كتاب النكاح من المحرر في الحديث - 05

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد،

فيقول المؤلف- رحمه الله تعالى: "وعن الحسن" وهو البصري، "عن سمرة" بن جندب، "عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «أيما امرأة زوجها وليان فهي للأول منهما، ومن باع بيعا من رجلين فهو للأول منهما»"، يقول: "رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي والترمذي وحسنه، وقد روي عن الحسن عن عقبة بن عامر، والصحيح رواية من رواه عن سمرة".

 تقدم مرارًا الكلام في رواية الحسن البصري عن سمرة، ومن أهل العلم من يرى أنه سمع منه مطلقًا؛ لأنه ثبت سماعه له في حديث العقيقة، وإذا ثبت السماع للراوي عن شيخ من الشيوخ ولو في حديث واحد فإن حديثه محمول على السماع، ومنهم من يرى أنه لم يسمع منه مطلقًا، لكن جاء في صحيح البخاري عن حبيب بن الشهيد قال: قال لي محمد بن سيرين: سل الحسن ممن سمع حديث العقيقة؟ فقال: من سَمُرَة، فالمرجح أنه سمع منه حديث العقيقة بهذا النص، ولا يقاس عليه غيره من الأحاديث، ولا يُثبَت له مطلق السماع بمجرد سماعه له حديثًا واحدًا؛ لأنه مدلِّس، وتدليسه شديد، إمام من أئمة المسلمين، وسيد من سادات الأمة، لكنه مع ذلك شُهِر بالتدليس، ويُدَلِّس عن كل أحد عن الثقات وعن الضعفاء، فلا يحمل سماعه لحديث العقيقة على سماعه لجميع ما يرويه عن الصحابة، وهو مع ذلكم كثير الإرسال. ومن تدليسه الشديد أنه قد يصرِّح بالتحديث، ولا يريد بذلك التحديث عن الشخص، أو سماعه للخبر، أو تحديث ذلك الشخص إياه، فيقول: حدثنا أبو هريرة، ويقصد بذلك أنه حدَّث أهل المدينة وهو فيها.

 على كل حال إمامة الحسن البصري إمامة متفق عليها، متفق على إمامته وجلالته ورئاسته في الدين، سيد من سادات الأمة، وإمام من أئمتها، لكن هو موصوف بالتدليس، وبالنوع الشديد منه، لا أقول: تدليس التسوية، لكنه معروف بهذا، فالمرجَّح أنه لم يسمع من سمرة إلا حديث العقيقة، وهذا الحديث يحتاج إلى أن يثبت سماعه عنه؛ لأن الأصل أنه لم يسمع منه إلا حديث العقيقة، فمادام الأمر موقوفًا على سماعه منه هذا الحديث فالخبر يبقى ضعيفًا؛ لأن الحسن ضعيف مدلس وعنعن، لم يصرح بالتحديث، فيبقى على ضعفه استصحابًا للأصل، وهو أن الحسن مدلِّس، ويدلِّس عن كل أحد، فلا يقبل إلا ما صرح فيه بالتحديث.

 "عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «أيما امرأة زوجها وليان فهي للأول منهما»" الخبر وإن كان ضعيفًا فالمعنى صحيح، امرأة لها أخوان، فزوجها أخ، ثم زوجها الثاني وهو لا يعلم، أو يعلم، من باب التنافس بينهما، فانعقد العقد للأول؛ لأنها شاغرة، ليست ذات بعل، وأما العقد الثاني فلم يصادف محلًّا؛ لأنها مشغولة بذمة زوج، فإذا كانت المرأة في ذمة زوج لا يجوز تزويجها، ولا العقد عليها، كل هذا باطل؛ «أيما امرأة زوجها وليان فهي للأول منهما»، والثاني عقده باطل.

 «ومن باع بيعًا من رجلين فهو للأول منهما» كذلك؛ لأن السلعة لما عُقِد عليها بالإيجاب والقبول، وتم ذلك التفرق، فالعقد الثاني لم يصادف محلًّا؛ لأنه باعها من لا يملكها، كمن باع مال غيره، «فهي للأول منهما».

 يقول: "رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه"، والجملة الأولى لا توجد في سنن ابن ماجه، فعزو الحديث كاملاً له وهم من المؤلف- رحمه الله-. "رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وحسنه"، حسنه الترمذي؛ لأنه قد يكون ممن يرى سماع الحسن من سمرة، أو ترجَّح عنده أن هذا الحديث مما سمعه الحسن عن سمرة، وإلا لو قلنا: لم يسمع منه ففيه انقطاع، وقد يحسِّن الإمام الترمذي ما فيه نوع انقطاع، لا يكون من الانقطاع الظاهر، وإنما يكون من الانقطاع الخفي بمثل هذا، هذا انقطاع خفي؛ لأن المعاصرة بين الحسن وسمرة حصلت، والسماع منه قد حصل، وإذا روى الراوي عن شيخ سمع منه ما لم يسمعه منه فهذا التدليس، وهو انقطاع خفي، والترمذي قد يحسِّن مثل هذا، مما جعل بعض الباحثين يستروح إلى أن جميع ما حكم عليه الترمذي بأنه حسن أنه من قبيل الضعيف، لكن هذا ليس على إطلاقه.

 "وقد روي" يعني الحديث، "عن الحسن عن عقبة بن عامر، والصحيح رواية من رواه عن الحسن عن سمرة"، يعني وهم، رواية الحسن عن عقبة وهم من بعض الرواة، والصحيح في سياق الإسناد الصحيح، يعني في سياق الإسناد الحسن عن سمرة، ولا يعني أن هذا تصحيح لهذا الحديث من قِبَل المؤلف، يعني فرق بين أن يكون السند فيه خطأ، وفيه وهم، وبين أن يكون سياقه صحيحًا، سياق الإسناد، وهو من حيث الحكم ومن حيث الصناعة ضعيف كما هنا، فالأحاديث الضعيفة، بل الأحاديث الموضوعة تروى بالأسانيد، وتساق هذه الأسانيد قد يكون سياقها على الجادة، فيكون صحيحًا، السياق صحيح، وإن كان المتن باطلًا، سياق الإسناد، وإن كان المتن باطلًا فيما إذا كان الحديث موضوعًا، أو يكون الحديث ضعيفًا إذا كان لا يصل إلى درجة الوضع.

 وعلى كل حال المعنى صحيح، معنى الحديث صحيح؛ لأنه إذا زوجت المرأة وهي مشغولة بذمة زوج آخر فالنكاح الثاني باطل، بلا شك، يثبت نكاح الأول سواء دخل بها الثاني أو لم يدخل بها؛ لأنه لم يصادف محلًّا، لم يصادف محلًّا، وكذلك البيع إذا بيعت السلعة، وتم البيع، ثم باعها مالكها الأول على شخص ثانٍ فإنه قد باع ما لا يملك، لا يحق له التصرف في هذه السلعة؛ لأنها خرجت من يده.

 قال- رحمه الله-: "وعن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أيما عبد تزوج بغير إذن مواليه أو أهله فهو عاهر»، «أيما عبد»" يعني مملوكًا لشخص أو لأشخاص، «تزوج بغير إذن مواليه أو أهله»؛ لأنه مملوك، عينه مملوكة، ومنفعته مملوكة لغيره، ولا شك أن الزواج يحول دون السيد والانتفاع بمنافع هذا العبد، فهي مملوكة له، ويفوِّت عليه هذه المنافع، فلا يصح له، ولا يجوز له أن يتصرف من غير إذن مواليه، أو أهله، كما في اللفظ الثاني، فهو عاهر يعني زانيًا، يعني زانيًا؛ لأن نكاحه باطل.

 "رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح، حديث حسن صحيح، وابن عقيل مختلف في الاحتجاج به" يعني من جهة حفظه فيه نوع ضعف، فلا يصل إلى درجة الصحة، والترمذي يحسِّن له؛ نظرًا لمنزلته المتوسطة، ليس من قبيل المردود، ولا من قبيل من يصحح حديثه، فيتوسط في أمره، فيحسن له، وضعفه من جهة حفظه لا من جهة عدالته، وقد رمي بسوء الحفظ.

 ثم قال- رحمه الله- وعن أبي هريرة -رضي الله عنه-..

انتهى المقروء؟ المقروء انتهى؟

طالب:.........

نعم.

"بسم الله، والحمد لله، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين.

قال ابن عبد الهادي -يرحمه الله- في كتابه المحرر:

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يجمع بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها»، متفق عليه.

 وعنه -رضي الله عنه- قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الشغار، وهو أن يقول الرجل: زوجني ابنتك، وأزوجك ابنتي، وزوجني أختك، وأزوجك أختي، رواه مسلم. وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: تزوج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ميمونة وهو محرم، متفق عليه.

 وعن يزيد بن الأصم قال: حدثتني ميمونة بنت الحارث أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تزوجها وهو حلال، قال: وكانت خالتي وخالة ابن عباس، رواه مسلم.

 وعن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن أحق الشرط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج»، متفق عليه، واللفظ لمسلم.

 وعن سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه- قال: رخص رسول الله عام أوطاس في المتعة ثلاثة أيام، ثم نهى عنها، رواه مسلم.

 وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المحلِّل والمحلِّل له.

المحلَّل..

"والمحلَّل له، رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه.

 وعن عمرو بن شعيب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله»، رواه أحمد وأبو داود، وإسناده صحيح إلى عمرو، وهو ثقة محتج به عند الجمهور.

وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: طلق رجل امرأته ثلاثًا، فتزوجها رجل ثم طلقها قبل أن يدخل بها، فأراد زوجها الأول أن يتزوجها، فسئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك فقال: «لا، حتى يذوق الآخر من عسيلتها ما ذاق الأول»، متفق عليه، واللفظ لمسلم."

يقول المؤلف- رحمه الله تعالى-: "وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يُجمَع بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها» الجمع بين المرأة وأمها، والجمع بين الأختين هذا ثابت بالدلائل القطعية، ومن المعلوم بالضرورة من دين الإسلام، وهنا من الزيادة على ما جاء في كتاب الله، مما صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- النهي عن الجمع بين المرأة وعمتها، وبين المرأة وخالتها، وهذا أيضًا من حيث الحكم مجمع عليه، مجمع عليه، لا يجوز للرجل أن يجمع بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها.

والعلة أشير إليها في بعض الروايات أن ذلك يؤدي إلى قطيعة الرحم؛ لما عُرف وجبل عليه النساء من المناسفة بين الضرات، والعمة تشمل أخت الأب وعمة الأب، كل ما يطلق عليه عمة، وقل مثل ذلك في الخالة، يعني وإن علت، وسواء كانت العمة من النسب أو من الرضاعة؛ لأنه يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب، فلا يجوز الجمع بين المرأة وعمتها سواء كانت هذه القرابة من حيث النسب، ويلتحق بها نظيرها من الرضاعة. وهذه الآية مخصصة لما في قوله -جل وعلا-: {وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [سورة النساء:24]، وتخصيص الكتاب بالسنة أمر معروف عند أهل العلم، وإن كانت الجادة عند الحنفية أن هذا يطلقون على مثله أنه زيادة على النص، زيادة على النص، والزيادة على النص نسخ، ولا ينسخ القطعي بالظني، ولا ينسخ القطعي بالظني، هذه طريقتهم، إلا أنهم أجابوا عن ذلك، أجاب بعضهم بأن هذا الحديث مشهور، والمشهور  يفيد من العلم ما يقرب مما يفيده التواتر، بل هو أحد قسمي المتواتر عندهم، وإلا فيلزم على جادتهم وقاعدتهم أنه زيادة على النص القرآني، والزيادة على النص نسخ، والقاعدة أن المقطوع لا ينسخ بالمظنون.

 في حديث عبادة بن الصامت «خذوا عني، خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلاً، الثيب بالثيب جلد مائة والرجم، والبكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة»، هذا بعضهم قال: إنه ناسخ لآية النساء ومنهم من يقول، ليتخلص من قاعدة أن الظني لا ينسخ القطعي، قال: هذا بيان، وليس بنسخ، بيان وليس بنسخ {حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً} [سورة النساء:15]، جاء في الخبر الصحيح حديث عبادة قد جعل الله لهن سبيلاً، فهو بيان لذلك الأمد الذي عُلِّق عليه الحكم وليس بنسخ.

 فهل نقول: إن حديث الباب «لا يُجمَع بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها» بيان لقوله -جل وعلا-: {وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [سورة النساء:24]، أو أنه تخصيص، والتخصيص نوع نسخ؛ لأنه رفع جزئي للحكم، النسخ رفع كلي، والتخصيص رفع جزئي، وكذلك التقييد، ويطلق عليه بعض المتقدمين من سلف الأمة وأئمتها اسم النسخ، هو صحيح؛ لأنه رفع للحكم، وإن لم يكن بالكلية، إلا أنه رفع لبعض ما يتناوله الحكم، بعض ما يتناوله النص، فهو رفع جزئي، وهو نسخ ورفع من هذه الحيثية، فلا يشبه آية النساء مع حديث عبادة.

 إلا أنهم أمكنهم أن يجيبوا عن الاعتراض والإلزام بأن الحديث مشهور، والمشهور عندهم أحد قسمي المتواتر، ويفيد من العلم والطمأنينة ما يقرب مما يفيده الخبر المتواتر والنص القطعي. «لا يجمع بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها»، العلماء يقولون: إن هذه القرابة سواء كانت بنسب أو رضاع، فالنص شامل، هي عمة، الأم من الرضاعة أم، والأخت من الرضاعة أخت، والعمة من الرضاعة عمة، وهكذا، فيتناولها النص.

 قد يقول قائل: إن العلة وهي منصوصة كما جاء في بعض الروايات، العلة في سبب المنع قطيعة الرحم، قطيعة الرحم، فهل تلزم صلة القريب من الرضاعة كما تلزم صلة القريب من النسب؟ لو أن شخصًا له أخت من الرضاعة ولم يرها في عمره ألبتة بعد أن ارتضع قد لا يكون رآها ولا مرة حتى ولا في حال الصغر، امرأة ولدت بنتًا، فماتت هذه البنت، فأرضعت طفلاً هو أخ لتلك الأخت، وهذا لا شك أنها إذا ماتت فالأمر واضح، ما فيه إشكال، لكن إذا كانت موجودة، ومعه في نفس البلد، أو في نفس الحي، فهل يلزمه من الصلة ما يلزمه لأخته من النسب؟

لا أحد يقول بذلك مثل ما يلزم من النسب مثل، وإن كانت الصلة موجودة في الجملة، لكن هل يترتب على عدم صلتها إثم القاطع؟ تنبغي صلتها، ويتأكد صلة أمه من الرضاع، لكن ليست مثل الأم من النسب.

 وعلى كل حال اللفظ يتناول العمة من النسب والخالة من النسب بالنص، ويُلحَق بهما العمة من الرضاعة والعمة والخالة من الرضاعة بالنص الآخر، «يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب».

طالب: ..........

هو إذا ترتب عليه قطيعة، النساء المنصوص عليهن مفروغ منهن، والنساء التي يترتب وتتحقق فيهن هذه العلة مما لم يُنَص عليه مثل المرأة وبنت عمها والمرأة وبنت خالها هؤلاء يجوز الجمع بينهن بالإجماع، ما يخالف في ذلك أحد، وإن ترتب على هذا نوع قطيعة، وإن ترتب على هذا نوع قطيعة؛ لأن العم الثاني لا يرضى أن يتزوج صهره على بنت أخيه وبنته في ذمته، هذا محل اتفاق أنه لا يمنع منه مانع، وإلا لو قيل بذلك فالتعدد عمومًا لا يسلم من نوع مشاحنة ومشاقة ومشاجرة بين الأصهار، وهذا باب لا يسد، فحُسِم بما نُصَّ عليه وما يلحق به، وإلا لو استرسلنا في هذا فالمشاحنة موجودة حتى المشاحنة بين المسلمين والشقاق والنزاع والظلم من بعضهم لبعض هذا حرام، ولا يجوز، كل شيء يؤدي إلى هذا فالشرع لا يأتي به، لكن يترتب على ذلك إلغاء الحكم بالكلية، والحكم ثابت مقرَّر بالكتاب والسنة من قوله وفعله -عليه الصلاة والسلام-، مما يدل على أن مثل هذه الحساسيات لا يُلتَفت إليها وإلا لما انتهى الأمر.

 قال- رحمه الله-: وعنه يعني أبي هريرة، في الحديث السابق: لا يُجمَع، لا يُجمَع، لا، هذه نافية ويراد بها النهي، وإذا جاء النهي بصيغة النفي كان أبلغ عند أهل العلم، مع أنه جاء في بعض الروايات: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يجمع الرجل بين المرأة وعمتها إلى آخره.

 ثم قال: "وعنه" يعني عن أبي هريرة صحابي الحديث السابق "-رضي الله عنه- قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الشغار، نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الشغار"، ثم فُسِّر الشغار، "الشغار أن يقول الرجل: زوجني ابنتك وأزوجك ابنتي، وزوجني أختك وأزوجك أختي"، في بعض الروايات: ليس بينهما صداق، ليس بينهما صداق، الجملة الأولى وهي النهي عن الشغار مرفوعة، والصيغة بمثابة النهي الصريح، كأنه قال: لا تفعلوا كذا؛ لأن نهى وهي التعبير عن الصيغة بلفظ النهي لا فرق بينها وبين قوله -عليه الصلاة والسلام- من لفظه: لا تفعلوا كذا، ولا يرد فيها الاختلاف في أُمرنا أو نُهينا من حيث الرفع والوقف، مع أن المرجح أن قول الصحابي: أمرنا أو نهينا أنه في حكم المرفوع، أما هذا وقد صُرِّح بالناهي كما لو صُرِّح بالآمر فهو مرفوع قطعًا، خالف في هذا بعض من لا يُعتَد بقوله وقال: لا يثبت له الحكم حتى يصرِّح الصحابي باللفظ النبوي، قال: لأنه قد يسمع كلامًا يظنه أمرًا أو نهيًا، وهو في الحقيقة ليس بأمر ولا بنهي، لكن هذا القول مردود وباطل، ولا حظ له من النظر؛ لأن الصحابة الذين عاصروا النبي -عليه الصلاة والسلام-، وعرفوا معاني كلامه، وعاشروه، وعاصروا التنزيل، إن لم يعرفوا مدلولات الألفاظ الشرعية فلن يعرفها أحد بعدهم، والقول بمثل هذا يُذهِب الثقة بالصحابة -رضي الله عنهم-، وبما حملوه لنا من علم، لا يكون حجة حتى يصرِّح بلفظه -عليه الصلاة والسلام-، هذا الكلام باطل، وإن ذكر عن بعضهم.

 "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الشغار" هذا القدر متفق على رفعه، وتفسير الشغار بما يأتي من قوله: والشغار، يعني تعريفه "أن يقول الرجل: زوجني ابنتك وأزوجك ابنتي، وزوجني أختك وأزوجك أختي"، وهذه أمثلة، صور من صور الشغار، تكون إحداهما مهرًا للأخرى، كل واحدة منهما مهر للأخرى، ولذا جاء في بعض الروايات «وليس بينهما صداق»، تكون معاوَضة، وفي هذه المعاوضة ظلم للمرأة، ولا يفعل مثل هذا إلا شخص لا يقبل بمفرده، إذا خطب ما يقبل، حتى لو قُدِّر أنه ممن يقبل وتبرأ الذمة بتزويجه ففي مثل هذه الصورة يمنع لو كان من أكفأ الناس وخطب لشخص مثله كفؤ قال: زوجني ابنتك وأزوجك ابنتي، والذمة تبرأ بهم، هذا داخل في حد الشغار؛ سدًّا للذريعة.

 الشغار مأخوذ من الخلو والفراغ مثل ما يقولون: وظيفة شاغرة، يعني خالية من موظف، وسمي هذا النوع بهذا الاسم؛ لخلو النكاح من الصداق، ومنهم من يقول: إنه سمي الشغار من قولهم: شغر الكلب، إذا رفع رجله، شغر الكلب إذا رفع رجله؛ لأن الشغار كأن أحدهما يقول للآخر: لا ترفع رجل بنتي إلا أن أرفع رجل بنتك، وهذا رجحه كثير من أئمة اللغة، وعلى كل حال سواء كان هذا أو ذاك فالصورة واضحة، الصورة واضحة، مشارطة بأن تكون كل واحدة منهما في مقابل الأخرى، قد يسمى صداق، يسمى صداق؛ من أجل تحليل الصورة في الظاهر، زوجني بنتك وأزوجك ابنتي، وأدفع لك مبلغ كذا، وتدفع لي مبلغ كذا، فهذا لا يغير الحكم؛ لأن المعنى الموجود في الصورة الأولى هو موجود في الصورة الثانية.

 وتفسير الشغار مختلف فيه هل هو من كلامه -عليه الصلاة والسلام-؟ المرجَّح أنه مدرج في الخبر، لكن هل هو من تفسير ابن عمر أو من تفسير نافع الراوي عنه، كما جاءت بعض الروايات ببيانه قال نافع: والشغار كذا وكذا إلى آخره، أو هو من تفسير الإمام مالك؟ قيل بهذا وقيل بذاك.

 المقصود أنه مرجح أنه ليس من كلامه -عليه الصلاة والسلام-، فهو مدرَج، وتلقته الأمة بالقبول، وهو إن كان من الصحابي فهو أعرف الناس بما روى، وإن كان من تابعي كنافع فالمرجَّح أنه سمعه من مولاه عبد الله بن عمر، وهم عرب أقحاح يقبل تفسيرهم، وعلى كل حال هذه الصورة المذكورة في التفسير: زوجني ابنتك وأزوجك ابنتي، دخولها دخول أولي في النص.

 وإذا حصل النكاح بهذه الصورة مع ثبوت النهي عنه يختلف العلماء في صحة العقد، والمرجَّح أنه ليس بصحيح؛ لأن النهي عاد إلى العقد، عقد النكاح، زوجني على أن أزوجك، فهو عقد مشروط، فالنكاح في هذه الصورة لا يصح، ومن أهل العلم من يقول، لاسيما إذا قلنا ليس بينهما صداق، أنه يمكن تصحيحه بثبوت مهر المثل لكل واحدة منهما، كما لم يسمَّ الصداق أصلاً من غير شغار، العقد يصح، ويسمى لكل واحدة منهما مهر المثل، ولكن ليست العلة خلو النكاح من الصداق، ولكن العلة الأضرار اللاحقة بالمرأتين، أو بإحداهما أو بإحداهما.

 يأتي شخص لو تقدم لخطبة امرأة ما زوج، ما زوج؛ لخلل وعيب ونقص فيه، وعنده بنت متميزة بجمالها بذكائها، ويأتي إلى شخص وقال: أزوجك هذه البنت، فيفرح بذلك، لكن بشرط أن تزوجني بنتك، البنت المسكينة متضررة، ذهبت ضحية لطمع والدها، ليس الطمع المادي، طمعه بهذه البنت، فتتضرر، إما أن يتضرر، أو يلحق الضرر بالمرأتين، بالبنتين أو بإحداهما، الضرر لا بد من نفيه، الضرر يزال، وعلى كل حال إذا وجد مثل فالعقد ليس بصحيح، ويجب فسخه؛ لما ذكرنا، وهو اختيار جمع من أهل العلم.

 "وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: تزوج رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، تزوج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ميمونة بنت الحارث وهو محرِم، متفق عليه". ابن عباس ميمونة تكون خالته، وهو قريب من الحدث، ويثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- تزوج خالته ميمونة وهو محرِم، مع أنه ثبت النهي في حديث عثمان بالنسبة للمحرم لا يَنكح ولا يُنكح، والحديث متفق عليه.

 والحديث الذي يليه "عن يزيد بن الأصم قال: حدثتني ميمونة بنت الحارث" يعني من لفظها، "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تزوجها وهو حلال، قال: وكانت خالتي" يزيد بن الأصم يقول: "وكانت خالتي وخالة ابن عباس، رواه مسلم"، وأبو رافع مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو السفير بينه -عليه الصلاة والسلام- وبين ميمونة، ويُثبِت أن النبي- عليه الصلاة والسلام- تزوجها وهو حلال، فعندنا ما ثبت عن ميمونة نفسها، وما ثبت عن السفير بينهما وهو أبو رافع، وما جاء في حديث عثمان -رضي الله عنه- من النهي للمحرم أن ينكح أو يُنكح، كلها تضافرت على معنى واحد، وفي مقابلها خبر ابن عباس أن النبي -عليه الصلاة والسلام- تزوجها وهو محرم، وهذا في الصحيحين.

 إذا جئنا إلى الترجيح بين الحديثين اللذين معنا في الكتاب، فحديث ابن عباس متفق عليه، وحديث يزيد بن الأصم رواه مسلم، وأيهما أرجح المتفق عليه أم ما يتفرد به أحد الشيخين لاسيما إذا كان مسلمًا؟

طالب: ..........

المتفق عليه هو المرجَّح، لكن قد يوجَد من القرائن ما يجعل المفوق فائقًا، قد يوجد من القرائن ما يجعل المفوق فائقًا، حديث جابر في صفة حج النبي -عليه الصلاة والسلام- في بعض الأحكام المستنبطة منه في بعض جمله ما يرجح على ما جاء في البخاري؛ لأن هناك قرينة تدل على ما جاء في هذا الترجيح، وهو ملازمة جابر، وسياق حجة النبي -عليه الصلاة والسلام- بدقة من خروجه من بيته إلى رجوعه إليه، مما يدل على أنه ضبط وأتقن هذه الحجة، فيرجَّح على ما يرويه غيره ولو كان في الصحيحين أو في البخاري.

 هنا نرجح ما رواه مسلم أو تفرد به مسلم على ما جاء في الصحيحين؛ لأن الراوي هو صاحب الشأن، ولا شك أن الإنسان أعرف بشأنه وما يتعلق به من غيره، فيرجَّح كلامها عن نفسها وما يتعلق بها على كلام غيرها، فميمونة صاحبة الشأن ما ثبت عنها أرجح عما ثبت عن غيرها، ولو كان من حيث الصناعة الظاهرة مما يرجح به في الجملة، أيضًا السفير بينما أبو رافع مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذكر أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- تزوجها وهو حلال، إضافة إلى الحكم العام الذي يتناولها ويتناول غيرها في حديث عثمان النبي -عليه الصلاة والسلام- بنى بها بسَرِف، وماتت بسَرِف، نفس المكان الذي بنى بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فحديث ابن عباس وإن كان في الصحيح، فهو من حيث الصناعة، من حيث ثقة الرواة واتصال الإسناد، بل نظافة الإسناد لا إشكال فيه؛ لأنه متفق عليه، وثبوته عن ابن عباس لا مراء فيه، لكن ألا يطرأ الوهم على ابن عباس لاسيما وأنه صغير وقت التحمل، صغير وقت التحمل، والوهم والخطأ والنسيان لا يعرى منه أحد، لا يسلم منه أحد؟

 بعضهم وجَّه كلام ابن عباس وهو محرم أي داخل الحرم، وإن لم يكن متلبسًا بالإحرام، داخل الحرم، وإن لم يكن متلبسًا بالإحرام، فمن دخل الحرم فهو محرِم، ومن دخل نجدًا فهو مُنجِد، ومن دخل تهامة فهو مُتهِم، لكن وإن كان هذا له وجه من الناحية اللغوية إلا أن سياق حديث ابن عباس يأبى مثل هذا التأويل، وهذا أشار إليه ابن حبان في صحيحه.

 وعلى كل حال هناك أوهام ضبطت على الرواة الثقات الأثبات الحفاظ، فما فيه أحد يسلم من الخطأ، ومثل هذا الخطأ من هذا الصحابي الجليل لا يقدح في حفظه، ولا في روايته؛ لأن الخطأ إذا كان يسيرًا فهو محتمَل عند أهل العلم، ولا يقدح في عدالة الراوي، ولا يقدح أيضًا في صحيح البخاري، وأنه أصح كتاب بعد كتاب الله -جل وعلا-؛ لما ذكرنا، هو صحيح على شرط البخاري في ثبوته إلى ابن عباس، على شرطه، لكن يبقى هل ابن عباس حفظ وضبط وأتقن وأدى -رضي الله عنهما- الخبر على ما يطابق الواقع، أو أنه أخطأ فيه؟ هو من النوع الثاني.

 ثم قال -رحمه الله-: "وعن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن أحق الشروط أن يوفَّى به، أو يوفَى به ما استحللتم به الفروج»، متفق عليه، واللفظ لمسلم"، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ} [سورة المائدة:1]، والمسلمون على شروطهم إلا شرطًا أحل حرامًا أو حرم حلالاً، «إن أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج».

 الشروط فيه شروط للنكاح، وشروط في النكاح، وفيه شروط للبيع، وشروط في البيع، وهذه كلها مفصَّلة ومبيَّنة في كتب الفقه وشروح الأحاديث، فالذي عندنا الشروط في النكاح، لا شروط النكاح.

 وهذا العقد الذي هو عقد النكاح نظرًا لما يترتب عليه مما يعطيه الأهمية والأولوية، ما يترتب عليه من حفظ الأنساب، وحفظ الأعراض، وبقاء النوع الإنساني، جاء التعبير بأفعل التفضيل، إن أحق الشروط، أو أحق الشرط سواء كان بلفظ الجمع أو بلفظ الإفراد تكون (ال) جنسية، فلا يختلف الأمر بين المفرد والجمع، فهذا العقد الذي هو أهم العقود، إذا تجاوزنا وعرفنا أن العقد بين الخالق والمخلوق مما ينشأ عنه الاعتقاد الصحيح، هذا لا يصح شيء بدونه، ما عدا ذلك من العقود: عقد النكاح، عقد البيع، عقد الإجارة، إلى غير ذلك من العقود، أحقها وأولاها وآكدها ما يتعلق بالنكاح؛ لأنه به تستحل الفروج، تستحل الفروج، «إن أحق الشرط أو الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج».

 والشروط بين الزوج والزوجة كثيرة جدًّا، نعم قد يمضي العقد بدون شروط؛ لأن كل واحد منهما كفؤ للآخر، وعنده ثقة بنظيره، فلا يحتاج أن يشترط عليه شيء، وهذا كثير في عقود الناس لاسيما في السابق، الآن كثرت الشروط، تشترط أو يشترط وليها أن تكمل دراستها، تشترط أن تتوظف بعد تخرُّجها، تشترط أن تسكن في بيت خاص، أو تشترط ألا يسافر بها، أو غير ذلك من الشروط، هذه الشروط التي لا تخالف كتاب الله يجب الوفاء بها، وهي أولى وأحق ما يُوفى به من الشروط، لو اشترطت شيئًا محرمًا، أو اشترط هو شيئًا محرمًا مما ينافي مقتضى العقد، أو مما فيه إثم، أو يترتب عليه قطيعة رحم أو شيء من المحرمات، فإن هذا لا يُلتفت إليه، فالمسلمون على شروطهم إلا شرطًا أحل حرامًا أو حرم حلالاً، شخص مدخن اشترط على هذه الزوجة أن تدخن مثله، أو اشترط عليها ما هو أشد من ذلك فهذا لا يوفَّى به.

 لكن لو اشترط ما يمكن التنازل عنه، أو اشترطت ما يمكنه التنازل عنه، ومن باب العرض والطلب اشترط عليها ألا قسْم لها، اشترط ألا قسم لها، ما يقسم لها، يتزوج بدون قسم هذا الذي يسمونه المسيار، أُعلِن النكاح وفُرِّق بينه وبين السفاح بالإعلان، وعرف أن هذه زوجته، وقال: لكن أنا لا أستطيع أن أقسم بحسب التيسير، هي تملك أن تتنازل، أو قال: لا نفقة لها، أريد أتزوج، لكن ما علي شيء، ما الذي يجعلها تقبل؟

 ظروفها.

 اشترطت أن تبقى عند أمها مثلاً قرب عملها مثلاً، أو قرب أولادها الذين هم عند أبيه، لها ذلك، المسلمون على شروطهم، لكن قد يتغير الطلب، هي في وقت مرغوب فيها، واشترطت شروطًا، اشترطت أن تكمل دراستها، ثم بعد ذلك تتوظف، اختلفت الظروف، فصار ذلك الشرط شاقًّا عليه، جرَّب بدأت تطلع كل يوم للمدرسة أو للوظيفة، وتسبب على ذلك ضياع البيت، بل ضياع الأولاد، ثم قال: والله أنا لا أستطيع أن أوفي بهذا الشرط، فهل نقول: إنه يلزمه ويأثم إذا لم يحقق هذا الشرط باعتبار أن أحق الشروط ما استحللتم به الفروج، أو نقول: إنه يثبت لها الخيار، لها الفسخ إذا ما أعجبها الوضع؟

هل نقول: يلزَم بهذا الشرط من قبل القضاء، ويأثم إذا لم يلتزم، أن نقول: الذي جعلها تشترط لا شك أن الطلب عليها كثير، ثم بعد ذلك تغيَّر وضعها، وتضرر بهذا الشرط، فقال: أنا والله لا أستطيع أن أوفي بهذا الشرط، تجلسين في بيتك وعند أولادكِ وإلا فلك الفسخ؟

 لأن المسألة مندرجة في «لا ضرر ولا ضرار، لا ضرر ولا ضرار» الضرر اللاحق بالمرأة يجب رفعه، وكذلك الضرر اللاحق بالزوج يجب رفعه، لكن بعض الناس لا للضرر، وإنما هو لؤم، هو لا يحتاج، هذه المرأة امرأة تزوجها على ضرات سابقات، وقالت: أنا أريد أن أكمل في وظيفتي، ولا أريد من القسم إلا آخر الأسبوع الذي ما فيه وظيفة، وهو ما يتضرر بخروجها من الوظيفة، ولا يتضرر حسيًّا، لكن مسألة خروج المرأة ودخولها، والإكثار من ذلك قد لا يرضاه كثير من الأزواج، قد يكون الكلام النظري أثناء العقد سهلًا، يتجاوزه مادام مقبلاً، لكن إذا فكَّر وتأمل وعاصر وعاشر، ورأى الأمر بأم عينيه، امرأة تفتح الباب وتطلع، قد تكون مع باص، قد تكون في مكان بعيد قد يخشى عليها، لا شك أن مثل هذه الظروف تجب مراعاتها؛ لأن فيها ضررًا لأحد الطرفين، والضرر تجب إزالته، وحينئذ إذا تضرر وخيَّرها إما أن تتنازلي عن هذا الشرط، أو تلحقي بأهلك، وحينئذ ما ظلمها إذا كان مريدًا للإصلاح.

 لكن بعض الناس لا يسلم من لؤ،م هي لما كانت بكرًا وصغيرة، والناس ينظرون إليها، ويتشوفون إليها، ومتميزة قبل الشرط، لكن بمجرد ما صارت ثيبًا، وعزف عنها الخطاب أحرجها بالتنازل عن هذا الشرط من غير ضرر لاحق به، لا شك أن هذا لا يجوز؛ لأن هذا من باب الخديعة للمرأة، وما عدا ذلك يلزم الوفاء به؛ «إن أحق الشرط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج».

 اشترطت ألا يتزوج عليها، أو لا يسافر بها، أو اشترطت أن يسافر بها، خرج اسمها فيمن أُعدوا للابتعاث قالت: أنا أسافر للابتعاث أدرس في بلاد الكفر، وقَبِل وعُقِد له عليه على هذا الأساس، ثم سمع من الناس أن السفر إلى بلاد الكفر خطر على الدين، وخطر على العِرْض، وخطر على كذا، فأراد أن يتنصل عن هذا الشرط، نعم له ذلك، اشترطت ألا يسافر بها مطلقًا، ولو من أجل حج النفل أو عمرة النفل، لها ذلك، لا يسافر بها مطلقًا.

 اشترطت ألا يتزوج عليها، كثير من أهل العلم يرون أن لها أن تشترط ألا يتزوج عليها، اشترطت أن يطلِّق ضرتها، عنده زوجة فقالت: لا بد أن تطلق هذه الزوجة، ليس لها ذلك، ولا يفي لها بذلك؛ لثبوت النهي الصحيح الصريح عن طلب المرأة طلاق ضرتها لتكفئ ما في إنائها، هذا شرط ليس بصحيح، ولا يلزم الوفاء به.

اللهم صل...

طالب: ................

بيدها؟ إذا قالت: الطلاق بيدي فليس لها ذلك، ليس لها ذلك؛ لأن هذا يخالف ما جاء في الشرع.

طالب: ................

هذه خيانة، هذه خيانة.

طالب: ................

المسيار؟ يريد أن يتزوج ويخشى من زوجته الأولى، أو من أولاده، أو لا يتحمل، لا يستطيع تحمل التكاليف من فتح بيت جديد أو نفقة وقسم، لا يستطيع ذلك، ويجد امرأة ترضى بأن يكون لها ليلة في الأسبوع مثلاً، أو يترك الأمر على التراخي بينهما، متى ما فرغ يمر عليها، ورضيت بذلك، وليس فيه غش لطرف على آخر، ولا إضمار خيانة؛ لأن كثيرًا من الصور الموجودة والممارسات الموجودة فيها مخالفات، بعضهم لا يذكر اسمه الصحيح؛ مبالغة في الإخفاء، ما يذكر اسمه، ويُعقَد لهذا الحاضر على هذه المرأة، لا شك أن مثل هذا لا يجوز؛ لأن الفرق بين النكاح والسفاح هو الإعلان، كيف يتم إعلان لشخص ما ذكر اسمه؟!

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك...