التعليق على تفسير القرطبي - سورة لقمان (02)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

نعم.

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

قال الإمام القرطبي -رحمه الله تعالى-:

قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} [سورة لقمان:12] قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ} [سورة لقمان:12] مفعولان، ولم ينصرف لقمان؛ لأن في آخره ألفًا ونونًا زائدتين، فأشبه فُعْلان الذي أنثاه فعلى، فلم ينصرف في المعرفة؛ لأن ذلك ثِقَل ثانٍ، وانصرف في النكرة؛ لأن أحد الثِّقَلين قد زال، قاله النحاس."

ولقد آتينا لقمان الحكمة يقول: مفعولان لأن آتى بمعنى أعطى، تتعدى إلى مفعولين، فالمؤتى الأول لقمان، والثاني الحكمة، ولقمان اسم لا ينصرف ممنوع من الصرف؛ لأنه على وزن فَعْلان، هذا إن كان عربيًّا، أو للعلمية والعجمة، أو للعلل الثلاث؛ لأنه قد يمنع الاسم من الصرف لعلتين أو لأكثر، بينما العلة الواحدة لا تستقل بمنعه إلا إذا كانت صيغة منتهى الجموع العلة الواحدة، لا تستقل بمنعه من الصرف، وإذا قلنا: إنه ممنوع للعلل الثلاث ثم ذهبت واحدة منها فهل يُصرَف أو لا يُصرَف؟ مثل لقمان إذا كان نكرة قلنا: علمية وعجمة ووزن فَعْلان أو فُعْلان زيادة الألف والنون على ما ذكر.

 أولاً هل هو اسم عربي أو أعجمي؟

طالب: ............

نعم.

فُعْلان، فُعْلان ثُعْبان ما فيه..

طالب: ............

نعم ظنيت بناءه.. لا، زنته عربية مثل ثعبان ومثل عثمان.

طالب: ............

هيِّن إذا كان من التقام الطعام فالواحدة يقال لها: لُقْمة.

طالب: ............

 عربية ما فيها إشكال.

طالب: ............

لماذا؟

طالب: ............

لا، هو الأسماء لا تُعلَّل، يطلق الاسم على شخص ثم يتتابع الناس عليه، لكن كونه نوبيًّا، ومن جهات بعيدة عن بلاد العرب لا يمنع أن يكون أعجميًّا ولو وافقت زنته زنة العربي، على كل حال هو ممنوع من الصرف على أي حال، سواء قلنا: إنه لزيادة الألف والنون أو لكونه علمًا مع العجمة.

"وهو لقمان بن ياعوراء."

باعوراء.
"وهو لقمان بن باعوراء بن ناحور بن تارح، وهو آزر أبو إبراهيم، كذا نسبه محمد بن إسحاق، وقيل: هو لقمان بن عنقاء بن سروم، وكان نوبيًّا من أهل أيلة، ذكره السهيلي، وقال وهب: كان ابن أخت أيوب، وقال مقاتل: ذُكر أنه كان ابن خالة أيوب، قال الزمخشري: وهو لقمان بن باعوراء ابن أخت أيوب أو ابن خالته، وقيل: كان من أولاد آزر، عاش ألف سنة وأدركه داود -عليه الصلاة والسلام- وأخذ عنه العلم، وكان يفتي قبل مبعث داود، فلما بُعث قطع الفتوى، فقيل له، فقال: ألا أكتفي إذا كُفيت، وقال الواقدي: كان قاضيًا في بني إسرائيل، وقال سعيد بن المسيِّب: كان لقمان أسود من سودان مصر ذا مشافر، أعطاه الله تعالى الحكمة ومنعه النبوَّة، وعلى هذا جمهور أهل التأويل إنه كان وليًّا، ولم يكن نبيًّا، وقال بنبوته عكرمة والشعبي، وعلى هذا تكون الحكمة النبوة.

 والصواب أنه كان رجلاً حكيمًا بحكمة الله تعالى، وهي الصواب في المعتقدات والفقه في الدين والعقل، قاضيًا في بني إسرائيل، أسود مشقق الرجلين ذا مشافر أي عظيم الشفتين، قاله ابن عباس وغيره.

 وروي من حديث ابن عمر قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «لم يكن لقمان نبيًّا، ولكن كان عبدًا كثير التفكر حسن اليقين، أحب الله تعالى فأحبه، فمنَّ عليه بالحكمة، وخيره في أن يجعله خليفة يحكم بالحق، فقال: رب إن خيرتني قبلت العافية، وتركت البلاء، وإن عزمت علي فسمعًا وطاعة، فإنك ستعصمني»، ذكره ابن عطية."

لأن الولايات إذا طلبها الإنسان خُذِل ووكل إلى نفسه، ولذا جاء النهي عن طلب الإمارة، «يا عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة»، لكن من أعطيها من غير طلب وأُلزم بها أُعين عليها.

 تخريج الحديث؟

طالب: ذكره الديلمي من حديث ابن عمر مختصرًا بلا إسناد، والمتن غريب، ولو صح لما اختلف السلف فيه هل هو نبي أم لا؟ انظر ما قاله العلامة ابن كثير في تفسيره، الحديث أورده...

نعم.

"وزاد الثعلبي: «فقالت له الملائكة بصوت لا يراهم: لِمَ يا لقمان؟ قال: لأن الحاكم بأشد المنازل وأكدرها يغشاه المظلوم من كل مكان إن يعن فبالحرى أن ينجو، وإن أخطأ أخطأ طريق الجنة، ومن يكن في الدنيا ذليلاً فذلك خير من أن يكون فيها شريفًا، ومن يختر الدنيا على الآخرة تفته الدنيا، ولا يصيب الآخرة، فعجبت الملائكة من حسن منطقه، فنام نومة فأُعطي الحكمة فانتبه يتكلم بها، فانتبه يتكلم بها، ثم نودي داود بعده فقبلها، يعني الخلافة، ولم يشترط ما اشترطه لقمان، فهوى في الخطيئة غير مرة، كل ذلك يعفو الله عنه، وكان لقمان يوازره بحكمته فقال له داود: طوبى لك يا لقمان، أعطيت الحكمة وصُرِف عنك البلاء، وأعطي داود الخلافة وابتلي بالبلاء والفتنة»، وقال قتادة.."

الكلام يدل على أن لقمان أفضل من داود، يدل على أنه أفضل منه، لكن ليس بصحيح. الزيادة مخرَّجة؟

طالب: ............

نعم، هي أضعف من أصلها، هي أضعف من أصلها.

"وقال قتادة: خيَّر الله تعالى لقمان بين النبوة والحكمة، فاختار الحكمة على النبوة، فأتاه جبريل- عليه السلام- وهو نائم فذرَّ عليه الحكمة فأصبح وهو ينطق بها، فقيل له: كيف اخترت الحكمة على النبوة وقد خيرك ربك؟ فقال: إنه لو.."

لو أرسل.

"لو أرسل إنه لو أرسل إليَّ بالنبوة عزمه لرجوت فيها العون منه، ولكن.."

يعني من غير استشارة، من غير استشارة.

"ولكنه خيرني فخفت أن أضعف عن النبوة، فكانت الحكمة أحب إلي، واختُلف في صنعته فقيل: كان خياطًا، قاله سعيد بن المسيب، وقال لرجل أسود: لا تحزن من أنك أسود، فإنه كان من خير الناس ثلاثة من السودان: بلال، ومهجع مولى عمر، ولقمان. وقيل: كان يحتطب كل يوم لمولاه حزمة حطب وقال لرجل ينظر إليه: إن كنت تراني غليظ الشفتين فإنه يخرج من بينهما كلام رقيق، وإن كنت تراني أسود فقلبي أبيض، وقيل: كان راعيًا فرآه رجل كان يعرفه قبل ذلك فقال له: ألست عبد بني فلان؟ قال: بلى، قال: فما بلغ بك ما أرى؟ قال: قدر الله، قال: قدر الله وأداء الأمانة وصدق الحديث وترك ما لا يعنيني، قاله عبد الرحمن بن زيد بن جابر.

 وقال خالد الربَعي: كان نجارًا فقال له سيده: اذبح لي شاة وائتني بأطيبها مضغتين، فأتاه باللسان والقلب، فقال له ما كان فيها شيء أطيب من هذين فسكت، ثم أمره بذبح شاة أخرى ثم قال له: ألق أخبثها مضغتين، فألقى اللسان والقلب فقال له: أمرتك أن تأتيني بأطيب مضغتين فأتيتني باللسان والقلب، وأمرتك أن تلقي أخبثها فألقيت اللسان والقلب، فقال له: إنه ليس شيء أطيب منهما إذا طابا، ولا أخبث منهما إذا خبثا.

 قلت: هذا معناه مرفوع في غير ما حديث؛ من ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم-: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب»، وجاء في اللسان آثار كثيرة صحيحة وشهيرة، منها قوله -عليه السلام-: «من وقاه الله شر اثنين ولج الجنة ما بين لحييه ورجليه» الحديث."

كما يقال: المرء بأصغيره قلبه ولسانه، المرء بأصغريه يعني بالقلب واللسان.

"وحكم لقمان كثيرة مأثورة هذا منها، وقيل له: أي الناس شر؟ قال: الذي لا يبالي أن رآه الناس مسيئًا. قلت: وهذا أيضًا مرفوع معنى، قال -صلى الله عليه وسلم-: «كل أمتي معافى إلا المجاهرون، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله فيقول: يا فلان عملتُ البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه»."

يعني إلا المجاهرون أو إلا المجاهرين؟

طالب: ........

استثناء تام موجب، يعني نصبه ظاهر، نصب المجاهرين ظاهر؛ لأنه استثناء تام موجَب فرفعه ما أدري علامَ؟ مع أنه موجود في كثير من المصادر حتى في بعض كتب الحديث هكذا، لكن أصله النصب، مستثنى من استثناء تام موجَب ما فيه إشكال، يعني نصبه جارٍ على القاعدة.

"رواه أبو هريرة، خرَّجه البخاري وقال وهب بن منبه: قرأت من حكمة لقمان أرجح من.."

أبا عبد الله تطلعه لي من الفتح؟ من الفتح «كل أمتي معافى» خرجه البخاري من حديث أبي هريرة.

طالب: ........

كيف..؟

طالب: ........

الآن..

طالب: ........

أجل بعد..

"وقال وهب بن منبه: قرأت من حكمة لقمان أرجح من عشرة آلاف باب.."

يعني أزيد وأكثر.

"وروي أنه دخل على داود -عليه السلام- وهو يسرد الدروع، وقد ليَّن الله له الحديد كالطين، فأراد أن يسأله فأدركته الحكمة فسكت، فلما أتمها لبسها وقال: نعم لبوس الحرب أنت، فقال: الصمت حكمة، وقليل فاعله، فقال له داود: بحق ما سميت حكيمًا.

 قوله تعالى: {أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ} [سورة لقمان:12] فيه تقديران: أحدهما أن تكون أن بمعنى أي مفسِّرة أي.."

جاء في بعض الآثار أن من لزم الصمت أوتي الحكمة، وجاء أيضًا: لا صِمات في الإسلام، يعني لا يتعبد بالسكوت، لا يُتعبَّد بالسكوت، بل الكلام الحسن أفضل من السكوت، بلا شك والسكوت خير من الكلام المستوي الطرفين، خير من الكلام المستوي الطرفين، فضلاً عن كونه مرجوحًا، فضله مرجوح، بمعنى أنه يكون من باب المكروه أو المحرَّم إذا كان الصمات والسكوت أفضل من الكلام المباح فلا شك أن الكلام الممنوع سواء كان محرمًا أو مكروهًا مما يؤاخذ عليه الإنسان لا يقارن بالصمت، فالصمت حكمة، وأقل ما فيه السلامة، أن الإنسان يسلم، وكم من إنسان أورده لسانه المهالك، وكم من كلمة قالت لصاحبها: دعني، كم من إنسان ندم ندمًا شديدًا على كلمة قالها، فالسكوت لا شك أنه فيه السلام، فيه مندوحة عن كثير من الإحراجات التي تقع بين الناس، وما ندم أحد على سكوت.

 نعم قد يندم على سكوت عن كلمة حق يفوت محلها، وهذا لا يجوز أن يسكت عن كلمة الحق، وعن الأمر بالمعروف، وعن النهي عن المنكر، وعن الدعوة وتعليم الناس، هذا أمر آخر، هذا مفروغ منه، لكن الكلام في الكلام العادي.

"أي قلنا له: اشكر، والقول الآخر أنها في موضع نصب، والفعل داخل في صلتها، كما حكى سيبويه: كتبت إليه أن قم، إلا أن هذا الوجه عنده بعيد، وقال الزجاج: المعنى ولقد آتينا لقمان الحكمة لأن يشكر الله تعالى، وقيل: أي بأن اشكر الله تعالى، فشكر، فكان حكيمًا بشكره لنا، والشكر لله طاعته فيما أمر به، وقد مضى القول.."

يعني هذا شكر الجوارح، شكر طاعة الله ما أمر به بجوارحه إذا استعمل الإنسان هذه النعم فيما يرضي الله -جل وعلا- فقد شكره عليها، بخلاف ما إذا استعملها فيما لا يرضي الله، وإذا كان باللسان فاشترك مع الحمد إلا أن الشكر في مقابلة النعمة، والحمد على كل حال.

"وقد مضى القول في حقيقته لغة ومعنى في البقرة وغيرها.

 {وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ} [سورة لقمان:12] أي من يطع الله تعالى فإنما يعمل لنفسه؛ لأن نفع الثواب عائد إليه، ومن كفر أي كفر النعم فلم يوحِّد الله فإن الله غني عن عباده عن عبادة خلْقه، حميد عند الخلْق أي محمود، وقال يحيى بن سلام :غني عن خلقه حميد في فعله.

 قوله.."

في الحديث القدسي حديث أبي ذر الشهير «يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل منكم ما زاد في ملكي شيئًا» ثم قال: «يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئًا، يا عبادي إنما هي عمالكم أحصيها لكم وأجازيكم بها، فمن وجد خيرًا فليحمد الله»، الحمد لله أولاً وآخرًا على التوفيق على العمل الصالح، وعلى الجزاء الصالح وأما بالنسبة للخالق جل وعلا فإنه لا تنفعه الطاعة ولا تضره المعصية.

"قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ} [سورة لقمان:13].."

أما قوله: حميد فهو فعيل بمعنى مفعول يعني محمود على خلقه، أو بمعنى فاعل يعني حامد لخلقه الذين يطيعونه، قيل هذا وهذا.

"قال السهيلي: اسم ابنه ثاران في قول الطبري والقُتَبي، وقال الكلبي: مِشْكَم، وقيل: أنعم، حكاه النقاش، وذكر القشيري أن ابنه وامرأته كانا كافرين فمازال يعظهما حتى أسلما.

 قلت: ودل على هذا قوله: {لا تشرك بالله، إن الشرك لظلم عظيم}، وفي صحيح مسلم وغيره عن عبد الله قال: لما نزلت {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ} [سورة الأنعام:82] شق ذلك على أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقالوا: أينا لا يظلم نفسه؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ليس هو كما تظنون إنما هو كما قال لقمان لابنه {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [سورة لقمان:13]».

 واختُلف في قوله: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [سورة لقمان:13] فقيل: إنه من كلام لقمان، وقيل: هو خبر من الله تعالى منقطعًا من كلام لقمان متصلاً به في تأكيد المعنى، ويؤيد هذا الحديث المأثور أنه لما نزلت: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ} [سورة الأنعام:82] أشفق أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقالوا: أينا لم يظلم فأنزل الله تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [سورة لقمان:13]، فسكن إشفاقهم، وإنما يسكن إشفاقهم بأن يكون خبرًا من الله تعالى، وقد يسكن الإشفاق بأن يذكر الله ذلك عن عبد قد وصفه بالحكمة والسداد.

 وإذ في موضع نصب بمعنى اذكر، وقال الزجاج في كتابه في القرآن: إن إذ في موضع نصب بآتينا، والمعنى: ولقد آتينا لقمان الحكمة إذ قال.."

قوله: إن الشرك لظلم عظيم مثل ما قال المؤلف- رحمه الله- يحتمل أن يكون من كلام لقمان، معللاً النهي: لا تشرك؛ إن الشرك لظلم عظيم، وهذا ظاهر السياق، لذا لما استشكل الصحابة قال لهم: «ألم تسمعوا إلى قول العبد الصالح {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [سورة لقمان:13]؟»، يعني جاء بالآية كلها، فجعلها من قول العبد الصالح، وأيضًا التعقيب من الله- جل وعلا- بتأييد ما يقوله المخلوق أيضًا له نظائر {إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً} [سورة النمل:34] قال الله -جل وعلا-: {وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} [سورة النمل:34]، هذا من كلام الله- جل وعلا- تأييدًا لقولها.

"قال النحاس: وأحسبه غلطًا؛ لأن في الكلام واوًا تمنع من ذلك."

نعم< لأن الواو تقتضي معطوفًا ومعطوفًا عليه، ولا بد من تقدير العامل بعدها، وأولى ما يقال كما أطبق عليه جماهير المفسرين: واذكر إذ قال لقمان لابنه.

"وقال: يا بنيِّ بكسر الياء؛ لأنها دالة على الياء المحذوفة، ومن فتحها فلخفة الفتحة عنده، وقد مضى في هود القول في هذا.

 وقوله: يا بني ليس هو على حقيقة التصغير، وإن كان على لفظه، وإنما هو على وجه الترقيق، كما يقال للرجل يا أخي، وللصبي: هو كُوَيْس."

يعني تصغير كيِّس، تصغير كيِّس، ما يجيء كويْس تصغير كاس، لكن تصغير كيِّس.

طالب: ............

 ماذا؟

طالب: كُيَيِّس.

نعم أصلها كيَيِّس، وقد تستثقل وتقلب واوًا؛ لأن كيِّس رباعي أم..؟ نعم رباعي، وتصغير ما زاد على الثلاثي فُعَيْعِل الثلاثي فُعَيْل كُوَيْس.. إيش؟

فعيلا اجعل الثلاثي إذا

 

صغرته نحو قذي في قذى

ماذا؟

فعيعل لما زاد فعيعل لما زاد.. إلى أن قال:

وفعيعل مع فعيعيل لما

 

زاد كجعل درهم دريهما

هذا التصغير فُعَيْل للثلاثي، وفُعَيْعِل وفُعَيْعِيل لما زاد عن الثلاثي، والمضعَّف يضعَّف مثله، فكيِّس كُيَيِّس هذا أصله، وقد تقلب واوًا للثقل وتوالي الأمثال؛ لأنها ثلاثة أمثال.

طالب: ........

أين؟

طالب: ........

لا لا لا، يعني حتى في قول فرعون: أنا ربكم الأعلى هذا يخالف التحدي؟ يعني الله -جل وعلا- يتكلم على ألسنتهم، ولا يلزم بأن يكون بنفس اللغة؛ لأن اللفظ من الله -جل وعلا-، والفكرة ممَن حُكيَت عنه، وكثير ممن نطق الله على لسانه بالقرآن من غير العرب من غير العرب فقالوا كذا، فتكلم الله عنهم على لسانهم، واللفظ لفظ الرب -جل وعلا-، ما فيه إشكال علمًا بأن هذه بعض آية، يعني لو قلنا بما قلت أنها بعض آية، والتحدي لم يحصل بآية كاملة، ما حصل، إنما أقل ما فيه ثلاث آيات بسورة.

"قوله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ} [سورة العنكبوت:8] فيه ثمان مسائل:

 الأولى: قوله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ} [سورة العنكبوت:8] هاتان الآيتان اعتراض بين أثناء وصية لقمان، وقيل: إن هذا مما أوصى به لقمان ابنه، أخبر الله به عنه، أي قال لابنه: لا تشرك بالله، ولا تطع في الشرك والديك، فإن الله وصى بهما في طاعتهما مما لا يكون شركًا ومعصية لله تعالى.

 وقيل: أي وإذ قال لقمان لابنه فقلنا للقمان فيما آتيناه من الحكمة ووصينا الإنسان بوالديه أي قلنا له: اشكر اشكر لله، وقلنا له: ووصينا الإنسان، وقيل: وإذ قال لقمان لابنه لا تشرك ونحن وصينا الإنسان بوالديه حسنا وأمرنا الناس بهذا وأمر لقمان به ابنه، ذكر هذه الأقوال القشيري."

ونحن وصينا الإنسان بوالديه حسنًا، ومن الحسن امتثال الأمر؛ لأن الأب إذا أمر ابنه فعليه أن يمتثل؛ لأنه مما وُصِّيَ به حسنًا فيمتثل أمره فيما فيه مصلحة الأب، فضلاً عما ما فيه مصلحة الولد كما هنا، فإذا أمر الوالد ولده بأمر ليست فيه معصية لله -جل وعلا- فعليه أن يمتثل؛ لأنه مما وصي به وأمر به، ومن الحسن والإحسان المنصوص عليه في نصوص الكتاب والسنة، فإذا كان من طاعة الله -جل وعلا- ازداد هذا الأمر، وتأكد في حقه.

"والصحيح أن هاتين الآيتين نزلتا في شأن سعد بن أبي وقاص، كما تقدم في العنكبوت، وعليه جماعة المفسرين."

سعد بن أبي وقاص -رضي الله تعالى عنه- أسلم ورفضت أمه أن تسلم، وأصرت على ولدها أن أن يرتد ويرجع إلى الكفر، وأضربت عن الطعام، فكان إذا رادأراد أن يطعمها فتح فمها بعود، وهذا أصل في باب الإضراب عن الطعام، أضربت حتى يرجع عن إسلامه، يعني يعرف أنه ما بينه وبين أمه من المودة والشفقة معروف بين الوالد وولده والأم وولدها، لكن الدين فوق ذلك كله، الدِّين رأس المال، تريده أن يرتد، فلما أصرت قال: لو خرجت روحك ثم أعيدت، ثم خرجت ثم أعيدت ما ارتددت، فأيسها من ردته.

 ولذا لا يطيعها فيما فيما في الشرك، وهو المقرَّر أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، كائنًا من كان وهنا {وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا} [سورة لقمان:15] لا تطعهما فيما أمراك، لكن المصاحبة بالمعروف والصلة هذه من الإحسان الذي قد يكون من أعظم وسائل الدعوة إلى الدين والتأليف باب معروف في الشرع حتى إنه يصرف له من الزكاة التي هي أحد أركان الإسلام في حديث أسماء إن أمها جاءت راغبة، يعني راغبة في الصلة أفأصلها؟ قال: «نعم صلي أمك».

طالب: ........

مثل إيش؟

طالب: ........

يعني أراد أن يتزوج امرأة فقالوا: لا، أو تزوج فلانة دون فلانة، الطاعة بالمعروف إذا كان يستطيع أن يمتثل هذا الأمر وليست فيه عليه مشقة بحيث يتضرر في بدنه أو في ماله، ما عليه شيء الطاعة بالمعروف.

طالب: ........

الأصل أن طاعة الأب داخلة في طاعة الجد طاعة الأب داخلة في طاعة الجد يكون إذا أمر الأب الابن بما يخالف، أمر والده، صار عاصيًا لوالده الذي هو الجد، والأوامر هنا تتداخل. وعلى كل حال إذا كانت إذا كان هناك معارَضة من أكثر من جهة تجب طاعتها الذي يتصوَّر معارضة أمر الأم مع أمر الأب هذا الذي تتصور لاسيما إذا كانت منفصلة عن الأب، ويحصل هذا كثيرًا، سئل الإمام مالك- رحمه الله-: أمرني أبي، فنهتني أمي، قال: أطع أباك، ولا تعصِ أمك، يعني سدد وقارب، وافعل ما أمرك به أبوك من غير أن تعلم أمك، أو شيء من هذا. المقصود أن مثل هذا لا بد فيه من التسديد، إذا تعارضت الأوامر، مع أنه إذا كان من تجب طاعته، كلاهما تجب طاعتهما لواحد منهما، كما إذا أمر الأب ونهت الأم وهي في عصمته بما لا يضرها صارت عاصية لزوجها صارت عاصية لزوجها، وكذا لو أمر الأب مع أن أباه نهى كذلك، فهذه الأمور تقدر بقدرها، وتحل في وقتها.

"وجملة هذا الباب أن طاعة الأبوين لا تراعى في ركوب كبيرة، ولا في ترك فريضة على الأعيان، وتلزم طاعتهما في المباحات، ويستحسن في ترك الطاعات الندب، ومنه أمر.."

ومثله أيضًا ولاة الأمر الذين تجب طاعتهم، يعني في غير معصية، هذا أمر مقرر في الشرع وعند أهل العلم عامة أن طاعتهم واجبة وفريضة، ومما أمر بها في نصوص الكتاب والسنة متعينة متحتمة، لكن في مقابل طاعة الله -عز وجل-، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وهذا في فروض الأعيان لو قال مثلاً ممن ولي على أمر من أمور المسلمين قالت: يا فلان لا تصلِّ، يطيع أم ما يطيع؟

ما يطيع، لكن لو قال: لا تتعلم فرض كفاية، وفي الناس من يقوم مقامه، فروض الكفايات فيها مندوحة، ما هي مثل فروض الأعيان، نقول: هذه معصية أم طاعة..؟ العلماء ينصون على أن هناك فرقًا بين فروض الأعيان وفروض الكفايات، فروض الأعيان لا يستطيع الإنسان أن يتدخل فيها، فروض الكفايات لا شك أن فيها مندوحة إذا وجد من يكفي لم يتعين عليه، يعني وجد في البلد من يعلم غيره ومنعه لا شك أنه يدخل في آيات أخرى ونصوص وعيد أخرى، لكن المنهي عن هذا الأمر عليه أن يمتثل؛ لأن هذا فرض كفاية، وقام به من يكفي، صار في حقه سنة، فمثل هذه الأمور يحصل فيها لبس على كثير من من المتعلمين وطلاب العلم.

طالب: ........

{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [سورة البقرة:114] التعطيل ومنع الناس من الخير عمومًا لا، لكن رأى ولي الأمر أن الأمر قائم بدون هذا الشخص.

طالب: ........

إغلاق المسجد ما فيه شك أنه منع، منع من أن يذكر فيه اسمه، وداخل في الآية دخولاً أوليًّا، لكن مع ذلك إذا إذا رأى من إمام هذا المسجد أو القائم على هذا المسجد ما يضر بالمصلحة العامة، أو رأى أن غيره أفضل منه، يغيره، لا أحد يلزمه.

طالب: ........

نعم.

طالب: ............

تلاحَظ مصلحة الولد، تلاحَظ مصلحة الولد؛ لأن بعض الأوامر حتى في أوامر الشرع إذا كانت من أجل مصلحة المكلَّف عند أهل العلم لا تدل على الوجوب، إذا كانت من مصلحته إذا أُمر أو نهي عن شيء من أجل مصلحته هو، مثل قوله -عليه الصلاة والسلام- لعبد الله بن عمرو: «اقرأ القرآن في سبع ولا تزد»، إنما هو من باب الشفقة عليه والرأفة به، لكن ما قال أحد من أهل العلم إنه يحرم قراءة القرآن في أقل من سبع، وعبد الله بن عمرو قرأ في أقل من سبع، صار يقرأ في ثلاث؛ لأنه فهم أن هذا الأمر من أجله؛ شفقة عليه، فمثل هذه الأوامر أمرها أخف؛ لأنها تدور مع علتها.

"ومنه أمر الجهاد الكفاية والإجابة للأم في الصلاة مع إمكان الإعادة على أن على أن هذا أقوى من الندب، لكن بعلل.."

يُعلَّل.

"لكن يُعَلَّل بخوف هلكة عليها.."

يعني إذا إذا نادت الولد وهو في صلاة فريضة مثلاً هذا النداء يحتمل أنه لأمر عظيم، ويحتمل أنه لأمر يسير، ما يدري الولد، فهل يقطع الصلاة ويلتفت إلى أمه؟

 إذا كانت نافلة فالأمر فيها يسير، لكن إذا كانت فريضة؛ لأنه يقول: والإجابة للأمة في الصلاة مع إمكان الإعادة على أن هذا أقوى من الندب في الصلاة يحتمل أن تكون فريضة، هذا أقوى من الندب، لكن يُعَلَّل بخوف هلكة عليها، لكن إذا عرف من حال أمه أنها تدعوه لكل أمر صغير أو كبير يقبل التأجيل أو لا يقبل، وكل ما صف يصلي، نادت يا فلان.

 يعني في قصة جريج لما نادته أمه: يا جريج، يقول: أمي وصلاتي، يا جريج، أمي وصلاتي، وتركها، فلما فرغ من صلاته أقبل عليها فدعت عليه، أجيبت دعوتها، يدل على أن إجابتها واجبة، لو لم تكن واجبة، وأنه مرتكب لخطيئة ما أجيبت الدعوة، فإذا كان في صلاة نفل فالأمر واضح، أما إذا كان في فريضة، وغلب على ظنه أنها يُخشى عليها أن تقع في هلكة فهذا ما فيه إشكال أيضًا؛ لأنه لو كان من أبعد الناس عنه وأراد أن ينقذه قطع صلاته من أجله.

"لكن يعلَّل بخوف هلكة عليها ونحوه مما يبيح قطع الصلاة فلا يكون أقوى من الندب، وخالف الحسن في هذا التفصيل فقال: إن منعته أمه من شهود العشاء شفقة فلا يطعها."

وهذا ذكره البخاري في الصحيح في الترجمة إذا منعته أمه من شهود العشاء شفقة عليه فلا يطعها، لكن إذا منعته من شهود صلاة العشاء أو الفجر وهو صغير، وتخشى عليه، فجُن بسبب عصيانها، مَن الذي يضمن؟

 يعني لا تتصورون أن الماضي مثل الحاضر، الآن يطلع لصلاة العشاء أو صلاة العصر أو صلاة.. ما فيه فرق، الليل كالنهار، لكن في الأول ظلام دامس، الكبير يخشى على نفسه، فإذا قالت له: لا تخرج تصلي، إما خشية عليه على جسده من من سبع أو نحوه، أو خشية على عقله أن يُجَن، الحسن يقول: لا يطعها، يطلع ويصلي؛ لأن أمر الله مقدَّم على أمر أمه، فيه معارضة بين الأمر الشرعي وأمر الأم.

 لكن إذا ترتب على ذلك الضرر، لا شك أن فتح مثل هذا الباب في طاعة الأم في مثل هذه المسائل تجعل الولد قد يفوِّت كثيرًا من الواجبات، الأم من حساسيتها تريد أن تمنعه من كل شيء، لا يخرج مع الباب، لا يطلب علمًا، لا يذهب إلى تحفيظ، لا يذهب إلى كذا لا.. لا شك إذا كان هناك غلبة ظن في هذا الضرر فله وجه، أما إذا كان مجرد حساسية زائدة ووسواس فهذا ما له وجه، وكثير من الناس الآن يمنعون أولادهم من الصلاة في المسجد لاسيما الصغار غير المكلَّفين إلا بصحبتهم، ويمنعونهم من الذهاب إلى المساجد التي فيها حلق التحفيظ إلا بمعيتهم؛ لأنهم يجتالون في أثناء الطريق ذهابًا وإيابًا، وينصرفون يمينًا وشمالاً في الذهاب والإياب، يجتمعون في البقالات وفي الأسواق، ويؤثِّر بعضهم على بعض، هذا موجود صحيح، لكن ما الراجح؟ هل الراجح المصلحة أو المفسدة؟

لا شك أنه إذا كانت المفسدة راجحة فيُمنَع إذا كان يغلب على الظن أن في الطريق من الشباب الفاسدين المفسدين الذين يقتنصون مثل هؤلاء الأغرار، لا شك أن درء المفاسد مقدَّم على جلب المصالح، وهذا إذا غلب على الظن، أما إذا كانت مجرد شك أو مجرد وسواس أو زيادة حذر واحتياط فلا، لا يمنع من الخير بسبب هذه الشكوك وهذه الظنون.

والمحك هنا أنه قد يمنعه من من صلاة الجماعة وقد يمنعه من حلق التحفيظ، لكن هل يمنعه من الذهاب إلى المدرسة؟ ما يمنعه؛ لأن المدرسة فيها مستقبل، وفيها شهادات، وفيها.. لا، هنا المحَكّ إذا منعه من المدرسة خشية عليه قلنا: هذا الرجل صادق، والله المستعان.

"الثانية: لما خص تعالى الأم بدرجة ذكر الحمل وبدرجة ذكر الرضاع حصل لها بذلك ثلاث مراتب، وللأب واحدة، وأشبه ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم- حين قال له رجل، حين قال له رجل: من أَبَرّ؟ قال «أمك» قال ثم من؟ قال «أمك» قال ثم من؟ قال «أمك» قال ثم من؟ قال «أبوك»، فجعل له الربع من المبرَّة كما في هذه الآية، وقد مضى هذا كله في سبحان."

لكن هل معنى الحديث أنك إذا أطعت أمك في ثلاثة أوامر تطيع أباك في أمر واحد؟ وإذا أمرك أبوك تقول: انتظر إلى الآن ما بعد صدر الأمر الثالث من الأم؟ هل هذا هو المقصود؟ لا، أبدًا لكن عمومًا يُفاد منه ترجيح طاعة الأم وبر الأم على طاعة الأب وبره، وإذا كانت الأم محتاجة والأب محتاجًا، وهما منفصلان، وهذا بحاجة إلى من يعوله، وهذه بحاجة إلى من.. فالأم أولى بالبر.

"الثالثة: قوله تعالى: {وَهْناً عَلَى وَهْنٍ} [سورة لقمان:14] أي حملته في بطنها وهي تزداد كل يوم ضعفًا على ضعف، وقيل: المرأة ضعيفة الخِلْقة ثم يضعفها الحمْل، وقرأ عيسى الثقفي: {وهَنًا على وهَن} بفتح الهاء فيهما، ورُويت عن أبي عمرو وهما بمعنى واحد، قال قَعْنَب بن أم صاحب:

هل للعواذل من ناهٍ فيزجرَها

 

إن العواذل فيها الأيل والوهَن

يقال: وهَن يهِن ووهُن يَوْهَن ووهِن ووهِن يَهِن مثل وَرِم يَرِم، وانتُصب وهْنًا على المصدر، ذكره القشيري، وقال النحاس: على المفعول الثاني بإسقاط حرف الجر أي حملته بضعف على ضعف، وقرأ الجمهور: {وَفِصَالُهُ} [سورة لقمان:14]، وقرأ الحسن ويعقوب: {وفصْله}، وهما لغتان أي وفصاله في انقضاء عامين، والمقصود من الفصال الفطام، فعبَّر بغايته ونهايته، يقال: انفصل عن كذا أي تميز، وبه سمي الفصيل."

الفصيل ولد الناقة إذا تم رضاعه وانفصل عن أمه.

"الرابعة: الناس مجمعون على العامين في مدة الرضاع في باب الأحكام والنفقات، وأما في تحريم اللبن فحددت فرقة بالعام لا زيادة ولا نقص، وقالت فرقة: العامان وما اتصل بهما من الشهر ونحوه إذا كان متصل الرضاع."

وجه القول بأن العام هو المدة المحددة لا زيادة ولا نقص للرضاع المحرِّم أنه في العام الأول لا يُخلَط اللبن بغيره، وفي العام الثاني يُخلَط، يُعطَى من الطعام غير اللبن إلا أنه لا يستقل به إلا بعد الفطام، عامة أهل العلم كما جاء في النصوص أن الرضاع المحرِّم في العامين وقت الرضاع الشرعي، {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً} [سورة الأحقاف:15]، {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [سورة لقمان:14] في الحولين، وجاء ما يدل على ذلك من السنة، والتحديد بالعام قول ضعيف؛ لأنه وإن أكل في العام الثاني، أو شرب غير اللبن فإنه لا يمكن أن يستقل به، بل طعامه الرئيس هو اللبن.

 وأما ما بعد الحولين فجاء ما يدل على منعه، وأنه لا يفيد الرضاع إلا في الحولين، ينشز العظم في الحولين، وما بعد ذلك إذا كان يأكل طعامًا آخر ما يستفيد من اللبن مثل ما كان يستفيد قبل ذلك، ولو انقطع عن اللبن بالكلية ما تضرر، فالجمهور على أنه لا رضاع بعد الحولين، وعائشة- رضي الله عنها- ترى أنه ينفع، ولو بعد الحولين، ورضاع الكبير عندها معتبَر ويحرِّم لقصة سالم مولى أبي حذيفة تراه مطلقًا، يحرِّم، وشيخ الإسلام يقيده بالحاجة، يقيده بالحاجة إن احتيج إلى الكبير إلى إرضاعه؛ ليكون محرمًا لمن ارتضع منها ومن تحرم على أولادها، فقيده شيخ الإسلام بالحاجة، وهو جزء من مذهب عائشة -رضي الله عنها-، والجمهور على أن قصة سالم مولى أبي حذيفة خاصة، قضية عين لا تتعدى إلى غيره.

"وقالت فرقة: إن فُطِم الصبي قبل العامين وترك اللبن فإن ما شرب بعد ذلك في الحولين لا يحرم، وقد مضى هذا في البقرة مستوفى.

 الخامسة: قوله تعالى: {أَنِ اشْكُرْ لِي} [سورة لقمان:14] أن في موضع نصب في قول الزجاج، وأن المعنى ووصينا الإنسان بوالديه أن اشكر لي، قال النحاس: وأجود منه أن تكون أن مفسِّرة، والمعنى قلنا له أن اشكر لي ولوالديك، وقيل: الشكر لله على نعمة الإيمان وللوالدين على نعمة التربية وقال سفيان بن عيينة من صلى الصلوات الخمس فقد شكر الله تعالى، ومن دعا لوالديه في أدبار الصلوات فقد شكرهما.

 السادسة: قوله تعالى: {وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [سورة لقمان:15].

 قد بيَّنَّا أن هذه الآية والتي قبلها نزلتا في شأن سعد بن أبي وقاص لما أسلم، وأن أمه وهي حمنة بنت أبي سفيان بن أمية حلفت ألا تأكل كما تقدم في الآية قبلها.

السابعة قوله تعالى: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً} [سورة لقمان:15] نعت لمصدر محذوف أي مصاحبًا معروفًا يقال: صاحبته مصاحبة ومصاحبًا ومعروفًا أي ما يحسن، والآية دليل على صلة الأبوين الكافرين بما أمكن من المال إن كانا فقيرين، وإلانة القول، والدعاء إلى الإسلام برفق، وقد قالت أسماء بنت أبي بكر الصديق للنبي -عليه الصلاة والسلام- وقد قدمت عليها خالتها وقيل: أمها من الرضاعة، فقالت: يا رسول الله إن أمي قدمت علي وهي راغبة أفأصلها؟ قال «نعم» وراغبة قيل: معناه عن الإسلام، قال ابن عطية: والظاهر عندي أنها راغبة في الصلة، وما كانت لتقدم على أسماء لولا حاجتها."

لولا الحاجة ما قدمت؛ للاختلاف في الدين.

"ووالدة أسماء هي قتيلة بنت عبد العزى بن عبد أسد، وأم عائشة وعبد الرحمن هي أم رومان قديمة الإسلام.

 الثامنة: قوله تعالى: {وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ} [سورة لقمان:15] وصية لجميع العالَم كأن المأمور الإنسان، وأناب معناه مال ورجع إلى الشيء، وهذه سبيل الأنبياء والصالحين، وحكى النقاش أن المأمور سعد، والذي أناب أبو بكر، وقال: إن أبا بكر لما أسلم أتاه سعد وعبد الرحمن بن عوف وعثمان وطلحة وسعيد والزبير فقالوا: آمنت؟ قال: نعم، فنزلت فيه: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} [سورة الزمر:9]، فلما سمعها الستة آمنوا، فأنزل الله تعالى فيهم: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى} [سورة الزمر:17] إلى  قوله: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ} [سورة الزمر:18]، وقيل: الذي أناب النبي -صلى الله عليه وسلم-.

 وقال ابن عباس: ولما أسلم سعد أسلم معه أخواه عامر وعويمر، فلم يبق منهم مشرك إلا عتبة، ثم توعد -عز وجل- ببعث من في القبور والرجوع إليه للجزاء والتوقيف على صغير الأعمال وكبيرها.

 قوله تعالى: {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} [سورة لقمان:16] المعنى وقال لقمان لابنه: يا بني، وهذا القول من لقمان إنما قصد به إعلام ابنه بقدر قدرة الله تعالى، وهذه الغاية التي أمكنه أن يفهمه؛ لأن الخردلة يقال: لا يدرك لها ثِقَلا؛ إذ لا ترجِّح ميزانًا."

نعم؛ لئلا يقول: ما دون الخردلة هل يأتي به الله، أو لا يأتي به الله؟ باعتبار أن هذه الخردلة ذكرت فما دونها لا يأتي بها الله، فيقال: إن الخردلة تُطلَق على أدنى ما يمكن أن يسمَّى شيئًا وليس دونها شيء؛ لأنها لا ترجِّح ميزانًا ولا.. ولا تُدرَك، والخردل هو الذي يرى في النور الداخل مع النافذة، فهذه هل يمكن أن يتصوَّر أصغر منها؟ ولذلك ضرب بها المثل لصغرها، ولا يعني أن ما دونها لا يأتي بها الله -جل وعلا-، لكن هذا أقل ما يدركه الإنسان.

طالب: ........

نعم.

طالب: ............

لكن هل هو بلفظه كلام لقمان؟

طالب: ........

هو اللفظ من الله -جل وعلا-، ولقمان ما قال هذا الكلام بحروفه.

طالب: ........

نعم، لفظه ومعناه من الله، لكن هل من نقل كلامه في أثناء الكلام يخل بكونه من الله- جل وعلا-؟

ما يمكن، ما يخل.

"أي لو كان للإنسان رزق مثقال حبة خردل في هذه المواضع جاء الله بها حتى يسوقها إلى من هي رزقه أي لا تهتم للرزق حتى تشتغل به عن أداء الفرائض وعن اتباع سبيل مَن أناب إلي.

 قلت: ومن هذا المعنى قول النبي -صلى الله عليه وسلم- لعبد الله بن مسعود «لا تُكثِر همَّك ما يقدِّر يكون وما تُرزَق يأتيك» وقد نطقت هذه الآية بأن الله.."

مخرَّجة؟

طالب: ............

من رواه؟

طالب: ........

نعم.

"وقد نطقت هذه الآية بأن الله تعالى قد أحاط بكل شيء علمًا وأحصى كل شيء عددًا سبحانه لا شريك له، وروي أن ابن لقمان سأل أباه عن الحبة تقع في سفل البحر أيعلمها الله؟ فراجعه لقمان بهذه الآية، وقيل: المعنى أنه أراد الأعمال المعاصي والطاعات أي إن تك الحسنة أو الخطيئة مثقال حبة يأت بها الله أي لا تفوت الإنسان المقدَّر وقوعها منه، وبهذا المعنى يتحصَّل في الموعظة ترجية وتخويف مضاف ذلك إلى تبيين قدرة الله تعالى، وفي القول الأول ليس فيه ترجية ولا تخويف.

 قوله تعالى: {مِثْقَالَ حَبَّةٍ} [سورة الأنبياء:47] عبارة تصلح للجواهر أي قدر حبة، وتصلح للأعمال أي ما يزنه على جهة المماثلة قدر حبة."

يعني تصلح للمحسوسات، وتصلح للمعنويات.

"ومما يؤيد قول من قال هي من الجواهر قراءة عبد الكريم الجزَري: فتَكِنّ، بكسر الكاف وشد النون من الكَنّ الذي هو الشيء المغطى، وقرأ جمهور القراء: إن تك، بالتاء من فوق مثقال من فوق، مثقال بالتاء من فوق، مثقال بالنصب على خبر كان، واسمها مضمر تقديره مسألتك على ما روي أو المعصية والطاعة على القول الثاني، ويدل على صحته قول ابن لقمان لأبيه: يا أبت إن عملت الخطيئة حيث لا يراني أحد كيف يعلمها الله؟ فقال لقمان له: {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ} [سورة لقمان:16] الآية فمازال ابنه يضطرب حتى مات، قاله مقاتل، والضمير في إنها ضمير للقصة ضمير القصة كقولك: إنها هند قائمة أي القصة إنها إن تك مثقال حبة والبصريون يخيِّرون.."

يجيزون.

يجيزون؟

يجيزون نعم، ضمير القصة هو ضمير الشأن الذي يتردد في كتب النحو.

"والبصريون يجيزون إنها زيد ضربته بمعنى إن القصة، والكوفيون لا يجيزون هذا إلا في المؤنث كما ذكرنا.

 وقرأ نافع: مثقالُ بالرفع، وعلى هذا إلى معنى خردلة أي إن تك حبة من خردل وقيل: أسند إلى المقال فعلاً فيه علامة التأنيث من حيث انضاف إلى مؤنث هو منه؛ لأن مثقال الحبة من الخردل إما سيئة أو حسنة كما قال فله عشر أمثالها فأنَّث وإن كان المثل مذكرًا؛ لأنه أراد الحسنات، وهذا كقول الشاعر:

مشين كما اهتزت رماح تسفهت

 

أعاليها مر الرياح النواسم

المواسمِ.

المواسمِ؟

المواسمِ.

"

أعاليها مر الرياح النواسمِ

 



وتك هاهنا بمعنى تقع فلا تقتضي خبرًا."

فتكون تامة.

"قوله تعالى: {فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ} [سورة لقمان:16] قيل: معنى الكلام المبالغة والانتهاء في التفهيم أي إن قدرته تعالى تنال ما يكون في تضاعيف صخرة وما يكون في السماء والأرض، وقال ابن عباس: الصخرة تحت الأرضين السبع وعليها الأرض، وقيل: هي الصخرة على ظهر الحوت، وقال السدي: هي صخرة ليست في السموات والأرض، بل هي وراء سبع أراضين عليها ملَك قائم؛ لأنه قال: {أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ} [سورة لقمان:16]."

فكونها في صخرة، وهذه الصخرة قسيمة وليست قسمًا، قسيمة للسموات والأرض، {فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ} [سورة لقمان:16]، فدل على أن هذه الصخرة ليست في السموات ولا في الأرض؛ لأنها لو كانت في السموات أو في الأرض لا داعي لذكرها مع ذكر السموات والأرض فتكون قسيمًا للسموات والأرض فتكون في غير السموات والأرض.

 وعلى كل حال التنصيص على الصخرة؛ لأنها صماء لا يدخلها شيء، ولا يخرج منها شيء، لكن لو قدر أن في جوفها شيئًا لا يخفى على الله- جل وعلا- مما لا يمكن اطلاع البشر عليه.

"لأنه قال: {أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ} [سورة لقمان:16]، وفيهما غنية عن قوله: {فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ} [سورة لقمان:16]."

فيهما غنية لو كانت الصخرة في السموات أو في الأرض، فدل على أنها في غيرهما.

طالب: ......

نعم، هذا الظاهر والمتبادِر، لكن على القول الأخير أن الصخرة ليست في السموات ولا في الأرض؛ لأنها جُعلت قسيمة للسموات والأرض؛ لأنها لو كانت في السموات أو الأرض أغنى عنها ذكر السموات أو الأرض لو مثلاً كانت في جذع نخلة مثلاً يحتاج أن ينص عليها وهو في الأرض ما يحتاج ينص صخرة في الأرض ما يحتاج ينص عليها؛ لأنه مما يشمله الأرض، فهذه وجهة من قال: إنها ليست في السموات أو في الأرض، لكن الظاهر أن التنصيص عليها مثل ما قلنا: لأنها مصمتة، لا يمكن الاطلاع عليها، بخلاف ما هو على ظهر الأرض، أو في السموات.

"وهذا الذي قاله ممكن، ويمكن أن يقال: قوله: {فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ} [سورة لقمان:16] تأكيد كقوله: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ = 1  خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ = 2 } [سورة العلق:1-2] وقوله :{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً} [سورة الإسراء:1].

 قوله تعالى.."

طالب: ......

نعم، هذه ذرة، ذرة الهوى مثل الخردل، وليس المراد بها صغار النمل.

طالب: ......

مثله مثله، ما فيه فرق.

طالب: ......

والله تُرى إذا دخلت من نافلة أو في شيء، في ضوء، في شمس، أو ما أشبه ذلك تُرى، يعني .. بهذه الشمس، لكن عند الوزن ليست بشيء، والمبالغة قد لا يراد حقيقة ما جاء فيها، وقد لا يراد مفهومه، ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا كما نقص هذا العصفور، العصفور نقص من البحر، لكنه شيء يسير بالنسبة لما بقي، وما نقص من ملكي إلا كما ينقص المخيط من هذا البحر أو من البحر.

 وعلى كل حال هذه الأمور يراد بها المبالغة في الصغر ولا يراد مفهومها.

طالب: ......

لا لا لا، القائل، قائل البيت ذو الرمة قائل البيت :مشينا كما اهتزت..

طالب: ......

نعم، ذو الرمة الشاعر الذي قال البيت

مشينا كما اهتزت رماح تسفهت

 

........................

"قوله تعالى: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} [سورة لقمان:17].

 فيه ثلاث مسائل:

الأولى: قوله تعالى: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ} [سورة لقمان:17] وصى ابنه بعظم الطاعات، وهي الصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا إنما يريد به بعد أن يمتثل ذلك هو في نفسه، ويزدجر عن المنكر، وهنا هي الطاعات والفضائل أجمع، ولقد أحسن من قال:

وابدأ بنفسك فانهها عن غيها

 

فإذا انتهت عنه فأنت حكيم

"

هذا يُنسَب للشافعي- رحمه الله-.

"في أبيات تقدم في البقرة ذكرها.

 الثانية: قوله تعالى.."

لا تنه عن خلق وتأتي مثله

 

عار عليك إذا فعلت عظيم

"قوله تعالى: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} [سورة لقمان:17] يقتضي حضًّا على تغيير المنكر وإن نالك ضرر فهو إشعار بأن المغيِّر يؤذى أحيانًا، وهذا القدر على جهة الندب والقوة في ذات الله، وأما على اللزوم فلا، وقد مضى الكلام في هذا مستوفى في آل عمران والمائدة.."

أما على اللزوم فلا يعني إذا خشي الإنسان على نفسه من أثر الأمر والنهي فإنه يترخص، وينتقل إلى المرتبة التي تليها مما جاء به الحديث الصحيح، وأما من أراد أن يرتكب العزيمة وصبر واحتسب وصبر على ما ما جاءه من أذى فهذا لا شك أن أجره أجر عظيم، والعزائم في مثل هذه الأمور هي الأصل، لكن إذا ترخص الإنسان فله مندوحة.

"وقيل: أمره بالصبر على شدائد الدنيا كالأمراض وغيرها، وألا يخرج من الجزع إلى معصية الله- عز وجل-، وهذا قول حسن؛ لأنه يعم."

لكن ارتباطه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ظاهر {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [سورة العصر:3] فلا بد من الصبر والاحتساب في هذا الباب.

"الثالثة: قوله تعالى: {إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} [سورة آل عمران:186] قال ابن عباس من حقيقة الإيمان الصبر على المكاره، وقيل: إن إقامة الصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من عزم الأمور أي مما عزمه الله وأمر به، قاله ابن جريج، ويحتمل أن يريد أن ذلك من مكارم الأخلاق وعزائم أهل الحزم السالكين طريق النجاة، وقول ابن جريج أصوب.

 قوله تعالى: {وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [سورة لقمان:18]، فيه ثلاث مسائل:

 الأولى: قرأ نافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي وابن محيصن تصاعر بالألف بعد الصاد، وقرأ ابن كثير وعاصم وابن عامر والحسن ومجاهد تصعِّر، وقرأ الجحدري تصْعِر بسكون الصاد، والمعنى متقارب والصَّعَر الميل، ومنه قول الأعرابي:

وقد أقام الدهر صعري

 

بعد أن أقمت صعره

ومنه قول عمرو بن حنى.."

حُنَيِّن.

"قول عمرو بن حُنَيِّن التغلبي:

وكنا إذا الجبار صعَّر خده

 

أقدمنا له من مَيْله فتقوَّمِ

وأنشده الطبري: فتقوَّما، قال ابن عطية: وهو خطأ ؛لأن قافية الشعر مخفوضة، وفي بيت آخر:

أقمنا له من خده المتصعِّر

 

.........................

قال الهروي: ولا تصاعر أي لا تعرض عنهم تكبرًا عليهم، يقال: أصاب البعير صَعَر وصيَد إذ أصابه داء يلوي منه عنقه ثم يقال: للمتكبر فيه صعَر وصيَد، فمعنى {لا تُصَعِّرْ} [سورة لقمان:18] أي لا تلزم خدك الصعَر وفي الحديث «يأتي على الناس زمان ليس فيهم إلا أصعر أو أبتر»."

من رواه؟

طالب: ......

غيره؟

طالب: ......

طيِّب.. والأصعر.

"والأصعر المعرِض بوجهه كبرًا، وأراد رذالة الناس الذين لا دين لهم، وفي الحديث: «كل صعَّار ملعون»، أي كل ذي أبهة وكبر.

 الثانية: معنى الآية."

مخرَّج؟

طالب: ......

"الثانية: معنى الآية ولا تمل خدك للناس كبرًا عليهم وإعجابًا واحتقارًا لهم، وهذا تأويل ابن عباس وجماعة وقيل: هو أن تلوي شدقك إذا ذكر الرجل عندك كأنك تحتقره، فالمعنى أقبل عليهم متواضعًا مؤنسًا مستأنسًا وإذا حدثك أصغرهم فأصغ إليه حتى يكمل حديثه، وكذلك كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يفعل.

 قلت: ومن هذا المعنى ما رواه مالك عن ابن شهاب عن أنس بن مالك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تباغضوا ولا تدابروا ولا تحاسدوا، وكونوا عباد الله إخوانًا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث»، فالتدابر الإعراض وترك الكلام والسلام ونحوه، وإنما قيل للإعراض تدابر؛ لأن من أبغضته أعرضت عنه ووليته دبرك، وكذلك يصنع هو بك، ومن أحببته أقبلت عليه بوجهك وواجهته لتسره ويسرك، فمعنى التدابر موجود فيمن صعَّر خده، وبه فسَّر مجاهد الآية، وقال ابن خويزمنداد: قوله: {وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ} [سورة لقمان:18] كأنه نهى أن يذل الإنسان نفسه من غير حاجة ونحو ذلك روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «ليس للإنسان أن يذل نفسه»."

مخرج؟

طالب: ......

"الثالثة: قوله تعالى: {وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً} [سورة الإسراء:37] أي متبخترًا متكبرًا مصدر في موضع الحال، وقد مضى في سبحان، وهو النشاط والمشي فرحًا في غير شغل وفي غير حاجة، وأهل هذا الخلُق ملازمون للفخر والخيلاء، فالمرِح مختال في مشيته، روى يحيى بن جابر الطائي عن ابن عائذ الأزدي عن غظيف بن الحارث قال: أتيت بيت المقدس أنا وعبد الله بن عبيد بن عمير قال: فجلسنا إلى عبد الله بن عمرو بن العاصي فسمعته يقول: إن القبر يكلم العبد إذا وُضع فيه فيقول: يا ابن آدم ما غرك بي؟ ألم تعلم أني بيت الوحدة؟ ألم تعلم أني بيت الظمة؟ ألم تعلم أني بيت الحق؟ يا ابن آدم ما غرك بي؟ لقد كنت تمشي حولي فدادًا.

 قال ابن عائذ: قلت لغظيف: ما الفداد يا أبا أسماء؟ قال: كبعض مشيتك يا ابن أخي أحيانًا، قال أبو عبيد والمعنى ذا مال كثير وذا خيلاء وقال -صلى الله عليه وسلم-: «من جر ثوبه خيلاء لا ينظر الله إليه يوم القيامة»، والفخور هو الذي يعدِّد ما أُعطي ولا يشكر الله تعالى قاله مجاهد، وفي اللفظة: الفخر بالنسب وغير ذلك."

الفخر بأي سبب من الأسباب، وتفسير الفدَّاد بأنه صاحب الخيلاء الكبر والمشية مع التبختر النبي -عليه الصلاة والسلام- كما في الحديث «والكبر والفخر في الفدَّادين» يعني التواضع في رعاة الغنم والكبر في الفدَّادين رعاة الإبل وهكذا.

"قوله تعالى: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [سورة لقمان:19].

 فيه ست مسائل:

الأولى: قوله تعالى: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ} [سورة لقمان:19] لما نهاه عن الخلُق الذميم رسم له الخلُق الكريم الذي ينبغي أن يستعمله فقال: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ} [سورة لقمان:19] أي توسَّط فيه، والقصد ما بين الإسراع والبطء أي لا تدب دبيب المتماوتين، ولا تثب وثب الشطَّار، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «سرعة المشي تذهب بهاء المؤمن» فأما ما روي عنه -عليه السلام-.."

طالب: ......

نعم.

طالب: ............

واضح نعم.

"فأما ما روي عنه -عليه السلام- أنه كان إذا مشى أسرع، وقول عائشة في عمر- رضي الله عنهما-: كان إذا مشى أسرع فإنما أرادت السرعة المرتفعة عن دبيب المتماوت، والله أعلم، وقد مدح الله سبحانه من هذه صفته حسب ما تقدم بيانه في الفرقان."

يمشون على الأرض هونًا {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً} [سورة الفرقان:63].

"الثانية: قوله تعالى: {وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ} [سورة لقمان:19] أي انقص منه أي لا تتكلف رفع الصوت، وخذ منه ما تحتاج إليه، فإن الجهر بأكثر من الحاجة تكلف يؤذي، والمراد بذلك كله التواضع، وقد قال عمر لمؤذن تكلف رفع الأذان بأكثر من طاقته: لقد خشيت أن ينشق مريطاؤك، والمؤذن هو أبو محذورة سمرة بن مَعِيْر."

مِعْيَر.

"سمرة بن مِعْيَر، والمريطاء ما بين السرة إلى العانة.

 الثالثة: قوله تعالى: {إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [سورة لقمان:19] أي أقبحها وأوحشها، ومنه أتانا بوجه منكَر، والحمار مثل في الذم البليغ والشتيمة، وكذلك نهاقه، ومن استفحاشهم لذكره مجردًا أنهم كانوا يكنُّون عنه، ويرغبون عن التصريح فيقولون: الطويل الأذنين كما يكنى عن الأشياء المستقذرة، وقد عد في مساوئ الآداب أن يجري ذكر الحمار في مجلس قوم من أولي المروءة؛ استنكافًا وإن بلغت منه الرجلة، وكان -عليه الصلاة والسلام- يركبه تواضعًا وتذللاً لله تبارك وتعالى.

 الرابعة: في الآية دليل على تعريف قبح على تعريف قبح رفع الصوت في المخاطبة والملاحاة بقبح أصوات الحمير؛ لأنها عالية، وفي الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «وإذا سمعتم نهيق الحمير فتعوذوا بالله من الشيطان فإنها رأت شيطانًا»، وقد روي أنه ما صاح حمار ولا نبح كلب إلا أن يرى شيطانًا، وقال سفيان الثوري: صياح كل شيء تسبيح إلا نهيق الحمير، وقال عطاء: نهيق الحمير دعاء على الظلمة.

 الخامسة: وهذه الآية أدب من الله تعالى بترك الصياح في وجوه الناس تهاونًا بهم أو بترك الصياح جملة، وكانت العرب تفخر بجهارة الصوت الجهير وغير ذلك، فمن كان منهم أشد صوتًا كان أعز، ومن كان أخفض كان أذل حتى قال شاعرهم:

جهير الكلام جهير العطاس

 

جهير الرواء جهير النعم

ويعدو على الأيم عدو الظليم

 

ويعلو الرجل بخلق عمم

فنهى الله سبحانه وتعالى عن هذه الخلق الجاهلية بقوله: {إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [سورة لقمان:19] أي لو أن شيئًا يهاب لصوته لكان الحمار فجعلهم في المثل سواء السادسة."

يعني كون العرب يفتخرون بجهارة الصوت كان الصوت جهوريًّا؛ لأنه في الغالب مخالف لطبع من جُبل على الجبن، أو جُبل على الحياء أو الخجل، فالذي يخجل لا يستطيع أن يرفع صوته، والذي يرفع صوته قد برئ من هذا الخلق، لكن المسألة مسألة حاجة، يعني إن احتيج إلى رفع الصوت في خطابة أو نداء من لا يسمع فهو مطلوب وإلا فلا، والنبي -عليه الصلاة والسلام- إذا خطب اشتد صوته، ورفع صوته، واحمرَّ وجهه، وكان كمنذر الجيش يقول: صبحكم ومساكم، فالمسألة مسألة حاجة، وأما ما عدا ذلك فأنكر الأصوات صوت الحمير، والله المستعان.

"السادسة: قوله تعالى: {لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [سورة لقمان:19] اللام للتأكد، ووحد الصوت وإن كان مضافًا إلى الجماعة؛ لأنه مصدر، والمصدر يدل على الكثرة وهو مصدر صات يصوِّت صوتًا فهو صائت."

صات يصوْت.

"وهو مصدر صات يصوْت صوتًا فهو صائت ويقال: صوَّت تصويتًا فهو مصوِّت ورجل صات أي شديد الصوت بمعنى صائت كقولهم: رجل مال ونال أي كثير المال والنوال."

يُذكَر عن العباس بن عبد المطلب عم النبي -عليه الصلاة والسلام- أن صوته يبلغ تسعة فراسخ تسعة فراسخ ذكروا هذا في ترجمته، وذكره ابن حجر وغيره، لكن تسعة فراسخ، كم كيلو؟

طالب: .........

والله المسألة ما تسلم من.. أقول: من نكارة، أما مسألة الكيلو والكيلومترين فهي معروفة، كان المؤذنون يسمعون من على بعد كيلومترين أو أكثر قبل وجود هذه المؤثرات لا الأسباب التي تعين على رفع الصوت ولا الموانع التي تمنع من بلوغه يعني بالصوت العادي.

طالب: ............

الجمعة والله أنا متردد في سفر لست بجازم عليه، احتمال يعني ما أدري والله ماذا يصير؟ فما أدري ماذا تفعلون؟

طالب: ............

كيف يتأكد؟

طالب: .........

ما ودنا أن يتكلف الإخوان..

اللهم صل وسلم...

"