كتاب الجامع من سبل السلام (7)

نعم.

أحسن الله إليك.

"الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين.

اللهم اغفر لشيخنا والسامعين.

أما بعد،

فقال في البلوغ وشرحه في كتاب الجامع:

باب البر والصلة:

 البر بكسر الموحدة: التوسع في بذل الخير، والبَر بفتحها المتوسع في الخيرات، وهو من صفات الله تعالى.."

ومنه قيل للمفاوز والقفار: بر وبراري؛ لسعتها.

أحسن الله إليك.

"والصلة بكسر صاد مهملة: مصدر وصله كوعده عِدَة في النهاية.."

في كتب الحديث الأصلية يترجمون باب البر والصلة والآداب، باب البر والصلة والآداب، فالبر مع الوالدين، والصلة مع الأقارب، والآداب مع سائر الناس.

أحسن الله إليك.

"في النهاية. تكرر في الحديث صلة الأرحام، وهي كناية عن الإحسان إلى الأقربين من ذوي النسب والأصهار، والتعطف عليهم، والرفق بهم، والرعاية لأحوالهم، وكذلك إن بعدوا وأساؤوا، وضد ذلك قطيعة الرحم، انتهى.

 عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من أحب أن يُبسط» أن يَبسط الله «له في رزقه» أي يوسع له فيه."

أن يُبسط مغير الصيغة أي يبسط الله، يعني مبني للمفعول، مبني للمجهول، وبني للمجهول؛ للعلم به، حذف الفاعل وبني للمجهول للعلم به كما في قوله: {وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً} [سورة النساء:28].

طالب: من كلام الشارح هذي يا شيخ مغيَّر الصيغة؟

قال: مغيَّر الصيغة أن يبسط الله..

أحسن الله إليك.

من أحب أن يبسط» مغيَّر الصيغة أي يبسط الله «له في رزقه» أي يوسع له فيه، «وأن ينسأ له» مثله مغير الصيغة بالسين المهملة مخففة أي يؤخر له، «في أثره» فتح الهمزة والمثلثة فراء أي أجله، «فليصل رحمه». أخرجه البخاري، وأخرج الترمذي عن أبي هريرة أن صلة الرحم محبة في الأهل، مثراة في المال، منسأة في الأجل، وأخرج أحمد عن عائشة- رضي الله عنها- مرفوعا: «صلة الرحم وحسن الجوار يعمران الديار، ويزيدان في الأعمار»، وأخرج أبو يعلى من حديث أنس مرفوعًا: «إن الصدقة وصلة الرحم يزيد الله بهما في العمر، ويدفع بهما ميتة السوء»، وفي سنده ضعف.

 قال ابن التين: ظاهر الحديث أي حديث البخاري معارض لقوله تعالى: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} [سورة الأعراف:34]. قال: والجمع بينهما من وجهين: أحدهما: أن الزيادة كناية عن البركة في العمر بسبب التوفيق للطاعة، وعمارة وقته بما ينفعه في الآخرة، وصيانته عن تضييعه في غير ذلك، ومثل هذا ما جاء أن النبي -صلى الله عليه وسلم- تقاصر أعمار أمته إلى من مضى من الأمم، فأعطاه الله ليلة القدر، وحاصله أن صلة الرحم تكون سببًا للتوفيق للطاعة، والصيانة عن المعصية، فيبقى بعده الذكر الجميل، فكأنه لم يمت، ومن جملة ما.."

وينتج في عمره القصير ما لا ينتجه غيره في ضعف هذا الوقت، الرجل الواصل الذي بورك له في عمره، ومد له في أثره وأجله هذا تجده يعيش ثلاثين، أربعين، ويعيش غيره مائة، فتجد هذا له أثره وإنتاجه أكثر من صاحب المائة، عمر بن عبد العزيز ما كمَّل الأربعين، تسعًا وثلاثين سنة. ولو قرأت في تراجم أهل العلم لوجدت أن منهم من اشتهر ذكره، وشاع فضله، وانتشر نفعه، وما كمل الثلاثين أو الأربعين أو الخمسين، الإمام الشافعي أربعًا وخمسين سنة، الإمام الشافعي أربعًا وخمسين سنة، النووي..

طالب: ..........

الأئمة كلهم أو جلهم يعني لا ليس للعمر أثر في إنتاجهم، يعني طوله وقصره، وتجد الشخص يعيش السنين، وتمضي عليه الأيام، وعنده رسالة كراسة يعيد فيها النظر، ويحرر، ويكرر، وينساه شهرًا، وينتبه لها ساعة، وتمضي الأيام، ويعمر مائة سنة وهو ما طلع هذه الكراسة، والله المستعان.

أحسن الله إليك.

"ومن جملة ما يحصل له من التوفيق العلم الذي ينتفع به من بعده بتأليف ونحوه، والصدقة الجارية عليه، والخلف الصالح.

 وثانيهما: أن الزيادة على حقيقتها، وذلك بالنسبة إلى علم الملك الموكَّل بالعمر، والذي في الآية بالنسبة إلى علم الله كأنه يقال للملك مثلاً: إن عمر فلان مائة إن وصل رحمه، وإن قطعها فستون، وقد سبق في علمه أنه يصل أو يقطع، فالذي في علم الله لا يتقدم ولا يتأخر، والذي في علم الملك هو الذي يمكن فيه الزيادة والنقص، وإليه الإشارة بقوله تعالى: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [سورة الرعد:39]، فالمحو والإثبات بالنسبة إلى ما في علم الملك، وما في أم الكتاب، وأما في علم الله سبحانه فلا.."

مع أنه لا مخالفة بما جاء في الحديث للآية؛ لأن الآية تنص على أنه إذا جاء الأجل، والمد والبسط قبل مجيئه، قبل مجيئه.

أحسن الله إليك.

"وأما الذي في علم الله سبحانه فلا محو فيه ألبتة، ويقال له: القضاء المبرم، ويقال للأول: القضاء المعلَّق، انتهى، والوجه الأول أليق، فإن الأثر."

وأن الزيادة معنوية، وليست حسية.

أحسن الله إليك.

"والوجه الأول أليق، فإن الأثر ما يتبع الشيء، فإذا أخر حسن أن يحمل على الذكر الحسن بعد فقد المذكور، ورجَّحه الطيبي."

والعمر في الحقيقة الذكر الحسن في الحياة وبعد الممات.

عمر الفتى ذكره لا طول مدته

 

 

 

 

وموته خزيه لا يومه الداني

 

 

الذكر الحسن سواء كان في حال الحياة أو بعد المماة {وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ} [سورة الشعراء:84].

طالب: يشكل على هذا قوله: ويبسط له في رزقه..

يبسط له في رزقه نفس الشيء.

طالب: ..........

يبسط له في رزقه، يستفيد من دخله ولو كان قليلاً أكثر مما يستفيده من دخله أضعاف ممن لم يصل.

طالب: ..........

أين؟

طالب: ..........

نعم، حتى المال ينتفع به بعد موته، يكون ثلث فلان وصيته في الثلث قد تكون مبلغًا يسيرًا، والثاني ثلثه أضعف أضعاف، ويستفاد من الثلث أكثر من ذلك، يتجه.

أحسن الله إليك.

"ورجحه الطيبي، وأشار إليه في الفائق، ويؤيده ما أخرجه الطبراني في الصغير بسند ضعيف عن أبي الدرداء أنه قال: ذُكر عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من وصل رحمه أُنسئ له في أجله فقال: «إنه ليس زيادة في العمر قال تعالى: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} [سورة الأعراف:34] ولكن الرجل تكون له الذرية الصالحة يدعون له من بعده»، وأخرجه في الكبير مرفوعًا من طريق أخرى، وجزم ابن فُورك.."

أو ابن فَورك يا شيخ؟

فُورَك، فُورَك بالضم، مخرج الحديث هذا..؟ هو قال: بسند ضعيف.

طالب: يقول: عزاه إليه الهيثمي في المجمع، وقال: ليس في إسناده متروك، ولكنهم ضعفوا.

نعم، ضعفه ظاهر، ولو صح لحسم، أقول: لو صح لحسم الخلاف.

أحسن الله إليك.

"وجزم ابن فورك بأن المراد بزيادة العمر بأن المراد بزيادة العمر نفي الآفات عن صاحب البر في فهمه وعقله. وقال غيره في أعم من ذلك، وفي وجود البركة في عمله ورزقه. ولابن القيم في كتاب الداء والدواء كلام يقضي بأن مدة حياة العبد وعمره هي مهما كان قلبه مقبلاً على الله تعالى ذاكرًا له مطيعًا غير عاصٍ، فهذه هي عمره وحياته، ومتى أعرض القلب عن الله تعالى، واشتغل بالمعاصي ضاعت عليه أيام حياة عمره، فعلى هذا أنه ينسأ له في أجله أي يعمر الله قلبه بذكره، وأوقاته بطاعته.

 ويأتي تحقيق صلة الرحم في شرح قوله: وعن جبير بن مطعم أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا يدخل الجنة قاطع» يعني قاطع رحم. متفق عليه.

 وأخرج أبو داود من حديث أبي بكرة يرفعه: «ما من ذنب أجدر أن يعجِّل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا، مع ما ادخر الله له في الآخرة من قطيعة الرحم». وأخرج البخاري في الأدب المفرد من حديث أبي هريرة يرفعه: «إن أعمال أمتي تُعرض عشية الخميس ليلة الجمعة، فلا يقبل عمل قاطع رحم». وأخرج فيه من حديث ابن أبي أوفى: «إن الرحمة لا تنزل على قوم فيهم قاطع رحم». وأخرج الطبراني من حديث ابن مسعود: إن أبواب السماء مغلقة دون قاطع الرحم.

 واعلم أنه اختلف العلماء في حد الرحم التي تجب صلتها ويحرم قطعها؛ فقيل: هي الرحم التي يحرم النكاح بينهما بحيث لو كان أحدهما ذكرًا حرم على الآخر، فعلى هذا لا يدخل أولاد الأعمام ولا أولاد الأخوال، واحتج هذا القائل بتحريم الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها في النكاح؛ لما يؤدي إليه من التقاطع، وقيل: هو من كان متصلاً بميراث، ويدل عليه قوله -صلى الله عليه وسلم-: «أدناك أدناك»، وقيل: من كان بينه وبين الآخر قرابة سواء كان يرثه أو لا، ثم صلة الرحم كما قال القاضي.."

ولا شك أن الصلة أو الحد في الرحم التي تجب صلتها أنها تتفاوت بحسب كثرة الأقارب من قلتهم، فلا يطالَب من ليس له إلا عم واحد أو خال واحد أو خالة واحدة أو عمة واحدة بمثل من يطالَب من له عشرة أعمام أو عشرة أخوال أو ما أشبه ذلك، فالأمور تقدر بقدرها، لو طالبنا من له عشرة أعمام وعشرة أخوال وعشرة عمات وخالات وهكذا بمثل من قل عدد أعمامه وأخواله لانتهى عمره في الصلة، ولو قلنا لصاحب الخال الواحد أو العم الواحد: أنت مطالب مثل ذاك بأن لا تزور إلا في السنة مرة حصلت القطيعة، فالمسألة لا شك أنها تتبع المشقة، فإذا زاد العدد قل الطلب، وإذا قل العدد زاد الطلب، وهكذا.

طالب: ..........

مثل هذا الذي نقول.. ما يمكن تحديد المدة، يختلف الناس إن كان ما لك إلا عم واحد فلازم كل أسبوع مرة، وإن كان لك عشرة أعمام وعشرة أخوال وما أدري إيش.. قلنا: خلهم..

طالب: ..........

الوالدان المفترض كل يوم ماذا يؤخرك؟! الوالدان ما تتركهم.

أحسن الله إليك.

"ثم صلة الرحم كما قال القاضي عياض درجات، بعضها أرفع من بعض، وأدناها ترك المهاجرة وصلتها بالكلام ولو بالسلام، ويختلف ذلك باختلاف القدرة والحاجة."

يعني كما جاء في الخبر: «يُعرِض هذا ويُعرِض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام» هذا الذي قطع الهجر.

أحسن الله إليك.

"فمنها واجب، ومنها مستحب، فلو وصل بعض الصلة ولم يصل غايتها لم يُسم قاطعًا ولو قصر عما يقدر عليه وينبغي له لم يُسم واصلاً، قال القرطبي: الرحم التي توصَل عامة وخاصة،  فالعامة رحم الدين، وتجب صلتها بالتوادد والتناصح والعدل والإنصاف والقيام بالحقوق الواجبة والمستحبة، والرحم الخاصة تزيد بالنفقة على القريب، وتفقد حاله، والتغافل عن زلته، وقال ابن جمرة.."

هكذا يا شيخ؟

ابن أبي.. ابن أبي جمرة..

أحسن الله إليك.

"وقال ابن أبي جمرة: المعنى الجامع إيصال ما أمكن من الخير، ودفع ما أمكن من الشر بحسب الطاقة، وهذا في حق المؤمنين، وأما الكفار والفساق فتجب المقاطعة لهم إذا لم تنفع الموعظة.

 واختلف العلماء أيضًا بأي شيء تحصل القطيعة للرحم، بأي شيء تحصل القطيعة للرحم، فقال زين العراقي: تكون بالإساءة إلى الرحم، وقال غيره: تكون بترك الإحسان؛ لأن الأحاديث آمرة بالصلة، ناهية عن القطيعة، ولا واسطة بينهما، والصلة نوع من الإحسان، كما فسرها بذلك غير واحد، والقطيعة ضدها، وهي ترك الإحسان، وأما ما أخرجه الترمذي من قوله -صلى الله عليه وسلم-: «ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها» فإنه ظاهر في أن الصلة إنما هي ما كان للقاطع، إنما هي ما كان للقاطع صلة رحمه، وهذا على رواية: قُطعت."

قَطعَت.

أحسن الله إليك.

"وهذا على رواية قَطعَت بالبناء للفاعل، وهي رواية، فقال ابن العربي في شرحه."

شرح الترمذي.

أحسن الله إليك.

"فقال ابن العربي في شرحه: المراد الكاملة في الصلة، وقال الطيبي: معناه ليس حقيقة الواصل، ومن يُعتَد بصلته من يكافئ صاحبه بمثل فعله، ولكن من يتفضل على صاحبه، ومن يعتد بصلته، من يكافئ صاحبه بمثل فعله، ولكن من يتفضل على صاحبه. قال المصنِّف: لا يلزم من نفي الوصل.."

مَن المصنف؟

طالب: ابن حجر.

ابن حجر نعم، مصنف الأصل.

"قال المصنف: لا يلزم من نفي الوصل ثبوت القطع، فهم ثلاث درجات: واصل، ومكافئ، وقاطع، فالواصل هو الذي يَتفضل ولا يُتفضل عليه، والمكافئ الذي لا يزيد في الإعطاء على ما يأخذه، والقاطع هو الذي لا يُتفضل عليه ولا يَتفضل. قال الشارح: وبالأولى.."

وأسوأ منه من يُتفضل عليه ولا يَتفضل.

أحسن الله إليك.

"قال الشارح: وبالأولى أن من تُفضل عليه ولا يتفضل أنه قاطع، قال المصنف: وكما تقع المكافأة بالصلة من الجانبين، كذلك تقع بالمقاطة من الجانبين، فمن بدأ فهو القاطع، فإن جوزي سمي من جازاه مكافئًا."

اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه...

 

اللهم صل على محمد...