كتاب اللعان من المحرر في الحديث - 01

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

نعم.

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد،

اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين يا رب العالمين.

قال المؤلف -رحمه الله-:

كتاب اللعان

باب فرض اللعان

 عن سعيد بن جبير قال: سئلت عن المتلاعنين في إمرة مصعب، أيفرق بينهما؟ قال: فما دريت ما أقول، فمضيت إلى منزل ابن عمر فقلت للغلام: استئذن لي، قال: إنه قائل فسمع صوتي قال ابن جبير؟ قلت: نعم، قال: ادخل فوالله ما جاء بك هذه الساعة إلا حاجة، فدخلت، فإذا هو مفترش برضعة متوسد وسادة حشوها ليف، قلت: أبا عبد الرحمن، المتلاعنان أيفرق بينهما؟ قال: سبحان الله، نعم، إن أول من سأل عن ذلك فلان بن فلان قال: يا رسول الله، أرأيت لو وجد أحدنا امرأته على فاحشة، كيف يصنع إن تكلم، إن تكلم تكلم بأمر عظيم، وإن سكت، سكت على مثل ذلك قال: فسكت النبي -صلى الله عليه وسلم- فلم يجبه، فلما كان بعد ذلك أتاه فقال: إن الذي سألتك عنه قد ابتليتُ به، فأنزل الله -عز وجل- هؤلاء الآيات في سورة النور: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [سورة النــور:6]، فتلاهن عليه، ووعظه، وذكره، وأخبره أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، فقال: لا، والذي بعثك بالحق ما كذبت عليها، ثم دعاها، فوعظها، وذكرها، وأخبرها أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، قالت: لا والذي بعثك بالحق، إنه لكاذب، فبدأ بالرجل فشهد أربع شهادات، فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين، والخامسةُ أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، ثم ثنَّى بالمرأة فشهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين، والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين، ثم فرق بينهما، رواه مسلم.

 وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للمتلاعنَين: «حسابكما على الله، أحدكما كاذب لا سبيل لك عليها» قال: يا رسول الله، مالي، قال: «لا مال لك إن كنت صدقتَ، إن كنت صدقتَ عليها فهو بما استحللت من فرجها، وإن كنت كذبت عليها، فذاك أبعد لك منها»، متفق عليه، واللفظ لمسلم.

 وله عن هشام عن محمد قال: سألتُ أنس بن مالك وأنا أرى أن عنده منه علمًا فقال: إن هلال بن أمية قذف امرأته بشريك بن سحماء، وكان أخا البراء بن مالك لأمه، وكان أول رجل لاعن في الإسلام، قال: فلاعنها، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أبصروها، فإن جاءت به أبيض سبطًا قضيء العينين فهو لهلال بن أمية، فإن جاءت به أكحل جعدًا حمش الساقين فهو لشريك بن سحماء».

 قال: فأُنبئت أنها جاءت به أكحل جعدًا حمش الساقين.

 وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر رجلاً حين أمر المتلاعنين أن يتلاعنا أن يضع يده على فيه عند الخامسة وقال: «إنها موجبة»، رواه أبو داود والنسائي، وإسناده لا بأس به.

 وعن ابن شهاب، عن سهل بن سعد أن عويمر العجلاني جاء إلى عاصم بن عدي الأنصاري فقال له: أرأيت يا عاصم لو أن رجلاً وجد مع امرأته رجلاً، أيقتله، أم كيف يفعل؟ فسل لي عن ذلك يا عاصم رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم-، فسأل عاصم رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- فكره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المسائل وعابها حتى كبر على عاصم ما سمع من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلما رجع عاصم إلى أهله جاءه عويمر فقال: يا عاصم، ماذا قال لك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قال عاصم لعويمر: لم تأتني بخير، قد كره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المسألة التي سألته عنها، قال عويمر: والله لا أنتهي حتى أسأله عنها، فأقبل عويمر حتى أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسط الناس فقال: يا رسول الله، أرأيت رجلاً وجد على امرأته رجلاً أيقتله فتقتلونه، أم كيف يفعل؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «قد نزل فيك وفي صاحبتك فاذهب فائت بها»، قال سهل: فتلاعنا وأنا مع الناس عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلما فرغا من تلاعنهما قال عويمر: كذبتُ عليها يا رسول الله إن أنا أمسكتها، فطلقها ثلاثًا قبل أن يأمره رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، قال ابن شهاب: فكانت سنة المتلاعنين.

 وفي رواية: ذلكم التفريق بين كل متلاعنين، متفق عليه."

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد،

فيقول المؤلف- رحمه الله تعالى-: "كتاب اللعان"، واللعان من اللعن، لاعن يلاعن لعانًا ولعنًا وملاعنة، واللعن هو الطرد من رحمة الله، الطرد من رحمة الله، والإبعاد عنها، والعنوان منتزَع من قول الرجل القاذف في الخامسة: أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، فأخذ منه العنوان لهذا الفعل الذي هو في الأصل لعْن الرجل نفسه إن كان من الكاذبين، كما سيأتي، واللعان جاء بيانه في كتاب الله- جل وعلا-، وهو مشروع بالكتاب والسنة وإجماع أهل العلم، وفائدته، فائدة اللعان سقوط الحد عن الزوجين، حد القذف عن الزوج، وحد الزنى للمرأة المحصنة وهو الرجم، فيسقط الحد بمجرد اللعان، وينتفي الولد باللعان على خلاف بين أهل العلم هل يتطرق بذكره أو لا، أو ينتفي بمجرد اللعان، وهذه مسائل خلافية يأتي تفصيلها.

 القذف قذف المحصنات شأنه عظيم، ورتب عليه أحكام، {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً} [سورة النــور: 4]، {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ  إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا}[سورة النــور: 4-5] هذا هو الأصل في حد القذف إذا طالب به المقذوف وثبت على القاذف إذا طالب به المقذوف فإنه يترتب عليه ثلاثة أحكام: الجلد ثمانين جلدة، ورد الشهادة، والحكم عليه بالفسق، {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ  إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا}[سورة النــور:4-5]، هذا الاستثناء، هذا الاستثناء المتعقب للجمل الثلاث على ماذا يعود؟ هل يعود على الجمل الثلاث كلها، أو على بعضها، أو على الأخيرة فقط؟

إلا الذين تابوا حد القذف لا تسقطه التوبة بالاتفاق، فالاستثناء لا يعود على الجملة الأولى اتفاقًا، يعني ولو تاب القاذف يجلد ثمانين جلدة؛ لأنه في حق مخلوق إلا إذا عفا، ومع ذلك إذا رفع إلى السلطان فلا يكفي فيه العفو، خلاص إذا وصل الحد وانتهى إلى السلطان فإن عفا، فلا عفا الله عنه، هذا الحكم الأول، وهو الجلد ثمانين جلدة، ولا تقبل شهادته أبدًا، هل يتناول الاستثناء الجملة الثانية؟ ترد شهادته مطلقا؟

الجملة الأخيرة: وأولئك هم الفاسقون يعود إليها الاستثناء، وينفع فيها التوبة، ويرتفع عنه الفسق، فإذا ارتفع عنه الفسق تقبل شهادته أم ما تقبل؟ هذا خلاف بين أهل العلم؛ لأنه قرن بالتأبيد {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [سورة النــور:4]، فالجملة الأولى لا يتناوله الاستثناء اتفاقًا، والجملة الأخيرة يتناولها الاستثناء بالاتفاق، يرتفع عنه الفسق، والخلاف في الجملة الثانية من نظر إلى التأبيد قال: لا ينفع فيه التوبة، ومن نظر إلى أن قبول الشهادة مرتبط بالعدالة وارتفع عنه الفسق فما المانع من قبول شهادته؟ ولعل هذا هو الراجح، {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً} [سورة النــور:4]، يعني إن لم يتوبوا، فإن تابوا نفعهم ذلك، هذا الأصل فيمن قذف، ويستوي في ذلك في أول الأمر قذف الرجل الأجنبية، التصريح بأنها زنت، وقذف زوجته، ثم حصل هذا القذف من عويمر العجلاني وهلال بن أمية، قذفا زوجتيهما، فأنزل الله: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاءُ إِلاَّ أَنفُسُهُمْ} [سورة النــور:6]، نزل في حق من قذف زوجته ومن يقذف زوجة غيره أو امرأة أجنبية الضرر عليه ليس بكبير، نعم هو رأى المنكر، وأراد أن يبرئ ذمته، لكن لا يجوز له أن يقذف قبل أن يتم نصاب الشهادة، {ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [سورة النــور:4]، ولم يأتوا بأربعة شهداء، فأولئك عند الله هم الكاذبون.

 يعني لو جاء ثلاثة شهود يشهدون أنهم رأوها تزني، فقذفها ثلاثة، كلهم يجلدون الحد، وأولئك عند الله هم الكاذبون، وإن كانوا صادقين في حقيقة الأمر، هذا حكم شرعي، وحقيقة شرعية في هذا الباب ما لم يتموا أربعة فإنهم يجلدون، نأتي إلى من قذف زوجته وقد تضرر بزناها، إذا طولب بأربعة شهداء كغيره، وقد لا يجد كما قال بعضهم: يذهب يبحث عن الشهود، فإذا بهم قد انتهوا، أنزل الله فيما يرفع الحد عنه وينفعه في نفي الولد الملصق به بغير مائه وهو اللعان. واللعان أن يقول: أشهد بالله لقد زنت امرأته هذه، ويشير إليها، ويسميها أربع مرات، والخامسة يقول: لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، وسيأتي تفصيله في الأحاديث، ثم ترد الأيمان على الزوجة، ويبدأ بالزوج؛ لأنه مدعٍ، فهذه الأيمان بمنزلة الشهود الأربعة.

 قال -رحمه الله-: "عن سعيد بن جبير قال: سئلت عن المتلاعنين في إمرة مصعب" مصعب بن الزبير كان أميرًا على العراق نيابة عن أخيه عبد الله بن الزبير، واستمر مصعب أميرًا على العراق ثلاث سنوات حتى قتل، وانتهت إمرة أو إمارة عبد الله بن الزبير وما تفرع عنها على يد الحجاج بن يوسف، حينما نصب المنجنيق على الكعبة، وفعل ما فعل في قصة معروفة في التاريخ، وقتل عبد الله بن الزبير، وانتهت خلافته بذلك.

 "سئلت عن المتلاعنين في إمرة مصعب، أيفرق بينهما؟" أو مجرد ينتفي الحد وتبقى زوجته؟ "أيفرق بينهما قال: فما دريت ما أقول، فما دريت ما أقول"؛ لأن الآية ليس فيها دليل على التفريق، الآية ليس فيها دليل على التفريق، والتفريق يأتي في الأحاديث، "فما دريت ما أقول، فمضيت إلى منزل ابن عمر" عبد الله بن عمر، "فقلت للغلام: استئذن لي" يعني على عبد الله بن عمر، "قال: إنه قائل" من القيلولة، وهي النوم في وسط النهار، إنه قائل.

 "فسمع صوتي" سمع عبد الله بن عمر صوتي، يعني صوت سعيد بن جبير، "قال: ابن جبير"؟ يعني أهذا ابن جبير؟ أو أنت ابن جبير؟ أنت ابن جبير؟ "قلت: نعم، قال: ادخل فوالله ما جاء بك هذه الساعة إلا حاجة، ادخل فما جاء بك، فوالله ما جاء بك هذه الساعة إلا حاجة".

 يعني ينبغي قضاء الحاجات بقدر الوسع والطاقة، يأتي المسلم إلى أخيه في حاجة، فالمتوجِّه أن يقضي حاجته مادام في وسعه قضاؤها وفي قدرته قضاؤها.

 "فدخلت، فإذا هو مفترش برذعة" كثيرًا ما يطرق الباب من سائل عن مسألة واقعة أو عن مسألة علمية ما وقعت والشيخ أو العالم مرتاح، يعني إما نائم وإما جالس مع أولاده، وإذا فتح المجال للناس كلهم ما صار له وقت للراحة، لكن مع ذلك ينبغي، وعليه أن يبذل، وعلى الطرف الآخر أن يرفق، ولذا قالوا في آداب طالب العلم: على طالب العلم ألا يضجر شيخه بكثرة المسائل، والإلحاح، واتباعه، والبحث عنه في كل مكان، ما يلزم هذا، المسألة تسديد ومقاربة، على العالم أن يبذل، وعلى الطرف الثاني أن يرفق.

 "فدخلت، فدخلت" عليه يعني "فإذا هو مفترش برذعة، مفترش برذعة" البرذعة التي توضع على الحمار ليُركَب عليه مثل المرتبة مرتبة السيارة يعني بردعة بردعة بالدال وبالذال تقال، "متوسد وسادة حشوها ليف، حشوها ليف" هذا ابن عمر الصحابي المقتدي المؤتسي الذي يروي حديث: «كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل»، وهو يعرف أن النبي -عليه الصلاة والسلام- ينام على وسادة من أدم حشوها ليف، فهو يقتدي به، وهو حريص على الاقتداء بالنبي- عليه الصلاة والسلام- وفعل أشياء من الاقتداء ما فعلها غيره، والله المستعان، «كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل»، ابن عمر ابن الخليفة الراشد، لكن إذا نظرنا إلى سيرة أبيه فالولد ابن أبيه، يخطب الناس وفي ثوبه بضع عشرة رقعة، وهو الخليفة؟! وابنه ابن الخليفة، تصوروا أولاد الملوك والرؤساء في البلدان الفقيرة، اتركوا البلدان الغنية، كيف يفعلون، والله المستعان، الهموم اختلفت.

 "متوسد وسادة حشوها ليف، قلت: أبا عبد الرحمن" هذه كنية عبد الله بن عمر، وهو منادى حذف حرف النداء وبقي أثره، يعني يا أبا عبد الرحمن.

 "المتلاعنان" يعني الزوج إذا قذف زوجته ولم يأت بالشهداء توجهت إليه الأيمان وقالها، ثم توجهت إلى المرأة وقالتها، "أيفرق بينهما؟" أو تبقى زوجته، يرتفع الحد أو تبقى زوجته؟ "قال: سبحان الله، نعم كيف يتم العيش بين زوجين زوج رمى زوجته وقذفها بالزنى، بالزنى، الفاحشة، وظهر أمرهما، وجيء بهما إلى الحاكم، وحصل اللعان في المسجد كما يقول أهل العلم بحضور مشهد من الناس ثم تبقى زوجته؟ نسأل الله العافية، ثم تبقى زوجته؟ لا تبقى زوجة، يفرق بينهما؛ لأن الحياة لن تطيب بعد ذلك، وكونه يمسكها وقد شهد عليها بالزنى هذا نوع دياثة، كأنه يقر الخبث في أهله، نسأل الله العافية.

 مع أن أهل العلم يختلفون في الزانية التي زنت وهي في عصمة زوجها، هل يجب طلاقها، أو لا يجب، وأكثر أهل العلم أنه لا يلزم، والنهي عن نكاح غير العفيفات إنما هو في الابتداء لا في الانتهاء، ومنهم من يقول: يجب عليه فراقها، والزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة، والخلاف معروف عند أهل العلم في غير اللعان، أما إذا  تم اللعان انتهت العلاقة.

 "أيفرق بينهما؟ قال: سبحان الله!" تعجب من هذا السؤال، يتعجب أن سعيد بن جبير يخفى عليه هذا الحكم، "نعم إن أول من سأل عن ذلك فلان بن فلان" إما هلال بن أمية أو عويمر العجلاني أو كلاهما، لكن قطعًا أحدهما قبل الآخر، وفي كلٍّ منهما، فتلا عليه الآيات من سورة النور.

 "قال: يا رسول الله، أرأيت لو وجد أحدنا امرأته على فاحشة، كيف يصنع؟ أرأيت لو وجد أحدنا امرأته على فاحشة كيف يصنع؟" هذا السؤال قبل حصول هذه الفاحشة، ثم ابتلي بهذا السؤال، والعلماء أخذوا من هذا الحديث وغيره في قضايا أن البلاء موكل بالمنطق، مثل هذه الأسئلة لا ينبغي أن يستبق فيها الوقت، إن البلاء موكَّل بالمنطق.

 "إن أول من سأل عن ذلك فلان بن فلان، فقال: يا رسول الله، أرأيت لو وجد الرجل، لو وجد امرأته على فاحشة، كيف يصنع؟ إن تكلم تكلم بأمر عظيم" قذف، قذف وفضيحة له ولزوجته، "إن تكلم تكلم بأمر عظيم، وإن سكت سكت على مثل ذلك، إن تكلم تكلم بأمر عظيم، وإن سكت سكت على مثل ذلك"، يعني إن ترك وآثر الستر فالأمر ليس بالسهل، هذه فاحشة، تدنيس للعرض والفراش، وفي مثل هذه الحالة يترجَّح عند أهل العلم أنه إذا وجد الولد فلا بد من اللعان، يتعين اللعان إذا وجد حمل، وأما إذا لم يوجد حمل ففي مثل هذه الحالة يطلِّق ويستُر.

 "إن تكلم تكلم بأمر عظيم، وإن سكت سكت على مثل ذلك، قال: فسكت النبي -صلى الله عليه وسلم- فلم يجبه، فلم يجبه، فلما كان بعد ذلك أتاه" يعني ما تعين الجواب على الرسول- عليه الصلاة والسلام- ولا يقال هذا بيان لا يجوز تأخيره عن وقت الحاجة، الحاجة ما بعد جاءت، يعني البيان يجوز تأخيره إلى وقت الحاجة، يؤخر إلى وقت الحاجة، فمادامت الحاجة ما وجدت فلا يتعين الجواب ولا البيان.

 "فلم يجبه، فلما كان بعد ذلك أتاه" رجع  إليه مرة أخرى "وقال: إن الذي سألتك عنه قد ابتليت به"، ابتليت به، وجد مع امرأته رجلاً يجامعها كما كان افتراضه في السؤال الأول، ولهذا على الإنسان ألا يستبق مثل هذه الأمور القبيحة فيبتلى مثل ما حصل للسائل هنا.

 "قد ابتليت به، فأنزل الله -عز وجل- هؤلاء الآيات في سورة النور: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاءُ إِلاَّ أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ } [سورة النــور:6-7]، ثم بعد ذلك {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ} [سورة النــور:8] إلى آخر الآيات، "فتلاهن عليه، فتلاهن عليه، ووعظه، وذكَّره، وأخبره أن عذاب الدنيا" في الحد "أهون من عذاب الآخرة"، في قذف المحصنة، وجاء في حديث مضعَّف عند أهل العلم، لكن أمره مخيف: «قذف المحصنة يحبط عبادة ستين سنة»، ويكفي ما جاء في كتاب الله من تعظيم أمر القذف، وأنه من السبع الموبقات، كما جاء عنه -عليه الصلاة والسلام-، قذف المحصنات المؤمنات الغافلات من السبع الموبقات.

 "فتلاهن عليه، ووعظه، وذكَّره، وأخبره أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة"؛ ليرجع عن هذا القذف، ويكذب نفسه، "فقال: لا، والذي بعثك بالحق ما كذبت عليها، لا والذي بعثك بالحق ما كذبت عليها، ثم دعاها" النبيُّ -عليه الصلاة والسلام- دعا المرأة، "فوعظها، وذكَّرها، وأخبرها أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة" بحيث لا تلاعن ولا تدعو على نفسها بالغضب ولا تشهد شهادة زور بأنه من الكاذبين "فوعظها وذكّرها وأخبرها أن عذاب الدنيا" وهو في حقها الرجم "أهون من عذاب الآخرة"، عذاب الدنيا وإن كان الرجم أهون من عذاب الآخرة، الرجم حد، والحدود كفارات، صحيح أنه ينهي هذه الحياة الدنيا، لكن العاقبة لا شك أنها أفضل لها لو اعترفت ورجمت، وصار هذا الحد كفارة لما اقترفت، وعذاب الآخرة العذاب الشديد الذي لا تقوم له الجبال الراسيات، لا شك أنه أعظم وأشد، وأن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة.

 "قالت لا، والذي بعثك بالحق، إنه لكاذب فبدأ بالرجل" الآن كل منهما قال: لا، والذي بعثك بالحق، هو يقول إنه لصادق، وهي تقول إنه لكاذب، والله يشهد إن أحدهما كاذب؛ لأنه ما يمكن أن يجتمع الصدق والكذب في قضية واحدة؛ لأنهما متضادان أو متناقضان.

 "لا، والذي بعثك بالحق إنه لكاذب، فبدأ بالرجل" كما بدئ به في القرآن، كما بدئ به في القرآن أن يشهد أربع شهادات، والجمهور على أنه لا يصح اللعان إلا بعد أن يبدأ بالرجل، فلو بدأ بالمرأة فإنه لا يصح، لماذا؟ لأن الرجل مدعٍ، والمرأة مدعًى عليها.

 فلو جاء المدعى عليه بالمال، وحلف أن ما عنده شيء يقبل أم ما يقبل؟ قبل أن يطالب المدعي بالبينة، إذا حلف أنه ليس في ذمته لفلان شيء، هذا المدعي عليه وقال المدعي: عنده لي مبلغ كذا، وهذه بينتي، لا قيمة لحلف المدعى عليه، نعم إذا اتجهت إليه اليمين وقال: لا بينة لي، فإن المدعى عليه يحلف أنه ليس في ذمته شيء، ويبرأ، من أهل العلم من يقول: إذا نكل المدعي عن اليمين اتجهت عليه اليمين لم توجد بينة من المدعي، ونكل المدعى عليه اليمين قال: اليمين ترد على المدعي، ومنهم من قال: لا ترد، تنتهي القضية إذا نكل يلزم بالدفع.

 "فبدأ بالرجل، فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين" أربع شهادات مؤكَّدات بأيمان أربع، شهادات مؤكدات بأيمان، والتأكيد بإن واللام هذه أيمان مغلظة، ولذا قال بعضهم: إن اللعان يكون في المسجد كما حصل في عهده -عليه الصلاة والسلام- من باب التغليظ.

 "إنه لمن الصادقين، والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين"، اللعن هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله.

 "ثم ثنَّى بالمرأة" يعني طلب منها بعد أن انتهى الرجل من أيمانه، "ثم ثنَّى بالمرأة، فشهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين" كذلك شهادات مؤكدة مغلظة بأيمان وحروف التأكيد، "والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين".

 الرجل يدعو على نفسه باللعن، والمرأة تدعو على نفسها بالغضب، وأهل العلم يقررون أن الغضب أشد من اللعن، الغضب أشد من اللعن، الغضب أشد من اللعن، وغلظ على المرأة وشدد عليها؛ لأن جرمها أعظم من جرم الرجل، جرمها زنى وفاحشة، وجرم الرجل قذف يرفعه الجلد بثمانين جلدة، وجرم المرأة القذف لا يرفعه إلا الرجم بالحجارة، ولذلك اتجه في حق الرجل اللعن، وفي حقها الغضب، وهو أشد.

 "ثم فرق بينهما، فرق بينهما، رواه مسلم" يعني هل الفرقة حصلت بمجرد اللعان، أو بتفريق الحاكم، أو بطلاق الزوج بعد تمام اللعان؟

هنا ثم فرق بينهما، وسيأتي أنه طلق، سيأتي في حديث آخر أنه طلق من غير أن يطلب منه الطلاق، والخلاف بين أهل العلم أن الفرقة هل تحصل بمجرد اللعان ولو لم يفرق الحاكم، أو أنه لا بد من تفريقه؛ لقوله: ثم فرق بينهما، أو لا بد أن يطلِّق الزوج؟ ثلاثة أقوال لأهل العلم، والمرجَّح أن الفرقة تحصل بمجرد اللعان، يعني أنت افترض أنهما تلاعنا، ولم يفرق الحاكم بينهما، تستمر زوجته؟

لا تستمر زوجته، بل بمجرد اللعان تحصل الفرقة، وهذه فائدة اللعان، الفرقة المؤبدة وانتفاء الولد، وانتفاء الولد، هنا يقول: ثم فرق بينهما، وفيه دليل على أن الفرقة لا تحصل إلا بتفريق الحاكم. "رواه مسلم.

 وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للمتلاعنين: «حسابكما على الله، حسابكما على الله، أحدكما كاذب»" لا بد؛ لأن الصدق والكذب نقيضان، نقيضان، لا يجتمعان، ولا يرتفعان، بل لا بد أن يوجَد أحدهما دون الآخر، فأحدهما صادق، والثاني كاذب، وهذا هو المتفق عليه عند أهل السنة، المعتزلة يقولون: هناك كلام ليس بصدق ولا كذب، فيثبتون الواسطة، فيثبتون الواسطة، فيجعلون الصدق والكذب من باب الضدين، لا من باب النقيضين، فيمكن أن يرتفعا ويوجد كلام ليس بصدق ولا كذب، في كلام يطول شرحه، ويستدلون {أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَم بِهِ جِنَّةٌ} [سورة سبأ:8]، فقابل الكذب بالجنون، ما قابله بالصدق، فدل على أنه من باب الضد، كالبياض والسواد، فيه ألوان أخرى غير السواد من باب الضد، وعلى هذا يمكن أن يرتفع الكذب والصدق معًا، ويحل محلهما شيء آخر، لكن هنا لا يمكن أن يجتمع الصدق والكذب سواء قلنا: هما نقيضان أو ضدان؛ لأنه لا يمكن أن يجتمعا، نعم.

 «حسابكما على الله» تخويف وتهديد، «أحدكما كاذب، لا سبيل لك عليها»، خلاص فرقة مؤبدة، "قال: يا رسول الله، مالي؟" المال الذي دفعته، دفع مبالغ صداق ويذهب بسبب زناها، هي التي تزني، وأنا أفقد المال؟ ومعلوم أن المقرَّر إذا كانت الفرقة بسبب المرأة أنها ترد عليه ما دفع كالخلع.

 "قال: يا رسول الله، مالي؟ قال: «لا مال لك»" أنت الآن قذفت واتجه عليك الحد؛ لأنه لا بينة لك، ومع ذلك تطلب صداقًا؟ «لا مال لك، إن كنت صدقت عليها فهو بما استحللت من فرجها، إن كنت صدقت عليها فهو بما استحللت من فرجها، وإن كنت كذبت عليها فذاك أبعد لك منها»، تتهمها وتدنس عرضها وتطلب مالًا وأنت كاذب هذا بعيد، «فذاك أبعد لك منها»، متفق عليه واللفظ لمسلم.

 وله عن هشام" له أي لمسلم أقرب مذكور، "وله عن هشام عن محمد" هو ابن سيرين "قال: سألت أنس بن مالك وأنا أرى أن عنده منه علمًا، وأنا أرى أن عنده منه علمًا، فقال: إن هلال بن أمية" سألت أنس بن مالك، يعني عن مسألة اللعان وما يتعلق به.

 "فقال: إن هلال بن أمية قذف امرأته بشريك بن سحماء، قذف امرأته بشريك بن سحماء"، سحماء أمه؛ وذاك لأنها سوداء، "قذف امرأته بشريك بن سحماء، وكان أخا البراء بن مالك لأمه، وكان أخا البراء بن مالك لأمه"، الآن المتكلِّم أنس بن مالك، والبراء بن مالك هو أخ لأنس بن مالك، وفي الإصابة وغيرها أنهما شقيقان، ما قال أنس بن مالك: وكان أخي لأمي، قال: وكان أخا البراء بن مالك لأمه، لا يريد أن ينسب هذا الفعل المكروه ويقول: لأمي، أبعده نوع بعد وإن كان من لازمه أن يكون لأمه هو، ومع ذلكم والد شريك لم يتزوج أم أنس، ولا أم البراء فقالوا: لعله أخٌ له لأمه من الرضاعة لا من النسب.

 "وكان أخا البراء بن مالك لأمه، وكان أول رجل لاعن في الإسلام"، هلال بن أمية، "وكان أول رجل لاعن في الإسلام، قال: فلاعنها" على ما جاء في كتاب الله "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :«أبصروها، أبصروها»" يعني انتظروا حتى تضع، وكانت حاملاً، فإن جاءت به على صفة هلال فهو منه، وإن جاءت به على صفة شريك فهو منه، «فإن جاءت به أبيضَ سبِطًا» يعني لونه أبيض؛ لأن هلالًا كان أبيض سَبِطًا يعني مسترسل الشَّعر، وبعضهم فسرها بقوله: طويلاً، ولكن السبوطة والجعودة إنما هي للشعر.

 «فإن جاءت به أبيض سبطًا قضيء العينين» يعني فيهما ضعف ودمع ينزل وحمرة، «قضيء العينين فهو لهلال بن أمية، فهو لهلال بن أمية»، ولو جاء على هذه الصفة هل يُحكَم على هلال بأنه كاذب؟ ومتى يصح نفي الولد في اللعان؟ هل يكون بمجرد ثبوت الزنى أو لا بد من براءة الرحم من ماء الزوج؛ لأنه لو كان وطئها مرارًا ثم زنت ألا يحتمل أنه منه؟ فكيف ينتفيه أو كيف ينفيه؟ وهنا هل يلزم من كونه جاء على صفته أن يكون كاذبًا في لعانه أو في قذفه، ولا يلزم احتمال أن يكون وطئها وحملت منه وهي زوجته، ثم وطئها الزاني بالفاحشة؟ وهذا أمر معروف، ولا يلزم منه كذبه في قذفها بالزنى، وإذا احتمل أن يكون الولد منه وهي فراشه فلا يجوز له أن ينفيه؛ لأنه احتمال أنه من مائه، نسأل الله السلامة والعافية.

 قال: «وإن جاءت به أكحل» يعني حول عينيه في جفنيه سواد من غير اكتحال، «وإن جاءت به أكحل جعدًا» يعني شعره جعد، ليس سبطًا ولا مسترسلاً، في شعره التواء، ومعروف الفرق بين الجعودة والسبوطة، وأيهما أفضل الشعر أن يكون جعدًا أم سبطًا؟

طالب: .............

ماذا؟

طالب: .............

يعني الشعر الناعم أفضل أم الملتوي؟

طالب: .............

الجعد الآن؟!

طالب: .............

الآن الناس ضاقت بهم الدنيا، فالتي شعرها جعد تنعم وتفرد على ما قالوا، والتي شعرها سبط تجعد، الناس ما يرضيهم شيء، وهذا كله بسبب الترف، يأتون بالأشياء أحيانًا يضعون على رؤوسهم الببسي أو شيئًا يجعد أو.. أو مواد تجعد، والطرف الآخر الجعد يذهب إلى مشاغل ويفرد، ويبذل الأموال، والله المستعان.

 «وإن جاءت به أكحل جعدًا حمش الساقين» حمش الساقين يعني دقيق الساقين، «فهو لشريك بن سحماء»؛ لأن هذه صفته، قال: فأُنبئتُ، "قال: فأنبئت" من القائل؟ الراوي أنس، "فأنبئت أنها جاءت به أكحل جعدًا" على الوصف المكروه، على الوصف المكروه، كما جاء في بعض الروايات، "حمش الساقين" يعني على صفة شريك بن سحماء، «وإن جاءت به جعدًا حمش الساقين فهو لشريك بن سحماء» يثبت نسبه لشريك أم ما يثبت؟

 «الولد للفراش وللعاهر الحجر، الولد للفراش وللعاهر الحجر» والولد بالزنى لا ينسب لأبيه، وإنما ينسب لأمه، كيف قال: هو لشريك بن سحماء؟ يعني خلق من مائه، خلق من مائه، كما جاء في قصة جريج لما قُذِف بزناه بالمرأة وحملت وجاءت بولد، وقاموا على صومعته فهدموها، وأقبلوا عليه يسبونه قال: ائتوا بالولد، فضرب في بطنه وقال: من أبوك؟ قال: فلان الراعي، يعني أنه خلق من مائه، وإلا فللعاهر الحجر، ليس له ولد، وهنا بالاتفاق، يعني لا أحد يقول بأنه ينسب للزاني؛ لأن المرأة ذات فراش، والولد للفراش، والذين يرون أنه يمكن أن ينسب للزاني فيما إذا كانت المرأة ليست فراشًا، ليست بذات زوج، مع أنه قول مرجوح، وإن قال به من قال.

 "وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر رجلاً حين أمر المتلاعنين أن يتلاعنا أن يضع يده على فيه" يعني على فم الرجل، "عند الخامسة"، إذا شهد أربع شهادات ثم أراد أن يقول: والخامسة أن لعنة الله عليه، أمر الرجل أن يضع يده على فمه، يعني بعد أن وعظه وذكره قبل البداية يوم وصل اللعن "أمر الرجل أن يضع يده على فيه عند الخامسة وقال: «إنها موجِبة، إنها موجِبة»"، موجبة للعنة الله عليك إن كنت كاذبًا فاقصر، ولا تكمل، ولا تدع على نفسك باللعن؛ لأن الأمر شديد، وقال: إنها موجِبَة.

 ولم يُذكَر أنه أمر امرأة تضع يدها على فم المرأة عند الخامسة ويقول: إنها موجبة، وإن استحسن ذلك بعض أهل العلم؛ لأنه لا فرق بين الرجل والمرأة في هذا، لا فرق بين الرجل والمرأة في هذا، بعضهم يقول: يستحسن كما فعل بالرجل، يفعل بالمرأة، لكن من قبل امرأة، وبعضهم يقول: إنه ما ذكر أنه وضع على فمها شيئًا، فتختلف حينئذ عن الرجل، ولا يبعد أن يكون في وقت اللعان وهو في المسجد أنه لم يحضر إلا رجال، وحينئذ ما يؤمر الرجل أن يضع يده على فم امرأة.

 موجِبة للنتيجة، وهي الفرقة المؤبَّدة، ونفي الولد، والعذاب بسبب اللعن من قبل الرجل، أو الغضب من قبل المرأة.

 "رواه أبو داود والنسائي، وإسناده لا بأس به، إسناده لا بأس به" هذا حكم المؤلف إسناده لا بأس به، ويراه من قبيل الحسن؛ لأن فيه عاصم بن كُلَيب، وهو وأبوه قال عنهما الحافظ، قال عنهما الحافظ: صدوق، بينما ابن حجر في بلوغ المرام قال: ورجاله ثقات، ورجاله ثقات، طيب كيف ثقات وأنت قلت عن عاصم: إنه صدوق، وعن أبيه كليب: إنه صدوق؟!

فكلام المؤلف أدق من كلام الحافظ.

 "وإسناده لا بأس به.

 وعن ابن شهاب عن سهل بن سعد، وعن ابن شهاب عن سهل بن سعد أن عويمرًا العجلاني جاء إلى عاصم بن عدي، أن عويمرًا العجلاني جاء إلى عاصم بن عدي الأنصاري وقال له، أن عويمرًا العجلاني جاء إلى عاصم بن عدي الأنصاري".

طالب: .............

 ما هي عندك؟

طالب: .............

جاء إلى عاصم بن عدي الأنصاري موجود في النسخ؟

طالب: .............

يعني أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-..

طالب: .............

لا، فيه واحد واثنان وثلاثة وأربعة وخمسة، ستة، سبعة أسطر المحقق هنا يقول: استدراك من مسلم، استدراك من مسلم، يعني أنه لا يوجد في الأصل، ولا في شيء من أصول المحرَّر، فاستدركه من مسلم، فهل ما ذُكِر يترتب فهمه عليه أو لا يترتب؟

إن كان يستقل بالمعنى فإدخاله في النص والمؤلف لم يدخله أصلاً خلل في التحقيق، خلل لا يجوز له أن يدخله، أما إذا كان المذكور لا يستغني، وذكره في النص محتاج إليه، بل ضروري لفهم النص، فمن حقه أن يزيده ويضعه كما وضعه الآن بين معقوفتين، ونبَّه على أنه استدراك من مسلم، فإذا كان المعنى يستقل، ولا يحتاج إليه، فإدخاله في النص فيه تعدٍّ من المحقق، وهذا ينافي الأمانة العلمية في تحقيق الكتب.

 "أن عويمرًا العجلاني جاء إلى عاصم بن عدي الأنصاري فقال له: أرأيت يا عاصم لو أن رجلاً وجد مع امرأته رجلاً، أيقتله؟" وفي الحديث: أيقتله فتقتلونه؟ وفي بعض الروايات قال: «نعم»، نسأل الله السلامة.

 يعني لو قدر أن شخصًا لما دخل البيت وجد مع زوجته في فراشها رجلًا فقتله، أخذته الغيرة والحمية فقتله، نسأل الله العافية، أيقتله فتقتلونه؟! يُقتَل أم ما يُقتَل، الزوج القاتل يُقتَل به أم ما يُقتَل؟! أيقتله فتقتلونه؟ نعم يُقتَل؛ لأن إقامة الحدود ليست إلى سائر الناس، وإنما هي إلى الوالي، إلى الخليفة، إلى ولي الأمر، أو من ينيبه في ذلك، والسبب في هذا أنه قد يكون ذريعة إلى التخلص ممن يراد الخلاص منه، فيمكن أن يتحايل عليه ويستدرجه إلى أن يدخل إلى غرفة النوم، ثم بعد ذلك يزعم أنه وجده على امرأته فيقتله، وقد يقتلها معه، يتخلص منها من غير زنى، فسدًّا لهذا الباب، وصيانة للدماء يحكم بمثل هذا، وقد لا يكون مستحقًا للقتل ولو زنى، قد يكون بكرًا، فيُقتل به، فيُقتل به.

 على كل حال؛ لأن إقامة الحدود ليست إلى أفراد الناس وإلى عامتهم، وإنما هي إلى الإمام، ولو ترك ذلك لآحاد الناس وعامتهم لانتشرت الفوضى، لانتشرت الفوضى، وعم الخوف، وانتفى الأمن والذعر بين الناس.

 "أيقتله أم كيف يفعل؟" طيب يقول هذا عرضه يدافع عن شرفه، عن عرضه هو له أن يقاتل من دخل البيت، يريد أن ينتهك عرضه له أن يقاتله، أما أن يقتل مباشرة فلا، فإن قتل فهو شهيد المدافع عن عرضه شهيد، وأما بالنسبة لعرضه وشرفه على ما يقولون هذا بالملاعنة ينتفي، وبالطلاق ينتفي إذا لم يكن ثَمَّ ولَد.

 "جاء إلى عاصم بن عدي الأنصاري فقال له: أرأيت يا عاصم لو أن رجلاً وجد مع امرأته رجلاً أيقتله أم كيف يفعل؟ فسل لي عن ذلك يا عاصم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فسل لي عن ذلك يا عاصم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فسأل عاصم رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم-، فكره رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- المسائل"، لاسيما في مثل هذه الأمور البشعة المستنكرة وهي لم تقع، "كره رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- المسائلَ، وعابها"، فالمسائل المستكرهة ما لم تكن نوازل واقعة يُكرَه السؤال عنها، ولو على سبيل التفقه، وأما المسائل التي يراد منها أو يتوصل منها إلى التفقه، وهي مسائل ليس فيها ما يستكره، ولا يستبشع فأهل العلم جروا على ذلك، يفرِّعون المسائل ويشققونها، ويفترضونها، ويسأل الطلاب عنها، ويجيب عنها أهل العلم، والنبي -عليه الصلاة والسلام- كره قيل وقال، وكثرة السؤال، وقال -عليه الصلاة والسلام-: «أشد الناس جُرْمًا من سأل عن شيء لم يحرَّم فحُرِّم من أجل مسألته، فحُرِّم من أجل مسألته»، "فكره رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- المسائلَ وعابها حتى كَبُر على عاصم"؛ لأنه ما فيه أحد من الصحابة يريد أن يسأل النبي -عليه الصلاة والسلام- فيغضب ويكره بحضرته وبسببه يغضب النبي -عليه الصلاة والسلام-، كره عاصم، "حتى كبر على عاصم ما سمع من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلما رجع عاصم إلى أهله جاءه عويمر العجلاني فقال: يا عاصم ماذا قال لك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟"

 ينتظر الجواب، علي بن أبي طالب يقول: كنت رجلاً مذَّاءً، فأمرت المقداد أن يسأل رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، يعني مثل هذا لا إشكال فيه، هذه مسألة فقهية وواقعة، ولذلك ما كره، أجاب -عليه الصلاة والسلام-.

 "جاءه عويمر فقال: يا عاصم ماذا قال لك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قال عاصم لعويمر: لم تأتني بخير" صرت سببًا في غضب النبي -عليه الصلاة والسلام- وظهور الكراهية في وجهه، "لم تأتني بخير، قد كره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المسألة التي سألته عنها فقال عويمر: لا والله لا أنتهي، لا والله لا أنتهي حتى أسأله عنها" مصرّ، "فأقبل عويمر حتى أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسط الناس"، جالس في وسطهم، "فقال: يا رسول الله، أرأيت رجلاً وجد على امرأته رجلاً، أيقتلونه فتقتلونه، أم كيف يفعل؟ فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «قد نزل فيك وفي صاحبتك، فاذهب فائت بها، قد نزل فيك وفي صاحبتك فاذهب فائت بها»" يعني كره المسألة أولاً؛ لأنها لم تقع للسائل، وكثير من أهل العلم يستفصل إذا سئل عن بعض المسائل قال: هل وقعت لك؟ قال: لا، فقال له: ارجع حتى تقع. «قد نزل فيك وفي صاحبتك» يعني قرآن، «فاذهب فائت بها» فسأل سهل " قال سهل: فتلاعنا وأنا مع الناس عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"، ينبغي أن يكون اللعان في مجمع من الناس كما يكون ذلك حال إقامة الحد؛ {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ} [سورة النــور:2]، "أنا مع الناس عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلما فرغا من تلاعنهما قال عويمر: كذبت عليها يا رسول الله إن أنا أمسكتها" يعني إن أبقيتها زوجة لي هو ما يعرف الحكم أن اللعان يفرِّق بينهما، يظن أنها تبقى في ذمته، فيقول: إن أمسكتها فأنا كاذب، هذا دليل على أني كاذب فيما قذفتها به، "كذبت عليها يا رسول الله إن أنا أمسكتها، فطلقها ثلاثًا قبل أن يأمره رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"، وهذا حصل منه يظن أن الفرقة لا تحصل بمجرد اللعان، فهذا فيه من يقول بالطلاق، لكن الذي لا يرى الطلاق، وأنه تحصل الفرقة بمجرد حصول اللعان أو بتطليق الحاكم قال كما جاء في الحديث: "فطلقها ثلاثًا قبل أن يأمره رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"، طلقها ثلاثًا بحضرة النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن ليس عن علمه.

 منهم من يقول: إقراره -عليه الصلاة والسلام- بطلاقها يقتضي أنه لا بد أن يطلق، أخذ منه بعض العلماء جواز الطلاق الثلاث، وأنه ليس ببدعي؛ لأن الرسول -عليه الصلاة والسلام- أقره ولا أنكره، ولو كان محظورًا لأنكره -عليه الصلاة والسلام-، وأن الثلاث تقع بلفظ واحد، وأحكام كثيرة انتزعها أهل العلم من هذا، لكنه قبل أن يأمره النبي -عليه الصلاة والسلام-.

 "قال ابن شهاب: فكانت سنة المتلاعنين، فكانت سنة المتلاعنين" يعني أن يفرق بينهما، "وفي رواية" ذلكم؛ لأنه وقع في هذا الحديث "ذلكم التفريق بين كل متلاعنين، متفق عليه"، وسبق أن قلنا: إن فائدة اللعان الفرقة المؤبدة بين الزوجين وانتفاء الولد، الفرقة المؤبدة وانتفاء الولد، والفرقة المؤبدة، وأنه لا سبيل له عليها ولو تزوجت بعده ليس مثل نكاح البائن، لا سبيل له عليها، فرقة مؤبدة، ومنهم وهو قول الحنفية: أنه إذا أكذب نفسه جاء إلى الإمام وقال: أنا كذبت على زوجتي، وحد ثمانين جلدة أنها تحل له؛ لأنه زال السبب، وهو القذف، لكن الجمهور يرون أن الفرقة مؤبدة، ولا تحل له بعد تمام اللعان.

 الشافعي يقول: تحصل الفرقة المؤبدة إذا لاعن هو ولو لم تلاعن هي، ولو لم تلاعن هي، يعني لعانها يكون بعد الفرقة، ولا وجه له حينئذ، فرق بينهما ما الفائدة من اللعان.

 على كل حال الجمهور على أنه بتمام اللعان، بتمام اللعان تحصل الفرقة، الحنفية يقولون: إذا كان أكذب نفسه له أن يتزوجها، الشافعي يقول: بتمام لعان الزوج ولو لم تلاعن المرأة تحصل الفرقة، والصواب أنه بتمام لعان الزوجين تحصل الفرقة المؤبدة ولو لم يطلق الزوج؛ لأن هذا الطلاق كان قبل أمره -عليه الصلاة والسلام-، وبالنسبة لنفي الولد، وانتفاء الولد، وأنه لا ينتسب إلى الزوج وإن كان فراشًا له، والولد للفراش، لكنه باللاعن ينتفي عنه لاسيما إذا نص على أنه ليس له، وحينئذ عند الحنابلة وغيرهم لابد أن يقول: أشهد بالله أن زوجته هذه -ويشير إليها ويسميها- زنت، والولد ليس لي، وفي شهاداتها تقول: أشهد بالله أنه من الكاذبين، وأن الولد له، وبهذا ينتفي الولد، وتحصل الفرقة المؤبدة.

 والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"