وفي رحله فالمسألة انتهت، يعني ما لا يدخل الأمر بوضع الجوائح.

 "رواه مسلم"..

تفضل..

"وقال -رحمه الله-:

باب السلم والقرض والرهن:

 عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة وهم يسلفون في الثمار، وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين فقال: «من أسلف في تمر فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم»، متفق عليه، وهذا لفظ مسلم.

 وفي لفظ البخاري: «من أسلف في شيء».

 وعن محمد بن أبي مجالد قال: أرسلني أبو بردة وعبد الله بن شداد إلى عبد الرحمن بن أبزى وعبد الله بن أبي أوفى فسألتهما عن السلف فقالا: كنا نصيب المغانم مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكان يأتينا أنباط من أنباط.."

فكان يأتيْنا.

"فكان يأتيْنا أنباط من أنباط الشام، فكان يأتيْنا أنباط من أنباط الشام، فنسلفهم بالحنطة والشعير والزبيب إلى أجل مسمى قال: قلت: أكان لهم زرع، أو لم يكن لهم زرع؟ قال: ما كنا نسألهم، ما كنا نسألهم عن ذلك.

 عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله تعالى».

 وعن سعيد بن أبي بردة عن أبيه قال: أتيت المدينة قال: فلقيت عبد الله بن سلَّام فقلت.."

سلَام سلَام بالتخفيف.

"فلقيت عبد الله بن سلَام فقال: ألا تجيء فأطعمك سويقًا أو تمرًا، ثم إنك بأرض الربا فيها فاشٍ إذا كان لك فيها على رجل حق فأهدى إليك حمل تين.."

تبن تبن..

أحسن الله إليك.

تبن.

"فأهدى إليك حمل تبن أو حمل شعير أو حمل قت فلا تأخذه، فإنه ربا، رواها البخاري.

 وعن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اشترى من يهودي طعامًا إلى أجل، وأرهنه درعًا له من حديد، متفق عليه، واللفظ لمسلم.

 وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «الظَّهر يركب بنفقته إذا كان مرهونًا، ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهونًا، وعلى الذي يركب ويشرب النفقة»، رواه البخاري.

 وعن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه له غنمه وعليه غرمه»، رواه الدارقطني وقال: إسناده حسن متصل، والحاكم، وصحح اتصاله ابن عبد البر وغيره، والمحفوظ إرساله كذلك رواه أبو داود وغيره."

يقول المؤلف -رحمه الله- تعالى: "باب السلم والقرض والرهن" السلم والسلف بمعنى واحد.

طالب: .........

السلم والسلف بمعنى واحد، والسلم لغة أهل العراق، والسلف لغة أهل الحجاز، وقال العيني بالعكس، والسلم ما يُسْلَم ويُسْلَف، يعني يُقدَّم فيه الثمن مع تأخر المثمن، يأتي صاحب المزرعة أو صاحب المصنع إلى تاجر يقول: أنا محتاج إلى مبلغ كذا، وأوفيك من ثمرة هذا العام، كذا وكذا من الآصع أو من الأوزان أو من الصنع التي نقوم بصناعتها بعد سنة أو بعد مدة معلومة فسمي سلمًا؛ لأن المال الثمن يسلَّم، وسمي سلفًا؛ لأن المال يُسلَف، يعني يقدَّم، والمبيع متأخر والقرض وقد يقال له: السلف القرض أن تأخذ من أخيك مالاً ترد بلده ترد بدله على الوقت المتفق عليه إن كان هناك شرط عند من يقول بأن القرض يقبل التأجيل، وهو قول مالك، ويرجحه شيخ الإسلام، أما من يقول بأن القرض لا يقبل التأجيل، وهو قول الجمهور فإنه يقول: يرده متى أراده صاحبه في أي وقت كان.

 والخلاف في المسألة معروف عند أهل العلم، عامة أهل العلم أو جمهورهم على أن القرض لا يقبل التأجيل، ولعل القرض سمي من أن المقرض يقترض، يعني يقطع أو يقرض من ماله جزءًا يعطيه أخاه المحتاج والرهن توثقة دين بعين، يمكن الاستيفاء منها من قيمتها منها أو من قيمتها على ما سيأتي.

 يقول -رحمه الله-: "وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة وهم يسلفون في الثمار، يسلفون في الثمار السنة والسنتين"، على أن يُسلَّم، تسلَّم القيمة في المجلس، واشترط الجمهور ذلك على أن تسلَّم في المجلس قبل التفرق، ولذلك سمي سلمًا، وسمي سلفًا، وتساهل الإمام مالك في اليومين والثلاثة قال: لو تأخرت القيمة لمدة يوم أو يومين أو ثلاثة فالأمر سهل، لكن الجمهور على أنه لا بد أن يدفع في المجلس أخذًا من اسمه من السلم وإلا صار بيع دين بدين لو تأخر الثمن صار بيع دين بدين، وقد جاء النهي عن بيع الكالئ بالكالئ.

 "قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين" العامة ماذا يسمون السلم؟ ماذا يسمونه؟

طالب: .........

لا لا.

طالب: .........

العامة.. أتينا بالسلم والسلف كلام أهل العلم معروف، لكن العامة الظاهر ما بكم ولا مزارع.

طالب: .........

لا لا.

طالب: .........

لا، حتى لو كان، حتى لو وجد مزارع برأسه وهذه الكلمة ليست مستعملة عنده يمكن ما يعرفه. على كل حال حتى فيه من أصله من غير مكة وعندهم زرع، ويعرفون هذا، لكنه متعارف عند المزارعين أنهم إذا أرادوا شيئًا جاؤوا إلى التجار فباعوا عليهم من الثمرة بثمن حال نقدًا، والثمرة مؤجلة.

طالب: .........

ماذا يسمونه؟

طالب: .........

هذا عرفكم شِيْل يسمونه طيب وغيره.

طالب: .........

كأنه عرف خاص، عرف خاص، يعني في كل بلد يسمونه ما شاؤوا، من يعرف؟

طالب: .........

من يعرف؟

طالب: .........

لا لا، تخمط الجيلان ما ينفع هذا، ما يصلح، يعني تخرص هذا ما يرجع إلى، ما يأوي إلى علم أو إلى سماع أو.. لا، هذا يحتاج إلى مزارع يعرف هذا الاصطلاح.

طالب: .........

ماذا؟

طالب: .........

لا, لا، هذا الأجل، هذا الأجل ما هو اسم العقد هذا.. الظاهر أنه ميؤوس منه هذا؛ لأنا نحتاج إلى مزارع وكبير في السن، وأيضًا من بلد يستعمل هذا اللفظ في عرفهم الخاص من جهاتنا؛ لأن هذا معروف عندنا في نجد يسمونه إن كانت كتابتها ونطقها فيها صعوبة، تشوفون كلمة كَتْب مصدر كَتَب يكتب كَتْبًا إلا أنهم ينطقونها تَتْب تَتْب، هذا السلم عندهم، ونستفيد من مثل هذه الاصطلاحات الخاصة إذا وجدت في وثائق، وجدت في وثائق، وجدت في وصايا، وجدت في أخبار الماضين نعرفها أن المراد بها كذا.

طالب: .........

أنت الآن حديث عهد، وقلتها على الصواب ثم تعيدها على الخطأ؟!

طالب: .........

ما شاء الله! صحيح.

طالب: .........

على كل حال معرفتها من باب معرفة الكلمات التي انقضت، هناك كتاب في مجلدين للشيخ محمد العبودي في كلمات انقضت، وبعض الناس يسخر من هذا الكتاب، وأنه لا فائدة فيه، صحيح أن أكثر الكلمات لا فائدة من ورائها، لكن بعضها يحتاج إليه، يحتاج إليها القضاة في تحليل بعض الوصايا والأوقاف ومعرفة بعض العقود والصيغ، يحتاج إليها.

 "وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين فقال: «من أسلف»" لا بد من الضبط، «من أسلف في ثمر فليسلف في كيل معلوم»، ما يصلح مجهول، أعطيك كذا من التمر أو أعطيك ثمرة كذا نخلة، ما يصلح إلا بالكيل «كيل معلوم، ووزن معلوم»، إذا كان مما يوزَن، «إلى أجل معلوم»، لا بد أن يكون المقدار معلومًا، والأجل معلومًا، والمقدار يعرف في المكيل بالكيل، وفي الموزون بالوزن، وفي المعدود بالعد، وفي المذروع بالذرع، وما أشبه ذلك.

 إلى أجل معلوم، إلى أجل معلوم يعني إلى كذا، إلى تاريخ كذا، فإذا حل الأجل يعطيه، لا بد من الوصف الدقيق الذي تختلف فيه القيمة، لا بد من وصفه بدقة، وفي التمر مثلاً ينص على نوع التمر ووصف هذا النوع بالحجم حجم التمرة من صغرها وكبرها، لا بد أن يكون هناك شيء يقطع النزاع بين الطرفين.

 «ووزن معلوم إلى أجل معلوم» النبي -عليه الصلاة والسلام- أقرّ السلف، السلم، وهو عقد جائز بالإجماع، وفيه حل لمشاكل الناس لاسيما من كان عنده أصل ما يسلم، وأما من لم يكن عنده الأصل فاختلف أهل العلم هل يجوز له أن يسلم فيما لا أصل له عنده؟

 يأتي شخص ليس بمزارع إلى صاحب تجارة ويقول: أعطني مائة ألف، وأعطيك ألفي صاع من التمر هذا نوعها، وثلاثة آلاف صاع من التمر وهذا نوعه، بكذا، وهو ليس بمزارع، ولا عنده، الأصل مسألة خلافية بين أهل العلم، وسيأتي في الحديث الذي يليه: قلت: أكان لهم زرع يعني الأنباط أو لم يكن لهم زرع؟ قال: ما كنا نسألهم عن ذلك، ما كنا نسألهم عن ذلك، أنت محتاج مثلاً إلى مائة ألف أو زيد من الناس محتاج إلى مائة ألف، فذهب إلى تاجر وقال: أعطني مائة ألف على أنه في يوم كذا من شهر كذا أعطيك سيارة من نوع كذا، موديلها كذا، من الأنواع التي لا تختلف صناعتها مدة معينة؛ لأن من السيارات، من أنواع السيارات ما يستمر المصنع فيه لمدة عشر سنوات أو خمس سنوات على نفس الصفة، ما يغير شيئًا، فقط يغير الموديل ألفين وخمسة، ألفين وستة، ألفين وسبعة، إلى آخره، ومن ألفين وخمسة إلى ألفين وعشرة الشكل واحد، والتغيير يسير، هذا يمكن ضبطه، هذا إذا قلنا: إنه يجوز السلم لمن لا يملك الأصل، أما إذا قلنا: إنه لا يجوز السلم إلا لمن يملك الأصل، فإن السلم في هذا لا يصح، إلا لصاحب المصنع. "متفق عليه. وهذا لفظ مسلم.

 وفي لفظ البخاري: «من أسلف في شيء»" هناك يقول: «من أسلف في ثمر»، البخاري يقول: «من أسلف في شيء» أعم من الثمر، الثمر من التمر، من العنب، من البر، مما تثمره الأشجار.

و«من أسلف في شيء» أعم، يدخل في ذلك الصناعات بكافة أنواعها، والسلع وما يمكن أن يسمى مالًا يدخل في هذا، فلفظة البخاري أعم.

 "عن محمد بن أبي مجالد قال: أرسلني أبو بردة وعبد الله بن شداد إلى عبد الرحمن بن أبزى وعبد الله بن أبي أوفى، فسألتهما عن السلف"، يعني السلم، "فقال: كنا نصيب المغانم مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم"-، وقول الصحابي: كنا نفعل له حكم الرفع، كنا نفعل لاسيما إذا أضافه إلى العهد النبوي، فإن هذا له حكم الرفع بلا ريب، وهنا يقول: "كنا نصيب المغانم مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكان يأتينا أنباط من أنباط الشام".

 الأنباط أصلهم من العرب من غسّان، ومن غيرهم، اختلطوا بالروم فتغيرت ألسنتهم، وتغيرت حياتهم، يعني اختلفت عن حياة العرب، خالطوا الروم، وسموا أنباطًا؛ لأنهم يحسنون استنباط الماء من جوف الأرض، يعرفون ذلك بالخبرة.

 "فكان يأتينا أنباط من أنباط الشام، فنسلفهم في الحنطة" البر، "والشعير، والزبيب إلى أجل مسمى"، يأتي الأنباط فيأخذون من الصحابة الأموال التي كانت بسبب هذه المغانم، ويأتون فيما بعد بما اتفق عليه من حنطة وشعير وزبيب، إلى أجل، ومعلوم أنهم ليس عندهم تمر؛ لأنهم من الشام، والشام باردة، وليس فيها تمر.

 "فيسلفون في الحنطة والشعير والزبيب إلى أجل مسمى، قال: قلت: أكان لهم زرع، أو لم يكن لهم زرع؟" قال محمد بن أبي مجالد: "أكان لهم زرع أو لم يكن زرع؟" يعني يملكون أصول هذه الثمار أو لا يملكونها؟ "قالا: ما كنا نسألهم عن ذلك، ما كنا نسألهم عن ذلك"، وفي هذا ترك للاستفصال، ترك للاستفصال، وترك الاستفصال في مجال الاحتمال يقول الشافعي: ينزَّل منزلة العموم في المقال، ولو كان هذا شيئًا يشترط ويطلب لصحة العقد لسألوهم، لو كان هذا مما يشترط لصحة العقد أن يكون مالكًا لأصل الثمرة لسألوهم: هل عندكم زرع أو ما عندكم زرع؟ "قالا: ما كنا نسألهم عن ذلك".

 فصح أن يسلف الشخص ويسلم فيما لا أصل لهم عنده، المقصود أنه يتفق على النوع والصنف والجنس والقدر والأجل.

 "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله تعالى»."

طالب: .........

مثل ما قلنا: لا صاحب المعرض ولا غيره، إذا قلنا: يصح من غير مالك للسلعة، والسيارة مضمونة أنها من النوع الذي جرت العادة بأنه لا يتغير، لا تغير صناعتها؛ لأنك تجد بعض المصانع يمشون على هذا النوع، على هذا الشكل خمس سنوات، وبعضها عشر سنوات ما يغيرون شيئًا، ما يتغير شيء في السيارة، موديل ألفين وستة مثل ألفين وسبعة، ما يختلف، لكن تعال إلى ألفين وإحدى عشر يتغير تغيرًا كبيرًا.

طالب: .........

أين؟

طالب: .........

ماذا؟

طالب: .........

إذا جاءت متغيرة مثلاً.

طالب: .........

بأقل أو بأكثر؟

طالب: .........

بأكثر تقوَّم؛ لأنها تصير على الثاني بأكثر قيمة مما تُوقِّع فيتضرر.

طالب: .........

قريبة نعم، مع ملاحظة فارق الأجل، مع ملاحظة فارق الأجل، هذا على القول بأنه لا يشترط أن يملك أصل السلعة، أصل المال الذي أسلف فيه، أما على القول أنه يشترط عندك مزارع عندك مصنع عندك أي مادة تستخرج منها نتاج، وتسلف في هذا النتاج، لا بد أن تكون مالكًا له.

 "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من أخذ أموال الناس يريد أداءها»" أخذ أعم من أن يكون بقرض أو دين لحاجة أو لغير حاجة، وقد جاء الوعيد على من أخذ أموال الناس تكثرًا؛ لأن شغل الذمة بالدين ليس بالأمر الهين، ليس بالأمر الهين، النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: «صلوا على صاحبكم»؛ من أجل ثلاثة دراهم، كون النبي -عليه الصلاة والسلام- يمتنع من الصلاة عليه من أجل ثلاثة دراهم في ذمته يدل على أن شأن الدين عظيم، والشهادة تكفر كل شيء إلا الدين، وعلى الإنسان أن يحتاط لنفسه، والآن هذا بلوى عمت، فيندر أن يوجَد من لا دَين عليه، تساهل الناس، سُهِّل أمر الدين، فتساهل الناس، فيه يُسِّر لعموم الناس فصار أمره سهلًا عندهم، وليس الإنسان إذا استدان يأخذ بقدر حاجته، يأخذ ولا يدري ما العواقب، لا ينظر في العواقب، وأنه يأتي عليه يوم لا يستطيع السداد، فيضيَّق عليه، ويؤذى، وقد يسجن، ويصاب بالذل في النهار والهم بالليل، كم من شخص لا ينام الليل؛ لكثرة الديون، ونحن في البداية نستدين، ولا ننظر في العواقب.

 قل: ليت الإنسان إذا استدان لا يستدين إلا لحاجة، وبقدر الحاجة، وتجد الإنسان مستعدًّا ليستدين لمدة عشرين سنة؛ من أجل شراء بيت يكفيه ربعه، لكن الناس يرون الناس تباهوا في البيوت، يريد أن يتباهى مثلهم، قصر يريد قصرًا.

 امرأة اتصلت تسأل تقول: عندي مئتان وثلاثون ألفًا نقدًا في حسابي، وبحثت عن بيت، ووجدت بيتًا أدفع المئتين والثلاثين، والباقي أقساطًا، خمسة آلاف شهريًّا لمدة ستة عشر عامًا، ستة عشر سنة مديونة، كل شهر خمسة آلاف، ولو بحثت عن بيت مناسب يؤويها ويؤوي أولادها معها بالمئتين والثلاثين يمكن أن تجد بدون دين، وقل خمسمائة، لكن ثلاثة ملايين أو أكثر من أجل ماذا؟!

هذا لا شك أنه تساهل غير مرضي، وتحميل للذمة، ويقع في هذا الحديث؛ لأنه ولو لم يرد في نيته إلا أنه أراد بفعله لا يستطيع في النهاية، في النهاية لا يستطيع، قد يقول قائل: إن البنوك تعفي من مات مثلاً، هذا ما هو حل، لو صدر نظام بعدم الإعفاء فمن يمنعهم؟ هذا فضل منهم، لو ضاقت موارد البنك، وأراد ألا يعفي، ما الذي يمنع؟ من أخذ أموال الناس يريد أداءها، في نيته أداءها، وأخذ بحقها، وكثير من الناس يأتي ليتكفف الناس، ويسألهم، أو يطلب من يشفع له عند التجار؛ ليقضوا عنه دينه، طيب ما سبب الدين؟ والله دخلت بالأسهم، أو اشتريت بضائ، طيب أنت ما حسبت حسابك يوم تدخل وتشتري هذه البضاعة هذه فوق حاجتك، أليس على الإنسان أن يبحث عن الكفاف؟ وأن تسأل أموال الناس تكثرًا تتكثر بها، تأخذ من أجل أن تتاجر بها، وفي النهاية هذا المآل.

 المقصود أن على المسلم أن يحتاط لذمته، والدين شأنه عظيم، لو لم يكن في ذلك إلا أن النبي- عليه الصلاة والسلام- امتنع عن الصلاة عن الميت؛ لأنه مدين بثلاثة دراهم، بعض الناس مدين بمئات الملايين، كيف يؤديها؟ ثم بعد ذلك إذا أراد أن يحج قال: أنا مدين، وأنا كذا، وكذا، هل يصح حجي؟ هل تصح الصدقة؟ وهل المدين يتصدق؟ وهل المدين يحج؟ لا بد أن يستأذن الدائن، فإذا أذن له فله أن يحج، والصدقة ليس له أن يتصدق إلا بالشيء اليسير الذي لا يؤثِّر على دَينه، رجل مدين بملايين ثم يأتي سائل ويعطيه خمس ريالات، عشرة ريالات، هذا ما يضر، هذا قرره شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره أن له أن يتصدق بالشيء اليسير الذي لا أثر له. الحج حملة تحتاج إلى خمسة آلاف ويريد أن يحج، وإذا هو مدين بمبلغ كبير، وإذا ذهب إلى الدائن بخمسة آلاف قال: ما أقبلهن، وهي فريضة الإسلام مثل هذا يحج.

 «من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه» عازم على أنه يؤدي، أخذ أموال الناس لحاجة، وأخذ بقدر الحاجة، لا يريد تكثّرًا، ونيته العزم على السداد، هذا يعينه الله -جل وعلا- على الأداء، ومن أخذها يريد إتلافها لا ينوي أداءها، وهذا صنيع بعض من تظهر عليه تصرفات من يريد أكل أموال الناس بالحيَل، يأتي إليك قال: تبيع السيارة؟ قال: نعم السيارة تساوي عشرين، ثلاثين ألفًا، تقول: بمائة ألف، ويأتي إلى الثاني: تبيع الثلاجة بعشرة آلاف؟ ويأتي إلى الثالث: تبيع البيت بعشرة ملايين؟ ويجمع هذه الأموال ويبيعها، وفي النهاية لا شيء، ما يسدد، هذا وقع من أكثر من واحد، هذا أخذ يريد إتلاف الأموال.

 وبعض الناس يستدين لتوافه، اقترض مبلغًا وهذا يؤتى به على سبيل المثال، لا على سبيل الشماتة، اقترض مبلغًا فجاءت سيارة، مرت من عندهم سيارة وهم على الشاطئ فيها تحف، فاشترى بهذا المبلغ تحفًا، ركبها في السيارة، أكلت مطبًا وتكسر، طيب ما مصلحتك تتدين من أجل تحف؟ لماذا تتسرع؟! لا بد أن تكون هذه التصرفات مدروسة، وأن الإنسان إذا كان منهيًا عن التبذير من ماله، فكيف يفعل هذا في مال غيره؟ لا شك أن هذا أشد، ولذا قال: «من أخذ أموال الناس يريد أداءها أداها الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله تعالى» أتلفه بنفسه فضلاً عن المال، أتلفه الله بأن يمحق بركة عمله وماله وعمره وجهده، وكل ما يفعل، وقد يتلف بنفسه من هموم الدَّين وملاحقة الدائنين، يصاب بأمراض، فينتهي بسبب هذه الأمراض.

 قال -رحمه الله-: "وعن سعيد بن أبي بردة عن أبيه قال: أتيت المدينة قال: فلقيت عبد الله بن سلام" وهو بالتخفيف هذا، ومحمد بن سلَام شيخ البخاري، وما عدا هذين فكلهم بالتشديد، سلَّام.

 فلقيت عبد الله بن سلام الصحابي الجليل الذي كان إيش؟ يهوديًّا ثم أسلم وحسن إسلامه، "فقال: ألا تجيء فأطعمك" أتيت المدينة، الكلام عن أبيه يعني أبي بردة الصحابي الجليل قال: أتيت المدينة "قال: فلقيت عبد الله بن سلام فقال: ألا تجيء فأطعمك سويقا أو تمرًا ثم إنك" يا أبا بردة "بأرض الربا فيها فاشٍ" عبد الله بن سلام بالمدينة، وهذا انتقل من المدينة إلى البلدان المفتوحة، وفيها ربا، "ثم إنك بأرض الربا فيها فاشٍ، إذا كان لك على رجل حق فأهدى إليك حمل تبن" التبن ما هو؟ معروف التبن؟ ما هو؟

طالب: .........

يعني بعدما يداس البر والشعير ويصفو الحب على جهة، وما عداه يسمى تبنًا! تبن "فأهدى إليك حمل تبن أو حمل شعير أو حمل قتٍّ" القت ما هو؟ البرسيم، "أو حمل قتٍّ فلا تأخذه، فإنه ربا"؛ لأنه قد زائد على حقك، قدر زائد على حقك، فلا تأخذ منه شيئًا، واكتف بما لك في ذمته، فإنه ربا، يعني قد تتورع يا أبا بردة عن الربا المعروف في الأنواع المعروفة على هيئة معروفة، لكن هذا نوع خفي من الربا، وبينه له عبد الله بن سلام.

 والمقصود من ذلك التحذير من هذا الصنيع، وأن الإنسان يكتفي بحقه على غيره، ولا يأخذ منه زيادة، طيب أليس من حسن القضاء، أليس من حسن القضاء أن يزيد في الوفاء؟ الآن الحديث وارد مورد ما قبل السداد، ما قبل الوفاء، لك عليه حق، فأهدى إليك، لكن عند السداد اقترضت منه مبلغًا من المال ألفًا فسدد لك ألف ومائة، هذا من حسن القضاء إذا لم يكن هناك مشارطة، إذا لم يكن هناك مشارطة، فإن كان هناك مشارطة صار عين الربا.

 "رواها البخاري" يعني الأحاديث المتقدمة.

 "وعن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اشترى من يهودي طعامًا إلى أجل، اشترى من يهودي طعامًا إلى أجل وأرهنه درعًا له من حديد، وأرهنه درعًا له من حديد، متفق عليه، واللفظ لمسلم"، وفي هذا مشروعية الرهن، وهو مثل ما قلنا في شرح الترجمة توثقة دين بعين يمكن الاستفهام منها أو من قيمتها إذا حل الأجل، والنبي -عليه الصلاة والسلام- اشترى من اليهودي، في هذا جواز معاملة الكفار، وجواز معاملة من يبرم عقودًا محرمة إذا سلم العقد معك، وهذا قد يقول قائل: لماذا لم يشترِ النبي -عليه الصلاة والسلام- من أثرياء الصحابة طعامًا من عبد الرحمن بن عوف ومن غيره واشترى من اليهودي؟

طالب: .............

نعم، أولاً لبيان الجواز، الأمر الثاني أن الصحابي قد يُحرَج إذا استدان منه النبي -عليه الصلاة والسلام- يُحرَج في طلبه طلب القضاء، فدفْعًا لهذا الحرج ترك النبي -عليه الصلاة والسلام- الصحابة، واقترض من هذا اليهودي الذي قد يتعامل، بل هم يتعاملون بالربا، لكن مع ذلك المعاملة التي حصلت من النبي -عليه الصلاة والسلام- صحيحة مثل هذا يقال أيضًا فيمن كانت في معاملاته شيء من الشبهات أو عقود محرمات عند الحاجة إلى ذلك، لا مانع إذا سلمت المعاملة معه، بغض النظر عن معاملاته الأخرى، وإذا وُجِد مَن يُتَعَاون معه على بر وتقوى فلا شك أنه أولى، يعني إذا وجدنا بنكًا أو تاجرًا معاملاته كلها صحيحة فهو أولى بخيرنا وبرِّنا ممن في أمواله خلط.

 "من يهودي طعامًا إلى أجل، وأرهنه درعًا"، وكان بالمدينة، وكان بالمدينة في الحضر، مما يدل على أن القيد في الآية غير معتبَر {وَإِن كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِباً فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ} [سورة البقرة:283]، إن كنتم على سفر، طيب في الحضر يجوز أم ما يجوز؟ يجوز؛ لأن الرهن هذا في المدينة، وأرهنه درعًا له من حديد، كنتم على سفر فرهان مقبوضة، يعني شرط الرهن أن يكون مقبوضًا عند المرتهِن لو أرهنه أرضًا لا بد من قبضها، وقبضها بتخليتها، وقد يكون باستلام الصك أو التهميش عليه، وقبض كل شيء بحسبه.

 "وأرهنه درعًا من حديد، متفق عليه، واللفظ لمسلم.

 وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «الظهر يُركَب»" يعني المرهون، الظهر المرهون من إبل أو حمر أو خيل «يُركَب بنفقته إذا كان مرهونًا»؛ لأن الخراج بالضمان، والغُنْم مع الغرم، مادام ينفق عليه فإنه يستعمله بقدر نفقته، «الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونًا ولبن الدَّرِّ» لبن الناقة أو الشاة أو البقرة إذا كانت مرهونة يُشرَب، يشربه المرتهِن في مقابل نفقته، في مقابل نفقته إذا كان مرهونًا، «وعلى الذي يركب ويشرب النفقة، وعلى الذي يركب ويشرب النفقة»، وهذا استعمال لمال الغير بغير إذنه، يركب من غير أن يستأذن الراهن، يشرب من غير أن يستأذن الراهن، طيب هذه دابة لا بد من النفقة عليها، إذا لم ينفق عليها ماتت، فهل نقول: إن هذه النفقة تضيع؟ أو نقول: يسجل هذه النفقة ويهدر الحليب ويهدر كذا؟ لا، تضيَّع الأموال بغير فائدة فيُنفَق عليها؛ لئلا تتلف، وفي المقابل يستفيد منها بقدر نفقته، «وعلى الذي يركب ويشرب النفقة» يعني المرتهِن، "رواه البخاري.

 وعن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا يُغلَق الرهن من صاحبه الذي رهنه، لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه، له غنمه وعليه غرمه»" لا يغلق، غلق الرهن بأن يحل الأجل أجل الدين ولا يوجَد عند الراهن المدين سداد، فيستولي المرتهِن على الرهن قهرًا عن صاحبه، وهذه طريقة العرب في الجاهلية مجرد ما يحل الدين خلاص انتهت المعاملة، هذا الرهن لي، فجاء النهي عن ذلك، والحديث فيه كلام لأهل العلم، وفيه اختلاف بينهم في رفعه في اتصاله وإرساله، على ما سيأتي، لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه له غنمه وعليه غرمه، له نتاجه وعليه نفقته، وعليه حفظ مكان حفظه إذا كان يحتاج إلى مستودَع يستأجر له مستودعًا، وإذا كان له نتاج له نتاجه لصاحبه. "رواه الدارقطني وقال: إسناده حسن متصل، والحاكم، وصحح اتصاله ابن عبد البر وغيره، والمحفوظ إرساله".

 يقول ابن عبد الهادي: "والمحفوظ إرساله، وكذلك رواه أبو داود وغيره" من أهل العلم، رواه أبو داود في المراسيل، ومالك أيضًا رواه مرسلاً، فالحديث الترجيح عند المؤلف للإرسال، ومعلوم أنه إذا تعارض الوصل مع الإرسال فمن أهل العلم من يرى أن الحكم للوصل؛ لأن فيه زيادة علم خفيت على من أرسل، ومنهم من يقول: الحكم للإرسال مطلقًا؛ لأنه متيقَّن، والوصل مشكوك فيه، ومنهم من يقول: الحكم للأكثر، ومنهم من يقول: الحكم للأحفظ، وهنا رجح المؤلف الإرسال، ومن أهل العلم من رجح الاتصال كالدارقطني، والبيهقي رجح الإرسال، والدارقطني رجح الاتصال، والحاكم صحح الاتصال.

 وعلى كل حال من أهل العلم من يرى ثبوت الخبر ويعمل به، ومنهم من يقول: إنه ضعيف، وعلى كل حال إغلاق الرهن عن صاحبه هي طريقة العرب في الجاهلية، ولا يجوز للمسلم أن يتشبه بهم ويأخذ مال أخيه قهرًا منه، وإن كان له نوع حق فيه، لكن لا بد أن يكون التصرف في هذا الحق من قبل الحاكم، فالحاكم هو الذي يتصرف في مثل هذا، يلزم المدين بالسداد وإلا تباع هذه العين المرهونة ويسدد منها، من قيمتها.

والله أعلم.

 وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.