شرح كتاب الطهارة من المقنع ونظمه (01)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نعم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه.

قال الإمام الموفَّق –رحمه الله تعالى-: "كِتَابُ الطَّهَارَةِ: بَابُ الْمِيَاهِ، وَهِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: مَاءٌ طَهُورٌ، وَهُوَ الْبَاقِي عَلَى أَصْلِ خِلْقَتِهِ وَمَا تَغَيَّرَ بِمُكْثِهِ أَوْ بِطَاهِرٍ لَا يُمْكِنُ صَوْنُهُ عَنْهُ كَالطُّحْلُبِ، وَوَرَقِ الشَّجَرِ، أَوْ بِمَا لَا يُخَالِطُهُ كَالْعُودِ، وَالْكَافُورِ، وَالدُّهْنِ، أَوْ بِمَا أَصْلُهُ الْمَاءُ كَالْمِلْحِ الْبَحْرِيِّ، أَوْ مَا تَرَوَّحَ بِرِيحِ منتنةٍ إِلَى جَانِبِهِ".

طالب: في نسخةٍ أخرى بريح ميتة.

منتنة.

طالب: نسخة للشيخ عبد الله، هذه منتنة التي هي نسخة الشيخ الأرناؤوط، لكن نسخة الشيخ عبد الله التركي بريح ميتة.

أو بريح ميتةٍ كعبارة الزاد.

طالب: هي عبارة الزاد.

وهذه أشمل.

طالب: هذه أعم.

"أَوْ مَا تَرَوَّحَ بِرِيحِ منتنةٍ إِلَى جَانِبِهِ أَوْ سُخِّنَ بِالشَّمْسِ أَوْ بِطَاهِرٍ، فَهَذَا كُلُّهُ طَاهِرٌ مُطَهِّرٌ يَرْفَعُ الْأَحْدَاثَ، وَيُزِيلُ الْأَنْجَاسَ، غَيْرُ مَكْرُوهِ الِاسْتِعْمَالِ، وَإِنْ سُخِّنَ بِنَجَاسَةٍ، فَهَلْ يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.

فَصْلٌ".

نقرأ الأقسام كلها أم نأخذ على قسم قسم؟

طالب: الذي ترى يا شيخ.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد،

فيقول المؤلف –رحمه الله تعالى-: "كِتَابُ الطَّهَارَةِ" الكتاب عُرِّف مرارًا في كتبٍ متعددة وفي فروعٍ من كُتب من كتابٍ واحد مرارًا؛ لأن الكتاب يتكرر في الكتاب الواحد فيُحتاج إلى تعريفه، أما تكرره في الكتاب الواحد فقد يُستغنى بالكلام عليه في أول موضع؛ لأن الكتاب مترابط، وأما في الكتب المتعددة فالأحسن أن يُكرر الكلام؛ لأن الذي يقرأ في كتاب قد لا يقرأ في كتابٍ ثانٍ، المقنع مثلًا إذا عرَّفنا الكتاب في الزاد وفي الخرقي وفي غيرهما من الكتب في كُتب الحديث وفي غيرها الذي يقرأ في هذا الكتاب قد لا يقرأ في ذلك الكتاب فيُحتاج في تعريفه لاسيما في أول موضع، ويُحال عليه فيما بعد.

قال –رحمه الله-: "كِتَابُ الطَّهَارَةِ" قالوا: الكتاب مصدر كتب يكتب كتابًا أو كتابةً وكتبًا، والأصل في هذه المادة الجمع يُقال: تكتَّب بنو فلان إذا اجتمعوا، هذا كلام مكرور ومملول؛ لكثرته، ومنه قيل لجماعة الخيل: كتيبة؛ لأنه قد يأخذ هذا الكتاب من لم يطلع على الكتب الأخرى، وإلا كررناه مرارًا، ومللنا الكلام فيه، وفيه كلامٌ قد لا يُناسب ذكره جيء به استشهادًا لهذه المادة.

قالوا لجماعة الخيل: كتيبة، هذا واضح الكتائب في الغزو والجهاد يكثر ذكرها.

يقول الناظم:

لاَ تَأمَنَـنَّ فَـزَارِيًّا خَلَـوْتَ بِـهِ

 

 

 

عَلَـى قَلُوصِـكَ............

 

 

إلى آخره.

قوله في الشطر الثاني: "اكتبها" يعني: اجمع بين... إلى آخره، صعب الكلام في هذه الأمور ونحن في بيتٍ من بيوت الله وفي درسٍ يُرجى أن تحضره الملائكة، لكن هذا أهل العلم يستدلون بما يحتاجون إليه وإن سخف؛ لأن المقصود بيان المعنى وكُتب التفسير طافحة بما يُنسب لابن عباس أنه أنشده في الرفث، وأنه يرى أن الرفث مواجهة النساء بالجماع ودواعيها، أما بين الرجال فلا شيء فيه وأنشد البيت السخيف.

والكتب العلمية معروف أنها تذكر الأبيات من شعر العرب؛ لأنه ديوانهم، ويُفسرون بها كلام الله– جلَّ وعلا-؛ لأن كلام الله عربي، ويُفسَّر بكلام العرب، يُفسرون به كلام النبي –عليه الصلاة والسلام-، ويشرحون به الغريب من القرآن والسُّنَّة.

الكتاب يُراد به بهذا المصدر اسم المفعول يعني المكتوب الجامع لمسائل الطهارة.

والطهارة مصدرٌ أيضًا طهر يطهر طهارةً وطهرًا، وهي في اللغة: النظافة والنزاهة من الأقذار.

والطهارة في الاصطلاح: استعمال الماء أو التراب؛ لرفع الحدث سواءً الأكبر أو الأصغر على الصفة الواردة في شرع الله عن رسوله –عليه الصلاة والسلام- وهذه طهارة الأحداث.

طهارة الأنجاس: رفع العين النجسة وإزالتها بالماء أو ما يقوم مقامه على خلافٍ بين أهل العلم في المطهرات الأخرى والاستحالة، وستأتي.

"بَابُ الْمِيَاهِ" الباب في الحس ما يُدخل منه ويُخرج معه، الباب في المحسوسات كلٌّ يعرفه ولا يحتاج إلى تعريف، والباب في مسائل العلم والمعنويات ما يضم مسائل علمية يجمعها موضوعٌ واحد، وتندرج مع غيرها في كتاب وهو أعم.

مر بنا في الخرقي أنه يستعمل الكتاب استعمالًا واسعًا، فيجعل في المسألة الواحدة أكثر من باب.

وعلى كل حال هذه اصطلاحات، وأهل العلم يقولون: لا مشاحة في الاصطلاح، وهذا الكلام ليس على إطلاقه كما بيناه في مناسباتٍ كثيرة، فالاصطلاح الذي يتفق عليه الناس ولا يُخالف ما قُرر في علمٍ من العلوم لا مشاحة فيه، لكن الاصطلاح المخالف يُشاحح فيه، الاصطلاح المخالف لما تقرر في العلوم يُشاحح فيه.

قلنا: إنه لو اصطلح شخصٌ لنفسه أن يُسمِّي الشمال جنوبًا، والجنوب شمالًا أو الفوق تحت أو التحت فوق هذا يُقبَل أم ما يُقبَل؟ لا يُقبَل، هذا في الواقع؛ لأنه يُغيِّر ما تقرر عند الناس، ويُوجِد إشكالات كبيرة.

أما إذا كان تغيير هذا الاصطلاح على الأوراق التي لو قلبتها وافقت الناس ولو أدرتها خالفت اصطلاحهم، لكنه لا يُغيِّر من الواقع شيئًا، الناس في اصطلاحهم يجعلون في الخرائط الشمال فوق في الخرائط، وابن حوقل في صورة الأرض جعل الجنوب هو الذي فوق، هذا ما يغير شيئًا، اقلب الكتاب ويصير صحيحًا ما يُغيِّر من الواقع شيئًا، ومثله ما يصطلح عليه الناس من تسمية والد الزوجة خالًا أو عمًّا، والد الزوجة ما يتغير سواءً سميناه خالًا أو عمًّا لن يتغير، بخلاف المواريث لو يُسمى أخ الأب خالًا فهذا يُغيِّر، فلا يُقبَل مثل هذا الاصطلاح، ولو كتبه في مقدمة كتابه، شخص يؤلِّف في الفرائض ويكتب في مقدمته يقول: أنا سأصطلح لنفسي، هذا ما يُوافق عليه، وهذه القاعدة من القواعد التي تحتاج إلى تقييد، وأشرنا إلى مجموعةٍ منها، وإن تيسر وأسعف الوقت أن يُكتب فيها شيء يكون جيدًا.

"بَابُ الْمِيَاهِ" المياه جمع ماء، والماء اسم جنس يُطلق على الكثير والقليل، لماذا جُمِع؟ لتعدد أنواعه، أنواعه -على ما سيأتي- عند المؤلف وعند غيره متعددة، فيُقال: مياه، وإلا فالأصل أن ماء البحر ماء، والكوب ماء، الذي في البحر ماء، والذي في الكوب ماء، وهكذا يجمعونه؛ لتعدد أنواعه.        

"وَهِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ" هذا ما جرى عليه المصنفون من الفقهاء: الحنابلة والشافعية والحنفية، المالكية يرون أن الأقسام قسمان، وهذا رأي شيخ الإسلام: طاهر ونجس.

والتقسيم الثلاثي: طهور، وطاهر، ونجس.

قالوا عن ابن رزين: أنه قسمها إلى أربعة أقسام، وزاد على التقسيم المذكور هنا: المشكوك فيه.

قلنا: إن المياه جمع ماء، جمع كثرة أم قِلة؟

كثرة عند البصريين كثرة، وعند الكوفيين قِلة.

إذًا جمع القِلة بالنسبة للماء أمواه جمع ماء، لكنه جمع قِلة.

يقول الشاعر يمدح الخليفة وقدرته على أعدائه وإحاطته بهم، وأنه لن يُفلت منهم أحد من قبضته يقول:

تَطلَّبهم عَلى الأَمواهِ حَتّى

 

 

 

تَخَوَّفَ أَن تُفَتِّشَهُ السَحابُ

 

 

ما يكفي البراري والقفار البحار والأنهار كل هذه كلها فُتِّشت وانتهت.     

تَطلَّبهم عَلى الأَمواهِ حَتّى

 

 

 

تَخَوَّفَ أَن تُفَتِّشَهُ السَحابُ

 

 

وهو لا يدري ولا جنوده عن الذي وراء الجدار -والله المستعان- لكنها المبالغات، يعني قد تكون في بعض الأوقات مثل ما عندنا من الآلات الدقيقة التي يُتوصَّل بها إلى الوصول إلى المطلوب، لكن عندهم أولًا يمكن أن يعيش المطلوب سنين في بلدٍ قريب ولا يُعرف ولا يُدرى عنه.

على كل حال المبالغات عندهم في الشعراء كثيرة، يقول الشاعر من المصريين الموجودين:

مَا زُلْزِلَتْ مِصْرُ مِنْ كيدٍ يُرَادُ بِهَا

 

 

 

لَكِنَّهَا رَقَصَتْ مِنْ عَدْلِكم طربًا

 

 

"وَهِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ" والتقسيم مرده إلى الاستقراء مع أن الاستقراء غير متفق عليه تبعًا للاصطلاحات.

الشافعية تقسيم المياه عندهم مثل الحنابلة ما يختلف، والغزالي وهو من فقهاء الشافعية ومؤلِّف مشهور عند الشافعية في كتبه الفقهية في (الوجيز) و(الوسيط) و(والبسيط)، وأقواله تُنقل بكثرة، وكُتبه مشروحة ومتداولة تمنى أن لو كان مذهب الإمام الشافعي في تقسيم المياه مثل مذهب مالك قسمين ويرتاح.

صحيح أن التقسيم الثلاثي ترتب عليه أشياء أحيانًا تكون متعبة لطالب العلم، ومتعبة للعامل نفسه، يعني عندهم مثلًا في (شرح المهذب) يقول: لو جئت بإناءٍ يسع قلتين، فأخذت منه في سطل -أخذت منه سطلًا- الماء في داخل هذا السطل ويتساقط من خارجه الذي في داخل السطل طاهر، والذي في خارجه نقص الذي في الإناء الكبير عن القلتين صار نجسًا.

الشريعة السمحة التي أُنزِلت على محمد –عليه الصلاة والسلام- هل يُمكن أن تأتي بمثل هذه التفصيلات، هذا التفصيل الدقيق، الشريعة مخاطب بها العلماء والعوام والجُهال، والكبار والصغار،  الرجال والنساء، يعرفون مثل هذه التفصيلات مهما بلغ الأمر.

على كل حال هذا كلام أهل العلم، وهم أهل نظر واجتهاد وتحرٍّ واتباع فيما نحسبهم، والله حسيبهم.

على كل حال هذا الحاصل؛ ولذا تمنى الغزالي وهو شافعي المذهب، بل من فقهائهم المشهورين أن لو كان مذهب الإمام الشافعي في هذا التقسيم هو مذهب مالك.

طيب أنت حينما ألَّفت وقسَّمت هذه التقاسيم وأوردت هذه الفروع ما الذي ألزمك بهذا التقسيم؟ التمذهب.

"وَهِيَ ثَلَاثَة أَقْسَامٍ: مَاءٌ طَهُورٌ" وهذا هو القسم الأول، وهو عندهم طاهر في نفسه المطهِّر لغيره، بعض المالكية يقول: الطهور ما تكرر منه التطهير، صيغة مبالغة ما تكرر منه التطهير، الماء المستعمل في رفع حدث حُكمه عند الحنابلة والشافعية طاهر يعني ما يُطهِّر، ومقتضى كلام المالكية أنه أولى من غير المستعمل؛ لأن هذا تكرر منه التطهير فصار طهورًا.

"مَاءٌ طَهُورٌ وَهُوَ الْبَاقِي عَلَى أَصْلِ خِلْقَتِهِ" {وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان:48] يعني سواءً نزل من السماء أو نبع من الأرض أو وجِد في البحار أو في الآبار أو في غيرها من موارد الماء سيكون باقيًّا على خلقته ما لم يتغير، فإن تغير بطاهر صار على ما سيأتي في حكمه، وإن تغير بنجاسة صار نجسًا لم يكن طهورًا.

"وَهُوَ الْبَاقِي عَلَى أَصْلِ خِلْقَتِهِ وَمَا تَغَيَّرَ بِمُكْثِهِ" تغير بمكثه من غير ورود شيءٍ عليه وهو الآجن، وهو الماء الآجن، هذا طهور كرهه ابن سيرين وعامة أهل العلم على استعماله من غير كراهة.

"وَمَا تَغَيَّرَ بِمُكْثِهِ أَوْ بِطَاهِرٍ لَا يُمْكِنُ صَوْنُهُ عَنْهُ كَالطُّحْلُبِ" الماء إذا طال مُكثه في محله ينبت فيه شيءٌ أخضر في قاعه وعلى جوانبه، هذا شيء مُشاهد هو الطُّحلُب، هل يستطيع أحدٌ أن يصون ماءه عن هذا الطُّحلُب؟

طالب: ليس في الإمكان.

ليس في الإمكان.

والطُّحلُب هذا هو النابت في الماء، ويشق صونه عنه، ولونه في الغالب أخضر في بدايته، ثم بعد ذلك قد يصل إلى مرحلة الصُّفرة أو ما بين الصُّفرة والحُمرة، وهذا موجود، في الزراعة يعرفونه، ويُسمى عند أهل اليمن وعندنا بنجد نسميه الشبأ، وهذه لغة أهل اليمن، فيه أحد من أهل اليمن؟    

طالب: ..........

أين أبو رضوان؟

طالب: ..........

هو يأتي متأخرًا، ويستحي يقعد هناك، تعرف الشبأ يا أبا رضوان؟

طالب: ..........

أخذته من الدرس أنت، لكن ما تعرفه من هناك؟

طالب: ..........

الذي أشار إلى أن هذه لغة أهل اليمن أبو العلاء المعري في كتابٍ له اسمه (الفصول والغايات) والمطبوع في مواعظ البريات (الفصول والغايات في مواعظ البريات)، ويُقال -والله أعلم-: إن أصله (الفصول والغايات في معارضة الآيات) تعرف الكتاب يا شيخ، مطبوع أكثر من مرة؟

طالب: ..........

لا هذا نثر، وذاك شعر.

"أَوْ بِطَاهِرٍ لَا يُمْكِنُ صَوْنُهُ عَنْهُ كَالطُّحْلُبِ، وَوَرَقِ الشَّجَرِ" ماء في مزرعة يتساقط الشجر من فوقه، ويقع في البئر، أو في الساقية، أو غيرها، أو في النهر، لا يمكن صون الماء عنه، لا يُمكن.

"أَوْ لَا يُخَالِطُهُ كَالْعُودِ الهندي" في بعض النسخ.

"كَالْعُودِ، وَالْكَافُورِ، وَالدُّهْنِ" هذه الأشياء لو وقعت في ماء لا تأخذ ولا تُعطي، لا تشرب الماء ولا تؤثِّر فيه.

طالب: ما تتحلل؟

ولا تتحلل ولا جزء منها يتحلل.

طالب: ..........

رائحة؟

لكن هذه الروائح طيبة، ما هي بروائح نجاسة.

"كَالْعُودِ، وَالْكَافُورِ" وهو نبتٌ طيب الرائحة، العود المقصود به الطِّيب بخور، والكافور نوع من الطِّيب يُجعل في كفن الميت إذا غُسِّل «وَاجْعَلْنَ فِيها كَافُورًا أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ» في حديث تغسيل ابنة النبي- عليه الصلاة والسلام-.

"وَالدُّهْنِ" والدهن إذا وقع على الماء لا يُخالطه، لا يختلط فيه، ولا يتغير الماء بلونه ولا بطعمه ولا بريحه.

"وأما ما أَصْلُهُ الْمَاءُ كَالْمِلْحِ الْبَحْرِيِّ" الملح البحري إذا تجمد صار له جُرم وإلا فالأصل هو ماءٌ مالح.

إذًا النوع الثاني الملح المعدني ما أصله؟

طالب: ..........

وهذا الملح الذي في ... وفي الشُّقة عندنا في القصيم وغيره كلها تذوب وتصير ماءً تعود إلى أصلها.

"وأما ما أصله الماء" هم يُفرقون بين المائي الذي أصله الماء وما أصله المعدن، فيرون أن المعدني يؤثر، والمائي لا يؤثر، ونحتاج إلى بحثٍ دقيق في هذه المسألة إن أمكن.

طالب: ..........

الثلج وهذا صار ماءً وساح راح صار ماءً.

طالب: ..........

هو أصله ماء تجمع وانعقد وصار ملحًا، ثم بعد ذلك يعود إلى أصله إذا جاءه ماء وذاب مثل الثلج.

طالب: ..........

ماذا؟

طالب: ..........

لكن الملح درجاته تتفاوت في الماء، الملح تتفاوت درجاته في الماء، فإذا وصل إلى حدٍّ يكون ملحًا حقيقة فلا يُمكن الوضوء به، ثم إذا تضاءلت النسبة إلى أن تصل إلى حدٍّ يذكرونها في مياه المصانع النِّسب نِسب الملح إلا إذا ذاب؛ لأنه ملح ما يسمى خلاص ليس باقيًّا على أصل خلقته، والتراب أقرب منه، وهو مطهِّر إذا خالط الماء فبحسب نسبته، إن وصل إلى درجةٍ إلى أن يكون طينًا لا يُستعمَل، وإذا خلطه ولم يسلبه اسم الماء يتوضأ به.

"وأما ما أَصْلُهُ الْمَاءُ كَالْمِلْحِ الْبَحْرِيِّ، أَوْ مَا تَرَوَّحَ" يعني ما تأثر "بِرِيحِ منتنةٍ" وقلنا: إن أكثر الكتب عند الحنابلة ميتة بريح ميتةٍ، والله أعلم أن هذا الذي صحح منتنة اجتهاد منه بدليل أنه يقول في حاشية اثنين: كذا في ميم بيد أنه غير مقروءٍ بسبب التصوير، فصار هذا اجتهادًا من المُحقق.

أكثر الذي وقفنا عليه من كُتب الحنابلة وما حفظناه في الزاد وغيره ميتة، وهنا قال: مُنتنة، صحيح المُنتنة أشمل، لكن إذا لم تكن ميتة تكون طاهرة أم نجسة؟

طالب: ما يلزم من النتن النجاسة.

ما يلزم النجاسة.

بعض الناس فيه روائح كثيرة من كثرة العمل، ومشقة العمل، وبعض الروائح التي تنبعث من جسده يؤثر في الماء الذي يستعمله، يؤثر في رائحة الماء لا في نجاسته، فالذي يظهر أن الصواب: ميتة.

طالب: ..........

ميتة واضح ما فيه إشكال؛ لأن الميتة... طيب لو كانت الميتة جثة آدمي؟

طالب: ..........

هم يفترضون أنه بجانبه ميتة.

طالب: والهواء ينقل الرائحة.

أنت سافرت شهر مثلًا، ويوم جئت من السفر تجدك مغلق الباب على هر وميت ومنتفخ ومتمزق، لكن ما تجزم أنه وصل إلى هذا الماء شيء من أجزائه، لكن رائحته قبيحة، هذا تأثر برائحة ميتة؟

طالب: نعم.

ويحصل كثيرًا.

طالب: ..........

يُفرقون بينهما، الفقهاء يُفرقون.

وبالنسبة للدراسات الحديثة والعلمية وكذا، ابحثوا عنها جزاكم الله خيرًا، أنا قلت للشيخ: ابحث لنا وغيره.

"أَوْ مَا تَرَوَّحَ بِرِيحِ منتنةٍ" والأقرب أنها ميتة، لاسيما وأن المحقق يقول: بيد أنه غير مقروءٍ بسبب التصوير، فيكون هذا اجتهادًا منه لا من الأصل، ولا بُد أن نحضر نسخة الشيخ وغيرها إن وُجِد.

في صفحة سبعة عشر يقول: رموز الصفحة الأولى من مصورة النسخة ش المعتمدة في تحقيق الكتاب وإخراجه.

انظر السطر قبل الأخير.

طالب: بريح ميتة.

بريح ميتة وواضحة مثل الشمس، ولا أشار إليها.

طالب: عجيب والله.

المقدمة مصوَّرة عند الإخوان؟

طالب: السطر قبل الأخير.

جدًّا واضح لو أشار إليها ولو في الحاشية على الأقل كذا في ميم بيد أنه غير مقروءٍ بسبب التصوير.   

"أَوْ سُخِّنَ بِالشَّمْسِ" يعني قصدًا قُصِد تسخينه، الشافعية يرون الكراهة فيما قُصِد تشميسه، والكراهة لا لاحتمال النجاسة، وإنما هو من الناحية الطبية عندهم، قالوا: إنه يورث البرص، وهذه الملاحظة الطبية هل تختلف بين ما قُصِد تشميسه أو تسخَّن بنفسه، سخنته الشمس من غير قصد؟

لو كان الكلام صحيحًا، والعلم عند الله –جلَّ وعلا- أن الناس كلهم فيهم برص، في الصيف كلهم يتوضؤون من الماء الحار الذي سخنته الشمس.

طالب: ..........

يستخدمون الماء، لكن ما يصير حارًّا.

طالب: المراد الشمس.

ما هم يسخنونه بشمس يسخنونه بالنار أو الكهرباء.

طالب: ..........

لا، ما هو بدافئ، سُخِّن يعني صار حارًّا؛ ولذا القول بكراهيته لا أصل له، ويروون في ذلك حديثًا ضعيفًا حَكم عليه بعضهم بالوضع أن عائشة سخَّنت الماء بالشمس، فقال لها النبي –عليه الصلاة والسلام-: «لا تَفْعَلِي يَا حُمَيْرَاءُ، فَإِنَّهُ يُوَرِّثُ الْبَرَصَ»، والحديث لا أصل له. 

"أَوْ سُخِّنَ بِالشَّمْسِ أَوْ بِطَاهِرٍ" هذا عند الحنابلة من الطهور الذي سُخِّن بالشمس أو سُخِّن بطاهر طهورًا أيضًا؛ لأنه لا يتأثر حتى لو تصاعد دخان هذا الطاهر ووصل إلى الماء لم يتأثر، بخلاف ما إذا سُخِّن بنجس على ما سيأتي.

"فَهَذَا كُلُّهُ طَاهِرٌ مُطَهِّرٌ يَرْفَعُ الْأَحْدَاثَ" الأحداث الكبرى والصغرى، ويُغتسل به ويُتوضأ منه.

"يَرْفَعُ الْأَحْدَاثَ، وَيُزِيلُ الْأَنْجَاسَ" فالنبي –عليه الصلاة والسلام- أمر الحائض أن تقرص أثر الحيض بالماء، وأمر بصب ذنوبٍ من ماء على بول الأعرابي، هو يُزيل الأنجاس كما أنه يرفع الأحداث.

"غَيْرُ مَكْرُوهِ استعماله" استعماله غير مكروه؛ لأنه لا دليل على الكراهة.

يعني إذا سُخِّن وارتفعت درجة حرارته بحيث لا يتمكن المتوضئ من إسباغ وضوئه من شدة حرارته، أحيانًا حتى المُسخَّن بالشمس قد لا يُطاق، فمثل هذا يُجتنب ويُتقى، يُبرَّد. 

"يَرْفَعُ الْأَحْدَاثَ، وَيُزِيلُ الْأَنْجَاسَ غير مكروهٍ استعماله" كذا في ميم وفي شين وطاء "الاستعمال".

"وَإِنْ سُخِّنَ بِنَجَاسَةٍ" المادة التي يُسخَّن بها نجسة.

"فَهَلْ يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ" هذه النجاسة التي سُخِّن بها ما المحظور فيها؟ الدخان دخان النجاسة يُخشى أن يصل إلى الماء، وحينئذٍ إذا كان الغطاء محكمًا فهذا لا يؤثر فيه، وإذا كان غير محكم، وغلب على الظن تصاعد الأبخرة والأدخنة، وأوصِلت إلى الماء، فهل يُكره استعماله؟ على روايتين.

ما المرجح من هاتين الروايتين؛ لأن المؤلف يُطلق الروايات؛ من أجل أن يتمرن طالب العلم على الترجيح بين هذه الروايات في الغالب يقتصر على روايتين بخلاف الكافي الذي يذكر أربعة أو أكثر.

على روايتين، ما المرجَّح منهما؟ عندنا كتاب مرجع في هذا.

طالب: ..........

أحضرناه وقرأنا مقدمته (التنقيح المشبع في تحرير أحكام المقنع) التنقيح، والتنقيح هذا خلاصة الإنصاف، والإنصاف يجمع كل ما وصل إليه من الروايات ويُرجِّح بينها، وهو كتابٌ لمن له عناية بالمذهب والتمذهب لا نظير له، بينما الذين يرون التمذهب يُعيق عن تحصيل العلم وأخذه من أصوله من الكتاب والسُّنَّة سمعنا قول من قال: أنا لا أقتني الإنصاف، ولا أعتني به، كيف أعتني بكتابٍ ليس فيه الصلاة على النبي –عليه الصلاة والسلام- إلا في أربعة مواضع؟ اثنا عشر مجلدًا، ما فيه صلى الله عليه وسلم؟

هو صحيح ما بُني على الأدلة، الكتاب ما بُني على الأدلة، ولكن يبقى أن فيه –صلى الله عليه وسلم- أكثر بكثير، وقد يقول قائل: لأن الذي يقول هذا الكلام من العلماء الراسخين المُطَّلعين لكنه لا يتمذهب، ومع ذلك قد يُقال: إن الطابع تصرف أو بعض النُّساخ، ووجِد بعض النُّسخ –صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه ما يمر ذكره –عليه الصلاة والسلام- إلا ويُصلى عليه.

ولكن إذا قلنا مثل هذا الكلام أن فيه مقتضيًا للصلاة على النبي –عليه الصلاة والسلام- حتى على هذا الاحتمال، فيكون فيه ما يقتضي الصلاة على النبي –عليه الصلاة والسلام- وهو ذكره وهو المطلوب.

ماذا عندكم؟ ماذا قال على الروايتين؟ الشرح الكبير معك؟

طالب: ..........

معك يا شيخ اقرأ.

قال –رحمه الله تعالى-: "مسألةٌ قال: "وَإِنْ سُخِّنَ بِنَجَاسَةٍ، فَهَلْ يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ" الماءُ المُسَخَّنُ بالنَّجاسة يَنْقَسِمُ ثلاثةَ أقسامٍ:

أحدُها: أن يَتَحَقَّقَ وُصولُها إليه، فهذا نَجِسٌ إن كان يَسِيرًا؛ لما يأتي.

الثاني: إن غَلَبَ على الظَّنِّ أنَّها لا تصلُ إليه، فهو طاهرٌ بالأصل، ولا يُكْرَهُ اسْتِعْمالُه في أحَدِ الوَجْهين. اخْتاره الشَّريفُ أبو جعفر، وابنُ عَقِيلٍ؛ لأنَّ احْتمال وُصُولِ النَّجاسةِ إليه يَبْعُدُ، أشْبَهَ غيرَ المُسَخَّنِ.     

والثاني يُكْرَه؛ لاحْتمال وصولِ النَّجاسةِ. اختارَه القاضي.

الثالث: ما عدا ذلك، ففيه روايتان:

إحداهما: يُكْرَهُ، وهو ظاهرُ المذهبِ؛ لأجلِ النجاسة.

والثانية: لا يُكْرَهُ، كالتي قبلها، وكالماءِ إذا شُكَّ في نجاستِه. وهذا مذهبُ الشافعيِّ، وذَكَر أبو الخَطّابِ في الماءِ المُسَخَّنِ بالنَّجاسةِ روايتَين على الإِطْلاق، واللهُ أعلمُ".

ما فيه ترجيح، الأحكام معلقة بغلبة الظن.

طالب: .........

هذا فيه شك خلاص، الشك لا يزيل اليقين، الأصل الطهارة، فإذا شك فالشك هذا لا يُزيل اليقين، لكن إذا غلب على الظن...

طالب: إذا كان الشك لا يغلب على الظن شيء يحتمله القسم الثالث، "الثالث: ما عدا ذلك" يعني ما عدا القسمين الأولين "ففيه روايتان: إحداهما: يُكْرَهُ، وهو ظاهرُ المذهبِ؛ لأجلِ النجاسة.

والثانية: لا يُكْرَهُ، كالتي قبلها، وكالماءِ إذا شُكَّ في نجاستِه".

لكن نرجع إلى قواعد أخرى وهي أن الشك الأصل فيه الطهارة، والشك لا يُزيل اليقين، يبقى إذا كان غلبة ظن، والأحكام تُعلَّق بغلبة الظن.

إن كانت كراهته من باب الورع واتقاء الشبهة فنعم، وإن كانت بالإلزام فما تنهض.

طالب: .........

لا هو المسألة مفترضة في ماءٍ قليل ولو لم يتغير ينجس.

طالب: .........

لا اصطلاحية، ويُدخل ما وضعوه في قسم الطهور إلا إذا تُيُقِّن وصول الدخان وهو قليل حينئذٍ ينجس.