شرح اختصار علوم الحديث (11)

سم.

شرح النوع الخامس والعشرون: في كتابة الحديث وضبطه وتقييده:

أحسن الله إليك.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا والسامعين برحمتك يا أرحم الراحمين.

قال الإمام الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى-: النوع الخامس والعشرون: في كتابة الحديث وضبطه وتقييده.

قد ورد في صحيح مسلم -رحمه الله- عن أبي سعيد مرفوعاً: ((من كتب عني شيئاً سوى القرآن فليمحه)) قال ابن الصلاح: وممن روينا عنه كراهة ذلك عمر وابن مسعود وزيد بن ثابت وأبو موسى وأبو سعيد في جماعة آخرين من الصحابة والتابعين.

قال: وممن روينا عنه إباحة ذلك أو فعله علي وابنه الحسن وأنس وعبد الله بن عمرو بن العاص في جمع من الصحابة والتابعين.

قلت: وثبت في الصحيحين أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((اكتبوا لأبي شاه)) وقد تحرر هذا الفصل في أوائل كتابة المقدمات، ولله الحمد.

قال البيهقي وابن الصلاح وغير واحد: لعل النهي عن ذلك كان حين يخاف التباسه بالقرآن, والإذن فيه حين أمن ذلك، والله أعلم.

وقد حكي إجماع العلماء في الأعصار المتأخرة على تسويغ كتابة الحديث, وهذا أمر مستفيض شائع ذائع من غير نكير.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

يقول الإمام الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى-: "النوع الخامس والعشرون: في كتابة الحديث وضبطه وتقييده" بدأ -رحمه الله- الكتاب كأصله في حكم كتابة الحديث، والكتابة ورد فيها أحاديث متعارضة، جاء في النهي عن الكتابة حديث أبي سعيد في صحيح مسلم: ((لا تكتبوا عني شيئاً سوى القرآن، ومن كتب عني شيئاً غير القرآن فليمحه))، وجاء في الإباحة أحاديث منها: ((اكتبوا لأبي شاه)) وقال أبو هريرة -رضي الله عنه-: "ما كان أحدٌ أكثر مني حديثاً عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا ما كان من عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب" ولذا اختلف أهل العلم من السلف، من الصحابة ومن بعدهم في حكم الكتابة، فمنعها قومٌ اعتماداً على حديث أبي سعيد، وأجازها آخرون لما ورد في الإباحة من الأحاديث، بل ورد الأمر بها، ووفق أو جُمع بين هذه الأحاديث، حُمل أحاديث النهي حينما كان يخشى التباس الحديث بالقرآن، ويتصور هذا إذا كتب الحديث مع القرآن في موضعٍ واحد، وحينئذٍ لا يجوز خلط القرآن بغيره إذا لم يؤمن اللبس ((ومن كتب عني شيئاً سوى القرآن فليمحه)) فإذا أمن اللبس جاز ذلك، ولذا أطبق أهل العلم على مزج التفسير بالقرآن، وهو من كلام الناس.

على كل حال وجد الخلاف، ومنع الكتابة جمعٌ من الصحابة، ذكر المؤلف منهم تبعاً لابن الصلاح أنه قال: "ممن روينا عنه كراهة ذلك عمر -رضي الله عنه- وابن مسعود وزيد بن ثابت وأبو موسى وأبو سعيد في جماعة آخرين من الصحابة والتابعين" ثم ذكر جماعة ممن أباحوه، فإذا أمن اللبس جازت الكتابة، منهم من يقول: كان النهي في أول الأمر ثم نسخ، ومنهم من أعل حديث أبي سعيد كالبخاري -رحمه الله تعالى-، وعلى كل حال حديث أبي سعيد صحيح ثابت في صحيح مسلم، فينهى عن الكتابة إذا خشي التباس غير القرآن به، ويؤذن بها إذا أمن اللبس، ويمنع وينهى عن الكتابة إذا خشي من الاعتماد عليها، وأهمل الحفظ، ولا شك أن الإذن في الكتابة والاعتماد على المكتوب صار له أثرٌ سلبي في الحفظ، فلما كان العرب أمةً أمية لا تقرأ ولا تحسب، كانوا يعتمدون على الحفظ، كانوا متميزين بالحفظ، وهذا شيءٌ مشاهد، الذي يكتب يعتمد على الكتابة، فتجده لا يحفظ مما كتب إلا الشيء القليل، نعم من كتب ليحفظ وتعاهد هذا المحفوظ، هذا المكتوب بالحفظ، وراجعه مراراً لا شك أنه يجمع بين الحسنين، أما من كتب واعتمد على الكتابة وأهمل الحفظ، فلا شك أن هذا مذموم؛ لأن الأصل في العلم ما حواه الصدر، {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [(49) سورة العنكبوت] فالأصل الحفظ، ولذا نأخذ الحذر من بعض الدعاوى التي يرددها من يزعم أنه من رجال التربية والتعليم، حيث يقول: إن المعول على الفهم، والحفظ يبلد الذهن، هذا الكلام خطيرٌ جداً، وظهرت آثاره في المجتمع الإسلامي في منتصف القرن الماضي فما بعد، ما قبل هذه الدعاوى تجد، أو لا تكاد تجد طالب علم لا يحفظ القرآن، ولا تكاد تجد طالب علم يحفظ من السنة القدر الكافي، منهم المقل، ومنهم المستكثر، ويحفظون المتون، لكن بعد انتشار هذه الدعاوي، وتلقيها بالقبول بعد أن أمليت على الطلاب والمتعلمين، وقبلها من قبلها من رجال التعليم، صار لها الآثار السيئة في ضعف التحصيل في العلوم الشرعية.

العلوم الشرعية عمدتها النصوص، قال الله وقال رسوله، فالقرآن لا بد من حفظه بحروفه، ولا يجوز التعبير عنه بحال ولا روايته بالمعنى، السنة أجاز جمهور العلماء الرواية بالمعنى بشروط، لكن لا بد من الرواية بالمعنى من رصيد كافٍ من الحفظ، كيف يروي بالمعنى من لا يحفظ شيئاً؟ لكن استذكار جميع ما حفظه الإنسان في الأوقات عند الحاجة قد يصعب بحروفه، فلجأ أهل العلم على تجويز الرواية بالمعنى، وشواهد الأحوال من الصحابة والتابعين تدل على ذلك، فالقصة الواحدة يرويها الجمع من الصحابة بألفاظ مختلفة ومعناها واحد، ثم يرويها عنهم التابعون بألفاظ كذلك فيها شيء من الاختلاف ومحتواها واحد، وهذه عمدة من أجاز الرواية بالمعنى وهم الجمهور، منعها نفرٌ يسير من أهل العلم احتياطاً للسنة.

وعلى كل حال الحفظ أمرٌ لا بد منه، كيف تستدل على مسألة أو على واقعة أو على نازلة وأنت لا تحفظ من النصوص شيئاً؟! لا يمكن، كان العلم عند المتعلمين الأوائل حتى ممن أدركناهم راسخ وثابت؛ لأنهم على الطريقة المتبعة عند أهل العلم، يحفظون القرآن، يحفظون القدر المحتاج إليه من السنة، يحفظ متن في كل علم من العلوم، ثم يقرؤون عليها الشروح، ويقرؤون على الشيوخ، ويوضحون لهم وينظرون ويمثلون وبهذا يحصلون، لكن شخص يحضر الدروس لا يحفظ شيئاً، هذا إن ثبت في ذهنه شيء فالقاعدة تقول: أنما أخذ بسرعة يذهب بسرعة، لا يبقى ولا يستقر، فالحفظ أمرٌ لا بد منه، ومن هنا جاءت الخشية في الصدر الأول من الاعتماد على الكتابة؛ لأن لها الأثر على الحفظ، لكن لما كثر المتعلمون، وكثر الداخلون في الإسلام، وكثر من يحتاج إلى الكتابة، ما كل الناس تسعفهم الحافظة لحفظ ما يحتاج إليه، أجمع العلماء على جواز الكتابة، ومع ذلكم نفع الله بها فحفظت السنة في الدواوين، مع أن الصدور لم تهمل، استمر الحفظ عند أهل العلم، ودونت الأحاديث في الصحف ليرجع إليها عند الحاجة، ويستفيد منها اللاحق، يستفيد اللاحق مما كتبه السابق، استمر الأمر على ذلك دهراً طويلاً وأهل العلم يكتبون ويحفظون إلى أن جاءت المطابع، فأنكرها أهل العلم في أول الأمر، واقتصرت الطباعة في بلاد المسلمين على الكتب غير الشرعية في أول الأمر، حتى صدرت الفتوى بجواز طباعة العلوم الشرعية، ولا شك أن مثل هذا أمرٌ محمود، لا يسارع الناس على أمرٍ وإن كان ظاهره المصلحة إلا بتوجيه من أهل العلم، وصار للطباعة الأثر السيئ في تحصيل كثيرٍ من

الناس، في أول الأمر طالب العلم إذا احتاج إلى كتاب يستعير هذا الكتاب إذا لم يكن عنده يستعيره ويحرص على قراءته وفهمه والعناية به، وقد يكتبه، وإذا كتبه فكأنه قرأه عشر مرات، معروف الكتابة فيها معاناة وفيها تعب، وهي ترسخ العلم وتثبته، تسامح الناس في هذا، واعتمدوا على المطبوعات، فصار الشخص من طلاب العلم، بل من أهل العلم من يقتني الكتاب المطبوع في عشر مجلدات، عشرين مجلد، فغاية ما هنالك أنه يقتني الكتاب ويرتاح باله، فيرصه في الدرج والدالوب، ولا يرجع إليه إلا عند الحاجة، ولذا لو تسأل أكثر المتعلمين كم قرأ؟ لخجل من هذا السؤال، اعتمدوا على أن الكتب موجودة عندهم يعرفون كيف يراجعون، فهم علماء وفقهاء بالقوة، لكن هل هذا يكفي للتحصيل؟ ما يكفي، فاعتمد الناس على الطباعة، وكانت الطباعة في أول الأمر الكتاب يعهد به إلى لجنة علمية تراجعه وتصححه وتتابع تصحيح الطباعة، صار الكتاب الكبير يحتاج إلى عشر سنوات للطباعة أو أكثر، فتح الباري قريب من ذلك، لسان العرب عشر سنوات أو أكثر وهكذا، ثم تتابع الناس على هذا الأمر حتى آل الأمر إلى قومٍ ممن يزاول الطباعة ممن لا خلاق لهم، بل كثيرٌ منهم غير مسلمين، ولذا لا يعتنون بالتصحيح ولا بالتصويب ولا بالمراجعة، وصاروا يجلبون الكتب بالألوف المؤلفة، ويزجون بها في الأسواق، مما أوجد حيرة لدى طلبة العلم كيف يختار؟ كيف ينتقي؟ ما الدار التي يعتمد عليها؟ ما المطبعة التي يستفاد منها؟ وكثرت المصنفات في الأسواق، ومعلومٌ أن مثل هذه الكثرة غير الرشيدة والمرشدة توجد حيرة كما قال ابن خلدون: إن كثرة التصانيف مشغلة عن التحصيل، وهذا ملموس، ما تدري ماذا تقتني؟ ما تدري ما..، إذا اقتنيت كيف تراجع؟ كيف تصحح؟ كثيرٌ من الكتب تطرق إليها التصحيف والتحريف، وأهل هذه المطابع همهم التجارة، وليس همهم إتقان العلم وضبطه وتحريره، والله المستعان.

على كل حال لا شك أن الحفظ نعمة، لكن قد لا يتيسر لكل الناس أن يحفظ كل ما يريد، فيعتمد على الكتابة، والكتابة نعمة لا بد من شكرها؛ لأنها تحفظ لنا العلم، لكن ينبغي إتماماً لهذا الشكر ألا نعتمد عليها، وألا نهمل مراجعتها، وإدامة النظر فيها، وفهمها، وحفظ ما يتيسر حفظه منها.

ثم جاءت الطباعة وهي أيضاً نعمة لمن استعملها واستغلها على وجهها، أما من أراد أن يجمع الكتب، ويكثر من الجمع ليكاثر هذا خاب وخسر، إذا كان القصد مجرد المكاثرة، والله المستعان.

ثم بعد الطباعة تجاوز الناس مرحلة الطباعة إلى هذه الآلات، وهذه الحواسب التي تسعفك في أي لحظة شئت، مجرد ما تضغط زر تحصل على ما تطلب وما تريد، تضغط رقم الآية فتقرأها مضبوطة متقنة وتسمعها مرتلة، وتحيلك إلى جميع ما تريده من التفاسير حول هذه الآية، تضغط حديث أو كلمة من حديث فتخرج لك هذه الآلة الحديث من عشرات الطرق، ترجمة راوي، تجيب لك ترجمته من عشرات الكتب، بيت من الشعر كذلك، وهكذا، تيسر الأمر، لكن ما الآثار المترتبة على هذا التيسير، العلم لا يطيقه إلا الفحول من الرجال، وليس بالأمر السهل الهين الذي يمكن تحصيله بأدنى شيء، إذا عرفنا النصوص الواردة في فضله، وفضل العلماء عرفنا أن هذا من متطلبات الجنة، والجنة حفت بالمكاره، نعم من أراد أن يستفيد من هذه الآلات ولا يعتمد عليها لا بأس يختبر ما حصله، يختبر ما وصل إليه من طرق ومن فوائد لا بأس، شخص يحتاج إلى تخريج حديث والوقت ضاق عليه، خطيب وإلا معلم يحتاج إلى تخريجه قبل أن يلقي درسه ليتأكد ويطمأن، شخص خرج الحديث من جميع طرقه التي تيسرت له، ثم أراد أن يختبر عمله هل يوجد في هذه الآلة قدرٌ زائد على ما حصله بعد أن وقف؟ لا بأس، أما أن يعتمد عليها فهي لا تخرج طلاب علم، هي لا تخرج طالب علم.

على كل حال هي من النعم التي ينبغي أن تشكر، وأن يستفاد منها الفائدة التي تليق بها، هي لا تخرج طالب علم بحال، طالب العلم لا بد أن يسلك الطرق المتبعة عند أهل العلم، ثم بعد ذلكم يستفيد من هذه الروافد.

بعد الخلاف في الصدر الأول حول الكتابة اتفق العلماء على جوازها، أجمع أهل العلم على جواز الكتابة وارتفع الخلاف، وإذا أجمع أهل العلم على مسألة بعد حصول الخلاف، فهل الإجماع يفيد القطعية، قطعية حكم المسألة، بحيث لو خالف شخص، وقال الكتابة: لا تجوز لوجود الخلاف من السابقين، والأقوال لا تموت بموت أصحابها، ماذا نقول له؟ الخلاف أو الإجماع بعد الخلاف إذا انعقد الإجماع على مسألة بعد أن وقع الخلاف فيها أو العكس، مع أن العكس غير متصور، لكن إحداث قول ثالث هل يعد مخالفة للإجماع؟ يجوزه بعضهم، ويمنعه بعضهم؛ لأن المتقدمين اتفقوا على قولين فقط، فهنا يتصور الخلاف بعد الاتفاق، لكن المسألة التي معنا من الاتفاق بعد الاختلاف، والمسألة خلافية، هل يكون إجماع ملزم وقطعي؟ أو الأقوال لا تموت بموت أصحابها ويبقى الخلاف سائغ إلى آخر الدهر؟

على كل حال إذا عرفنا أن عمدة من منع خشية اللبس، وارتفعت عمدته، وارتفعت هذه العلة التي منع من أجلها ارتفع قوله، وصار وجوده مثل عدمه؛ لأن من الآثار المترتبة على مثل هذه المسألة لو قال شخص: بأن الكتابة حرام ولا تجوز، الرسول -عليه الصلاة والسلام- قال: ((لا تكتبوا عني شيئاً سوى القرآن)) وعلى هذا حكم على كل من كتب من الأئمة كمالك والبخاري وأحمد وغيرهم من الأئمة بأنهم ارتكبوا محرم؛ لأن الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((لا تكتبوا عني شيئاً سوى القرآن))، نقول: لا، صارت الكتابة محل إجماع من أهل العلم بعد الخلاف القديم الذي انقرض، وعمدته العلة مع النص، مع النص الثابت والعلة، والعلة ارتفعت، والنص جاء ما يعارضه فدل على أنه ((لا تكتبوا)) النهي لا يصل إلى حد التحريم، وإنما هو للكراهة، والصارف ما جاء من الإذن بالكتابة، بل الأمر بها، الأمر بالكتابة ((اكتبوا لأبي شاه)) وعبد الله بن عمرو كان يكتب بين يدي النبي -عليه الصلاة والسلام- فيما أخبر به أبو هريرة -رضي الله عنه- في الصحيح، فدل على أن قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((لا تكتبوا عني شيئاً سوى القرآن)) لمجرد الكراهة خشية الالتباس بالقرآن، والله المستعان، نعم.

طالب:.......

على كل حال إذا عرفنا أن الإجماع..، عرفنا أن المخالف، عرفنا دليل المخالف السابق، وعرفنا علته، وارتفعت علته، وأمكن الجواب عن دليله فارتفع، نعم.

فإذا تقرر هذا فينبغي لكاتب الحديث أو غيره من العلوم أن يضبط ما يشكل منه، أو قد يشكل على بعض الطلبة في أصل الكتاب، نقطاً وشكلاً وإعراباً على ما هو المصطلح عليه بين الناس, ولو قيد في الحاشية لكان حسناً.

يقول الحافظ -رحمه الله تعالى-: "إذا تقرر هذا" يعني إذا تقرر جواز الكتابة، وأنه ارتفع الخلاف فيها فينبغي للكاتب، ينبغي للكاتب..، الكتابة لها آداب، وقبل ذلك نقول: على الإنسان أن يعتني بما يصدر عنه من أقوالٍ وأفعال، فلا يكتب إلا شيئاً ينفعه في الآخرة، تجد كثيراً من الناس يكتب ما هب ودب، بل قد يكتب ما يضره، والله المستعان، وهذا كثير كثير جداً، فكم من شخص ضل بسبب الكتابة، كم من شخص انحرف بسبب ما قرأ لكاتب من الكتاب المنحرفين، سواءً كان من أهل المذاهب الباطلة، أو من الزنادقة الذين يريدون هدم الدين، وإفساد أهله من المتقدمين والمتأخرين، وقد كان ضرر الكتابة خفيفاً حينما كان جل الناس لا يطلعون على كثيرٍ مما يكتبه هؤلاء المنحرفون، لكن عظمت المصيبة، وازداد البلاء، وازدادت الآثار السيئة المترتبة على كتابة هؤلاء المنحرفين حينما تيسر دخول كتاباتهم إلى البيوت، فصار يقرأها من يفهم ومن لا يفهم، من يعقل ومن لا يعقل، وصاروا يجادلون وينقاشون في الثوابت والقطعيات، والله المستعان، نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن ينصر دينه، وأن يعلي كلمته، وأن يخرس ألسنة هؤلاء الذين يريدون إفساد الدين على أهله، وأن يشل أيديهم عن كتابة مثل هذه الأشياء.

فيقول -رحمه الله تعالى-: "فإذا تقرر هذا فينبغي لكاتب الحديث أو غيره من العلوم" التفسير، الفقه، التوحيد، علوم الآلة وغيرها من العلوم "أن يضبط ما يشكل" يضبط ما يشكل بالشكل، يضم المضموم، ويفتح المفتوح، وهكذا، من أهل العلم من يرى أنه يضبط كل شيء، يضبط ما يكتبه كله، (قال) القاف عليها فتحة، والألف عليها سكون، واللام عليها فتحة، لكن الأكثر على أنه إنما يُشكَل ما يُشكِل؛ لأن ضبط ما لا يشكل زيادة عناء وتعب، وتشويه للكتابة، لكن حجة القول الأول: أن الإشكال أمر نسبي، قد يترك ضبط كلمة يضنها غير مشكلة وهي في الحقيقة مشكلة على كثيرٍ من الناس، فيحتاج إلى أن يضبط مراعاةً لاختلاف مستويات القراء أن يضبط كل شيء، فالقول المعتمد عند أهل العلم أنه إنما يُشكَل ما يُشكِل، والذي لا يشكل مثل: (قام، وقعد) يعني ما تحتاج مثل هذه إلى ضبط، يعني لو أراد شخص أن يضبط: (بسم الله الرحمن الرحيم) ويش الداعي لضبط مثلها، والناس تداولها بألسنتهم، ونطقوها صحيحة، مجرد ما يرون الرسمة ينطقونها صحيحة.

"أن يضبط ما يشكل.. أو قد يشكل على بعض الطلبة" أما ما يشكل على الجميع أمرٌ لا بد منه، والذي يشكل على بعضهم إن أشكل على أوساط المتعلمين يضبط، ولا عبرة بالمبتدئين؛ لأن المبتدئين يلقنون، "في أصل الكتاب نقطاً وشكلاً وإعراباً" نقطاً فيعجم الحروف المعجمة، ويهمل ما أهمل من الحروف المهملة، ويضبط بالشكل الكلمة بالحركات، وإن ضبطها في الحاشية بالحروف، أو بالنظير، أو بالضد كما يفعله كثيرٌ من الشراح فحسن، (عن حرام بن عثمان) قال: ضد الحلال، ماشي ينضبط، لماذا؟ لئلا يأتي شخص يقرأها حزام مثلاً، أو حرَّام، أو حِرام، حرام ضد الحلال وانتهى الإشكال، (الحكم بن عتيبة) قال: تصغير عتبة الدار ماشي وهكذا، "وإعراباً" الإعراب: هو تغيير أواخر الكلمات تبعاً للعوامل الداخلة عليها، على ما هو المصطلح عليه بين الناس، لا بد أن يتقيد بما اصطلح عليه الناس، لا يصطلح لنفسه ضبط وإعراب وتقييد ونقط على خلاف ما دار بين الناس، أو ما دار أو ما اشتهر عند هؤلاء الناس وإن كان صحيحاً عند غيرهم، فيرسم الحروف على ما هو معتمد عندهم في بلده، هو مشرقي يرسم ويضبط على طريقة المشارقة، يرتب الحروف على طريقتهم، مغربي كذلك، وإلا حصل من اللبس الشيء الكثير.

القاف عند المشارقة فوقها نقطتين، وعند المغاربة فوقها نقطة واحدة، نعم نقطة واحدة، لو كتب للمشارقة (قسوة) على طريقة المغاربة صارت كارثة، نعم، الفاء عند المشارقة نقطة واحدة لكن فوق، وعند المغاربة نقطة لكنها تحت، فينبغي أن يضبط الكاتب الكتابة على ما هو معمولٌ به في بلده وإقليمه.

"على ما هو المصطلح عليه بين الناس" فلا يصطلح لنفسه، وإن قالوا: لا مشاحة في الاصطلاح، لكن ينبغي ألا يخالف ما شاع وعرف واستقر بين الناس، "ولو قيده بالحاشية لكان حسناً" فيضبط بالشكل، ويعرب بالحركات في صلب الكتاب، وإن ضبط الحروف، وأحياناً يضبطون بالحروف المقطعة في الحاشية، مثلاً الهجيمي ضبطوها بضم الهاء، وفتح الجيم.. إلى آخره، وفي الحاشية كتب (هـ) لأن الهاء في أثناء الكلمة تختلف صورتها عن الهاء في أول الكلمة أو إذا استقلت، فإذا لم يستطع أن يقرأها في أول الكلمة نظراً لسوء الخط، أو لدقته أو ما أشبه ذلك استطاع أن يقرأها في الحاشية، (هـ) (ج).. إلى آخره (ي) (م) (ي).

على كل حال من نظر في المخطوطات من كتب العلم وجد من ذلك العجب من شدة عنايتهم، ويأتي تكملة هذا البحث في الأبواب اللاحقة، نعم.

طالب:.......

هو إن أتى إلى كتابٍ لغيره فنسبه إلى نفسه فهذه سرقة، وإن جاء إلى مجموعة من الكتب واختصر منها، ولخص منها، وخرج منها بمسألة أو فائدة أو فوائد قرّب فيها ما في الكتب الكبيرة، أو جمع شتاتها من كتب كثيرة فهذا نوع من أنواع التصنيف، وإلا فكثيرٌ من المتأخرين هذا عمله، لو مسكت كتاب لمتأخر، وقلت: لكل كلمة ترجع إلى أصلها صار دفتر، صار أبيض ما فيه شيء، لكن كلٌ يُعطى على قدر نيته، والله المستعان، نعم.

طالب:.......

على حسب جهده الذي فعله.

طالب:.......

ما في شك أنه كتب تأليف، والتأليف من وجوهه الاختصار والترتيب و..، نعم.

طالب:.......

في المتأخرين كثرت الدعاوى، المطابع التي تدفع إلى الناس هذه الكتب بالمئات في اليوم الواحد من غير تحقيق ولا تدقيق تجد الخطأ في عنوان الكتاب: (جزء القراءة خلف الصلاة) من يقول مثل هذا الكلام؟ كتاب اسمه: (جزء القراءة خلف الصلاة) كتاب للإمام البخاري مطبوع بهذا الاسم، هذا يمكن أن يخطأ في عنوانه؟! في عنوان الكتاب، وشخص كاتب: كتاب كذا -صحيح ماشي- لفلان، تحقيق وتعليق فلان، تحقيق وتعليق فلان تنظر في الكتاب ما فيه إلا ترقيم آيات فقط، ما فيه فروق نسخ ولا تعليق، ولا توضيح ولا شيء، وجاي في صفحة الخطأ والصواب وكاتب: خطأ (تعليق) صواب (شرح) هذا شيء واقع يعني ما هي بدعوى..، شرح يعني ما كفاه أن يقول: تعليق، والمرتزقة من هذا النوع كثر، وهذا الذي يوجد الحيرة عند كثيرٍ من المتعلمين فيما يقتني، والله المستعان، نعم.

طالب:.......

ابن الصلاح يقول: "روِّينا" وغيره يقول: "روينا" ما في فرق، ولا شك أنه ما رواه بنفسه، وإنما رواه من طريق غيره، فيقول: "روِّينا" يعني روّانا فلان وفلان عن فلان، لا بأس؛ لأنه أسقط الواسطة، وإن قال: "روينا" يعني بإسنادنا المعروف لا بأس.

طالب:.......

إيش هو؟

طالب:.......

أعلَّ الحديث، بين الشيخ -رحمه الله-، "ومنهم أعل الحديث.." إيش قال الشيخ أحمد شاكر؟

طالب:.......

على كل حال البخاري ممن أعل هذا الحديث، وكلٌ يؤخذ من قوله ويترك، وهذا رأيه في الحديث، لكن الحديث صحيح لا إشكال فيه.

"وينبغي توضيحه، ويكره التدقيق والتعليق في..."

طالب:.......

نعم؟

طالب:.......

...... موقوف على أبي سعيد من قوله، نعم.

وينبغي توضحيه، ويكره التدقيق والتعليق في الكتاب لغير عذر، قال الإمام أحمد لابن عمه حنبل -وقد رآه يكتب دقيقاً-: لا تفعل فإنه يخونك أحوج ما تكون إليه.

قال ابن الصلاح: وينبغي أن يجعل بين كل حديثين دائرة، وممن بلغنا عنه ذلك أبو الزناد وأحمد بن حنبل وإبراهيم الحربي وابن جرير الطبري، قلت: قد رأيته في خط الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله تعالى-، قال الخطيب البغدادي: وينبغي أن يترك الدائرة غفلاً, فإذا قابلها نقط فيها نقطة.

"ينبغي توضيحه" توضيح المكتوب، ينبغي العناية بالكتاب والتوضيح؛ لئلا يرجع إليه في وقتٍ آخر فلا يستطيع قراءته، أو لا يستطيع قراءته غيره مثلاً، وهذا على حسب الاستطاعة؛ لأن بعض الناس يريد التوضيح، لكن ما يستطيع، يحرص أن يوضح ما يكتب، "ويكره التدقيق" تدقيق الكتابة، تصغير الحروف؛ لأنه يخون أحوج ما يكون إليه، أحوج ما يكون إليه إذا ضعفت الحواس، ضعفت الحافظة، احتاج أن يرجع إليه لا يستطيع أن يقرأ؛ لأنه دقيق، لأنه يصاحب ضعف الحافظة ضعف النظر، وضعف السمع، إن جاء بأحدٍ يقرأه عليه أيضاً أحوجه إلى أن يرفع صوته وهكذا، المقصود أن التدقيق يخونه أحوج ما يكون إليه كما قال الإمام أحمد -رحمه الله تعالى-، "يكره التدقيق والتعليق" والتعليق: خلط الحروف التي ينبغي ألا تخلط، تجد بعض الناس وهو يكتب مع السرعة يشبك بعض الحروف، وهذا موجود بكثرة في خط شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى-، شيخ الإسلام ما يرفع القلم، نعم، لكن الله المستعان من مثل شيخ الإسلام، بحاجة إلى الوقت مثل شيخ الإسلام، شيخ الإسلام كتب الحموية بين الظهر والعصر، كتاب يدرس في سنة كاملة ولا يكمل، الفتوى الكيلانية في قعدة، وصاحبها مستوفزٌ يريدها، بأكثر من مائتي صفحة، وفتوى أخرى كذلك في مائتين وثلاثين صفحة نسيتها الآن قال: "في قعدة واحدة، وصاحبها يريدها" شيخ الإسلام معذور حينما يكتب مثل هذه الكتابة، والناس لو تعبوا على فك عبارة الشيخ، وكتابة الشيخ يستاهل، يستحق، لكن بعض الناس إذا كتب إن قريته وإلا ارميه، إيش بعدين؟ إيش يصير؟ غير مأسوفٍ عليه، على كل حال ينبغي للإنسان أن يعتني بخطه، يعتني فيما يكتب مما ينفعه في الآخرة، ويعتني بالكتابة؛ لأنه قد يحتاج إليه فلا يستطيع أن يقرأ ما كتب، كما أنه قد يحتاج إليه غيره فلا يستطيع أن يقرأه، وكم من عالم مرت تراجمهم، أو مر في تراجمهم أن مؤلفاتهم هجرت بسبب ضعف الكتابة ورداءتها، كثير.

طالب:.......

لا، ابن حجر مقروء، ابن حجر مقروء خطه، السخاوي على رداءة مقروء، لكن ابن عبد الهادي........

طالب:.......

ابن عبد الهادي أبداً، صعب، صعب قراءتها، نعم.

طالب:.......

على أكثرها...... هي المشكلة في الكثرة هي التي تجعل الإنسان ما يتأنى، وبعض الناس هذه قدرته، بعض الناس يوهب الكتابة موهبة، يوهب الكتابة، وتجده يسرع أو لا يسرع خطه جميل، وبعض الناس يتأنى وعسى، والله المستعان.

"قال الإمام أحمد لابن عمه حنبل، وقد رآه يكتب دقيقاً: "لا تفعل فإنه يخونك أحوج ما تكون إليه"، نعم أحوج ما تكون إلى هذه الكتابة الدقيقة يخونك، متى تحتاج؟ إذا ضعفت الحافظة وأردت أن ترجع إليه، ويصاحب ضعف الحافظة ضعف النظر وضعف السمع وغيرها من القوى، والله المستعان.

"قال ابن الصلاح: وينبغي أن يجعل بين كل حديثين دائرة" يعني مثل ما بين الآيات، "وممن بلغنا عنه ذلك أبو الزناد وأحمد بن حنبل وإبراهيم الحربي وابن جرير الطبري" إيش الفائدة من هذه الدائرة؟

طالب:.......

الفصل بين الحديثين من جهة، ومن جهة أخرى تكون هذه الدائرة غفل، ما هو يحط دائرة ويطمسها، يخلها سوداء، لا، يخليها بيضاء، علشان إيش؟ كل ما قابل وضع نقطة، إذا قابل الكتاب مرة ثانية وضع نقطة، وبقدر هذه النقط تكون ميزة هذه النسخة، يعني قوبل خمس مرات فيه خمس نقاط، إذا رأينا فيه خمس نقاط عرفنا أن هذا الكتاب قوبل خمس مرات، وهكذا.

"قلتُ: وقد رأيته في خط الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله تعالى-، قال الخطيب البغدادي: وينبغي أن يترك الدائرة غفلاً، فإذا قابلها نقط فيها نقطة" هذه فائدة هذه الدوائر، الفصل بين الأحاديث، ووضع النقاط في جوف هذه الدوائر عند كل مقابلة، نعم.

قال ابن الصلاح: ويكره أن يكتب: (عبد الله بن فلان) فيجعل (عبد) في آخر سطر والجلالة في أول سطر, بل يكتبهما في سطر واحد، قال: وليحافظ على الثناء على الله, والصلاة والسلام على رسوله وإن تكرر ولا يسأم، فإن فيه خيراً كثيراً، قال: وما وجد من خط الإمام أحمد من غير صلاة فمحمول على أنه أراد الرواية، قال الخطيب: وبلغني أنه كان يصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم- نطقاً لا خطاً.

قال ابن الصلاح: وليكتب الصلاة والتسليم مجلسة لا رمزاً، قال: ولا يقتصر على قوله: (عليه السلام) يعني وليكتب (صلى الله عليه وسلم) واضحة كاملة، قال: وليقابل أصله بأصل معتمد مع نفسه أو مع غيره من موثوق به ضابط، قال: ومن الناس من شدد وقال: لا يقابل إلا مع نفسه، قال: وهذا مرفوض مردود، وقد تكلم...

بركة، بركة.

يقول ابن الصلاح -رحمه الله تعالى-: "يكره أن يكتب: (عبد الله بن فلان) فيجعل (عبد) في آخر السطر والجلالة في أول السطر" لئلا يقرأ السطر الثاني دون الأول، فيبدأ القارئ الله بن فلان، وهذا ممنوع، وطرد بعضهم كراهية الفصل بين المتضايفين، فلا يجعل المضاف في آخر السطر الأول والمضاف إليه في أول السطر الثاني، لكن إذا كان المضاف إليه من أسماء الله -سبحانه وتعالى- تزداد هذه الكراهة، فينبغي أن يكتب (عبد) وما أضيف إليه في مكانٍ واحد؛ لئلا يحصل المحظور الذي ذكرناه.

وهناك أمور نبه عليها أهل العلم في الكتابة، ومن المؤسف أن بعض كتب المصطلح طبعت طباعات مثل: التدريب، في طبعة للتدريب، جميع هذه الأمثلة التي نبه عليها أهل العلم، وأنها لا تنبغي في الكتابة مثلنا بها من الكتاب نفسه، من التدريب، كلها فعلها الطابع، والله المستعان، وهذا سببه تصدي من لا يحسن إلى مثل هذه الأعمال، وإن كان السبب الأصلي الحقيقي تخلي من يحسن، وتفريط من يتقن، وتركه المجال لمثل هؤلاء السفهاء، وإلا لو كلٌ قام بجهده وعمله، وبذل جهده، واستفرغ وسعه لخدمة الكتاب والسنة ما جرئ مثل هؤلاء؛ لأن فعلهم زبد، لكن احتاج الناس إليه لعدم وجود ما يقوم مقامه من غيره، نعم.

طالب:....... العلماء الذين هم مسلمون، وينتقدون الذين لا يحسنون؛ ليتبين للناس الزبد؛ لأن بعض الناس يقول: هذا العالم شديد، وينتقد وكذا.

لا، لا بد من البيان، البيان أمرٌ لا بد منه.

قال -رحمه الله- -يعني ابن الصلاح-: "وليحافظ على الثناء على الله، والصلاة والسلام على رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وإن تكرر فلا يسأم فإن فيه خيراً كثيراً" ولو لم يوجد في الأصل، قد تمر بذكرٍ لله في كتاب، فيقول: قال الله، ثم يسوق القول، فتقول: "عز وجل"، أو "سبحانه وتعالى"؛ لأن هذا ليس من باب الرواية، ليس من باب الرواية إنما من باب الثناء، ومثله الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولو لم توجد في الأصل، ومثله الترضي عن الصحابة -رضوان الله عليهم-، ولو لم يوجد في الأصل؛ لأنه ليس هذا من باب الرواية.

ولا يسأم؛ لأنه رتب عليه أجرٌ عظيم، فلا يحرم نفسه، ويحرم القارئ من هذا الأجر العظيم، فإن فيه خيراً كثيراً، قال: "وما وجد من خط الإمام أحمد من غير صلاة فمحمولٌ على أنه أراد الرواية" يعني نقله نقلاً، كما وجده، وأراد ألا يتصرف في كتب الآخرين، لكن هذا التصرف ليس من باب التزيد، أو التصرف في كتب الناس، بل هو من باب الثناء والدعاء، والله المستعان.

"قال الخطيب: وبلغني أنه كان يصلي على النبي -عليه الصلاة والسلام- نطقاً لا خطاً" لكن ينبغي أن يجمع بينها، فينطق ويكتب؛ ليحوز الأجر المرتب على الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام-، ويقرن معه إن أراد الآل والصحب، ولا يقتصر على الصلاة دون السلام؛ لأن بعض الناس إذا طالت الجملة نسي وسلم، كما فعل مسلم -رحمه الله تعالى- في صحيحه، في بداية الصحيح، وانتقده النووي، وصرح بكراهة ذلك، وأحياناً يقول: (عليه السلام) وإفراد الصلاة دون السلام تأتي الإشارة إليه، نص النووي على الكراهة، وإن خصه ابن حجر بمن كان ديدنه ذلك، يعني استمر في كل مناسبة يقول: (عليه السلام) في كل مناسبة يصلي ولا يسلم، لا يتم الامتثال إلا بالصلاة والسلام معاً، امتثال قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [(56) سورة الأحزاب] اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك، نبينا محمد وعلى آله وصحبه، يعني إن أراد أن يضيف مع النبي -عليه الصلاة والسلام- أحداً فليضف الآل والأصحاب، ولا يقتصر على الآل؛ لأنه شعار لبعض المبتدعة، وما ورد في الصلاة الإبراهيمية فهو في الصلاة، ولا يقتصر على الصحب؛ لأنه شعارٌ لقومٍ آخرين من المبتدعة، فيجمع بينهما ليجمع بين الحسنيين، وإن اقتصر على النبي -عليه الصلاة والسلام- فهذا هو المأمور به، وأما اتهام أهل العلم من المحدثين وغيرهم أنهم أهملوا الصلاة على الآل مع الأمر بها ممالأة للحكام، ومداهنة لهم فهذا قولٌ في غاية السقوط، هذا قولٌ في غاية السقوط، يُتهم الأئمة كلهم قاطبة ما يقولون: (وآله)، (صلى الله عليه وسلم) في كتب السنة، قاطبة دون استثناء، ويتهمون بأنهم يمالئون الحكام ويداهنونهم، هذا كلام ليس بصحيح، من قال: (صلى الله عليه وسلم) فقد امتثل الأمر الوارد في الآية، من صلى على الآل فليضف الصحب؛ لأن الاقتصار على الآل صار شعار لبعض المبتدعة، والجمع بينهما شعار أهل السنة، الذين يوالون الصحب والآل معاً، والله المستعان، نعم.

طالب: يقول: "وليحافظ على الثناء على الله" ما علقتم على هذا يا شيخ.

قلنا: الله -سبحانه وتعالى-، -عز وجل-.

طالب:.......

لفظاً وكتابةً، مثل الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام-.

قال ابن الصلاح: "وليكتب الصلاة والتسليم مجلسة" يعني كاملة (صلى الله عليه وسلم) "لا رمزاً" لا يكتب (ص)، يرمز بها إلى (صلى الله عليه وسلم)، أو (صلعم) حتى ذكر بعض أهل العلم أن من كتب..، أول من كتب هذا الرمز (ص ل ع م) قطعت يده، والله أعلم بحقيقة الحال، لكن الامتثال لا يتم، والأجر المرتب على الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يتم بالرمز، بل لا بد من الكتابة كاملة، والله المستعان.

طالب: في نهي عن الاختصار بالألفاظ هذه؟

من أين؟ نهي إيش؟ من أهل العلم.

طالب: نهي اختصار (صلى الله عليه وسلم) أو اختصار (عز وجل) أو....

من أهل العلم.

طالب: نعم.

كثير كثير، كلهم نبهوا على هذا.

قال: "ولا يقتصر على قوله: (عليه السلام) يعني وليكتب: (صلى الله عليه وسلم) واضحة كاملة" إلا أنه لا يتم الامتثال إلا بالجمع بين الصلاة والسلام، وإن أفرد السلام دون الصلاة أو الصلاة دون السلام أحياناً فلا بأس، لكن يكون ديدنه يصلي ولا يسلم، أو يسلم ولا يصلي هذا نص أهل العلم على كراهته.

قال: "وليقابل أصله بأصلٍ معتمد مع نفسه أو مع غيره، من موثوق به ضابط" بالمقابلة نسخت الكتاب فلا بد من مقابلته؛ لأنه لا يؤمن السقط، وتكرار بعض الأسطر، أو نقص أسطر أحياناً، وهذا كثير، وهذا يمكن تلافيه بالمقابلة، لكن هل يقابل مع نفسه؟ يأتي بالأصل ويضعه بين يديه والفرع المنسوخ ويضعه بين يديه وينظر في كلمة كلمة؟ أو يكفي أن يحضر الأصل بيد ثقة والفرع معه أو العكس، وأحدهما يقرأ والثاني يصحح؟ بعضهم يقول: لا، يشدد، يقول: لا تعتمد على أحد في هذا، لا بد أن تقوم بهذا بنفسك؛ لأنك ما تدري لعله غفل، نعم يتصور الغفلة من أجيرٍ ونحوه إذا لم يكن ثقة، لكن إذا اشترطنا الثقة انتفى المحظور، ولو قيل: إن المقابلة مع شخصٍ آخر أولى من المقابلة من الشخص نفسه لما بعد؛ لأن الإنسان يفوت عليه أشياء؛ لأنه ينظر في الأصل والفرع فيفوت عليه بعض الشيء، لكن إذا حدد في نسخة واحدة، والطرف الثاني المفترض فيه الثقة يحدد في نسخة أخرى، وتضافر عليه جهد شخصين، لا شك أنه أتقن وأضبط، بعض الناس يتورع في مقابلة النسخ، ويسجل الأصل على شريط، ويسمعه على الفرع، ويصحح، ويقابل بهذه الطريقة، لكن هذا حقيقةً تشديد لا مبرر له، فالمقابلة تقبل النيابة، وحينئذٍ لا ضير فيما وُكِل إليه عمل ولو كان يقتضي عليه أجر أن يكلف من يقابل معه شريطة أن يكون ثقة متقناً.

وقد تكلم الشيخ أبو عمرو على ما يتعلق بالتخريج والتضبيب والتصحيح وغير ذلك من الاصطلاحات المطردة والخاصة ما أطال الكلام فيه جداً، وتكلم على كتابة (ح) بين الإسنادين, وأنها (ح) مهملة من التحويل، أو الحائل بين الإسنادين, أو عبارة عن قوله: "الحديث".

قلتُ: ومن الناس من يتوهم أنها (خاء) معجمة, أي إسناد آخر، والمشهور الأول, وحكى بعضهم الإجماع عليه.

يقول -رحمه الله تعالى-: "وقد تكلم الشيخ أبو عمرو -يعني ابن الصلاح- على ما يتعلق بالتخريج والتضبيب والتصحيح، وغير ذلك من الاصطلاحات المطردة والخاصة ما أطال... فيه جداً" ابن الصلاح -رحمه الله تعالى- في أصل هذا الكتاب، كتاب: (علوم الحديث) بسط القول في هذه الأشياء، ما يتعلق بالتخرج للساقط أو للتعليق، فإذا أراد أن يكتب كلمة بانت من خلال المقابلة أنها ساقطة من النسخة المنسوخة يخرج لها، فيأتي بعلامة تسجل هذه العلامة، يأتي بعلامة، رمز... كيف؟

طالب:.......

مثل الهلال تبدأ من نهاية الكلمة التي قبل هذه الكلمة الساقطة، وتتجه إلى جهة اليمين، فيعلق هذه الكلمة الساقطة ويكتب فوقها صح، إن احتاج إلى كلمة ثانية في السطر نفسه إلى جهة اليسار وهكذا، إن كان الكلام طويلاً السقط طويل يحتاج إلى إلحاق صفحة أو شبهها يشير، ويكتب تتمة الكلام أو السقط في صفحة مرفقة، أو في أعلى الصفحة إذا كان سطرين، ثلاثة، يمكن يكتب، أو في أسفل الصفحة، أو في الجهة اليمنى، أو تتمته على الصفحة اللاحقة، وما أشبه ذلك، المقصود أنه يشير، هذا بالنسبة للسقط بعد الكلمة التي تكون قبل الكلام الساقط، وإذا كان هذا التعليق والتخريج لشرح كلمة فتكون هذه الإشارة من وسط الكلمة المراد شرحها، والتضبيب يعني يضع ضبة على الكلام الذي يريد أنه ثابت من حيث الرواية، يعني هكذا في الأصل، فيضع عليها ضبة رأس صاد كذا ويمدها على قدر الكلام الذي يريد أن يضبب عليه، فيضع هذه الضبة على كلامٍ صح روايةً وإن لم يصح معناه؛ لئلا يأتي من يجرؤ فيصحح هذا الكلام، يضع ضبة على كلام صح وثبت في الأصل، لكنه من حيث العربية فيه خلل؛ لأنه لا يؤمن أن يأتي بعض المتسرعين فيصحح، وقد يكون له وجه، يكون له وجه في العربية، وهذا لا يدركه، وما يدريه يبقيه كما هو، ويضبب عليه، وكم من كلمة أشكل إعرابها حتى في القرآن، وهي لها وجوه في العربية، وبعض الناس تشكل عليه، نعم، على كل حال بعض الناس مغرم بالجرأة على الكتب فتجده يهجم على الكتب ويصحح، وإن لم يكن أهلاً، وهذا موجود، ينشر في الأسواق كثير جداً، وأشرنا إلى شيء منه.

والتصحيح إذا كانت الكلمة خطأ يصححها في الحاشية، يبقيها كما هي في الأصل، ويثبت الصواب في الحاشية، وبعضهم يقول: لا مانع إذا لم يكن هناك له وجه ولو بعيد أن يصحح في الأصل، ويشير إلى أنه..، يشير في الحاشية إلى أنه في الأصل خطأ كذا، وإن أبقاها كما هي على الأصل، وأشار إلى الحاشية أو وضع رقم كما اصطلح عليه المتأخرون، وقال: كذا في الأصل والصواب كذا، فلا بأس، المقصود أنه لا بد من البيان، والأصل أن تبقى الكتب كما هي، كما وجدت؛ لأنها إذا صححت، ثم جاء آخر واجتهد وصحح، ثم جاء ثاني واجتهد وصحح، وثالث، ورابع، وخامس مسخت الكتب بهذه الطريقة؛ لأن أفهام الناس تتفاوت، وكم من شخص له غرض من إبقاء مثل هذه الأشياء، والله المستعان، نعم.

طالب:.......

التضبيب قد تضع الضبة على كلامٍ ثابت في الرواية، لكنه من حيث العربية ضعيف، أو لا وجه له، أو خطأ تضبب عليه، وتصحح.......، لكن التصحيح وقع خطأ في النسخ فتصحح، التضبيب على كلامٍ صحيح في الأصل، هو منقول كما هو في الأصل، لكن لئلا يجرؤ أحد فيصحح فتضبب عليه، والضبة موجودة، ومن نظر في بعض طبعات الصحيح وجد هذه الاصطلاحات موجودة، والمخطوطات مملوءة مشحونة بمثل هذه الأمور.

"وغير ذلك من الاصطلاحات المطردة والخاصة" ولو كان اصطلاح خاص لذلك الرجل فإنك لا يجوز لك أن تصحح ما اصطلح عليه، لا سيما إذا بين، لك أن تعلق تقول: هذا خالف فيه اصطلاح العامة، وفي التعليق لك أن تقول ما شئت.

"...ما أطال الكلام فيه جداً، وتكلم على كتابة (ح) بين الإسنادين" وهي حاء التحويل، وهي كلمة توجد في كتب الحديث في صحيح مسلم، في سنن أبي داود، سنن النسائي، سنن ابن ماجه وغيرها من الكتب بكثرة، لكنها عند البخاري والترمذي قليلة، قليلة عند البخاري قليلةٌ جداً، ومسلم قد يسوقها في طرق الإسناد الواحد أحياناً خمس مرات، في طرق الحديث الواحد يسوقها أحياناً خمس مرات، فهو مكثرٌ منها جداً، والمقصود منها التحول من إسنادٍ إلى آخر، والمغاربة يقولون: إن المقصود منها الحديث، أو هي من الحيلولة، فتكون حائلاً بين إسنادين، يقول: "من الناس أن يتوهم أنها "خ" معجمة، أي إسناد آخر، والمشهور الأول" بعض الناس لا سيما فيما يرد في صحيح البخاري يقول: هي "خ"، وهي رمزُ الإمام، وكل هذا ليس بصحيح، "حكى بعضهم الإجماع عليه" وأنها من التحول من إسناد إلى آخر....

طالب:.......

وين؟ البخاري يوردها قليلاً، وقد يوردها ولا حاجة إلى إيرادها في الموضع الذي أوردها فيه البخاري -رحمه الله تعالى-، لماذا؟ لأن البخاري غالباً ما يوردها إذا انتهى الإسناد، يسوق الإسناد كاملاً عن فلان عن فلان عن فلان عن أنس عن النبي -عليه الصلاة والسلام- (ح)، إيش الفائدة من هذه هنا؟ ما تفيد شيء، صحيح أنك انتقلت من إسناد، تحولت من إسناد إلى آخر، لكن ما أفادت الفائدة التي من أجلها وضعت وهي اختصار الأسانيد.

طالب:.......

عند البخاري والترمذي قليلة، لكن عند مسلم وأبي داود بكثرة.

طالب:.......

من جديد من شيخه حتى.

طالب:.......

لكن ويش الفائدة منها؟ يمكن أن يختلط إسناد بهذا؟ كامل هو كامل، لكن لما يضعها في أثناء الإسناد عند نقطة الالتقاء بين الإسنادين هذه فائدتها، اختصار الأسانيد.

شرح: النوع السادس والعشرون: في صفة رواية الحديث:

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

قال الإمام الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى-: النوع السادس والعشرون: في صفة رواية الحديث.

قال ابن الصلاح: شدد قوم في الرواية, فاشترط بعضهم أن تكون الرواية من حفظ الراوي أو تذكره, وحكاه عن مالك وأبي حنيفة وأبي بكر الصيدلاني المروزي، واكتفى آخرون -وهم الجمهور- بثبوت سماع الراوي لذلك الذي يسمع عليه, وإن كان بخط غيره، وإن غابت عنه النسخة إذا كان الغالب على الظن سلامتها من التبديل والتغيير، وتساهل آخرون في الرواية من نسخ لم تقابل بمجرد قول الطالب: "هذا من روايتك" من غير تثبت ولا نظر في النسخة، ولا تفقد طبقة سماعه، قال: وقد عدهم الحاكم في طبقات المجروحين.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

النوع السادس والعشرون: وهو يجمع فروع كثيرة، تتعلق بصفة رواية الحديث، هو متضمن.... لفروع: أولها: التشديد في الرواية، وتقدم في تعريف الصحيح أن الحفظ والضبط أمرٌ لا بد منه لصحة الخبر وثبوته، إضافة إلى العدالة اللذان هما ركنا التوثيق، فلا يستحق الراوي الوصف بالثقة إلا إذا ضم إلى العدالة الضبط كما تقدم في تعريف الحديث الصحيح، والضبط قسمه أهل العلم إلى ضبط صدر وهو الأصل، وإلى ضبط كتاب، وكان الصدر الأول من هذه الأمة كان ضبطهم واعتمادهم على صدورهم، والحفظ هو المعول عليه في العلم، وهو الأصل، وقد يحتاج إلى ضبط الكتاب وإتقانه من أجل مراجعته إذا طرأ على الحفظ ما طرأ من الغفلة والذهول والنسيان، ولذا مدح الله أهل العلم بكونهم يحفظون، {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [(49) سورة العنكبوت] وجاء في وصف هذه الأمة أن أناجيلها في صدورها، ولما اعتمد الناس على الكتابة -كما أشرنا سابقاً- ضعف الحفظ، واحتاج الناس إلى الكتابة وتوسعوا فيها، فصححوا الرواية من الكتاب، وإن كان القول الأول في المسألة المنع من الرواية من الكتاب، مهما بلغت دقته وضبطه وإتقانه، فلا بد من الحفظ، وهذا مرويٌ عن مالك وأبي حنيفة كما قال ابن الصلاح يقول: "شدد قومٌ في الرواية، فاشترط بعضهم أن تكون الرواية من حفظ الراوي أو تذكره، وحكاه عن مالك وأبي حنيفة وأبي بكر الصيدلاني المروزي -من أئمة الشافعية-، واكتفى آخرون -وهم الجمهور- بثبوت سماع الراوي لذلك الذي يسمع عليه" والأصل أن يكون بخطه، لكن إن ثبت مرويه بخط غيره من أهل الضبط والإتقان فلا بأس، ولذا يقول: "وإن كان بخط غيره، وإن غابت عنه النسخة.." أولاً: يثبت مرويه وسماعه في الكتاب، سواءً كان بخطه أو بخط غيره، شريطة أن يكون الكاتب ثقة، ثم يقابل هذا المكتوب بأصله، ثم يحافظ عليه بحيث لا يخرجه من يده بإعارةٍ ولا إجارة ولا غيرها إلا لمن يثق به؛ ليغلب على الظن سلامته، أما إذا كان يعيره ويخرجه من يده إلى أي شخص دون شرطٍ ولا قيد ممن لا يؤمن منه الزيادة والنقص، والإلحاق والكشط والمحو فإنه حينئذٍ لا تعود الثقة إلى هذا الكتاب، "وإن غابت عنه النسخة إذا كان الغالب على الظن سلامتها من التبديل والتغيير" وقد جاء في معرفة من تقبل روايته ومن ترد فيما تقدم: "يحوي كتابه إن كان منه يروي" يحوي: يعني يحفظه من التلاعب، وكم من راوٍ من الرواة قدح به، وأنزل عن درجة التوثيق والقبول بسبب التصرف بكتبه، إما كاتب يتدخل أو ربيب له يُدْخِل في كتبه ما ليس منها، وهذا حصل، وذُكر في تراجم أهل العلم.

على كل حال لا بد من ضبط الكتاب وإتقانه، وحفظه من أن يتطرق إليه تغيير أو تبديل، "وتساهل آخرون في الرواية من نسخ لم تقابل" لا بد أن تكون النسخة التي يروى منها مقابلة على أصول، واكتفى النووي بأصلٍ واحد إذا كان الناسخ قليل الغلط، متقناً لنسخه يكفي أصلٍ واحد، وهذا تقدم في مباحث الصحيح.

"تساهل آخرون في الرواية من نسخ لم تقابل بمجرد قول الطالب: هذا من روايتك" يأتي الطالب إلى الشيخ ويقول: هذا من روايتك، هذا من روايتك فيقول: نعم، فيروي عنه، ولا يدرى عن هذه النسخة هل هي مقابلة أو غير مقابلة؟ ونظير هذا عدم التثبت في الطبعات المعتمدة من كل كتاب، فلا شك أن المطابع متفاوتة كالنساخ، منهم من يتقن ويضبط الطباعة، ويكل أمر التصحيح إلى أهل العلم بالفن الذي هم بصدده، ومنهم من يتساهل فيأتي بالأجراء، ويهمه الربح المادي، ويأتي بأجراء أجورهم قليلة ليتوفر له الكسب، وهذا حال كثيرٍ من المطابع التي تدفع بالكتب إلى الأسواق، بل وجد في بعض المطابع التي تطبع كتب الشرع، التفسير والحديث وغيرها من يتعامل مع نساءٍ غير مسلمات يطبعن له، فكيف يؤمن مثل هؤلاء على كتب الشرع؟ والله المستعان.

يقول: "وتساهل آخرون في الرواية من نسخ لم تقابل بمجرد قول الطالب: هذا من روايتك، من غير تثبت ولا نظر في النسخة، ولا تفقد طبقة سماعه" يعني لا ينظر في النسخة هل هي موثقة أو غير موثقة؟ الذي كتبها متقن وضابط أو غير متقن؟ هل قوبلت على نسخ أو لم تقابل؟ لا يعتني بذلك، ولا ينظر في الطباق الذي يذكره أهل العلم في أواخر الكتب، الذي يثبتون به سماع الطلاب عن الشيخ هذا الكتاب، يعني في نهاية الكتب يقولون: بلغ سماعاً من فلان وفلان وفلان وفلان على الشيخ فلان، هذا يسمونه الطباق، وحينئذٍ إذا أثبت اسمه في الطباق يكون ممن يروي هذا الكتاب عن هذا الشيخ، والشيخ يعلق على هذا الكلام فيقول: صحيحٌ ذلك، فلان ابن فلان، هذه عادة أهل العلم، فإذا كان الاسم موجود في الطباق له أن يروي، غير موجود كيف يروي؟ إذا لم يجزم بأنه من مرويه.

المقصود أن بعض الناس يتساهل، وهؤلاء "عدهم الحاكم في طبقات المجروحين" لكن إذا عرفنا أن هذا التساهل إنما وجد بعد عصور الرواية، وبعد ثبوت السنة وإثباتها في الدواوين المعتمدة صار الأمر سهل الأمر أسهل، يعني غاية ما هنالك أن يكون هذا الراوي مجروح وبعد ذلك، إذا كان الحديث في البخاري سواءً سمعه هذا الراوي أو لم يسمعه يتغير أو ما يتغير الحكم؟ لا يتغير، لكن على طالب العلم أن يعتني بالنسخة التي ينقل منها.

سم.

فرعٌ: قال الخطيب البغدادي: والسماع على الضرير أو البصير الأمي إذا كان مثبتاً بخط غيره أو قوله فيه خلاف بين الناس، فمن العلماء من منع الرواية عنهم، ومنهم من أجازها.

هذا الفرع مما ذكره الخطيب البغدادي -رحمه الله تعالى-، وله عناية واهتمام بهذا العلم، فلا يوجد بابٌ من أبوابه، ولا نوعٌ من أنواعه إلا وصنف فيه كتاباً مستقلاً، وقدمه ورسوخه في هذا الشأن أمرٌ معروف لدى الخاص والعام، وإن نال منه بعض طلاب العلم ما نال لتأثره ببعض مصطلحات أهل الكلام، لكن يبقى أن أهل الحديث عيالٌ على كتبه، شئنا أم أبينا، لا تجد كاتب يكتب في علوم الحديث إلا ويقول: قال الخطيب، فينقل من كتبه، وعلى كل حال هو ليس بمعصوم.

يقول: "السماع على الضرير الأعمى أو البصير الأمي إذا كان مثبتاً بخط غيره" إذا كانت روايته لكتابٍ من الكتب مثبتة بخط غيره هل نروي عنه أو لا نروي؟ هذا الأعمى الذي يروي هذا الكتاب الخط ليس بخطه وهو لا يحفظ هذا المروي ما قيمته؟ أو هذا البصير الأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب ولا يحفظ ما يروي، ومحفوظه مكتوبٌ بخط غيره قيمة الراوية عنه؟

طالب:.......

أعمى ما يحفظ ما يروي، أو بصير أمي لا يقرأ ولا يكتب ولا يحفظ ما يروي، نعم، هذا لما امتد الزمان بالرواية وصار المعول عليه مجرد إبقاء سلسلة الإسناد رجعوا إلى مثل هؤلاء، وإلا ففي عصور الرواية ما يوجد مثل هؤلاء، شخص لا يكتب ولا يقرأ ولا يحفظ كيف تروي عنه؟! مثل هذا غالباً روايته بالإجازة، أو سماع وهو رديء الحفظ كيف يعول عليه مثل هذا؟ "فيه خلافٌ بين الناس فمن العلماء من منع الرواية عنهم، ومنهم من أجازها، وإذا عرفنا أن من منع الرواية عنهم كما هو الأصل، يعني هذا كيف تروي عنه، لا يحفظ ولا يقرأ ولا يكتب وأعمى ما يرى النسخة التي بجانبه؟ كيف يرد على القارئ إذا أخطأ؟ يستطيع الرد؟ الذي لا يحفظ وكتابه بيده، ويرد على القارئ من كتابه لا بأس، له وجه، لكن الذي لا يحفظ ولا يقرأ، يقرأ طالب والكتاب بيد غيره ووجوده كعدمه، لا يستطيع أن يرد على القارئ إذا أخطأ، ولا..، لكن تساهل بعضهم لا سيما في العصور المتأخرة حينما تساهل الناس في الشروط، وحق لهم أن يتساهلوا؛ لأن الأحاديث ثبتت ودونت في الدواوين المشهورة، يعني كون هذا الراوي الأعمى الذي لا يحفظ يروي صحيح البخاري، شيخٌ من شيوخه قال: أجزت لك أن تروي عني صحيح البخاري، وهو أعمى، أو أمي لا يقرأ ولا يكتب، عنده إجازة في صحيح البخاري، لكن إيش يستفيد هو؟ وإيش يستفيد غيره؟ مجرد إبقاء خصيصة هذه الأمة، وهي سلسلة الإسناد تروي عن شخص له به إجازة، وإلا من الناحية العملية لا قيمة له.

سم.

فرعٌ آخر: إذا روى كتاباً كالبخاري مثلاً عن شيخٍ ثم وجد نسخة به ليست مقابلة على أصل شيخه، أو لم يجد أصل سماعه فيها عليه، لكنه تسكن نفسه إلى صحتها، فحكى الخطيب عن عامة أهل الحديث أنهم منعوا من الرواية بذلك، ومنهم الشيخ أبو نصر بن الصباغ الفقيه، وحُكي عن أيوب ومحمد بن بكرٍ البرساني أنهما رخصا في ذلك.

قلتُ: وإلى هذا أجنح، والله أعلم، وقد توسط الشيخ تقي الدين ابن الصلاح فقال: إن كانت له من شيخه إجازة جازت روايته والحالة هذه.

في هذا الفرع يقرر الإمام -رحمه الله تعالى- أن الشخص إذا كانت له رواية لكتابٍ معين، يروي صحيح البخاري عن شيخ من الشيوخ، ثم وجد نسخة ليست مقابلة على أصل شيخه، المسألة مفترضة في شخص يروي صحيح البخاري، ثم وجد نسخة ليست مقابلة على أصل شيخه الذي روِّي له الأصل؛ لأن الأصل أن الشيخ إنما يروِّي لطلابه ما يرويه، فإذا كان الشيخ له رواية بالكتاب من طريقٍ معين، من طريق أبي ذر مثلاً، هل لمن يروي عن هذا الشيخ أن يروي البخاري عن طريق حماد بن شاكر مثلاً؟

طالب: لا.

لأن في هذه الرواية ما ليس في الأخرى؟ هذا مجرد ما رأى صحيح البخاري أخذه وبدأ يروِّي الناس منه، ما يدري على أي رواية كانت، وليست مقابلة على أصل شيخه، أو لم يجد أصل سماعه فيها عليه، لكنه تسكن نفسه إلى صحتها، لما تأملها واختبرها في مواضع وجدها مثل النسخة التي يروي منها، فحكى الخطيب عن عامة أهل الحديث أنهم منعوا من الرواية بذلك؛ لئلا يكون فيها من الزيادات ما لا يوجد في النسخة التي وصلته بالرواية، ومنهم الشيخ أبو نصر بن الصباغ فقيه، وهذا القول أيضاً محكيٌ عن أيوب السختياني ومحمد بن بكرٍ البرساني أنهما رخصا في ذلك، الأمر سهل، يعني إذا كان الفرق أحاديث يسيرة توجد في بعض الروايات، أو زيادة حروف أو نقص حروف أمرها سهل، لا سيما إذا كانت النفس تسكن إلى أن هذه النسخة مثل الأصل الذي يروي منه.

"قلتُ: وإلى هذا أجنح، والله أعلم" لأن الأمر مردود إلى طمأنينة النفس، وهذه الرواية إن لم تروَ من طريقك فهي مروية من طرق أخرى، وعرفنا أنه ليس عليك المعول في رواية هذه الأحاديث الموجودة في هذه النسخة، الحديث اشتهر بين الأمة، وتلقي بالقبول، وتلقاه الناس طبقةً عن طبقة.

"وقد توسط الشيخ تقي الدين ابن الصلاح فقال: إن كانت له من شيخه إجازة جازت روايته والحالة هذه" لأن الإجازة تجبر الخلل الواقع في هذه النسخة، فإذا كانت له لشيخه إجازة بأن يروي عنه صحيح البخاري لا إشكال، نعم يروي عنه صحيح البخاري، وهذه الأحاديث الموجودة في هذا الأصل وهي لا توجد في أصله من صحيح البخاري، وقد أجيز بصحيح البخاري، فمثل هذه الإجازة تجبر مثل هذا الخلل، نعم.

فرع آخر:

إذا اختلف حفظ الحافظ وكتابه فإن كان اعتماده في حفظه على كتابه فليرجع إليه، وإن كان من غيره فليرجع إلى حفظه، وحسنٌ أن ينبه على ما في الكتاب مع ذلك كما روي عن شعبة، وكذلك إذا خالفه غيره من الحفاظ فلينبه على ذلك عند روايته، كما فعل سفيان الثوري، والله أعلم.

شخص يروي الحديث ويحفظ ما يرويه، ويكتب أيضاً، يحفظ ويكتب فاجتمع له نوعا الضبط، لكن مع الوقت وجد حديثاً يختلف فيه حفظه عن كتابته، فهل يعول على ما في حفظه، أو يعول على ما في كتابه؟ نعم؟ يقول: "فإن كان اعتماده في حفظه على كتابه فليرجع إليه" إذا كان كتب أولاً ثم حفظ منه فالأصل الكتاب، إذا كان حفظ ثم نسخ فليعول على الحفظ، "وإن كان من غيره فليرجع إلى حفظه" إن كان اعتماده في حفظه على كتابه فليرجع إلى الكتاب، وإن كان اعتماده في حفظه على كتاب غيره فليرجع إلى حفظه؛ لأن حفظه أولى من الرجوع إلى كتاب غيره، يقول: "وحسن أن ينبه على ما في الكتاب من ذلك" يعني إذا أراد أن يروي يذكر الفرق، يقول: في كتابي كذا، وفي حفظي كذا، والذي أحفظه كذا، والذي في كتابي كذا، ينبه على الفرق؛ لكي يأتي من بعده من يتبين له الوجه الصحيح.

"وكذلك إذا خالفه غيره من الحفاظ" يروي الحديث على لفظ، وغيره من الحفاظ يرونه على لفظ آخر، فيقول: الذي في حفظي كذا، والذي يرويه فلان كذا، في حفظي كذا، وفي حفظ فلان كذا، يبين الفرق بين حفظه وحفظ غيره إذا كان غيره ممن يعتمد على حفظه، والله أعلم، نعم.

فرعٌ آخر: لو وجد طبقة سماعه في كتابٍ إما بخطه أو خط من يثق به، ولم يتذكر سماعه لذلك فقد حكي عن أبي حنيفة وبعض الشافعية أنه لا يجوز له الإقدام على الرواية، والجادة من مذهب الشافعي، وبه يقول محمد بن الحسن وأبو يوسف الجواز اعتماداً على ما غلب على ظنه، وكما أنه لا يشترط أن يتذكر سماعه لكل حديث حديثٍ أو ضبطه، كذلك لا يشترط تذكره لأصل سماعه.

قلتُ: وهذا يشبه ما إذا نسي الراوي سماعه فإنه تجوز روايته عنه لمن سمعه منه، ولا يضر نسيانه، والله أعلم.

نعم، هذا الفرع: لو وجد اسمه في الطباق من بين من يروي هذا الكتاب من الطلاب عن شيخٍ بعينه، سمع هذا الكتاب فلان وفلان وفلان وفلان من فلان ثم الشيخ وقع صحيحٌ ذلك، لكنه نسي، نسي هل هو من بينهم بالفعل؟ أو ذكر اسمه إدراج؟ لا يتذكر سماعه لذلك، يقول: "حكي عن أبي حنيفة وبعض الشافعية أنه لا يجوز له الإقدام على الرواية" لأن روايته لهذا الكتاب مشكوكٌ فيها، فلا يجوز له الإقدام، لكن "الجادة من مذهب الشافعي" وغيره وهو الصحيح أنه يجوز له ذلك اعتماداً على ما غلب على ظنه، لا سيما إذا كان من كتب الطباق ثقة، والشيخ صحّح المكتوب.

"كما أنه لا يشترط أن يتذكر سماعه لكل حديث حديث أو ضبطه" نعم، قد يجزم بأنه يروي الكتاب، لكن يروي الكتاب بطريق السماع، لكن من أحاديث الكتاب ما نسيه، هل هو بالفعل قرأه على الشيخ أو قُرئ على الشيخ بحضرته؟ أو سمعه من لفظ الشيخ؟ هل يروي بطريقٍ معتبر؟ نسي، له أن يروي الكتاب كاملاً وإن نسي بعض أحاديثه أنه يرويه..، إذا جزم أنه يروي الكتاب عن الشيخ.

من حدث ونسي:

من حدث ونسي: شخص حدث بحديث فنقل عنه الحديث، فصار من رواه عنه يقول: حدثني فلان، فجاء الشيخ إلى فلان قال: أنا ما حدثتك، ناسي، لكن لثقته بالطالب يطمئن إلى كلامه، ويتهم نفسه، وحينئذٍ يقول: حدثني فلان عني أني حدثته بكذا، نسي، نسي المروي، وهذه مسألة: هل يعتمد على الفرع مع نسيان الأصل؟ نعم يعتمد عليه؛ لأن المسألة مفترضة في فرعٍ ثقة، والشيخ ما كذب الراوي، ما أكذبه، ما قال: يكذب، ما رويتُ الحديث، وليس الحديث من مروياتي، يبقى أن الجازم مقدم على المتردد، وحينئذٍ يقول الشيخ: حدثني فلان عني أني حدثته بكذا، وألف في ذلك: من حدث ونسي، وفيه أيضاً فيه كتاب: (تذكرة المؤتسي في ذكر من حدث ونسي)، نعم.

طالب: أحسن الله إليكم: قوله: حكي عن أبي حنيفة وبعض الشافعية أنه لا يجوز له الإقدام على الرواية، على الرواية التي تخالف الكتاب والسنة…

وين؟

طالب:........

على الرواية من هذا الكتاب الذي لا يتذكر سماعه من ذلك الشيخ، التي معنا، أما المسألة المفترضة في كتاب مثل هذا، نفترض أنه مثلاً الشمائل للترمذي، في آخره إذا قرئ الكتاب على شيخ، وأراد أن يصحح كُتب الطباق، سمع فلان وفلان وفلان وفلان ذُكرت الأسماء عشرة، عشرين، ثلاثين، أقل، أكثر، ثم قال الشيخ..، عن فلان بن فلان بن فلان الشيخ فلان، ثم قال الشيخ: صحيحٌ ذلك، يكتبون هكذا، اسمك مذكور مع هؤلاء، لكن أنت ما تدري متى؟ نسيت، احتمال أن يكون الكاتب..، المسألة مفترضة في كاتب ثقة، ما يدرج اسمك لأنك عزيزٍ عليه، يقول: نبي نثبته مع الرواة لأنه عزيز علينا، لا، المسألة مفترضة في كاتبٍ ثقة، فوجود اسمك بين هؤلاء بخط كاتب ثقة وتصحيح شيخ، يعني يورث غلبة ظن، ونسيانك يعني حقيقة كما يعرض لغيرك من النسيان، مثل ما نسيت غيره من المسائل نسيت هذه.

طالب: الصحيح أنه يجوز تروي...

يجوز نعم.

رواية الحديث بالمعنى:

فرعٌ آخر: وأما روايته الحديث بالمعنى فإن كان الراوي غير عالمٍ ولا عارفٍ بما يحيل المعنى فلا خلاف أنه لا تجوز له رواية الحديث بهذه الصفة، وأما إن كان عالماً بذلك بصيراً بالألفاظ ومدلولاتها، وبالمترادف من الألفاظ ونحو ذلك فقد جوز ذلك جمهور الناس سلفاً وخلفاً، وعليه العمل كما هو المشاهد في الأحاديث الصحاح وغيرها، فإن الواقعة تكون واحدةً وتجيء بألفاظ متعددة من وجوهٍ مختلفة متباينة، ولما كان هذا قد يوقع في تغيير بعض الأحاديث منع من الرواية بالمعنى طائفة آخرون من المحدثين والفقهاء والأصوليين، وشددوا في ذلك آكد التشديد، وكان ينبغي أن يكون هذا المذهب هو الواقع ولكن لم يتفق ذلك، والله أعلم، وقد كان ابن مسعود وأبو الدرداء وأنس -رضي الله عنهم- يقولون إذا رووا الحديث: أو نحو هذا، أو شبهه، أو قريباً منه.

مسألة الرواية بالمعنى والخلاف فيها: مسألة معروفة مشهورة، جماهير أهل العلم على جواز الرواية بالمعنى لمن توافر فيه الشرط، للعارف بالمعاني ومدلولات الألفاظ، يعرف ما يحيل المعاني، ويعرف ما يدل عليه اللفظ، أما إذا لم يكن كذلك فلا يجوز بحال، وإن كان الأصل أن يحدث كما سمع، لكن هذا الأصل متعذر، والواقع يشهد بخلافه، فالقصة الواحدة تروى في الصحاح وغيرها من وجوه، المضمون واحد، المعنى واحد، والألفاظ مختلفة، فالبخاري يخرج القصة الواحدة في مواضع متعددة، تجد بينها من الفروق والاختلاف من حيث اللفظ الشيء الكثير، وهي قصة واحدة عن صحابيٍ واحد، فدل هذا على جواز الرواية بالمعنى قولاً وفعلاً، وغيرها أيضاً من كتب السنة هذا واقعها.

وشدد بعضهم في منع الرواية بالمعنى كمحمد بن سيرين وبعض العلماء؛ لأن الرواية باللفظ هي الأصل، فكيف تقول: حدثني فلان بكذا وأنت غيرت لفظه؟! لكن إذا كان هذا التغيير لا يترتب عليه شيء فما المانع من أن تروي الحديث إذا جزمت بأنك أتيت بالمراد منه؟ ومع ذلك لو احتطت وقلت: نحوه، أو شبهه، أو قريباً منه، أو المعنى، المعنى واحد كما ينبه الأئمة على ذلك، منهم من جوز ذلك للصحابة دون غيرهم، ومنهم من جوز ذلك لمن يحفظ الأصل دون غيره، لكن هذا القول أو الذي قبله أيضاً تجويزه للصحابة دون غيرهم مخالف لما عليه عمل الأئمة، وجد اختلاف بعض الألفاظ من الرواة من بعد الصحابة كالزهري مثلاً، مع أنه من أحفظ الناس للمتون، وكون الرواية بالمعنى إنما تجوز لحافظ للفظ يتصرف فيه ويعبر عنه بأي معنىً لا وجه له؛ لأنه إنما جوزت الرواية بالمعنى لتعذر الحرف واللفظ، المقصود أن هناك أقوال أخرى لا يتلفت إليها، والذي استقر عليه عمل الأئمة هو قول الجمهور، نعم.

اختصار الحديث:

فرعٌ آخر: وهل يجوز اختصار الحديث فيحذف بعضه إذا لم يكن المحذوف متعلقاً بالمذكور؟ على قولين، فالذي عليه صنيع أبي عبد الله البخاري -رحمه الله- اختصار الأحاديث في كثيرٍ من الأماكن، وأما مسلمٌ -رحمه الله- فإنه يسوق الحديث بتمامه ولا يقطعه، ولهذا رجحه كثيرٌ من حفاظ المغاربة، واستروح إلى شرحه آخرون لسهولة ذلك بالنسبة إلى صحيح البخاري، وتفريقه الحديث في أماكن متعددة بحسب حاجته إليه، وعلى هذا المذهب جمهور الناس قديماً وحديثاً.

قال ابن الحاجب في مختصره: مسألةٌ: حذف بعض الخبر جائزٌ عند الأكثر إلا في الغاية والاستثناء ونحوه، فأما إذا حذف الزيادة لكونه شك فيها فهذا سائغ، كان مالكٌ -رحمه الله- يفعل ذلك كثيراً تورعاً، بل كان يقطع إسناد الحديث إذا شك في وصله، وقال مجاهد -رحمه الله-: أنقص الحديث ولا تزد فيه.

اختصار الحديث إذا كان الحديث طويل، أو مشتمل على جمل متعددة لا يرتبط بعضها ببعض فإنه حينئذٍ يجوز اختصاره، شريطة ألا يحتاج المذكور للمحذوف، أو لا يتعلق المذكور بالمحذوف، وإذا جاز الاختصار في القرآن، والاقتصار على الحاجة منه فلأن يجوز في السنة من باب أولى، إذا ساغ لك أن تقول: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [(58) سورة النساء] وتسكت، أخطأت وإلا ما أخطأت؟ إذا كنت تتحدث عن الأمانة هل يلزمك أن تقول: {وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ}[(58) سورة النساء]؟ ما يلزم، وإذا أردت أن تتحدث عن العدل هل يلزمك أن تقول: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [(58) سورة النساء]؟ ما يلزم، فالاختصار جائز، لكن ممن يعرف وجوه الكلام، وارتباط بعضه ببعض، فيحذف ما لا حاجة إليه، ويختصر الحديث إذا لم يكن المحذوف متعلقاً بالمذكور، والذي عليه صنيع الإمام البخاري جواز الحذف، فتجد الإمام يقطع الحديث في مواضع، تبعاً لما يستنبط منها من فوائد، ويترجم على كل جزءٍ من الحديث بترجمة هي الفائدة المستنبطة من هذا الحديث، بخلاف "مسلم فإنه يسوق الحديث بتمامه ولا يقطعه، ولهذا يرجحه كثيرٌ من حفاظ المغاربة" على ما تقدم تقريره.

أول من صنف في الصحيحِ
ومسلمٌ بعدُ وبعض الغربِ مع

 

محمدٌ وخص بالترجيحِ
أبي عليٍ فضلوا ذا لو نفع

فالبخاري عند الجمهور مقدم ومرجح، وبعض المغاربة وأبو علي النيسابوري يفضلون مسلم؛ لهذه الحيثية، يجمع لك الحديث بطرقه وألفاظه في موضعٍ واحد، فيسهل على الطالب، لكن يفوت أمر مهم جداً، وهو إيش؟ الاستنباط من الحديث، إذا كان الحديث فيه فوائد كثيرة ومسلم أدخله في بابٍ واحد، والبخاري -رحمه الله تعالى- فرق هذا الحديث في مواضع هي فوائده، ترجم عليه بتراجم هي الفوائد المستنبطة من هذا الحديث، ففات شيءٌ عظيم من الاستنباط، وهذا فاق به الإمام البخاري غيره، وبز فيه أقرانه، فلا يوجد من يقاربه، ولا يدانيه في هذا، وإن وجدت تراجم من الأئمة على الأحاديث وفيها فقه وخيرٌ عظيم.

على كل حال ولذا الاعتناء بصحيح مسلم أسهل، يعني حينما يريد شخص شرح كتاب يقدم على البخاري وإلا على مسلم؟ على مسلم؛ لأنه يجمع الأفكار مسلم، جامع لك جميع روايات الحديث في موضعٍ واحد، لكن أنت من أجل أن تشرح حديثاً في صحيح البخاري تحتاج إلى أن تتصور المواضع من الصحيح، وتنظر ما ترجم به الإمام على هذا الحديث لكي يكون الشرح متكامل.

"واستروح إلى شرحه آخرون لسهولة ذلك بالنسبة إلى صحيح البخاري" ومع ذلك وسهولة شرح مسلم فإن لصحيح البخاري النصيب الأوفر من الشروح، وله القدح المعلى، ولا زال مسلم أو صحيح مسلم بحاجة إلى شرحٍ موسع يستخرج درره، وكنوزه وفوائده، جميع الشروح التي كتبت على مسلم إلى الآن شبه الحواشي وإن كان فيها خير إلا أنها بالنسبة لشروح البخاري كالحواشي.

يقول ابن الحاجب في مختصره، مختصره الأصلي وإلا الفرعي؟ هاه؟

طالب:........

له مختصر في الفروع، ومختصر في الأصول.

طالب:........

إيش اللائق هنا؟ الفقهاء يذكرون مثل هذه الأشياء.

طالب: في الأصول.

في الأصول؛ لأن في كتب الأصول مباحث متعلقة بالسنة، يقول: "حذف بعض الخبر جائزٌ عند الأكثر إلا في الغاية والاستثناء" إذا جاء خبر مغيا بغاية هل يجوز الاقتصار على الخبر دون الغاية؟ أو جاء استثناء بعده هل تجوز روايته دون الاستثناء؟ ما بعد الغاية خارج عما قبلها، وما بعد الاستثناء خارج في الحكم عما بعده، فكيف نعرف أن المغيا مخصوص؟ الغاية مخصوصة والمستثنى مخصوص؟ وقد حذفنا هذا من الخبر، وعلينا الاعتماد في روايتها، إذا أردت أن تستدل بحديث فلا يجوز لك أن تسوقه إلا بجميع ما يرتبط به من غاية، أو استثناء، أو شرط، أو وصفٍ مؤثر، أما الأوصاف غير المؤثرة يجوز اختصار الحديث، "أما إذا حذف الزيادة لكونه شك فيها فهذا سائغ" يقتصر على ما جزم به، ويحذف ما شك فيه، كما "كان مالك يفعل ذلك كثيراً، بل كان يقطع إسناد الحديث إذا شك في وصله" أحياناً يذكره بلاغاً، وأحياناً يرسله، وأحياناً يسقط بعض روايته إذا شك في وصله، "وقال مجاهد: انقص الحديث ولا تزد فيه" انقص الحديث؛ لأنك إذا نقصت أتيت بالمتيقن، وإذا زدت أثبت شيئاً مشكوكاً فيه فتحملت تبعته، والله المستعان.

طالب:........

إذا ذكرت كل ما تحتاجه من الآية، فلا يلزمك أن تقول: الآية، لماذا؟ لأنك إذا قلت: الآية معناه: اقرأ الآية، أو أكمل الآية، وهو ليس بحاجة إليها، لكن إذا كان ما تركته مما يحتاجه القارئ تقول: الآية، أو الآيات إن كان هناك آيات ترتبط بالموضوع، نعم.

شرح: فرعٌ آخر: ينبغي لطالب الحديث أن يكون عارفاً بالعربية:

فرعٌ آخر: ينبغي لطالب الحديث أن يكون عارفاً بالعربية، قال الأصمعي: أخشى عليه إذا لم يعرف العربية أن يدخل في قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)) فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يلحن، وأما التصحيف فدواؤه أن يتلقاه من أفواه المشايخ الضابطين، والله الموفق.

وأما إذا لحن الشيخ فالصواب أن يرويه السامع على الصواب، وهو محكيٌ عن الأوزاعي وابن المبارك والجمهور، وحكي عن محمد بن سيرين وأبي معمروٍ عبد الله بن سخبرة أنهما قالا: يرويه كما سمعه من الشيخ ملحوناً، قال ابن الصلاح: وهذا غلوٌ في مذهب اتباع اللفظ.

وعن القاضي عياض: إن الذي استمر عليه عمل أكثر الأشياخ أن ينقلوا الرواية كما وصلت إليهم، ولا يغيروها في كتبهم، حتى في أحرفٍ من القرآن استمرت الرواية فيها على خلاف التلاوة، ومن غير أن يجيء ذلك بالشواذ، كما وقع في الصحيحين والموطأ، لكن أهل المعرفة منهم ينبهون على ذلك عند السماع وفي الحواشي، ومنهم من جسر على تغيير الكتب وإصلاحها، منهم أبو الوليد هشام بن أحمد الكناني الوقشي لكثرة مطالعته وافتنانه، قال: وقد غلط في أشياء من ذلك، وكذلك غيره ممن سلك مسلكه، قال: والأولى سد باب التغيير والإصلاح؛ لئلا يجسر على ذلك من لا يحسن، وينبه على ذلك عند السماع، وعن عبد الله بن أحمد بن حنبل -رحمه الله- أن أباه كان يصلح اللحن الفاحش، ويسكت عن الخفي السهل.

قلتُ: ومن الناس من إذا سمع الحديث ملحوناً عن الشيخ ترك روايته عنه؛ لأنه إن تبعه في ذلك فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يلحن في كلامه، وإن رواه عنه على الصواب فلم يسمعه منه كذلك.

هذا الفرع مهمٌ جداً بالنسبة لمن يطلب العلوم الشرعية كلها، ولا يختص هذا بأهل الحديث، ولا أهل التفسير ولا أهل الفقه والعقائد وغيرها، لا بد لطالب العلم الشرعي من العناية بالعربية؛ لأن القرآن بلسانٍ عربي مبين، والرسول -عليه الصلاة والسلام- عربي، وكلامه عربي، والذي لا يحسن العربية يتعثر غالباً، وإذا كان اللحن لا سيما إذا كان يحيل المعنى يبطل الصلاة، إذا كان يحيل المعنى فاللحن في القراءة يبطل الصلاة، هذا يجعلنا نعتني بالعربية، إذا كان يحيل المعنى يغير الحكم الشرعي، وذكرنا له فيما تقدم أمثلة، فعلى طالب العلم أن يعتني بهذا، وأن يهتم به، وأن يقرأ كتاب -بل كتب- في العربية على من يفتح مغاليقها له، ممن عرف بذلك.

يقول: "ينبغي لطالب الحديث أن يكون عارفاً بالعربية، قال الأصمعي: أخشى أن يكون إذا لم يعرف العربية أن يدخل في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)) فإن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يكن يلحن" لو قال: "إنما الأعمالَ بالنيات" يدخل في الحديث أو لا يدخل؟ هو خطأ لكن هل قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: "إنما الأعمالَ بالنيات"؟ إذاً كذبت عليه، نعم هو كذب، يعني قد..، إذا كان لا يحيل المعنى، أو إذا كان مع الجهل يعذر لكنه كذب؛ لأنه خلاف الواقع، ولذا قال الأصمعي ما قال.

علاج هذا الفرع بقراءة متنٍ مناسب في العربية، العربية بكافة فروعها، أو متون مناسبة؛ لأن علم العربية له فروع عشرة، كما هو معروف، النحو والصرف والاشتقاق والبيان والبديع والمعاني والوضع وغيرها من..، متن اللغة، فقه اللغة، المقصود أنها فروعٌ عشرة ينبغي لطالب العلم أن يعتني بها.

التصحيف والتحريف في الألفاظ، تغيير الشكل، تغيير النقد، زيادة الحروف ونقصها، الدواء الناجح لذلك أن يتلقى من أفواه الشيوخ الضابطين؛ لأن من يروي من كتابه لا يؤمن عليه الخطأ؛ لأن هناك ألفاظ صورتها واحدة، لكن النطق فيها يختلف، فدواء ذلك وعلاجه أن يتلقى هذا العلم من أفواه المشايخ الضابطين، إذا لحن الشيخ فما موقف الطالب؟ إذا لحن الشيخ فما موقف الطالب؟ هل يصوب ويروي لغيره الصواب أو يروي على الخطأ؟ لحن الشيخ لحناً لا وجه له في العربية، ماذا يصنع الطالب؟ قالوا: يروي على الصواب، ومع ذلكم لا بد أن يبين هذا اللحن الذي وقع فيه الشيخ في الحاشية؛ لئلا يكون له وجه في العربية، أو يكون هو الصحيح في الرواية، وأنت سارعت وبادرت وهجمت على الكتاب أو هجمت على الرواية وصححت.

"وهو محكيٌ عن الأوزاعي وابن المبارك والجمهور وحكي عن محمد بن سيرين وأبي معمر بن أبي سخبرة أنهما قالا: يرويه كما سمعه من الشيوخ ملحوناً" يروي كما سمع من الشيخ لحن، وينبه على الصواب في الحاشية، لا شك أن مثل هذا أسلم، لكن ما تدري يمكن يكون له وجه صواب وأنت هجمت وسارعت وبادرت بالتصحيح، وكم من شخص هجم على الكتب وصحح وخطأ وما أثبته مرجوح، وما أهمله راجح، وهذا يتبين كثيراً في الكتب التي ادعي تحقيقها، بعد مقابلة النسخ تجد المحقق يقول: في الأصل كذا، أو ثبت ما أثبته في نسخة كذا، وفي الأصل كذا، أو في النسخ كذا، اجتهد فوضع اللفظ المرجوح في الصلب، واللفظ الراجح وضعه في الحاشية، هذا من تصرفه، وإلا فالأصل أن يعتمد أوثق النسخ أصل، ويثبت جميع ما فيها، ويثبت فروق النسخ في الحاشية.

"قال ابن الصلاح: وهذا غلوٌ في مذهب اتباع اللفظ" لأنه معروف مذهب ابن سيرين و... وعبد الله بن سخبرة منع الرواية بالمعنى، "وهذا غلوٌ في مذهب اتباع اللفظ، وعن القاضي عياض: أن الذي استمر عليه أكثر الأشياخ أن ينقلوا الرواية كما وصلت إليهم" كما ذكرنا هذا أحوط؛ لئلا يتصرفوا في الرواية، فيأتي بعدهم من يتصرف، يبين له وجه آخر فيتصرف، ثم يأتي ثالث وهكذا، ثم يحصل المسخ التام للكتب، لأن هذا الهجوم على هذه الكتب بالتغيير والتبديل على غير مراد مؤلفيها يوقع في مثل هذه الأوهام الكبيرة.

يقول: "حتى في أحرف من القرآن استمرت الرواية فيها على خلاف التلاوة" يمر آيات في صحيح البخاري وآيات في موطأ مالك وغيره جاءت على غير التلاوة المعروفة المتداولة بين الناس، "من غير أن يجيء ذلك في الشواذ" الروايات مروية، كما وقع في الصحيح من الموطأ، "ولكن أهل المعرفة منهم ينبهون على ذلك عند السماع في الحواشي" في الحاشية يقول: إن الصواب كذا، أو القراءة المعتمدة عندنا كذا، في بلدنا القراءة كذا؛ لأن بعض الناس اعتادوا على قراءة واحدة، ثم إذا قرأ في تفسير من التفاسير لفظة على غير ما اعتاده من القراءة هجم عليها وصححها، وإن كانت هذه القراءة معتمدة عند المفسر؛ لكونه يروي القرآن على قراءة غير القراءة التي اعتمدها من السبع مثلاً، وهذا من شؤم التصرف في كتب الآخرين.

"ومنهم من جسر على تغيير الكتب وإصلاحها" بعض الناس يجزم، نعم هناك من الناس من هو أهل ومع ذلكم يقع منه الخطأ، من يعرى من الخطأ؟ "منهم أبو الوليد هشام بن عبد الملك الوقشي لكثرة مطالعته وافتنانه" صاحب فنون وعلوم، وصاحب اطلاع واسع، ومعرفةٍ تامة، ومع ذلكم وقع فيما وقع فيه.

قال: "وقد غلط في أشياء من ذلك، وكذلك غيره ممن سلك مسلكه" ممن يهجم على الكتب ويصحح، قال: "والأولى سد باب التغيير والإصلاح؛ لئلا يجسر على ذلك من لا يحسن، وينبه على ذلك عند السماع" يقرأ الخطأ ويصحح ويقول: الصواب كذا.

"وعن عبد الله بن أحمد بن حنبل أن أباه كان يصلح اللحن الفاحش" اللي ما له تأويل، الذي ليس له محمل صحيح، "ويسكت عن الخفي السهل، قلتُ: ومن الناس من إذا سمع الحديث ملحوناً عن شيخ ترك روايته" حديث فيه لحن يتركه لا حاجة له به؛ لأنه إن تركه على الخطأ مشكل، وإن صححه وهجم عليه وصححه مشكل؛ "لأنه إن تبعه في ذلك فالنبي -عليه الصلاة والسلام- لم يكن يلحن، وإن رواه عنه على الصواب فلم يسمعه كذلك" ما سمع من شيخه هذا، فلا بد أن يخطئ في حق النبي -عليه الصلاة والسلام-، أو يخطئ في حق الشيخ الذي روَّاه الحديث، نعم.

فرعٌ: وإذا سقط من السند أو المتن ما هو معلومٌ فلا بأس بإلحاقه، وكذلك إذا اندرس بعض الكتاب فلا بأس بتجديده على الصواب، وقد قال الله تعالى: {وَاللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} [(220) سورة البقرة].

يقول -رحمه الله-: "وإذا سقط من السند أو المتن ما هو معلومٌ فلا بأس بإلحاقه" إذا سقط كلمة وأنت تنسخ من المتن في نسبة راوٍ، أو متن حديث، فإنه لا بأس بإلحاقه إذا كانت معلومة محفوظة عند من ألحقها، "وكذلك إذا اندرس بعض الكتاب" تمزقت أطرافه، أو قصه المجلِد حينئذٍ لا بأس بتجديده، وكتابة ما يغلب على الظن أنه صواب، لكن إن تيسر له نسخة أخرى يرجع إليها فهو الأصل، إن لم يتيسر له ذلك يجتهد في ربط الكلام، ويبين أنه هو الذي ألحق هذه الكلمات الساقطة، والله -سبحانه وتعالى- يقول: {وَاللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} [(220) سورة البقرة] لأن هذا نيته الإصلاح ما نيته الإفساد، ولذا جُوِّز صنيعه على أن يبين أنه هو الذي ألحق هذه الأشياء الساقطة، نعم.

فرعٌ آخر: وإذا روى الحديث عن شيخين فأكثر وبين ألفاظهم تباينٌ فإذا ركب السياق من الجميع كما فعل الزهري في حديث الإفك حين رواه عن سعيد بن المسيب وعروة وغيرهما عن عائشة -رضي الله تعالى عنها-، وقال: كلٌ حدثني طائفةً من الحديث، فدخل حديث بعضهم في بعض، وساقه بتمامه فهذا سائغٌ، فإن الأئمة قد تلقوه عنه بالقبول، وخرجوه في كتبهم الصحاح وغيرها، وللراوي أن يبين كلَّ واحدةٍ منها عن الأخرى، ويذكر ما فيها من زيادة ونقصان، وتحديثٍ وإخبارٍ وإنباء، وهذا مما يعنى به مسلمٌ -رحمه الله- تعالى في صحيحه ويبالغ فيه، وأما البخاري فلا يعرج غالباً على ذلك، ولا يلتفت إليه، وربما تعاطاه في بعض الأحايين، والله أعلم، وهو نادر.

يقول: "إذا روى الحديث عن شيخين فأكثر" وكان بين ألفاظ هؤلاء الشيوخ تباين فالمسألة لا تخلو: أن يكون هؤلاء الشيوخ كلهم ثقات، أو فيهم الثقات والضعفاء، فإن كانوا ثقات فلا إشكال في جمعهم وسياق خبرهم مساقاً واحداً، كما حصل من الزهري في حديث الإفك؛ لأنه إن كانت هذه الجملة من رواية سعيد وعروة، من رواية سعيد أو من رواية عروة، أو من رواية غيرهما من الثقات، فالأمر متردد بين ثقتين ولا إشكال حينئذٍ، وإن كان فيهم الثقة والضعيف فلا بد من فصل ما يرويه الضعيف عما يرويه الثقة؛ لئلا يلتبس الأمر، إذا قلت: حدثني فلان وفلان وبعضه عن فلان الثقة وبعضه عن فلان الضعيف لا بد أن تميز؛ لئلا تنسب هذا ما رواه الضعيف إلى ذلك الثقة، فيحصل اللبس على القارئ فيثبت الخبر، أو فيثبت ما ليس بثابت، أو يتردد في رواية ما رواه الثقة، فيكون فعلك سبباً في رد ما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وكلاهما قبيح، لا شك أن رد الثابت قبيح، وإثبات غير الثابت أيضاً شنيع.

"فإن الأئمة قد تلقوه عنه بالقبول" يعني تلقوا حديث الإفك عن الزهري بالقبول، وإن كان أدرج بعض ألفاظ الرواة في بعض، لماذا؟ لأنهم كلهم ثقات، "وخرجوه في كتبهم الصحاح وغيرها، وللراوي أن يبين كل واحدةٍ منها عن الأخرى، ويذكر ما فيها من زيادة ونقصان" لا شك أن هذا هو الأحوط، هذا هو الأحوط أن يبين رواية عروة ويبين رواية سعيد ورواية غيرهما، ولو كانوا ثقات لا شك أن هذا هو الأحوط، لكن إذا جمعهم فالأمر لا يعدوهم، وهم كلهم ثقات، "ويذكر ما فيها من زيادة ونقصان، وتحديثٍ وإخبارٍ وإنباء" حتى يبين ما بين صيغ الأداء من فروق، يذكر أن هذا يقول: حدثنا، وقال ذاك: أخبرنا، وقال ذاك: أنبأنا إلى آخره، وهذه الفروق يعتني بها مسلم -رحمه الله تعالى-، ويميز بعضها عن بعض بدقة، فيقول: حدثنا فلان وفلان وفلان قال الأول: أخبرنا، وقال الآخران: حدثنا، يبين أيضاً في ألفاظ المتون فروق الروايات بالحرف، "وأما البخاري فإنه لا يعرج على ذلك" لأن المسألة مفترضة في مجموعة من الثقات، سواءً رووه بهذا اللفظ أو بذاك فالأمر لا يعدوهم، ربما..... بعض الأحايين ربما لكنه قليل، نعم.

فرعٌ: وتجوز الزيادة في نسب الراوي إذا بين أن الزيادة من عنده، وهذا محكيٌ عن أحمد بن حنبل وجمهور المحدثين، والله أعلم.

انتهى الوقت؟ نواصل القراءة؟ نقف يا شباب على هذا الفرع، والله أعلم.

 

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.