شرح كتاب التوحيد - 02
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين:
في نهاية الباب الأول المترجم بكتاب التوحيد وقول الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [(56) سورة الذاريات]، وقفنا على المسائل المستنبطة من النصوص السابقة.
يقول -رحمه الله تعالى-:
"فيه مسائل: الأولى: الحكمة في خلق الجن والإنس": وهي تحقيق العبودية، وعلى رأسها تحقيق التوحيد وتخليصه وتنقيته من شوائب الشرك والبدع والمعاصي.
"الثانية: أن العبادة هي التوحيد": لا سيما على تفسير من فسر {إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}: ليوحدون.
"لأن الخصومة فيه": الخصومة بين الرسل وأممهم هي في توحيد العبادة.
"الثالثة: أن من لم يأت به لم يعبد الله، ففيه معنى قوله: {وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} [(3) سورة الكافرون]": أن من لم يأت به: يعني بالتوحيد -توحيد الألوهية- فإنه لم يعبد الله.
"أن من لم يأت به": توحيد الإلهية، أو الألوهية، "لم يعبد الله، ففيه معنى قوله: {وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ}": قاله للمشركين الذين يقرون بوجود الله، وأنه هو الخالق، يقرون بتوحيد الربوبية، فالمراد بالتوحيد الذي فيه الخصومة وهو المنفي هنا هو توحيد الألوهية.
"الرابعة: الحكمة في إرسال الرسل، {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ} [(36) سورة النحل]": الحكمة من إرسال الرسل هداية الخلق إلى عبادة الله وحده.
"الخامسة: أن الرسالة عمت كل أمة": من قوله -جل وعلا-: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ}، فالرسالة عمت كل أمة.
"السادسة: أن دين الأنبياء واحد": دين الأنبياء واحد؛ {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ..} [(163) سورة النساء]، فدينهم واحد، والأصل -الذي هو التوحيد- يتفقون عليه، ولا اختلاف بينهم فيه وإن اختلفت الشرائع.
"السابعة: المسألة الكبيرة: أن عبادة الله لا تحصل إلا بالكفر بالطاغوت": لا تحصل إلا بالكفر بالطاغوت، كيف يكون موحداً وقد أشرك مع الله غيره؟ هذا تناقض، لا يتحقق التوحيد إلا بالكفر بالطاغوت.
"ففيه معنى قوله تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ} [(256) سورة البقرة]".
"الثامنة: أن الطاغوت عام في كل ما عُبِد من دون الله": الطاغوت عام في كل ما عُبِد من دون الله، سواءً كان ملكاً مقرباً، أو نبياً مرسلاً، أو حجراً من الأحجار، أو غير ذلك، لكن لا بد من قيد: أن يرضى بهذه العبادة، أن يرضى بهذه العبادة، وإلا فعيسى عُبِد من دون الله، عُبِد من دون الله لكنَّه لم يرضَ.
ولما نزل قوله -جل وعلا-: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} [(98) سورة الأنبياء]، فرح بذلك بعض المشركين، وجاؤوا إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وقالوا له: إن قوله..، قولك: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ}، هذه النصارى تعبد عيسى، إذن: عيسى من حصب جهنم، وأنت تقول: إنه رسول وتؤمن به وتصدق به وتأمر بتصديقه، والإيمان به ركن من أركان الإيمان!!
لكن هل هذا الاستدراك صحيح؟
لأن قوله: {مَا} قالوا: لغير العاقل، {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ}: هذه لغير العاقل وعيسى عاقل، لكن هل تنفي هذه "ما" من عُبِد ممن يتصف بالعقل من دون الله ورضي بذلك، ألا يكون من حصب جهنم وإن كان عاقلاً على حد زعمه؟
طالب: نعم.
لماذا؟ لأنه في الحكم غير عاقل؛ فيعامل معاملة غير العقلاء إذا رضي بذلك.
"التاسعة: عظم شأن ثلاث الآيات المحكمات في سورة الأنعام": في سورة الأنعام: {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا} [(151) سورة الأنعام]، وبدأ بنفي الشرك والنهي عنه.
"عند السلف، وفيها عشر مسائل: أولاها: النهي عن الشرك": وذلكم لأنه لا يتحقق الأصل الأصيل في تحقيق التوحيد إلا بنفي الشرك.
"العاشرة: الآيات المحكمات في سورة الإسراء، وفيها ثماني عشر مسألة بدأها بقوله: {ولاَّ تَجْعَل مَعَ اللّهِ إِلَهًا آخَرَ}": يعني لا تشرك بالله، بدأها بالنهي عن الشرك، "{فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَّخْذُولاً} [(22) سورة الإسراء]": يعني من خذله الله من يستطيع أن ينصره؟ ومن ذمه الله من يستطيع أن يمدحه؟ {وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ} [(18) سورة الحـج].
"وختمها بقوله: {وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا} [(39) سورة الإسراء]": كلٌّ يلومك على هذا الشرك إذا ظهرت النتائج وألقيت في جهنم.
"ونبهنا الله سبحانه على عظم شأن هذه المسائل بقوله: {ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ} [(39) سورة الإسراء]": مما يدل على أهميه هذه المسائل وعظم شأنها، {ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ}.
"الحادية عشرة: آية سورة النساء التي تسمى آية الحقوق العشرة، وقد بدأها الله تعالى بقوله: {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا} [36) سورة النساء]": بدأها بتوحيد العبادة، والنهي عما يضاده من الشرك.
"{وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا}": شيئاً نكرة في سياق النفي، أو في سياق النهي، فتعم جميع الأشياء.
وهل من الشرك النظر إلى شيء من المخلوقات ليكون مقصداً وهدفاً في العبادة؟
عبَد اللهَ ليدخل الجنة، عبَد اللهَ -جل وعلا- لينجو من النار، هل هذا من الشرك؟ كما قال بعضهم في آخر آية في سورة الكهف: {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [(110) سورة الكهف]، قال: إن الذي يلاحظ الجنة والنار مشرك!!
لكن ما جعله الشرع ملحظاً فلا مانع من ملاحظته، وأمر آخر: وهو أن ملاحظة أو الخوف من العذاب ليس من العذاب ذاته وإنما هو من المعذِّب، وملاحظة النعيم ليس لذات النعيم وإنما هو للمنعم.
لو رأيت شخصاً بيده عصا هل خوفك من العصا أو ممن بيده العصا؟ تخاف من العصا وإلا من اللي بيده العصا؟ إذن: خوفك من النار إنما هو خوف من الله -جل وعلا-.
"الثانية عشرة: التنبيه على وصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند موته": يعني هل النبي -عليه الصلاة والسلام- أوصى؟ كلام ابن مسعود أنه أوصى، لكن هل بالفعل حصلت وصية؟ أو أنها باعتبار أهميتها وعظم شأنها، وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- مات ولم تنسخ هذه الآيات..؟ نعم؟
طالب:.......
إيش هو؟
طالب:.......
طيب.
طالب:.......
إيش فيه؟
طالب:.......
طيب، لو رأيت شخصاً بيده طعام وأنت مشته لهذا الطعام، أنت تتقرب لهذا الطعام أو تتقرب لمن بيده الطعام من أجل أن يطعمك؟
طالب:.......
تطلب رضاه ليطعمك، الأمر بيده، الأمر بيده.
"الثانية عشرة: التنبيه على وصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند موته": "من أراد أن ينظر إلى وصية النبي -عليه الصلاة والسلام- التي عليها خاتمه": يعني هل هذا استنباط من ابن مسعود أو وقف على نص منه -عليه الصلاة والسلام- بالوصية بهذه الآيات؟ هاه؟
طالب:.......
كيف؟
طالب:.......
نعم الشراح كلهم يقولون: استنباط، ولولا أنهم قالوا: إنه استنباط لقلنا: إنه نص؛ لأنه لا يمكن أن يقول ابن مسعود هذا الكلام إلا بتوقيف.
طالب:.......
كأنها مختومة بخاتمه؛ لأن الوصايا النافذة المعتبرة هي التي يختم عليها، أما كلام عادي كذا بدون ختم ما يمشي، ولذلك لما قيل للنبي -عليه الصلاة والسلام-: إن فارس والروم لا يقرؤون الكتاب إلا إذا كان مختوماً اتخذ الخاتم -عليه الصلاة والسلام-.
طالب:.......
كان إيش؟
طالب:.......
على إيش؟
طالب:.......
يعني كأنها وصية مؤكدة مختومة بالخاتم الذي يدل على تأكيد ما احتوته هذه الوصية.
"الثالثة عشرة: معرفة حق الله علينا": يعني في حديث معاذ: ((أتدري ما حق الله على العباد؟))، ((أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً)).
"الرابعة عشرة: معرفة حق العباد عليه إذا أدَّوا حقه": وهو ((أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً)).
"الخامسة عشرة: أن هذه المسألة لا يعرفها أكثر الصحابة": بدليل أن معاذاً قال: "الله ورسوله أعلم"، وكتمها عن الصحابة، ولو كانوا يعلمونها ما كان للكتمان أثر، فدل على أن أكثر الصحابة لا يعرفون هذه الحقوق.
طالب:.......
لا، هو كتمها؛ خشية أن يتَّكلوا؛ "أفلا أبشر الناس؟" قال: ((لا تبشرهم فيتكلوا)).
طالب:.......
أما بالنسبة لأهمية التوحيد ونفي الشرك والتأكيد عليه فالقرآن مملوء بهذا.
طالب:.......
لا لا، لا نقول: إنه كتم عنهم معرفة حق الله على العباد، لا.
نعم؟
طالب:.......
كيف؟
طالب:.......
أثر ابن مسعود: "من أراد.."، مخرج عندك؟
طالب:.......
هاه؟
طالب:.......
أبو داود وابن يزيد الأودي، غيره؟ ما في تخريج غير هذا؟
طالب:.......
لكن باعتباره أثراً، باعتباره أثراً لا يهتمون به كما يهتمون بالحديث، ويتداولونه من غير نكير، وسيأتينا في الحديث الآخر، حديث الخبر عن موسى -عليه السلام- شيء مما يتعلق بهذا إن شاء الله تعالى.
"السادسة عشرة: جواز كتمان العلم للمصلحة": جواز كتمان العلم للمصلحة، فكتم معاذ هذا الخبر؛ امتثالاً لقوله: ((لا تبشرهم فيتكلوا))؛ خشية أن يعتمد الناس على مثل هذا الوعد ويغفلوا عن نصوص أخرى توجب عليهم بعض الأعمال وتحرم عليهم البعض، فيها الزجر، والوعيد الشديد بالنار، على بعض الأعمال؛ لأن الإنسان قد يسمع نص الوعد فيغفل عما يقابله، ولذلك جاء في الحديث الصحيح: ((من توضأ نحو وضوئي هذا)) ثم قال: ((ثم صلى ركعتين دخل من أي أبواب الجنة الثمانية شاء، ولا تغتروا))؛ لأن هذه أسباب، والأسباب إنما تعمل إذا انتفى المانع، إذا ضُمَّ إليها أسباب أخرى، لا بد من توافر جميع الأسباب، يعني هذا سبب من الأسباب فلا بد من توافر جميع الأسباب وانتفاء الموانع، فقد يأتي الإنسان بمانع ويتكل على مثل هذا.
"جواز كتمان العلم للمصلحة": بعض الناس بعض العلوم له فتنة، فمثل هذا يكتم عنه العلم الذي يفتنه؛ ((حدثوا الناس بما يعرفون أتريدون أن يكذب الله ورسوله؟!)).
طالب:.......
نعم.
طالب:.......
نفسه، نعم، يعني بعض المفتونين تجده يتتبع بعض الأمور المتشابهة ويترك الأمور المحكمة ويفتن بها الناس، ويفتن بها الناس، وعندهم قضايا وأمور يريدون تحقيقها وتمريرها على عامة الناس، وتجدهم يتشبثون بأدنى شيء، ويغفلون أو يتغافلون عما يعارضه مما هو أقوى منه.
"السابعة عشرة: استحباب بشارة المسلم بما يسره": "أفلا أبشر الناس؟"؛ لأن هذا يسرهم، "استحباب بشارة المسلم بما يسره": لكن إذا ترتب على ما يسره ضرر يبشر به أو لا يبشر؟ نعم؟
بعض الناس لا يحتمل بعض البشارات، أخبر فلان من الناس بأنه كسب مبلغ كذا، فاختلَّ عقله، بشر بأنه كسبت أرضه الفلانية كذا مليون، فجُنَّ بسبب ذلك، لكن هل هذه البشارة..، هي تسره بلا شك، ولا فقد عقله إلا من مزيد السرور، فإذا خشي عليه أن تضره هذه البشارة فإنه حينئذ لا يبشر بها، ويبقى أن البشارة بما يسر مستحب، وقد بُشِّر كعب بن مالك لما تيب عليه بحضرة النبي -عليه الصلاة والسلام-.
"الثامنة عشرة: الخوف من الاتكال على سعة رحمة الله": ولذا قال: ((لا تبشرهم فيتكلوا))، ومن هذا نعلم أن النصوص -نصوص الكتاب والسنة- إنما هي علاج لأدواء سواءً كانت في الأفراد أو في المجتمعات، فبعض الناس يحسن أن يلقى إليه بعض النصوص، ولا تلقى إليه نصوص أخرى، يعني وجدنا شخصاً شقَّ على نفسه وقام الليل فلم ينم، وصام النهار فلم يفطر، وارتكب العزائم في جميع الأمور بحيث شقت عليه هذه الأمور، مثل هذا تناسبه نصوص الوعد، وتحجب عنه نصوص الوعيد؛ لئلا يزيد.
والعكس إذا وجدنا شخصاً مفرطاً مضيعاً للأوامر والنواهي هذا تناسبه نصوص الوعيد؛ إذا ألقينا عليه من نصوص الوعد: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [(156) سورة الأعراف]، هذا يمكن إن كان عنده شيء يسير يتركه.
فعلى كل حال يخاف من الاتكال على سعة رحمة الله بالنسبة لمن يخشى منه التفريط، وأيضاً يخشى القنوط واليأس من رحمة الله، هذا بالنسبة لمن عنده شيء من التشديد، نعم؟
طالب:.......
إيه.
طالب:.......
إيه، لكن الآن استقرت الشريعة وعرفت النصوص كلها، وكلها بين يدي المسلم، وهذه وظيفة أهل العلم، يعني إذا ذكروا مثل هذا الحديث يبينون ما يقيِّده، يبينون ما يقيده من نصوص أخرى.
"التاسعة عشرة: قول المسؤول عما لا يعلم: الله ورسوله أعلم": ومضى الحديث فيه، وأنه بالنسبة لما لم يطلعه الله -جل وعلا- نبيَّه عليه من الغيبيات أو من أمور الدنيا فالله يستقل بعلمها.
وفي حياته -عليه الصلاة والسلام- أمور الدين توكل إلى الله ورسوله كما قال معاذ: "الله ورسوله أعلم"، وبعد وفاته يقتصر على قول: الله أعلم، وإن قيل: الله ورسوله أعلم باعتبار أن أمور الدين كلها إنما هي من طريقه -عليه الصلاة والسلام- فهو أعلم بها -في الأصل- أما الآن فقد مات -عليه الصلاة والسلام-.
الرسول -عليه الصلاة والسلام- الآن قد مات {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ} [(30) سورة الزمر]، يعني لو نزلت نازلة مثلاً، نزلت نازلة فسئل عنها عالم، هل يقول: الله ورسوله أعلم، وليس لها نظير في وقته -عليه الصلاة والسلام-؟
نعم؟
طالب:.......
كيف؟
طالب:.......
أمر شرعي، حلها شرعي.
طالب:.......
نعم؟
طالب:.......
نعم بالقيد الذي تقدم، أما كونه -عليه الصلاة والسلام- مات، قد مات بلا شك، وهذا نطق به القرآن، وهو محل إجماع، بخلاف من يزعم أنه حيٌّ حياة كاملة مستقرة كحياة من اقترنت روحه ببدنه.
لذلك في الموالد تجدهم وهم يقرؤون المولد يقومون جميعاً في وقت واحد؛ زعماً منهم أن النبي -عليه الصلاة والسلام- دخل المجلس!!
طيب دخل المجلس هل يرى أو لا يرى؟ نعم؟ هل يرونه؟
قد يخيل إلى بعض المغرقين في الغلو يخيل إليهم، وقد يفتنون، قد يسمع بعضهم صوتاً، كما سمعوا من أجواف القبور إذا نادوا قد يرد عليهم شيطان، لكن الشيطان لا يتمثل به -عليه الصلاة والسلام-.
"المسألة العشرون: جواز تخصيص بعض الناس بالعلم دون البعض": فخُصَّ معاذ بهذا الخبر، وهذا من باب إبراء الذمة بالتبليغ؛ فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أُمِر أن يبلِّغ الدين، وأمر أن يبيِّن للناس، ومع ذلك برئت عهدته -عليه الصلاة والسلام- من هذه المسألة حين بلغها معاذاً وخصه بها، وأمره أن لا يبشر الناس بها.
معاذ -رضي الله عنه- أخبر بهذه المسألة عند موته تأثماً خشية الكتمان؛ {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} [(159) سورة البقرة]، يخشى من مثل هذا، وأبو هريرة -رضي الله عنه- يقول: "لولا آيتان في كتاب الله ما حدثتكم"، لكنهم يخشون من الكتمان، و((من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار)).
"الحادية والعشرون: تواضعه -صلى الله عليه وسلم- لركوب الحمار مع الإرداف عليه": وعرفنا ما في هذا في درس الأمس مع الإرداف عليه.
"الثانية والعشرون: جواز الإرداف على الدابة": يعني شريطة أن تكون مطيقة للإرداف.
"الثالثة والعشرون: عظم شأن هذه المسألة".
طالب:.......
هاه؟
طالب:.......
"عظم شأن هذه المسألة": ماذا عندكم، مسائل أو مسألة؟ ماهي الطبعة التي معك؟
طالب:.......
على كل حال المسائل التي مرت كلها عظيمة، والمسألة الأخيرة مسألة عظيمة من هذه المسائل.
سم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الإمام -رحمه الله تعالى-: باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب، وقول الله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ} [(82) سورة الأنعام]، عن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- قال: قال:..
عندك {أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ}؟
لا ما عندي.
طالب:.......
ماذا عندكم، كمل الآية، كمِّل: {أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ}.
وقول الله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} [(82) سورة الأنعام]، "عن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق، والنار حق، أدخله الله..))".
وأن الجنة؟ عندكم وأن الجنة؟
طالب:.......
بدون أن؟ هاه؟
طالب: هذه النسخة الثانية والجنة حق والنار حق.
طيب، سم.
"قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم، وروح منه، والجنة حق، والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل)) [أخرجاه].
"ولهما في حديث عتبان: ((فإن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله)).
وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((قال موسى -عليه السلام-: يا رب، علمني شيئاً أذكرك وأدعوك به، قال: قل يا موسى: لا إله إلا الله، قال: كل عبادك يقولون هذا، قال: يا موسى، لو أن السماوات السبع وعامرهن غيري، والأرضين السبع في كفة، ولا إله إلا الله في كفة، مالت بهن لا إله إلا الله)) [رواه ابن حبان، والحاكم وصححه].
وللترمذي وحسنه عن أنس -رضي الله عنه-: "سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((قال الله تعالى: يا ابن آدم، لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة)).
فيه مسائل:
الأولى: سعة فضل الله.
الثانية: كثرة ثواب التوحيد عند الله.
الثالثة: تكفيره مع ذلك للذنوب.
الرابعة: تفسير الآية الثانية والثمانين التي في سورة الأنعام.
الخامسة: تأمل الخمس اللواتي في حديث عبادة.
السادسة: أنك إذا جمعت بينه وبين حديث عتبان وما بعده تبين لك معنى قول: "لا إله إلا الله" وتبين لك خطأ المغرورين.
السابعة: التنبيه للشرط في حديث عتبان.
الثامنة: كون الأنبياء يحتاجون للتنبيه على فضل لا إله إلا الله.
التاسعة: التنبيه لرجحانها بجميع المخلوقات، مع أن كثيراً ممن يقولها يخف ميزانه.
العاشرة: النص على أن الأرضين سبع كالسماوات.
الحادية عشرة: أن لهن عُمَّاراً.
الثانية عشرة: إثبات الصفات خلافاً للأشعرية.
المعطلة.
وفي بعض النسخ خلافاً للمعتزلة.
إي نعم والأشعرية منهم، نعم.
الثالثة عشرة: أنك إذا عرفت حديث أنس، عرفت أن قوله في حديث عتبان: ((فإن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وجه الله)) إنه ترك الشرك، ليس قولها باللسان.
الرابعة عشرة: تأمل الجمع بين كون عيسى ومحمد عبدي الله ورسوليه.
الخامسة عشرة: معرفة اختصاص عيسى بكونه كلمة الله.
السادسة عشرة: معرفة كونه روحاً منه.
السابعة عشرة: معرفة فضل الإيمان بالجنة والنار.
الثامنة عشرة: معرفة قوله: ((على ما كان من العمل)).
التاسعة عشرة: معرفة أن الميزان له كفتان.
العشرون: معرفة ذكر الوجه".
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف الإمام المجدد -رحمه الله تعالى- لما بين حقيقة التوحيد ووجوب التوحيد ومعنى التوحيد الذي يؤلف فيه وهو توحيد الألوهية أراد -رحمه الله تعالى- أن يبين الفضل المرتب على هذا التوحيد وما يكفره من الذنوب، ولا شك أن التوحيد أعظم نعمة امتن الله بها على الموحدين، ولن يقوم بتأدية شكرها إلا بتحقيق هذه النعمة وتنقيتها وتخليصها.
هذه نعمة من حازها حيزت له أنواع الخيرات، ومن حصل عنده فيها شيء من الخلل فإنه خطرٌ من الخسران المبين في الدنيا والآخرة، هذه النعمة على الموحد أن يلهج بذكر الله وشكره؛ أن وفقه لهذا التوحيد الذي حُرِمَه كثير من الناس من المتقدمين والمتأخرين.
تصور حال المشرك وقد ضرب الله له مثلاً في غاية البلاغة والفصاحة في التنفير من الشرك: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ} [(29) سورة الزمر].
تصور شخصاً مملوكاً لشركاء ثلاثة أو أربعة متشاكسون مختلفون، وفي أخلاقهم شدة، يعني يؤخذ من التشاكس مع كونه اختلافا إلا أنهم أيضاً فيهم شيء من الشدة والغلظة، واحد يقول له: اذهب إلى المكان الفلاني يقول الثاني: لا، اذهب إلى المكان الفلاني، الثالث لا، يقول: هات الحاجة الفلانية، وهكذا، ماذا يكون وضع هذا المسكين العبد المملوك لهؤلاء؟
{وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ}: يأمره بأمر يستطيعه، خالص لهذا الرجل، ما عنده ازدواجية، ولا عنده اضطراب، ولا عنده خلل، يُؤمر فيأتمر ويُنهى فينتهي.
يعني هذا في الأمور المحسوسة، والعبودية بالنسبة للمخلوق ناقصة؛ لأن سببها ناقص، نعم يستحق بها أن يكون مالكاً لهذا العبد، لكنه ملك ناقص وليس بملك تام، فالعبودية ناقصة كما أن سبب الملك ناقص، فكيف بالعبودية التامة للمالك الملك التام؟
يعني إذا عرفنا أن هذا الذي يملكه أكثر من واحد، فلنعلم أن المشرك شأنه وأمره أشد وأعظم؛ لأن هذه المشقة اللاحقة بهذا المملوك لهؤلاء المالكين المتشاكسين ينتهي وينقطع بالموت، لكن متى ينقطع أثر التشاكس في المعبودين من دون الله؟
هذا لا ينقطع، بل هذا الذي يعبد أكثر، أو يعبد مع الله غيره يشقى به في الدنيا ويصلى لظى خالداً مخلداً فيها في الآخرة، وإذا عرفنا الشرك عرفنا قيمة التوحيد، وأنه أعظم نعمة امتن الله بها على العباد.
قال -رحمه الله تعالى-:
"باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب": باب فضل التوحيد، يعني: وبابُ ما يكفر و"ما" هذه يحتمل أن تكون مصدرية، باب فضل التوحيد بتكفيره الذنوب، أو تكون موصولة والعائد محذوف، والتقدير والذي يكفره من الذنوب.
"وقول الله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} [(82) سورة الأنعام]": "{الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ}": يعني لم يخلطوا؛ لأن لبَس يلبِس: خلَط يخلِط، بخلاف لبِس يلبَس، لبِس الثوب يلبَسُه، ولبَس التمر يلبِسه يعني خلطه بغيره.
"{الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ}": يعني يخلطوا، {إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ}": الظلم خاف منه الصحابة -رضوان الله عليهم-؛ لأنه لا يوجد من لا يظلم، قد يظلم نفسه، وقد يظلم غيره، وقد يكون هذا الظلم عظيماً فاحشاً، وقد يكون يسيراً.
قالوا: "أينا لم يظلم نفسه يا رسول الله، قال: ((الظلم الشرك، ألم تسمعوا إلى قول العبد الصالح: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [(13) سورة لقمان])): قول لقمان: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}.
"{أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ}": فلن يتحقق الأمن، لن يتحقق الأمن إلا بتحقيق التوحيد ونفي الشرك بجميع صوره وأشكاله، الأمن لا يحققه القوة والقهر والحديد والنار، يحققه تحقيق التوحيد ونفي الشرك.
وإذا نظرنا إلى الواقع الذي نعيشه منذ ما يقرب من ثمانين سنة في هذه البلاد من أمن وافر، يعني من خلال ثمانين سنة، قريباً من ثمانين سنة عاشت هذه البلاد في أمن لم يذكر له نظير في التاريخ؛ كل هذا بسبب تحقيق التوحيد.
"{الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ} [(82) سورة الأنعام]": وفي سورة النور: {وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [(55) سورة النــور]، هذا هو الذي يحقق الأمن على الحقيقة، والله المستعان.
"{أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} [(82) سورة الأنعام]": لهم الأمن في الدنيا والآخرة، فالذي يحقق التوحيد، ويخلِّص هذا التوحيد من أنواع الشرك والبدع والمعاصي له الأمن التام، وإذا حصل فيه خلل اختلَّ هذا الأمن بقدر هذا الخلل كما يقول ابن القيم: "الحصة بالحصة".
نعم؟
طالب:.......
هاه؟
طالب:.......
إيه.
طالب:.......
لا يسلم من شوب شرك، هذا الذي أجبنا عنه في السؤال.
طالب:.......
كلٌّ بحسبه، أنت لا تظن أن الأمن هو مجرد أن يعيش الإنسان من غير حروب مثلاً، يعني ليس الأمن التام في مقابل الحروب والتدمير والفساد، الأمن المطلق يقابله الخوف المطلق، والأمن الجزئي يقابله الخوف الجزئي، يعني أمن القلب وطمأنينته، افترض أنه يمر بحروب لكن الإنسان آمن، وقلبه مطمئن مرتاح، هذا بقدر ما يحقق من التوحيد على سبيل الأفراد.
وعلى سبيل المجتمعات هناك أيضاً ما يخل بالأمن بقدر ما يختلُّ بالتوحيد، {أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ}.
قال -رحمه الله-:
"وعن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- قال: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له))": لا بد أن يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، "((وأن محمداً عبده ورسوله))": وبهذا يعصم دمه، إذا أقام الصلاة وآتى الزكاة، لا بد من هذا، كما في حديث: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة))، {فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ} [(5) سورة التوبة]، لا بد منها "((حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله))":
هذه هي الغاية التي بها يعصم الدم، ويكف عن المقاتلة، ويُخلَّى سبيله.
"((وأن محمداً عبده ورسوله))": لا تتم شهادة أن لا إله إلا الله إلا بشهادة أن محمداً عبده ورسوله.
محمد -عليه الصلاة والسلام- أشرف الخلق وأكمل الخلق، وأعرف الخلق بربه، وأتقاهم وأخشاهم، وهو سيدهم، سيد ولد آدم ولا فخر، ومع ذلك هو عبدٌ لا يجوز أن يصرف له شيء مما هو من حقوق الله -جل وعلا-.
محمد عبد الله ورسوله: هذان الوصفان لا بد منهما للتقابل، فإثبات العبودية للرسول -عليه الصلاة والسلام- تنفي الغلو، وأنه عبدٌ لا يستحق شيئاً من خصائص الإلهية، وإن وجد في أمته من غلا فيه الغلو الذي أوقعه في الشرك الأكبر، وُجِد هناك من الغلاة من جعلوه في مصاف الإله، بل هم منهم من جعله فوق الإله، ولم يترك للإله شيئاً:
فإن من جودك الدنيا وضرتها |
| ومن علومك علم اللوح والقلم |
يعني ما ترك شيئاً لله، الدنيا والآخرة كلها من جود النبي -عليه الصلاة والسلام-
يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به |
| سواك عند حلول الحادث العمم |
البوصيري يقول هذا الكلام!!
هذا رفع شأن النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى مقام الربوبية والألوهية، وأنه جعله يستحق جميع ما للرب من خصائص.
"((وأن محمداً عبده ورسوله))": هو مرسل من قبل الله -جل وعلا- صادق مصدق، لا يفتري على مرسِله، فإذا شهدنا بأنه مرسل من قبل الله -جل وعلا-، وهذا لا بد منه لدخول الجنة، على ما سيأتي.
"((وأن عيسى عبد الله ورسوله))": التنصيص على عيسى دون سائر الأنبياء والرسل؛ لأنه اختلف فيه، فمن قوله: "((عبد الله))": يؤخذ الرد على من جعله إلها يعبد من دون الله، وأنه هو الله، أو ابن الله، أو ثالث ثلاثة، هو عبد لله -جل وعلا- كسائر عبيده، يؤمر فيأتمر ويُنهى فينتهي.
وهو أيضاً رسول مرسل من قبله -جل وعلا-، إلى قومه من بني إسرائيل، وأنه ليس كما تقول اليهود -قاتلهم الله-: "إنه ولد بغي!".
فكونه رسولاً ينفي أن يكون ولدَ بغي، وكونه عبداً لله ينفي أن يكون معبوداً مع الله أو دون الله.
"((وكلمته ألقاها إلى مريم، وروح منه))": عيسى -عليه السلام- خلق من أم دون أب، والناس لا يتصورون أن يوجد ولد دون أب، ولذلك بادروا باتهام أمه، وجاءت براءتُها في الكتب السماوية، ومنها القرآن، وأن عيسى كلمة، وجد بكلمة: كُنْ، فكان.
"((ألقاها إلى مريم))": بواسطة جبريل، "((وروحٌ منه))": كلمة، كلمته ألقاها إلى مريم، يعني خلقه بكلمة التي هي: كُنْ، وليس هو الكلمة نفسها، ليس هو الكلمة، وإنما خلق بالكلمة، ولذلك قال: ((ألقاها إلى مريم)).
هذه الكلمة فنفخ فيها، فحملت به ثم وضعته من دون أب، وإذا تصور أن يخلق مخلوق دون أم ولا أب، فتصوُّر خلق مخلوق من أم دون أب أيسر.
وآدم لا يختلف الناس عموماً من جميع الديانات أنه خلق من طين، من غير أم ولا أب، وخلقت حواء من ذكر دون أنثى، وخلق عيسى -عليه السلام- بواسطة أنثى من دون ذكر.
"((وكلمته ألقاها إلى مريم))": يعني بواسطة جبريل -عليه السلام-.
"((وروح منه))": النصارى يرون أنه روح منه؛ "مِنْ" هذه تبعيضية، فهو بعض من الله -جل وعلا-، وهذا الكلام ليس بصحيح؛ و"مِنْ" هذه إما ابتدائية يعني صدرت منه، أو أنها بيانية، هذه الكلمة أو هذه الروح صدرت منه، هذا النفخ -هذه الروح التي نفخت فيه- صدرت من قبل الله -جل وعلا-.
ففي هذا ردٌّ على من رمى أمه بالبغي بالزنا، وردٌّ على من غلا فيه وأفرط حتى جعله إلهاً يعبد من دون الله كالنصارى، {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} [(17) سورة المائدة]، وبالمقابل ما يقوله اليهود، وما تدعيه اليهود.
هذه البتول المبرَّأة في الكتب السماوية التي يقذفها اليهود بما يقذفونها به، نظير ذلك تبرئة عائشة من فوق سبع سماوات مما رميت به من قصة الإفك.
وقد تعرض بعض النصارى في وقت القاضي أبي بكر بن الطيب الباقلاني لقذف عائشة، وأنها قذفت في عصر النبي -عليه الصلاة والسلام- وأخذ يقرر هذا، فكان من ردود ابن الباقلاني هذا -وهو معروف في مجادلاته ومناظراته، بارع في هذا الباب ويستفاد من مناظراته للنصارى، أو للمعتزلة، هو أشعري، فكل شخص يستفاد منه فيما يقابله ممن هو أشد منه، يعني الأشاعرة نستفيد من ردودهم على المعتزلة، والمعتزلة نستفيد من ردودهم على الجهمية، وغيرهم نستفيد من ردودهم على اليهود والنصارى وغير ذلك- الباقلاني قال للنصراني: أيهما أولى بالقذف التي تُكلِّم فيها وهي ذات زوج ولم تأت بولد، أيهما أولى بالقذف -هو يريد أن يقرر نفي التهمة عن عائشة- أو التي جاءت بولد دون زوج؟ وهذا من باب الإلزام، لا أنه يريد أن يقذف مريم؛ لو قذف كفَر، صار مثل اليهود هذا، لكن في باب المناظرة أنت تناظر من يسلم بشيء فتلزمه بما هو أولى بالتسليم منه، يعني في باب المناظرة قد يسلك مثل هذا وإلا قد نقول: إن هذا من ابن الباقلاني فيه سوء أدب مع مريم، لكنه لا يقول بهذا لا من قريب ولا من بعيد، لكنه يريد أن يلزمهم بما هو أولى وأوضح في الاستدلال.
تقول: إذا كانت مريم المبرأة المتفق على براءتها عندنا وعندكم، وقد جاءت بولد من غير أب، ونحن نقول ببراءتها، فكيف تُتَّهم من لم تأت بولد وهي ذات بعل؟ يعني لو جاءت بولد أقرب إلى البراءة ممن جاءت بولد وليست بذات زوج، فكيف بها، ولم تأت بولد وهي ذات زوج، وقد ثبتت براءتها بنفس المستوى الذي بُـرِّئت به مريم، كلاهما برئت في القرآن، وهذا في باب المناظرة يقبل، يقبل من باب الإلزام، إلزام الخصم بما هو أقوى من حجته وإن كانت حجته قطعية.
"((وأن الجنة حق، والنار حق))": الجنة حق وموجودة ومخلوقة، والنار أيضاً حق وموجودة ومخلوقة، خلافاً للمعتزلة الذين يرون أن خلق الجنة والنار قبل الاحتياج إليهما ضرب من العبث، والنبي -عليه الصلاة والسلام- رأى الجنة والنار، ودخل الجنة، ورأى من يعذب في النار، ورؤيا الأنبياء حق، ولا بد من اعتقاد أن الجنة والنار كلاهما حق موجودة الآن.
{النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [(46) سورة غافر]: يعرضون عليها غدواً وعيشاً في القيامة أو الآن؟ الآن في الدنيا، وأنهما باقيتان لا تفنيان، والنصوص على ذلك متظافرة متكاثرة، فالجنة أعدها للمؤمنين يوم القيامة، ولضدهم دار الجزاء الثاني التي هي النار.
"((أدخله الله الجنة على ما كان من العمل))": إذا اعتقد هذا الاعتقاد مع ملاحظة القيود فهذا لا شك أنه سبب من أسباب دخول الجنة ما لم يمنع منه مانع.
"((أدخله الله الجنة على ما كان من العمل))": الصالح وإن كان قليلاً وغيره وإن كان كثيراً، لكن لا بد من تحقيق التوحيد، لا بد من تحقيق التوحيد.
"أخرجاه": يعني البخاري ومسلم في صحيحيهما.
"ولهما": أي للبخاري ومسلم في الصحيحين، "من حديث عِتبان": عتبان من الصحابة، كان يصلي بقومه وهو معهم، فكُفَّ بصره وشق عليه الخروج إلى الصلاة مع قومه، فدعا النبيَّ -عليه الصلاة والسلام- إلى بيته لينظر له في مكان يتخذه مصلَّى، فذهب إليه النبي -عليه الصلاة والسلام- ومعه بعض الصحابة فاتخذ المكان الذي يصلي فيه، وصلى فيه النبي -عليه الصلاة والسلام-، ثم جلسوا يتحدثون، فوقع بعضهم في مالك بن الدخشم، قال: إنه منافق، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((إن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وجه الله)): يعني الرجل ظاهره الصلاح، وهو ينطق بهذه الكلمة، يقول هذه الكلمة، فلا يجوز الوقوع في عرضه بحال؛ لأن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجهه.
قد يقول قائل: إن مثل هذا العذر من عِتبان يبيح له ترك الجماعة، مع أنه جاء في حديث ابن أم مكتوم وأنه رجل أعمى، والطريق إلى المسجد فيه وعورة وفيه هوام، وليس له قائد يلائمه، ومع ذلك لم يعذره النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه قال له في النهاية: ((أتسمع النداء؟)) قال: نعم، قال: ((أجب؛ لا أجد لك رخصة)).
والجمع بينهما ظاهر، وهو أن عتبان لا يسمع النداء، ولو سمع النداء لقال له مثل ما قال لابن أم مكتوم، وبيته في الطريق بين مسجده -عليه الصلاة والسلام- وبين قباء -في منتصف الطريق- هو لا يسمع النداء -النداء الطبيعي- بدون مكبرات، وبدون مؤثرات -موانع تمنع السماع- يسمع في الغالب من كيلو ونصف، كيلو ونصف إلى كيلوين هذا المتوسط، يسمع بدون مؤثرات، بدون مكيفات، وبدون غلق وأبواب ونوافذ، وسيارات ومصانع، بدون هذه يُسمع، وبدون مكبرات؛ لأن الأصل عدم دخول المحدثات، يعني النداء في وقته -عليه الصلاة والسلام- الجو هادئ، لا توجد سيارات، لا توجد مصانع، لا توجد مكيفات، ولا هناك غلَق محكم لا يمكن أن تسمع شيئاً، تسمع، فإذا كانت المسافة كيلو ونصف إلى كيلوين فالسماع متحقق.
وعتبان يبعد بيته عن المسجد أكثر من ذلك، فهو لا يسمع النداء؛ ولذا عُذِر، واتخذ له النبي -عليه الصلاة والسلام- مسجداً في بيته.
وهنا بدأ بالصلاة ثم الحديث والأكل، وفي حديث أنس حينما صنعت أم سليم الطعام للنبي -عليه الصلاة والسلام- ودعته إلى هذا الطعام أكل ثم صلى؛ لأنه في حديث عتبان دُعي إلى الصلاة، وفي حديث أنس دعي للأكل.
ثم قال أنس: "فعمدت إلى حصير لنا قد اسودَّ من طول ما لبس"، وترجم عليه الإمام البخاري: باب الصلاة على الحصير، وقد يقول قائل: هل يشك أحد في جواز الصلاة على الحصير لنحتاج إلى هذه الترجمة؟
نعم من المتقدمين من كره الصلاة على الحصير، لماذا؟ هاه؟
طالب:.......
لا، لا لا، أخذاً من قوله -جل وعلا- في سورة الإسراء: {وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا} [(8) سورة الإسراء]، من باب التسمية، كراهيةً للاسم.
"ولهما من حديث عتبان: ((فإن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وجه الله))": يعني الذي يقول: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله هل يتصور أن يترك ما أمره الله به، أو يفعل ما نهاه عنه؛ لأنه يبتغي وجه الله، كيف يبتغي وجه الله وقد ترك المأمور وفعل المحظور؟
قال شيخ الإسلام: إن قوله: ((يبتغي بذلك وجه الله)) مما يطلب فعل الأوامر وترك النواهي.
وإن كان الزهري بعد الحديث قال: ثم بعد ذلك فرضت فرائض وحرِّمَ محرمات، يعني تحريم النار على من قال لا إله إلا الله هو قبل فرض الفرائض، وقبل تحريم بعض المحرمات.
طالب:.......
نعم.
طالب:.......
إيه.
طالب:.......
احتمال على ما كان من العمل أي عمل، لكن إن كان صالحاً فالسياق يدل على أنه وإن قل، والعمل السيئ وإن كان السياق يدل على أنه وإن كان كثيراً، لكنه سبب، مثل ما قلنا في سائر الأسباب، هو سبب، والسبب قد يوجد عنده أو به المسبَّب أو لا يوجد، نظراً لوجود الموانع، يعني لا يكفي وجود السبب بل لا بد من انتفاء الموانع.
"وعن أبي سعيد الخدري أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((قال موسى: يا ربِّ علمني شيئاً أذكرك وأدعوك به، قال: قل يا موسى: لا إله إلا الله))": يا رب علمني، يقول موسى -عليه السلام-: ((يا رب، علمني شيئاً أذكرك وأدعوك به، قال: قل يا موسى: لا إله إلا الله))": أما كونه ذكراً فواضح، وكونه دعاء؟ نعم؟
طالب:.......
هو دعاء عبادة، لكن من يقول: لا إله إلا الله ألا يطلب بذلك المغفرة من الله -جل وعلا-؟
فهو دعاء مسألة أيضاً؛ ولذا جاء في الحديث: ((أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير)).
"((قال: يا رب كل عبادك يقولون هذا، قال: يا موسى..))": إلى آخره.
أولاً: الحديث مخرج عند ابن حبان، والحاكم، وهو مضعَّف عند جمع من أهل العلم؛ لأن في إسناده دراجاً أبا السمح، وهو ضعيف عند أهل العلم، صححه الحاكم، وخرجه ابن حبان في صحيحه، وصححه أيضاً ابن حجر في فتح الباري.
هذا الحديث المختلف فيه أما على ثبوته فلا إشكال، يعني ولو على أقل وجوه الثبوت ككونه حسناً لغيره مثلاً هذا لا إشكال أنه يستدل به، وسواءً قلنا الحديث في الفضائل أو في العقائد.
هل الحديث في الفضائل؟ في فضل قول لا إله إلا الله فهو من الفضائل، أو في العقائد؟
طالب:.......
إيه؛ لأن هناك بون شاسع بين البابين، إذا قلنا: في الفضائل جمهور أهل العلم يتسامح في الفضائل، إذا قلنا في العقائد أهل العلم قاطبة يتشددون في باب العقائد.
طالب:.......
نعم؟
طالب:.......
موضوع الفضائل الجمهور يتسامحون فيه، ويتشددون في الأحكام، ومن باب أولى العقائد، دعونا من قول من يقول: إن العقائد لا يحتج بأخبار الآحاد فيها، خلونا على مذهب قول أهل السنة المعتمد أن الآحاد يجب العمل بها إذا صحت في جميع أبواب الدين، ومع ذلك باب الاعتقاد أشد من الأحكام، والأحكام يتشددون فيها، فإن قلنا: إن الحديث في الفضائل قلنا: الأمر أسهل؛ لأن جمهور أهل العلم يتساهلون في أحاديث الفضائل، وإذا قلنا أن الحديث في باب العقائد قلنا: إنه على القول بتضعيفه وأن سنده فيه لين؛ لأن فيه دراجا، وهو مضعف عند أهل العلم، وأما من صححه كالحاكم وابن حبان، وصححه أيضاً ابن حجر في فتح الباري، من يصححه لا إشكال عنده، لكن من يضعفه والحديث إما في العقائد أو في الفضائل، في الفضائل لا إشكال عند الجمهور، لو قال: إنه في العقائد لا يقبل بحال إذا كان ضعيفاً، أما إذا صحح فانتهى الأمر، ولا شك أن في سنده شيء من الضعف، فيه لين، فيه لين، والحكم بصحته فيه تساهل، فيه تساهل.
قال: "((قال موسى: يا ربِّ علمني شيئاً أذكرك وأدعوك به))": عرفنا أن قول: لا إله إلا الله، ذكر بلا إشكال، وعرفنا وجه كونه يدعو بها، ولذلك قال: ((دعوة أخي ذي النون: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)) دعوة سماها، وهي ذكر، والذكر دعاء عبادة، والذي يذكر يطلب المغفرة، فهو من هذه الحيثية دعاء مسألة أيضاً، يعني متضمن لدعاء المسألة.
"((قال: قل يا موسى: لا إله إلا الله، قال: يا رب كل عبادك يقولون هذا))": يعني هل هذا استخفاف من موسى بلا إله إلا الله أو أنه يريد شيئاً يستقل به دون غيره؟
يعني بعض الأطفال يظن أن قصار السور للصغار يستغرب إذا سمع شيخاً كبيراً يقرأ بالمعوذتين؛ لأنهم تعودوا أن هذه مما يمرن عليها الصغار وأول ما يبدأ بها، نعم هذا التصور موجود عند الصغار، مع أن القرآن كله واحد، يعني من الفاتحة إلى الناس كله قرآن، ويقرأ به في الصلاة وخارج الصلاة، وتترتب عليه الأجور من غير فرق، وهنا لا إله إلا الله أعظم الكلام كلمة التوحيد، كلمة الإخلاص.
"((قال: يا رب كل عبادك يقولون هذا))": ليس من باب الاستخفاف وإنما أراد -إن صح الخبر- شيئاً يستقل به عن غيره؛ ليكون منقبة ومزية له تميزه عن غيره.
"((كل عبادك يقولون هذا. قال: يا موسى لو أن السماوات السبع))": السماوات السبع منصوص عليها في القرآن وصريح السنة، وأما الأرضين السبع فالنص عليها صراحة بهذا الحديث، وأما قوله: {وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [(12) سورة الطلاق]، له احتمالات، يحتمل أن يكون في العدد، وأن يكون في الكيفية، في الهيئة، في السُّمك، في الارتفاع، المقصود أن الاحتمال قائم، وليست نص في كون الأرضين سبعاً.
هنا الحديث: والأرضين السبع، وفي الحديث الصحيح: ((من اغتصب شبراً من أرض طوقه من سبع أرضين))، فدل على أن الأرضين سبع.
"((قال: لو أن السماوات السبع، وعامرهن غيري))": العامر من يعمر الديار بسكناها، والذي يعمر بيوت الله ومساجد الله إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله، يعمرها بالعمارة الحسية أو المعنوية؟
طالب:.......
هاه؟
طالب:.......
الأصل معنوية، العمارة المعنوية بأداء الصلوات فيها، وأداء ما يزاول فيها من عبادات، والذي يعمر السماوات من يسكنها، ويعبد الله فيها.
"((غيري))": الله -جل وعلا- لا شك أنه في جهة العلو، والعلو، {أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء} [(16) سورة الملك]، "في" هذه ليست ظرفية، يعني في جهة العلو، والله -جل وعلا- فوق سماواته، مستوٍ على عرشه فوق سماواته بائن من خلقه، وقال: ((غيري))؛ لأن هذه السماوات في جهة العلو، والله -جل وعلا- في جهة العلو، والأرضين السبع ما فيه: غيري.
نعم؟
طالب:.......
لكنه في وقت دون وقت.
"((لو أن السماوات السبع وعامرهن غيري والأرضين السبع))": ما قال: وعامرهن غيري؛ لأنه في جهة العلو، وليس في الأرض خلافاً لما يقوله الحلولية.
"((في كِفة))": السماوات السبع ومن فيها من جميع المخلوقات، والأرضين السبع وما فيها من جميع المخلوقات في كفة من كفتي الميزان، والكِفَّة: بكسر الكاف، يقولون: كل مستدير كِفَّة، وكل مستطيل كُفَّة، المستدير مثل كفة الميزان يقال له: كِفة، والمستطيل مثل كفة الثوب كُفَّة.
"((في كفة، ولا إله إلا الله في كفة، مالت بهن لا إله إلا الله))": لا إله إلا الله، الاستثناء ((غيري)): استثناء الرب -جل وعلا-، استثناء الإله، تعالى وتقدس، من عامر السماوات، لا شك أنه من باب التصريح بما هو توضيح، وإلا لا يمكن أن يذكر الفضل بإزاء المفضل، إذا كان هذا الفضل جزءاً مما يفضل به هذا المفضل، فهل يقال: إن المفضل دون الفضل أو العكس؟
لا يمكن أن يقارن، لا يمكن أن يقارن الفضل بالمفضل.
"((ولا إله إلا الله في كفة، مالت))": يعني رجحت بهن لا إله إلا الله، مالت يعني رجحت بهن هذه الكلمة؛ لما تشتمل عليه من إثبات الألوهية لله -جل وعلا- ونفيها عما عداه.
"رواه ابن حبان، والحاكم وصححه": وصححه أيضاً ابن حجر.
"وللترمذي وحسنه عن أنس قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((قال الله تعالى: يا ابن آدم، لو أتيتني بقِراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة))".
"وللترمذي وحسنه": مخرج عندكم؟ ماذا يقول؟
طالب:....... وأخرجه أحمد والدارمي.......
نعم.
"عن أنس قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((قال الله تعالى: يا ابن آدم، لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة))": "((قال الله تعالى))": هذا من الأحاديث التي تسمى بالأحاديث القدسية، وقد يقال لها: الأحاديث الإلهية، وهي التي يضيفها الرسول -عليه الصلاة والسلام- إلى ربه، يرويها النبي -عليه الصلاة والسلام- عن ربه -جل وعلا-.
"((قال الله تعالى: يا ابن آدم، لو أتيتني بقراب الأرض))": يعني ما يقارب ملء الأرض، "((خطايا))": يعني بذنوب ومعاصي كثيرة جداً تقرب من ملء الأرض، أو تقرب من مشابهة الأرض في العظم.
"((ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً، لأتيتك بقرابها مغفرة))": يعني لقابلت هذه المعاصي الكثيرة العظيمة بما يقابلها من المغفرة العظيمة التي تقرب من ملء الأرض أو تقارب وتشبه الأرض.
نعم؟
طالب:.......
"((لا تشرك بي شيئاً))": ليس فيها نص على التوبة.
طالب:.......
سيأتي في المسائل...
طالب:.......
إثبات الصفات، ...... إثبات الصفات عندك..؟
إذا عرفت حديث أنس، الذي هنا، إذا عرفت حديث أنس، عرفت أن قوله في حديث عتبان: ((فإن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وجه الله)) إنه لا بد من اقتران الدليلين، فيكون أحدهما مفسر، واحد يثبت التوحيد ابتغاءً لوجه الله، والثاني يضم إليه، وهو نفي الشرك، وكل واحد منهما يلزم منه الآخر؛ لأن القول -قول لا إله إلا الله يبتغي بها وجه الله- يقتضي نفي الشرك، ونفي الشرك يقتضي تحقيق لا إله إلا الله، وتحقيقها تخليصها وتصفيتها على ما سيأتي، من حقق التوحيد في الدرس اللاحق.
اقتراح من بعض الإخوان أنه بدلاً من أن نشتت الدروس ونقطعها الأحاديث في درس والمسائل في درس، نكمل الباب على أي حال مهما طال به الوقت، يعني مثل ما صنعنا أمس أخذنا الباب وتركنا المسائل إلى اليوم، واليوم أيضاً أخذنا الباب ونترك المسائل إلى الغد، يعني كون المسائل تشرح مع الباب أفضل، ما الذي يترتب على هذا؟
طالب:.......
لا شك، لكن له سلبية يترتب عليه شيء، نعم، وهذا ما يطالب به بعض الأخوان، وهو أن سلم الوصول يرجأ إلى وقت آخر، ويؤخذ التوحيد إلى أن ينتهي الباب، وإذا كان الباب قصير أضفنا له باباً آخر لا سيما وأن بحوث سلم الوصول مقاربة جداً لبحوث كتاب التوحيد.
حقيقة أنا ما وافقت على هذا الاقتراح، لو لم يكن في ذلك إلا عدم الثقة والاطمئنان للإعلانات التي نصدرها، نعلن، ونتفق، ونعد، ثم بعد ذلك نلغي، هذا اقتراح قاله بعض الإخوان، وقلت لا بد من عرضه على الإخوان.
طالب: مادام المصلحة ليش ما يكون كتاب التوحيد الفجر؟
لا، ما في شيء الفجر، الإخوان يتذمرون وأنا واحد منهم؛ لأن الليل قصير والناس مبتلون بالسهر، ومناسبات وكذا، الفجر متعب، وأيضاً الفجر له وظيفة، طالب العلم يعني لا يجعل لكتاب الله نصيباً من وقته؟
طالب:.......
الفجر لايوجد وقت.
طالب:.......
الاقتراح هذا وجيه، أنا ما وافقت لأمر واحد، وهو أن الثقة تهتز، نعلن عن شيء ثم نلغيه، لكن بعد التجربة أمس واليوم، الآن لن نبدأ بسلم الوصول إلا بعد السادسة.
طالب:.......
هاه.
طالب:.......
لا، لا إكمال، ما في إكمال، لكن بدل من أن نأخذ عشرة أبواب نأخذ عشرين باباً.
طالب:.......
هذا الأصل هو هذا الذي أُعلن، وهذا الذي اتفقنا عليه، وهذا الذي التزمنا به.
طالب:........
يعني كأنه مراجعة للباب السابق، كل شيء له وجه.
طالب:.......
هو النقص لا بد منه، يعني لن نكمل على أي حال، لو نجعل الثلاث دروس كلها لكتاب التوحيد لن يكمل، لن يكمل كتاب التوحيد في الدورة في أسبوعين على أي حال.
طالب:.......
نحن نحاول بقدر الإمكان أما أننا نكرر ونعيد ونستطرد أحياناً ونغفل عن بعض المهمات، وهذا شأن الناس كلهم.
طالب:.......
يعني مثل وضعنا الآن، الآن الدرس يقرب من ساعتين.
طالب:.......
يعني يصير سلم الوصول نفلاً.
طالب:.......
هاه؟
طالب:.......
لا، بعض الإخوان حينما قالوا: إن السلم يرجأ إلى وقت آخر؛ لتكون العناية به أشد؛ لأنه إذا كان فضلة ونفل، وفي آخر وقت، يعني لن يكون الشرح على مستوى إذا ما قصد لذاته.
طالب:.......
هذا أمر مفروغ منه، يعني إذا كان تكميل وقت.
طالب:.......
لا، الذي يسمع الأشرطة المسجلة على السلم لن يستحضر الأسئلة المسجلة، كل كتاب مستقل بذاته، ولذلك ذكرني واحد من الإخوان أن نجعل المشي أو الشرح في كتاب التوحيد نظير شرح العمدة، أنا أقول: لا، هذا ليس بصحيح؛ شرح العمدة بالفعل فيه خلل، باعتبار أننا شرحنا أحاديث الأحكام في مواطن كثيرة وفي كتب متعددة واكتفينا ببعضها عن بعض، لكن الذي يسمع شرح العمدة مستقل، العمدة الأربعمائة حديث في سبعة وأربعين شريط، هذا ما هو بمرضي، والسبب في ذلك أن أول دورة صارت في العمدة صارت عند طلاب صغار، ثم الدورة الثانية عند كبار، يعني مثُل الشرح قليلاً ثم عاد إلى متوسطين وهكذا، يعني دورات متنقلة ما هو بطلاب ثابتين، صار الشرح فيه شيء من التفاوت، ولذلك أنا لا أرتضيه، وإن كان الإخوان يقولون فيه فائدة.
يحتاج أن نستفتي أو خلاص نمشي على الجدول؟
طالب:.......
وين نطول، ما في تطويل، ما في طول أيام، عندنا يوم السبت الثالث دورة في الجنوب بأبها، ما يمكن تطول.
طالب:.......
لا، لا الخلاف الآن في الخميس هذا القريب والخميس الثاني هل فيها دروس أو لا؟ الخطر على النقص ما هو........
طالب:.......
نعم؟
طالب:.......
كيف؟
طالب:.......
هاه؟
طالب:.......
لا، ما يكفيه التوحيد ساعة ولا ساعتين، يعني التوحيد الطلب عليه من قديم، ووعدنا به الإخوان مراراً وأجلنا، الإشكال أننا شرحناه مراراً وقرأنا شروحه كلها بعضها مرتين، وبعضها ثلاث، لكن نظرت في الأسواق ما فيها شيء مسجل.
طالب:.......
هو اليوم على شان أنها من الإنترنت، جاي من بعيد، وأجبنا عليها بس، وإلا الأسئلة عادها موجودة كثيرة ما أجبنا على شيء منها.
طالب:..
نستفتي أجل؟ لأن الصوت الثاني أسمع فيه قوة، يا إخوان الأصل بقاء ما كان على ما كان، الإعلان وعد، وبالنسبة لي لا بد من الوفاء في هذا الوعد ولو ترجح عندي القول الثاني، ولكن الأمر إليكم، يعني هذا ما عندي ويبقى ما عندكم، هل ترون أن الجدول يبقى كما هو ويأخذ سلم الوصول نصيبه أقل شيء ساعة.
طالب:.......
ولو كان على حساب كتاب التوحيد، أو ترون أن كتاب التوحيد ينجز منه في كل يوم على الأقل باب ويكون باقي الوقت ولو قل لسلم الوصول؟
طالب:.......
من يرى قسمة الوقت بينهما بالسوية ساعة وربع، وساعة وربع ما تزيد، من يرى هذا؟
طالب:.......
لا، ما هو بكلكم، ما في أحد، كيف كلنا، ما رفعوا أيديهم.
من يرى إكمال الباب الكامل من كتاب التوحيد ولو قلَّ الوقت على سلم الوصول؟
والله جمهور، خلونا نشوف.
من يرى الاقتصار على كتاب التوحيد جميع الوقت؟
طالب:.......
لا يجوز الرفع مرتين، كما أنه لا يجوز رفع اليدين، لا يجوز رفع اليدين في الاستفتاء ما هو في الصلاة.
طالب:.......
لا، أنا قلت لكم: الأصل بقاء ما كان، وهذا الإعلان لا شك أنني أنا الذي وضعته ووعدت به، هذا وعد مني أن أشرح هذه الكتب، والوعد لا بد منه، لكن إذا كان الطرف المستفيد يرى غير ذلك فالفائدة مقدمة.
طالب:.......
أعرف أن الأسئلة جائية من الإنترنت.......
طالب:.......
لو تصير الساعة ست كم يبقى لسلم الوصول؟ نصف ساعة.
طالب:.......
إيه نص ساعة باروح آخذ لي فنجان من هناك لمدة ربع ساعة وكذا ما يبقى، ونبي......
طالب:.......
لا، لا لا لو سجل الدرسين في شريط واحد صعب.
طالب:.......
يعني باب من كتاب التوحيد وأبيات من سلم الوصول في شريط واحد.
طالب:.......
ما يجي، ما يجي، ما يجي.
طالب:.......
والله نشوف الأصوات، الأصوات لا سيما الثاني والثالث متقاربة، متقاربة ويبقى على ما كان إن شاء الله، يبقى الأمر على ما كان.
طالب:.......
أنا اليوم أجبت على أسئلة الإنترنت بس، فقط............
"على كل حال من تابع الدروس سواءً كان من خلال الشبكة، أو من خلال الأشرطة وتفريغها على الكتب، والحرص والجد والمتابعة في هذا، هذا لا شك أنه طالب، وسالك سبيل العلم، سلك الطريق الذي يلتمس به العلم فيسهل له به طريق إلى الجنة، والحضور هو الأصل، لكن إذا تعذر يقوم مقامه المتابعة بواسطة الآلات.
غير المتخصص الذي لا يُعنى بدقائق العلوم هذا عليه أن يهتم بكتب الطبقة الأولى، وفي علم العقيدة يبدأ بالأصول الثلاثة، والقواعد الأربع، وكشف الشبهات، ثم بعد ذلك يقرأ في كتاب التوحيد.
إن كان مراده أفضل ما يناسب المبتدئين من المختصرات فمختصر السيرة للشيخ محمد بن عبد الوهاب، أو الفصول للحافظ ابن كثير مناسب، أحدهما مناسب للمبتدئين، أو كلاهما، ثم بعد ذلك يقرأ فيما هو أطول منه إلى أن يصل إلى ما كتبه الحافظ ابن كثير –رحمه الله- في البداية والنهاية، أربعة مجلدات كلها في السيرة.
لا، الكلمة معروفة عند المتقدمين، وفيها مؤلفات، التوحيد لابن منده، كم؟ ألف سنة، معروف بهذا الاسم، وقبله تداولوا هذه الكلمة والمقصود بها ما يُقصد به عند الشيخ محمد بن عبد الوهاب وغيره.
وذلك أننا نجد في بعض الأحيان بعض الأشخاص يمارسون الزنا -والعياذ بالله- في السيارة، فإذا نهينا –هذا من المغرب - فإذا نهينا عن المنكر خفنا على أنفسنا من السلطة فما العمل؟
كون الفواحش تظهر بهذه الصورة وبهذه الكيفية، هذا مؤذن بخطر عظيم -نسأل الله السلامة والعافية- وإذا كثر الخبث أذن الله بهلاك الأمم؛ "أنهلك وفينا الصالحون؟"، نعم، المغرب فيه صالحون، لكن قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((نعم إذا كثر الخبث))، والخبث كثر في كثير من بلاد المسلمين -نسأل الله السلامة والعافية-.
فكيفية الإنكار كما بين في الحديث الصحيح: ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه))، إذا خاف على نفسه إذا أنكر بيده، ينتقل إلى التغيير باللسان، وإذا خاف على نفسه من التغيير باللسان ينتقل إلى التغيير بالقلب، وليس وراء ذلك أدنى شيء، إذا كان الإنسان لا ينكر المنكر ولا بقلبه، هذا ليس في قلبه إيمان، نسأل الله السلامة والعافية.
يعني أمور الدين كلها ما وصلت إلى الأمة إلا عن طريقه -عليه الصلاة والسلام-، لا شك أن للمتأخرين استنباطات، وفهم لبعض النصوص لم يُسبق إليه، بحيث لو نظرت في معنى هذه الآية، وجدت عند هذا المفسر المتأخر معنى مناسبا تدعمه اللغة، ولا ينافيه نص آخر، ويشمله ((ربَّ مبلغ أوعى من سامع))، فهمه هذا المتأخر، وبحثت عنه في كتب المتقدمين فلم تجد له أدنى إشارة، ولم يعرجوا عليه ولم يعولوا عليه، كونه يخفى على جميع المتقدمين مثلاً، وينتبه له هذا المتأخر، وهذا قد يكون من فتح الله عليه، وقد يكون استدلالاً بأمور مصاحبة لهذا العلم خارجة عنه، يعني من مجموع مكتسباته في العلم، وقد يصل إلى هذه الفائدة بواسطة علوم أخرى، فمثل هذا هل نقول: إن الذي خفي على سلف هذه الأمة وأدركه هذا المتأخر، بمعنى أنه لا يخرج في تقرير الحكم عن حكم المتقدمين، يعني لا يجوز أن يحدث قولاً جديداً -بالنسبة للحكم- لكن في الاستنباط والاستدلال لهذا الحكم، استنبط من آية ما لم يستنبطه المتقدمون، مما يدل على هذا الحكم، هذا ليس فيه إشكال؛ ((رب مبلغ أوعى من سامع))، لكن أن يستحدث قولا جديدا لم يسبق إليه، هذا لا يمكن أن يقال.
فهل نقول: إن هذا الاستنباط يمكن أن يخفى على النبي -عليه الصلاة والسلام- حينما ذكَر هذا الدليل الذي يدل على هذه المسألة، وذكر أحاديث أخرى فيها من الدلالات التبعية على مسائل أخرى تنبه المتأخر لها ولم يتنبه المتقدم، وأن الرسول -عليه الصلاة والسلام- احتمال أن يكون لم يُرِدْ ما أراده هذا المتأخر وإن كان وجه الاستنباط صحيحاً، نقول: كل علم يتعلق بالدين لا بد أن يكون بواسطة النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وعلى كل حال لا شك الأحوط أن يقال: الله أعلم، في كل شيء، حتى في ختم الفتاوى نص العلماء على أن من أدب الفتوى أن تختم بقول: الله أعلم.
فتح المجيد لا شك أنه في الأصل مختصر من تيسير العزيز الحميد مع التكميل لما تركه الشيخ سليمان بن عبد الله، مما لم يتمّه من شرح كتاب التوحيد، كمله الشيخ عبد الرحمن بن حسن، ثم ألف قرة عيون الموحدين، وهو شرح مختصر.
هذا السماع هو شيء من الإدراك لا سيما للأنبياء والشهداء الذين ثبتت النصوص بأنهم أحياء، وأن الأرض لا تأكل أجسادهم، هذه الحياة حياة برزخية، تختلف اختلافاً كبيراً مع الحياة الدنيوية التي تقارن فيها الروح الجسد، ويفهم السؤال ويرد الجواب، وإن سمع قد لا يستطيع رد الجواب، بل قطعاً لا يستطيع؛ لأنه ميت.
النبي -عليه الصلاة والسلام- يرد على من صلى عليه، وسلم عليه، لكن غيره قد يسمع قرع النعال، والخلاف في سماع الأموات هذا أمر معروف عند أهل العلم، لكن حتى لو سمع هل يستطيع أن يجيب، وإذا استجاب هل يجاب؟
على كل حال مثل هذه الأمور محسومة، الميت لا يستطيع الدفاع عن نفسه فضلاً عن أن يدفع عن غيره، لا يستطيع أن يدافع عن نفسه، ولو استطاع أن يدافع عن نفسه لما وضع عليه التراب بقدر متر، فكيف يدافع عن غيره؟!
والله ما وقفت على الشرح، لكن الشيخ معروف بالضبط والتجويد والتحري والإتقان.
في تقديري أن طبعة الشيخ أحمد شاكر، وعليها حاشية للشيخ هي أضبط الطبعات، وهي مطبوعة بالمطبعة المنيرية، وطبعت أيضاً في مطبعة المعارف بمصر.
لا شك أن الذي تسعفه الحافظة، الحفظ لا بد منه، والذي لا يحفظ قد لا يستذكر العلم في وقته، لا سيما النصوص، والحفظ يقرب لك العلم متى شئت، بخلاف الاعتماد على الفهم فقط، فقد تحاول جاهداً أن تستذكر الفائدة فلا تسعفك، أو لا يسعفك فهمك، الفهم نعم إذا كان الكتاب بين يديك استطعت أن تفهم ما يقال، لكن إذا كان الكتاب غائب عنك فإنك تفهم ماذا وأنت لم تحفظ؟
ويمثلون للحفظ بمن زاده التمر -مسافر زاده التمر-، هذا يتناول منه ما شاء متى شاء، يمد يده إلى الإناء ويأخذ ليأكل، ولا يكلفه التمر أكثر من ذلك، لكن الذي علمه مبني على فهم -فهم ما في الكتب لا فهم ما في حفظه- هذا يقولون: زاده مثل البر، يحتاج إلى زرع، يحتاج إلى حصاد، يحتاج إلى تنقية، يحتاج إلى طحن، يحتاج إلى عجن، يحتاج إلى نار تنضجه، يحتاج إلى أمور كثيرة، مثل هذا الذي زاده في الكتب يدخل المكتبة ويبحث عن المسألة، ثم بعد ذلك يفهم هذه المسألة ثم يقول رأيه فيها، ففرق بين من علمه في صدره، وبين من علمه في كتابه.
العلم ما حواه الصدر
وليس العلم ما حواه القمطر
على ما قالوا.
نعم الفهم مهم، وركن ركين من وسائل التحصيل، لكنه دون حفظ لا يساوي شيئاً، اللهم إلا إذا كان الإنسان معوله على كتابه، لا يسير إلا بيده كتاب، إذا أراد شيئاً نظر في هذا الكتاب، هناك من العلوم التي يصعب فهمها، بالنسبة لضعيف الحافظة هذه العلوم التي يصعب فهمها، أو هذه الكتب التي يعسر فهمها إذا عاناها طالب العلم، وحاول جاهداً أن يفهمها لا شك أنه مع هذه المعاناة تستقر في ذهنه، فمثل هذا إذا عانى هذه الكتب، ولذلك ضعيف الحفظ لا يوجه إلى الكتب السهلة التي تفهم بسرعة؛ لأنه لن يتعب نفسه في فهمها، والحافظة لا تسعفه في استذكارها، لكن إذا كانت صعبة معقدة فإنه يحاول أن يفهم فيستقر المفهوم في ذهنه.
وقد ألفت كتب وفي أساليبها وعورة وصعوبة، والهدف من ذلك تربية طالب العلم على فهم هذه الكتب الدقيقة؛ ليكون لما عداها أفهم وأيسر له.
قولهم يختلف عن قول الخوارج في الحكم دون الحقيقة، يحكمون على مرتكب الكبيرة بأنه بين منزلتين، لا مؤمن ولا كافر، ومع ذلك مآل قولهم هو مآل قول الخوارج وأنهم مخلدون في النار، الخوارج يحكمون بكفره بارتكابه الكبيرة، وأولئك لا يحكمون بكفره ولا يطلقون عليه الإيمان، وإن كان الكل يتفقون على أنه مخلد في النار.
على كل حال إذا كان هذا إجماع جميع الدوائر، وجميع المسؤولين لا يحضرون إلا في الثامنة، وينصرفون في الثانية فأنت واحد منهم، وقد ينسخ القول بالفعل، وإذا وجد من يطبق النظام فلتكن أول من يبادر إلى تطبيقه؛ لأنك أجير، واستؤجرت في هذه المدة، لكن إذا كانوا كلهم بما فيهم المسؤولين عن تطبيق النظام لا يداومون إلا في الثامنة وينصرفون في الثانية فأنت واحد منهم.
التشبيه الذي يراد به تشبيه الذات بالذات هذا منفي ولا يجوز إطلاقاً، لكن التقريب بالمثال، التقريب بالمثال من غير تمثيل، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- شبه رؤية الباري برؤية القمر، الرؤية بالرؤية، لا المرئي بالمرئي، وهنا نقول: الامتثال بالامتثال، والحق بالحق، لا نقول: نشبه صاحب الحق بصاحب الحق، لا، الأب له حق، والله -جل وعلا- له حق، لكن ليس الحق كالحق، هذا يجب أن يطاع لكن بالمعروف، وطاعة الله مطلقة.
الدف إنما يستعمل في العرس فقط.
لا شك أن ترك الواجب اتباع للهوى، أو اتباع لمتبوع، سواءً كان هوى أو آمر ومطاع، وكذلك ارتكاب المعصية إنما هو اتباع للهوى أو مجاملة لآمر سواءً كان قريباً أو بعيداً، سواءً كان أباً، أو أماً، أو أميراً، أو وزيراً، أو كبيراً، هذا كله فيه شوب من الطاعة وفيه شرك الطاعة، {مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [(43) سورة الفرقان]، فعله هوى، وأيضاً من لهث وراء الدنيا، وحاول اكتسابها وجمعها من حلها وحرامها، هذا هو عبد لغير الله، شاء أم أبى، عبد للدرهم، وعبد للدينار؛ ولذا قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: إن ترك الصلاة شرك، ((بين العبد وبين الشرك أو الكفر ترك الصلاة)).
من أراد أن يحفظ كتاباً فليحفظه بجميع ما فيه، حتى لو قدر أن فيه خطأ يحفظ الخطأ، ويودع في نفسه أن هذا خطأ، وأن الصواب كذا؛ ليصحَّ أنه حفظ الكتاب الفلاني، كثيراً من يأتي من الإخوان من يقول: أنا أريد أن أحفظ البلوغ، لكن التخريج صعب، أنا أريد أن أحفظ المتون.
لكن لا تقول: حفظت البلوغ، أنت ما صدقت حينما تقول حفظت البلوغ، وأنت ما حفظته برمته.
أبداً، يفعل مثل ما فعل الصحابة وسلف هذه الأمة وجزاه الله خيراً، لكن هل الصحابة أفسدوا، هل دمروا، هل فجروا؟ لا، هم أورع الناس وأبعدهم عن هذه الأمور، لكنهم جاهدوا في سبيل الله من كفر بالله، وجاهدوهم رحمة بهم، ما جاهدوهم ليتسلطوا عليهم، لا، وليقهروهم ويذلوهم ويستعبدوهم، أبداً، جاهدوهم ليكونوا عبيداً لله -جل وعلا-، وليخلصوهم من عبادة العبيد إلى عبادة الله -جل وعلا-، وليحرفوهم ويصرفوهم عن طريق النار -طريق الجحيم- إلى طريق الجنة، وليقودوهم إلى الجنة بالسلاسل.
إذا كان المتن متميزا، بمعنى أنه يمكن الوقوف عليه بسهولة، مطبوع مع الشرح ومتميز عن الشرح، فأنت تتابع في المتن وإذا أشكل عليك شيء تراجع الشرح فإحضار الشرح طيب، وإذا كان المتن ممزوجا مع الشرح فلتحضر المتن؛ لأنه المعول عليه، إذا كان المتن بارزاً يمكن المتابعة فيه من غير مشقة ولا تشتت مع الشرح فليحضر الشرح، وإذا كان الشرح ممزوجاً والمتن بين أقواس فإن مثل هذا عليه أن يحضر المتن.
ما الشرح الذي أبدأ به؟
إذا كنت تقصد كتاب التوحيد فشروحه كثيرة، ومن أجود ما يبدأ به (كتاب قرة عيون الموحدين)؛ لأنه شرح مختصر وواضح وسهل، وإن بدأ بشروح الشيوخ المعاصرين كشرح الشيخ ابن عثيمين أو شرح الشيخ صالح الفوزان، كلاهما شروح طيبة ومناسبة.