شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح - كتاب الصوم (عام 1428 هـ) - 07

 

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، وآله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا بكم إلى لقاء جديد في شرح كتاب الصوم من كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، مع بداية هذه الحلقة يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا ومرحبًا بكم فضيلة الشيخ.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: قال -رحمه الله تعالى-: عن عائشة -رضي الله عنها- أنها سُئلت: هل كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يختص من الأيام شيئًا؟ قالت: لا، كان عمله ديمة، وأيكم يطيق ما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يطيق.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمدٍ، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد،

راوي الحديث..، راوية الحديث أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر، الصديقة بنت الصديق، زوج النبي -عليه الصلاة والسلام-، مر ذكرها مرارًا.

والحديث ترجم عليه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- بقوله: بابٌ هل يختص، هل يخص شيئًا من الأيام؟

المقدم: عندنا، بابٌ هل يخص شيئًا من الأيام؟ هكذا.

والذي في الأصل: بابٌ هل يخص شيئًا من الأيام؟ لأنه سيأتي الخلاف هل يخص أو يختص.

يقول ابن حجر: قوله: باب هل يخص، يخص من الثلاثي خص -بفتح أوله- أي المكلف، شيئًا من الأيام، وفي  رواية النسفي: يُخص شيء؛ لأن المتن يختص، ماذا عندك بالمتن؟

المقدم: هل كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يختص من الأيام شيئًا؟

طيب، في رواية النسفي: يُخص شيء -يعني في الترجمة- بضم أوله، بضم أول يخص على البناء للمجهول، شيء من الأيام، قال الزين بن المنير وغيره: لم يجزم -يعني البخاري- بالحكم؛ لأن ظاهر الحديث، لأن ظاهر الحديث إدامته -صلى الله عليه وسلم- العبادة، ومواظبته على وظائفها، لم يجزم بالحكم؛ لأن ظاهر الحديث إدامته -صلى الله عليه وسلم- العبادة، ومواظبته على وظائفها.

يعني هل الأفضل أن يخص شيء من الأيام أو عدم الأفضل أن يخص شيء من الأيام؟

المقدم: تركها البخاري.

ترك ذلك، لماذا؟ لأن ظاهر الحديث أنه إذا عمل عملًا أثبته، وكان عمله ديمة، فأطلق البخاري الترجمة، ولم يرجح التخصيص ولا عدم التخصيص.

المقدم: ما يتعارض مع ما ذكرناه سابقًا يا شيخ من كون البخاري إذا أطلق الترجمة، فإنه يعني لم يترجح له حكم؟

الذي ظهر من صنيعه أنه قد يطلق الترجمة ويوردها على سبيل التردد بالاستفهام، وإن أردف هذه الترجمة بموقوف -قول صحابي-، أو مقطوع -قول تابعي-، وما أشبه ذلك، فهو اختياره، وإن لم يردف هذه الترجمة بموقوف ولا مقطوع؛ فلأن الخبر يحتمل، أو لوجود ما يعارضه على حد سواء عنده، فلا يجزم بشيء.

وهنا يقول ابن المنير: لم يجزم بالحكم؛ لأن ظاهر الحديث إدامته -صلى الله عليه وسلم- العبادة، ومواظبته على وظائفها، ويعارضه ما صح عن عائشة نفسها مما يقتضي نفي المداومة، وهو ما أخرجه الإمام مسلم من طريق أبي سلمة، ومن طريق عبد الله بن شقيق عن عائشة -رضي الله عنها- أنها سُئلت عن صيام رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، فقالت: كان يصوم حتى نقول: قد صام، قد صام، ويفطر حتى نقول: قد أفطر، قد أفطر. يعني يتابع الصيام، ويتابع الفطر، وتقدم نحوه قريبًا في البخاري من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- وغيره، فأبقى الترجمة على الاستفهام ليترجح أحد الخبرين، ليترجح أحد الخبرين أو يتبين الجمع بينهما.

يقول ابن حجر: ويمكن الجمع بينهما بأن قولها: كان عمله ديمة، معناه أن اختلاف حاله في الإكثار من الصوم ثم من الفطر كان مستدامًا مستمرًّا.

إذا كان الرسول -عليه الصلاة والسلام- يصوم الأيام الكثيرة، ويفطر الأيام الكثيرة، يعني يصوم أيامًا متتابعة.

المقدم: حتى نقول: لا يفطر.

نعم، حتى نقول: لا يفطر، هذا يمكن وصفه بأنه ديمة، ويفطر حتى نقول: لا يصوم، أيضًا يوصف بأنه ديمة، هذا ما قرره ابن حجر يمكن الجمع بينهما بأن قولها: كان عمله ديمة، معناه أن اختلاف حاله في الإكثار من الصوم ثم من الفطر كان مستدامًا مستمرًّا.

يعني هل من صام صيام داود يصوم يومًا ويفطر يومًا، ننتبه لهذا، هل نقول: إن عمله ديمة؟ إذا كان يصوم ويفطر، يصوم ويفطر، أو مفهوم الديمة أنه يصوم ولا يفطر أو يفطر ولا يصوم؟

المقدم: المتبادر للذهن في الديمة هو الاستمرار على العمل، عدم..، ألا ينخرم، يعني الذي يصوم الثلاثة أيام التي هي البيض باستمرار يسمى ديمة.

طيب، لكن الذي يصوم صوم داود، يصوم يومًا ويفطر يومًا، إذا لزم هذا الصيام طول عمره، نقول: ديمة أم ما نقول: ديمة؟

المقدم: الأصل ديمة يا شيخ.

ديمة، وإن كان متصلًا، متصفًا بالصيام وضده، اتضح؟

المقدم: نعم.

وبأنه -صلى الله عليه وسلم- كان يواظب على..، يوظف، كان يوظِّف على نفسه العبادة، فربما شغله عن بعضها شاغل، فيقضيها على التوالي، فيشتبه الحال على من يرى ذلك، فيشتبه الحال على من يرى ذلك، فقول عائشة -رضي الله عنها-: كان عمله ديمة، منزل على التوظيف، على التوظيف، وقولها: لا تشاء أن تراه صائمًا إلا رأيته، منزل على الحال الثاني، وقد تقدم نحو هذا في باب ما يذكر من صوم النبي -صلى الله عليه وسلم-.

فالكلام بأنه -صلى الله عليه وسلم- كان يوظف على نفسه العبادة، فربما شغله عن بعضها شاغل، فيقضيها على التوالي، فيشتبه الحال على من يرى ذلك، على من يرى ذلك.

يعني يوظف على نفسه أنه يصوم الاثنين مثلًا، أو ثلاثة أيام من كل شهر، ثم يشغل عما وظفه على نفسه في شهر من الشهور، فبدلًا من أن يصوم أربعة اثنينات في شهر، وثلاثة أيام البيض مثلًا، يصوم سبعة في شهر واحد، وقد يشغل عن شهرين، فيصوم في شهر كم؟ أربعة عشر مثلًا، فالذي يروي يراه يصوم أربعة عشر قضاءً لما شُغل عنه.

المقدم: يعتقد أنه مواصل.

يعتقد أنه مواصل، يكون عمله ديمة، والذي يراه على التوظيف كل شهر في وقته، وكل صيام في وقته، يقول: إنه ما خص أيامًا، ولا تشاء أن تراه مفطرًا إلا تراه؛ لأن صيام ثلاثة أيام من كل شهر يعني الغالب عدم الصيام، فلا يكاد تراه صائمًا إلا القليل النادر، ثلاثة، العشر، لكن إذا تراكمت الوظائف ثم قضيت في شهر واحد صار كأنه تابع الصيام، فكأنك لا تراه صائمًا إلا قد رأيته.

وقيل: معناه أنه كان لا يقصد نفلًا ابتداءً في يوم بعينه فيصومه، بل إذا صام يومًا بعينه كالخميس مثلًا داوم على صومه، داوم على صومه.

حتى كان يقضي -عليه الصلاة والسلام- النوافل، يعني جاء أنه شغل...

المقدم: عن راتبة الظهر.

عن راتبة الظهر، فقضاها بعد العصر، والأصل أن من بعد العصر وقت نهي، ومع ذلك قضاها محافظة على ما وظفه على نفسه -عليه الصلاة والسلام-.

وقال العيني: أي: هذا باب يذكر فيه: هل يخص الشهر، الشخص الذي يريد الصوم شيئًا من الأيام؟ وفي  رواية النسفي: هل يَخص، هل يُخص شيء -على صيغة بناء المجهول-، وإنما لم يذكر جواب الاستفهام الذي هو الحكم؛ لأن ظاهر حديث الباب يدل على عدم التخصيص.

يعني الآن البخاري -رحمه الله تعالى- حينما أطلق الترجمة، هل يمكن أن يكون البخاري مترددًا في كون الشخص يوظف على نفسه صيام يوم لم يرد به الشرع؟ ما يمكن، يعني لو قيل: إن فلانًا من الناس وظف على نفسه أنه يصوم الثلاثة أيام الأولى من كل شهر، بدون دليل، أو يفتتح مثلًا السنة بصيام، أو يختتم السنة بصيام؟

المقدم: ما يمكن.

ما يمكن إلا بدليل، وما عدا ذلك يدخل في حيز البدعة، بهذا نعرف أن ما يتداوله بعض الشباب من إرسال بالجوال، يرسلون رسائل في آخر ليلة من السنة.

المقدم: افتتح عامك بالصيام.

افتتح أو اختتم، إما أن يقول: اختتم عامك بالصيام أو افتتح عامك بالصيام، هذا لا أصل له، ولا يدخل في تردد البخاري، إنما الذي أوجد هذا التردد -يعني هذا الاستفهام من البخاري- هو ما ورد في النصوص مما يجتذبه أو ينتابه الأمران.

يقول العيني: أي: هذا باب يذكر فيه: هل يخص الشخص الذي يريد الصيام، أو الصوم شيئًا من الأيام؟ وفي  رواية النسفي: هل يُخص شيء -على صيغة بناء المجهول-، وإنما لم يذكر جواب الاستفهام الذي هو الحكم؛ لأن ظاهر حديث الباب يدل على عدم التخصيص، لأن ظاهر حديث الباب يدل على عدم التخصيص، وجاء عن عائشة -رضي الله عنها- ما يقتضي نفي المداومة، وهو ما رواه مسلم من طريق أبي سلمة ومن طريق عبد الله بن شقيق عن عائشة أنها سئلت عن صيام رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقالت: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصوم حتى نقول: قد صام، قد صام، ويفطر حتى نقول: قد أفطر، قد أفطر، فلأجل هذا ذكر الترجمة بالاستفهام، وينظر إما بالترجيح أو بالجمع بينهما.

وتقدم كلام الحافظ في هذا، وكلام العيني قريب منه.

مطابقة الحديث للترجمة في عمدة القاري أيضًا: من حيث إن فيه جوابًا للاستفهام المذكور فيها، من حيث إن فيه جوابًا للاستفهام المذكور فيها -يعني في الترجمة-، وهو أنه لا يُخص، لا يَخص شيئًا من الأيام، وإيراد هذا الحديث بهذه الترجمة يدل على أن ترك التخصيص هو المرجح عنده.

الآن؛ يقول: مطابقة الحديث للترجمة، يقول في عمدة القاري: من حيث إن فيه جوابًا للاستفهام المذكور فيها، وهو أنه لا يَخص شيئًا من الأيام، لا يخص شيئًا من الأيام.

طيب ما جاء في التخصيص، الاثنين مثلًا، يوم عرفة، ما يرد على هذه الترجمة؟ ولا يرد على هذا القول؟ يرد عليه، لكن لعل المراد الذي ينفيه الشراح أنه لا يخص شيئًا من الأيام إلا بدليل، لا يخص من تلقاء نفسه إلا بدليل.

وهو أنه لا يَخص شيئًا من الأيام، وإيراد هذه الترجمة بهذه، وإيراد هذا الحديث بهذه الترجمة يدل على أن ترك التخصيص هو المرجح عنده، هو المرجح عنده.

أنها سُئلت.

السائل هو علقمة بن قيس النخعي؛ كما في الأصل، في الأصل في الصحيح عن علقمة، قلت لعائشة -رضي الله عنها-: هل كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يختص شيئًا من الأيام أو من الأيام شيئًا؟ فالسائل هو علقمة، قال: قلت لعائشة: هل كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يختص شيئًا من الأيام؟ هل كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يختص من الأيام شيئًا؟ قالت: لا، معناه أنه كان لا يخص شيئًا من الأيام دائمًا ولا راتبًا، معناه أنه كان لا يخص شيئًا من الأيام دائمًا ولا راتبًا، إلا أنه كان أكثر صيامه في شعبان -يعني على ما تقدم-، وقد حض على صوم الاثنين والخميس، لكن صومه على حسب نشاطه، فربما وافق الأيام التي رغب وربما لم يوافقها.

يعني يمكن أن النبي -عليه الصلاة والسلام- يحث على شيء ولا يفعله.

المقدم: كما حث على صيام داود؟

حث على صيام داود، وحث على العمرة في رمضان، وما فعل، وبالنسبة لتركه -عليه الصلاة والسلام- يعني ما حثه هو الأفضل بالنسبة للأمة، وفعله رفقًا بالأمة -عليه الصلاة والسلام- هو الأفضل في حقه.

يقول: معناه أنه كان لا يخص شيئًا من الأيام دائمًا ولا راتبًا إلا أنه كان أكثر صيامه في شعبان، وقد حض على صوم الاثنين والخميس لكن صومه على حسب نشاطه، فربما وافق الأيام التي رغَّب فيها، وربما لم يوافقها.

وفي أفراد مسلم عن معاذة العدوية أنها سألت عائشة -رضي الله عنها-: أكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم من كل شهر ثلاثة أيام؟ قالت: نعم، فقلت لها: من أي أيام الشهر؟ قالت: كان يصوم، من أي الشهر كان يصوم؟ قالت: لم يكن يبالي من أي أيام الشهر يصوم، ونقل ابن التين عن بعض أهل العلم أنه كان يكره أن يتحرى يومًا من الأسبوع بصيام لهذا الحديث، ونقل ابن التين عن بعض أهل العلم أنه كان يكره أن يتحرى يومًا من الأسبوع بصيامٍ لهذا الحديث، كذا في عمدة القاري.

الآن، الحث على صيام الاثنين، والخميس، والبيض، وكذا، يعني البخاري أطلق الترجمة مع وجود هذا الحث، لكن هل يُلزَم البخاري بمثل هذه الأيام وهي ليست على شرطه؟ هي ليست على شرطه، فلا يلزم بها، ولم يخرجها في صحيحه، نعم خرج ما جاء في شعبان.

المقدم: وعاشوراء؟

وعاشوراء، وعرفة، نعم، لكن بالنسبة للأيام التي نُص عليها هنا: الاثنين، والخميس، وصوم ثلاثة أيام من كل شهر، وتخصيصها بالبيض هذه ليست على شرطه.

يقول ابن حجر: أجاب الزين ابن المنير بأن السائل في حديث عائشة -وسبق أن قلنا: إنه علقمة؛ كما دلت عليه رواية الأصل- إنما سأل عن تخصيص يوم من الأيام من حيث كونها أيامًا، وأما ما ورد تخصيصه من الأيام بالصيام، فإنما خُصص لأمر لا يشاركه فيه بقية الأيام؛ كيوم عرفة، ويوم عاشوراء، وأيام البيض، وجميع ما عُين لمعنى خاص، وإنما سئل، أو سأل عن تخصيص يوم لكونه مثلًا يوم السبت.

شف جواب الزين ابن المنير فيما نقله ابن حجر، قال: أجاب بأن السائل في حديث عائشة إنما سأل عن تخصيص يوم من الأيام من حيث كونها أيامًا -يعني من حيث كونه يومًا من الأسبوع أو يومًا من الشهر أو يوم من السنة.

المقدم: يعني مسمى: سبت أحد اثنين؟

أيًّا كان، لا لمزية في هذا اليوم، إنما لأنه يوم في الشهر أو في الأسبوع أو في السنة، لا لمزية، يعني الاثنين له مزية يرفع فيه العمل، «وهو يوم وُلدت فيه»، الخميس يرفع فيه العمل، يوم عرفة له فضل وله مزية، الأيام البيض جاء فيها ما جاء، لكن ما عداها ليست له مزية، فما خص، فما جاءت مزيته في الشرع مستثنى، أما ما لا مزية له، مثل السبت الأحد الثلاثاء الأربعاء، هذه ليست لها مزية، أما ما جاء تمييزه بالشرع، فيخرج من هذا الكلام.

قال: بأن السائل في حديث عائشة إنما سأل عن تخصيص يوم من الأيام من حيث كونها أيامًا، وأما ما ورد تخصيصه من الأيام بالصيام، فإنما خُصص لأمر لا يشاركه فيه بقية الأيام؛ كيوم عرفة، ويوم عاشوراء، وأيام البيض، وجميع ما عُين لمعنى خاص، وإنما سأل عن تخصيص يوم لكونه يومًا مثلًا -كيوم السبت مثلًا؛ لأنه يوم، أصومه؛ لأنه يوم؟ أو أصومه لأنه الخميس..، الاثنين والأعمال ترفع فيه؟ يصام لهذه العلة-، ويشكل على هذا الجواب صوم الاثنين والخميس، فقد وردت فيهما أحاديث وكأنها لم تصح على شرط البخاري، فلهذا أبقى الترجمة على الاستفهام، فإن ثبت فيهما ما يقتضي تخصيصهما استثني من عموم قول عائشة: لا، من عموم قول عائشة: لا.

يعني ما أدري كيف يقول الحافظ ابن حجر هذا الكلام ويورد هذا الإشكال، وكلام الزين بن المنير منصب على يوم لا مزية له؟ يسأل عن يوم هل يختصه النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو بدون مزية؟ لكونه يومًا؟ إما من الأسبوع أو من الشهر أو من العام؟ لا يختص يوم، لكن ما له مزية ثبت بها الشرع يُختص.

قلت -القائل ابن حجر-: ورد في صيام الاثنين والخميس عدة أحاديث صحيحة، منها: حديث عائشة، أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي، وصححه ابن حبان من طريق ربيعة الجرشي عنها، ولفظه: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يتحرى صيام الاثنين والخميس، وحديث أسامة: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم الاثنين والخميس، فسألته، فقال: «إن الأعمال تعرض يوم الاثنين والخميس، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم» أخرجه النسائي وأبو داود، وصححه ابن خزيمة.

قال ابن حجر: فعلى هذا الجواب عن الإشكال أن يقال: لعل المراد بالأيام المسؤول عنها الأيام الثلاثة من كل شهر، فكأن السائل لما سمع أنه -صلى الله عليه وسلم- يصوم ثلاثة أيام، ورغب في أنها تكون أيام البيض، سأل عائشة: هل كان يخصها بالبيض؟ فقالت: لا، كان عمله ديمة، تعني لو جعلها البيض لتعينت وداوم عليها، لكنه يحب أن يكون عمله ديمة، أن يكون عمله دائمًا؛ لإرادة التوسعة بعدم تعيينها، فكان لا يبالي من أي الشهر صامها؛ كما تقدمت الإشارة إليه في باب الصيام، وأن مسلمًا روى من حديث عائشة أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يصوم من كل شهر ثلاثة أيام، وما يبالي من أي الشهر صام، وقد أورد -يعني تحديدها بالبيض، تعيينها بالبيض ليس في أحد من الصحيحين، في السنن، لكن صيام ثلاثة أيام من الشهر في حديث عائشة عند مسلم: وما يبالي من أي الشهر صام-، وكذلك أوصى بعض أصحابه بصيام ثلاثة أيام من كل شهر من غير تعيين، وحديثها: كان يصوم حتى نقول: لا يفطر، وأشار إلى أن بينهما تعارضًا، ولم يفصح عن كيفية الجمع بينهما، وقد فتح الله بذلك بفضله -هذا كلام ابن حجر-، يعني من حيث الجمع الذي ذكره.

يقول: لعل المراد بالأيام المسؤول عنها الثلاثة أيام من كل شهر.

يعني الأيام، هل كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخص من...

المقدم: يخص شيئًا من الأيام.

شيئًا من الأيام، من الأيام شيئًا؟ قالت: لا، من الأيام شيئًا يخصها بالثلاثة التي كان يصومها وحث على صيامها، هل كان يخصها بالأيام البيض؟ قالت: لا، كان عمله ديمة.

يقول ابن حجر: إن هذا الجمع لم، فتح الله به بفضله، وإن كان البخاري -رحمه الله- أبقى الترجمة على الاستفهام.

واضح كلام ابن حجر أم ما هو بواضح؟

المقدم: واضح، واضح.

يعني السؤال ليس.

المقدم: واضح لكن فيه إشكال يعني.

كيف؟

المقدم: يعني أقصد كأنه فيه تكلف، فيه إشكال وفيه تكلف، ألا يمكن أن يقال: إن مراد عائشة -رضي الله عنها- أنه يخصها بالنص، لكن ما كان يداوم، خصوصيته عليها أنه لم يكن يداوم، لا يعرف عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه دائمًا يصوم الاثنين والخميس، دائمًا يصوم الثلاثة أيام من كل شهر؛ كما ذكرنا، وكما ورد في الحديث في حلقة سبقت.

يعني للمعنى الموجود فيها.

المقدم: نعم.

للمزية الموجودة فيها.

المقدم: فقط، لكنه لا يداوم على ذاتها، يعني كما جاء في الحديث السابق: ما كنت أحب أن أراه من الشهر صائمًا إلا رأيته، ولا مفطرًا إلا رأيته.

نعم.

المقدم: لمَ لا يكون هذا هو المعنى؟

ذكرنا هذا فيما تقدم، أن الحث على الصيام صيام أيام بعينها لا لأنها مجرد أيام، إنما لما يحتف بها، والمسؤول عنه غير ذلك.

يمكن أن يقال -وهذا محل نظر وبحث- أنه في وقت علقمة، وفي وقت ابن مسعود، ورأى ابن مسعود من وُجدت منه أعمال لا أصل لها، يتعبد بعبادات أصلها مشروع، بصلاة، أو بذكر، أو كذا، لكن يخصصها بوقت أو بمكان، فعلقمة وهو من خواص ابن مسعود سأل عائشة كأنه وجد ناسًا يخصصون أيامًا بدون دليل؛ كما أنه وجد من يخصص أذكارًا بأعداد لا دليل عليها أو على هيئات لا دليل عليها، يعني وجد في عصر ابن مسعود، وعلقمة وهو أخص الناس بابن مسعود، فأراد أن يسأل أقرب الناس إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وكأن عائشة عندها شيء، فهمت المطلوب، فقالت: لا؛ ليقطع دابر الإحداث في العبادات من أصله، ويبقى الأحاديث التي جاءت فيها النصوص خارجة عن المسؤول عنه، هذا لم أر من تعرض له، لكن ممكن أن يقال في ضمن هذه الإجابات التي أوردت عن هذا الإشكال.

المقدم: أحسن الله إليكم لعلنا نكتفي بهذا على أن نستكمل -بإذن الله- ما تبقى في حلقة قادمة، أيها الإخوة والأخوات بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة في شرح كتاب الصوم من كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، لقاؤنا بكم -بإذن الله تعالى- في حلقة قادمة وأنتم على خير، شكرًا لطيب المتابعة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.