التعليق على تفسير القرطبي - سورة المجادلة (02)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. قال الإمام القرطبي رحمه الله تعالى: قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَٰلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَٰلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّـهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [المجادلة:3-4] فيه ثلاث عشرة مسألة: 

الأولى: قوله تعالى : {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ } هذا ابتداء والخبر {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} وحذف (عليهم)  لدلالة الكلام عليه، أي: فعليهم تحرير رقبة..."

يعني كما في قوله جل وعلا-: {فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}[البقرة:184]، يعني فأفطر فعليه عدة من أيام أخر يعني يجب عليه أن يقضي، وهنا: {وَالَّذِينَ  يُظَهَّـرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ} هذه قراءة نافع التي يعتمدها المؤلف ورسمت هكذا بالتفسير، وليس لنا أن نقرأ بقراءتنا ونحن نقرأ كتاب منسوب إلى شخص من علماء المسلمين نقرأ بقراءته، ومع ذلك التنبيه على القراءات الأخرى تقدم.

التقدير هنا {وَالَّذِينَ  يُظَهَّـرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ} يقول: هذا ابتداء، والخبر {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ}، يعني فالواجب عليه أو فعليه تحرير رقبة، كما في آية الصيام التي ذكرناها: {فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}[البقرة:184] يعني فعليه عدة من أيام أخر يعني يجب عليه صيام عدة أيام أخر قضاء لما أفطرها.

"وقيل: أي: فكفارتهم عتق رقبة. والمجمع عليه عند العلماء في الظهار قول الرجل لامرأته: أنت علي كظهر أمي ."

نعم، هذا المجمع عليه مصرح بالظهر كما تقدم وماعداه كناية، تحتاج إلى نية فإن نوى الظهار صار ظهارًا وإن نوى الطلاق صار طلاقًا، وإن لم ينوِ هذا وهذا كما تقدم وكما سيأتي في سورة التحريم يكفر كفارة يمين.

"وهو قول المنكر والزور الذي عنى الله بقوله: {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} [المجادلة:2]، فمن قال هذا القول حرم عليه وطء امرأته، فمن عاد لما قال لزمته كفارة الظهار، لقوله عز وجل: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المجادلة:3]، وهذا يدل على أن كفارة الظهار لا تلزم بالقول خاصة حتى ينضم إليها العود، وهذا حرف مشكل اختلف الناس فيه على أقوال سبعة."

يقول المؤلف -رحمه الله-: وهذا يدل على أن كفارة الظهار لا تلزم بالقول خاصة حتى ينضم إليها العود، يعني هذا خلاف في العود الذي يذكره المؤلف على سبعة أقوال، لكن لو أن شخصًا ظاهر من امرأته واستمر على ظهاره ما عاد، ولا طلق هل من لازم الظهار الطلاق؟ هل من لازمه الطلاق؟ وهل يحسب في الطلاق؟ لو قال: لا أعود ولا أكفر ولا أطلق، أنا قلت هذا الكلام وأرسلته خلاص... لن أكفر ولن أعود إلى المرأة ولن أعزم على العود آخر ولا عطاء إلى غير ذلك من الأقوال التي قيل في المراد بالعود، تبقي حينئذ معلقة؟ حكمه المولي ينظر أربعة أشهر، لكن المولي ينظر أربعة أشهر لتمر عليه مدة يعرف أو يمهل بها هل يطأ أو لا يطأ لكنه ممنوع من الوطء حتى يكفر هنا، أو من لازم هذا القول ألا يطأ حتى يكفر فيكون يمهل أربعة أشهر فإن عاد كفر وعاد وإلا تفسخ منه؟ لو طلب مهلة، طلب إنظار... بعض الناس يحسبه ويوازن بين ما هو صالح، هل هذه المرأة تستحق عتق رقبة ليستمر معها، أو لا تستحق؟ لكن لو حلف والإيلاء والظهار كلها مرتبطة بعقد النكاح... لكن المدة التي يمكن أن يمهل لينظر في أمره، كيف تقدر؟

الطالب: بقدره ينظر لماذا تريد المدة، إن كان ظهر وقصد مضارة فينظر.

لا، أطلق هذه الكلمة قال لزوجته: أنت عليّ كظهر أمه، لا يجوز له أن يقرب بها حتى يكفر، قال: أنا سأنظر في أموري هل أستطيع أن أكفر أو لا أستطيع أو المرأة هذه تستحق أن أبذل ما أبذل كفارة...أريد أن أنظر في أمري. الإيلاء حدد بالنص أربعة أشهر لكن هذا ما فيه تحديد وهي أشبه ما تكون...فيها شبه باليمين، باعتبار أن مؤداها مؤدى اليمين ولذلك يقرنون بين الظهار والإيلاء وبعضهم يجعل الأيمان معها كما فعل ابن عبد الهادي، الظهار والإيلاء والأيمان، للزوم الكفارة في الجميع.

طالب:......

حتى إذا حلف ألا يطأ زوجته مطلقًا هذا منكر.

طالب:.........

لا، أنا أريد حد فاصل في هذه المسألة. هل يلزم من الظهار الطلاق إذا لم يكفر؟ لا يلزم منه طلاق فتبقى المرأة معلقة، يقول: أنا لن أكفر حتى أنظر في أمري.

طالب:.....

إن توفي نعم ترثه، هي ما بانت منه لكن لا يجوز أن يقربها حتى يكفر، كالمريض الذي به مرض معدي مثلاً لا يجوز له أن يقربها حتى يشفى. هل يترك هذا إلى العرف فيحدد بالوقت الذي تتضرر به؟ ومرد ذلك الاجتهاد القاضي أو يقال من أقرب الأشياء من المنصوص عليه به الإيلاء، لعله يأتي في كلام المؤلف شيء يشير إليه.

"اختلف الناس فيه على أقوال سبعة: الأول أنه العزم على الوطء وهو مشهور قول العراقيين أبي حنيفة وأصحابه، وروى عن مالك فإن عزم على وطأها كان عودا وإن لم يعزم لم يكن عودًا. الثاني: العزم على الإمساك بعد التظاهر منها، قاله مالك. الثالث: العزم عليهما وهو قول مالك في موطئه، قال مالك في قول الله -عز وجل-: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} قال: سمعت أن تفسير ذلك أن يظاهر الرجل من امرأته، ثم يجمع على إصابتها وإمساكها، فإن أجمع على ذلك فقد وجبت عليه الكفارة، وإن طلقها ولم يجمع بعد تظاهره منها على إمساكها وإصابتها فلا كفارة عليه. قال مالك: وإن تزوجها بعد ذلك لم يمسها حتى يكفر كفارة التظاهر."

لو ضربت له مدة، وتجاوز هذه المدة ولم يكفر وفسخت منه فتزوجت ثم طلقت، قال: هذا حكمه حكم الطلاق البائن تعود إليه بعقد، وخطبة، ومهر أو يقول: لابد أن يكفر؟ نعم لابد أن يكفر ولو نكحت بعده غيره. الآن القول الأول: العزم على الوطء، والثاني أنه العزم على الإمساك، والثالث العزم عليهما. لو افترضنا أن هذا المظاهر عنين، لا يرد لا يمكن أن يذهب قول الأول أنه لا يطأ، فمتى عزم على الإمساك إذا كان لا يطأ تلزمه كفارة، فعلى هذا أي الأقوال أولى؟ نعم الذي يشمل من يطأ ومن لا يطأ. القول المرجح الذي يشمل من يطأ ومن لا يطأ، فتحريمها عليه كظهر أمه يريد بذلك عدم الوطء، هذا المقصود في الظهار القصد الأول؛ تحريمها عليه لا سائر الانتفاع كذا لو حرمها كظهر أخته مثلاً فهو ينتفع من أخته، ينتفع من أمه بغير الوطء. فمقصوده حينما ظاهر الوطء حينما شبهها بأمه أو أخته أو بنته لأن له أن ينتفع بغير الوطء، فالمقصود من التشبيه ما يحرم عليه على التأبيد الذي هو الوطء، وقبله العقد وقد عقد، لكن المقصود هنا الذي في ذهنه وهو يظاهر الوطء، فالوطء لا شك أن له أثر يعني إرادة الوطء، أو العزم على الوطء له أثر في أصل العقد، عقد نية الظهار، فهو حينما شبهها يشبهها من هذه الحيثية لا التشبيه من جميع وجوه الانتفاع، لأنه يسوغ له أن ينتفع من أمه، ينتفع من أخته، ينتفع من بنته بغير الوطء. فاعتبار الوطء من هذه الحيثية لأنه هو الباعث على هذا الكلام، وهو الناهز على هذا الكلام، ولذلك قال جمع من أهل العلم بل على قول الأكثر أنه العزم على الوطء الذي من أجله شبهها بأمه، يعني هل يتصور من عنين أن يقول لزوجته: أنت عليّ كظهر أمي!؟ بعيد جدًا إلا إذا كان ذهنه خالي من كل شيء ويريد أن يحرم هذه المرأة على نفسه، فوجد أن أشد ما وجد هذه الكلمة. يعني شخص جاء يسأل هنا فقال: حصل نقاش بيني ونزاع بيني وبين زوجتي، فقلت: أنت طالق، طالق، طالق، بائن، عليّ كظهر أمي وجاء بكل ما تحتمله الصيغ من فراق. وفرق بين أن يطلق قبل أن يظاهر وبين أن يظاهر قبل أن يطلق على ما سيأتي. قال: أنت طالق، طالق، طالق، عليّ كظهر أمي؛ الظهار ما صادف موقعا لأنها طلقت منه على ما سيأتي تفصيل إن شاء الله تعالى وإن كانت الرجعية زوجة، لكن إذا بنها ثم ظاهر منها هذا لا إشكال فيه أنه لا يقع، والخلاف فيما إذا كانت رجعية هل يلحقها ظهار؟ وهل يلحقها طلاق ثاني ولم يتخلله رجعة ما دامت في العدة؟

هذه مسألة يأتي إن شاء الله ذكرها، لكن ما زلنا في الأقوال: القول الأول: العزم على الوطء والثاني: الإمساك والثالث: العزم عليهما. فإذا نظرنا إلى أن الباعث والناهز على الظهار هو الوطء، لأنه هو وجه التشبيه بالأم أما ما عداه من سائر وجوه الانتفاع فيجوز له أن ينتفع من أمه، من أخته، من بنته بحدود ما أباحه الله جل وعلا ولا تفترق الزوجة عن غيرها إلا بالوطء من المحرمات. إذا لاحظنا هذا قلنا إنه العزم على الوطء لأنه هو الذي بعثه على إطلاق هذه الكلمة، وإذا لاحظنا أن ممن يظاهر من لا يطأ، قلنا العزم على الإمساك أعم من أن يكون للوطء أو لغيره فيكون العزم على الإمساك. طيب من عزم على الوطء هل هو عازم على الإمساك أو لا؟ ومن عزم على الإمساك وهو ممن يطأ هل هو عازم على الوطء أو لا؟ يعني هل من لازم هذا هذا أو لا؟ يلزم في الأول دون الثاني، لكن هل هو بالفعل اللازم؟ حملته الشهوة إلى أن يطأ وليس في نيته أن يستمر كمن طلق امرأته واحدة، طلقة واحدة فحملته قوة الشهوة على أن يطأ، هذه تعتبر رجعة أو ما تعتبر؟ رجعة، لكن ليس في نيته أن يستمر لكن ما صبر أمام الشهوة، فليس من لازم الوطء الإمساك، وليس من لازم الإمساك الوطء. فإذا قلنا جمعنا بينهما في القول الثالث فيمكن أن يكون هذا هو المتجه.

طالب:......

لأن وجه الشبه هنا غير موجود، لا يلزم له ظهار ويلزمه كفارة.

"القول الرابع أنه الوطء نفسه فإن لم يطأ لم يكن عودًا، قاله الحسن ومالك أيضًا."

يعني إذا أمسكها في بيته للخدمة من غير وطأ، يعني تستمر زوجة ولها أحكام الزوجة ولكن لا يطأ حتى يكفر وهذا يخرج العنين من المسألة أصلاً يقول ما يشاء ولا كفارة عليه هذا من لازم هذا القول وهو منكر من القول وزور، تجب فيه الكفارة.

"الخامس: وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه هو أن يمسكها زوجة بعد الظهار مع القدرة على الطلاق، لأنه لما ظاهر قصد التحريم فإن وصل به الطلاق فقد جرى على خلاف ما ابتدأه من إيقاع التحريم ولا كفارة عليه، وإن أمسك عن الطلاق فقد عاد إلى ما كان عليه فتجب عليه الكفارة."

يعني إن أردف الظهار بالطلاق يقول: لا شيء عليه، وإن أمسكها في وقت يتمكن فيه من الطلاق فعليه الكفارة.

"السادس: أن الظهار يوجب تحريمًا لا يرفعه إلا الكفارة، ومعنى العود عند القائلين بهذا أنه لا يستبيح وطأها إلا بكفارة يقدمها، قاله أبو حنيفة وأصحابه والليث بن سعد. السابع: هو تكرير الظهار بلفظه وهو قول أهل الظاهر النافيين للقياس."

ظاهر اللفظ قد يحتج به لهذا القول (ثم يعودون لما قالوا)، يعني إذا كرره ثانية عاد إلى ما قاله أولا بمعنى أنه كرره ثانية تلزمه الكفارة وإلا فلا وهذا كلام سليم وهو ظاهر اللفظ، ولذلك هو قول أهل الظاهر. هذا من حيث اللفظ متجه، لكن من حيث المعنى؟ معناه أننا نتيح له أن يظاهر ثانية وهذا القول منكر وزور كما في النص، فكيف يمكن من الظهار ثانية؟  لا تلزمه الكفارة إلا إذا، وهل في وجوب الكفارة تمكين له من أن يظاهر ثانية؟ لو استمر ما عاد لما قال ولا كرره ثانية؟ معناه أن زوجته ولا يلزمه شيء وجميع القصص التي مرت بنا في أسباب النزول ليس فيه أنه ما أمر بالكفارة حتى ظاهر ثانية. هناك ملاحظ دقيقة يعني مثلاً وقوع الطلاق في الحيض من عدم وقوعه؟ الجماهير على أنه يقع في الحيض لكن إذا نظرنا إلى قصة بن عمرو، «مره فليراجعها» لأنه طلقها في الحيض، «حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر». هل معنى هذا أننا إذا نفذنا الطلاق في الحيض صار طلقة واحدة. إذا نفذنا الطلاق في الحيض في قصة ابن عمر صار طلقة واحدة، لكن إذا أمرناه بإمساكها كما جاء في النص: «حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر»، إذا أوقعنا الأولى التي في الحيض معناه أننا على مقتضى النص نلزمه بثانية. نتبه لمثل هذا؛ إذا أوقعنا الطلاق في الحيض كما هو قول جماهير أهل العلم وابن عمرو يرى أنها حسبت عليه، فإننا حسبنا الأولى وأمرناه بالإمساك ليطلق ثانية، وهل تكرار الطلاق من مقاصد الشرع؟ فهذا يقوي قول من يقول: أن الطلاق لا يقع في الحيض. نعم في النفس شيء قول عامة أهل العلم والأئمة الأربعة وأتباعهم أن كله يقع، لكن إذا نظرنا إلى هذا الملحظ قلنا أن الشرع لا يتشوف إلى تكثير الطلاق، ولو قلنا بوقوعه في الحيض الأول لقلنا أن الشرع يأمر ان عمرو أن يطلق ثانية، لأنه أمره بالإمساك حتى تحيض، ثم تطهر ثم يطلق ثانية إن شاء، لاشك أن مثل هذا الكلام وارد على قول الجمهور، يرد على قولهم، فعلى قول الظاهرية النافيين للقياس يقولون: أن معنى العود المذكور أن يعود لما قال كما هو نص الآية، والذي قال: هي عليه كظهر أمه، فإذا عاد لما قال ثانية تلزمه الكفارة أما إذا لم يعد لما قال فإنه لا كفارة عليه. طيب عاد لما قال بعد أن مسها، على كلام الظاهرية أنه له أن يمسها من دون تكفير في المرة الأولى. طيب عاد لما قال بعد أن مسها، مادام ما عليه كفارة من قبل أن يتماسا فله أن يطأ بمقتضى هذا القول لأنه ما عاد ثانية لما قال من الظهار، ما عليه شيء عندهم حتى يكرر الظهار ثانية فإذا كرر الظهار ثانية فعليه كفارة، والله المستعان. وهذا القول ليس بشيء.

"السابع: هو تكرير الظهار بلفظه وهذا قول أهل الظاهر النافيين للقياس، قالوا: إذا كرر اللفظ بالظهار فهو العود، وإن لم يكرر فليس بعود ويسند ذلك إلى بكير بن الأشد وأبي العالية وأبي حنيفة أيضًا وهو قول الفراء، وقال أبو العالية: وظاهر الآية يشهد له لأنه قال: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} أي إلى قول ما قالوا. وروى علي بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله عز وجل: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} هو أن يقول لها: أنت علي كظهر أمي، فإذا قال لها ذلك فليست تحل له حتى يكفر كفارة الظهار. قال بن العربي: فأما القول بأنه العود إلى لفظ الظهار فهو باطل قطعًا لا يصح عن بكير، وإنما يشبه أن يكون من جهالة داود وأشياعه."

معروف ما بين ابن العربي والظاهرية، رموه بأمور بعظائم وشنع عليهم في مواضع من كتبه، وشبههم بالحمير في مواضع من كتبه في عارضة الأحوذي وغيرها من مؤلفاته، فمثل هذا التشنيع إنما يشبه أن يكون من جهالة داود وأشياعه، لا شك أن إلغاء القياس الاعتماد على ظواهر النصوص من غير اعتبار لمعانيها هذا لا شك أنه أوقعهم فيما أوقعهم في بعض المسائل التي قد تكون مثار استهزاء وتندر بهؤلاء العلماء، لكن يبقى أنهم من أهل العلم وعندهم تعظيم للنصوص فيعاملون كغيرهم من العلماء إلا أنهم أبعد عن موافقة الأئمة الذين يتفقون على النظر إلى معاني النصوص ويقيسون الأشباه والنظائر ويحيلون الفروع على الأصول.

"وقد رويت قصص المتظاهرين..."

المتظاهرين يعني الذين هم في الحقيقة سبب نزول السورة.

"وليس في ذكر الكفارة عليهم ذكر لعود القول منهم، وأيضًا فإن المعنى ينقضه لأن الله تعالى وصفه بأنه منكر من القول وزور، فكيف يقال له: إذا أعدت القول المحرم والسبب المحظور وجبت عليك الكفارة، وهذا لا يعقل، ألا ترى أن كل سبب يوجب الكفارة لا تشترط فيه الإعادة من قتل ووطأ في صوم أو غيره. قلت: قوله يشبه أن يكون من جهالة داود وأشياعه حمل منه عليه، وقد قال بقول داود من ذكرناه عنهم وأما قول الشافعي بأنه ترك الطلاق مع القدرة عليه فينقضه ثلاثة أمور أمهات: الأول: أنه قال ثم وهذا بظاهره يقتضي التراخي."

ومقتضى قول الشافعي أنه يردفه مباشرة بالطلاق، فإذا تركه مع القدرة عليه لزمه أن يكفر.

"الثاني: أن قوله تعالى: {ثُمَّ يَعُودُونَ} يقتضي وجود فعل من جهة ومرور الزمان ليس بفعل منه.

الثالث: أن الطلاق الرجعي لا ينافي البقاء على الملك فلم يسقط حكم الظهار كالإيلاء، فإن قيل: فإذا رآها كالأم لم يمسكها إذ لا يصح إمساك الأم بالنكاح، وهذا عمدة أهل ما وراء النهر."

يعني من أهل العلم.

"قلنا: إذا عزم على خلاف ما قال ورآها خلاف الأم، كفر وعاد إلى أهله وتحقيق هذا القول أن العزم قول نفسي، وهذا رجل قال قولاً اقتضى التحليل وهو النكاح، وقال قولاً اقتضى التحريم وهو الظهار، ثم عاد لما قال وهو التحليل، ولا يصح أن يكون منه ابتداء عقد لأن العقد باق فلم يبق إلا أنه قول عزم يخالف ما اعتقده وقاله في نفسه من الظهار الذي أخبر عنه بقوله: أنت على كظهر أمي، وإذا كان ذلك كفر وعاد إلى أهله لقوله: {مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا}. وهذا تفسير بالغ في فنه."

العزم وهو أنه قول نفسي، العزم معروف أنه من مراتب القصد وهو آخرها، لأن قبله الخاطر والهاجس ثم حديث النفس ثم الهم ثم العزم، آخرها العزم وبه تقع المؤاخذة. ما عداه هذا كله لا مؤاخذة. أما العزم فيه مؤاخذة ويترتب عليه أحكام، فإذا عزم لزمته الكفارة. ما يقال: والله أن هذا العزم ما تكلم وما فعل هذا داخل في حديث النفس، لا. مراتب القصد خمسٌ هاجسٌ ... فخاطرٌ فحديث النفس فاستمعا يليه همٌ فعزمٌ كلها رفعت ... إلا الأخير ففيه الأخذ قد وقعا.

فالعزم يؤاخذ عليه، «إذا التقى المسلمان بسيفهما، فالقاتل والمقتول في النار» المقتول عازم على قتل صاحبه فيؤاخذ بالعزم، فمن هذه الحيثية لأن قوله: العزم قول نفسي، القول النفسي إنما يثبته الأشعرية، وأنه هو الأصل في الكلام وأما القول باللسان فهو دليل عليه وتعبير عنه، هذا القول معروف بطلانه كما هو مقرر، لكن إذا زور في نفسه كلامًا وعبر مرورًا هكذا، هذا خاطر إن تكرر هاجس، وإن تردد حيث نفس، وإن قرنه بإرادة الفعل فإنه هو الهم، وإن لم يبق إلا التنفيذ هذا هو العزم الذي فيه المؤاخذة. فإذا عزم فقد عاد حكمًا وإن لم يعد حقيقة، إذا عزم لأن العزم آخر مراتب القصد التي لا يليها إلا التنفيذ، فهو مؤاخذ عليه فتلزمه الكفارة قبل أن يمسها بمجرد العزم.

"الثانية: قال بعض أهل التأويل، الآية فيها تقديم وتأخير والمعنى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ} إلى ما كانوا عليه من الجماع فتحرير رقبة لما قالوا أي فعليهم تحرير رقبة من أجل ما قالوا، فالجار في قوله: لما قالوا متعلق بالمحذوف الذي هو خبر الابتداء وهو عليهم، قاله الأخفش."

ويكون القول سبب، سبب الكفارة والعود ليس إلى ما قالوا كما قال أهل الظاهر، وإنما هو العود للجماع الذي وقع التحريم به والذي هو وجه الشبه في أصل إطلاق هذه الجملة المحرمة.

"وقال الزجاج: المعنى، ثم يعودون إلى إرادة الجماع من أجل ما قالوا، وقيل المعنى الذين كانوا يظهرون من نسائهم في الجاهلية، ثم يعودون لما كانوا قالوه في الجاهلية في الإسلام، فكفارة من عاد أن يحرر رقبة."

هذا قريب من قول الظاهرية، أن تكرار اللفظ لكنهم كانوا يفعلونه في الجاهلية فإذا كرروه في الإسلام فإنه تلزمه الكفارة، هو قول كانوا يطلقونه في الجاهلية، فتلزم الكفارة لمن كرره في الإسلام ولو مرة واحدة لأنه عاد لما قاله في الجاهلية فكذا فيه بعد.

"قال الفراء: اللام بمعنى عن، والمعنى ثم يرجعون عما قالوه ويريدون الوقت."

ثم يعودون يعني يرجعون، كما تقول: عاد فلان إلى بلده يعني رجع إليه، لما قالوا: اللام بمعنى عن يعني يرجعون عما قالوا.

"وقال الأخفش: لما قالوا وإلى ما قالوا واحد، واللام وإلى يتعاقبان، قال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا} وقال: {فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ}."

يعني عدّى الفعل هذا مرة بـ اللام ومرة بـ إلى.

"وقال: {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا} وقال: {وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ}."

فعدى الفعل أوحى مرة باللام ومرة بإلى فيدل على أنهما يتعاقبان.

"الثالثة: قوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} أي فعليه إعتاق رقبة، يقال: حررته أي جعلته حرا. ثم هذه الرقبة يجب أن تكون كاملة سليمة من كل عيب، من كمالها إسلامها عند مالك والشافعي. "

يعني لقول الجمهور أنه لابد أن تكون مؤمنة كما هو الشأن في كفارة القتل، وأبو حنيفة لا يشترط الإيمان لأن النص أطلق في هذا وفي مواضع من الكفارات أطلق لكنه قيد في آية القتل، (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) وما عداها من الكفارات جاء مطلقًا ومقتضى القاعدة عند الجمهور أنه إذا اتفق المطلق مع المقيد في الحكم، فإنه يحمل المطلق على المقيد ولو اختلف السبب كما هنا. وأبو حنيفة رحمه الله لا يرى حمل المطلق على المقيد في مثل هذه السورة. على كل حال الجمهور يرون أنها لابد أن تكون مؤمنة لأن القيد جاء في كفارة القتل والحكم واحد كله في وجوب الإعتاق، وإن اختلف السبب، والسبب هنا هو الظهار، والسبب والوطء في نهار رمضان هو الوطء، والسبب في كفارة القتل هو القتل، والسبب في كفارة اليمين هو الحلف. الأسباب اختلفت لكن الحكم واحد، فالجمهور ينظرون إلى الحكم ولا يعتبرون السبب فيحملون المطلق على المقيد. طيب ما ذكر قيد الإيمان في الكفارات كلها، وكرر في كفارة القتل، ألا يكفي لحمل المطلق على المقيد أن يقال مرة واحدة في كفارة القتل فتحرير رقبة مؤمنة، ويقال في بقية المواضع فتحرير رقبة؟ وهو حينئذ في القتل يجب حمل المطلق على المقيد للاتحاد في الحكم والسبب، لكن لما كرر في القتل ثلاث مرات ولم يذكر في غيره، قد يلحظه الحنفية وهو ملحظ دقيق جدًا، يعني كرر ثلاث مرات في كفارة القتل والذي كرره ثلاث مرات في النص ما ذكر ولا إشارة في الكفارات الأخرى، لكن في الحديث ما يشير إليه: لما جيء بالأمة، جاء بها صاحبها ليعتقها قال: « أين الله؟ » قالت في السماء قال: « من أنا؟ » قالت: أنت رسول الله، قال: «أعتقها فإنها مؤمنة ». فهذا يدل على أن الإيمان شرط في الكفارات، لكن الحنفية يقولون: ما دام كرر ثلاث مرات وما كرر ولا مرة في غيرها، يدل على أن كفارة القتل لها اختصاص، بمعنى أنه أزهق نفسًا مؤمنة تعبد الله جل وعلا فعليه أن يحرر رقبة مؤمنة تكمل حريتها وتعبد الله كالنفس التي أزهقها، لأن عبادة الرقيق ناقصة وما هي مثل عبادة الحر يعني معف عنه في كثير من الأمور لانشغاله بأمور سيده، فما دام أزهق نفس مؤمنة تعبد الله عبادة كاملة فعليه أن يعتق رقبة تعبد الله عبادة كاملة. أنا ما رأيته لهم لكن أنا على لسانهم أتحدث وهذا من تمام بحث المسألة، أن تجلى ولا الحنفية أو أبو حنيفة رحمه الله ما هو يقلل من شأن الإيمان، أو لا يهتم أو يجعل الكافر مثل المسلم، لا، لكن لهم ملاحظ دقيقة يجب اعتبارها، على كل حال قول الجمهور هو المعتمد وهو الصحيح والقاعدة ماشية معهم منطبقة تمامًا، إذا اتحد المطلق مع المقيد في الحكم ولو اختلف السبب وجب حمل المطلق على المقيد، ولذا القول المرجح أنه لا تجزأ الرقبة إذا لم تكن مؤمنة.

الأمر الثاني يجب أن تكون كاملة سليمة من كل عيب، يعني رقيق أعمى ما يجزئ، أعرج ما يجزئ؟ وهل يشترط أن يكون ممن يستقل بنفسه كالكبير، أو يجزئ في ذلك الصغير؟ يعتق طفل ممكن أو غير ممكن؟ قوله: ثم هذه الرقبة يجب أن تكون كاملة سليمة من كل عيب. معروف في قياس الشبه يجعلون العبد باعتبار سلعة يباع ويشترى كالحيوان، هل هو ملحق به أو ملحق بالإنسان، ليس معنى هذا أنه ليس بإنسان، أو ليست له كرامة الإنسان، وهو المسلم له كامل الحقوق {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ}[الإسراء:70]، هو منهم هو مكرم شرعًا، لكن في قضايا الإلحاق في المسائل الفرعية يسلكون مثل هذا المسلك في قياس الشبه، وليس في هذا مأخذ على المسلمين أنهم يلحقون الرقيق بالحيوان وأن يمتهنونه كما يمتهن الحيوان، لا هذا ما هو صحيح لكن من أجل تطبيق القواعد لتقرير الأحكام، يذكرون مثل هذا الكلام. ونحن نعرف الذين يلتقطون الزلات ويبحثون عن مثالب الإسلام وكذا قد يستثمرون مثل هذا الكلام وهذا الكلام ليس بصحيح. يعني ما يمكن أن تعطي هذا الرقيق من بني آدم  ما تعطيه من علف الحيوان أو غيره أو تحرمه كما تحرم الحيوان، لا أبدًا بل هو إنسان له كامل الحقوق لكن يبقى أنه بسبب العجز الحكمي الذي اتصف به، ناله ما ناله من مشقة أو عناء الرق. يقول: ثم هذه الرقبة يجب أن تكون كاملة سليمة من كل عيب؛ مقتضى هذا أن الأعمى لا يعتق في الرقبة، الأعرج ما يعتق، حتى الأعور ما يعتق لأنه ليس بكامل سليم من كل عيب. وماذا عن الصغير الذي لم يكلف؟ وهو عالة على غيره؟

بدل أن ينتفع بالعتق يتضرر.

طالب:.......

هذا الواجب

لا لا هذا ما يجب عليه، هذا كله مندوب يعني العتق هنا كما يقرر أهل العلم من الأمور الخمسة التي فيها المرأة على النصف من الرجل: تحرير رقبة في العتق المندوب تعتق امرأتين كأنك أعتقت رجلاً واحدا، «فمن أعتق رجلاً كان فكاكه من النار، ومن أعتق امرأتين كانتا فكاكه من النار»، فالمرأة على النصف من الرجل في هذا الحكم، فلو أعتق رقبة في كفارة الظهار أو في كفارة القتل امرأة، تحرير رقبة هل يقال لها رقبة أو ما يقال؟ يقال لها رقبة، رقبة مؤمنة وتكفي في مثل هذا، فالواجب غير المندوب.

"من كمالها إسلامها عند مالك والشافعي، كالرقبة في كفارة القتل. وعند أبي حنيفة وأصحابه تجزي الكفارة ومن فيها شائبة رق كالمكاتبة وغيرها."

الرق هنا ناقص، ما دام هذا مكاتب وسدد مثلاً من نجوم الكتابة النصف، ولا يزال رقيقا ما بقى عليه درهم، لكن فيها شائبة، فيها شائبة رق وفيها شائبة حرية. ومثل هذه تجزي عند أبي حنيفة والجمهور عندهم لا تجزي.

"الرابعة: فإن أعتق نصفي عبدين فلا يجزيه عندنا ولا عند أبي حنيفة. وقال الشافعي يجزئ ، لأن نصف العبدين في معنى العبد الواحد، ولأن الكفارة بالعتق طريقها المال فجاز أن يدخلها التبعيض والتجزيء كالإطعام..."

لكن لو ضحى بنصفي شاتين؟ يصح أو ما يصح؟ ما يصح.

"ودليلنا قوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} وهذا الاسم عبارة عن شخص واحد، وبعض الرقبة ليس برقبة، وليس ذلك مما يدخله التلفيق، لأن العبادة المتعلقة بالرقبة لا يقوم النصف من رقبتين مقامها، أصله إذا أشترك رجلان في أضحيتين، ولأنه لو أمر رجلين أن يحجا عنه حجة لم يجز أن يحج عنه واحد منهما نصفها كذلك هذا، ولأنه لو أوصى بأن تشترى رقبة فتعتق عنه لم يجز أن يعتق عنه نصف عبدين، كذلك في مسألتنا وبهذا يبطل دليلهم."

وهذه كلها مردها إلى المال وطريقها إليه فترد على الشافعية.

طالب:....

لكن ما يصح أنه أعتق رقبة... لكن لا يصدق عليه أنه أعتق رقبة.

"والإطعام وغيره لا يتجزى في الكفارة عندنا."

طيب لو قال وصم شهر كمل بدل من شهرين وأعتق نصف؟ أو أطعم ثلاثين مسكين وصم شهر؟ ما يجوز هذا لا يتجزى، يعني إذا قالوا في دم الجبران في زكاة بهيمة الأنعام عليه بنت لبون وليس عنده إلا بنت مخاض، يخرجها ويخرج شاتين أو عشرين درهمًا، قال: سأخرج شاة وعشرة دراهم؟ هل يكون مثل هذه أن يصوم شهر ويطعم ثلاثين مسكينا؟ لأنه هناك على التخيير وهنا على الترتيب، فالعشرين درهم بمثابة الشاتين، عند من يقول بإجزاء مثل ذلك، والأكثر على أنه لا يجزأ إنما يخرج شاتين أو عشرين درهمًا.

"الخامسة: قوله تعالى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} أي يجامعها فلا يجوز للمظاهر الوطء قبل التكفير، فإن جامعها قبل التكفير أثم وعصى ولا يسقط عنه التكفير وحكي عن مجاهد: أنه إذا وطئ قبل أن يشرع في التكفير لزمته كفارة أخرى."

كما إذا كرر الموجب للكفارة بعد التكفير، يعني وطأ في نهار رمضان أو حلف يمينًا ألا يفعل كذا ثم فعله، ثم حلف يمينًا أخرى ألا يفعل ثم فعل وكرر هذا الحلف وحنث فيه مرارًا، إن كفر عن الأولى لزمته كفارة ثانية وإن لم يكفر عن الأولى تكفيه واحدة من باب التداخل. هنا يقول: وحكي عن مجاهد أنه إذا وطئ قبل أن يشرع في التكفير لزمته كفارة أخرى يعني كفارة لما ارتكبه من المحظور. ما هي كفارة للظهار الأول، وليس له إلا كفارة واحدة، لكن إن مسها قبل التكفير فكفارة لهذا المسيس كفارة أخرى، وعامة أهل العلم على أنها تكفي كفارة واحدة وعليه في مسيسها قبل التكفير لمخالفة الآية عليه التوبة والاستغفار.

"وعن غيره: أن الكفارة الواجبة بالظهار تسقط عنه ولا يلزمه شيء أصلا، لأن الله تعالى أوجب الكفارة وأمر..."

يعني هذا قول مقابل لقول مجاهد. مجاهد يقول: عليه كفارتين إذا مسها قبل أن يكفر وهذا القول يقول ما عليه شيء أصلاً لأن التكفير محله قبل المسيس وفات محله يعني ما ينفع، فات محله لأن من شرط صحة الكفارة أن تكون من قبل أن يتماسا، وحصل المسيس وفات وقت الكفارة، هذا في مقابل قول مجاهد، والجمهور على أنه تلزمه الكفارة ولا تسقط عنه وإن ارتكب المحظور في مخالفة الآية عليه التوبة، والاستغفار، والإقلاع.

"لأن الله تعالى أوجب الكفارة وأمر بها قبل المسيس، فإذا أخرها حتى مس فقد فات وقتها. والصحيح ثبوت الكفارة، لأنه بوطئه ارتكب إثما فلم يكن ذلك مسقطا للكفارة، ويأتي بها قضاء كما لو أخر الصلاة عن وقتها. وفي حديث أوس بن الصامت لما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بأنه وطئ امرأته أمره بالكفارة. وهذا نص وسواء كانت كفارة بالعتق، أو الصوم، أو الإطعام. وقال أبو حنيفة : إن كانت كفارته بالإطعام جاز أن يطأ ثم يطعم."

لأنه لم ينص في الإطعام على قوله من قبل أن يتماسا. نص على ذلك في العتق وفي الصيام، لكن في الإطعام ما فيه نص على أنه من قبل أن يتماسا، بل لما ترك عرف أن الحكم يختلف وهذا مؤول أبي حنيفة على أنه إذا كانت الكفارة بالإطعام جاز أن يطأ قبل أن يكفر.

"فأما غير الوطء من القبلة والمباشرة والتلذذ فلا يحرم في قول أكثر العلماء. وقاله الحسن وسفيان."

نعم، في قول أكثر العلماء لكن من يرى أن العود المراد به الإمساك، الإمساك الذي يبيح له هذه المرأة، ولا شك أن ما ذكر من القبلة والمباشرة والتلذذ يقول: فلا يحرم لقول العلماء الذي يرى أن العود هو الإمساك فهذه من وجوه الإمساك، ومن لوازم الإمساك إذ لا يجوز له أن يتلذذ أو يطأ أو يباشر وليس في نيته إمساكها، كمن طلق امرأته وليس في نيته أن يراجعها، هل يجوز له أن يقبلها أو يباشرها؟ ليس له ذلك.

طالب:........

إن كانت كفارة بإطعام جاز، وجهها الآية في العتق (من قبل أن يتماسا)، في الصيام (من قبل أن يتماسا)، في الإطعام ما فيه (من قبل أن يتماسا) ولو كان هذا القيد مطلوبًا لذكر كما ذكر.

"وقاله الحسن وسفيان، وهو الصحيح من مذهب الشافعي. وقيل: وكل ذلك محرم وكل معاني المسيس، وهو قول مالك وأحد قولي الشافعي. وقد تقدم.

السادسة: قوله تعالى: {ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ} أي تؤمرون به {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} من التكفير وغيره.

السابعة: من لم يجد الرقبة ولا ثمنها، أو كان مالكا لها إلا أنه شديد الحاجة إليها..."

لا يمكن أن يستغني عن هذه الرقبة، ومحتاج حاجة ماسة إلى الخدمة. رجل لا يخدم نفسه وظاهر من زوجته وعنده من يخدمه عبد يخدمه، هل يلزم بإعتاقه؟ أو يقال أن هذا من حوائجه الأصلية فينتقل إلى الصيام؟

"أو كان مالكًا لثمنها إلا أنه يحتاج إليه لنفقته، أو كان له مسكن ليس له غيره ولا يجد شيئًا سواه، فله أن يصوم عند الشافعي. وقال أبو حنيفة: لا يصوم وعليه عتق ولو كان محتاجًا إلى ذلك. وقال مالك: إذا كان له دار وخادم لزمه العتق فإن عجز عن الرقبة، وهي: الثامنة: فعليه صوم شهرين متتابعين. فإن أفطر في أثنائهما بغير عذر استأنفهما، وإن أفطر لعذر من سفر أو مرض، فقيل: يبني، قاله ابن المسيب والحسن وعطاء بن أبي رباح وعمرو وبن دينار والشعبي. وهو أحد قولي الشافعي وهو الصحيح من مذهبيه. وقال مالك: إنه إذا مرض في صيام كفارة الظهار بنى إذا صح. ومذهب أبي حنيفة رضي الله عنه أنه يبتدئ. وهو أحد قولي الشافعي."

الخلاف فيما إذا انقطع التتابع هذا بغير عذر محل اتفاق أنه يستأنف، وإذا كان بعذر يبيح له الفطر في رمضان فالمرجح أنه يبني لكن لا يضحك على نفسه، يبرر لنفسه أنه لديه العذر الذي يفطر به وهو السفر مثلاً، وقد سافر من أجل أن يرتاح من عناء هذا التتابع، هذا لا يسوغ له الفطر، هذا السفر لا يسوغ له الفطر كما لو سافر في رمضان من أجل أن يفطر، وإذا أفطر في مثل هذه الصورة يلزمه الاستئناف. أما إذا طرأ عليه سفر يسوغ وله فيه الفطر في رمضان، أو مرض مرضًا يعذر به في رمضان في الفطر، فالكفارة ليست أعظم من رمضان.

طالب:......

شهرين، يعني لو بدأ من أول الشهر فشهر وهلاله الذي هو تسع وعشرين، لكن لو بدأ من أثناء شهر فعليه ستون يومًا.

"التاسعة: إذا ابتدأ الصيام ثم وجد الرقبة أتم الصيام وأجزئه عند مالك والشافعي، لأنه بذلك أمر حين دخل فيه. ويهدم الصوم ويعتق عند أبي حنيفة وأصحابه، قياسًا على الصغيرة المعتدة بالشهور ترى الدم قبل انقضائها، فإنها تستأنف الحيض إجماعًا من العلماء."

من تيمم ثم وجد الماء، يعني الصورة غير مطابقة، يعني شرع في التيمم وما أكمل التيمم ثم وجد الماء هذه الصورة المطابقة لما نحن فيه، فهل نقول أنه يستمر في تيممه؟ أو نقول: وجد الأصل فيعود إليه؟ في مثل هذه الصورة محل إجماع أنه لا يتم تيممه وإنما يتوضأ حتى ولو أتم التيمم ثم وجد الماء فليتق الله وليمسه بشرته كما في الحديث. لكن هنا صام يوم أو يومين أو ثلاثة أو صام شهرا وبقي شهرن هل يعدل من الصيام إلى العتق لأنه وجد الأصل فيبطل الفرع؟ أو ما دام بدأ وشرع في البدل فإنه لا يكلف أن يرجع إلى الأصل بعد أن مضى من البدل ما مضى. ومنهم من يفرق بين ما إذا كان القدر الذي صامه الماضي له وقع في المدة أو لا وقع له. فمن صام يوم واحد مثلاً فيقال: استمر في صيام شهرين متتابعين أو عد إلى الكفارة الرقبة وكأن هذا اليوم لا شيء بالنسبة لبقية الأيام، بخلاف ما إذا صام أيامًا لها وقع في المدة. وبكل هذه قال جمع من أهل العلم.

"وإذا ابتدأ سفرا في صيامه فأفطر، ابتدأ الصيام عند مالك والشافعي وأبي حنيفة، لقوله: {مُتَتَابِعَيْنِ}. ويبني في قول الحسن البصري، لأنه عذر وقياسا على رمضان، فإن تخللها زمان لا يحل صومه في الكفارة كالعيدين وشهر رمضان انقطع."

يتخلل أيام لا يجوز صيامها هذه الأيام مستثناة شرعًا فلا تقطع التتابع، هذه الأيام لا تقع التتابع. لو عليه من قضاء رمضان أيام فصام في عشر ذي الحجة ثم بعد ذلك جاءه يوم العيد وأيام التشريق لا يجوز صيامه، لكن القضاء يفارق ما عندنا بأنه لا يلزمه فيه التتابع. لو  نذر أن يصوم عشرة أيام متتابعة، فبدأ من اليوم الخامس من ذي الحجة، فجاءه العيد وأيام التشريق ثم بعد ذلك يستأنف بعد أيام التشريق، هل نقول: أنه تابع بين الأيام؟ أو نقول: عليه أن ينظر في الوقت لا انخرام فيه؟ لا يتخللها أيام يجب فطرها. أما إذا كان في نيته لما اختار هذه الأيام أن يمر به في أثناء الصيام هذه الأيام التي يجب فطرها مع هذا القصد، يقول: أنا أصوم شهرا ثم يجي عيد الأضحى وأيام التشريق أرتاح بعد الشهر ثم أواصل شهرا ثانيا. إذا كان في قرارة نفسه هذا من البداية هذا لا شك أنه يقطع التتابع، وإن كان ليس في ذهنه هذا بل صام كيفما اتفق ثم جاءت هذه الأيام الواجبة فهي مستثناة شرعًا لا تقطع التتابع.

طالب:.....

هو مأمور المبادرة ، صحيح لكن يبقى أنه إذا مع هذا حسب ما يغلب على ظنه حسب ما يغلب عليه من إرادة، هل الذي يغلب عليه إرادة المبادرة أو إرادة الفطر في أثنائها، حسب ما يغلب عليه.

"العاشرة: إذا وطئ المتظاهر في خلال الشهرين نهارا، بطل التتابع في قول الشافعي، وليلا فلا يبطل."

لأنه الليل مثل ما قال ليس محلاً للصيام { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ}[البقرة:187]، فالليل يباح به الوطء لكن في هذا الموضع على وجه الخصوص أنه نهي عن الوطء قبل الكفارة، وهنا وطء في أثناء الكفارة، فهل تبطل الكفارة بالوطء؟ {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} يعني هل من شرط صحة الكفارة أن تقع قبل المسيس؟ أو الجهة منفكة والصيام والكفارة لها شأنها والوطء قبل التكفير له شأنه؟ هذا يجب عليه وهذا يحرم عليه مع انفكاك الجهة، فإذا قلنا بالأول أن هناك ارتباط وثيق بل اشتراط لصة الكفارة أن تقع قبل المسيس كما هو منطوق الآية، قلنا: يستأنف لأن الكفارة بطلت بالوطء. وإذا قلنا أن الجهة منفكة يجب عليه أن يكفر ويجب عليه ألا يطأ ويحرم عليه أن يطأ قبل أن يكفر، فهذا الوجوب له شأنه وهذا التحريم له شأنه، كما لو وطأ قبل التكفير، لو وطأ قبل التكفير يلزمه الكفارة أو لا؟ وإذا حصلت تصح ولا ما تصح؟ تبيح له زوجته ولا ما تبيح؟ تبيح له زوجته لكنه أثم بذلك، فإذا وطء في الليل كأنه وطء قبل الكفارة، يأثم ويلزمه التوبة والاستغفار، لكن يمضي في كفارته لأن الليل ليس محلاً للصيام.

"وليلا فلا يبطل لأنه ليس محلا للصوم. وقال مالك وأبو حنيفة : يبطل بكل حال ووجب عليه ابتداء الكفارة، لقوله تعالى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا}."

يعني إذا كان التتابع يبطل بإفطار يوم، الاشتراط أن يكون صيام الشهرين متتابعين، يبطل بإفطار فكيف لا يبطل بجماع؟ ولو كان في غير وقت الصيام، يعني وجهة نظر القول الثاني أنهم قالوا: إذا كان الفطر يلزم منه الاستئناف، فالوطء الذي نص على أن التكفير قبل أن يتماسا يلزم منه الاستئناف.

"وهذا الشرط عائد إلى جملة الشهرين، وإلى أبعاضهما، فإذا وطئ قبل انقضائهما فليس هو الصيام المأمور به، فلزمه استئنافه، كما لو قال: صل قبل أن تكلم زيدا. فكلم زيدا في الصلاة، أو قال: صل قبل أن تبصر زيدا فأبصره في الصلاة لزمه استئنافها، لأن هذه الصلاة ليست هي الصلاة المأمور بها كذلك. هذا، والله أعلم.

الحادية عشرة: من تطاول مرضه طولا لا يرجى برؤه كان بمنزلة العاجز من كبر، وجاز له العدول عن الصيام إلى الإطعام. ولو كان مرضه مما يرجى برؤه واشتدت حاجته إلى وطء امرأته كان الاختيار له أن ينتظر البرء حتى يقدر على الصيام. ولو كفر بالإطعام ولم ينتظر القدرة على الصيام أجزأه.

الثانية عشرة: ومن تظاهر وهو معسر ثم أيسر لم يجزه الصوم. ومن تظاهر وهو موسر ثم أعسر قبل أن يكفر صام. وإنما ينظر إلى حاله يوم يكفر. ولو جامعها في عدمه وعسره ولم يصم حتى أيسر لزمه العتق، ولو ابتدأ بالصوم ثم أيسر، فإن كان مضى من صومه صدر صالح نحو الجمعة وشبهها تمادى."

إن مضى من صومه صدر صالح يعني قدر له وقع في المدة كأسبوع مثلاً بخلاف الوقت الذي لا وقع له في المدة كاليوم.

"وإن كانا اليوم واليومين ونحوهما ترك الصوم وعاد إلى العتق وليس ذلك بواجب عليه، ألا ترى أنه غير واجب على من طرأ الماء عليه وهو قد دخل بالتيمم في الصلاة أن يقطع ويبتدئ الطهارة عند مالك.

الثالثة عشرة: ولو أعتق رقبتين عن كفارة ظهار أو قتل أو فطر في رمضان وأشرك بينهما في كل واحدة منهما لم يجزه."

عليه كفارتان: كفارة قتل وكفارة ظهار فاشترى رقبتين وقالوا: هاتان الرقبتان عن الكفارتين من غير تعيين، هنا يقول: لا يجزأ حتى يعين هذه لكفارة القتل وهذه لكفارة الظهار.

طالب:.....

عند الأكثر نعم يقطع الصلاة، «فليتق الله وليمسه بشرته»، لأنه يرفع رفعا مؤقتا والذي عند المالكية.. انتهت الصلاة خلاص انتهت وما يعيد الصلاة لكن عليه أن يتوضأ «فليتق الله وليمسه بشرته».

"وهو بمنزلة من أعتق رقبة واحدة عن كفارتين وكذلك لو صام عنهما أربعة أشهر حتى يصوم عن كل واحدة منهما شهرين، وقد قيل: إن ذلك يجزيه ولو ظاهر من امرأتين له فأعتق رقبة عن إحداهما بغير عينها لم يجز له وطأ واحدة منهما حتى يكفر كفارة أخرى، ولو عين الكفارة عن إحداهما جاز له أن يطأها قبل أن يكفر الكفارة عن الأخرى."

هذه المسألة فيما لو ظاهر عن امرأتين، وعنده قيمة رقبة، والثانية ما عنده قيمتها ويريد أن يصوم، هل يلزمه العدل بين الزوجتين في هذه الصورة؟ بمعنى أنه لا يقول: هذه الرقبة عن فلانة ليحل له وطأها، والصيام عن فلانة لئلا يحل له وطأها حتى يتم الصيام؟ ما هو متصور هذا؟ أو تلزمه القرعة في مثل هذا؟ يعني يلزمه التعديل في مثل هذه الصورة، يلزمه العدل والذي يحل مثل هذا الإشكال هو القرعة.

طالب:.....

لا إذا كان هناك ما يمنع من جهتها فهو غير مؤاخذ به.   

"ولو عين الكفارة عن إحداهما، جاز له أن يطأها قبل أن يكفر الكفارة عن الأخرى، ولو ظاهر من أربع نسوة..."

لكن لو قال: ظاهر من امرأتيه وقال: واحدة أريد أن أكفر وواحدة ما أنا بمكفر أصلاً ما لي بها رغبة، خلاص هي عليّ كظهر أمي أبدًا ما أنا بمكفر، يلزم أو ما يلزم؟ كما لو طلق امرأتين راجع واحدة وترك الأخرى. من الذي يلزمه بمراجعة الاثنتين؟ يعني في مسألة الطلاق الأمر بيده وله أن يطلق ما شاء، لكن مسألة الظهار ما زالتا زوجتين ويلزمه التعديل بينهما لأنهما في عصمته.

"ولو ظاهر من أربع نسوة فأعتق عنهن ثلاث رقاب وصام شهرين لم يجزه العتق ولا الصيام، لأنه إنما صام عن كل واحدة خمسة عشر يومًا، فإن كفر عنهن بالإطعام جاز أن يطعم عنهن مائتي مسكين وإن لم يقدر فرق بخلاف العتق والصيام."

كيف يطعم مائتي مسكين؟ الآن هن أربعة؟ من كفر عنهن بالإطعام جاز أن يطعم عنهن مائتي مسكين؟ يطعم على كل واحدة ستين مسكين وهن أربع...صام شهرين يطعم مائة وثمانين عن ثلاثة لا على هذا ولا على هذا. يعني إذا ظاهر من أربع تريد أن هذه الكفارة تتداخل؟ لا لو ظاهر من مرة أكثر من امرأة واحدة ما تتداخل لأن هناك الأسباب المتعددة وإذا تعدد الأسباب تعدد الكفارات.

طالب:.....

لا! هو الآن ما عين أن هذه عن فلانة لتحل له، والصيام عن فلانة لتحل له.

"وإن لم يقدر فرق بخلاف العتق والصيام لأن صيام الشهرين لا يفرق والإطعام يفرق."

نعم، في صيام الشهرين اشترط التتابع بخلاف الإطعام، لو كان لا يقدر على إطعام عشرة، بعد كل راتب يقدر على عشرة، يجوز ولا ما يجوز؟  لا يشترط التتابع ولا تدفع جملة بخلاف الصيام.

 طالب:......

ما تقل أنها غير معينة، لابد أن تعين أن هذه عن فلانة مثل الأضحية.

"(فصل) وفيه ست مسائل:

الأولى؛ ذكر الله عز وجل الكفارة هنا مرتبة فلا سبيل إلى الصيام إلا عند العجز عن الرقبة وكذلك لا سبيل إلى الإطعام إلا عند عدم الاستطاعة على الصيام، فمن لم يطق الصيام وجب عليه إطعام ستين مسكينًا، لكل مسكين مدان بمد النبي -صلى الله عليه وسلم-، وإن أطعم مدًا بمد هشام وهو مدان إلا ثلثًا أو أطعم مدًا ونصف بمد النبي -صلى الله عليه وسلم- أجزأه. قال أبو عمرو بن عبد البر: وأفضل ذلك مدان بمد النبي صلى الله عليه وسلم لأن الله عز وجل لم يقل في كفارة الظهار: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ}[المائدة:89] فواجب قصد الشبع."

 واجب قصد الشبع والمد الواحد قد لا يشبع، والمدان يتحقق الشبع فيهما، ولذا أكثر على أن المسكين له نصف صاع لا مد واحد.

"قال ابن العربي: وقال مالك في رواية ابن القاسم وابن عبد الحكم: مد بمد هشام وهو الشبع ها هنا، لأن الله تعالى أطلق الطعام ولم يذكر الوسط. وقال في رواية أشهب: مدان بمد النبي صلى الله عليه وسلم. قيل له: ألم تكن قلت مد هشام؟ قال: بلى، مدان بمد النبي صلى الله عليه وسلم أحب إلي. وكذلك قال عنه ابن القاسم أيضا."

 العجب من تعليقهم الإطعام بمد هشام، ومد هشام إنما وجد بعد التنزيل وهو دون مد النبي  -عليه الصلاة والسلام-، ولكنه شاع وانتشر في المدينة وعندهم عمل أهل المدينة له شأن.

"قلت: وهي رواية ابن وهب ومطرف عن مالك: أنه يعطي مدين لكل مسكين بمد النبي صلى الله عليه وسلم. وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه. ومذهب الشافعي وغيره مد واحد لكل مسكين لا يلزمه أكثر من ذلك، لأنه يكفر بالإطعام ولم يلزمه صرف زيادة على المد، أصله كفارة الإفطار واليمين. ودليلنا قوله تعالى: {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً} وإطلاق الإطعام يتناول الشبع، وذلك لا يحصل بالعادة بمد واحد إلا بزيادة عليه. وكذلك قال أشهب: قلت لمالك أيختلف الشبع عندنا وعندكم؟ قال نعم! الشبع عندنا مد بمد النبي صلى الله عليه وسلم والشبع عندكم أكثر..."

هذا بالنسبة للمدينة وقد دعا النبي -عليه الصلاة والسلام- البركة لمدها وصاعها، المد يشبع لكن عند غيرهم؟ رجل سكن المدينة عقود ثلاثين، أو أربعين سنة ثم رجع إلى بلده، فقال: أن المدينة على تعبيرهم أنها ليست مرية، بمعنى أن الإنسان لا يكثر الأكل فيها بخلاف غيرها من البلدان، ويريد أن يمدح بلده بهذا أن بلده مريء ويكثر من الأكل ولا يتضرر، وقال أحد الحاضرين: أنسيت أن ربع الرغيف بالمدينة يعادل رغيف في غيرها؟ فإذا أكلت ربع رغيف من الخبز يكفيك عن رغيف في غيرها من البلدان، وهذا مثل لما قال عندنا هنا، الشبع عندنا مد بمد النبي صلى الله عليه وسلم والشبع عندكم أكثر، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- دعا لنا بالبركة دونكم.

"والشبع عندكم أكثر لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا لنا بالبركة دونكم، فأنتم تأكلون أكثر مما نأكل نحن. وقال أبو الحسن القابسي: إنما أخذ أهل المدينة بمد هشام في كفارة الظهار تغليظا على المتظاهرين الذين شهد الله عليهم أنهم يقولون منكرا من القول وزورا. قال ابن العربي: وقع الكلام ها هنا في مد هشام كما ترون، ووددت أن يهشم الزمان ذكره، ويمحو من الكتب رسمه، فإن المدينة التي نزل الوحي بها واستقر الرسول بها ووقع عندهم الظهار، وقيل لهم فيه: {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً} فهموه وعرفوا المراد به وأنه الشبع، وقدره معروف عندهم متقرر لديهم، وقد ورد ذلك الشبع في الأخبار كثيرا،

يعني هل يقوم مقام هذا المد أن تذهب إلى مطعم وقد عرف وتعارف الناس على أنك إذا قلت: أريد نفر - على اصطلاح مطاعم- يعطيك ما يشبع نفرا وهذا أمر متعارف عليه. إطعام عشرة مساكين تقول: عشر نفر-يعطيك عن كل واحد مقدرا من الرز وربع دجاجة مثلا. يعني يكفي هذا في الإطعام؟ لأنه يشبع المتوسط من الناس يشبعه. نعم يكفي

"وقد ورد ذلك الشبع في الأخبار كثيرا، واستمرت الحال على ذلك أيام الخلفاء الراشدين المهديين حتى نفخ الشيطان في أذن هشام، فرأى أن مد النبي صلى الله عليه وسلم لا يشبعه، ولا مثله من حواشيه ونظرائه، فسول له أن يتخذ مدا يكون فيه شبعه، فجعله رطلين وحمل الناس عليه، فإذا ابتل عاد نحو الثلاثة..."

فيكون الصاع ثمانية أرطال مثل صاع النبي عليه الصلاة والسلام خمسة أرطال فيكون ثمانية حساب هشام.

"فإذا ابتل عاد نحو الثلاثة الأرطال فغير السنة وأذهب محل البركة. قال النبي صلى الله عليه وسلم حين دعا ربه لأهل المدينة بأن تبقى لهم البركة في مدهم وصاعهم، مثل ما بارك لإبراهيم بمكة، فكانت البركة تجري بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم في مده، فسعى الشيطان في تغيير هذه السنة وإذهاب هذه البركة، فلم يستجب له في ذلك إلا هشام، فكان من حق العلماء أن يلغوا ذكره ويمحو رسمه إذا لم يغيروا أمره، وأما أن يحيلوا على ذكره في الأحكام، ويجعلوه تفسيرا لما ذكر الله ورسوله بعد أن كان مفسرا عند الصحابة الذين نزل عليهم فخطب جسيم، ولذلك كانت رواية أشهب في ذكر مدين بمد النبي صلى الله عليه وسلم في كفارة الظهار أحب إلينا من الرواية بأنها بمد هشام. ألا ترى كيف نبه مالك على هذا العلم بقوله لأشهب: الشبع عندنا بمد النبي صلى الله عليه وسلم، والشبع عندكم أكثر لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا لنا بالبركة. وبهذا أقول: فإن العبادة إذا أديت بالسنة، فإن كانت بالبدن كانت أسرع إلى القبول، وإن كانت بالمال كان قليلها أثقل في الميزان، وأبرك في يد الآخذ، وأطيب في شدقه، وأقل آفة في بطنه، وأكثر إقامة لصلبه. والله أعلم.

الثانية- ولا يجزئ عند مالك والشافعي أن يطعم أقل من ستين مسكينا. وقال أبو حنيفة وأصحابه: إن أطعم مسكينا واحدا كل يوم نصف صاع حتى يكمل العدد أجزأه."

 قول الجمهور لا شك أنه موافق لظاهر الآية.

"الثالثة- قال القاضي أبو بكر بن العربي: من غريب الأمر أن أبا حنيفة قال: إن الحجر على الحر باطل. واحتج بقوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} ولم يفرق بين الرشيد والسفيه، وهذا فقه ضعيف لا يناسب قدره، فإن هذه الآية عامة، وقد كان القضاء بالحجر في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشيا والنظر يقتضيه، ومن كان عليه حجر لصغر أو لولاية وبلغ سفيها قد نهي عن دفع المال إليه، فكيف ينفذ فعله فيه والخاص يقضي على العام.

الرابعة- وحكم الظهار عند بعض العلماء ناسخ لما كانوا عليه..."

يقول: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} لكل مظاهر - سواء كان رشيدا أو سفيها يلزمه تحرير رقبة ولم يفرق بين الرشيد والسفيه المحجور عليه فلزم من ذلك أن لا حجر على السفهاء إذا بلغوا. هذا القول ضعيف لأن النصوص المفسرة ترد مثل هذا الاستدلال بمفهوم عام.

الرابعة- وحكم الظهار عند بعض العلماء ناسخ لما كانوا عليه من كون الظهار طلاقا، وقد روي معنى ذلك عن ابن عباس وأبي قلابة وغيرهما.

الخامسة- قوله تعالى: {ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} أي ذلك الذي وصفنا من التغليظ في الكفارة {لِتُؤْمِنُوا} أي لتصدقوا أن الله أمر به. وقد استدل بعض العلماء على أن هذه الكفارة إيمان بالله سبحانه وتعالى..."

ولا شك أن الذي يعتمد ما أمر به من هذه الكفارة المغلظة بعتق الرقبة وصيام شهرين متتابعين ويراقب الله بها هذا دليل على إيمانه وأيضا هي سبيل إلى تقوية إيمانه لأن هذه الأمور يمكن أن يقول: والله صمت ويمكن أن يقول: أعتقت ويمكن أن يقول وهو كاذب لكن إن صدق بذلك دل على أنه مؤمن بالله وبما جاء عنه.

"لما ذكرها وأوجبها قال: {ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} أي ذلك لتكونوا مطيعين لله تعالى واقفين عند حدوده لا تتعدوها، فسمى التكفير لأنه طاعة ومراعاة للحد إيمانا، فثبت أن كل ما أشبهه فهو إيمان."

يعني كما جاء في الصدقة أنها برهان على صدق مخرجها وصحة إيمانه فكذلك الجود بمثل هذه الكفارات.

"فإن قيل: معنى قوله: {ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} أي لئلا تعودوا للظهار الذي هو منكر من القول وزور قيل له: قد يجوز أن يكون هذا مقصودا والأول مقصودا، فيكون المعنى ذلك لئلا تعودوا للقول المنكر والزور، بل تدعونهما طاعة لله سبحانه وتعالى إذ كان قد حرمهما، ولتجتنبوا المظاهر منها إلى أن تكفروا، إذ كان الله منع من مسيسها، وتكفروا إذ كان الله تعالى أمر بالكفارة وألزم إخراجها منكم، فتكونوا بهذا كله مؤمنين بالله ورسوله، لأنها حدود تحفظونها، وطاعات تؤدونها والطاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم إيمان. وبالله التوفيق. السادسة- قوله تعالى: {وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ} أي بين معصيته وطاعته، فمعصيته الظهار، وطاعته الكفارة. {وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} أي لمن لم يصدق بأحكام الله تعالى عذاب جهنم."

"