شرح كتاب التوحيد - 25

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ...

قال الإمام المجدد- رحمه الله تعالى-: باب ما جاء من التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح، فكيف إذا عبده. في الصحيح عن عائشة -رضي الله عنها- أن أم سلمة ذكرت لرسول الله –صلى الله عليه وسلم- كنيسة رأتها بأرض الحبشة وما فيها من الصور فقال: «أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح أو العبد الصالح بنوا على قبره مسجدًا، وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله»، فهؤلاء جمعوا بين الفتنتين فتنتة القبور وفتنتة التماثيل، ولهما عنها قالت: لما نزل برسول الله –صلى الله عليه وسلم- طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم بها كشفها فقال وهو كذلك: «لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» يحذر ما صنعوا، ولولا ذلك أبرز قبره، غير أنه خشي أن يتخذ مسجدًا أخرجاه، ولمسلم عن جندب بن عبد الله –رضي الله عنه- قال: سمعت النبي –صلى الله عليه وسلم- قبل أن يموت بخمس وهو يقول: «إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله قد اتخذني خليلاً كما تخذ إبراهيم خليلاً، ولو كنت متخذًا من أمتي خليلاً لاتخذتُ أبا بكرٍ خليلاً، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، إني أنهاكم عن ذلك»، فقد نهى عنه في آخر حياته، ثم إنه لعن وهو في السياق من فعله والصلاة عندها من ذلك وإن لم يبن مسجد، وهو معنى قولها: «خشي أن يتخذ مسجدًا».

فإن الصحابة -رضي الله عنهم- لم يكونوا ليبنوا حول قبره مسجدًا، وكل موضع قصدت الصلاة فيه قد اتخذ مسجدًا، بل كل موضع يصلى فيه يسمى مسجدًا كما قال –صلى الله عليه وسلم-: «جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا».

ولأحمد في سند جيد عن ابن مسعود –رضي الله عنه- مرفوعًا: «إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء والذين يتخذون القبور مساجد»، ورواه أبو حاتمٍ في صحيحه.

فيه مسائل:

الأولى / ما ذكر الرسول –صلى الله عليه وسلم- فيمن بنى مسجدًا يعبد الله فيه على قبر رجل صالح ولو صحت نية الفاعل.

الثانية / النهي عن التماثيل، فإذا اجتمع الأمران تغلّظ الأمر.

الثالثة / العبرة في مبالغته –صلى الله عليه وسلم- في ذلك كيف بين لهم هذا أولاً، ثم قبل موته بخمسٍ قال ما قال، ثم لما كان في النزع لم يكتفِ بما تقدم.

الرابعة / نهيه عن فعله عند قبره قبل أن يوجد القبر.

الخامسة / أنه من سنن اليهود والنصارى في قبور أنبيائهم.

السادسة / لعنه إياهم على ذلك.

السابعة / أن مراده –صلى الله عليه وسلم- تحذيرنا عن قبره.

الثامنة / العلة في عدم إبراز قبره.

التاسعة / في معنى اتخاذه مسجدًا.

العاشرة / أنه قرن بين من اتخذها مسجدًا وبين من تقوم عليهم الساعة، فذكر الذريعة على الشرك قبل وقوعه مع خاتمته.

الحادية عشرة / ذكره في خطبته قبل موته بخمس، الردّ على الطائفتين اللتين هما شر أهل البدع، بل أخرجهم بعض السلف من الثنتين وسبعين فرقة، وهم الرافضة والجهمية، وبسبب الرافضة حدث الشرك وعبادة القبور، وهم أول من بنى عليها المساجد.

الثانية عشرة /  ما بلي به –صلى الله عليه وسلم- من شدة النزع.

الثالثة عشرة / ما أكرم به –صلى الله عليه وسلم- من الخلة.

الرابعة عشرة / التصريح بأنها أعلى من المحبة.

الخامسة عشرة / التصريح بأن الصديق –رضي الله عنه- أفضل الصحابة –رضي الله عنهم-.

السادسة عشرة / الإشارة إلى خلافته –رضي الله عنه-."

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد، فيقول المجدد- رحمه الله تعالى-: "باب ما جاء من التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح" باب جاء من التغليظ: وهو التشديد، وذكر النصوص الدالة على ذلك في الصحيحين وغيرهما، وفيها اللعن، وبيان أنهم شرار الخلق، باب ما جاء من التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح، العبادة لله هذا يعبد الله- جل وعلا-، لكنه يتخذ هذا المكان الذي فيه هذا القبر لهذا الرجل الصالح وسيلة، يرى أن هذه البقعة تنفعه، وتزكي عمله، وإن لم يعبد صاحب القبر فهي وسيلة إلى الشرك، هذا ليس بشرك، لكنه وسيلة إلى الشرك "فكيف إذا عبده؟" إذا عبد صاحب القبر ودعاه من دون الله، ومدد يا فلان، وزوجني يا فلان صاحب القبر، وافعل كذا، وافعل كذا، هذا هو الشرك الأكبر.

 "فكيف إذا عبده؟" يعني عبد صاحب القبر، إذا كانت مجرد عبادة الله- جل وعلا- في هذا المكان وهي من وسائل الشرك فهي محرمة، وتحريمها شديد، وجاء التغليظ في ذلك، فكيف إذا كانت العبادة لغير الله سبحانه وتعالى وإنما هي للمقبور والمدفون في هذا المكان، وشواهد الأحوال في أقطار المسلمين كثيرة جدًّا على هذا، منهم من يعبد الله عند القبور ويتخذ هذه القبور وهذه المراقد يتخذها وسيلة، يتقرب بها ويزكي عمله فيها؛ لما لهذا المقبور من فضل عند الله- جل وعلا- على حد زعمه، ومنهم من يعبد صاحب القبر بصريح العبارات يقول: يا فلان، بل بعضهم يقول: يا فلان أسألك الجنة، وذكرنا في درس مضى من يطوف بالبيت ويقول في طوافه: يا أبا عبد الله جئناك أو جئنا بيتك، وقصدنا حرمك، نرجو مغفرتك، نسأل الله العافية، وهم يعبدون غير الله- جل وعلا-، الآن أمورهم ظاهرة بواسطة هذه القنوات وهذه الوسائل التي جعلت الغائب حاضرًا، ترى بأم عينيك ماذا يصنعون ويفعلون وماذا يقولون عند هؤلاء، عند هذه الأضرحة وهذه المراقد وهذه المشاهد، يصنعون الشرك الأكبر، ويزعمون أنهم مسلمون، يقول: ولماذا لا نقول: يا حسين والله أمرنا بذلك، لماذا لا نقول: يا علي والله أمرنا بذلك؟

 الله- جل وعلا- لا يأمر بالفحشاء، والشرك أكبر الفواحش وأعظم الفواحش، نسأل الله العافية، لماذا لا نقول افتراء على الله- جلا وعلا-، والله أمرنا بذلك؟! نسأل الله السلامة والعافية.

 وعبادة القبور والأضرحة هي في الروافض وغلاة الصوفية موجودة بكثرة، بل ديدن عندهم، ما نقول عند بعضهم دون بعضهم، لا، أعني الغلاة الذين يعبدون غير الله -جل وعلا- من هؤلاء المقبورين، نسأل الله السلامة والعافية، يعني لو لم توجد هذه القنوات ويشاهد الناس بأبصارهم ما يفعله هؤلاء من الطواف وطلب المدد والاستغاثة والتمسح وغير ذلك، بعض الناس يقول: إن الشيخ مبالغ، ويحدثنا كبار السن الذين ذهبوا إلى بعض الجهات لطلب الرزق عن أشياء كنا نعدها، ما نتوقع أن مسلمًا يصل به الحد إلى هذا، حتى قرأنا في كتبهم من كلامهم نفس ما يقول هؤلاء الأشياخ، ورأينا بأعيننا من تصرفاتهم من خلال قنواتهم من أجل أن لا يقال: زور عليهم، أو لفق عليهم شيء، لا، من قنواتهم وبأصواتهم وبأشكالهم نفس ما ينقل عنهم.

قال- رحمه الله- "في الصحيح": ذكرنا سابقًا أن الصحيح أعم من أن يكون البخاري أو مسلم أو هما معًا، والخبر في الصحيحين، والمراد في الحديث الصحيح المخرّج في الصحيح، والصحيح جنس يشمل البخاري ومسلمًا، "في الصحيح عن عائشة- رضي الله عنها- عن أم سلمة ذكرت لرسول –صلى الله عليه وسلم- كنيسة" في رواية أخرى: أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا لرسول الله –صلى الله عليه وسلم- "كنيسة رأتاها بأرض الحبشة" أم سلمة أم المؤمنين تزوجها النبي –صلى الله عليه وسلم- بعد أبي سلمة، وتوفيت بعده بأكثر من نصف قرن، سنة اثنتين وستين –عليه الصلاة والسلام-، وأم حبيبة بنت أبي سفيان كذلك أم المؤمنين، هاجرتا إلى الحبشة، ورأتا ما رأتا مما ذكرته للنبي –صلى الله عليه وسلم-، وأرض الحبشة أرض نصارى، فالكنيسة معبد النصارى.

 "رأت كنيسة بأرض الحبشة وما فيها من الصور" صور ما زالت في الكنائس والموسيقى على أشدها أثناء تأديتهم لعباداتهم، ففيها من الصور بدءًا من صورة مريم- عليها السلام- وعيسى ومن بعدهم يصورون، وكذلك الموسيقى أثناء تأديتهم لعباداتهم، تتميز الموسيقى الكنسية بما يقولون بنغمات خاصة، وبعض النغمات التي أسست في بعض الجوالات مقاطع من موسيقى كنسية، ومع الأسف أننا في مساجدنا ومعابدنا نسمع الموسيقى في كل وقت، وكان الناس ينبهون على هذا في أول ما بدأ، ينبهون وما زال الناس فيهم خير، ونسمع التنبيه، لكن ليس بمثل أول، السبب في ذلك أن هذه الموسيقى تكون في جوالات بعض العمال، ولا يفهمون ما يقال لهم، فأيس الناس من نصحهم، تنصحه وأنت تكلمه يرن موسيقى، هو ما يفهم ماذا تقول، وهذا الذي جعل أكثر الناس يسمع ولا ينكر، يقول: ما فيهم فائدة، مع أنه بإمكانه أن يشير إلى شخص من جنسيته يذكره بالله ويخوفه بالله.

 وأثيرت مسألة الموسيقى وحكم الموسيقى في وسائل الإعلام، وأثاروا رأي ابن حزم وشهروه ونشروه؛ توطئة لما هو موجود الآن، والنصوص الصحيحة الصريحة المحرمة للمعازف والمزامير في البخاري وغيره موجودة «ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف» يجعلون الحلال حرامًا، وهذا موجود، شخص لما أنكر عليه قال: ابن حزم أليس بإمام من أئمة المسلمين؟ قال الذي أنكر عليه: هل ترضى أن يكون إمامك من يقول: لو لم يرد في البر إلا قول الله -جل وعلا- {فلا تقل لهما أف} لجاز قتلهما، يعني ما فيه قياس، لكن وردت نصوص أخرى تحرم أنواعًا من العقوق غير أف، وإلا لو ما جاء إلا هذي قياس الأولى والقياس الجلي وأنواع الأقيسة كلها ما لها قيمة عنده؛ لأنه لا يرى القياس، ولذلك قال جمع من أهل العلم: إنه لا يعتد بقوله في الوفاق ولا في الخلاف، وينقل الإجماع مع قوله يذكر عن ابن حزم ثم يقال: وقد أجمع العلماء على ذلك؛ لأنهم لم يعتدوا بقوله أصلاً؛ لأنه لا يرى القياس أصلاً، الذي هو أحد أركان الاجتهاد كما قال النووي وغيره، على كل حال نحن لسنا بصدد شخص بعينه، لكن الأدلة دلت على تحريم المعازف وتحريم الموسيقى، والنوادي هذي التي يسمونها الفنية النوادي الأدبية وغيرها الفنون وما الفنون، الآن يقيمون دورات للموسيقى، نسأل الله السلامة والعافية.

طالب: ............

المهم في حق الوالدين سواء قال بر أو عقوق لو لم يرد إلا هذه الآية لجاز قتلهما، القتل أشد من أف، لكن ما ورد فيه نص على حد هذا الافتراض مع أنه ورد في البر أشياء أخرى، والعقوق ورد فيها نصوص كثيرة جدًّا، فلذلك يحرم القتل وما دون القتل، هو ما يقول بجواز القتل، لكنه يقرر مسألة عنده أصلية، وهو القول بعدم القياس.

"ذكرت لرسول الله –صلى الله عليه وسلم- كنيسة رأتها بأرض الحبشة وما فيها من الصور فقال: «أولئكِ»" الخطاب مؤنث "«أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح أو العبد الصالح بنو على قبره مسجدًا»" أو هذه للشك هل قال الرسول –عليه الصلاة والسلام-: الرجل، أو قال: العبد، وهذا من تحري الرواة ودقتهم في النقل، وإلا فالرجل والعبد لا فرق، ولا يعنى بالعبد الرقيق، لا، يعنى به الرجل، فهل يبنون على النساء إذا ماتت المرأة الصالحة بنوا عليها؟

قبر السيدة نفيسة، قبر السيدة زينب، قبر فلانة، عندكم يبنون على النساء، فالنص أعم من أن يختص برجل أو عبد، لكن الغالب أن الذي يبنى عليهم من الذكور، وإذا جاء الخطاب للرجل أو نوه بالرجل فالمرأة تدخل تبعًا له.

بنو على قبره مسجدًا»" في سورة الكهف ﴿قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً﴾ [سورة الكهف:21] سنة مأثورة عند هؤلاء المشركين وهؤلاء المفتونين.

"بنو على قبره مسجدًا وصوروا فيه تلك الصور" بنو على هذا القبر مسجدًا، وصوروا فيه تلك الصور مثل ما كان النصارى يفعلون «لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قيل: اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟» يعني فمن القوم إلا أولئك؟ أولئكِ شرار الخلق عند الله»" هؤلاء شرار الخلق؛ لأنهم اتخذوا هذه الوسائل الشركية وتخطوها إلى الشرك، وسيأتي اقترانهم أو قرنهم بمن تقوم عليهم الساعة، وأنها لا تقوم إلا على شرار الخلق، وأنها لا تقوم إلا والأرض لا يقال فيها: الله الله، سيأتي هذا.

 "فهؤلاء جمعوا بين الفتنين فتنة القبور وفتنة التماثيل" فتنة القبور سمعنا ما فيها، وفتنة التماثيل تقدمت في قصة قوم نوح، وأيضًا التصاوير المذكورة في الحديث تشمل التماثيل؛ لأن هذه التصاوير إما أن تكون لا ظل لها أو لها ظل، إما أن تكون رسومًا فقط وصوروا في تلك الصور من هذا النوع، أو تكون تماثيل كما فعل قوم نوح. "ولهما" الآن هو قال: في الصحيح ثم قال: "ولهما" إعادة الضمير على الظاهر كثيرًا ما يقال في المختصرات مثل عن أبي هريرة، ثم يقال: وعنه، وعنه، يعيدون إلى ظاهر، "ولهما" هل الإعادة إعادة الضمير هذه الكناية تعود إلى الصحيح؟ والصحيح أعم من أن يكون للبخاري أو مسلم.

طالب: .............

لا لا هو ما يقصد البخاري ومسلمًا، لا لا، الصحيح مفرد، لكن يراد به الجنس، والعرف خص الصحيح بالبخاري ومسلم أو البخاري وحده أو مسلم وحده، ثم قال: ولهما، هل نقول: إن لهما تعود للصحيح السابق ذكره المترجم به عن الصحيحين، أو نقول: إنه لا يلزم أن يذكر ما يعود عليه الضمير؟ حتى توارت بالحجاب في ذكر للشمس. ما فيه ذكر للشمس، إذا كان عود الضمير إلى شيء ظاهر يعرفه الناس، يعرفه أهل العلم وأهل الاختصاص، وأهل العرف الخاص هنا يعرفونه، ما يحتاج إلى أن يعود إلى سابق؛ لعدم المطابقة بين "الصحيح" وبين قوله: "لهما"، إلا إذا قلنا: إن الصحيح المراد به الجنس، ويشمل البخاري ومسلم كما تقدم، لكنه قد يأتي البخاري وحده ولمسلم وحده، وحينئذ لا تكون مطابقة، وعلى كل حال الأسلوب واضح، فلا يحتاج إلى نوع من التفصيل أكثر من هذا؛ لأن كل من يقرأ "لهما" لمن أبي بكر وعمر؟ للبخاري ومسلم.

 "ولهما عنها" أي عن عائشة –رضي الله عنها- "قالت: لما نزل برسول الله –صلى الله عليه وسلم-" يعني نزل به الموت، وجاءت علاماته ومقدماته "طفق" يعني أخذ وجعل "يطرح خميصة له على وجهه" في هذا الظرف لا شك أن الإنسان يغتم ويصيبه شيء من الضيق، فتجده يتصرف بأشياء كأنه يقضي بها الوقت، ويخشى أن يرى في علامات وجهه وتقاسيمه ما يستحيي منه، "فيضع الخميصة –عليه الصلاة والسلام-، فإذا اغتم ضاق نفسه بها كشفها" تصور نفسك في فراشك تحت المكيف، تغطي وجهك من أجل الهواء، ثم تغتم وتكشفه، هذا أمر يعني واضح للناس كلهم. "فإذا اغتم بها كشفها فقال وهو كذلك" في هذا الظرف في آخر حياته –عليه الصلاة والسلام-:  لعنة الله على اليهود والنصارى»". اللعن هنا الطرد والإبعاد من رحمة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»" اليهود لهم أنبياء ماتوا ودفنوا. النصارى نبيهم عيسى -عليه السلام- وما مات ولا قبر، فكيف يعطف النصارى على اليهود ويقال: اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»" والنصارى ليس لهم نبي مقبور وإنما رفع حيًّا إلى السماء؟ جاء في رواية اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد»" فيكون الأنبياء لليهود والصالحون للنصارى، أو يكون اتخذوا قبور أنبيائهم أعم من أن يكون اليهود فقط أو النصارى فقط؛ لأن أنبياء اليهود أنبياء للنصارى؛ لأن ديانة المسيح مكملة، ويجب عليهم الإيمان بهم كسائر الأنبياء والمرسلين.

 "يحذر ما صنعوا، ولولا ذلك" الآن اللعن هذا من أشد أساليب التحذير "يحذر ما صنعوا ولولا ذلك" هذا الأمر الذي حصل من اليهود لما مات أنبياؤهم قبروهم، فاتخذوا على قبور أنبيائهم مساجد، لولا هذا الأمر وخَشي أن يتخذ قبره مسجدًا أو خُشيَ أن يتخذ قبره مسجدًا لأبرز قبره- عليه الصلاة والسلام- يعني كان دفن في البقيع مع الصحابة، لكنه دفن في بيته لهذا الأمر، ولما جاء أن الأنبياء يدفنون حيث يموتون، فقد مات في بيته فيدفن في نفس المكان الذي مات فيه، "ولولا ذلك أبرز قبره غير أنه خُشي" يعني خشيَ الصحابة بعض الروايات خَشيَ –عليه الصلاة والسلام- أن يُتخذ مسجدًا» "أخرجاه" يعني البخاري ومسلم، ولا حاجة إلى قوله: أخرجاه؛ لما تقدم من قوله: "ولهما" فإحداهما تغني عن الأخرى.

"ولمسلم عن جندب بن عبد الله قال: سمعت النبي –صلى الله عليه وسلم- قبل أن يموت بخمس وهو يقول" يعني كرر في آخر حياته إلى أن جاء السياق وهو يحذر من هذه المصيبة، وهي اتخاذ القبور، المساجد على القبور "قال: سمعت النبي –صلى الله عليه وسلم- قبل أن يموت بخمس وهو يقول: «إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل»".

طالب: ...........

نعم خمس ليالٍ أو خمسة أيام يعني خمس ليالٍ، والمراد بأيامها وإذا لم يذكر التمييز جاز التذكير والتأنيث «من صام رمضان وأتبعه ستًا من شوال» المراد أيام، وست ليالٍ، لكن لم يذكر التمييز، فلا مانع حينئذ من التذكير والتأنيث، إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله قد اتخذني خليلاً»" الخلة: هي خالص المحبة وأعلاها ونهايتها، ولذلك النبي- عليه الصلاة والسلام- لما اتخذه الله خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً برئ من خلة غيره إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله قد اتخذني خليلاً، كما اتخذ إبراهيم خليلاً، ولو كنت متخذًا من أمتي خليلاً لاتخذتُ أبا بكر خليلاً، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد»" ويعني بذلك اليهود والنصارى وغيرهم من الأمم الذين فعلوا كفعلهم، لكن الحديث السابق فيه التنصيص على اليهود والنصارى، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك»".

 ولا يلزم من كون القبر اتخذ مسجدًا يبنى عليه مسجد بمعالمه بمحرابه بمنارته، لا، لا يلزم إذا صلي فيه صار مسجدًا؛ «جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا».

 فإني أنهاكم عن ذلك»" فقد نهى عنه في آخر حياته –عليه الصلاة والسلام-، ثم إنه لعن وهو في السياق من فعله، والصلاة عندها من ذلك، ولو من غير بناية. «لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها» حديث أبي مرثد الغنوي عند مسلم: «لا تصلوا إلى القبور، ولا تجلسوا عليها» والصلاة عندها من ذلك وإن لم يبن مسجد، يعني إذا اتخذ مكان للصلاة فهو مسجد، "وهو معنى قولها وخُشيَ أن يتخذ مسجدًا" يعني مكانًا للصلاة، "فإن الصحابة –رضي الله عنهم- لم يكونوا ليبنوا حول قبره مسجدًا. وكل موضع قصد الصلاة فيه فقد اتخذ مسجدًا، بل كل موضع يصلى فيه يسمى مسجدًا كما قال –صلى الله عليه وسلم-: «جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا»" يعني هذا في.. قطعة من حديث الخصائص؛ لأن الأمم السابقة يصلون في أماكن عباداتهم في كنائسهم وبيعهم، وأما هذه الأمة فقد وسع لها «جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا» يعني تكون في مكان بعيد بالنسبة للأمم السابقة، ثم يحين وقت الصلاة لازم ترجع تصلي بالمسجد، وهذه الأمة لشرف نبيها -عليه الصلاة والسلام- صار لها من الخصائص الخمس التي جاء بها الحديث الصحيح، ومنها «جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا» فمكان الصلاة وموضع السجود يسمى مسجدًا؛ لأنه يسجد فيه لله -جل وعلا- فهو مسجد، نعم المسجد الموقوف الذي له معالمه وبني لذلك له أحكام تخصه، وتختلف عن بقية المساجد التي فقط يصلى فيها وهي ليست مساجد بالمعنى الاصطلاحي.

طالب: .............

نعم تكرار تأكيد، حيث جمع بين النهي بلفظه: «إني أنهاكم»، وأيضًا بأداته، جمع بينه بلفظه وبين أداته، وإذا قال الصحابي: نهانا رسول الله هذا من لفظه «أنهاكم»، لكن لو قال الصحابي: نهانا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فهو بمنزلة لا تفعلوا عند عامة أهل العلم، وداود الظاهري وبعض المتكلمين قالوا: لا يكون حجة، ولا يكون بمنزلة لا حتى ينقل اللفظ النبوي؛ لأنه قد يسمع الكلام يظنه نهيًا وهو في الحقيقة ليس بنهي، لكن هذا لفظه -عليه الصلاة والسلام- مع أن القول الذي نسب إلى داود هذا قول ظاهر البطلان، إذا كان الصحابة لا يعرفون مدلولات الألفاظ النبوية فمن يعرفها بعدهم غيرهم؟

 «فإني أنهاكم عن ذلك» سيأتي في كلام الشيخ فيما بعد أن حديث جندب فيه الرد على الروافض والجهمية، فالروافض أول من اتخذ المساجد على القبور والمشاهد والأبنية، بنوا الأضرحة وشيدوها، والجهمية قالوا: إن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً، وهو منصوص عليه في القرآن، ومع ذلك كونه لم يتخذ محمدًا خليلاً من باب أولى عندهم في هذا رد على الجهمية والروافض، وقد كفروا بسبب ذلك بأقوال لهم شنيعة، وأخرجوا من الفرق التي أشير لها بالثلاث وسبعين الروافض في آخر سورة الفتح ﴿لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ﴾ [سور الفتح:29] الصحابة فمن يغيظه شأن الصحابة- رضوان الله عليهم- الآية تدل على كفره، وبهذا استدل مالك- رحمه الله- على كفرهم، وعندهم من المكفرات ما لا يحتاج فيه إلى استنباط خفي عندهم، الآن يعلنونه على الملأ الشرك الأكبر، وكذبوا القرآن صراحة بقذف عائشة التي برأها الله من فوق سبع سماوات، وقالوا بنقص القرآن، وقالوا بخيانة جبريل، ولهم من الطوام ما يكفي بعضه لتكفيرهم.

 على كل حال مالك رحمه الله استدل بآية الفتح على كفرهم، ونازعه في ذلك القاسمي في تفسيره يقول: استدل بالآية على كفرهم وبهذا قال مالك "يقول كلامًا ما أدري من أين جابه حاتم" والبياض إذا زاد صار برصًا، يعني الإمام مالك زاد على ما يستحقون؟ هل الإمام مالك زاد على ما يستحقون؟ يعني من تفوه بالكفر الشرك الأكبر وأخبر بذلك، وأقيمت عليه الحجة يحتاج أن يقال فيه مثل هذا الكلام؟ أو يقول: عائشة فيها ما فيها، ويقذفها بما برأها الله منه، أو يقول بنقص القرآن الذي أجمع عليه الصحابة وحفظه الله من الزيادة والنقصان، أمور مهولة، لكن حملها الآن على التكفير والتشديد في ذلك تجعل بعض الناس يتوقف مع أن عندنا من الأدلة على كفرهم من كلامهم، وهذا المقصود به العلماء الذين قامت بهم الحجة، أما عوامهم الذين لا يعرفون ولا يفهمون هؤلاء لهم حكم آخر.

 المقصود أن كفرهم قال به الإمام مالك وجمع من أهل العلم، وكون العلماء كالشافعي وغيره يقبلون شهاداتهم ما عدا الخطابية منهم، يقول: أقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية من الرافضة؛ لأنهم يرون الشهادة لبعضهم شهادة الزور لبعضهم فلا تقبل شهادتهم، هذا بالجملة يدل على أنه ما أخرجهم من الثنتين والسبعين أو الثلاث والسبعين، لكن كل من نطق بكفر وقامت عليه الحجة بغض النظر عن القواعد العامة يكفر بعينه، الجهمية قالوا: إن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً، ولم يكلم موسى تكليمًا، ولا كذا ولا كذا، تكذيب صريح للقرآن، وكفَّرهم بسبب القول بخلق القرآن أكثر من خمس مائة عالم من علماء السلف، يقول ابن القيم:

وَلَقَدْ تَقَلّدَ كُفْرهُمْ خَمُسُون فِي    عَشْرٍ مِنً العُلَمَاءِ فِي البٌلْدَانِ

يعني خمس مائة عالم، قال: "ولأحمد بسندٍ جيد عن ابن مسعود- رضي الله عنه- مرفوعًا: «إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء»" الساعة كما جاء في الحديث الصحيح أنها لا تقوم إلا على شرار الناس، ولا تقوم إلا والأرض لا يقال فيها: الله الله، يعني يرتفع الدين والتدين، ولا يبقى إلا الأشرار، ويرفع القرآن، فلا شك أن هؤلاء هم الأشرار، ويشاركهم "الذين يتخذون المساجد" على القبور، ولذلك قال: أولئك هم شرار الناس، إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء والذين يتخذون القبور مساجد»  رواه أبو حاتم في صحيحه" والمراد به ابن حبان أبو حاتم بن حبان.

قال -رحمه الله تعالى-: "فيه مسائل:

الأولى / ما ذكر رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فيمن بنى مسجدًا يعبد الله فيه"، العبادة لله على "قبر رجل صالح ولو صحت نية الفاعل" يقول الرسول –عليه الصلاة والسلام-: «من بنى مسجدًا بنى الله له بيتًا في الجنة»، ويريد أن يحقق هذا الوعد فيبنيه على قبر رجل صالح رجاء بركته ويقول: أنا أصلي لله، وأدعو الناس يصلون لله، لا يصلون لفلان، ولو صحت نيته ما ينفعه ذلك.

"الثانية / النهي عن التماثيل" كما تقدم في قصة قوم نوح وفي حديث عائشة في خبر أم حبيبة وأم سلمة وصوروا تلك الصور.

"الثانية / النهي عن التماثيل فإذا اجتمع الأمران تغلّظ" الأمر بنوا المسجد وصلوا عند القبر وصوروا تلك الصور، يعني كل واحدة منها محرمة، وفي البخاري: «ولَعَنَ المُصَوِّر»، فإذا كان مجرد التصوير فيه اللعن، فكيف إذا كان في مسجد وصور لأناس صالحين يعرضهم للغلو وعبادته من دون الله، فلا شك أن هذا أشد وأنكى.

طالب: ...........

لا شك أنهم أناس صالحون، والأمور بمقاصدها، التصوير حرام، والشيخ يحرج من يصوره سمعته مرارًا ولا يرضى بذلك، فهم آثمون بهذا.

"الثالثة: العبرة في مبالغته –صلى الله عليه وسلم- في ذلك" يعني هل يعارض «لَعَنَ المُصَوِّر» يعني رسول الله- صلى الله عيه وسلم- في البخاري يقول من يستدل على جواز التصوير الطنطاوي جوهري في تفسيره لسورة الأنفال ﴿إِذْ يُرِيكَهُمُ اللّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَّفَشِلْتُمْ﴾ [سورة الأنفال:43] يقول: ما يمكن أن يقل الشيء ويكثر في حقيقته إلا من خلال التصوير، فأرى جواز التصوير بذلك، هذا دليل؟ نعوذ بالله من طمس البصائر، يقول: عرضت هذا الاستدلال على شيخ من شيوخ الأزهر فقال: عندي في هذا دليل على وجوب التصوير وليس جوازه، نسأل الله العافية.

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد.

قال رحمه الله: "الثالثة: العبرة بمبالغته –صلى الله عليه وسلم- في ذلك" موضوع خطير كالشرك تحرم بسببه الجنة، ويخلد صاحبه في النار، نحتاج إلى هذه المبالغة، وأن يبدأ فيه ويعاد، وأن تكثف فيه الدروس، وتنشر فيه المؤلفات النافعة، ويقرر على العامة والخاصة؛ لأنه أصل الأصول يعني التوحيد وما يضاده لابد أن يكون الناس في جميع طبقاتهم ومستوياتهم على علم به.

"العبرة في مبالغته –صلى الله عليه وسلم- في ذلك كيف بين لهم هذا أولاً ثم قال قبل موته بخمس" يعني ليالٍ "قال بما قال، ثم لما كان في النزع لم يكتف بما تقدم" الرسول –عليه الصلاة والسلام- وظيفته بيان ما أنزل الله ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ﴾ [سورة النحل:44] فهو وظيفته البيان، وإذا بين في موضع في مسألة ما لا يلزمه البيان في كل مناسبة يحال إلى ذلك الموضع الذي حصل فيه البيان، لكن موضوع خطير كالشرك وما يوصل إليه لا شك أنه يحتاج إلى أن يبين في كل مناسبة؛ لخطره وعظم شأنه.

"الرابعة / نهيه عن فعله عند قبره قبل أن يوجد القبر" يعني قبل أن يموت –عليه الصلاة والسلام-.

طالب: ...........

لا شك أن البيان يكون في وقت الحاجة، ولا يجوز تأخيره عن ذلك، وآخر فرصة يمكنه أن يبين قبيل وفاته –عليه الصلاة والسلام-.

"الخامسة / أنه من سنن اليهود والنصارى «قاتل الله اليهود والنصارى» في مسلم، وفي الرواية الأخرى" «لعنة الله» وقاتل بمعنى لعن عند أهل العلم، "من سنن اليهود والنصارى في قبور أنبيائهم" تلقى هذه السنة عنهم الروافض وغلاة الصوفية الذين يبنون المشاهد على القبور، ويتعبدون عندها ويطوفون بها ويتمسحون بها، وهذا أمر لا يحتاج إلى استدلال أمر ظاهر كان موجودًا عندنا في نجد في أماكن متعددة، لكن بعد دعوة الشيخ- رحمة الله عليه- اختفت هذه المظاهر، واستمرت في كثير من أقطار المسلمين، نسأل الله -جل وعلا- أن يقطع دابر الشرك وأهله.

"السادسة /  لعنه إياهم على ذلك" «لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» سبب اللعن اتخاذهم قبور أنبيائهم مساجد.

"السابعة / أن مراده تحذيرنا عن قبره" يعني كونه يلعن اليهود والنصارى؛ لأنهم فعلوا كذا وما جاء في القرآن من نظائر لعن بسبب أفعال عذبوا بها عذبت بها الأمم السابقة، قال عمر: مضى القوم ولم يرد به سوانا، يعني لو نقول: هذه الآية خاصة باليهود، هذا خاص باليهود، ما دخلنا؟ نقول: لا أنت المقصود إذا فعلت مثل فعلهم فأنت مآلك وعاقبتك مثل مآلهم. "العلة في عدم إبراز قبره"؛ لئلا يتخذ مسجدًا ويبنى عليه ويصلى عنده، فلأنه خشي أن يتخذ مسجدًا، ولذلك لأبرز قبره، خَشي هو -عليه الصلاة والسلام-  أو خُشي من قبل الصحابة- رضي الله عنهم- أن يتخذ مسجدًا.

"التاسعة / في معنى اتخاذه مسجدًا" أعم من أن يبنى عليه مسجد بمعالمه بمحرابه بمنارته أعم من ذلك، بل مجرد الصلاة عنده تصيره مسجدًا كما في حديث الخصائص «جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا».

"العاشرة/ أنه –عليه الصلاة والسلام- قرن بين من اتخذها مسجدًا وبين من تقوم عليهم الساعة" هؤلاء شرار الخلق، أولئك شرار الخلق عند الله والذين يتخذون القبور عند المساجد، ومن تقوم عليهم الساعة هم شرار الخلق، فأولئك بدؤوا بوسائل الشرك، وهؤلاء في نهايته وخاتمته "أنه قرن بين من اتخذها مسجدًا وبين من تقوم عليهم الساعة فذكر الذريعة إلى الشرك" وهي بناء المساجد واتخاذ القبور مساجد قبل وقوعه مع خاتمته على يد شرار الخلق وهم من تقوم عليهم الساعة.

"الحادية عشرة / ذكره في خطبته قبل موته بخمس الرد على الطائفتين" ذكره هذا مصدر، الرد مفعول للمصدر؛ لأن المصدر يعمل عمل فعله  "ذكره -عليه الصلاة والسلام- قبل موته بخمس الرد على الطائفتين اللتين هما شر أهل البدع،  بل أخرجهم بعض السلف من الثنتين والسبعين فقرقة، وهم الرافضة والجهمية" وعرفنا وجه الاستنباط من الحديث، وأن الرافضة هم أهل البناء على القبور، والجهمية الذين نفوا أن يتخذ الله خليلاً، وقد جاء في القرآن الذي يعرفه الخاص والعام فضلاً عن محمد –عليه الصلاة والسلام- الذي جاء ذكره في الحديث يعني إذا أنكروا أن يتخذ الله خليلاً، فمن باب أولى أن ينكروا أن يتخذ الله محمدًا خليلاً –عليه الصلاة والسلام –، والخلة أعلى أنواع المحبة تخللت قلب المحب يقول:

قَدْ تَخَلَّلَتْ مَسْلَكَ الرُّوحِ مِنِّي    وَلِذَا سُمِّيَ الَخلِيلُ خَلِيلًا

وبعضهم يقول: إن محمدًا له المحبة، ولإبراهيم –عليه السلام- الخلة من الله- جل وعلا-، نقول: هذا لا شك أنه مخالف للحديث، وفيه تنقص للنبي –عليه الصلاة والسلام-؛ لأن الخلة أعلى أنواع المحبة، ولا تكون إلا لإبراهيم ومحمد -عليهما الصلاة والسلام- وأما المحبة فهي لكثير يحب التوابين، يحب المتطهرين، يحب أمورًا كثيرة جدًّا، فالخلة أخص. "بل أخرجه بعض السلف من الثنتين وسبعين فرقة، وهم الرافضة والجهمية، وبسبب الرافضة حدث الشرك وعبادة القبور" ضريح عندهم كبير جدًّا ضريح آية الله، وله ألقاب كثيرة، ثم في النهاية فيروز، من هو فيروز؟ أبو لؤلؤة المجوسي الذي قتل عمر–رضي الله عنه- هذا مكافأة له على قتله عمر –رضي الله عنه وأرضاه- يقولون: ما قتل عمر إلا أنه مؤمن، وما يقتله عبثًا، نسأل الله العافية، وبالمقابل عند الغلاة من غيرهم من الصوفية ضريح في كشمير من أكبر الأضرحة في العالم يسمى ضريح الشعرة، شعرة من؟

طالب: عمر؟

لا لا، أين عمر؟

لا أين الرسول؟

لا يقولون: هذه شعره من الشيخ عبد القادر الجيلاني، وجعلوا من تحت هذا الضريح أنفاقًا يصبون معها الماء ويخرج من الجهة الثانية من أجل أن يستشفى به، نسأل الله العافية.

"وبسبب الرافضة حدث الشرك وعبادة القبور، وهم أول من بنى عليها المساجد".

"الثانية عشرة / ما بلي به –عليه الصلاة والسلام- من شدة النزع" وكان -عليه الصلاة والسلام- يوعك كما يوعك الرجلان منكم «إني لأوعك كما يوعك الرجلان منكم» قيل له ذلك أن لك أجرين؟ قال: «أجل» يعني نعم.

" الثالثة عشرة / ما أكرم به –صلى اله عليه وسلم- من الخلة" كإبراهيم –عليه السلام- ردًّا على من يقول: إن نصيبه المحبة –عليه الصلاة والسلام- المحبة له ولغيره ولكثير من المسلمين، لكن الخلة لا لم تكن إلا لاثنين إبراهيم ومحمد –عليهما الصلاة والسلام-.

"الرابعة عشرة / التصريح بأنها أعلى من المحبة" لو لم تكن أعلى من المحبة، الرسول– عليه الصلاة والسلام- يحب أبا بكر ويحب غيره من الصحابة، وصرح بحب بعضهم على التنصيص، لكن لم يتخذ من أمته خليلًا؛ لأن الله اتخذه خليلاً، قال: «ولو كنت متخذًا خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً»، فهي حينئذ أعلى من المحبة.

"وفي المسألة الخامسة عشرة / التصريح بأن الصديق- رضي الله عنه- أفضل الصحابة"- رضي الله عنهم- «ولو كنت متخذًا خليلاً لاتخذت أبى بكر خليلاً» هذا يدل على أنه أفضل من غيره، ما قال: لاتخذت عمر، لاتخذت علي، لاتخذت عثمان، إنما قال: « لاتخذت أبا بكر».

"السادسة عشرة / الإشارة إلى خلافته"- رضي الله عنه- إشارة وليست صراحة، ليست صريحة، وإنما هي مجرد إشارة؛ لأنه قدمه على غيره في الخلة، لو كانت، فدل على أنه أولى من غيره، وأبو بكر من الذين أنعم الله عليهم من الصديقين؛ لأنه صديق، فهو منعم عليه، ونحن نطلب الهداية إلى الصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم ومنهم أبو بكر- رضي الله عنه وأرضاه- والله أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"