التعليق على تفسير القرطبي - سورة مريم (05)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،

أما بعد،

فيستأنف الدرس بعد انقطاعٍ يقرب من سبعين يومًا، ويعلم الجميع أن وقت الدرس في عصر الجمعة في آخر الأسبوع وتكثر فيه الأسفار، وكثرت الارتباطات في أواخر الأسابيع خارج الرياض، مما أدى إلى تعثر الدرس طويلًا، والكتاب طويل يحتاج إلى مضاعفة في الجهد، وكانت الخطة في السابق مشينا عليها مدة أنه كل سنة ننهي مجلدًا، لكن في الأخير كأن المسألة ضعفت، فما صرنا نستطيع؛ لكثرة الأسفار، فما الاقتراح النافع؟

هل الاقتراح في نقل الدرس عن وقته؛ ليكون في يوم الوجود فيه مضمون، أو ما فات بسبب السفر يقضى في الأسبوع الذي يليه، بحيث يكون أسبوع السفر ما فيه درس للسفر، والذي يليه يكون الدرس ثابتًا عصر الجمعة، وقضاء الأسبوع الماضي في ظهر الخميس؟ وهذا اقتراح، أو بالإمكان نقل درس يوم الاثنين العشاء الموطأ؛ ليكون عصر الجمعة، ويكون التفسير يوم الاثنين العشاء؛ ليكون مضمونًا، والموطأ له درسان آخران يعني لو فات واحد ما فات اثنان؟ فالأمر إليكم.

طالب:................

الخميس يروح مع الجمعة إذا سافرنا.

طالب:..................

الموطأ السبت والأحد والاثنين.

طالب: يؤخذ الأحد، ويجعل الاثنين والسبت للموطأ؛ حتى لا تصير متسلسلة.

لا، هو تفسير القرطبي هنا في هذا المسجد، ولا فيه درس في هذا المسجد إلا العشاء يوم الاثنين والعصر.

طالب: مساء الجمعة.

ماذا؟

طالب: مساء الجمعة والعصر.

عشاء الاثنين هناك؟

طالب: نعم.

عشاء الاثنين قد لا يناسب. عصر الأحد؟ العصر قد يكون مناسبًا.

العصر يوم الدوام فيه صعوبة على من يداومون.

يوم الأحد زين يا شيخ

ما المناسب يا إخوان؟

طالب:.................

لا، هو إذا كان فيه درس المغرب، لا يمكن أن يكون فيه درس العصر.

طالب:.....................

لعلنا على الاقتراح الأول مادام الجدول توه مطبوعًا، ومنتشرًا، وصعب إعادته مرة ثانية، على الاقتراح الأول يبقى عصر الجمعة هو الأصل، فإذا حصل سفر يُقضى ظهر الخميس، أظن هذا مناسبًا، يعني حلًّا مؤقتًا، ها يا شيخ؟

طالب:.....................

فالأسبوع الذي نكون موجودين فيه يصير الخميس والجمعة، ظهر الخميس؛ لأن ظهر الخميس الظاهر للموجود بالرياض ما يشق عليه، ليس مثل أيام الدوام، ومع ذلك حرص عبد الرحمن الأسفار تقلل جدًّا أيام الدراسة، تترك الأسفار للإجازة.

نبدأ يا شيخ.

طالب: نبدأ.

نعم.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

 قال الإمام القرطبي -رحمه الله تعالى-:

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا} الْإِنْسَانُ هُنَا أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ وَجَدَ عِظَامًا بَالِيَةً فَفَتَّتَهَا بِيَدِهِ".

من العام الذي أريد به الخصوص، أصل الإنسان للجنس، وأل الجنسية من صيغ العموم، فيكون من العام الذي أريد به الخصوص، مثل قوله –جل وعلا-: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ} [آل عمران:173]، شخص واحد نعيم، وهو عام أريد به الخصوص، {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ} [آل عمران:173]، فكان الناس واحدًا، والناس في اللفظ الثاني: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ}، بعض الناس وليس جميع الناس هم الذين أرادوا حرب النبي -عليه الصلاة والسلام-، فجاء من يخبره، وهو من العام الذي أريد به الخصوص.

طالب:..............

الناس الأول من هذا النوع، وبالنسبة للناس الثاني قد يقول قائل: إنه مخصص بالعقل، {إِنَّ النَّاسَ} [آل عمران:173]، الناس لا شك أنه يطلق على من جمعوا للنبي -عليه الصلاة والسلام- أنهم ناس، لكن شخص واحد يأتي ليخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- ويقال له الناس هو إنسان من العام الذي أريد به الخصوص، وأما بالنسبة للناس في اللفظ الثاني وهو من العام المخصوص الذي خصّصه العقل؛ لأنه لا يتصور أن الناس كلهم جميع من على وجه الأرض جمعوا للنبي -عليه الصلاة والسلام- كما في قوله –جل وعلا-: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ} [الأحقاف:25]، نعم من صيغ العموم لكنها لم تدمر، {فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ} [الأحقاف:25]،  مساكنهم ما دمرت، ما دمرت السموات ولا دمرت الأرض وهو مخصوص، نعم.

  "الْإِنْسَانُ هُنَا أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ وَجَدَ عِظَامًا بَالِيَةً فَفَتَّتَهَا بِيَدِهِ وَقَالَ: زَعَمَ مُحَمَّدٌ أَنَّا نُبْعَثُ بَعْدَ الْمَوْتِ، قَالَهُ الْكَلْبِيُّ، ذَكَرَهُ الْوَاحِدِيُّ وَالثَّعْلَبِيُّ وَالْقُشَيْرِيُّ. وَقَالَ الْمَهْدَوِيُّ: نَزَلَتْ فِي الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَأَصْحَابِهِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَاللَّامُ فِي { لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا} لِلتَّأْكِيدِ كَأَنَّهُ قِيلَ لَهُ إِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ تُبْعَثُ حَيًّا فَقَالَ: {أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا} ! قَالَ ذَلِكَ مُنْكِرًا، فَجَاءَتِ اللَّامُ فِي الْجَوَابِ، كَمَا كَانَتْ فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، وَلَوْ كَانَ مُبْتَدَأً لَمْ تَدْخُلِ اللَّامُ؛ لِأَنَّهَا لِلتَّأْكِيدِ وَالْإِيجَابِ وَهُوَ مُنْكِرٌ  لِلْبَعْثِ.

 وَقَرَأَ ابْنُ ذَكْوَانَ: (إِذَا مَا مِتُّ) عَلَى الْخَبَرِ، وَالْبَاقُونَ بِالِاسْتِفْهَامِ عَلَى أُصُولِهِمْ بِالْهَمْزِ، وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَأَبُو حَيْوَةَ: {لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا} قَالَهُ اسْتِهْزَاءً؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُصَدِّقُونَ بِالْبَعْثِ وَالْإِنْسَانُ هَاهُنَا الْكَافِرُ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ} أَيْ أَوَلَا يَذْكُرُ هَذَا الْقَائِلُ".

اقتران سوف بلام التأكيد ولم يسبقه ما يقتضي التأكيد من قسم ولا حرف من حروف التأكيد؛ كإن، {وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا}، متى يُحتاج إلى تأكيد الكلام؟ إذا كان المخاطب فارغ الذهن من الخبر فلا حاجة إلى التأكيد، شخص ينتظر قدوم زيد تقول: زيد قائم، إذا صار عنده شيءٌ من التردد قلت: إن زيدًا قائم، وإذا زاد التردد عنده قلت: إن زيدًا لقائم. ولذلك في قوله –جل وعلا- في سورة يس {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ} [يس:13]، نعم، إلى أن قال: إنا مرسلون، ثم لما حصلت المعارضة قالوا: إنا لمرسلون، فخالي الذهن من الخبر يساق له من غير تأكيد؛ لأنه لا حاجة للتأكيد، وهنا أكد وهو يخاطب معارضًا. الآن المتكلم الإنسان الذي هو الكافر أو شخص بعينه، ويخاطب شخصًا معارضًا له، فأكَّد له، لكن هل هو يؤكد الإثبات أو يؤكد النفي الآن؟

طالب: النفي.

{وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا}، أولًا الأسلوب أسلوب إنكار، وأثبت ذلك على سبيل الاستهزاء، وإلا فهو ينكر، وليس في ذلك ما يدل على الإثبات أن النفي من اللفظ إلا أن الحال تقتضي أنه يستهزئ، يستهزئ؛ لأنه ينكر البعث، كيف يقول: {لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا}، يعني تأكيد أنه سوف يخرج حيًّا، هذا مقتضى اللفظ، لكن السياق يدل على أنه قال ذلك استهزاءً وإلا فهو منكر للبعث. 

طالب:.................

هذه تأكيدات، يعني إذا وجدت إن فما فيه إشكال أن تؤكد؛ لأن اللام هذه يسمونها إيش؟ {إِنَّكَ لَأَنْتَ} [هود:87]، هذه يسمونها المزحلقة، هي الأصل أن تكون لتأكيد المبتدأ، فلما أكد المبتدأ، انتقلت إلى الخبر.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ} أَيْ أَوَلَا يَذْكُرُ هَذَا الْقَائِلُ {أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ} أَيْ مِنْ قَبْلِ سُؤَالِهِ وَقَوْلِهِ هَذَا الْقَوْلَ {وَلَمْ يَكُ شَيْئًا} فَالْإِعَادَةُ مِثْلُ الِابْتِدَاءِ فَلِمَ يُنَاقِضُ"

بل الابتداء أشد، الابتداء اشد؛ لأن التكوين من لا شيء أشد من التكوين من أصل، نعم، يعني على سبيل المثل لو جئت لزيد من الناس وقلت: اصنع لي سيارة، المسألة مفترضة فيمن لا مواد عنده، يصعب عليه جدًّا أن يبتدئ صنع سيارة لا مادة لها، لكن لو جيء بسيارة متكسرة، تشليح، ممكن أن يصلح سيارة من هذه، صار الأمر أهون؛ لأن أصل المادة موجود، وهذا من باب التقريب، وإلا فالله –جل وعلا- يقول للشيء: كن.

"وَقَرَأَ أَهْلُ الْكُوفَةِ إِلَّا عَاصِمًا وَأَهْلُ مَكَّةَ وَأَبُو عُمَرَ". 

عمرو.

طالب: وَأَبُو عمرو.

وأبو جعفر.

"وَأَبُو جَعْفَرٍ :(أَوَلَا يَذَّكَّرُ)، وَقَرَأَ شَيْبَةُ وَنَافِعٌ وَعَاصِمٌ: (أَوَلَا يَذْكُرُ) بِالتَّخْفِيفِ. وَالِاخْتِيَارُ التَّشْدِيدُ وَأَصْلُهُ يَتَذَكَّرُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الرعد:19] وَأَخَوَاتِهَا. وَفِي حَرْفِ أُبَيٍّ: (أَوَلَا يَتَذَكَّرُ)، وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ عَلَى التَّفْسِيرِ؛ لِأَنَّهَا مُخَالِفَةٌ لِخَطِ الْمُصْحَفِ".

لأن فيها زيادة التاء، والمعروف الخلاف بين القراء أن الحروف تكون واحدة فيما يحتمله اللفظ، والرسم، لكن إذا زيد حرف صار مخالفًا لخط المصحف، ويحكم عليها بالشذوذ أو أنها تفسير، ويذّكر ويذْكر الصورة واحدة، ولذا القراءة بهما سبعية.

"وَمَعْنَى (يَتَذَكَّرُ) يَتَفَكَّرُ، وَمَعْنَى يَذْكُرُ يَتَنَبَّهُ وَيَعْلَمُ قَالَهُ النَّحَّاسُ.  

قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ} أَقْسَمَ بِنَفْسِهِ بَعْدَ".

لماذا لا يكون المراد {أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ}، ما مضى من خلقه {أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا}، ويستدل على خلق غيره أو على خلقه بخلق غيره، وإلا فلن يذكر خلق نفسه، نعم، كل إنسان يجزم أنه خلق من قبل ولم يك شيئًا، وإن كان لا يذكر خلق نفسه، ولا يستطيع أن يتذكر خلق نفسه، إلا أنه يستدل على خلق نفسه من لا شيء بخلق أمثاله ونظرائه.

"{فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ} أَقْسَمَ بِنَفْسِهِ بَعْد فَالْإِعَادَةُ إِقَامَةِ الْحُجَّةِ بِأَنَّهُ يَحْشُرُهُمْ مِنْ قُبُورِهِمْ إِلَى الْمَعَادِ كَمَا يَحْشُرُ الْمُؤْمِنِينَ. {وَالشَّيَاطِينَ} أَيْ وَلَنَحْشُرَنَّ الشَّيَاطِينَ قُرَنَاءَ لَهُمْ، قِيلَ: يُحْشَرُ كُلُّ كَافِرٍ مَعَ شَيْطَانٍ فِي سِلْسِلَةٍ كَمَا قَالَ: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} [الصافات:22] قال الزَّمَخْشَرِيُّ: وَالْوَاوُ فِي {وَالشَّيَاطِينَ} يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لِلْعَطْفِ، وَبِمَعْنَى مَعَ، وَهِيَ بِمَعْنَى مَعَ أَوْقَعُ".

هذه الواو واو المعية، واو المعية، {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ}، والتقدير له واو العاطفة يعني ونحشر الشياطين معهم، يصح أن تكون الواو هذه واو المعية كما تقول: صرت والطريق، فإذا ضعف العطف اختير النصب، والنصب مختار لدى ضعف النسق، وقد يتعين العطف، فإذا قلت: تشاجر زيد وعمرو، نعم تشاجر زيد وعمرو، لا بد من العطف؛ لأن الفعل تشاجر مفاعلة بين اثنين، ولا يصح أن يتشاجر زيد مع نفسه، لا بد أن يكون مع عمرو، فيتعين العطف.

"وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ يُحْشَرُونَ مَعَ قُرَنَائِهِمْ مِنَ الشَّيَاطِينِ الَّذِينَ أَغْوَوْهُمْ، يَقْرِنُونَ كُلَّ كَافِرٍ مَعَ شَيْطَانٍ فِي سِلْسِلَةٍ.

فَإِنْ قُلْتَ: هَذَا إِذَا أُرِيدَ بِالْإِنْسَانِ الْكَفَرَةُ خَاصَّةً، فَإِنْ أُرِيدَ الْأَنَاسِيُّ عَلَى الْعُمُومِ، فَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ حَشْرُهُمْ مَعَ الشَّيَاطِينِ؟

قُلْتُ: إِذَا حُشِرَ جَمِيعُ النَّاسِ حَشْرًا وَاحِدًا، وَفِيهِمُ الْكَفَرَةُ مَقْرُونِينَ بِالشَّيَاطِينِ فَقَدْ حُشِرُوا مَعَ الشَّيَاطِينِ كَمَا حُشِرُوا مَعَ الْكَفَرَةِ.

 فَإِنْ قُلْتَ: هَلَّا عُزِلَ السُّعَدَاءُ عَنِ الْأَشْقِيَاءِ فِي الْحَشْرِ كَمَا عُزِلُوا عَنْهُمْ فِي الْجَزَاءِ؟".

الكلام واضح في أنه يريد الأناسي على العموم، فكيف يستقيم حشرهم مع الشياطين؟ يعني كيف يحشر الأخيار مع الشياطين؟ الحشر للأشرار مع الشياطين، لكن كون الناس في المحشر طريقهم واحد، والشياطين مع الأشرار، إذًا الأخيار مع الشياطين والأشرار، ثم بعد ذلك أورد سؤالًا.

"فَإِنْ قُلْتَ: هَلَّا عُزِلَ السُّعَدَاءُ عَنِ الْأَشْقِيَاءِ فِي الْحَشْرِ كَمَا عُزِلُوا عَنْهُمْ فِي الْجَزَاءِ؟

قُلْتُ: لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمْ فِي الْمَحْشَرِ، وَأُحْضِرُوا حَيْثُ تَجَاثَوْا حَوْلَ جَهَنَّمَ وَأُورِدُوا مَعَهُمُ النَّارَ؛ لِيُشَاهِدَ السُّعَدَاءُ الْأَحْوَالَ الَّتِي نَجَّاهُمُ اللَّهُ مِنْهَا وَخَلَّصَهُمْ، فَيَزْدَادُوا لِذَلِكَ غِبْطَةً وَسُرُورًا إِلَى سُرُورٍ، وَيَشْمَتُوا بِأَعْدَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَعْدَائِهِمْ، فَتَزْدَادُ مَسَاءَتُهُمْ وَحَسْرَتُهُمْ وَمَا يَغِيظُهُمْ مِنْ سَعَادَةِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ وَشَمَاتَتِهِمْ بِهِمْ.

 فَإِنْ قُلْتَ: مَا مَعْنَى إِحْضَارِهِمْ جِثِيًّا؟

قُلْتُ: أَمَّا إِذَا فُسِّرَ الْإِنْسَانُ بِالْخُصُوصِ فَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ يُعْتَلُونَ مِنَ الْمَحْشَرِ إِلَى شَاطِئِ جَهَنَّمَ عَتْلًا عَلَى حَالِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا فِي الْمَوْقِفِ جُثَاةً عَلَى رُكَبِهِمْ غَيْرَ مُشَاةٍ عَلَى أَقْدَامِهِمْ".

الدع {يَوْمَ يُدَعُّونَ} [الطور:13]، يعني يدفعون بقوة.

{خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ} [الدخان:47].

نعم، {خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ}.

"أَمَّا إِذَا فُسِّرَ الْإِنْسَانُ بِالْخُصُوصِ فَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ يُعْتَلُونَ مِنَ الْمَحْشَرِ إِلَى شَاطِئِ جَهَنَّمَ عَتْلًا عَلَى حَالِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا فِي الْمَوْقِفِ جُثَاةً عَلَى رُكَبِهِمْ غَيْرَ مُشَاةٍ عَلَى أَقْدَامِهِمْ، وَذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ الْمَوْقِفِ وُصِفُوا بِالْجُثُوِّ؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً} [الجاثية:28] عَلَى الْحَالَةِ الْمَعْهُودَةِ فِي مَوَاقِفَ الْمُقَاوَلَاتُ وَالْمُنَاقَلَاتِ، مِنْ تَجَاثِي أَهْلِهَا عَلَى الرُّكَبِ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الِاسْتِيفَازِ وَالْقَلَقِ، وَإِطْلَاقُ الْحُبَا".

الجثا.

 "وَإِطْلَاقُ الْجثا خِلَافُ الطُّمَأْنِينَةِ أَوْ لِمَا يَدْهَمُهُمْ مِنْ شِدَّةِ الْأَمْرِ الَّتِي لَا يُطِيقُونَ مَعَهَا الْقِيَامَ عَلَى أَرْجُلِهِمْ، فَيَجْثُونَ عَلَى رُكَبِهِمْ جُثُوًّا. وَإِنْ فُسِّرَ بِالْعُمُومِ فَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ يَتَجَاثَوْنَ عِنْدَ مُوَافَاةِ شَاطِئِ جَهَنَّمَ عَلَى أَنَّ جِثِيًّا حَالٌ مُقَدَّرَةٌ كَمَا كَانُوا فِي الْمَوْقِفِ مُتَجَاثِينَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِ التَّوَاقُفِ لِلْحِسَابِ، قَبْلَ التَّوَاصُلِ إِلَى الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، وَيُقَالُ: إِنَّ مَعْنَى {لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا} أَيْ جِثِيًّا عَلَى رُكَبِهِمْ؛ عَنْ مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ أَيْ أَنَّهُمْ لِشِدَّةِ مَا هُمْ فِيهِ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى الْقِيَامِ. وَ{حَوْلَ جَهَنَّمَ}  يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ دَاخِلَهَا، كَمَا تَقُولُ: جَلَسَ الْقَوْمُ حَوْلَ الْبَيْتِ أَيْ دَاخِلَهُ مُطِيفِينَ بِهِ، فَقَوْلُهُ: {حَوْلَ جَهَنَّمَ} عَلَى هَذَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الدُّخُولِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الدُّخُولِ. وَ{جِثِيًّا} جَمْعُ جَاثٍ. يُقَالُ: جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ يَجْثُو وَيَجْثِي جُثُوًّا وَجُثِيًّا عَلَى فُعُولٍ فِيهِمَا وَأَجْثَاهُ غَيْرُهُ، وَقَوْمٌ جُثِيٌّ أَيْضًا مِثْلَ جَلَسَ جُلُوسًا، وَقَوْمٌ جُلُوسٌ، وَجِثِيٌّ أَيْضًا بِكَسْرِ الْجِيمِ لِمَا بَعْدَهَا مِنَ الْكَسْرِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : جِثِيًّا جَمَاعَاتٍ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ : جَمْعًا جَمْعًا، وَهُوَ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ جَمْعُ جُثْوَةٍ وَجَثْوَةٍ وَجِثْوَةٍ ثَلَاثُ لُغَاتٍ، وَهِيَ الْحِجَارَةُ الْمَجْمُوعَةُ وَالتُّرَابُ الْمَجْمُوعُ، فَأَهْلُ الْخَمْرِ عَلَى حِدَةٍ، وَأَهْلُ الزِّنَا عَلَى حِدَةٍ، وَهَكَذَا قَالَ طَرَفَةُ: 

تَرَى جُثْوَتَيْنِ مِنْ تُرَابٍ عَلَيْهِمَا

صَفَائِحُ صُمٌّ مِنْ صَفِيحٍ مُنَضَّدٍ

وَقَالَ الْحَسَنُ وَالضَّحَّاكُ : جَاثِيَةٌ عَلَى الرُّكَبِ. وَهُوَ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ جَمْعُ جَاثٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَذَلِكَ لِضِيقِ الْمَكَانِ، أَيْ لَا يُمْكِنُهُمْ أَنْ يَجْلِسُوا جُلُوسًا تَامًّا. وَقِيلَ: جِثِيًّا عَلَى رُكَبِهِمْ لِلتَّخَاصُمِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} [الزمر:31] وَقَالَ الْكُمَيْتُ :

هُمْ تَرَكُوا سَرَاتَهُمْ جِثِيًّا

وَهُمْ دُونَ السَّرَاةِ مُقَرَّنِينَا

قَوْلُهُ تَعَالَى: {ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ} أَيْ لَنَسْتَخْرِجَنَّ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ وَأَهْلِ دِينٍ. {أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا}، قال النَّحَّاسُ: وَهَذِهِ آيَةٌ مُشْكِلَةٌ فِي الْإِعْرَابِ؛ لِأَنَّ الْقُرَّاءَ كُلّهُمْ يَقْرَءُونَ أَيُّهُمْ بِالرَّفْعِ إِلَّا هَارُونَ الْقَارِئَ الْأَعْوَرَ؛ فَإِنَّ سِيبَوَيْهِ حَكَى عَنْهُ: (ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيَّهُمْ) بِالنَّصْبِ أَوْقَعَ عَلَى أَيِّهِمْ لَنَنْزِعَنَّ. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ :فِي رَفْعِ أَيِّهِمْ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ؛ قَالَ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ حَكَاهُ عَنْهُ سِيبَوَيْهِ: إِنَّهُ مَرْفُوعٌ عَلَى الْحِكَايَةِ، وَالْمَعْنَى ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةِ الَّذِي يُقَالُ مِنْ أَجْلِ عُتُوِّهِ أَيَّهُمْ أَشَدَّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا، وَأَنْشَدَ الْخَلِيلُ فَقَالَ:  

وَلَقَدْ أَبِيتُ مِنَ الْفَتَاةِ بِمَنْزِلٍ

فَأَبِيتُ لَا حَرِجٌ وَلَا مَحْرُومُ

أَيْ فَأَبِيتُ بِمَنْزِلَةِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ لَا هُوَ حَرِجٌ وَلَا مَحْرُومٌ. وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ: وَرَأَيْتُ أَبَا إِسْحَاقَ يَخْتَارُ هَذَا الْقَوْلَ وَيَسْتَحْسِنُهُ؛ قَالَ: لِأَنَّهُ مَعْنَى قَوْلِ أَهْلِ التَّفْسِيرِ. وَزَعَمَ أَنَّ مَعْنَى {ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ}  ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ الْأَعْتَى فَالْأَعْتَى".

كيف يكون هذا القول مرفوعًا على الحكاية، الحكاية والرفع عليها أن يرد اللفظ في أسلوب آخر في نص آخر ثم يحكى أن يكون معروفًا بجملة معلومة أو بنص محفوظ مرفوع، ثم بعد ذلك يُحكى على لفظه، لكن أي هذه هل يمكن بناؤه على الضم وهي مضافة، أما رفعه على الحكاية ففيه إشكال قاله الخليل بن أحمد، حكاه عنه سيبويه وأبو إسحاق الزجاج اختاره أيضًا ويستحسنه؛ لأنه معنى قول أهل التفسير كونه يفسر بما يوافق الإعراب ماشي، أما أن يكون اللفظ رُفع على الحكاية ولم يتقدم قولٌ له نظير سيق على هذا اللفظ، فالحكاية بعيدة، لكن قوله يُفسر بالمعنى الذي قاله {ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ}  الذي يقال من أجل عتوه {أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا} ممكن، يعني من أجل أن يكون الإعراب موافقًا لموقع الكلمة من الجملة.

"كَأَنَّهُ يُبْتَدَأُ بِالتَّعْذِيبِ بِأَشَدِّهِمْ عِتِيًّا ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ، وَهَذَا نَصُّ كَلَامِ أَبِي إِسْحَاقَ فِي مَعْنَى الْآيَةِ. وَقَالَ يُونُسُ:  لَنَنْزِعَنَّ بِمَنْزِلَةِ الْأَفْعَالِ الَّتِي تُلْغَى وَرَفَعَ أَيَّهُمْ عَلَى الِابْتِدَاءِ قال الْمَهْدَوِيُّ: وَالْفِعْلُ الَّذِي هُوَ لَنَنْزِعَنَّ عِنْدَ يُونُسَ مُعَلَّقٌ".

يعني معلق عن الفعل، عن فعله، الفعل يعني عن عمله بمعموله فكأنه ملغى.

"قَالَ أَبُو عَلِيٍّ : مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ يَعْمَلُ فِي مَوْضِعِ {أَيُّهُمْ أَشَدّ}".

في الجملة، يعني أنه نصب الجملة؛ لأنه ملغى إلغاءً كليًّا.

 "لَا أَنَّهُ مُلْغًى. وَلَا يُعَلَّقُ عِنْدَ الْخَلِيلِ وَسِيبَوَيْهِ مِثْلَ لَنَنْزِعَنَّ إِنَّمَا يُعَلَّقُ بِأَفْعَالِ الشَّكِّ وَشَبَهِهَا مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ وُقُوعُهُ. وَقَالَ سِيبَوَيْه: أَيُّهُمْ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّمِّ؛ لِأَنَّهَا خَالَفَتْ أَخَوَاتِهَا فِي الْحَذْفِ؛ لِأَنَّكَ لَوْ قُلْتَ: رَأَيْتُ الَّذِي أَفْضَلُ وَمَنْ أَفْضَلُ كَانَ قَبِيحًا، حَتَّى تَقُولَ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ، وَالْحَذْفُ فِي أَيِّهِمْ جَائِزٌ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَمَا عَلِمْتُ أَحَدًا مِنَ النَّحْوِيِّينَ إِلَّا وَقَدْ خَطَّأَ سِيبَوَيْهِ فِي هَذَا. وَسَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ يَقُولُ: مَا يَبِينُ لِي أَنَّ سِيبَوَيْهِ غَلِطَ فِي كِتَابِهِ إِلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ هَذَا أَحَدُهُمَا، قَالَ: وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ سِيبَوَيْهِ أَعْرَبَ أَيًّا وَهِيَ مُفْرَدَةٌ؛ لِأَنَّهَا تُضَافُ، فَكَيْفَ يَبْنِيهَا وَهِيَ مُضَافَةٌ؟!".

نعم أعربت وهي مفردة عندهم؛ لأنها تقبل الإضافة، فأعربها؛ لأنها تقبل الإضافة، فكيف يبنيها إذا أضيفت؟ هذا ظاهر، خطأ ظاهر.

"وَلَمْ يَذْكُرْ أَبُو إِسْحَاقَ فِيمَا عَلِمْتُ إِلَّا هَذِهِ الثَّلَاثَةَ الْأَقْوَالِ .قال أَبُو عَلِيٍّ : إِنَّمَا وَجَبَ الْبِنَاءُ عَلَى مَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ؛ لِأَنَّهُ حَذَفَ مِنْهُ مَا يَتَعَرَّفُ بِهِ وَهُوَ الضَّمِيرُ مَعَ افْتِقَارٍ إِلَيْهِ، كَمَا حُذِفَ فِي {مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} مَا يَتَعَرَّفَانِ بِهِ مَعَ افْتِقَارِ الْمُضَافِ إِلَى الْمُضَافِ إِلَيْهِ؛ لِأَنَّ الصِّلَةَ تُبَيِّنُ الْمَوْصُولَ وَتُوَضِّحُهُ، كَمَا أَنَّ الْمُضَافَ إِلَيْهِ يُبَيِّنُ الْمُضَافَ وَيُخَصِّصُهُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ سِوَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا أَبُو إِسْحَاقَ. قَالَ الْكِسَائِيُّ:  لَنَنْزِعَنَّ وَاقِعَةٌ عَلَى الْمَعْنَى، كَمَا تَقُولُ: لَبِسْتُ مِنَ الثِّيَابِ وَأَكَلْتُ مِنَ الطَّعَامِ، وَلَمْ يَقَعْ لَنَنْزِعَنَّ عَلَى أَيِّهِمْ فَيَنْصِبَهَا. زَادَ الْمَهْدَوِيُّ : وَإِنَّمَا الْفِعْلُ عِنْدَهُ وَاقِعٌ عَلَى مَوْضِعِ {مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ}، وَقَوْلُهُ: {أَيُّهُمْ أَشَدُّ} جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ مُرْتَفِعَةٌ بِالِابْتِدَاءِ وَلَا يَرَى سِيبَوَيْهِ زِيَادَةَ مِنْ فِي الْوَاجِبِ".

بخلاف المنفي، الواجب يعني المثبت، يريد أن يقول في هذا الكلام أن الفعل {لَنَنْزِعَنَّ} استوفى مفعوله ومعموله من الجار والمجرور، ثم استأنف الكلام {ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ}، استوفي معموله بالجار والمجرور ثم استأنف الكلام. 

" وَقَالَ الْفَرَّاءُ :الْمَعْنَى ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ بِالنِّدَاءِ وَمَعْنَى لَنَنْزِعَنَّ لَنُنَادِيَنَّ. قال الْمَهْدَوِيُّ : وَنَادَى فِعْلٌ يُعَلَّقُ إِذَا كَانَ بَعْدَهُ جُمْلَةٌ كَظَنَنْتُ فَتَعْمَلُ فِي الْمَعْنَى وَلَا تَعْمَلُ فِي اللَّفْظِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَحَكَى أَبُو بَكْرِ بْنُ شُقَيْرٍ أَنَّ بَعْضَ الْكُوفِيِّينَ يَقُولُ: فِي "أَيُّهُمْ" مَعْنَى الشَّرْطِ وَالْمُجَازَاةِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَعْمَلْ فِيهَا مَا قَبْلَهَا، وَالْمَعْنَى ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ إِنْ تَشَايَعُوا أَوْ لَمْ يَتَشَايَعُوا كَمَا تَقُولُ: ضَرَبْتُ الْقَوْمَ أَيُّهُمْ غَضِبَ، وَالْمَعْنَى إِنْ غَضِبُوا أَوْ لَمْ يَغْضَبُوا. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَهَذِهِ سِتَّةُ أَقْوَالٍ، وَسَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ سُلَيْمَانَ يَحْكِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ".

المبرد، نعم.

"قَالَ: أَيُّهُمْ مُتَعَلِّقٌ بِشِيعَةٍ فَهُوَ مَرْفُوعٌ بِالِابْتِدَاءِ، وَالْمَعْنَى ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنَ الَّذِينَ تَشَايَعُون أَيُّهُمْ، أَيْ مِنَ الَّذِينَ تَعَاوَنُوا فَنَظَرُوا، أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا. وَهَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ، وَقَدْ حَكَى الْكِسَائِيُّ أَنَّ التَّشَايُعَ التَّعَاوُنُ، وَ(عِتِيًّا) نُصِبَ عَلَى  الْبَيَانِ".

يعني التمييز، نعم.

"{ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا} أَيْ أَحَقُّ بِدُخُولِ النَّارِ. يُقَالُ: صَلَى يَصْلَى صُلِيًّا، نَحْوَ مَضَى الشَّيْءُ يَمْضِي مُضِيًّا إِذَا ذَهَبَ، وَهَوَى يَهْوِي هُوِيًّا، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ : وَيُقَالُ: صَلَيْتُ الرَّجُلَ نَارًا إِذَا أَدْخَلْتَهُ النَّارَ، وَجَعَلْتَهُ يَصْلَاهَا، فَإِنْ أَلْقَيْتَهُ فِيهَا إِلْقَاءً كَأَنَّكَ تُرِيدُ الْإِحْرَاقَ قُلْتَ: أَصْلَيْتُهُ بِالْأَلِفِ وَصَلَيْتُهُ تَصْلِيَةً، وَقُرِئَ: (وَيُصَلَّى سَعِيرًا)، وَمَنْ خَفَّفَ فَهُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ: صَلِيَ فُلَانٌ بِالنَّارِ (بِالْكَسْرِ) يَصْلَى صِلِيًّا احْتَرَقَ؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا} قَالَ الْعَجَّاجُ:

وَاللَّهِ لَوْلَا النَّارُ أَنْ نَصْلَاهَا

وَيُقَالُ أَيْضًا: صَلِيَ بِالْأَمْرِ إِذَا قَاسَى حَرَّهُ وَشِدَّتَهُ. قَالَ الطُّهَوِيُّ: 

وَلَا تَبْلَى بَسَالَتُهُمْ وَإِنْ هُمْ

صَلُوا بِالْحَرْبِ حِينًا بَعْدَ حِينٍ

وَاصْطَلَيْتُ بِالنَّارِ وَتَصَلَّيْتُ بِهَا، قَالَ أَبُو زُبَيْدٍ:

وَقَدْ تَصَلَّيْتُ حَرَّ حَرْبِهِمُ

كَمَا تَصَلَّى الْمَقْرُورُ مِنْ قَرَسٍ

وَفُلَانٌ لَا يُصْطَلَى بِنَارِهِ إِذَا كَانَ شُجَاعًا لَا يُطَاقُ".

يعني لا يُصبر عليه؛ لأن عمله كالنار.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا} فِيهِ خَمْسُ مَسَائِلَ:

 الْأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنْ مِنْكُمْ} هَذَا قَسَمٌ وَالْوَاوُ يَتَضَمَّنُهُ، وَيُفَسِّرُهُ حَدِيثُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَا يَمُوتُ لِأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ فَتَمَسُّهُ النَّارُ إِلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ» قَالَ الزُّهْرِيُّ : كَأَنَّهُ يُرِيدُ هَذِهِ الْآيَةَ {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فَقَوْلُهُ: «إِلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ»". 

هذا خبر {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا}، هو خبر، وهو خبر مؤكد، وهو بمنزلة القسم، فمفاده مفاد القسم، وإن كان لفظه لفظ الخبر، كما يقال في الطلاق، وإن كان بلفظ الخبر أو بلفظ الشرط، وهنا شرط، إن خرجتِ فأنتِ طالق، هذه يسمونه حلفًا، حلفًا بالطلاق، وليس فيه واحد من حروف القسم، لكن لما كان مفاده القسم وهو المنع، أو إن جلستِ مفاده الحث على الخروج، المقصود أنه إذا كان المراد به الحث أو المنع صار معناه معنى القسم، وأطلق عليه الحلف والقسم، وهنا لما كان المراد حثّهم بقوة على فعل المأمورات وترك المنهيات صار مفاده مفاد القسم، فأطلق عليه، وأحيل عليه في الحديث «إلا تحلة القسم»، فلما كان مفاده مفاد القسم أجري عليه لفظ القسم.

 "فَقَوْلُهُ: «إِلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ» يُخَرَّجُ فِي التَّفْسِيرِ الْمُسْنَدِ؛ لِأَنَّ الْقَسَمَ الْمَذْكُورَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَعْنَاهُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا}".

مخرج؟

هنا يقول: ويفسر حديث النبي -عليه الصلاة والسلام- «لا يموت» إلى آخره، كأنه يريد هذه الآية، قال الزهري، من كلامه يعني، يعني الزهري من كلامه ربط بين الحديث ورأى أن المراد بالقسم هو ما جاء في هذه الآية {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا}، وهو تفسير وبيان للمراد، ذكره أبو داود الطيالسي فقال: «إلا تحلة القسم»، فقوله «إلا تحلة القسم»، يخرج بالتفسير المسند يعني المرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه بيان لكلامه، ولكن إذا لم يصرح بلفظه برفعه إلى النبي- عليه الصلاة والسلام- فليس بمرفوع، اللهم إلا أن يقال: إن مثل هذا لا يمكن أن يقال بالرأي، فيحتمل، والمختلف فيه من التفسير هل له حكم الرفع أو لا هو تفسير الصحابي، الحاكم يجزم بأن تفسير الصحابي له حكم الرفع؛ لأن الصحابي لا يمكن أن يقول القرآن برأيه، وقد بلغهم من النبي -عليه الصلاة والسلام- ما بلغه من التشديد في تفسير القرآن بالرأي، فيكون له حكم الرفع، والجمهور على أنه يمكن أن يفسر الصحابي برأيه، والرأي هناك ما هو محمود وما يدرك من لغة العرب وما أشبه ذلك، لكن تفسير ما لا يدرك بالرأي هذا هو المذموم، فالجمهور حملوا كلام الحاكم على أن تفسير الصحابي له حكم الرفع على ما يتعلق بأسباب النزول، ولذا يقول حافظ العراقي -رحمه الله-:

وعدوا ما فسره الصحابي

رفعًا فمحمولٌ على الأسباب

 يعني على أسباب النزول، أسباب النزول النبي -عليه الصلاة والسلام- طرف في سبب نزول الآية وإن لم يذكر، فيتجه هذا الكلام، أما قوله: فقوله: «إلا تحلة القسم»، يخرج في التفسير المسند ويقصدون بالمسند هنا المرفوع، المرفوع، الرفع هنا إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فإن كان تفسيره لهذه الآية وربطه بين ما ذكره وبين القسم في الآية الذي هو معنى ومفاد القسم، الربط بينهما يحتاج إلى توقيف من النبي -عليه الصلاة والسلام-، فإن كان من هذه الحيثية باعتبار أنه لا يمكن أن يقال بالرأي فمثل هذا فله حكم الرفع، ويبقى أنه لوحُكم عليه بالرفع يبقى أنه مرسل، حكمه حكم المرسل؛ لأن الزهري ليس من الصحابة.

"لِأَنَّ الْقَسَمَ الْمَذْكُورَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَعْنَاهُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا}

وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْمُرَادَ بِالْقَسَمِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوً} [الذاريات:1] إِلَى قَوْلِهِ: { إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ} [الذاريات:6] وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ، وَالْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ".

نعم؛ لأن الموعود به واحد.

"الثَّانِيَة: وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْوُرُودِ فَقِيلَ: الْوُرُودُ الدُّخُولُ رُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «الْوُرُودُ الدُّخُولُ، لَا يَبْقَى بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ إِلَّا دَخَلَهَا، فَتَكُونُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بَرْدًا وَسَلَامًا كَمَا كَانَتْ عَلَى إِبْرَاهِيمَ» { ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا}".

يعني من اللفظ مسألة الورود هل يقتضي الدخول أو لا يقتضيه؟ والحديث الذي أورده عن جابر خرجه؟

أسنده أبو عمر في كتاب التمهيد.

هذا كلام القرطبي لكن مخرج عند الإخوان أم ليس بمخرج؟

ماذا يقول؟

طالب: ......................

على كل حال إذا ثبت تفسير الورود بالدخول فلا كلام، وإلا فالأصل أن الورود لا يقتضي الدخول، كورود الأنعام على الماء، الأنعام ترد على الماء، «دعها معها حذاؤها وسقاؤها، ترد الماء»، فالورود بمعنى أنها تخوض الماء وتدخل فيه لا يقتضي هذا، لكن إن ثبت حديث جابر، إن ثبت حديث جابر فلا كلام، «الْوُرُودُ الدُّخُولُ لَا يَبْقَى بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ إِلَّا دَخَلَهَا فَتَكُونُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بَرْدًا وَسَلَامًا كَمَا كَانَتْ عَلَى إِبْرَاهِيمَ»، والعطف بـ ثم يقتضي أنهم يمكثون بعد هذا الورود برهة، مدة، ثم لأن العطف يقتضي التراخي ثم، فإن كان دخولًا فهم يبقون فيها ثم ينجون، وإن كان مجرد عرض ومرور بها فثم هذه تقتضي من المدة ما تقطع به المسافة، ما تقطع به المسافة.    

 "أَسْنَدَهُ أَبُو عُمَرَ فِي كِتَابِ (التَّمْهِيدِ). وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَخَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ وَابْنِ جُرَيْجٍ وَغَيْرِهِمْ وَرُوِيَ عَنْ يُونُسَ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ".

عن الحسين عندك؟

طالب: عن يونس.

عن يونس عن الحسين، عندكم؟

طالب: عن يونس.

فقط؟ يقول: عن الحسين عن الرقم ثلاثة زيادة من باء وجيم وزاي وطاء وكاف، كم نسخة؟ خمس نسخ، زيادة من خمس نسخ؛ لأن ميزة هذه الطبعة أنها قُوبلت على نسخ كثيرة جدًّا، بعض الأجزاء على ثلاثة عشر نسخة، وهذا الجزء قُوبل على ثمان نسخ، والمسألة القراءة، فيه أحد، أبو عمر موجود؟

طالب: نضيف لها الحسين؟

هي مذكورة من خمس نسخ، نعم

"وَرُوِيَ عَنْ يُونُسَ عن الحسين أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} الْوُرُودُ الدُّخُولُ عَلَى التَّفْسِيرِ لِلْوُرُودِ فَغَلِطَ فِيهِ بَعْضُ الرُّوَاةِ فَأَلْحَقَهُ بِالْقُرْآنِ. وَفِي مسند الدَّارِمِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَرِدُ النَّاسُ النَّارَ ثُمَّ يَصْدُرُونَ مِنْهَا بِأَعْمَالِهِمْ، فَمِنْهُمْ كَلَمْحِ الْبَصَرِ، ثُمَّ كَالرِّيحِ ثُمَّ كَحُضْرِ الْفَرَسِ، ثُمَّ كَالرَّاكِبِ الْمُجِدِّ فِي رَحْلِهِ، ثُمَّ كَشَدِّ الرَّجُلِ فِي مِشْيَتِهِ»، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِنَافِعِ بْنِ الْأَزْرَقِ الْخَارِجِيِّ (أَمَّا أَنَا وَأَنْتَ فَلَا بُدَّ أَنْ نَرِدَهَا أَمَّا أَنَا فَيُنْجِينِي اللَّهُ مِنْهَا، وَأَمَّا أَنْتَ فَمَا أَظُنُّهُ يُنْجِيكَ لِتَكْذِيبِكَ). وَقَدْ أَشْفَقَ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ".

هو لم يقطع بهذا فما أظنه يعني يغلب على الظن أنه لا ينجيك؛ لأنك مكذب ببعض ما جاء عن الله –جل وعلا- من نصوص الوعد؛ لأنه خارجي، عمله وعمدته على نصوص الوعيد، الخارجي لا يعول على نصوص الوعد فهو مكذب لله –جل وعلا- من هذه الحيثية، ولم يجزم ابن عباس أنه لا ينجو؛ لأنه لا يدري بما يختم له، فإذا كان يرى أنه كافر، تكفير الخوارج مسألة مختلف فيها بين أهل العلم، لكنه قال: فما أظنه ينجيك لتكذيبك، أما من كذب معاندًا، ترى عليه النصوص الصحيحة الصريحة وكذبها، فهذا لا شك في كفره، لكن هم يتأولون، وجاء فيهم الحديث الصحيح: «يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية»، وجاءت فيهم نصوص أخرى في شأنهم، والله المستعان.

"وَقَدْ أَشْفَقَ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِنْ تَحَقُّقِ الْوُرُودِ وَالْجَهْلِ بِالصَّدْرِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي (التَّذْكِرَةِ)".

نعم، الله –جل وعلا- حكم على الجميع بأنهم واردون، لكن من ينجو؟ ينجو التقي {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا}، وإذا كانت التقوى فعل الأوامر واجتناب النواهي، فالمسألة عظيمة خطيرة. لكن كون العاصي مرتكب الكبيرة تحت المشيئة إن شاء عذبه وإن شاء غفر له، فلا شك أن مآله إلى الجنة مادام في دائرة الإسلام.

وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: الْوُرُودُ الْمَمَرُّ عَلَى الصِّرَاطِ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَكَعْبِ الْأَحْبَارِ وَالسُّدِّيِّ وَرَوَاهُ السُّدِّيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَهُ الْحَسَنُ أَيْضًا، قَالَ: لَيْسَ الْوُرُودُ الدُّخُولَ إِنَّمَا تَقُولُ وَرَدْتُ الْبَصْرَةَ وَلَمْ أَدْخُلْهَا قَالَ: فَالْوُرُودُ أَنْ يَمُرُّوا عَلَى الصِّرَاطِ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَنْبَارِيُّ : وَقَدْ بَنَى عَلَى مَذْهَبِ الْحَسَنِ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء:101] قَالُوا: فَلَا يَدْخُلُ النَّارَ مَنْ ضَمِنَ اللَّهُ أَنْ يُبْعِدَهُ مِنْهَا، وَكَانَ هَؤُلَاءِ يَقْرَءُونَ: (ثَمَّ) بِفَتْحِ الثَّاءِ (ثَمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا)، وَاحْتَجَّ عَلَيْهِمُ الْآخَرُونَ أَهْلُ الْمَقَالَةِ الْأُولَى بِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِه : {أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء:101] عَنِ الْعَذَابِ فِيهَا، وَالْإِحْرَاقِ بِهَا، قَالُوا: فَمَنْ دَخَلَهَا وَهُوَ لَا يَشْعُرُ بِهَا وَلَا يُحِسُّ مِنْهَا وَجَعًا، وَلَا أَلَمًا فَهُوَ مُبْعَدٌ عَنْهَا فِي الْحَقِيقَةِ، وَيَسْتَدِلُّونَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا} بِضَمِّ الثَّاءِ، فَ (ثُمَّ) تَدُلُّ عَلَى نَجَاءٍ بَعْدَ الدُّخُولِ.

 قُلْتُ: وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «ثُمَّ يُضْرَبُ الْجِسْرُ عَلَى جَهَنَّمَ وَتَحُلُّ الشَّفَاعَةُ فَيَقُولُونَ اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْجِسْرُ؟ قَالَ: دَحْضٌ مَزِلَّةٌ فِيهِ خَطَاطِيفُ وَكَلَالِيبُ، وَحَسَكٌ تَكُونُ بِنَجْدٍ فِيهَا شُوَيْكَةٌ، يُقَالُ لَهَا السَّعْدَانُ، فَيَمُرُّ الْمُؤْمِنُونَ كَطَرْفِ الْعَيْنِ وَكَالْبَرْقِ وَكَالرِّيحِ وَكَالطَّيْرِ، وَكَأَجَاوِيدِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ وَمَخْدُوشٌ مُرْسَلٌ، وَمَكْدُوسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ» الْحَدِيثَ، وَبِهِ احْتَجَّ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْجَوَازَ عَلَى الصِّرَاطِ هُوَ الْوُرُودُ الَّذِي تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ لَا الدُّخُولُ فِيهَا. وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: بَلْ هُوَ وُرُودُ إِشْرَافٍ وَاطِّلَاعٍ وَقُرْبٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يَحْضُرُونَ مَوْضِعَ الْحِسَابِ وَهُوَ بِقُرْبِ جَهَنَّمَ فَيَرَوْنَهَا وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهَا فِي حَالَةِ الْحِسَابِ، ثُمَّ يُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا مِمَّا نَظَرُوا إِلَيْهِ وَيُصَارُ بِهِمْ إِلَى الْجَنَّةِ {وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ} أَيْ يُؤْمَرُ بِهِمْ إِلَى النَّارِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ} [القصص:23] أَيْ أَشْرَفَ عَلَيْهِ لَا أَنَّهُ دَخَلَهُ".

يؤمر بهم إلى النار باعتبار أن الورود ليس هو الدخول، ولو فسر الورود بالدخول لكان معنى قوله: {وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ}  يعني نتركهم فيها، مادام دخلوها يُتركون فيها.

  وَقَالَ زُهَيْر:

فَلَمَّا وَرَدْنَ الْمَاءَ زُرْقًا جِمَامُهُ

وَضَعْنَ عِصِيَّ الْحَاضِرِ الْمُتَخَيِّمِ 

وَرَوَتْ حَفْصَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ وَالْحُدَيْبِيَةِ» قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَأَيْنَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَ: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا}؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «فَمَهْ: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا}». أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ مُبَشِّرٍ قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَ حَفْصَةَ الْحَدِيثَ.

 وَرَجَّحَ الزَّجَّاجُ هَذَا الْقَوْلَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:  {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء:101]، وَقَالَ مُجَاهِدٌ : وُرُودُ الْمُؤْمِنِينَ النَّارَ هُوَ الْحُمَّى الَّتِي تُصِيبُ الْمُؤْمِنَ فِي دَارِ الدُّنْيَا، وَهِيَ حَظُّ الْمُؤْمِنِ مِنَ النَّارِ فَلَا يَرِدُهَا. رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَادَ مَرِيضًا مِنْ وَعَكٍ بِهِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -«أَبْشِرْ فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ: هِيَ نَارِي أُسَلِّطُهَا عَلَى عَبْدِي الْمُؤْمِنِ لِتَكُونَ حَظَّهُ مِنَ النَّارِ». أَسْنَدَهُ أَبُو عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ".

ابن يزيد، ابن يزيد، عبد الرحمن بن يزيد بن جابر.

"قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ جَابِرٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّه عَنْ أَبِي صَالِحٍ الْأَشْعَرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَادَ مَرِيضًا فَذَكَرَهُ. وَفِي الْحَدِيثِ «الْحُمَّى حَظُّ الْمُؤْمِنِ مِنَ النَّارِ».

 وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: الْوُرُودُ النَّظَرُ إِلَيْهَا فِي الْقَبْرِ، فَيُنَجَّى مِنْهَا الْفَائِزُ، وَيَصْلَاهَا مَنْ قُدِّرَ عَلَيْهِ دُخُولُهَا، ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْهَا بِالشَّفَاعَةِ أَوْ بِغَيْرِهَا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمْ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ» الْحَدِيثَ، وَرَوَى وَكِيعٌ عَن شُعْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ رَجُلٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِه تَعَالَى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} قَالَ: هَذَا خِطَابٌ لِلْكُفَّارِ".

الورود النظر إليها في القبر، الورود في الآية مسند إلى المكلف {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} يعني أنكم أنتم تردونها، وما يكون في القبر هي التي ترد وتُعرض، فيعرض على المؤمن مكانه من النار، ويقال: هذا مكانك لولا أنك آمنت، ثم يُفتح له باب إلى الجنة؛ لأنه إذا رأى الضد تبين له حسن الضد وكماله، بخلاف الكافر يُعرض عليه مقعده من الجنة لو آمن ثم يُفتح له بابًا إلى النار، نسأل الله السلامة والعافية، فالورود في الآية مسند إلى المكلف {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا}، والذي في القبر المكان هو الذي يعرض.

"وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ (وَإِنْ مِنْهُمْ) رَدًّا عَلَى الْآيَاتِ الَّتِي قَبْلَهَا فِي الْكُفَّارِ.

 قَوْلُهُ: {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا وَإِنْ مِنْهُمْ}، وَكَذَلِكَ قَرَأَ عِكْرِمَةُ وَجَمَاعَةٌ عَلَيْهَا".

وعليها، وعليها.

"وعَلَيْهَا فَلَا شُعَبَ فِي هَذِهِ الْقِرَاءَةِ".

لا فلا شغب.

"وعَلَيْهَا فَلَا شُغبَ فِي هَذِهِ الْقِرَاءَةِ.

يعني ما فيه مناقشة ومقاولة ورد لها؛ لأنه قال: وروي عنه أنه كان يقرأ: (وإن منهم)، إرجاعًا لهذه القراءة على الآيات السابقة، يقول: وكذا قرأ عِكْرِمَةُ وَجَمَاعَةٌ عَلَيْهَا فَلَا شغبَ فِي هَذِهِ الْقِرَاءَةِ على المعنى الذي ذُكر.

"وَقَالَتْ فِرْقَةٌ الْمُرَادُ بِ (مِنْكُمْ) الْكَفَرَةُ وَالْمَعْنَى" قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّد وَهَذَا التَّأْوِيلُ أَيْضًا سَهْلُ التَّنَاوُلِ وَالْكَافُ فِي مِنْكُمْ رَاجِعَةٌ إِلَى الْهَاءِ فِي {لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ} فَلَا يُنْكَرُ رُجُوعُ الْكَافِ إِلَى الْهَاءِ، فَقَدْ عُرِفَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا} [الإنسان:21] مَعْنَاهُ: كَانَ لَهُمْ، فَرَجَعَتِ الْكَافُ إِلَى الْهَاءِ. وَقَالَ الْأَكْثَرُ: الْمُخَاطَبُ الْعَالَمُ كُلُّهُ، وَلَا بُدَّ مِنْ وُرُودِ الْجَمِيعِ وَعَلَيْهِ نَشَأَ الْخِلَافُ فِي الْوُرُودِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَقْوَالَ الْعُلَمَاءِ فِيهِ، وَظَاهِرُ الْوُرُودِ الدُّخُولُ؛ لِقَوْلِهِ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: «فَتَمَسُّهُ النَّارُ»؛ لِأَنَّ الْمَسِيسَ حَقِيقَتُهُ فِي اللُّغَةِ الْمُمَاسَّةُ إِلَّا أَنَّهَا تَكُونُ بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَيَنْجُونَ مِنْهَا سَالِمِينَ. قَالَ خَالِدُ بْنُ مَعْدَان: إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ قَالُوا: أَلَمْ يَقُلْ رَبُّنَا إِنَّا نَرِدُ النَّارَ؟ فَيُقَالُ: لَقَدْ وَرَدْتُمُوهَا فَأَلْفَيْتُمُوهَا رَمَادًا.

قُلْتُ: وَهَذَا الْقَوْلُ يَجْمَعُ شَتَاتَ الْأَقْوَالِ، فَإِنَّ مَنْ وَرَدَهَا، وَلَمْ تُؤْذِهِ بِلَهَبِهَا وَحَرِّهَا، فَقَدْ أُبْعِدَ عَنْهَا وَنُجِّيَ مِنْهَا. نَجَّانَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْهَا بِفَضْلِهِ وَكَرَمِهِ، وَجَعَلَنَا مِمَّنْ وَرَدَهَا فَدَخَلَهَا سَالِمًا وَخَرَجَ مِنْهَا غَانِمًا.

فَإِنْ قِيلَ: فَهَلْ يَدْخُلُ الْأَنْبِيَاءُ النَّارَ؟ قُلْنَا: لَا نُطْلِقُ هَذَا، وَلَكِنْ نَقُولُ: إِنَّ الْخَلْقَ جَمِيعًا يَرِدُونَهَا، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ جَابِر أَوَّلَ الْبَابِ، فَالْعُصَاةُ يَدْخُلُونَهَا بِجَرَائِمِهِمْ، وَالْأَوْلِيَاءُ وَالسُّعَدَاءُ لِشَفَاعَتِهِمْ فَبَيْنَ الدُّخُولَيْنِ بَوْنٌ. وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ". 

يعني مثل ما ننظِّر للمسألة بدخول سجن مثلًا، أحد يدخل السجن؛ لأنه مجرم، وأحد يدخله؛ لأنه مصلح، كلهم دخلوا السجن، لكن هذا دخله؛ لأنه مجرم، وهذا دخله؛ لأنه مصلح يريد إصلاح هؤلاء المجرمين، ولذا السجون يدخلها الدعاة والمصلحون والوعاظ المرشدون، ولا ضير أنهم دخلوا السجن، يعني ما يقال: أنا والله شفت فلانًا داخل السجن، نعم فإذا كانت لا تضرهم وكان دخولهم للمصلحة فهذا لا ضير فيه.

"وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ مُحْتَجًّا لِمُصْحَفِ عُثْمَانَ وَقِرَاءَةُ الْعَامَّةِ: جَائِزٌ فِي اللُّغَةِ أَنْ يَرْجِعَ مِنْ خِطَابِ الْغَيْبَةِ إِلَى لَفْظِ الْمُوَاجَهَةِ بِالْخِطَابِ كَمَا قَالَ: {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا} [الإنسان:21]، فَأَبْدَلَ الْكَافَ مِنَ الْهَاءِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى فِي (يُونُسَ)".

يسمونه التفاتًا، التفات من الخطاب، خطاب الغائب إلى الحاضر.

"الثَّالِثَةُ: الِاسْتِثْنَاءُ فِي قَوْلِهِ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: «إِلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ»,  يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ اسْتِثْنَاءً مُنْقَطِعًا، لَكِنْ تَحِلَّةَ الْقَسَمِ".

لأن المستثنى ليس من جنس المستثنى منه، ليس من جنس المستثنى منه؛ لأن الدخول دخول تعذيب، فاستثنى تحلة القسم الذي هو الورود الذي يقتضي التعذيب.

"وَهَذَا مَعْرُوفٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَالْمَعْنَى أَلَّا تَمَسَّهُ النَّارُ أَصْلًا، وَتَمَّ الْكَلَامُ هُنَا ثُمَّ ابْتُدِأَ «إِلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ», أَيْ لَكِنْ تَحِلَّةَ الْقَسَمِ لَا بُدَّ مِنْهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} وَهُوَ الْجَوَازُ عَلَى الصِّرَاطِ أَوِ الرُّؤْيَةُ أَوِ الدُّخُولُ دُخُولُ سَلَامَةٍ ، فَلَا يَكُونُ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ مِنْ مَسِيسٍ؛ لِقَوْلِهِ- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: «لَا يَمُوتُ لِأَحَدِكُمْ ثَلَاثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ فَيَحْتَسِبُهُمْ إِلَّا كَانُوا لَهُ جُنَّةً مِنَ النَّارِ»، وَالْجُنَّةُ الْوِقَايَةُ وَالسَّتْرُ وَمَنْ وُقِيَ النَّارَ، وَسُتِرَ عَنْهَا فَلَنْ تَمَسَّهُ أَصْلًا، وَلَوْ مَسَّتْهُ لَمَا كَانَ مُوَقًّى.

 "الرَّابِعَةُ: هَذَا الْحَدِيثُ يُفَسِّرُ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّ فِيهِ ذِكْرَ الْحِسْبَةِ؛ وَلِذَلِكَ جَعَلَهُ مَالِكٌ بِأَثَرِهِ مُفَسِّرًا لَهُ، وَيُقَيِّدُ هَذَا الْحَدِيثَ الثَّانِي أَيْضًا مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: «مَنْ مَاتَ لَهُ ثَلَاثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ كَانَ لَهُ حِجَابًا مِنَ النَّارِ أَوْ دَخَلَ الْجَنَّةَ» فَقَوْلُهُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-".

الروايات كانوا، بعض روايات الصحيح «كَانَ لَهُ حِجَابًا» ، ورواية أبي ذر لأنهم ثلاثة.

"فَقَوْلُهُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: «لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ» وَمَعْنَاهُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ وَلَمْ يَبْلُغُوا أَنْ يَلْزَمَهُمْ حِنْثٌ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَطْفَالَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْجَنَّةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ".

هنا يقول: فيحتسبهم؛ لأنه لا بد من الصبر والاحتساب ليثبت هذا الأجر وهذا الوعد، «لَا يَمُوتُ لِأَحَدِكُمْ ثَلَاثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ فَيَحْتَسِبُهُمْ» عند الله –جل وعلا- يصبر ويحتسب النَّارِ، أما إذا جزع وتشكى فلا يثبت له هذا الثواب، والروايات المطلقة تقيد بهذه الرواية؛ لما عُرف من حمل المطلق على المقيد، وماذا عن الأولاد الكبار وموتهم وهو أشد وقعًا على الوالدين، هل يثبت لهم مثل هذا الأجر أو هذا خاص بالأطفال؟

طالب: ......................

 يعني هذا خاص، هل القيد في قوله: «لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ» قيد معتبر بمعنى أنه لو توفي لشخص عشرة كلهم مكلفون لا يتناوله هذا الوعد؟ أو نقول: إن هذا القيد «لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ» معتبر، لكن من باب قياس الأولى موت الكبار، موت الكبار لا شك أنه أشق على موت الصغار، يعني لو مات ثلاثة لشخص كلهم في المهد، واحد بعد الثاني والثالث، ومات واحد عمره عشرون سنة، بدأ نفعه، وظهر صلاحه، نفترض المسألة في ولد بار، عشرين، خمس وعشرين سنة، أيهما أشد هو أم من في المهد؟ الكبير أشد، فهل نقول: إن هذا من باب قياس الأولى أو أن أجره أعظم من هذا {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر:10]، فيكون موت الصغار مكفرًا، وموت الكبار رافعًا للدرجات.

طالب:.................

يعني الكبار أمرهم أعظم من الصغار، واحد من المبتدعة كتب عن النصوص المتشابهة، وأظنه شيعيّا وقال: السبب أن هؤلاء الصغار وما جاء فيهم أنهم في الدنيا والآخرة مع أبويهم، بخلاف من كبر واستقل بنفسه وتزوج واتخذ البيت، هذا منفرد في الدنيا والآخرة، لكن هل هذا يعني أن الأب لا يصاب بولده إذا استقل بنفسه؟ لا شك أن مصيبته بالكبير أعظم.

"وَمَعْنَاهُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ وَلَمْ يَبْلُغُوا أَنْ يَلْزَمَهُمْ حِنْثٌ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَطْفَالَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْجَنَّةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. لِأَنَّ الرَّحْمَةَ إِذَا نَزَلَتْ بِآبَائِهِمُ اسْتَحَالَ أَنْ يُرْحَمُوا مِنْ أَجْلِ (مَنْ) لَيْسَ بِمَرْحُومٍ. وَهَذَا إِجْمَاعٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ فِي أَنَّ أَطْفَالَ  الْمُسْلِمِينَ فِي الْجَنَّةِ، وَلَمْ يُخَالِفْ فِي ذَلِكَ إِلَّا فِرْقَةٌ شَذَّتْ مِنَ الْجَبْرِيَّةِ، فَجَعَلَتْهُمْ فِي الْمَشِيئَةِ، وَهُوَ قَوْلٌ مَهْجُورٌ مَرْدُودٌ بِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ الَّذِينَ لَا تَجُوزُ مُخَالَفَتُهُمْ، وَلَا يَجُوزُ عَلَى مِثْلِهِمُ الْغَلَطُ إِلَى مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ الثِّقَاتِ الْعُدُولِ؛ وَأَنَّ قَوْلَهُ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: «الشَّقِيُّ مَنْ شَقِيَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ، وَالسَّعِيدُ مَنْ سَعِدَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ وَأَنَّ الْمَلَكَ يَنْزِلُ فَيَكْتُبُ أَجَلَهُ وَعَمَلَهُ وَرِزْقَهُ»، الْحَدِيثُ مَخْصُوصٌ".

مخصوص بما جاء في الصغار، في الأطفال، وإلا فلفظ هذا الحديث يتناول الكبار والصغار، فيكون الكبار والصغار تحت المشيئة على ما كتب لهم وما قدر لهم، لكن ما جاء في الصغار يخرجهم من هذا النص.

"وَأَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْ أَطْفَالِ الْمُسْلِمِينَ قَبْلَ الِاكْتِسَابِ، فَهُوَ مِمَّنْ سَعِدَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ، وَلَمْ يَشْقَ؛ بِدَلِيلِ الْأَحَادِيثِ وَالْإِجْمَاعِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -لِعَائِشَةَ- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا-: «يَا عَائِشَةُ إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْجَنَّةَ وَخَلَقَ لَهَا أَهْلًا وَهُمْ فِي أَصْلَابِ آبَائِهِمْ، وَخَلَقَ النَّارَ وَخَلَقَ لَهَا أَهْلًا وَهُمْ فِي أَصْلَابِ آبَائِهِمْ»، سَاقِطٌ ضَعِيفٌ مَرْدُودٌ بِالْإِجْمَاعِ وَالْآثَارِ، وَطَلْحَةُ بْنُ يَحْيَى الَّذِي يَرْوِيهِ ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا انْفَرَدَ بِهِ فَلَا يُعَرَّجُ عَلَيْهِ".

لكن حتى لفظه، لفظه فيه إشكال، «يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْجَنَّةَ، وَخَلَقَ لَهَا أَهْلًا وَهُمْ فِي أَصْلَابِ آبَائِهِمْ» يعني قضى عليهم وقدَّر عليهم أنهم سعداء «وَخَلَقَ النَّارَ، وَخَلَقَ لَهَا أَهْلًا وَهُمْ فِي أَصْلَابِ آبَائِهِمْ»، يعني قدر لهم وكتب عليهم أنهم أشقياء، فمعناه هو معنى الحديث السابق نعم.

"وَقَدْ رَوَى شُعْبَةُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ بْنِ إِيَاسٍ الْمُزَنِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَار مَاتَ لَهُ ابْنٌ صَغِيرٌ فَوَجَدَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَمَا يَسُرُّكَ أَلَّا تَأْتِيَ بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ إِلَّا وَجَدْتَهُ يَسْتَفْتِحُ لَكَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَهُ خَاصَّةً أَمْ لِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً؟ قَالَ: بَلْ لِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً»، قَالَ أَبُو عُمَرَ : هَذَا حَدِيثٌ ثَابِتٌ صَحِيحٌ يَعْنِي".

بمعنى، بمعنى ما ذكرناه.

"بمعْنِي مَا ذَكَرْنَاهُ مَعَ إِجْمَاعِ الْجُمْهُورِ، وَهُوَ يُعَارِضُ حَدِيثَ يَحْيَى وَيَدْفَعُهُ قَالَ أَبُو عُمَرَ :والْوَجْهُ عِنْدِي فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَمَا أَشْبَهَهُ مِنَ الْآثَارِ أَنَّهَا لِمَنْ حَافَظَ عَلَى أَدَاءِ فَرَائِضِهِ وَاجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ، وَصَبَرَ وَاحْتَسَبَ فِي مُصِيبَتِهِ".

يعني هذا سبب، هذا سبب، والسبب يترتب عليه مسببه إذا لم يوجد مانع، فإذا وجد المانع ما ترتب الأثر على السبب، ما يترتب عليه إذا وجد المانع، الدعاء سبب، لكن أكل الحرام مانع {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}[غافر:60] يقول: دعوت ولم يستجاب لي، نعم لوجود المانع، مات له عشرة من الولد فلم يُغفر له ولم يدخل الجنة، نعم لوجود الموانع وهكذا.

"فَإِنَّ الْخِطَابَ لَمْ يَتَوَجَّهْ فِي ذَلِكَ الْعَصْرِ إِلَّا إِلَى قَوْمٍ الْأَغْلَبُ مِنْ أَمْرِهِمْ مَا وَصَفْنَا وَهُمُ الصَّحَابَةُ -رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ-، وَذَكَرَ النَّقَّاشُ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَالَ: نَسَخَ قَوْلَهُ تَعَالَى:  {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} قَوْلُهُ: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُون} [الأنبياء:101]، وَهَذَا ضَعِيفٌ، وَهَذَا لَيْسَ مَوْضِعَ نَسْخٍ".

لأنه خبر، والنسخ لا يدخل في الأخبار.

"وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ إِذَا لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ فَقَدْ أُبْعِدَ عَنْهَا، وَفِي الْخَبَرِ: «تَقُولُ النَّارُ لِلْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: جُزْ يَا مُؤْمِنُ فَقَدْ أَطْفَأَ نُورُكَ لَهَبِي».

 الْخَامِسَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا} الْحَتْمُ إِيجَابُ الْقَضَاءِ أَيْ كَانَ ذَلِكَ حَتْمًا. {مَقْضِيًّا} أَيْ قَضَاهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْكُمْ، وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: أَيْ قَسَمًا وَاجِبًا.

 قَوْلُهُ تَعَالَى: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا} أَيْ نُخَلِّصُهُمْ، {وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} وَهَذَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوُرُودَ الدُّخُولُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ: وَنُدْخِلُ الظَّالِمِينَ، وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى مُسْتَوْفًى، وَالْمَذْهَبُ أَنَّ صَاحِبَ الْكَبِيرَةِ، وَإِنْ دَخَلَهَا فَإِنَّهُ يُعَاقَبُ بِقَدْرِ ذَنْبِهِ، ثُمَّ يَنْجُو، وَقَالَتِ الْمُرْجِئَةُ: لَا يَدْخُلُ. وَقَالَتِ الْوَعِيدِيَّةُ : يُخَلَّدُ".

يعني مذهب أهل السنة وسط بين مذهب الخوارج والمرجئة، الخوارج الذين يقولون: لا ينفع مع الكبير عمل، بخلاف المرجئة الذين يقولون: لا يضر مع الإيمان ذنب، فهؤلاء غلوا من جهة، وهؤلاء غلوا من جهة أخرى، وتوسط أهل السنة ورأوا أن المسلم مؤمن بإيمانه، عاصٍ فاسق بكبيرته تحت المشيئة إن مات بدون توبة إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه.

"وَقَدْ مَضَى بَيَانُ هَذَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ.

 وَقَرَأَ عَاصِمٌ الْجَحْدَرِيُّ وَمُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ :ثُمَّ نُنَجِّي مُخَفَّفَةً مِنْ أَنْجَى وَهِيَ قِرَاءَةُ حُمَيْدٍ وَيَعْقُوبَ وَالْكِسَائِيِّ،  وَثَقَّلَ الْبَاقُونَ، وَقَرَأَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: (ثَمَّهْ) بِفَتْحِ الثَّاءِ أَيْ هُنَاكَ وَثَمَّ ظَرْفٌ إِلَّا أَنَّهُ مَبْنِيٌّ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُحَصَّلٍ فَبُنِيَ كَمَا بُنِيَ ذَا، وَالْهَاءُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لِبَيَانِ الْحَرَكَةِ فَتُحْذَفُ فِي الْوَصْلِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لِتَأْنِيثِ الْبُقْعَةِ فَتَثْبُتَ فِي الْوَصْلِ تَاءً".

ثمة.

وَلقدْ أمر على اللئيمِ يسبُّني

ماذا بعد؟

طالب: ......................

نعم، أو ما فيه شاهد؟

يقول: كيف نجمع بين حديث دحض مذلة في وصف الصراط، وحديث أنه أدق من الشعرة؟

دقته هي سبب كونه مذلة.

 اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الخميس أم الجمعة؟

الخميس هذا مسافر، وأعود الجمعة، ليلة الجمعة أرجع إن شاء الله.