التعليق على تفسير القرطبي - سورة القصص (04)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، قال الإمام القرطبي -رحمه الله تعالى-:

"التَّاسِعَةُ: اسْتَدَلَّ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ بِقَوْلِه: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ} عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ مَوْقُوفٌ عَلَى لَفْظِ التَّزْوِيجِ وَالْإِنْكَاحِ. وَبِهِ قَالَ رَبِيعَةُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَدَاوُدُ وَمَالِكٌ عَلَى اخْتِلَافٍ عَنْهُ. وَقَالَ عُلَمَاؤُنَا فِي الْمَشْهُورِ: يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِكُلِّ لَفْظٍ."

بكل لفظ يدل عليه، يعني بكل لفظ يدل عليه.

طالب:.......

مقتضى قول من يقول إن العقود تثبت بما يدل عليها، وأن العبرة بالمعاني لا بالألفاظ يثبت كل هذا، لكن الطلاق والنكاح باعتبار أنها عقود ذات أهمية وتأثير بالغ، فهي إما جمع وإما تفريق، فالأصل أن يقتصر على الألفاظ الواردة، وأما بالنسبة لما يتعارفه الناس بينهم، ويتبايعون به من ألفاظ وأفعال تدل على تبادل المنافع بينهم، فمتقضى قول شيخ الإسلام أن هذا يصح به العقد.

 "وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَنْعَقِدُ بِكُلِّ لَفْظٍ يَقْتَضِي التَّمْلِيكَ عَلَى التَّأْبِيدِ، أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي الْآيَةِ؛ لِأَنَّهُ شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا وَهُمْ لا يرونه حجة في شيء فِي الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ، وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ والثوري والحسن بن حَيٍّ فَقَالُوا: يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ وَغَيْرِهِ إِذَا كَانَ قَدْ أُشْهِدَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ بِالصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ، قَالُوا: فَكَذَلِكَ النِّكَاحُ".

يعني يرد على هذا أن الواهبة {امرأة إن وهبت نفسها للنبي} يعني يكفي لفظ الهبة كما في الآية، وكما في حديث الواهبة، وأنه لو قال: قبلت يثبت النكاح، يعني بلفظ الهبة، لكن الهبة من خصائصه –عليه الصلاة والسلام- قال: {خالصة لك من دون المؤمنين} هذا يرد عليه، لكنهم يجيبون عن هذا بأن الخاص به –عليه الصلاة والسلام- إنما هو قبول الهبة بدون مهر، أما قبول الهبة بالمهر فله ولغيره –عليه الصلاة والسلام-.

 "قَالُوا: وَالَّذِي خُصَّ بِهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَعَرِّي الْبُضْعِ مِنَ الْعِوَضِ لَا النِّكَاحُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ، وَتَابَعَهُمِ ابْنُ الْقَاسِمِ فَقَالَ: إِنْ وَهَبَ ابْنَتَهُ وَهُوَ يُرِيدُ إِنْكَاحَهَا فَلَا أَحْفَظُ عَنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا، وَهُوَ عِنْدِي جَائِزٌ كَالْبَيْعِ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ نِكَاحٌ بِلَفْظِ الْهِبَةِ، كَمَا لَا يَنْعَقِدُ بلفظ النكاح هبة شيء مِنَ الْأَمْوَالِ."

ولا شك أن هذا القول هو المرجح رأي بن عبد البر –رحمه الله-، وقول الشافعي، وعند الحنابلة أيضًا؛ لأن النكاح شأنه عظيم، فإذا اُحتيط له واهتم لشأنه، ولم يثبت إلا بلفظ يدل عليه، كان هذا هو الأصل بخلاف الألفاظ التي يتداولها؛ لأنه ما يوجد مانع من اللفظ الأصلي، نعم إذا وجد أبكم لا يتكلم، أو  شخص لا يفهم، وعقد عنه إما بإشارة مفهمة إذا كان عاقلاً، أو أعجمي لا يعرف العربية، ولا ينطق بها عقد له باللغة التي لا تحتمل معنى آخر، وما عدا ذلك إذا لم يوجد مانع يمنع من اللفظ بالإنكاح أو التزويج فإنه لا يصح النكاح إلا بها.

"وَأَيْضًا فَإِنَّ النِّكَاحَ مُفْتَقِرٌ إِلَى التَّصْرِيحِ لِتَقَعَ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ، وَهُوَ ضِدُّ الطَّلَاقِ، فَكَيْفَ يُقَاسُ عَلَيْهِ؟ وَقَدْ أَجْمَعُوا أَنَّ النِّكَاحَ لا ينعقد بقوله: أَبَحْتُ لَكَ وَأَحْلَلْتُ لَكَ فَكَذَلِكَ الْهِبَةُ."

الفرق بين النكاح والطلاق أن الطلاق مرده إلى طرف واحد، والطرف الثاني لا قيمة له فيه، في هذا اللفظ، فيرجع على لفظه إن كان صريحًا أو إلى نيته إن كان كناية، وأما بالنسبة للنكاح ففيه طرفان، ويشهد على مقتضى هذا العقد، فكيف يشهد عليه بلفظ لا يدل عليه؟

 "وَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ» يَعْنِي الْقُرْآنَ، وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ عَقْدُ النِّكَاحِ بِلَفْظِ الْهِبَةِ، وَإِنَّمَا فِيهِ التَّزْوِيجُ وَالنِّكَاحُ، وَفِي إِجَازَةِ النِّكَاحِ بِلَفْظِ الْهِبَةِ إِبْطَالُ بَعْضِ خُصُوصِيَّةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

الْعَاشِرَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ} يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عَرْضٌ لَا عَقْدٌ".

لأهمية هذا العقد حقيقة والاحتياط له يهتم للألفاظ، ويهتم أيضًا لمسألة السلامة من العيوب، وأهلية الولي، وحضور الأطراف كلها، فهل يكفي في ذلك العقد من غير حضور الولي مثلاً، بالهاتف مثلاً إذا عرف صوته، واحتمال التقليد وارد، بالهاتف يصح العقد أو لا يصح؟ احتمال التقليد وارد، لكن إذا وثق الأطراف كلهم بأن هذا صوت فلان، وأنه أوجب طوعه واختياره، أما البيع والشراء فأمره أسهل، يعني إذا كان لا يحتمل ما لم يدعِ أنه قلد عليه، فيصح به، بالنسبة للنكاح نقول: لا بد من حضوره أو وكالة من جهة شرعية معتبرة لنائبه، وأما الوسائط غيرها فلا تكفي.

طالب:..خط يديه ....

مثل صوته؛ لأنه يقلد، وهذا العقد ينبغي الاحتياط له، هذا يفعله كثير، مثل امرة وافدة لبلد ما، وأبوها يكون بعيدًا، ويشق عليه الحضور، فيتصل عليه بالتليفون: زوجت ونكحت وما شابه ذلك، مع أنه لا يعرف شخصه، ويتساهلون في مثل هذا، لكن الاحتياط في مثل هذا واجب، فإذا لم يمكن حضوره فيذهب إلى جهة شرعية معتبرة تجري العقود على مقتضى الشرع، وحينئذ يكتب وكالة لمن ينوب عنه.

 "لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَقْدًا لَعَيَّنَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهَا لَهُ؛ لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ وإن كَانُوا قَدِ اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ الْبَيْعِ إِذَا قَالَ: بِعْتُكَ أَحَدَ عَبْدَيَّ هَذَيْنِ بِثَمَنِ كَذَا، فَإِنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ في النكاح؛ لأنه خيار، وشيء مِنَ الْخِيَارِ لَا يُلْصَقُ بِالنِّكَاحِ.

الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: قَالَ مَكِّيٌّ: فِي هَذِهِ الْآيَةِ خَصَائِصُ فِي النِّكَاحِ مِنْهَا أَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنِ الزَّوْجَةَ وَلَا حَدَّ أَوَّلَ الْأَمَدِ، وَجَعَلَ الْمَهْرَ إِجَارَةً، وَدَخَلَ وَلَمْ يَنْقُدْ شَيْئًا".

لم يعين الزوجة، {إحدى ابنتي هاتين}، ولا حد أول الأمد، نعم عرف الأمد، ثماني حجج، أو عشر، لكن أول، من متى يبدأ؟ ما حُدّ أوله، وجعل المهر إجارة، {على أن يأجرني ثمانية حجج} هذا هو المهر، ولم ينقد شيئًا، فهذه الأمور عدم تعين الزوجة هذه ما فيه إشكال أنه لا يجوز، ولا ينعقد النكاح على مبهمة، وإن تردد بين أمرين محصورين، ولا حدّ أول الأمد. المقصود أن مدة الإجارة معلومة كما هو الأصل من حين العقد، وجعلوا المهر إجارة، الإجارة لا شك أنها منفعة، وتعليم القرآن منفعة، وقد أجيز في شرعنا تعليم القرآن في مثل هذا، إلا أن الفرق بين ما جاء في تعليم القرآن والإجارة هنا أن تعليم القرآن للزوجة، فهو مهر لها، والإجارة هنا لأبيها وليس لها، فلا يصلح أن يكون مهرًا لها، وهنا ورد الإشكال دخل ولم ينقد شيئًا، ولعل هذا كان في شرعهم يعني لو قال الأب: تعال اجلس معي في الدكان لمدة سنة وأزوجك البنت، هذا صار مهرًا للبنت أم منفعة للأب؟ ما دفع مهرًا للبنت إلا إذا كان الأب كان يقدر فيه هذه الخدمة ويدفعها مهرًا للبنت، فهذا لا بأس به.

طالب: أو ما يقال إنه يكفيهم عن الخروج.

 نعم، شأنها شأن غيرها، ما صار لها اختصاص.

طالب: أقصد المرأة.

ما صار لها اختصاص، هي وأختها سواء، ما جاء شيء يخصها في مقابل بضعها.

طالب: من مكي؟

الشيخ مكي بن أبي طالب القيسي، مكي بن أبي طالب القيسي، له مؤلفات في علوم القرآن كثيرة.

طالب: هل يستدل أن الأب يأخذ مهرها؟

كاملًا لا، يأخذ ما لا يضر بها كسائر أموالها.

طالب: لو كان البنتان محصورتين.

هما محصورتان، لكن لابد من التعيين؛ لأنه قال: زوجته إحدى ابنتي صار مخيرًا، والنكاح لا خيار فيه.

طالب: ما يتبادر أنها التي قالت: يا أبت استأجره.

هذا متبادر، لكنه ليس بنص.

طالب:...من سورة يوسف....

لا هو العقد الآني يعرفون علامته بالنهاية {إني أريد أن أنكحك}، لكن هذه مجرد إرادة، يعني لا يؤخذ من هذا أن العقد تم بهذا الكلام، وإن كان العقد لم يتم بهذا الكلام تم الاختيار قبل العقد والاختيار إذا تم قبل العقد فما فيه إشكال، ما فيه إشكال لو قال شخص لشخص ارتضاه: أنا عندي خمس أو ست بنات، تعال تخيّر هل نقول: إنه عقد عليها؟ لا، يعقد على التي يتم اختيارها.

"قُلْتُ: فَهَذِهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ تَضَمَّنَتْهَا الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةَ عشرة، الأولى من الأربع مسائل التعيين، قَالَ عُلَمَاؤُنَا: أَمَّا التَّعْيِينُ فَيُشْبِهُ أَنَّهُ كَانَ فِي ثَانِي حَالِ الْمُرَاوَضَةِ، وَإِنَّمَا عَرَضَ الْأَمْرَ مُجْمَلًا، وَعَيَّنَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ زَوَّجَهُ صَفُورِيَّا وَهِيَ الصُّغْرَى. يُرْوَى عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنْ سُئِلْتَ أَيُّ الْأَجَلَيْنِ قَضَى مُوسَى فَقُلْ خَيْرُهُمَا وَأَوْفَاهُمَا، وَإِنْ سُئِلْتَ أَيُّ الْمَرْأَتَيْنِ تَزَوَّجَ فَقُلِ الصُّغْرَى وَهِيَ الَّتِي جَاءَتْ خَلْفَهُ، وَهِيَ الَّتِي قَالَتْ: {يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ}»".

خرّج؟ تخريجه؟

طالب: أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد من حديث أبي ذر، وفيه العويد بن أبي عمران ضعيف الحديث، وأما لفظ: «أي الأجلين قضى موسى فقل أتمهما وأكملهما» فله شواهد كثيرة منها ما أخرجه ابن ماجه من حديث..... وفيه بقية بن الوليد مدلس وقد عنعن، وورد من طريق آخر كما هو في المجمع وفيه ابن لهيعة غير قوي. وأخرجه أبو يعلى والبزار من حديث ابن عباس، وقال الهيثمي: رجال أبي يعلى رجال الصحيح غير الحكم بن أبان وهو ثقة، وصححه الحاكم، وتعقبه الذهبي وقال: إبراهيم لا يعرف، وإبراهيم هو بن يحيى وسقط من إسناد أبي يعلي، لذا صححه الهيثم جريًا على ظاهره.

وقد ورد.... وموصولاً من طرق أخرى، لذا قال ابن كثير في تفسيره: فهذه طرق متعاقدة. انظر تفسير الشوكاني.

 نعم لا ينزل عن درجة الحسن لغيره، لكن بقيته ضعيفة.

"قِيلَ: إِنَّ الْحِكْمَةَ فِي تَزْوِيجِهِ الصُّغْرَى مِنْهُ قَبْلَ الْكُبْرَى وَإِنْ كَانَتِ الْكُبْرَى أَحْوَجَ إِلَى الرِّجَالِ أَنَّهُ تَوَقَّعَ أَنْ يَمِيلَ إِلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ رآها فِي رِسَالَتِهِ، وَمَاشَاهَا فِي إِقْبَالِهِ إِلَى أَبِيهَا مَعَهَا، فَلَوْ عَرَضَ عَلَيْهِ الْكُبْرَى رُبَّمَا أَظْهَرَ لَهُ الِاخْتِيَارَ وَهُوَ يُضْمِرُ غَيْرَهُ، وَقِيلَ غَيْرُ هَذَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ أَنَّهُ تَزَوَّجَ بِالْكُبْرَى، حَكَاهُ الْقُشَيْرِيُّ."

وعلى كل حال على ما يتم عليه الاختيار، ولا يلزم أن يذكر في القصة التفاصيل، ولا يمنع أن يكون موسى –عليه السلام- قال: أختار هذه، أو قيل له: اختر لما قيل: إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين، هذه التي جاءت إلي ومشيت معها، ما يمنع هذا، فلا داعي لهذه الإحتمالات لاسيما الأمر في مثل هذا يطول، والمقاولات تكثر، وتختصر في القصة.

" الثَّانِيَةُ: وَأَمَّا ذِكْرُ أَوَّلِ الْمُدَّةِ فَلَيْسَ فِي الْآيَةِ مَا يَقْتَضِي إِسْقَاطَهُ، بَلْ هُوَ مَسْكُوتٌ عَنْهُ، فَإِمَّا رَسَمَاهُ، وَإِلَّا فَهُوَ مِنْ أَوَّلِ وَقْتِ الْعَقْدِ.

الثَّالِثَةُ: وَأَمَّا النِّكَاحُ بِالْإِجَارَةِ فَظَاهِرٌ مِنَ الْآيَةِ، وَهُوَ أَمْرٌ قَدْ قَرَّرَهُ شَرْعُنَا، وَجَرَى فِي حَدِيثِ الذي لم يكن عنده إلا شيء مِنَ الْقُرْآنِ، رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ، وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ: فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا تَحْفَظُ مِنَ الْقُرْآنِ؟» فَقَالَ: سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَالَّتِي تَلِيهَا، قَالَ: «فَعَلِّمْهَا عِشْرِينَ آيَةً وَهِيَ امْرَأَتُك»."

عرفنا الفرق بين ما في قصة موسى وما في قصة الواهبة، أن الإجارة في قصة موسى لغير المرأة، إنما هي للأب، المنفعة للأب وفي قصة الواهبة المنفعة للمرأة."

"وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: فَكَرِهَهُ مَالِكٌ، وَمَنَعَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَأَجَازَهُ ابْنُ حَبِيبٍ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ، قَالُوا: يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَنْفَعَةُ الْحُرِّ صَدَاقًا كَالْخِيَاطَةِ وَالْبِنَاءِ وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَصِحُّ، وَجَوَّزَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِأَنْ يُخْدِمَهَا عَبْدَهُ سَنَةً، أَوْ يُسْكِنَهَا دَارَهُ سَنَةً؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ وَالدَّارَ مَالٌ، وَلَيْسَ خِدْمَتُهَا بِنَفْسِهِ مَالًا".

العبد والدار مال، فخدمتهم مال؛ لأنها تقوّم بالمال، أما خدمتها بنفسه فهو ليس بمال، إذن هو خدمته ليست بمال، فكل يتبع أصله، فالعبد والدار مالان، ومنفعتهما تؤول إلى المال، في حكم المال، أما النفس فليست بمال، لو قال: أخدمها بنفسي بدل ما أحضر لها خادمة، أو يخدمها عبده أو تسكن داره، أو يخدمه بنفسه هو ليس بمال، وخدمته أيضًا ليست بمال، ولا تؤول إلى المال، لكن في الحقيقة تؤول إلى المال كخدمة العبد؛ لأن المنفعة لا تختلف من حر ولا عبد، بدليل أنه يأخذ عليها أجرة كالعبد، الحر يأخذ أجرة على منفعته كالعبد، والتفريق بينهما لا وجه له.

طالب: لو قال.......

نفس الشيء، هذه هذه، لو قال: المهر مثل ما تأخذون سيارة توصلها للمدرسة لمدة سنة أوصلها، نقول: كم يستأجرون السيارة؟ إذا قالوا: نستأجر السيارة لمدة سنة بثلاثة آلاف ووصلها، فإن هذا مهرها ثلاثة آلاف سواء وصلت بالسيارة أو وصلها الخاطب؛ لأنها تؤول إلى المال، يعني لأن الخدمة باعتبار أنه يجوز أخذ المال عليها، فلا فرق بينه وبين العبد.

طالب: وإن طلقها قبل الدخول يأخذ الأجرة؟

نصف أجرة التوصيل، يوصلها فصلًا دراسيًّا.

طالب: .....

هذه تحتاج إلى محرم، هذه مسألة المحرم يحتاج إليه.

"وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ: إِنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ جَائِزٌ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ}. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ: لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَقْدٌ مُؤَقَّتٌ، وَعَقْدُ النِّكَاحِ مُؤَبَّدٌ، فَهُمَا مُتَنَافِيَانِ."

كأن الآية جاءت قبل نسخ المتعة في الوقت التي يجوز فيه المتعة، ولا شك أن الإجارة عقد مؤقت، والمتعة كذلك، والنكاح عقد دائم، ولو طرأ عليه الأجل بين الأجل والتوقيت وعرف ذلك الطرفان وقت العقد صار هو والمتعة سواء عرف ذلك بصريح العبارة أو بما يقوم مقامه من القرائن القوية.

"وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَنْفَسِخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ. وَقَالَ أَصْبَغُ: إِنْ نَقَدَ مَعَهُ شَيْئًا فَفِيهِ اخْتِلَافٌ، وَإِنْ لَمْ يَنْقُدْ فَهُوَ أَشَدُّ، فَإِنْ تُرِكَ مَضَى عَلَى كُلِّ حَالٍ بِدَلِيلِ قِصَّةِ شُعَيْبٍ، قَالَهُ مَالِكٌ وَابْنُ الْمَوَّازِ وَأَشْهَبُ. وَعَوَّلَ عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ وَالْمُتَقَدِّمِينَ فِي هَذِهِ النَّازِلَةِ، قَالَ ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ: تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْآيَةُ النِّكَاحَ عَلَى الْإِجَارَةِ، وَالْعَقْدُ صَحِيحٌ، وَيُكْرَهُ أَنْ تُجْعَلَ الْإِجَارَةُ مَهْرًا، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمَهْرُ مَالًا، كَمَا قَالَ -عَزَّ وَجَلَّ-: {َنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ}. هَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا.

الرَّابِعَةُ: وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَدَخَلَ وَلَمْ يَنْقُدْ فَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا، هَلْ دَخَلَ حِينَ عَقَدَ أَمْ حِينَ سَافَرَ؟"

طالب:.... الجميع والمالكية والجمهور يرونه منافي ذلك هل يستقيم ...

أولاً ابن خويز منداد هذا منهم، تضمنت هذه الآية النكاح على الإجارة، والعقد صحيح، ويكره أن تجعل الإجارة مهرًا، كراهة، وينبغي أن يكون المهر مالًا كما قال إلى آخره.

طالب:.......

ينبغي ينبغي لا يلزم.

" وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَدَخَلَ وَلَمْ يَنْقُدْ فَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا، هَلْ دَخَلَ حِينَ عَقَدَ أَمْ حِينَ سَافَرَ؟

 فَإِنْ كَانَ حِينَ عَقَدَ فَمَاذَا نَقَدَ؟ وَقَدْ مَنَعَ عُلَمَاؤُنَا مِنَ الدُّخُولِ حَتَّى يَنْقُدَ وَلَوْ رُبُعَ دينار، قاله ابْنُ الْقَاسِمِ".

وعلى هذا لا يجوز تأخير المهر كاملاً، لا يكون المهر مؤخرًا كاملاً، إما يُؤخر بعضه أو يُعجل كله.

"فَإِنْ دَخَلَ قَبْلَ أَنْ يَنْقُدَ مَضَى؛ لِأَنَّ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا قَالُوا: تَعْجِيلُ الصداق أو شيء مِنْهُ مُسْتَحَبٌّ".

يفرقون بين ما كان قبل الدخول وما بعده، يعني بالإمكان الاحتياط قبل الدخول، أما بعد الدخول فإذا أمكن تصحيح العقد على وجه معتبر، يعني قول لأهل العلم معتبر له حظ من النظر، فيصحح، وإذا لم يمكن حمله على وجه معتبر له حظ من النظر فإنه لا يصحح، بخلاف ما كان قبل العقد، فإنه يبالغ في توثيقه وجعله على أقوى الأقوال.  

 "عَلَى أَنَّهُ إِنْ كَانَ الصَّدَاقُ رِعْيَةَ الْغَنَمِ فَقَدْ نَقَدَ الشُّرُوعَ فِي الْخِدْمَةِ، وَإِنْ كَانَ دَخَلَ حِينَ سَافَرَ فَطُولُ الِانْتِظَارِ فِي النِّكَاحِ جَائِزٌ، إِنْ كَانَ مَدَى الْعُمُرِ بِغَيْرِ شَرْطٍ. وَأَمَّا إِنْ كَانَ  بِشَرْطٍ فَلَا يَجُوزُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْغَرَضُ صَحِيحًا مِثْلَ التَّأَهُّبِ لِلْبِنَاءِ أَوِ انْتِظَارِ صَلَاحِيَّةِ الزَّوْجَةِ لِلدُّخُولِ إِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً، نَصَّ عَلَيْهِ عُلَمَاؤُنَا.

الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: فِي هَذِهِ الْآيَةِ اجْتِمَاعُ إِجَارَةٍ وَنِكَاحٍ، وَقَدْ اخْتَلَفَ عُلَمَاؤُنَا فِي ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ:

الْأَوَّلُ: قَالَ فِي ثُمَانِيَّةِ أَبِي زَيْدٍ".

ما هذا؟ عُلق عليها؟ فيه أحد علق عليها؟ ما ثمانية أبي زيد؟ الطبعات المحققة ما ذكروا شيئًا؟

طالب: ثمانية سنين....السياق.

ما ثمانية أبي زيد.

طالب:..... بعد الثمانية، لكن السياق...

لو كان قال: في ثمانية، يعني من الأعوام لقال: أبو زيد، لا، إنها مضافة إلى أبي زيد الثمانية.

طالب:..... وضع رقم واحد في الحاشية..... قال كتاب لأبي زيد القيرواني المالكي.

اسمه ثمانية.

طالب: وضع يا شيخ في الحاشية...

هذا واضح، هذا واضح أنه هو المراد، لكن اسمه ثمانية، ما يقال له: أبو زيد، إنما ابن أبي زيد صاحب الرسالة، ابن أبي زيد القيرواني، يراجع إن شاء الله.

" قَالَ فِي ثُمَانِيَّةِ أَبِي زَيْدٍ يُكْرَهُ ابْتِدَاءً، فَإِنْ وَقَعَ مَضَى. الثَّانِي: قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَشْهُورِ: لَا يَجُوزُ وَيُفْسَخُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ؛ لِاخْتِلَافِ مَقَاصِدِهِمَا كَسَائِرِ الْعُقُودِ الْمُتَبَايِنَةِ. الثَّالِثُ: أَجَازَهُ أَشْهَبُ وَأَصْبَغُ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَعَلَيْهِ تَدُلُّ الآية، وقد قال مالك: النكاح أشبه شيء بِالْبُيُوعِ، فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ إِجَارَةٍ وَبَيْعٍ أَوْ بَيْنَ بَيْعٍ وَنِكَاحٍ".

يعني هذه المسألة اجتماع إجارة ونكاح، والذين منعوها، لا يجوز أن يفسخ قبل الدخول وبعده؛ لاختلاف مقاصدهما كسائر العقود المتباينة؛ لاختلاف مقاصدهما، كيف يختلف مقاصدهما؟ لاختلاف مقاصدهما كسائر العقود المتباينة، يعني علاقة الإجارة بالنكاح الآن، يعني إذا جعلنا الإجارة صداقًا كما يدل عليه الآية لا يجوز أن يُفسخ قبل الدخول وبعده لاختلاف علاقة مقاصدهما كسائر العقود المتباينة، لماذا؟

 لأن الإجارة مؤقتة، والنكاح ثابت، لكن هل يلزم من استمرار البدل مثل استمرار المبدل؟ لأنه أحيانًا تلتبس بعض المسائل.

يعني إذا قلنا: التأجير المنتهي بالتمليك مثلاً، التأجير المنتهي بالتمليك، هل له شبه بالمسألة هنا، أو بعيد عنه؟

نتصور الآن كأنه في جميع هذه الأقوال عدم تصوير دقيق للمسألة، يعني هل يلزم من أن يكون مقابل النكاح مستمرًّا كاستمرار النكاح؟ لا يلزم، دراهم تنتهي بشهر أو بيوم إذا كان المهر قليلًا، فلا يلزم، فكون الإجارة مؤقتة، والنكاح دائمًا لا يعني أن هذا مثل التأجير المنتهي بالتمليك، هنا يحضر التعارض، لماذا؟ لأن التأجير له حكم، والتمليك له حكم، وهما حكمان متضادان، التأجير يقتضي أن الضمان على المؤجر، والبيع يقتضي أن الضمان على المشتري، فإذا حصل خلل في السلعة أو تلف، فمن يضمن؟ لكن هنا لو انتهى التأجير قبل نهاية العمر، ماذا يصير؟

 لأنهم أشاروا من قبل أن الإجارة لا تصلح؛ لأن الإجارة عقد مؤقت، والنكاح عقد دائم، لا يضير هذا، المهر المجمع عليه بالدراهم قد ينفد بيوم، ولهذا يقول: في هذه الآية اجتماع إجارة ونكاح، يعني لو قال: أنكحتك ابنتي وأجرتك بيتي بمبلغ كذا، قلنا: اجتمع إجارة ونكاح في عقد واحد، أما الإجارة في مقابل النكاح فلا علاقة لها بمثل هذا الإشكال، يعني اجتماع الإجارة والنكاح في عقد واحد أن يقول: نكحتك ابنتي، وأجرتك بيتي أو دابتي بكذا، هذا اجتمع فيه إجارة ونكاح، أما أن تكون الإجارة في مقابل النكاح، كما هو مقتضى الآية، وكما هو مقتضى حديث الواهبة، على فرق اختلاف بينهما، يعني في حديث الواهبة لو قال: أتحفظ شيئًا من القرآن؟ يعني لو جاء شخص عنده بنات وأولاد صغار ذكور، طلاب مدارس، عنده عشرة من الطلاب، كلهم يدرسون، وقال له: أنا أريد أن أنكحك ابنتي على أن تعلم هؤلاء الطلاب كلهم العشرة، على أن تعلمهم القرآن، هل هذه شبيهة بقصة موسى، أو شبيهة بقصة الواهبة؟

طالب: قصة موسي.

نعم قصة موسى؛ لأن المنتفع ما هي بصاحبة الشأن وحدها، المنتفع الجميع، وحينئذ يخلو العقد من المهر، ولو استفادت تبعًا لغيرها؛ لأن هذه الفائدة ليست مقصودة لذاتها.

 "فَرْعٌ: وَإِنْ أَصْدَقَهَا تَعْلِيمَ شِعْرٍ مُبَاحٍ صَحَّ، قَالَ الْمُزَنِيُّ: وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِ الشَّاعِرِ:

يَقُولُ الْعَبْدُ فَائِدَتِي وَمَالِي ... وَتَقْوَى اللَّهِ أَفْضَلُ مَا اسْتَفَادَا"

هذا علم لا يكفي أن يقال مباح هذا مستحب كالعلم.

"وَإِنْ أَصْدَقَهَا تَعْلِيمَ شِعْرٍ فِيهِ هَجْوٌ".

لكن لو قال له: أريد أن يكون صداق بنتي أن تعلمها المعلقات، تحفظها المعلقات، المعلقات فيها الحق وفيها الباطل، وفيها وفيها الفخر، والهجاء، هذا لا يجوز كالمسألة التي تليها، وإن كان يُستفاد منها.

طالب:..... المذهب الشافعي كيف يجيبون عنها الجمع بين الإجارة والنكاح ....هم يجيزون الجمع بين العقدين.

نعم، وليس بحسب تصوير المؤلف، أن تريد أنكحتك وأجرتك بمبلغ كذا، هذان عقدان في عقد واحد، فلابد من تمييز أحدهما عن الآخر.

طالب: الآية كأنها تجيز.

أين؟

طالب: مقتضى الآية أنها تجيز.

لا، لا هذا على مقتضي تصويرهم، لكن التصوير الصحيح للإجارة والنكاح ما يدخل في الآية أصلاً.

 "وَإِنْ أَصْدَقَهَا تَعْلِيمَ شِعْرٍ فِيهِ هَجْوٌ أَوْ فُحْشٌ كَانَ كَمَا لو أصدقها خمرًا أو خنزيرًا.

الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ} جَرَى ذِكْرُ الْخِدْمَةِ مُطْلَقًا، وَقَالَ مَالِكٌ: إِنَّهُ جَائِزٌ وَيُحْمَلُ عَلَى الْعُرْفِ، فَلَا يَحْتَاجُ فِي التَّسْمِيَةِ إِلَى الْخِدْمَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ قِصَّةِ مُوسَى، فَإِنَّهُ ذَكَرَ إِجَارَةً مُطْلَقَةً. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ حَتَّى يُسَمَّى؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ. وَقَدْ تَرْجَمَ الْبُخَارِيُّ:" بَابُ مَنِ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَبَيَّنَ لَهُ الْأَجَلَ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُ الْعَمَلَ".

نعم، إذا كانت هناك قرائن، قرائن قوية مفهمة يمكن أن يرجع إليه بأن يعرف أن هذا الشخص ما جاء بهذا الأجير إلا للمزرعة، أو ما جاء به إلا للمصنع، أو ما جاء به إلا للمكتبة أو ما أشبه ذلك، مثل هذا ما يحتاج أن ينص على أنه أمين مكتبة، معروف أنه عالم عنده كتب، ويحتاج من يخدمه، وقصد شخصًا يليق به هذا العمل، نعم يتصور أن هذا الشخص يذهب به إلى مزرعة مثلاً؟ عنده اختلاف ما يتصور فلا يقع الإشكال في مثل هذا إذا كانت القرائن قوية بحيث يفهم منها ما يفهم من النطق كفى.

 "لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ}. قَالَ الْمُهَلَّبُ: لَيْسَ كَمَا تَرْجَمَ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ عِنْدَهُمْ كَانَ مَعْلُومًا مِنْ سَقْيٍ وَحَرْثٍ وَرَعْيٍ وَمَا شَاكَلَ أَعْمَالَ الْبَادِيَةِ فِي مَهْنَةِ أَهْلِهَا، فَهَذَا مُتَعَارَفٌ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ لَهُ أَشْخَاصَ الْأَعْمَالِ وَلَا مَقَادِيرَهَا، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ لَهُ: إِنَّكَ تَحْرُثُ كَذَا مِنَ السَّنَةِ، وَتَرْعَى كَذَا مِنَ السَّنَةِ، فَهَذَا إِنَّمَا هُوَ عَلَى الْمَعْهُودِ مِنْ خِدْمَةِ الْبَادِيَةِ".

لو قيل باشتراط التفاصيل وتبيينها لشق على الناس مشقة شديدة يعني تحرث كذا من السنة، تحرث مساحة كم؟ تنتج كم؟ وتحرث من أجل تمر مثلاً أو من أجل شعير أو من أجل كذا، هذه التفاصيل، وإن كانت تختلف الأعمال باختلافها؛ لأن بعض ما يزرع في العمل أشق من بعض، بعضها اتفق عليها خلاص انتهي، وبعضها يحتاج إلى المتابعة، لو سرد مثل هذه التفاصيل لشق على الناس.

 أيضًا الرعي، ترعي غنمًا، انتهينا عدد كم؟ أربعون، واحد وأربعون، اثنان وأربعون؛ لأن بعضهم يقول: إذا نقصت عن العدد المتفق عليه فلازم يكمل حتى يتم العدد، أو زادت لازم يحسب له حسابًا، اتفقنا على رعي هذا القطيع، هذا القطيع مائة رأس، مات عشر، تجيء ببدل العشر، أو تحسم من الأجرة، زادت عشرًا، نتجت، هل نضرب له زيادة في الأجرة؟ هذه تفاصيل لا تطلب أبدًا، وإلا لشق على الناس مشقة شديدة.

"وَإِنَّمَا الَّذِي لَا يَجُوزُ عِنْدَ الْجَمِيعِ أَنْ تَكُونَ الْمُدَّةُ مجهولة، والعمل مجهول غَيْرَ مَعْهُودٍ لَا يَجُوزُ حَتَّى يُعْلَمَ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَقَدْ ذَكَرَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ أَنَّهُ عَيَّنَ لَهُ رِعْيَةَ الْغَنَمِ، وَلَمْ يُرْوَ مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحَةٍ، وَلَكِنْ قَالُوا: إِنَّ صَالِحَ مَدْيَنَ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَمَلٌ إِلَّا رِعْيَةَ الْغَنَمِ، فَكَانَ مَا عُلِمَ مِنْ حَالِهِ قَائِمًا مَقَامَ التَّعْيِينِ لِلْخِدْمَةِ فِيهِ.

الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ جَائِزٌ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الرَّاعِيَ شُهُورًا مَعْلُومَةً، بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ، لِرِعَايَةِ غَنَمٍ مَعْدُودَةٍ، فَإِنْ كَانَتْ مَعْدُودَةً مُعَيَّنَةً، فَفِيهَا تَفْصِيلٌ لِعُلَمَائِنَا، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَجُوزُ حَتَّى يَشْتَرِطَ الْخَلْفَ إِنْ مَاتَتْ، وَهِيَ رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ جِدًّا، وَقَدِ اسْتَأْجَرَ صَالِحُ مَدْيَنَ مُوسَى عَلَى غَنَمِهِ، وَقَدْ رَآهَا وَلَمْ يَشْتَرِطْ خَلفًا".

نعم هذه مسألة ممكن أن يحصل فيها نزاع، ممكن أن يحصل فيها نزاع، استأجره لرعي هذا القطيع لمدة سنة، بعد شهرين أو ثلاثة ماتت الغنم كلها، يستمر على إجارته أو ينتقد العقد؟ يقول: أنا قادم للرعي، أنا مستعد أرعى، هات غنمًا، ما عندك غنم خلاص، أنا أبغي أن تحضر لي، إلى أن تنتهي المدة المتفق عليها.

طالب:.......

تنفسخ الإجارة كما لو انهدم البيت مثلاً، كما لو انهدم البيت المؤجر، فإن الإجارة من أجل هذا العمل، والعمل انتهى، فكأنه مشترط عرفًا، كأنه مشترط عرفًا.

طالب: المترتب عليها سافر......

على كل حال الضرر لا بد من إزالته، لكن لا يزال بضرر آخر، لا بد من الصلح.

"وَإِنْ كَانَتْ مُطْلَقَةً غَيْرَ مُسَمَّاةٍ وَلَا مُعَيَّنَةٍ جَازَتْ عِنْدَ عُلَمَائِنَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: لَا تَجُوزُ لِجَهَالَتِهَا، وَعَوَّلَ عُلَمَاؤُنَا عَلَى الْعُرْفِ حَسْبَمَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا، وَأَنَّهُ يُعْطَى بِقَدْرِ مَا تَحْتَمِلُ قُوَّتُهُ. وَزَادَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ حَتَّى يَعْلَمَ الْمُسْتَأْجِرُ قَدْرَ قُوَّتِهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، فَإِنَّ صَالِحَ مَدْيَنَ عَلِمَ قَدْرَ قُوَّةِ مُوسَى بِرَفْعِ الْحَجَرِ".

يعين أنت احتاجت إلى سباك مثلاً، فذهبت إلى شارع الأربعين يشتغل عندك، فلما جاء لفك المواسير عجز عنها، عجز ما استطاع أن يفك المواسير، تحتاج إلى أقوى منه، ما الحكم؟ أنت الآن تعطلت، يمكن الناس انتهوا والمواسير فيها شيء منكسر، يعني هل يشترط عند العقد أن تقول: هل أنت تستطيع أن تفك المواسير أم لا؟

طالب:......

أو أن المسالة عرف، ما جاء إلى هذا المكان إلا أنه يقدر، وإذا كان لا يستطيع أو لا يعرف تحمل التبعة؛ لأن بعض الصناعين والعمال يدعون أشياء هم ليسوا بأهل لها، فيترتب على آثارهم ضرر كبير، لا شك أنهم في مثل هذه الحالة يضمنون، يعني مثل الطبيب غير الماهر الذي يدعي الطب، ومثل من يترتب على عمله إتلاف، وليس من أهل الشأن، يعني لو أن شخصًا تصدى للطب، فمات بسسبه أناس، وليس من أهل الخبرة يضمن، وهكذا.

طالب: من يحتاج للدهان والسباك تريده يعمل يقول: لا بد أن أراه تذهب للبيت يناظر يعطيك سعرًا معينًا، فما ترضى بالسعر .....

لا لم يحصل، ما تم العقد إلى الآن، ما دام سيراه فما تم العقد.

طالب: هل يلزم أن يدفع له حتى يرجع.

أو يتركه عند الباب يقوله: ارجع بطريقتك، لا لا يرجعه، يرجعه مادام على الخيار، مادام قال: أشوف، لا ما دامه على الخيار، مادام العامل قال: أشوف يناسب أم ما يناسب فهي مدة خيار.

طالب: قضية السعر فخلاف السعر .... بالقدرة وعدمه.

نعم؛ لأن السعر يترتب على النظر للعمل، يمكن السقف مرتفع جدًّا، أو شيء وهو جالس يزينه، أو واقفًل يختلف.

طالب: يلزم عليه أن يبينه.

في مدة الخيار يلزم مادام اشترط.

" الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ: قَالَ مَالِكٌ: وَلَيْسَ عَلَى الرَّاعِي ضَمَانٌ، وَهُوَ مُصَدَّقٌ فِيمَا هَلَكَ أَوْ سُرِقَ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ كَالْوَكِيلِ. وَقَدْ تَرْجَمَ الْبُخَارِيُّ: بَابُ إِذَا أَبْصَرَ الرَّاعِي أَوِ الْوَكِيلُ شَاةً تَمُوتُ أَوْ شَيْئًا يَفْسُدُ فَأَصْلَحَ مَا يَخَافُ الْفَسَادَ، وَسَاقَ حَدِيثَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ أنه كانت لَهُمْ غَنَمٌ تَرْعَى بِسَلْعٍ، فَأَبْصَرَتْ جَارِيَةٌ لَنَا بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِنَا مَوْتًا فَكَسَرَتْ حَجَرًا فَذَبَحَتْهَا بِهِ، فَقَالَ لَهُمْ: لَا تَأْكُلُوا حَتَّى أَسْأَلَ النَّبِيَّ- أَوْ أُرْسِلَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ يَسْأَلُهُ-، وَأَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَوْ أَرْسَلَ إِلَيْهِ- فَأَمَرَهُ بِأَكْلِهَا، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَيُعْجِبُنِي أَنَّهَا أَمَةٌ، وَأَنَّهَا ذَبَحَتْ. قَالَ الْمُهَلَّبُ: فِيهِ مِنَ الْفِقْهِ تَصْدِيقُ الرَّاعِي وَالْوَكِيلِ".

بعض الناس يرى أن ذبح المرأة لا يجزي فضلاً عن أن تكون أمة مملوكة، فهذا الحديث في الصحيح، وهي أمة وامرأة، فلا إشكال في ذبحها، كان يعجبهم.

طالب: عبد الله، من المقصود منه؟

ما هو السياق؟

طالب:....عبيد الله.

نعم يمكن، عندكم عبيد الله؟

طالب:.......

ابن عبد الله بن عتبة من الفقهاء؟

طالب:.....

ماذا؟ الخامس، الخامس بفتح الباري، الجزء الخامس أم كم؟

طالب:......

الباب في أي جزء من البخاري؟

طالب: أخرجه البخاري من حديث عكرمة. 

طالب: ألفين وثلاثمائة وأربعة.

ألفين وثلاثمائة وأربعة، الخامسة.

طالب: هل يقبل يا شيخ التصرف.......

لمصلحته، لكن لو ذبح الراعي لضيف مثلاً ضمن.

وجدته؟

طالب:.........

طالب: ثلاثمائة وأربعة.

طالب: فيه خمسة آلاف خمسمائة وواحد.

لا، لا سيترجم، ما هو الترجمة وضع الترجمة.

طالب:......

ما هو ثلاثة آلاف، ألفان، ألفان، ألفان وثلاثمائة وأربعة، قال بالخامس أو بالرابع احتمال، أنسب بالرابع.

طالب:......

الرابع والخامس.

طالب:.....

هات: قال عبيد الله: فيعجبني، عبيد الله نعم عبيد الله الذي هو في السند حدثني إسحاق بن إبراهيم سمع المعتمر أنبا عن عبيد الله، يكون عبيد الله بن عبد الله بن عمر العمري المكبر.

طالب: ابن عمر...

عبيد الله بن عبد الله بن عاصم بن عمر المكبر معروف، العمري عبد الله أخوه، لكن ليس من رجال الصحيح عبد الله.

 "قَالَ الْمُهَلَّبُ: فِيهِ مِنَ الْفِقْهِ تَصْدِيقُ الرَّاعِي وَالْوَكِيلِ فِيمَا ائْتُمِنَا عَلَيْهِ حَتَّى يَظْهَرَ عَلَيْهِمَا دَلِيلُ الْخِيَانَةِ وَالْكَذِبِ، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَجَمَاعَةٍ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إِذَا خَافَ الْمَوْتَ عَلَى شَاةٍ فَذَبَحَهَا لَمْ يَضْمَنْ وَيُصَدَّقُ إِذَا جَاءَ بِهَا مَذْبُوحَةً. وَقَالَ غَيْرُهُ: يَضْمَنُ حَتَّى يُبَيِّنَ مَا قَالَ".

يعني إذا جاء بها مذبوحة وسلمها لصاحبها كاملة يصدق، القرينة تدل على أنه لا مطمع له فيها، لكن لو ذبحها، وأكلها، خفت عليها أن تموت وذبحتها، وأكلتها، هذا يظن به، يظن به ظن السوء.

 "السَّادِسَةَ عَشْرَةَ- وَاخْتَلَفَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ إِذَا أَنْزَى الرَّاعِي عَلَى إِنَاثِ الْمَاشِيَةِ بِغَيْرِ إِذْنِ أَرْبَابِهَا فَهَلَكَتْ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْإِنْزَاءَ مِنْ إِصْلَاحِ الْمَالِ وَنَمَائِهِ".

ما لم يفرط بأن يؤتي بفحل كبير وينزيه على شيء صغير لا يحتمل، فإنه حينئذ يضمن، أما إذا كانت الأمور معتادة يعني تحتمل مثل هذا في العادة فهذا إصلاح.

"وَقَالَ أَشْهَبُ: عَلَيْهِ الضَّمَانُ، وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَشْبَهُ بِدَلِيلِ حَدِيثِ كَعْبٍ، وَأَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا تَلِفَ عَلَيْهِ بِاجْتِهَادِهِ، إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ، وَمِمَّنْ يُعْلَمُ إِشْفَاقُهُ عَلَى الْمَالِ، وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْفُسُوقِ وَالْفَسَادِ، وَأَرَادَ صَاحِبُ الْمَالِ أَنْ يُضَمِّنَهُ فَعَلَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ أَنَّهُ رَأَى بِالشَّاةِ مَوْتًا؛ لِمَا عُرِفَ من فسقه.

السبعة عَشْرَةَ: لَمْ يُنْقَلْ مَا كَانَتْ أُجْرَةُ مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، وَلَكِنْ رَوَى يَحْيَى بْنُ سَلَّامٍ أَنَّ صَالِحَ مَدْيَنَ جَعَلَ لِمُوسَى كُلَّ سَخْلَةٍ تُوضَعُ خِلَافَ لَوْنِ أُمِّهَا، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ بَيْنَهُنَّ يَلِدْنَ خِلَافَ شَبَهِهِنَّ كُلُّهُنَّ."

لم ينقل ما كانت أجرة موسى-عليه السلام- ما هو المتبادل من اللفظ الظاهر منه أنه في مقابل النكاح {إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني}، لكن كأنهم قالوا: تأجرني هذه المؤاجرة تحتاج إلى أجرة، فما هذه الأجرة؟ يعني بعد أن ذكر الكلام الطويل في كون الأجرة تصلح مهرًا أو لا تصلح عاد إلى الأجرة مرة ثانية، وأنه لا بد من بذل أجرة في مقابل العمل، والذي يدل عليه السياق أنه لا أجرة له، لا أجرة له غير النكاح وغير الأكل والشرب الذي يضمن في الغالب.

"وَقَالَ غَيْرُ يَحْيَى: بَلْ جَعَلَ لَهُ كُلَّ بَلْقَاءَ تُولَدُ لَهُ، فَوَلَدْنَ لَهُ كُلُّهُنَّ بُلْقًا."

ولو احتيج إلى مثل هذه الأجر لا تصح بمثل ما ذكر؛ لأنها مجهولة، كل سخلة توضع خلاف لون أمها، هذا مجهول، كل بلقاء توضع له هذه أجرة مجهولة، لا تصح.

"وَذَكَرَ الْقُشَيْرِيُّ أَنَّ شُعَيْبًا لَمَّا اسْتَأْجَرَ مُوسَى قَالَ لَهُ: ادْخُلْ بَيْتَ كَذَا وَخُذْ عَصَا مِنَ الْعِصِيِّ الَّتِي فِي الْبَيْتِ، فَأَخْرَجَ مُوسَى عَصًا، وَكَانَ أَخْرَجَهَا آدَمُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَتَوَارَثَهَا الْأَنْبِيَاءُ حَتَّى صَارَتْ إِلَى شُعَيْبٍ، فَأَمَرَهُ شُعَيْبٌ أَنْ يُلْقِيَهَا فِي الْبَيْتِ وَيَأْخُذَ عَصًا أُخْرَى، فَدَخَلَ وَأَخْرَجَ تِلْكَ الْعَصَا، وَكَذَلِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ، كُلُّ ذَلِكَ لَا تَقَعُ بِيَدِهِ غَيْرُ تِلْكَ، فَعَلِمَ شُعَيْبٌ أَنَّ لَهُ شَأْنًا، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ لَهُ: سُقِ الْأَغْنَامَ إِلَى مفرق الطريق، فخذ عن يمينك وَلَيْسَ بِهَا عُشْبٌ كَثِيرٌ، وَلَا تَأْخُذْ عَنْ يَسَارِكَ، فَإِنَّ بِهَا عُشْبًا كَثِيرًا وَتِنِّينًا كَبِيرًا لَا يَقْبَلُ الْمَوَاشِيَ، فَسَاقَ الْمَوَاشِيَ إِلَى مَفْرِقِ الطَّرِيقِ، فَأَخَذَتْ نَحْوَ الْيَسَارِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى ضَبْطِهَا، فَنَامَ مُوسَى وَخَرَجَ التِّنِّينُ، فَقَامَتِ الْعَصَا وَصَارَتْ شُعْبَتَاهَا حَدِيدًا، وَحَارَبَتِ التِّنِّينَ حَتَّى قَتَلَتْهُ، وَعَادَتْ إِلَى مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، فَلَمَّا انْتَبَهَ مُوسَى رَأَى الْعَصَا مَخْضُوبَةً بِالدَّمِ، وَالتِّنِّينَ مَقْتُولًا، فَعَادَ إِلَى شُعَيْبٍ عِشَاءً، وَكَانَ شُعَيْبٌ ضَرِيرًا فَمَسَّ الْأَغْنَامَ، فَإِذَا أَثَرُ الْخِصْبِ بَادٍ عَلَيْهَا، فَسَأَلَهُ عَنِ الْقِصَّةِ فَأَخْبَرَهُ بِهَا، فَفَرِحَ شُعَيْبٌ وَقَالَ: كُلُّ مَا تَلِدُ هَذِهِ الْمَوَاشِي هَذِهِ السَّنَةَ قَالِبَ لَوْنٍ- أَيْ ذَاتَ لَوْنَيْنِ- فَهُوَ لَكَ، فَجَاءَتْ جَمِيعُ السِّخَالِ تِلْكَ السَّنَةَ ذَاتَ لَوْنَيْنِ، فَعَلِمَ شُعَيْبٌ أَنَّ لِمُوسَى عِنْدَ اللَّهِ مَكَانَةً".

هذا الخبر يحتاج إلى سند صحيح يعول عليه، والغالب أن مثل هذا مما يتلقى عن بني إسرائيل.

"وَرَوَى عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَجَّرَ مُوسَى نَفْسَهُ بِشِبَعِ بَطْنِهِ وَعِفَّةِ فَرْجِهِ»، فَقَالَ لَهُ شُعَيْبٌ: لَكَ مِنْهَا".

خرِّج؟

طالب: قد ذكره الحافظ في الإصابة ... فقال أخرجه ابن السكن من حديث عيينة بن الحصن، وأخرجه قاسم بن ثابت من هذا الوجه في الدلائل، انتهي، وفيه انقطاع بين الحارث بن يزيد وابن الحصن، وهو عند ابن ماجه عن الحارث بن يزيد عن عُلي بن رباح عن عتبة بن ....... وأعله البوصيري؛ لأنه مدلس؛ لأنه عنعن، والحديث غير قوي، وقد تقدم.

لكن واضح من القصة أن الأجرة النكاح، هذا الأصل وشبع البطن هذا تبع، لا يمكن؛ لأنه لا يترك له فرصة يتكسب، ولا يتركه بدون أكل.

"فَقَالَ لَهُ شُعَيْبٌ: لَكَ مِنْهَا - يَعْنِي مِنْ نِتَاجِ غَنَمِهِ- مَا جَاءَتْ بِهِ قَالِبَ لَوْنٍ لَيْسَ فِيهَا عَزُوزٌ وَلَا فَشُوشٌ وَلَا كَمُوَشٌ وَلَا ضَبُوبٌ وَلَا ثَعُولٌ. قَالَ الْهَرَوِيُّ: الْعَزُوزُ: الْبَكِيئَةُ، مَأْخُوذٌة مِنَ الْعِزَازِ وَهِيَ الْأَرْضُ الصُّلْبَةُ، وَقَدْ تَعَزَّزَتِ الشَّاةُ. وَالْفَشُوشُ: الَّتِي يَنْفَشُّ لَبَنُهَا مِنْ غير حلب وذلك لسعة الإحليل، وَمِثْلُهُ الْفَتُوحُ وَالثَّرُورُ. وَمِنْ أَمْثَالِهِمْ: لَأَفُشَّنَّكَ فَشَّ الْوَطْبِ أَيْ لَأُخْرِجَنَّ غَضَبَكَ وَكِبْرَكَ مِنْ رَأْسِكَ. وَيُقَالُ: فَشَّ السِّقَاءَ إِذَا أَخْرَجَ مِنْهُ الرِّيحَ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَفُشُّ بَيْنَ إِلْيَتَي أَحَدِكُمْ حَتَّى يُخَيَّلَ إِلَيْهِ أَنَّهُ أَحْدَثَ» أَيْ يَنْفُخُ نَفْخًا ضَعِيفًا.

 وَالْكَمُوشُ: الصَّغِيرَةُ الضَّرْعِ، وَهِيَ الكميشة أيضًا، سميت بذلك لا نكماش ضَرْعِهَا وَهُوَ تَقَلُّصُهُ، وَمِنْهُ يُقَالُ: رَجُلٌ كَمِيشُ الْإِزَارِ. وَالْكَشُودُ مِثْلُ الْكَمُوشِ. وَالضَّبُوبُ الضَّيِّقَةُ ثُقْبِ الإحليل. والضب الحلب لشدة الْعَصْرِ. وَالثَّعُولُ: الشَّاةُ الَّتِي لَهَا زِيَادَةُ حَلَمَةٍ وَهِيَ الثَّعْلُ. وَالثَّعْلُ: زِيَادَةُ السِّنِّ، وَتِلْكَ الزِّيَادَةُ هِيَ الرَّاؤولُ وَرَجُلٌ أَثْعَلُ. وَالثَّعْلُ ضِيقُ  مَخْرَجِ اللَّبَنِ.

قَالَ الْهَرَوِيُّ: وَتَفْسِيرُ قَالِبِ لَوْنٍ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهَا جَاءَتْ عَلَى غَيْرِ أَلْوَانِ أُمَّهَاتِهَا.

الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ: الْإِجَارَةُ بِالْعِوَضِ الْمَجْهُولِ لَا تَجُوزُ، فَإِنَّ وِلَادَةَ الْغَنَمِ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ، وَإِنَّ مِنَ الْبِلَادِ الْخِصْبَةِ مَا يُعْلَمُ وِلَادُ الْغَنَمِ فِيهَا قَطْعًا وَعِدَّتُهَا وَسَلَامَةُ سِخَالِهَا كَدِيَارِ مِصْرَ وَغَيْرِهَا، بَيْدَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ فِي شَرْعِنَا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنِ الْغَرَرِ، وَنَهَى عَنِ الْمَضَامِينِ وَالْمَلَاقِيحِ. وَالْمَضَامِينُ: ما فِي بُطُونِ الْإِنَاثِ، وَالْمَلَاقِيحُ: مَا فِي أَصْلَابِ الْفُحُولِ، وَعَلَى خِلَافِ ذَلِكَ قَالَ الشَّاعِرُ:

مَلْقُوحَةٌ فِي بَطْنِ نَابٍ حَامِلِ"

فجعل الملقوح في بطن الأنثى بعكس ما تقدم.

"وَقَدْ مَضَى فِي سُورَةِ" الْحِجْرِ" بَيَانُهُ. عَلَى أَنَّ رَاشِدَ بْنَ مَعْمَرٍ أَجَازَ الْإِجَارَةَ".

معمر بن راشد.

طالب:..........

الاسم مقلوب أم ماذا يقول عندك؟ 

طالب:.........على أن راشد بن معمر.

كما عندنا معروف معمر بن راشد.

"عَلَى أَنَّ رَاشِدَ بْنَ مَعْمَرٍ أَجَازَ الْإِجَارَةَ عَلَى الْغَنَمِ بِالثُّلُثِ وَالرُبُعِ، وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ وَعَطَاءٌ: يَنْسِجُ الثَّوْبَ بِنَصِيبٍ مِنْهُ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ.

التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ: الْكَفَاءَةُ فِي النِّكَاحِ مُعْتَبَرَةٌ، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ فِي الدِّينِ وَالْمَالِ وَالْحَسَبِ، أَوْ فِي بَعْضِ ذَلِكَ، وَالصَّحِيحُ جَوَازُ نِكَاحِ الْمَوَالِي لِلْعَرَبِيَّاتِ وَالْقُرَشِيَّاتِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ}. "

فاطمة بنت قيس قرشية، ومع ذلك تزوجها أسامة بن زيد مولى بن مولى، وضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب بنت عم النبي –عليه الصلاة والسلام- كانت تحت المقداد، وهو مولى أيضًا، ولذا ترجع للإمام البخاري باب الأكفاء في الدين.

"وَقَدْ جَاءَ مُوسَى إِلَى صَالِحِ مَدْيَنَ غَرِيبًا طَرِيدًا خَائِفًا وَحِيدَا جَائِعًا عُرْيَانًا، فَأَنْكَحَهُ ابْنَتَهُ لَمَّا تَحَقَّقَ مِنْ دِينِهِ، وَرَأَى مِنْ حَالِهِ، وَأَعْرَضَ عَمَّا سِوَى ذَلِكَ. وَقَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُسْتَوْعَبَةً، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ.

الْمُوَفِّيَةُ عِشْرِينَ: قَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا الَّذِي جَرَى مِنْ شُعَيْبٍ لَمْ يَكُنْ ذِكْرًا لِصَدَاقِ الْمَرْأَةِ، وَإِنَّمَا كَانَ اشْتِرَاطًا لِنَفْسِهِ عَلَى مَا يَفْعَلُهُ الْأَعْرَابُ، فَإِنَّهَا تَشْتَرِطُ صَدَاقَ بَنَاتِهَا، وَتَقُولُ: لِي كَذَا فِي خَاصَّةِ نَفْسِي، وترك الْمَهْرَ مُفَوَّضًا، وَنِكَاحُ التَّفْوِيضِ جَائِزٌ.

قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: هَذَا الَّذِي تَفْعَلُهُ الْأَعْرَابُ هُوَ حُلْوَانُ وَزِيَادَةٌ عَلَى الْمَهْرِ، وَهُوَ حَرَامٌ لَا يَلِيقُ بِالْأَنْبِيَاءِ، فَأَمَّا إِذَا اشْتَرَطَ الْوَلِيُّ شَيْئًا لِنَفْسِهِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَا يُخْرِجُهُ الزَّوْجُ مِنْ يَدِهِ وَلَا يَدْخُلُ فِي يَدِ الْمَرْأَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ جَائِزٌ، وَالْآخَر: لَا يَجُوزُ."

لكن هذا الزائد الذي ليس للمرأة وإن لم يشترط الولي نفسه عند الخلع مثلاً هل يرجع إلى الزوج يقول: مثل هذا في الهدايا ومثلها من النفقات التي لا تحسب في الغالب، يدفع خمسين ألفًا ويتكلف خمسين ثانية، لكنها ليس من أصل المهر، فعند الخلع لو طلبها يُلام أم ما يُلام؟ يكون تكلف مائة ألف: ادفعوا لي مائة ألف ويفسخ على القول بأنه لا يجوز أخذ الزيادة عما دفع، «خذ الحديقة وطلقها تطليقة»، فإنه قد دفع وتكلف، وإذا كان العزوف منهم وسبب الفراق منهم من المرأة وأولياؤها يتحملون.

 لذلك بعضهم يشترط لابنته دارًا، ثم يكون الطرف الثاني أيضًا يكون عنده شيء من النباهة ويقول: هذه الدار إنما هي مهرها من أجل لو حصل خلع أو شيء ترجع له هذا يحصل.

"وَالَّذِي يَصِحُّ عِنْدِي التَّقْسِيمُ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَخْلُو أَنْ تَكُونَ بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا، فَإِنْ كانت ثيبًا جاز، لأن نكاحها بِيَدِهَا، وَإِنَّمَا يَكُونُ لِلْوَلِيِّ مُبَاشَرَةُ الْعَقْدِ، وَلَا يَمْتَنِعُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَلَيْهِ كَمَا يَأْخُذُهُ الْوَكِيلُ عَلَى عَقْدِ الْبَيْعِ، وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا كَانَ الْعَقْدُ بِيَدِهِ، وَكَأَنَّهُ عِوَضٌ فِي النِّكَاحِ لِغَيْرِ الزَّوْجِ وَذَلِكَ بَاطِلٌ، فَإِنْ وَقَعَ فُسِخَ قَبْلَ الْبِنَاءِ، وَثَبَتَ بَعْدَهُ عَلَى مَشْهُورِ الرِّوَايَةِ. وَالْحَمْدُ الله.

الْحَادِيَةَ وَالْعِشْرُونَ: لَمَّا ذَكَرَ الشَّرْطَ وَأَعْقَبَهُ بِالطَّوْعِ فِي الْعَشْرِ".

الشرط ثمان والتطوع عشر.

 "لَمَّا ذَكَرَ الشَّرْطَ وَأَعْقَبَهُ بِالطَّوْعِ فِي الْعَشْرِ خَرَجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حُكْمِهِ، وَلَمْ يَلْحَقِ الْآخَرُ بِالْأَوَّلِ، وَلَا اشْتَرَكَ الْفَرْضُ وَالطَّوْعُ، وَلِذَلِكَ يُكْتَبُ فِي الْعُقُودِ الشُّرُوطُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا، ثُمَّ يُقَالُ: وَتَطَوَّعَ بِكَذَا، فَيَجْرِي الشَّرْطُ عَلَى سَبِيلِهِ، وَالطَّوْعُ عَلَى حُكْمِهِ، وَانْفَصَلَ الواجب من التطوع، وقيل: ومن لفظ شُعَيْبٍ حَسَنٌ فِي لَفْظِ الْعُقُودِ فِي النِّكَاحِ أَنْكَحَهُ إِيَّاهَا أَوْلَى مِنْ أَنْكَحَهَا إِيَّاهُ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي" الْأَحْزَابِ".

لأنه هو الفاعل فيقدم، وإن كانا مفعولين في الظاهر، الفاعل الولي، والزوج المفعول الأول والزوجة المفعول الثاني، لكنه في الحقيقة فاعل، الفعل الآن لما تعدى بالهمزة صار الفاعل الولي والزوجة مفعولًا ثانيًا فيقدم المفعول الأول باعتباره فاعلاً في الحقيقة، إذا قلت: أعطيت زيدًا درهمًا مفعولين، لكن تقدم زيدًا أم الدرهم؟

طالب: زيد.

تقدم زيدًا باعتباره فاعلًا، آخذ، وتأخر الدرهم باعتباره مفعولًا؛ لأنه مأخوذ كما هنا.

"وَجَعَلَ شُعَيْبٌ الثَّمَانِيَةَ الْأَعْوَامَ شَرْطًا، وَوَكَلَ الْعَاشِرَةَ إِلَى الْمُرُوءَةِ.

الثانية والعشرون: قوله تعالى: {قالَ ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ} لَمَّا فَرَغَ كَلَامُ شُعَيْبٍ قَرَّرَهُ مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَكَرَّرَ مَعْنَاهُ عَلَى جِهَةِ التَّوَثُّقِ فِي أَنَّ الشَّرْطَ إِنَّمَا وَقَعَ في ثمان حِجَجٍ، وَ" أَيَّمَا" اسْتِفْهَامٌ مَنْصُوبٌ بِ" قَضَيْتُ، " و"الْأَجَلَيْنِ" مخفوض بإضافة" أي" إليهما وَ " مَا" صِلَةٌ لِلتَّأْكِيدِ، وَفِيهِ مَعْنَى الشَّرْطِ وَجَوَابُهُ " فَلا عُدْوانَ".

الأصل أي الأجلين أي مضاف، والأجل مضاف إليه، فجيء بما فلم تؤثر في الإعراب {فبما نقضهم} نقضهم مجرور بالباء، ووجود الميم فاصلة بين الجار والمجرور لا أثر له.

"وَأَنَّ " عُدْوانَ" مَنْصُوبٌ بِ" لَا". وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ:" مَا" فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ بِإِضَافَةِ" أَيْ" إِلَيْهَا وَهِيَ نَكِرَةٌ وَ" الْأَجَلَيْنِ" بدل منها، وكذلك في قَوْلِهِ: {فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ} أَيْ رَحْمَةٌ بَدَلٌ مِنْ مَا، قَالَ مَكِّيٌّ: وَكَانَ يَتَلَطَّفُ فِي أَلَّا يَجْعَلَ شَيْئًا زَائِدًا فِي الْقُرْآنِ".

نعم؛ لأن القرآن مصون من الزيادة والنقصان، محفوظ، تكفل الله بحفظه، والعلماء حينما يقولون: هذا زائد من حيث الإعراب، وإن كان في المعنى لابد منه، يعني من حيث المعنى له أثر، لكن من حيث الإعراب لا محل له من الإعراب، فيكون زائدًا، ولذا يعبرون عن الزائد بعضهم يقول: صلة، كأنه صلة الموصول التي لا محل لها من الإعراب، ومكي يتلطف في أن لا يجعل شيئًا من القرآن زائدًا، لا شك في هذا من احترام القرآن، وصون القرآن من الزيادة والنقصان، وليس معنى قوله: زائد أنه مزيد من غير الله –جل وعلا-، وأنه يجوز حذفه دون ذكره أبدًا.

"وَيُخَرِّجُ لَهُ وَجْهًا يُخْرِجُهُ مِنَ الزِّيَادَةِ وَقَرَأَ الْحَسَنُ:" أَيْمَا" بِسُكُونِ الْيَاءِ. وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ:" أَيّ الْأَجَلَيْنِ مَا قَضَيْتُ"، وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ:" عُدْوانَ" بِضَمِّ الْعَيْنِ. وَأَبُو حَيْوَةَ بِكَسْرِهَا، وَالْمَعْنَى: لَا تَبِعَةَ عَلَيَّ، وَلَا طَلَبَ فِي الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ. وَالْعُدْوَانُ التَّجَاوُزُ فِي غَيْرِ الْوَاجِبِ، وَالْحِجَجُ السُّنُونَ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

لِمَنِ الدِّيَارُ بِقُنَّةِ الْحِجْرِ ... أَقْوَيْنَ مِنْ حِجَجٍ ومن دهر

الْوَاحِدَةُ حِجَّةٌ بِكَسْرِ الْحَاءِ، {وَاللَّهُ عَلى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ} قِيلَ: هُوَ مِنْ قَوْلِ مُوسَى. وَقِيلَ: هُوَ مِنْ قَوْلِ وَالِدِ الْمَرْأَةِ. فَاكْتَفَى الصَّالِحَانِ -صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا- فِي الْإِشْهَادِ عَلَيْهِمَا بِاللَّهِ، وَلَمْ يُشْهِدَا أَحَدًا مِنَ الْخَلْقِ، وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي وُجُوبِ الْإِشْهَادِ فِي النِّكَاحِ، وَهِيَ: الثَّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ- عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ إِلَّا بِشَاهِدَيْنِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ مَالِكٌ: إِنَّهُ يَنْعَقِدُ دُونَ شُهُودٍ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِشْهَادُ."

وبقول أبي حنيفة والشافعي يقول الحنابلة، وقول مالك: ينعقد دون شهود منهم من يطلق هذا الكلام ويقول: ينعقد، ومنهم من يفرق بين الشريفة والوضيعة.

"وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِعْلَانُ وَالتَّصْرِيح، وَفَرْقُ مَا بَيْنَ النِّكَاحِ وَالسِّفَاحِ الدُّفُّ، وَقَدْ مَضَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي " الْبَقَرَةِ"  مُسْتَوْفَاةً، وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ سَأَلَ بَعْضَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يُسْلِفَهُ أَلْفَ دِينَارٍ فَقَالَ: ايتِنِي بِالشُّهَدَاءِ أُشْهِدُهُمْ، فَقَالَ: كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا، فَقَالَ: ايتِنِي بِكَفِيلٍ، فَقَالَ: كَفَى بِاللَّهِ كَفِيلًا، قَالَ: صَدَقْتَ فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ»، وذكر الحديث".

الحديث مخرج في الصحيح، ثم بعد أن حل الأجل المتفق عليه بينهما ذهب إلى الساحل؛ ليرسل معه الألف دينار، فلم يجده، فوجد خشبة فنقرها وأدخل الألف فيها ووضعها في البحر، وصلت إلى صاحبها -الله المستعان-.

اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد -صلي الله عليه وسلم-.

"