الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي (08)

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه أجمعين.

اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين برحمتك يا أرحم الراحمين.

أما بعد:

قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في الجواب الكافي قال رحمه الله:

"والأدعية والتعوذات بمنزلة السلاح، والسلاح بضاربه، لا بحده فقط، فمتى كان السلاح سلاحا تاما لا آفة به، والساعد ساعد قوي، والمانع مفقود؛ حصلت به النكاية في العدو، ومتى تخلف واحد من هذه الثلاثة تخلف التأثير، فإن كان الدعاء في نفسه غير صالح، أو الداعي لم يجمع بين قلبه ولسانه في الدعاء، أو كان ثم مانع من الإجابة، لم يحصل الأثر."

يقول المؤلف رحمه الله تعالى الأدعية والتعوذات بمنزلة السلاح نعم الدعاء سبب كما أن السيف سبب لقتل العدو قتل من يراد قتله والسكين سبب قد يوجد السبب ويتخلف الأثر لوجود مانع والمؤلف رحمه الله تعالى يقول الأدعية بمنزلة السلاح وهي سلاح لكن متى يترتب الأثر على هذا السلاح؟ إذا لم يوجد مانع إذا لم يوجد مانع فإذا وجد المانع تخلف الأثر يقول المؤلف رحمه الله والسلاح بضاربه لا بحده فقط لا بد من وجود السبب الذي هو السلاح الحادّ وأيضًا الضارب بالسلاح لأن السلاح وحده لا يكفي فلا بد من الضارب توضيح ذلك الإنسان قد يدعو بدعاء فيجاب تجاب دعوته ثم يدعو به آخر فلا تجاب دعوته قد يرقي شخص مريضا بالفاتحة فيُشفى ويرقي آخر بالقرآن كله فلا يشفى القرآن سبب {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ} [سورة الإسراء:82] والشفاء موجود لكن إذا وجد المانع إذا وجد المانع لم يترتب الأثر أبو سعيد لما قرأ الفاتحة على اللديغ كأنما نُشِط من عقال ونحن نرى ونسمع ونشاهد من يقرأ الفاتحة ولا أثر لها السبب موجود لكن المانع أيضًا موجود المانع موجود المانع بالسبب أو بفاعل السبب؟ المانع بفاعل السبب إما أن يكون لم يطب مطعمه وهذا هو الكثير الغالب وقد جاء التوجيه النبوي «أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة» والرقية دعوة فإذا كان الإنسان يأكل الحرام ويدعو ويدعو الدعاء سبب لكن وجد ما يمنع من ترتب الأثر على السبب من وجود المسبَّب لوجود المانع معروف أن الإنسان قد يكون مسافر والسفر مظنة للإجابة ويكون أشعث أغبر وهذا أقرب إلى التواضع وإظهار الحاجة والانكسار بين يدي الله عز وجل يمد يديه إلى السماء يقول يا رب يا رب السبب موجود لكن المانع موجود المانع موجود مطعمه حرام ومشربه حرام وغُذِيَ بالحرام فأنَّى استبعاد أنَّى يستجاب لذلك لكن قد يوجَد السبب ويرتفع المانع من قِبَل المتسبِّب لا يوجد مانع ومع ذلك لا تجاب الدعوة والله جل وعلا يقول {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [سورة غافر:60] شيء محقق لماذا لا يُستجاب لمثل هذا؟ نعم يمكن أن تكون ادخرت له في الآخرة ادخر له أعظم منها في الآخرة أو صرف عنه من الشر ما هو أشد.

طالب: ........

هذه استجابة لكن هو بصدد شيء معين يريد رفعه أو حصوله يقول لم يُستجَب له بما طلب لم يستجب له بما طلب لكنه إذا أعطي أكثر مما طلب استجابة وزيادة نعم لكن كونه لا يستجاب له بنفس ما طلب بنفس ما طلب معناه أنه ادخرت له في الآخرة أو صرف عنه من الشر ما هو أعظم من ذلك فمتى كان السلاح تاما لا آفة به حاد والساعد ساعد قوي وليس بفاتر ولا أشل بعض الناس يضرب بسلاح أو بيده سلاح لكنه مشلول سلاح حاد لكن الشخص مشلول هذا يترتب عليه الأثر لا يترتب عليه الأثر قد يكون الساعد قوي لكن السيف رديء أو صديء لا يترتب عليه أثر فيدعو بدعاء فيه شيء من الاعتداء أو الإثم أو قطيعة الرحم وما أشبه ذلك فلا يستجاب له والمانع مفقود فمتى كان السلاح سلاحا تاما لا آفة به والساعد ساعد قوي والمانع مفقود حصلت به النكاية في العدو نعم ومتى تخلف واحد من هذه الثلاثة بأن كان الساعد ضعيف أو مشلول والسيف صديء أو رديء والمانع موجود فإنه حينئذ يتخلف الأثر يتخلف الأثر المرتب على ذلك والمسبَّب فإذا كان الدعاء في نفسه غير صالح فيه إثم أو قطيعة رحم أو اعتداء في الدعاء فإنه لا يستجاب له أو الداعي لم يجمع بين قلبه ولسانه في الدعاء فإنه لا يستجاب لقلب لاه غافل ساه لا بد أن يستحضر أنه بين يدي أكرم الأكرمين وأجود الأجودين وأن يظهر انكساره وحاجته وفاقته أما إذا غفل أو سأل على طريق التردد إن جاءت والا الحمد لله طيب مثل هذا يختبر ربه هذا لا يجوز ولا يجاب مثل هذا أو الداعي لم يجمع بين قلبه ولسانه في الدعاء أو كان ثَم مانع من الإجابة كأن يكون مطعمه أو مشربه أو يكون غذي قبل ذلك بالحرام فأنى يستجاب له ولا يحصل الأثر حينئذ.

لحظة لحظة.

طالب: ........

طيِّب.

طالب: ........

الأصل ألا يزيد {لاَّ يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ} [سورة النساء:148] «واتق دعوة المظلوم» لكن لا يجوز للمظلوم أن يتعدى المظلمة نعم قد يخطئ في تقديرها قد يخطئ في تقديرها والخطأ معفو عنه الخطأ معفو عنه لكنه لا يحصل له جميع ما طلب لا يحصل له جميع ما طلب وإنما يحصل له بقدر مظلمته.

"وهاهنا سؤال مشهور وهو أن المدعوُّ.."

المدعوَّ المدعوَّ به..

"وهو أن المدعوَّ به إن كان قد قدِّر لم يكن بد من وقوعه، دعا به العبد أو لم يدع، وإن لم يكن قد قدر لم يقع، سواء سأله العبد أو لم يسأله فظنت طائفة صحة هذا السؤال، فتركت الدعاء وقالت لا فائدة فيه وهؤلاء مع فرط جهلهم وضلالهم متناقضون فإن طرد مذهبهم يوجب تعطيل جميع الأسباب فيقال لأحدهم إن كان الشبْع.."

الشِّبَع الشِّبَع..

"فيقال لأحدهم إن كان الشِّبَع والري قد قدر.."

قُدِّرَا..

"قد قُدِّرَا لك فلا بد من وقوعهما أكلت أو لم تأكل وإن لم يقدرا لم يقعا أكلت أو لم تأكل وإن كان الولد قدر لك فلا بد منه، وطئت الزوجة أو الأمة أو لم تطأ، وإن لم يقدر لم يكن فلا حاجة إلى التزوج والتسري وهلم جرا فهل يقول هذا عاقل أو آدمي؟ بل الحيوان البهيم مفطور على مباشرة الأسباب التي بها قوامه وحياته، فالحيوانات أعقل وأفهم من هؤلاء الذين هم كالأنعام بل هم أضل سبيلا."

نعم هذا السؤال قد يرِد على أذهان بعض الناس وهو أن هذا الذي تدعو به لا يخلو إما أن يكون قد كتب وقُدِّر أو لم يكن قد كتب ولا قدر والقدر كما هو معلوم وما في علم الله جل وعلا لا يتغير لا يتغير فإن كان قد قدر لا بد أن يحصل وإن كان لم يقدر فلن يحصل دعا الإنسان أو لم يدع وهذه شبهة قديمة تعلق بها من أراد التنصل عن التكاليف إن كان مكتوب لي الجنة أدخل صليت والا ما صليت قال لو كتب علي النار فأنا أدخل النار صليت والا ما صليت لكن هناك مقادير مرتبطة بأسباب قدر لهذا الشخص أن يكون من أهل الجنة لكنه أيضًا دخوله مرتبط بما كان يعمله في الدنيا {بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [سورة المائدة:105] مقدر على هذا أن يدخل النار لكن مقدر عليه أن يعمل الأسباب الموجبة لدخول النار فالدعاء سبب من الأسباب سبب من الأسباب ارتبط به التقدير مثل هذه المسائل من مضايق الأنظار بلا شك وهي شبه قوية يدلي بها بعض المبتدعة لكن من تأمل النصوص وحرص على التوفيق بينها فهم مراد الله جل وعلا لا شك أن الأسباب موجودة ولها أثر والله جل وعلا هو الذي جعل هذه الأسباب وجعل التأثير فيها ومذهب أهل السنة وسط بين مذهب الأشعرية والمعتزلة الأشعرية يقولون الأسباب لا قيمة لها وجودها مثل عدمها يعني لا فرق بين الأعمى والمبصر في الإبصار ما فيه فرق لا فرق الإبصار سبب والسبب ملغى لا قيمة له ولا فرق لا فرق بين بين يديه الأكل وبين عادم الأكل في الشبع لا فرق وبين من هو على النهر وبين من هو في المفاوز والقفار في الري ما فيه فرق لأن الشرب من الماء لا أثر له في الري إنما يحصل الري عنده لا به هذا طرف يلغون الأسباب ولا فرق بين أن يلبس الإنسان عشرة من الثياب وفروة وبشت في الشتاء وبين أن يغتسل بثيابه ويخرج إلى الشارع ما فيه فرق عنده وإنما حصل الدفء عند وجود هذه الملابس لا بها ومثال يذكرونه بحروفه في كتبهم يعني ما هو إلزام يذكرونه بحروفه يقولون يجوز أن يرى أعمى الصين بقة الأندلس يجوز الأعمشى في أقصى المشرق أن يرى البقة وهي صغار البعوض في أقصى المغرب ليش لأن البصر سبب والسبب لا قيمة له عندهم بالمقابل المعتزلة يقولون السبب مؤثر بذاته مؤثر بذاته فاعل بنفسه من غير نظر إلى أن المؤثر الحقيقي هو الله عز وجل ومذهب أهل السنة والجماعة وسط بين المذهبين الأسباب مؤثرة لكن لا لذاتها لو كانت مؤثرة بذاتها لما تخلف تأثيرها بوجود المانع فقد يوجد السبب ويتخلف التأثير لوجود المانع فكون الإنسان مأمور بأن يدعو ليحصل له ما يريد إذا التزم بما شُرع له من آداب الدعاء وحرص على انتفاء الموانع هو مأمور بفعل السبب هل يمكن أن يقول قائل هذا الكلام أن الدعاء لا قيمة له لأنه إن كان مقدر بيحصل غير مقدر لن يحصل ولو دعونا هل يقول أنا إن كان مقدر لي ولد يبي يجي لو ما تزوجت؟! يمكن أن يقول هذا؟! وإن كان ما قدر لي ولد ما هو جاي ولو تزوجت؟! ما يمكن أن يقول هذا الكلام والمسألة واحدة أنت إذا كان مقدر لك وبذلت السبب وانتفت الموانع ترتب الآثار بإذن الله ولذا يقول المؤلف رحمه الله تعالى يقول فإن طرد مذهبهم يوجب تعطيل جميع الأسباب يعني هل الأشعرية الذين يقولون بأن السبب لا قيمة له ولا أثر له هل يرون هم لا يباشرون الأسباب؟ يباشرون الأسباب يأكلون ليشبعوا يشربون ليرووا لكن يقولون ما حصل الشبع بالأكل ولا حصل الري بالشرب ولا حصل الدفء بالثياب حصل عندها لا بها لا يترك الأسباب إلا مجنون ترك الأسباب خلل وقدح في العقل كما أن الاعتماد على الأسباب قدح في الشرع فيقال لأحدهم إن كان الشبع والري قد قدر لك فلا بد من وقوعهما لا تأكل ولا تشرب مقدر لك أنك تشبع وتعيش مقدر لك من العمر مائة سنة أكلت أو ما أكلت يمكن هذا؟! يمكن أن يقول أن الأسباب لا قيمة لها وإن مقدر لي مائة سنة بعيش مائة سنة مهما كان.. ما يمكن أن يقول هذا لأنه حريص على الحياة حريص على البقاء لكن يوجِد مثل هذه الإشكالات فيما يتعلق بالدين ولذا تجده من أحرص الناس على الحياة يباشر الأسباب إذا حس بحرارة الجوع إذا حس بحرارة العطش إذا حس بشدة البرد يباشر الأسباب وفي أمر الدين يقول إن كان مقدر وإن كان غير مقدر فيقال لأحدهم إن كان الشبع والري قد قدر لك فلا بد من وقوعهما أكلت أو لم تأكل وإن لم يقدرا لك لم يقعا لم يقعا أكلت أو لم تأكل ما الداعي وما الحامل لهؤلاء أن يقولون أن الأسباب لا تأثير لها وأنها لا قيمة لها؟ هو ردة فعل هذا الكلام هو ردة فعل من قول الطرف الآخر من قول المعتزلة المعتزلة قالوا الأسباب مؤثرة أنت لما تذهب إلى الطبيب ويشخص العلاج يشخص المرض ويعطيك العلاج المناسب وتستفيد هل الطبيب الذي شفاك هل الدواء الذي عافاك هذه أسباب لكن الذي شفاك والذي عافاك هو الله {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [سورة الشعراء:80] ولا شافي إلا الله جل وعلا لكن هذه أسباب لكن قد تذهب إلى طبيب يشخص المرض بدقة ويعطيك علاج مناسب لكن يتخلف الأثر وتموت ما المانع؟ لوجود ما يمنع من ترتب الأثر على هذا السبب يقول وإن كان الولد قد قدر لك فلا بد منه وطئت الزوجة والأمة أو لم تطأ يقال لهم هذا الكلام يوافقون أو ما يوافقون لا يوافقون لا بد أن يتزوج ويطأ من أجل الأولاد وإن لم يقدر لك لم يكن ذلك فلا حاجة إلى التسري أو إلى الزواج وهلم جرا يعني جميع الأسباب يعني هل يمكن أن يخرج شخص يلغي تأثير الأسباب في شدة البرد وبعض البلاد في خمسين تحت الصفر يخرج بدون ثياب؟! ما يمكن فهل يقول هذا عاقل أو آدمي بل الحيوان البهيم مفطور على مباشرة الأسباب الحيوان يأكل لئلا يموت الحيوان يشرب لئلا يموت الحيوان يهرب من من الجزار لئلا يموت يباشر الأسباب فهل يقول هذا عاقل أو آدمي بل الحيوان البهيم مفطور على مباشرة الأسباب التي بها قوامه وحياته فالحيوانات أعقل وأفهم من هؤلاء الذين هم كالأنعام بل هم أضل سبيلا لكن هم أشبهوا الحيوان من جهة هم يأكلون ويشربون ويستدفئون لما يتعلق لأمور حرصا على الدنيا لكن إذا سئلوا عن أمور الدين أو طولبوا بأمور الدين والله إن كانت الجنة مكتوبة فهي بتحصل عملت أو لم تعمل فمثل هذا لا شك أنه إن تركوا الأسباب بالكلية فلا شك أن عقولهم فيها خلل كبير بل هم إلى الجنون أقرب يعني كيف يتصور عاقل أنه يعيش بدون أكل ولا شرب كيف يتصور عاقل أنه يولد له بدون زواج لا يتصور هذا عاقل وهم يباشرون مثل هذه الأسباب لأنها تعنيهم في أمور دنياهم والله المستعان.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه...