كتاب الرجعة من سبل السلام (7)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نعم.

أحسن الله إليكم.

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلَّم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

قال -رحمه الله تعالى- في (سُبُل السلام):

"بَابُ الْعِدَّةِ وَالْإِحْدَادِ:

العِدَّةُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ: اسْمٌ لِمُدَّةٍ تَتَرَبَّصُ بِهَا الْمَرْأَةُ عَنْ التَّزْوِيجِ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا، أَوْ فِرَاقِهِ لَهَا إمَّا بِالْوِلَادَةِ، أَوْ الْأَقْرَاءِ، أَوْ الْأَشْهُرِ.

وَالْإِحْدَادُ: بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا دَالَانِ مُهْمَلَتَانِ بَيْنَهُمَا أَلِفٌ، وَهُوَ لُغَةً الْمَنْعُ وَشَرْعًا تَرْكُ الطِّيبِ وَالزِّينَةِ لِلْمُعْتَدَّةِ عَنْ وَفَاةٍ.

الحَديثُ الأول:

عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ: أَنَّ سُبَيْعَةَ الْأَسْلَمِيَّةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - نُفِسَتْ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ، فَجَاءَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَاسْتَأْذَنَتْهُ أَنْ تَنْكِحَ، فَأَذِنَ لَهَا، فَنَكَحَتْ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

 وَأَصْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ. وَفِي لَفْظٍ: أَنَّهَا وَضَعَتْ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِأَرْبَعِينَ لَيْلَةً. وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَلَا أَرَى بَأْسًا أَنْ تُزَوَّجَ وَهِيَ فِي دَمِهَا، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَقْرَبُهَا زَوْجُهَا حَتَّى تَطْهُرَ.

(عَنْ الْمِسْوَرِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ فَوَاوٍ مَفْتُوحَةٍ فَرَاءٍ – (بْنِ مَخْرَمَةَ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ، تَقَدَّمَتْ تَرْجَمَتُهُ.

(أَنَّ سُبَيْعَةَ) بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ فَبَاءٍ مُوَحَّدَةٍ فَمُثَنَّاةٍ تَحْتِيَّةٍ تَصْغِيرُ سَبْعٍ وَتَاءُ التَّأْنِيثِ، (الْأَسْلَمِيَّةَ نُفِسَتْ) بِضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِ الْفَاءِ، (بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا) هُوَ سَعِدُ بْنُ خَوْلَةَ تُوُفِّيَ بِمَكَّةَ بَعْدَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ".

وهو الذي رثى له النبي -عليه الصلاة والسلام- أن مات بمكة وقد هاجر منها وتركها لله ورسوله.

"(بِلَيَالٍ) وَقَعَ فِي تَقْدِيرِهَا خِلَافٌ كَبِيرٌ لَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِهِ، وَيَأْتِي بَعْضُهُ قَرِيبًا".

يبدو أنها وضعت حملها بعد وفاة زوجها بأربعين ليلة.

"(فَجَاءَتْ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاسْتَأْذَنَتْهُ أَنْ تَنْكِحَ فَأَذِنَ لَهَا فَنَكَحَتْ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَأَصْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ. وَفِي لَفْظٍ (لِلْبُخَارِيِّ): أَنَّهَا وَضَعَتْ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِأَرْبَعِينَ لَيْلَةً. وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ) أَيْ: عَنْ الْمِسْوَرِ (قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَلَا أَرَى بَأْسًا أَنْ تُزَوَّجَ وَهِيَ فِي دَمِهَا) أَيْ: دَمِ نِفَاسِهَا (غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَقْرَبُهَا زَوْجُهَا حَتَّى تَطْهُرَ). الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحَامِلَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ".

يعني كالمُطلقة، نعم، عدتها بوضع الحمل. وبانتهاء العدة ينتهي الإحداد.

"وَإِنْ لَمْ يَمْضِ عَلَيْهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشَرٌ، وَيَجُوزُ بَعْدَهُ أَنْ تَنْكِحَ.

وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ، فَهَذَا الَّذِي أَفَادَهُ الْحَدِيثُ قَوْلُ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ".

وهو أن المتوفى عنها تنقضي عدتها بوضع الحمل، ومنهم من يقول: إنها لا تنقضي حتى يمضي أبعد الأجلين، فإن كانت حاملاً في الشهر الأول أو الثاني، تنتظر ولو مضى عليها أربعة أشهرٍ وعشر، حتى تنقضي بقية الأشهر، ستة، سبعة، حتى تضع. وإذا وضعت قبل الأربعة الأشهر وعشر، تنتظر، على ما سيأتي في الخلاف بين أهل العلم. لكن ما دلَّ عليه الحديث نص في المسألة، لا ينبغي معه خلاف.

"فَهَذَا الَّذِي أَفَادَهُ الْحَدِيثُ قَوْلُ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ؛ لِهَذَا الْحَدِيث، وَلِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4]، وَالْآيَةُ وَإِنْ كَانَ مَا قَبْلَهَا فِي الْمُطَلَّقَاتِ، لَكِنْ ذَلِكَ لَا يَخُصُّ عُمُومَهَا. وَأَيَّدَ بَقَاءَ عُمُومِهَا عَلَى أَصْلِهِ مَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي زوائد الْمُسْنَدِ، والضِّيَاءِ فِي الْمُخْتَارَةِ، وَابْنُ مَرْدُوَيْهِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] هِيَ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا أَمْ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا؟ قَالَ: «هِيَ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا». وَأَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدُوَيْهِ".

مَرْدُوَيْهِ، ولا تقل مثل ما يقول بعض أهل الحديث: مَرْدويه، مثل ما يقول: راهوية. لكن الأصل أنه مختوم بويه، مثل: سيبويه، مثل: نفطويه، فهو: مَرْدُوَيْهِ، وراهوية؛ لأن العلة التي أبدوها لا أصل لها، يعني: ويه من أسماء الشيطان، هذا كلام ليس بصحيح.

أحسن الله إليك.

"وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدُوَيْهِ وَالدَّارَقُطْنِيّ عَنْ أُبَيٍّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذِهِ الْآيَةُ مُشْتَرَكَةٌ أَمْ مُبْهَمَةٌ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَيَّةُ آيَةٍ؟».

قُلْت: {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] الْمُطَلَّقَةُ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا؟، قَالَ: «نَعَمْ». وَثَبَتَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عِدَّةُ رِوَايَاتٍ دَالَّةٌ عَلَى قَوْلِهِ بِهَذَا. وَأَخْرَجَ عَنْهُ ابْنُ مَرْدُوَيْهِ قَالَ: نَسَخَتْ سُورَةُ النِّسَاءِ الْقُصْرَى كُلَّ عِدَّةٍ {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] أَجَلُ كُلِّ حَامِلٍ مُطَلَّقَةٍ، أَوْ مُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا".

في سورة النساء القصرى، هي سورة الطلاق.

"أَجَلُ كُلِّ حَامِلٍ مُطَلَّقَةٍ، أَوْ مُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدُوَيْهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: نَزَلَتْ سُورَةُ النِّسَاءِ الْقُصْرَى بَعْدَ الَّتِي فِي الْبَقَرَةِ بِسَبْعِ سِنِينَ.

وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ مَرْدُوَيْهِ: عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: كُنْت أَنَا وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَجَاءَ رَجُلٌ، فَقَالَ: أَفْتِنِي فِي امْرَأَةٍ وَلَدَتْ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، أَحَلَّتْ؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تَعْتَدُّ آخِرَ الْأَجَلَيْنِ، قُلْت أَنَا: {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4]، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ذَلِكَ فِي الطَّلَاقِ، قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ امْرَأَةً جَرَّتْ حَمْلَهَا سَنَةً فَمَا عِدَّتُهَا؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: آخِرُ الْأَجَلَيْنِ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَنَا مَعَ ابْنِ أَخِي، يَعْنِي أَبَا سَلَمَةَ، فَأَرْسَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ غُلَامَهُ كُرَيْبًا إلَى أُمِّ سَلَمَةَ يَسْأَلُهَا: أَمْضَتْ فِي ذَلِكَ سَنَةً، فَقَالَتْ: قُتِلَ زَوْجُ سُبَيْعَةَ الْأَسْلَمِيَّةِ وَهِيَ حُبْلَى، فَوَضَعَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ بِأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، فَخُطِبَتْ، فَأَنْكَحَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

 وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَلَمَةَ. وَفِيهِ: أَنَّهُمْ أَرْسَلُوا إلَى عَائِشَةَ فَسَأَلُوهَا، فَقَالَتْ: وَلَدَتْ سُبَيْعَةُ، مِثْلَ مَا مَضَى إلَّا أَنَّهَا قَالَتْ: بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ.

وَفِي الْبَابِ عِدَّةُ رِوَايَاتٍ عَنْ السَّلَفِ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ بَاقِيَةٌ عَلَى عُمُومِهَا فِي جَمِيعِ الْعِدَادِ، وَأَنَّ عُمُومَ آيَةِ الْبَقَرَةِ مَنْسُوخٌ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، وَمَعَ تَأَخُّرِ نُزُولِهَا كَمَا صَرَّحَتْ بِهِ الرِّوَايَاتُ، يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ التَّخْصِيصُ، أَوْ النَّسْخُ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ".

تخصيص أو نسخ، يعني: هل الحكم ارتفع بالكلية، أو ارتفع ارتفاعًا جزئيًا؟ ارتفع الحكم بالكلية؟

طالب: جزئي، يا شيخ.

رفع جزئي، إذًا هو تخصيص، وليس بنسخ.

"وَذَهَبَتْ الْهَادَوِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ، وَيُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهَا تَعْتَدُّ بِآخِرِ الْأَجَلَيْنِ: إمَّا وَضْعُ الْحَمْلِ إنْ تَأَخَّرَ عَنْ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ وَالْعَشْرِ، أَوْ بِالْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ إنْ تَأَخَّرَتْ عَنْ وَضْعِ الْحَمْلِ، مُسْتَدِلِّينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234]. قَالُوا: فَالْآيَةُ الْكَرِيمَةُ فِيهَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ. وَقَوْلُهُ: {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ} [الطلاق: 4] كَذَلِكَ فَجُمِعَ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ بِالْعَمَلِ بِهِمَا، وَالْخُرُوجِ عَنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا عُمِلَ بِأَحَدِهِمَا.

وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ حَدِيثَ سُبَيْعَةَ نَصٌّ فِي الْحُكْمِ مُبَيَّنٌ بِأَنَّ آيَةَ النِّسَاءِ الْقُصْرَى شَامِلَةٌ لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا".

يعني: لو لم يرد حديث سُبيَعة وهو نص في الموضوع، لكان في قول علي وابن عباس ومن معهما، جمع بين هذه النصوص، كان فيه جمع بين النصوص. لكن حديث سُبيعة نص، فلا شك أنه يكون مُخصصًا للآية.

"وَأَيَّدَ حَدِيثَهَا مَا سَمِعَتْهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ.

وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَقَالَ الشَّعْبِيُّ: مَا أُصَدِّقُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ يَقُولُ: عِدَّةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا آخِرُ الْأَجَلَيْنِ، هَذَا وَكَلَامُ الزُّهْرِيِّ صَرِيحٌ أَنَّهُ يُعْقَدُ بِهَا، وَإِنْ كَانَتْ لَمْ تَطْهُرْ مِنْ دَمِ نِفَاسِهَا".

نعم، فالعقد على النفساء وعلى الحائض كله عقدٌ صحيح، ويكثُر السؤال عن شخصٍ عقد على امرأة، فدخل بها، فإذا بها حائض، يقول: العقد صحيح أم باطل؟

نقول: صحيح.

"وَإِنْ حَرُمَ وَطْؤُهَا لِأَجْلِ عِلَّةٍ أُخْرَى هِيَ بَقَاءُ الدَّمِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: قَالَ الْعُلَمَاءُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ: سَوَاءٌ كَانَ الْحَمْلُ وَلَدًا، أَوْ أَكْثَرَ، كَامِلَ الْخِلْقَةِ أَوْ نَاقِصَهَا، أَوْ عَلَقَةً، أَوْ مُضْغَةً، فَإِنَّهَا تَنْقَضِي الْعِدَّةُ بِوَضْعِهِ إذَا كَانَ فِيهِ صُورَةُ خِلْقَةِ آدَمِيٍّ، سَوَاءٌ كَانَتْ صُورَةً خَفِيَّةً تَخْتَصُّ النِّسَاءُ بِمَعْرِفَتِهَا، أَوْ صُورَةً جَلِيَّةً يَعْرِفُهَا كُلُّ أَحَدٍ. وَتَوَقَّفَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ - رحمه  الله-".

على كل حال ما تخرج به من العدة، وما تتعلق به أحكام الأم، لابد أن يوجد فيه خلق الإنسان. أما قبل أن يوجد به خلق الإنسان، فلا تتعلق به أحكام الأم. وأما أحكام الحمل نفسه، فإنها مُعلقةٌ بنفخ الروح فيه.

"وَتَوَقَّفَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِيهِ؛ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الْغَالِبَ فِي إطْلَاقِ وَضْعِ الْحَمْلِ هُوَ الْحَمْلُ التَّامُّ الْمُتَخَلِّقُ. وَأَمَّا خُرُوجُ الْمُضْغَةِ وَالْعَلَقَةِ، فَهُوَ نَادِرٌ، وَالْحَمْلُ عَلَى الْغَالِبِ أَقْوَى.

قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَلِهَذَا نُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ قَوْلٌ بِأَنَّ الْعِدَّةَ لَا تَنْقَضِي بِوَضْعِ قِطْعَةِ لَحْمٍ لَيْسَ فِيهَا صُورَةٌ بَيِّنَةٌ، وَلَا خَفِيَّةٌ.

وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ وَالْآيَةِ الْإِطْلَاقُ فِيمَا يَتَحَقَّقُ كَوْنُهُ حَمْلًا.

وَأَمَّا مَا لَا يَتَحَقَّقُ كَوْنُهُ حَمْلًا، فَلَا؛ لِجَوَازِ أَنَّهُ قِطْعَةُ لَحْمٍ، وَالْعِدَّةُ لَازِمَةٌ بِيَقِينٍ، فَلَا تَنْقَضِي بِمَشْكُوكٍ فِيهِ".

يكفي.

بارك الله فيك.

"أحسن الله إليك.

والله أعلم.

وصلى الله وسلِّم على نبينا محمد".