شرح الأصول الثلاثة (01)

الحمد لله الذي منَّ علينا وهدانا للإسلام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم ما تعاقب الليل والنهار، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

كم هي فرحتنا هذه الليلة وأنسنا وسعادتنا في محافظة بيشة قاطبة، ولو كان لمدينتنا لسان تتكلم به لقالت بلسان الحال أهلاً وسهلاً بأهل الجود والكرم، أهلاً وسهلاً بأهل الفضل والقلم، نسعد وإياكم في هذه الليلة ونأنس ونفرح بوجود صاحب الفضيلة معالي الشيخ الدكتور: عبد الكريم الخضير معنا في هذه الليلة فحياه الله ومرحبًا وأهلاً وسهلاً به، ونسأل الله- جل وعلا- بمنه وكرمه أن يجعل خطاه إلى هذه المحافظة وغيرها في موازين حسناته، نأنس وإياكم بأن ننهل من علمه، ونستأنس بفضله، ونفرح بلقياه، فأهلاً وسهلاً به ولا آخذ من وقته فأنتم في أشد الشوق إلى سماعه، ولا أنسى أن أرحب بصحبه الكرام الذين رافقوه فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بهم مأجورين موفقين مسددين، هذه الدورة العلمية التي سيكون فيها هذه الليلة وغدًا بإذن الله بعد صلاة المغرب ويوم الجمعة بإذن الله بعد صلاة العصر، فنسأل الله لشيخنا التوفيق والتسديد إنه سميع قريب.

وصلى الله على نبينا محمد.

الجمعة أيضا بعد المغرب

إخواننا فضيلة الشيخ يقول أن درس الجمعة سيكون بعد صلاة المغرب أيضًا.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فهذا الكتاب الذي هو موضوع هذه الدروس كتاب نفيس جدًا، وكان محل اهتمام وعناية من أهل العلم بل من عامة الناس، وكان الناس يقرؤونه في المساجد على الشيوخ بكثرة، وكان الولاة والعلماء يوجهون أئمة المساجد بإقرائه الناس وتوضيحه لهم، ثم بعد ذلك هؤلاء العامة يذهبون إلى بيوتهم فيلقنون نساءهم وذراريهم وهذا شيء أدركناه وأدركه من تقدمت به السن لأهميته؛ لأنه يبحث في أهم الأمور التي يُسأل عنها المسلم إذا وضع في قبره ولا يُسأل عن غيرها، فإن أجاب نجا وإن لم يجب هلك، والحديث بل الأحاديث في ذلك معروفة مشهورة، هذا الكتاب الذي ألفه الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب- رحمه الله- من أنفس كتبه، وكان مثل ما قلنا محل عناية من عامة الناس وخاصتهم، لكن لما فُتحت الدنيا على الناس منذ ثلث قرن رأينا الناس زهدوا فيه وتركوه أعني عامة الناس، وإلا فمازال هو المقرَّر لمادة التوحيد في الصفوف الأولى وإن لم يسمَّ بالأصول الثلاثة، المقصود أن محتواه موجود في الصفوف الأولى من المرحلة الابتدائية يعرفه الأطفال، لكن عامة الناس من عرفه منهم نسيه فالتذكير به من أهم المهمات، والإمام المجدد -رحمه الله- إنما ألف هذا الكتاب لصغار المتعلمين والعامة الذين لا يدركون تفاصيل العلم ودقائقه؛ ولذا من الحرج الشديد أن يشرح مثل هذا الكتاب بأسلوب علمي موسَّع يُذكر فيه الدقائق وينقل فيه ما قاله أهل العلم في مسائله وأدلته؛ لأنه ألف ابتداء للصغار، لكن الإشكال في أن الحضور في هذه الدورة فيهم المتوسطون، وفيهم طلاب العلم، وفيهم من هم فوق ذلك، ولا بد من مخاطبتهم على مستواهم.

أعود فأقول أن الشرح لهذا الكتاب أولاً الوقت لا يُسعف للتفصيل أو التفصيل في جميع مسائل الكتاب وبيان أدلته ومقصد الشيخ منها ثلاثة دروس لا تكفي، الأمر الثاني: أن الإجمال في شرح هذا الكتاب لأنه ألف لصغار المتعلمين لا يناسب أكثر الحضور؛ لأن أكثر الحضور طلاب علم يعرفون مثل هذه الأمور الإجمالية ويريدون التفاصيل، والإشكال في الموضوع أنني لا أعرف أن أتعامل مع صغار الطلاب إلا بمشقة شديدة؛ لأن الحضور في الغالب كبار ويحتاجون خطابًا على مستواهم، فلعلنا نوفَّق للتسديد والمقارَبة في إيصال المعلومة إلى الصغير والمتوسط ولا يحرم الكبير إن شاء الله تعالى.

يقول الإمام المجدد- رحمه الله- في هذا الكتاب النفيس وجميع مؤلفاته- رحمه الله تعالى- في غاية الأهمية لطلاب العلم لاسيما ما يتعلق منها بالعقائد وتقرير الأصول التي يبنى عليها دين الإسلام، عنوان الكتاب ثلاثة الأصول وأدلتها، وفي بعض النسخ: الأصول الثلاثة وأدلتها هل هناك من فرق بين العنوانين؟ ثلاثة الأصول والأصول الثلاثة؟ الأصول الثلاثة الأصول معروف أنه إما خبر لمبتدأ محذوف والثلاثة صفتها، وأدلتها معطوفة عليها، ثلاثة الأصول كذلك، لكن ثلاثة مضاف والأصول مضاف إليه، أيهما أولى أن نقول الأصول الثلاثة وأدلتها أو ثلاثة الأصول وأدلتها؟ لا شك أن الأصول الثلاثة معرفة بأل وثلاثة الأصول معرفة بالإضافة فالفرق يسير، لكن ثلاثة الأصول من إضافة الشيء إلى ماذا؟ أو إلى نفسه؟ لأن الثلاثة هي الأصول في هذه الحالة الإضافة تفيد التعريف؟ أين الذي طبع هذه النسخة ؟ لنرى ما اعتمد عليه لمَّا سمى الكتاب ثلاثة الأصول، الذي طبعها الشيخ عوض معنا؟ موجود؟ علام اعتمدت يا شيخ؟

طالب: ...............

كتب ثلاثة الأصول يعني ما وقفت على نسخة أقدم مما اعتمد عليه ابن قاسم؟ أو ما لفت العنوان انتباهك؟

طالب: ...............

لكن المحتوى بين ثلاثة الأصول والأصول الثلاثة واحد.

طالب: ...............

الذي معنا الأصول الثلاثة ما فيه شيء نفس الذي عندك لعل عدم التدقيق في العنوان؛ لأن أثره قليل.

طالب: ...............

ما هو؟

طالب: ...............

هذا الأصول الثلاثة وأدلتها موجود، على كل حال التدقيق في العنوان لا يهتم به من قبل المحققين؛ لأن أثره في الواقع العملي ضعيف، سواء قلنا ثلاثة الأصول وعرفناها بالإضافة أو قلنا الأصول الثلاثة وعرفناها بأل الأمر سهل، لكن يبقى أن المعوَّل عليه والمردود إليه هو ما كتبه الشيخ رحمه الله بيده وإذا وقفنا على نسخة بهذا أو ذاك تعين التزامها.

طالب: ...............

يقول المؤلف- رحمه الله تعالى-: بسم الله الرحمن الرحيم اعلم رحمك الله" ابتدأ المؤلف بالبسملة واقتصر عليها دون الحمدلة، والاكتفاء بالبسملة كافٍ وإن كان الجمع بينهما أولى، والتثليث بالصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- هو الأكمل، لكن هذه رسالة مختصر جدًا موجهة إلى فئة معينة يستهدف بها العامة ليحفظوها فتجريدها من الزوائد يعين على الحفظ، واكتفى بالبسملة والقرآن الكريم مفتتح بها، ورُسلُه -عليه الصلاة والسلام- ورسائله -عليه الصلاة والسلام- مفتتحة بها، والقرآن افتتح بالحمدلة، وخلت رسائله -عليه الصلاة والسلام- من الحمد وإن اشتملت عليها خطبه -عليه الصلاة والسلام- والصلاة عليه -عليه الصلاة والسلام- من أفضل الأعمال، ومن صلى عليه واحدة صلى الله عليه بها عشرًا، فالجمع بين الأمور الثلاثة هو الأكمل والأولى، وكأن الشيخ جعل هذا كأنه رسالة والرسائل لا تفتتح إلا بالبسملة فقط، لم يجعله على أنه كتاب فيحتاج إلى خطبة تفتتح بالبسملة والحمدلة والصلاة عليه -عليه الصلاة والسلام- صحيح البخاري على كِبَرِه وسعته ليس في أوله حمدلة؛ لأنه جعله بمثابة الرسالة والرسائل لا يحتاج فيها إلى الحمدلة، الحديث الوارد بألفاظ متعددة «كل أمر ذي بال لا يبدأ بحمد الله فهو أبتر» وفي رواية: ببسم الله، وفي رواية: بذكر الله، وفي رواية: وبالصلاة عَلَيّ وهو أقطع، وفي رواية: أجذم، هذا الحديث حَكم عليه بعض أهل العلم بالضعف بجميع طرقه وألفاظه، وحسّن النووي وابن الصلاح لفظ الحمد «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله» وسواءً ثبت الحديث أو لم يثبت فالقدوة إنما هي بكتاب الله- جل وعلا- المفتتح بالبسملة والحمدلة معًا، ومن ضلال الرأي أن يظن ظانٌّ أن هذه الأمور لا تشرع؛ لأن الحديث بجميع طرقه وألفاظه لا يثبت، حتى قال من قال كانت الكتب التقليدية تبدأ بالبسملة والحمدلة، وفي حد زعمه أن الحديث ما ثبت، إذًا كيف نثبت شيئا وحديثه ما ثبت؟! القرآن، وخُطب النبي -عليه الصلاة والسلام- ورسائله إلى الأمصار فيها بسملة، والخطب فيها حمدلة كلها ذكر مما يطلب من المسلم أن يكون لهجا به، لسانه رطبا به أيضًا، المؤلف- رحمة الله عليه- لم يقل أما بعد كما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يستعملها في خطبه ورسائله أيضًا، ومثل ما ذكرنا أن هذا من باب الاختصار؛ لأن هذه رسالة موجزة، وقد يكون أصلها في ورقة وجِّهت إلى الأقطار ليتعلم عليها الناس ما يجب عليهم بل أول ما يجب عليهم، فكُتبت من قِبَل الشيخ ووزعها على أنها خطاب للناس ليست على سنن المؤلفات، قال- رحمه الله- "اعلم رحمك الله أنه يجب علينا تعلم أربع مسائل" اعلم هذا أمر وهو أمر من مخلوق لا يفيد الوجوب وإنما يفيد التنبيه والاهتمام، إنما يؤخذ الحكم من قوله رحمه الله "أنه يجب علينا" يجب، والواجب ما يثاب فاعله ويأثم تاركه، بل المسلم يتعيَّن عليه أن يعرف هذه المسائل؛ لأنه بأمس الحاجة إليها وهي الأصول التي يبنى عليها الدين كله، بل هي الدين كله والباقي فروع عنه "اعلم رحمك" الله الشيخ- رحمه الله- يستعمل الدعاء رحمك الله، أرشدك الله، وهذا من شفقته على المتعلمين، مع أنه جاء في الخبر أن من دعا لأحد فليبدأ بنفسه لكن المؤلف- رحمه الله- لما قال: اعلم رحمك الله وهو يدعو لجنس المتعلمين؛ لأنه لا يدعو لشخص واحد وإن كان المخاطب واحدا لكنه يدعو لجنس المتعلمين، وكم من متعلم يقرأ هذا الكتاب ويدخل تحت هذه الدعوة، وكم للشيخ- رحمه الله- من قول الملائكة ولك بمثله رحمة الله عليه "اعلم رحمك الله أنه يجب علينا يجب علينا تعلم أربع مسائل" تعلم أربع مسائل أجملها رحمه الله ثم استدل لها "الأولى العلم" اعلم تعلُّم العلم ثلاثة ألفاظ من مادة واحدة وهذا يبين أهمية تعلم العلم وتعليمه والعلم الأصل فيه أنه ما لا يحتمل النقيض "العلم وهو معرفة الله ومعرفة نبيه ومعرفة دين الإسلام بالأدلة" العلم بمعرفة الله، العلم بمعرفة نبيه ودين الإسلام لا يقبل الشك ولا يحتمل النقيض، بل لا بد أن يكون يقينيًّا جازمًا وقسيمه الظن الذي هو الاحتمال الراجح، والشك الذي هو الاحتمال المساوي، والوهم الذي هو الاحتمال المرجوح، ويقابله الجهل وهو عدم العلم بالكلية، وهو الذي يسمونه الجهل البسيط، أو الجهل علم الشيء على خلاف ما هو عليه في الواقع وهو الجهل المركَّب، العلم وهو معرفة الله، يعني العلم بهذه الأمور معرفة الله وبمعرفة نبيه وبمعرفة دين الإسلام بالأدلة، وسيأتي تفصيل العلم بهذه الأمور الثلاثة التي هي معرفة الله ومعرفة نبيه ومعرفة دين الإسلام، والعلم لا يكون إلا عن طريق الأدلة من الكتاب والسنة.

العلم قال الله قال رسوله

 

قال الصحابة هم أولوا العرفان

هذا هو العلم وليس العلم الذي يؤخذ من غير هذه المصادر، بُني على هذه المصادر أصول أخرى مثل الإجماع المستند إلى الكتاب والسنة، ومثل القياس المردود إليهما، فالمعوَّل في الأصل على الكتاب والسنة، وعمِل أهل العلم بالإجماع لأنه لا بد أن يستند على نص من الكتاب والسنة، وعمِل جمهور أهل العلم بالقياس لأنه لا بد أن يكون للفرع المقيس أصل مستنِد إلى الكتاب والسنة، فلا بد أن يكون العلم مقرونًا بالأدلة، وإذا خلا ما يسمى بعلم من الأدلة فليس بعلم في الواقع، ونقل ابن عبد البر الإجماع على أن المقلِّد ليس من أهل العلم ولو حفِظ المسائل دون معرفة لأدلتها وكيفية التعامل مع هذه الأدلة بالطرق المعتبرة عند أهل العلم، الثانية "المسألة الثانية العمل به" العمل بالعلم فلا فائدة لعلم لا يُعمَل به، يُعطَّل فضلاً عن أن يخالَف وهذا في الحقيقة وإن سمي في عرف الناس علم لكنه جهل سواء خلا عن العمل أو عُمل بخلاف مقتضاه، فالعاصي جاهل ولو عرف المسائل، ولو عرفها بأدلتها جاهل ما لم يعمل بمقتضى هذا العلم، فالذي يعرف أن الربا حرام ويأكل الربا لا نسميه عالما ولو عرف الأدلة هذا جاهل، وقل مثل هذا في جميع الذنوب والمعاصي {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ} [سورة النساء:17] حصر التوبة فيمن يعمل السوء بجهالة مقتضاه أن الذي يعلم ما له توبة، وهل قال أحد من أهل العلم أن الزاني ليست له توبة؟ الذي يعرف الحكم بدليله يعرف أن الخمر حرام ويقرأ القرآن ويقرأ السنة وفيها الأدلة ويعرف ذلك، وقد يكون منتسبًا لطلب العلم، وقد يكون موصوفًا بالعلم ثم يفعل هذه المخالفات هذا جاهل، وإلا للزم على ذلك أن توبته غير مقبولة ولم يقل بذلك أحد من أهل العلم، توبته مقبولة إلا أنه في حقيقة الأمر جاهل وإن عرف هذا الحكم وعرف دليله لكنه خالفه لماذا؟ لأن العمل هو الثمرة وإلا فمجرد العلم الخالي عن العمل المجرد عن العمل إنما هو وبال على صاحبه وحجة عليه، فإذا تعلّم الإنسان ثم عمل بما علم ثم دعا إلى ما علم والدعوة أعم من أن تكون بالخطب والمواعظ بل تكون بالتعليم كما تكون بالقدوة الحسنة الصالحة، فمن علم وعمل وعلَّم ودعا فإن هذا هو الذي يستحق أن يكون عالمًا ربانيًا، فالعالم الرباني هو الذي يتعلم العلم ثم يعمل به ثم يعلِّمه الناس، قال ابن عباس: هو الذي يعلم الناس بصغار العلم قبل كباره، يبدأ مع الناس بالتدريج؛ لأن العلم لا يؤخذ إلا بهذه الطريقة. "الدعوة إليه" والنشر للعلم سواء كان عن طريق التعليم أو كان عن طريق التأليف أو كان عن طريق إمامة الناس في الصلاة وتذكيرهم وتوجيههم بعدها على وجه لا يمل الناس ولا ينفرهم كل هذه دعوة، ولا تخص الدعوة بأسلوب أو بطريقة عرفها الناس اليوم، وجردوا نشر العلم بالطرق الأخرى عن مسمى الدعوة، وانتقد بعضهم أن يُسمى شيوخنا الكبار دعاة، منهج الشيخ ابن باز في الدعوة، منهج الشيخ ابن عثيمين، قال هؤلاء ليسوا دعاة، هؤلاء علماء، من الدعاة إن لم يكونوا هم العلماء؟! هم الذين يدعون الناس بأقوالهم وأفعالهم، هذا فهم ترتب على ما انتشر وشاع في عصرنا مما لم يعرف في عصور مضت من تخصيص وتقسيم الوظائف على قضاة وعلى معلمين وعلى دعاة وعلى وعاظ مرشدين وعلى هيئات وحسبة التخصيص هذا من أجل حصر هذا العمل وكل يقوم بما أُلزم به، ولا يعني أنه لا يزاول الأعمال الأخرى، وإلى وقت قريب كان القاضي في البلد هو القاضي، وهو المعلِّم، وهو الداعية، وهو رجل الحسبة، وهو كل شيء، لكن تخصيص هذه الأعمال وإناطتها بأفراد معينين لكل عمل ناس مخصصون هذا من باب حصر الأمور وضبط الأمور، وإلا لا يعني أن الإنسان إذا عُيِّن داعية لا يعلم الناس، أو عين معلِّما لا يعظ الناس ولا يذكِّر الناس، أو عين قاضيا يقول ما لي إلا القضاء هذا ليس بصحيح، خطاب الشرع يتجه إليك في كل ما يمكن أن تدخل فيه "الدعوة إليه" الدعوة شأنها عظيم {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [سورة فصلت:33] ولا يتسنى لكل شخص أن يدعو بما شاء إنما لا بد أن يدعو بعد أن يعلم وبعد أن يعمل {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [سورة يوسف:108] لكن لا يعني أن يكون هذا الداعي وهذا المعلم وهذا الموجه معصوم لا، ما قال أحد بهذا ولا عصمة إلا للأنبياء، إنما عليه أن يسعى في خلاص نفسه ثم بعد ذلك يدعو غيره لهذا الخلاص، العالم العامل الداعي إلى الله سواء كان داعية أو آمرا بمعروف أو ناهيا عن المنكر أو معلما أو ما أشبه ذلك من الفئات الذين يصادمون رغبات الناس لا بد أن يتعرَّض لشيء من الأذى؛ ولذا قال- رحمه الله- في المسألة "الرابعة الصبر على الأذى فيه" يعني في هذا السبيل الناشئ عن المسائل المتقدمة لا بد أن يحصل {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [سورة الأحقاف:35] {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} [سورة الزمر:10] فبعض الناس إذا تعرض لأدنى أذى ترك هذا محروم والله -جل وعلا- يقول {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ} [سورة آل عمران:200] والنتيجة {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [سورة البقرة:189] لا بد من هذه الأمور الأربعة اصبر وصابر ورابط يعني لازم الأمر ولا تكن ممن يعبد الله على حرف إن أصابته فتنة انقلب على وجهه ترك لا، يصبر، بل لا بد من الصبر والاحتساب والثواب من الله- جل وعلا-، شخص من الدعاة الحريصين على الخير ونشره وبذله والداعين إليه والساعين في الأعمال الخيرية تبنّى مشروع وقف كبير، فذهب إلى التجار يجمع منهم ما يُبنى منه هذا الوقف وجمع ما تيسر وذهب إلى تاجر كبير جدًا يستطيع أن يغطي هذا الوقف كاملاً ولا يؤثِّر في تجارته، فلما حدثه عن هذا الوقف ماذا كان الرد؟! تفل في وجهه، ماذا صنع هذا الداعي؟ قال: لا فائدة من الوقف الذي يعرِّضنا للإهانة لا، مسح وجهه وقال: جزاك الله خيرًا هذا لي فما للأيتام؟! هذا نصيبي منك جزاك الله خيرا ويحتسب أجره عند الله-جل وعلا-هو غير خاسر، لكن مَن يُلقّى مثل هذا الأمر، الآن استوفيت حقي، طيب حق الأيتام؟! التاجر راجع نفسه عندما رأى الصبر إلى هذا الحد فأعطاه مبلغًا يغطي نصف الوقف، الصبر لا بد منه، والواحد منَّا إذا سمع كلمة فيها شيء من الغضاضة عليه ترك، والترك في جميع أبواب الخير ليس بعلاج، ترك متابعة العمل لأنه لم يجد نتائج ولا لمس استجابة هذا ليس بحل، بعض الناس يقول دعوت دعوت إلى متى؟ ما استجاب أحد! أو يقول أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر ولا أحد يستجيب يصل إلى حد اليأس هذا ليس بعلاج؛ لأنه ليس عليك إلا بذل السبب النتيجة بيد الله- جل وعلا- الثواب مرتَّب على بذل السبب، وإذا استصحب الإنسان أن النبي يأتي وليس معه أحد ما استجاب أحد، كم استجاب لنوح في مدة تقرب من ألف عام؟ تسعمائة وخمسون سنة، أقرب الناس إليه لم يستجيبوا له، لكن هل نكص على عقبيه؟ قال والله ما وجدنا استفادة من الناس ولا استجابة؟ لا، عليك أن تبذل ما تستطيع ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، أما النتائج بيد الله- جل وعلا- وبعض الإخوان في الهيئة في الحسبة دب إلى بعضهم اليأس ويقول خلاص والله الناس لا يستجيبون، الشرور تزيد ونحن نتعرض لابتلاء، أصيب من أصيب، وقتل من قتل وفي النهاية الناس لا يستجيبون لا، أنت في جهاد، واليوم هذا هو الجهاد المتاح فالزمه والنتيجة ليست إليك حسب استطاعتك، أنكر وأبشر بالثواب من الله- جل وعلا- الصبر على الأذى فيه {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا} [سورة فصلت:35] "والدليل قوله تعالى" يستدل الإمام المجدد- رحمه الله- على ما ذكر بالقرآن؛ لأنه قال: "العلم وهو معرفة الله ومعرفة نبيه ومعرفة دين الإسلام بالأدلة" يعني لو لم يستدل الشيخ وذكر لنا هذه الأمور المجملة وما استدل يكون ما امتثل قوله بالأدلة، فهو يمتثل ما يوجه إليه -رحمه الله تعالى- "والدليل قوله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم {وَالْعَصْرِ} [سورة العصر:1]" سور القرآن كلها مفتتحة بالبسملة سوى براءة، والعلماء يختلفون في البسملة هل هي آية من كل سورة؟ بعد إجماعهم على أنها آية في سورة النمل، وأنها ليست بآية في سورة براءة، ويختلفون فيما عدا ذلك، والذي يرجحه شيخ الإسلام وهو قول معروف عند أهل العلم أنها آية واحدة نزلت للفصل بين السور، فليست بآية من كل سورة، وليست غير آية في جميع القرآن " بسم الله الرحمن الرحيم {وَالْعَصْرِ} [سورة العصر:1]"  الواو قسم، والعصر مقسم به مجرور، والعصر يختلف فيه أهل العلم: منهم من يقول الدهر كله، ومنهم من يقول العصر عمر الإنسان، ومنهم من يقول العصر ويُقصد به الوقت الذي بين الظهر والمغرب، وهذه السورة سورة عظيمة ولها شأن عند الصحابة لقد كانوا يقرؤونها إذا اجتمعوا وهي سورة كما سيأتي في كلام الشافعي أن الله لو ما أنزل حجة على الخلق إلا هذه السورة لكفتهم "{وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [سورة العصر:1-3]" الرازي ذَكر في تفسير السورة أن امرأة زنت في عصر النبي -عليه الصلاة والسلام- ثم حبلت فلما وضعت قتلت الولد فندمت، وجاءت في أسواق المدينة تسأل عن النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال لها «لعلكِ ما صليتِ العصر» العصر صلاة العصر لها شأن وهي إحدى البَردَين وهي الصلاة الوسطى وفضلها ثابت بالكتاب والسنة، لكن هذا الحديث الذي ذكره الرازي لا يُعرف عند أهل العلم ولا أصل له بل هو موضوع مختلَق مكذوب؛ ولذا لما ذكره الألوسي في تفسيره قال ذكره الإمام في تفسيره، الإمام لقب للرازي يتداوله العلماء لاسيما من الشافعية والأصوليين وبعض المفسرين يلقبونه بالإمام، قال: ذكره الإمام في تفسيره ولعمري أنه إمام في معرفة ما لا يعرفه أهل الحديث من الآثار! هذا مدح أو ذم؟! ذم شديد، ولعمري أنه إمام في معرفة ما لا يعرفه أهل الحديث، الذي لا يعرفه أهل الحديث ليس بحديث مكذوب {وَالْعَصْرِ} [سورة العصر:1] يقسم الله -جل وعلا- بالعصر {إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [سورة العصر:2] الإنسان الجنس، جنس الإنسان، و(ال) هذه للجنس والاستغراق {لَفِي خُسْرٍ} [سورة العصر:2] لفي خسارة و(ال) قد تأتي للجنس والاستغراق والعموم والشمول، وتأتي أحيانًا للعهد لكن ما الذي يبين لنا أنها للعموم والشمول الاستثناء {إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا} [سورة الشعراء:227] إلا من استثني ممن اتصف بالإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر، فالناس كلهم الأصل فيهم الخسار {إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [سورة العصر:2] من يخرج من هذا الوصف من استثني {إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [سورة الشعراء:227] فالإيمان لا بد منه ولا يصح شيء بدونه، لا يصح شيء بدون الإيمان وهو الإقرار باللسان والاعتقاد بالجنان والعمل بالأركان، وعطف العمل عمل الصالحات من باب عطف الخاص على العام للاهتمام بشأن الخاص والعناية به قال {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ} [سورة البقرة:25] لا بد من العمل وهو شرط من شروط الإيمان شرط صحة، والمراد بذلك جنس العمل، ومنهم من يسميه ركنا، وعلى كل حال لا يصح إيمان بدون عمل {وَتَوَاصَوْا} [سورة البلد:17] فيما بينهم تواصوا بالحق وهو الدعوة في المسألة الثالثة {وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [سورة البلد:17] وهذا دليل المسألة الرابعة الصبر على الأذى فيه يقول الإمام الشافعي رحمه الله" ثالث الأئمة الأربعة محمد بن إدريس، سبقه الإمام أبو حنيفة أولهم، ثم الإمام مالك، ثم الإمام الشافعي، ورابعهم الإمام أحمد، الإمام محمد بن إدريس الشافعي مولود بغزة سنة خمسين ومائة، السنة التي مات فيها أبو حنيفة وتوفي بمصر سنة أربع ومائتين، هذا الإمام الذي ملأ الدنيا علمًا وانتشر أتباعه في الآفاق على مر العصور والأزمان عاش أربعا وخمسين سنة، الذي يقرأ في طبقات الشافعية وينظر انتشارهم الواسع في الآفاق يقول هذا لو يمكن عُمِّر ألف سنة فبصعوبة يجمع هؤلاء الطلاب!! أربع وخمسون سنة؟! لكنها البركة بركة العلم والتعليم والعمل مع الصدق والإخلاص والله المستعان، "قال الإمام الشافعي- رحمه الله تعالى- هذه السورة" يعني سورة العصر "لو ما أنزل الله حجة على خلقه إلا هي لكفتهم" هل معنى هذا أنه يمكن لمسلم أن يحفظ هذه السورة ويفهم هذه السورة ويكتفي بها عن غيرها؟ هذه السورة لها متطلبات، من متطلباتها الإيمان، إلا الذين آمنوا لا بد أن يكون مؤمنا، ومن متطلباتها العمل عمل الصالحات، ومن متطلبات ذلك التواصي والصبر فشملت الدين كله "لو ما أنزل الله حجة على خلقه إلا هذه السورة لكفتهم، وقال الإمام البخاري رحمه الله بابٌ العلم قبل القول والعمل العلم" قبل القول والعمل، المسألة الأولى العلم، المسألة الثانية العمل هل يصح العمل بدون علم؟! كيف تعمل؟! كيف تصلي؟! وأنت لا تعرف كيف تصلي؟! الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: «صلوا كما رأيتموني أصلي» هذا يصلي على غير هدى لا يعرف شيئا والعلم كما يكون بمعرفة الأدلة وتعلمها وتصورها وهذا لا شك أنه الأكمل في حق من طلب العلم وصار من أهله وعامة الناس يتعلمونها بالمشاهَدة بالرؤية لأهل العلم ويصلُّونها على وجه يقرب من الكمال ويبعد على حسب اهتمام هؤلاء الأشخاص، وإلا فالصلاة عمود الدين لا بد من الاهتمام من شأنها والعناية بها فلا بد أن يتقدم العلم ليصح العمل، ولا بد أن يتلوه العمل لئلا يكون وبالاً على صاحبه، بابٌ العلم قبل القول والعمل، القول من العمل عمل اللسان، فيبدأ بالعلم ثم يعلم الناس، يعمل بنفسه ويعلّم غيره "والدليل قوله تعالى {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ} [سورة محمد:19]" اعلم أنه لا إله إلا الله هذا أمر والأمر للوجوب، وفي أهم المهمات الشهادة التي لا يدخل الإنسان الدين إلا بها، ولا بد من تعلمها ومعرفة معناها والعمل بمقتضاها والحذر والبعد عن كل ما ينافيها ويناقضها {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ} [سورة محمد:19] ثم بعد ذلك القول {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ} [سورة غافر:55] اطلب المغفرة من الله- جل وعلا- {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ} [سورة محمد:19] "فبدأ بالعلم" يقول الشيخ "قبل القول والعمل" البخاري ترجم بقوله "بابٌ العلم قبل القول والعمل والدليل قوله تعالى {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ} [سورة محمد:19] فبدأ بالعلم" انتهى كلام البخاري كمَّله الشيخ- رحمه الله- مما استفاده من الترجمة "بابٌ العلم قبل القول والعمل" قال "فبدأ بالعلم قبل القول والعمل" يقول الإمام البخاري رحمه الله تعالى "بابٌ العلم قبل القول والعمل "لقول الله تعالى {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ} [سورة محمد:19] فبدأ بالعلم" الشيخ- رحمه الله- أكمل "فبدأ بالعلم قبل القول والعمل" وليس من كلام البخاري قبل القول والعمل وإنما هو من كلام الإمام المجدد صاحب الكتاب، والإمام المجدد إنما أخذه من الترجمة، البخاري قال بابٌ العلم قبل القول والعمل لقوله تعالى {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ} [سورة محمد:19] ليس في البخاري واستغفر لذنبك، يعني اقتصر على أول الآية وكمّل الإمام المجدد {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ} [سورة غافر:55] يقول البخاري فبدأ بالعلم، قال الإمام المجدد: قبل القول والعمل، والبخاري قد يقتصر على جزء من الآية أو جزء من حديث، وما يريده- رحمه الله- من إيراد الآية هو ما بعدها في تكميلها؛ لأنه لا يتم الاستدلال للمؤلف- رحمه الله- للبخاري إلا إذا قرنا العلم والاستغفار ليتضح تقديم العلم على القول والعمل، لكن عادته- رحمه الله- جرت بذلك أنه لا يكمل اعتمادًا على معرفة القارئ وليجتهد ويتمم ما نقص؛ لأن بعض طلاب العلم يثير إشكالا هنا يقول: كيف يقول البخاري فبدأ بالعلم قبل القول والعمل والبخاري ليس فيه هذا؟ ثم تبحث في جميع النسخ والروايات ما تجد هذا الكلام، نقول الشيخ- رحمه الله- أكمل ما يُحتاج إليه من الآية وأكمل ما يُحتاج إليه من الكلام من باب التوضيح وما جاء به من كيسه وإنما استنبطه من الترجمة بابٌ العلم قبل القول والعمل فلا تثريب على الشيخ- رحمه الله- أيضًا قوله باب العلم قبل القول والعمل والدليل قوله تعالى يقول: قال البخاري- رحمه الله- باب العلم قبل القول والعمل والدليل قوله تعالى، البخاري ليس فيه والدليل إنما قال لقوله تعالى والأمر في هذا سهل لقوله تعالى أليس هذا استدلال؟ هذا استدلال من البخاري- رحمه الله- كأنه قال الدليل على ذلك قوله تعالى.

المؤذن يؤذن.

هذا الاختلاف الذي أشرنا إليه بين كلام الإمام المجدد وبين ما في الأصل من صحيح البخاري هذا لا شك أنه لا يؤثر، وأما زيادة الكلام فهو مأخوذ من الترجمة، وقوله والدليل لا يختلف مع قول الإمام البخاري لقوله تعالى ولعل الإمام المجدد- رحمه الله- اعتمد على ما في حفظه فهو يحفظ من السنة الشيء الكثير، الذي في البخاري يقول بابٌ العلم قبل القول والعمل، نكمل كلامه لأهميته في الباب وفي الموضوع الذي نتحدث فيه لقوله تعالى {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ} [سورة محمد:19] فبدأ بالعلم يعني قبل القول والعمل، مثل ما ترجم- رحمه الله- وأن العلماء هم ورثة الأنبياء ورّثوا العلم من أخذه أخذ بحظ وافر، يعني من هذا الإرث وهذه التركة ومن سلك طريقًا يطلب فيه علمًا سهل الله له طريقًا إلى الجنة «ومن سلك طريقًا يطلب به علمًا سهل الله له طريقًا إلى الجنة» يعني تسهيل الطريق مرتَّب على مجرد سلوك السبيل، ما رُتِّب على بلوغ غاية العلم أو إدراك العلم، تسهيل الطريق إلى الجنة بمجرد سلوكك هذا الطريق، لو ما أدركت علما ولو ما حصلت علما لكن من أدرك العلم وحصَّل العلم وعمل به وأخلص فيه لله وتعلمه لله وعلَّمه لله هذا منزلته غير {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [سورة المجادلة:11] نتصور درجات هي مثل درجاتنا التي نصعد عليها؟! درجة لا تزيد على شبر؟! لا، درجات الجنة وكم بين الدرجة والدرجة من درجات الجنة شيء لا يقدر قدره إلا الله- جل وعلا- هذا من حصَّل، أما من سلك الطريق وما حصل علما هذا سهَّل الله له به طريًقا إلى الجنة؛ لأن بعض الناس يحضر الدروس ومعه كتب ومتحمس وجاء برغبة ومخلص في ذلك لكن تركيبه لا يساعده على التحصيل، تجد الحافظة ضعيفة والفهم ضعيف، يجلس يوما، يومين، أسبوعا، شهرا، ثم يراجع نفسه ماذا استفدت من الحضور؟! إذا راجع نفسه يقول ما وجدت شيئا خلاص هذا تعب ليس من ورائه أرَب، نقول هذا ليس بصحيح، أنا أدركت شخصا يتردد على المشايخ وعمره يزيد على الثمانين ويطلب العلم منذ سبعين سنة وما أدرك شيئا يذكر وإلى أن مات وهو يطلب العلم -رحمه الله-ما أدرك شيئا، لكن يكفيه هذا الوعد أليس الغاية الجنة؟! إذا سلمت من النار ودخلت الجنة لو ما أدركت منازل العلماء والشهداء {فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} [سورة آل عمران:185] يكفيه أن الله سهل له طريقا إلى الجنة، والرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: «إنما أنا قاسم والله المعطي» «من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين» «إنما أنا قاسم والله المعطي» أنا أبلغكم العلم ولا أغرس العلم في قلوبكم، الله هو المعطي- جل وعلا- وقال- جل ذكره- {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [سورة فاطر:28] حصر للخشية في العلماء فدل على أن من لا يورثه علمه الخشية لله- جل وعلا- فإن هذا في الحقيقة ليس بعلم، فالعلم النافع الذي تترتب عليه آثاره في الدنيا والآخرة هو العلم المورِث لخشية الله- جل وعلا- وقال {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ} [سورة العنكبوت:43] يعني الأمثال {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ} [سورة العنكبوت:43] أمثال القرآن على المسلم لاسيما طالب العمل أن يهتم بها ويفهمها ويعقلها ليدخل في هذا الوصف الشريف {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ} [سورة العنكبوت:43] {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [سورة الملك:10] نسأل الله العافية وهذا وصف الكفار والمنافقين، تجد المنافقين يحضرون يصلون مع الناس ويسمعون من النبي -عليه الصلاة والسلام- لكن إذا خرجوا من عنده سأل بعضهم بعضًا ماذا قال آنفًا ما يعقلون و{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [سورة الزمر:9] هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون؟ لا يستوون، وجاء هذا بعد مدح قيام الليل وأهله {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [سورة الزمر:9] فدل على أن الذي لا يعمل بعلمه ومن ذلك قيام الليل لا يستحق أن يسمى عالِما، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- «من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين» لكن هل من مقتضى هذا الحديث أن من لا يتفقه في الدين أراد الله به شرًا أو لم يرد الله به خيرًا ولو لم يرد به شرًا؟ لأنا نرى من عوام المسلمين من فيه خير كثير، حباه الله بالأموال الطائلة وسخَّر هذه الأموال في نصر الدين ونفع المسلمين هذا أراد الله به خيرا أو ما أراد الله به خيرا؟ من هذا الباب أراد الله به خيرا ولم يرد به شرًا، فقوله «من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين» ليس مفهومه أن كل من لم يفقه أراد الله به شرًا، وإنما أراد الله به خيرا من وجوه أخرى، وإنما العلم بالتعلم، نعم العلم بالتعلم ليس فيه إلهام أو كما يدعي الصوفية علم لَدُنِّي ينام الجاهل ثم يصبح عالِما أو ينام في المكتبة كما ذُكِر عن بعضهم ينام في مكتبة فإذا أصبح فإذا بجميع الكتب في صدره مكتبة كبيرة؟! إنما العلم بالتعلم، وقال أبو ذر: لو وضعتم الصمصام على هذه وأشار إلى قفاه يعني على رقبته يعني لو وضعتم السيف على رقبتي ثم ظننت أني أنفذ كلمة سمعتها من النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل أن تجيزوها علي لأنفذتها قبل أن تجيزوها يعني الصمصامة على رقبته، يعني قبل أن يقتل لأنفذها امتثالاً لأمره -عليه الصلاة والسلام- بتبليغ العلم، وقال ابن عباس: كونوا ربانيين حلماء فقهاء، ويقال الرباني الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره، الرباني الذي يبدأ بالعلم بالتدريج؛ لأنه لا يمكن أن ينال العلم إلا بهذه الطريقة، العلم مثل البنيان يبدأ من الأساس ثم يرتفع شيئًا فشيئًا إلى أن يصل منتهاه، الرباني الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره، ومنهم من يقول: الذي يتعلَّم لله ويعمل ويعلِّم لله، يقول ابن حجر في شرحه قوله بابٌ العلم قبل القول والعمل قال ابن المنيِّر يعني صاحب كتاب تراجم البخاري أراد به أن العلم شرط في صحة القول، والعمل شرط في صحة القول والعمل، هل نقول أن هذا لا يدخل فيه العامة لأنه ليس عندهم علم فلا يصح قولهم ولا عملهم؟ يعني عملهم هم علماء بقدر ما عندهم من علم، ألا يعلم العامي أن الصلاة فرض عليه والصوم كذلك والزكاة، ويعرف كيف يصلي، ويعرف كيف يصوم وكيف يزكي وكيف يحج، لو جئت بشخص من البادية أو شخص أسلم حديثًا من بلاد بعيدة عن الإسلام والمسلمين ما رأى الشعائر ولا رأى المسلمون يعملون بها ثم صلى ينطبق عليه هذا الكلام، لكن عاش بين المسلمين وعرف كيف يصلون وصلى وراء العلماء وجالسهم وسمع هذا لا يدخل في هذا الكلام لأنه عنده من العلم بقدر ما يتقن من صلاته ومن صيامه ومن حجه، أراد به أن العلم شرط في صحة القول والعمل فلا يعتبران إلا به، يعني بالعلم فهو متقدم عليهما لأنه مصحح للنية المصححة للعمل، العلم أن تعلم أن هذا العمل أمرك الله به -جل وعلا- وطلبه منك وأكد أمره وشدد في شأنه، فأنت تعمله امتثالاً لأمر الله- جل وعلا- ينشأ عن ذلك النية الصالحة الخالصة لله- جل وعلا- وأنك تعمله امتثالاً لأمره، المصححة للعمل فنبّه المصنف على ذلك حتى لا يسبق إلى الذهن من قولهم إن العلم لا ينفع إلا بالعمل تهوين أمر العلم أن العلم لا ينفع إلا بالعلم، لا يفهم من ذلك تهوين أمر العلم والتساهل في طلبه؛ لأن بعض الناس إذا سمع أحاديث الترهيب من العلم والتعلم لغير وجه الله ترك يقول والله أنا لست ملزما أن أكلف نفسي وفي النهاية أصير من الثلاثة الذين هم أول من تُسعر بهم النار، أو أتعلم ثم ما أعمل فأصير مثل فلان وفلان يصير العلم حجة علي لا، ليس هذا هو الحل، الحل أنك تتعلم وتعمل، والحل أنك تتعلم وتخلص لله- جل وعلا- حتى لا يسبق إلى الذهن من قولهم أن العلم لا ينفع إلا بالعمل تهوين أمر العلم والتساهل في طلبه؛ لأنه يتردد علينا كثير من طلاب الكليات الشرعية يسمعون ما ورد في الرياء وما ورد في التعلم لأجل الدنيا، وحديث أول من تسعر بهم النار فيقول والله لا نقدر سنترك التعلم، نتعب سنين طويلة وهذه النتيجة، دعنا نطلب المال من غير وجه العلم بتجارة أو نجارة أو طب أو هندسة أو ما أشبه ذلك من أمور الدنيا، ليس عليهم شيء إذا طلبوها للدنيا، لكن ثم بعد ذلك يترك العلم الشرعي ويترك الكليات الشرعية ويترك الدروس العلمية ويترك الدورات وغيرها خشية من هذا!! لا، ليس هذا هو الحل، إنما الحل مجاهدة النفس في تصحيح القصد والنية.

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

طالب: جزاكم الله خير يا شيخ الأسئلة.

يوجد وقت الآن ؟!

طالب: نصلي ثم بعد الصلاة.

لا لا، ما لا يوجد شيء بعد الصلاة.

طالب: نؤجلها إلى غد إن شاء الله.

إن كان ثمَّ وقت والله بودنا. 

"