شرح كتاب الحج من صحيح مسلم (16)

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

سم.

الحمد لله حمداً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، اللهم اغفر لنا ولشيخنا والسامعين برحمتك يا أرحم الراحمين.

قال الإمام مسلم -رحمه الله تعالى-: "حدثنا يحيى بن يحيى، وأبو بكر بن أبي شيبة، وأبو كريب جميعاً عن أبي معاوية قال يحي: أخبرنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عمارة، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد الله قال: "ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى صلاة إلا لميقاتها إلا صلاتين صلاة المغرب والعشاء بجمع، وصلى الفجر يومئذ قبل ميقاتها".

وحدثنا عثمان بن أبي شيبة، وإسحاق بن إبراهيم، جميعاً عن جرير عن الأعمش بهذا الإسناد، وقال: "قبل وقتها بغلس".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "حدثنا يحيى بن يحيى" وأشرنا مراراً إلى أن المراد به التميمي، وليس المراد به الليثي المشهور بالرواية عن مالك في الرواية الشهيرة للموطأ.

"حدثنا يحيى بن يحيى، وأبو بكر بن أبي شيبة، وأبو كريب، الثلاثة جميعاً عن أبي معاوية" أبو معاوية الضرير محمد خازم.

"قال يحيى" أعاد الأول دون الآخرين الذي يظهر من صنيعه هذا أن اللفظ له.

"قال يحيى أخبرنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عمارة، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد الله قال: "ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى صلاةً إلا لميقاتها إلا صلاتين المغرب والعشاء" هل هذا التعبير فيه إشكال وإلا ما فيه إشكال؟

"وصلى الفجر يومئذٍ قبل ميقاتها" الأصل {إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا} [(103) سورة النساء]، أي مفروضاً في الأوقات، وجاء جبريل ليؤم النبي -عليه الصلاة والسلام- في يومين، وحدد النبي -عليه الصلاة والسلام- أوقات الصلوات، فلا تصح قبلها، ولا يجوز تأخيرها عن وقتها، هذا الأصل، والنبي -عليه الصلاة والسلام- لم يصلِّ صلاة إلا لميقاتها.

يقول: "إلا صلاتين، صلاة المغرب والعشاء" يعني جمعهما فأخر المغرب عن وقتها، وهذا الحصر على حد علمه -رضي الله عنه وأرضاه- وإلا ماذا عن جمع الظهر والعصر يوم عرفة هل يقال فيه مثل هذا أو لا يجمع بينهما؟

أقول: يرد على هذا الحصر الجمع بعرفة بين الظهر والعصر يوم عرفة، ويرد عليه أيضاً الجمع في السفر، فهذا الحصر على حد علمه -رضي الله عنه وأرضاه-.

"وصلى الفجر يومئذٍ قبل ميقاتها" وفي الرواية الأخرى، وقال: "قبل وقتها بغلس" والنبي -عليه الصلاة والسلام- كان يصلي الصبح بغلس، لكن بعد التأكد من دخول وقتها، وقوله: وصلى الفجر يومئذٍ قبل ميقاتها، يعني المعتاد، النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يبادر بصلاة الصبح بعد أن يتأكد من طلوع الصبح ويتأخر قليلاً، فيصلي الركعتين ويضطجع حتى يؤذنه بلال بالإقامة، ومع هذا يصليها بغلس، يعني كون الإنسان يتأخر ربع ساعة –مثلاً- أو عشر دقائق من طلوع الفجر هذا تأخير؟ هذا ما هو بتأخير، لكن في هذا اليوم إذا كان النبي -عليه الصلاة والسلام- تأخر ربع ساعة في الأيام المعتادة وهو غلس، في هذا اليوم ما تأخر ولا خمس دقائق، تأكد من طلوع الفجر وتطهر وصلى ركعتين وأقيمت الصلاة، فالمراد بقوله: قبل ميقاتها المعتاد، وليس فيه حجة لمن يرى الإسفار في صلاة الصبح، وأنها لا يُغلس بها إلا بمزدلفة كقول الحنفية، الحنفية يرون تأخير صلاة الصبح حتى يسفر جداً، ويروون في هذا الحديث: «أسفروا بالفجر تؤجروا» أو «فإنه أعظم لأجوركم» كما في بعض الروايات، والمراد بالإسفار إن سلم الحديث من المقال وإلا فيه ما فيه على فرض صحته تبين الصبح، ولذا يصلي بهم -عليه الصلاة والسلام- وينصرفون ولا يعرف أحدهم جليسه، وينصرف النساء ولا يعرفن أو لا يرين من الغلس.

المقصود أن السنة في صلاة الصبح أن تصلى في أول وقتها، لكن مع ما يثار الآن من تقدم التقويم على الوقت، لا بد من التأكد من طلوع الصبح، والكلام في المسألة قديم وطويل أيضاً، أثير مراراً من سنين، وشُكل لجنة وظهرت ورأت ورقبت الصبح؛ لأنهم قالوا: يتقدم بثلث ساعة عن الوقت -التقويم في بعض الأوقات- واللجنة توصلت إلى أن التقويم مطابق، وكتب الشيخ -رحمة الله عليه- في بعض الصحف أن التقويم مطابق، والالتفات إلى ما يشاع مع أنه أثير من جديد من قبل ثقات، وأهل خبرة ومعرفة، وسبروا طلوع الفجر في فصول السنة كلها، وأثبتوا أنه متقدم، والموضوع مجال للبحث الآن، لكن قبل خروج النتيجة ينبغي أن لا نتعجل بصلاة الصبح، يعني نتأخر عن التقويم لا سيما في رمضان، بعضهم ما يتأخر ولا عشر دقائق، هذا على صلاته خطر، لا سيما إن ثبت ما يشاع.

وأقول لو ترك بين التقويم والإقامة نصف ساعة ضمنا أننا صلينا في الوقت، وأما كونه يؤذن قبل طلوع الفجر هذا ما فيه إشكال، يجوز أن يؤذن لصلاة الصبح قبل طلوع الصبح عند الجمهور.

طالب:......

الشيخ: والله بالنسبة للصيام الاحتياط ينبغي أن يُحتاط لجميع العبادات، فيحتاط للصلاة بتأخيرها، ويحتاط للصيام بتقدم الإمساك، يحتاط للجميع، كما احتاط النبي -عليه الصلاة والسلام- في سودة، في الخصومة لعبد بن زمعة الخصومة التي حصلت في الولد عبد بن زمعة يقول: هو أخي، ولد على فراش أبي، وعتبة بن أبي سفيان يقول: ولدهن هذا أخي، وشبهه بين بأبي، فقال: هو لك يا عبد بن زمعة واحتجبي منه يا سودة، يعني مقتضاه هو لك أخوك وسودة أختك ما تحتجب، لكن الاحتياط من الطرفين مطلوب، وهنا يحتاط للصلاة بتأخيرها، ويحتاط للصيام بتقدم الإمساك.

طالب:......

الشيخ: هو الذي يشكك فيما يشاع أننا إذا تأخرنا وأقمنا على تقرير الوزارة 25 دقيقة –مثلاً- ثم بعد ذلك جلس الإنسان يذكر الله خمس دقائق أو عشر دقائق بعد الصلاة إذا مسفرين جداً، والإسفار لا يبين بهذه المدة الوجيزة، فهذا يجعل في النفس من الكلام الذي يشاع شيء، مع أن من يشيعه ثقات، وليسوا واحد ولا اثنين بل جمع، وأهل خبرة وأهل تحري، ومع ذلك ينبغي أن يولى هذا الموضوع عناية؛ لأنه متعلق بأعظم العبادات.

طالب:......

الشيخ: إيه لكن هل يلزم أن يكون بين طلوع الفجر وبين شروق الشمس ساعة ونصف، يكون بينهما 72 دقيقة.

طالب: لكنهم يصيبون في الشروق.

الشيخ: يصيبون إيه صح.

طالب:......

الشيخ: لا، هو لازمه على كلامك أنت إنما يلزم لو كان بين طلوع الفجر وشروق الشمس ساعة ونصف ما يتغير، قلنا من لازم طلوعها في كذا أن يكون الصبح طلع كذا، لكن هم يقولون لا، ما هي بساعة ونصف.

طالب:......

الشيخ: إيه لكن ما يلزم، ما في ارتباط بينهما، يعني لو قدرنا أنه في التقويم ساعة وثلث –مثلاً- وبعض الفلكيين يقول: ما بينه إلا ساعة واحدة...

طالب: طيب الزوال يا شيخ؟

الإصابة في وقت لا يلزم منه الإصابة في الجميع، حتى يقولون بالنسبة لغروب الشمس أحياناً يتقدم خمس دقائق وأحياناً يتأخر خمس، أثاروا حتى هذا في غروب الشمس، وهذا الذي أداه أيش؟ احتجاب الناس، عامة الناس محتجبين عن الشمس وعن الصبح وعن العلامات التي وضعت أسباباً لهذه العبادات.

طالب: الصبح فيه صعوبة.

الشيخ: في البلدان، في البلدان مستحيل مع هذه الأنوار..

طالب: في البرية.

في البرية...

طالب:......

الشيخ: الكلام منوط بأهل الخبرة والمعرفة، يعني الذي لا يعرف ما له اعتبار.

"وحدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب، حدثنا أفلح -يعني ابن حميد- عن القاسم، عن عائشة أنها قالت: استأذنت سودة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليلة المزدلفة تدفع قبله وقبل حطمة الناس، وكانت امرأة ثبطة -يقول القاسم والثبطة الثقيلة- قال: فأذن لها فخرجت قبل دفعه وحبسنا حتى أصبحنا فدفعنا بدفعه، ولأن أكون استأذنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما استأذنته سودة فأكون أدفع بإذنه أحب إليَّ من مفروح به.

وحدثنا إسحاق بن إبراهيم ومحمد بن المثنى جميعاً، عن الثقفي، قال ابن المثنى: حدثنا عبد الوهاب، حدثنا أيوب عن عبد الرحمن بن القاسم، عن القاسم، عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كانت سودة امرأة ضخمة ثبطة فاستأذنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن تفيض من جمع بليل فأذن لها، فقالت عائشة: فليتني كنت استأذنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما استأذنته سودة، وكانت عائشة لا تفيض إلا مع الإمام.

وحدثنا ابن نمير، قال حدثني أبي، قال حدثنا عبيد الله بن عمر، عن عبد الرحمن بن قاسم، عن القاسم، عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: وددت أني كنت استأذنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما استأذنته سودة فأصلي الصبح بمنى فأرمي الجمرة قبل أن يأتي الناس، فقيل لعائشة: فكانت سودة استأذنته؟ قالت: نعم، إنها كانت امرأة ثقيلة ثبطة فاستأذنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأذن لها.

وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال حدثنا وكيع ح وحدثني زهير بن حرب، قال حدثنا عبد الرحمن، كلاهما عن سفيان عن عبد الرحمن بن قاسم بهذا الإسناد نحوه.

حدثنا محمد بن أبي بكر المقدّمي، قال حدثنا يحيى -وهو القطان- عن ابن جريج، قال حدثني عبد الله مولى أسماء، قال: قالت لي أسماء وهي عند دار المزدلفة هل غاب القمر؟ قلت: لا، فصلت ساعة، ثم قالت: يا بنيَّ هل غاب القمر؟ قلت: نعم، قالت: ارحل بي فارتحلنا حتى رمت الجمرة ثم صلت في منزلها، فقلت لها: أي هنتاه لقد غلسنا، قالت: كلا أي بني إن النبي -صلى الله عليه وسلم- أذن للظعن.

وحدثنيه علي بن خشرم، قال أخبرنا عيسى بن يونس عن ابن جريج بهذا الإسناد، وفي روايته قالت: لا أي بني إن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- أذن لظعنه.

حدثني محمد بن حاتم، قال حدثنا يحيى بن سعيد ح وحدثني علي بن خشرم، قال أخبرنا عيسى جميعاً عن ابن جريج، قال أخبرني عطاء أن ابن شوال أخبره أنه دخل على أم حبيبة فأخبرته أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعث بها من جمع بليل.

وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال حدثنا سفيان بن عيينة، قال حدثنا عمرو بن دينار ح وحدثنا عمرو الناقد، قال حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن سالم بن شوال عن أم حبيبة قالت: كنا نفعله على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- نغلس من جمع إلى منى، وفي رواية الناقد: نغلس من مزدلفة.

حدثنا يحيى بن يحيى وقتيبة بن سعيد جميعاً عن حمّاد قال يحيى أخبرنا حماد بن زيد عن عبيد الله بن أبي يزيد قال: سمعت ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: بعثني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الثقل -أو قال في الضعفة- من جمع بليل.

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا سفيان بن عيينة، قال حدثنا عبيد الله بن أبي يزيد أنه سمع ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول أنا ممن قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ضعفة أهله.

وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا سفيان بن عيينة، قال حدثنا عمرو عن عطاء عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: كنت فيمن قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ضعفة أهله.

وحدثنا عبد بن حميد، قال أخبرنا محمد بن بكر، قال أخبرنا ابن جريج، قال أخبرني عطاء أن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: بعث بي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بسَحَر من جمع في ثقل نبي الله -صلى الله عليه وسلم- قلت: أبلغك أن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: بعث بي بليل طويل؟ قال: لا، إلا كذلك بسحر، قلت له: فقال ابن عباس: رمينا الجمرة قبل الفجر وأين صلى الفجر؟ قال: لا، إلا كذلك.

وحدثني أبو الطاهر وحرملة بن يحيى قالا أخبرنا ابن وهب، قال أخبرني يونس عن ابن شهاب أن سالم بن عبد الله أخبره أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- كان يقدم ضعفة أهله، فيقفون عند المشعر الحرام بالمزدلفة بالليل فيذكرون الله ما بدا لهم، ثم يدفعون قبل أن يقف الإمام وقبل أن يدفع، فمنهم من يقدم منى لصلاة الفجر ومنهم من يقدم بعد ذلك، فإذا قدموا رموا الجمرة، وكان ابن عمر يقول: أرخص في أولئك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب القنعبي، قال حدثنا أفلح يعني ابن حميد عن القاسم، عن عائشة أنها قالت: استأذنت سودة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليلة المزدلفة تدفع قبله، وقبل حطمة الناس" وهذا الاستئذان، وهذا الإذن يدل على أن المبيت بمزدلفة واجب، ليس بسنة فقط، ولا بركن؛ فكونها استأذنت لم يُستأذن -عليه الصلاة والسلام- إلا من أجل ترك واجب، وغير الواجب لا يحتاج إلى استئذان، والركن لا يؤذن فيه، والقدر الواجب منه عند الجمهور غالب الليل، ومنهم من يحده بصنيع أسماء بمغيب القمر، رغم أن مغيب القمر يتأخر عن نصف الليل ليلة العاشر، وعلى كل حال بالنسبة للمبيت مضى حكمه وأنه واجب من واجبات الحج.

"استأذنت سودة أمُّ المؤمنين -رضي الله عنها- رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليلة المزدلفة تدفع قبله" لكي تدفع قبله لأنها لا تطيق الزحام، "وقبل حَطمة الناس" يعني زحمتهم، "وكانت امرأة ثبطة" يقول القاسم بن محمد بن أبي بكر أحد الفقهاء السبعة: والثبطة الثقيلة، وسيأتي الجمع بينهما ثقيلة ثبطة، فيكون من باب التفسير، ذكر المفسَر والمفسِر.

قال: "فأذن لها فخرجت قبل دفعه وحبسنا -عليه الصلاة والسلام- حتى أصبحنا فدفعنا بدفعه" يعني معه بعد الإسفار جداً.

"ولأن أكون استأذنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما استأذنته سودة فأكون أدفع بإذنه أحب إليَّ من مفروح به" يعني كونها تتعجل لكونها لا تطيق الزحام مع حطمة الناس بنص أفضل من كونها تترخص بقياس، سودة استأذنت وأذن لها بالنص، وفي حكمها ويقاس عليها من اتصف بوصفها، وعائشة لما احتاجت إلى التعجل ندمت ألا تكون استأذنت فيؤذن لها فيكون انصرافها بنص.

لأن أكون استأذنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما استأذنته سودة فأكون أدفع بإذنه أحب إلي من مفروح به" يعني من أي شيء يفرح به من أمور الدنيا.

"وحدثنا إسحاق بن إبراهيم ومحمد بن المثنى، جميعاً عن الثقفي قال ابن المثنى: حدثنا عبد الوهاب، قال حدثنا أيوب، عن عبد الرحمن بن القاسم عن القاسم، عن عائشة قالت: كانت سودة امرأة ضخمة ثبطة، فاستأذنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" لما كان النساء في عهده -عليه الصلاة والسلام- على طريقة العرب يقضون حوائجهم في المناصع وفي الأماكن البعيدة عن البيوت، وعمر -رضي الله تعالى عنه- حريص على الستر، فكان يتعرض لهؤلاء النسوة؛ من أجل أن ينزل ما يمنعهن من الخروج، وكانت سودة معروفة من بين النساء، كانت طوالاً ثقيلة ثبطة، ثم لما خرجت قال: قد عرفناك يا سودة، وهذا من حرصه -رضي الله تعالى عنه وأرضاه- وله مواقف من مثل هذا.

"قالت: كانت سودة امرأة ضخمة ثبطة فاستأذنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن تفيض من جمعٍ بليل، فأذن لها فقالت عائشة: فليتني كنت استأذنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما استأذنته سودة" وكانت عائشة لا تفيض إلا مع الإمام، الإمام الذي يحج بالناس، ويطبق أفعال النبي -عليه الصلاة والسلام- فيجلس يذكر الله حتى يسفر، وكانت لا تفيض إلا إذا أسفرت جداً؛ لئلا تترك شيئاً تركت النبي -عليه الصلاة والسلام- عليه، وكانت تفعله معه.

"وحدثنا ابن نمير، قال حدثنا أبي، قال حدثنا عبيد الله بن عمر عن عبد الرحمن بن القاسم عن القاسم، عن عائشة قالت: وددت أني كنت استأذنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما استأذنته سودة فأصلي الصبح بمنى، فأرمي الجمرة قبل أن يأتي الناس" وهل من لازم هذا أن يكون رميها قبل طلوع الفجر أو قبل طلوع الشمس؟ هل يلزم من هذا أن ترمي قبل طلوع الفجر أو قبل طلوع الشمس؟

لا يلزم، يعني ما يفهم منه أنها، من هذا النص أن الرمي قبل طلوع الفجر أو قبل طلوع الشمس يجوز، وإن استدل به بعضهم؛ لأن من رمى بعد طلوع الشمس -لأنهم يسفرون جداً، لا يبقى على طلوع الشمس إلا الشيء اليسير- فالمسافة بين مزدلفة وإلى الجمرات تترك فرصة لمن تقدموا أن يرموا بعد طلوع الشمس وقبل وصول الناس، فليس فيه ما يستدل على أن الرمي يكون قبل طلوع الشمس فضلاً عن كونه قبل طلوع الفجر، وإن قال به جمعٌ غفير من أهل العلم، وأنه من لازم التعجل ومن أعظم فوائده أن يرموا قبل زحمة الناس، ويأتي ما في حديث ابن عباس.

"فأرمي الجمرة قبل أن يأتي الناس، فقيل لعائشة: فكانت سودة استأذنته؟ قالت: نعم، إنها كانت امرأة ثقيلة ثبطة فاستأذنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأذن لها".

"وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال حدثنا وكيع ح وحدثني زهير بن حرب، قال حدثنا عبد الرحمن كلامها عن سفيان عن عبد الرحمن بن القاسم بهذا الإسناد نحوه".

"قال حدثنا محمد بن أبي بكر المقدّمي، قال حدثنا يحيى" وهو القطان، "عن ابن جرير، قال حدثني" -مر بنا مراراً الفائدة من قوله: "هو" أو "يعني" إذا ذكر الاسم مفرداً.

"عن ابن جرير قال حدثني عبد الله مولى أسماء قال قالت لي أسماء وهي عند دار المزدلفة" أيش معنى الدار هنا؟ المقام، "هل غاب القمر؟ قلت: لا، فصلت ساعة ثم قالت: يا بني هل غاب القمر؟" أسماء صلت ساعة وبعض أهل العلم يستنبط من نومه -عليه الصلاة والسلام- من صلاته إلى أن أصبح أنه لم يقم تلك الليلة ولم يوتر، مع أنه -عليه الصلاة والسلام- الثابت عنه أنه لم يترك الوتر سفراً ولا حضراً، ولعله أوتر على خفاءٍ ممن ذكر الخبر وهو جابر -رضي الله تعالى عنه- بدليل أن أسماء تصلي، والنبي لم يترك الوتر، فلا يلزم منه أو لا يستدل بعمومه على ترك الصلاة في هذه الليلة، لا سيما في حق من ابتلي بالسهر –مثلاً- تجدهم يجلسون في مزدلفة من بعد صلاة الجمع خمس ساعات ست ساعات في القيل والقال، فإذا قيل لهم والوتر، قالوا: النبي -عليه الصلاة والسلام- ما أوتر! النبي -عليه الصلاة والسلام- طال نومه في هذه الليلة ليتفرغ لأعمال يوم الحج الأكبر، ولا يمنع أن يوتر.

طالب:......

الشيخ: نعم، -عليه الصلاة والسلام- ما في إشكال، لكنه نام وأمر ونهى وأذن كل هذه ما ذكرت في النص، فالذي خفي عليه هذه الأمور قد يخفى عليه أنه أوتر، نعم الثابت عنه أنه أطال النوم في هذه الليلة.

"فصلت ساعة ثم قالت: يا بني هل غاب القمر؟ قلت: نعم، قالت: ارحل بي، فارتحلنا حتى رمت الجمرة ثم صلت في منزلها" صلت أيش؟ الصبح، رمت الجمرة يعني قبل صلاة الصبح.

"فقلت لها: أي هنَتاه -أو هنْتها" بفتح النون وبتسكينها، لقد غلسنا، قالت: كلا، أي بني إن النبي -صلى الله عليه وسلم- أذن للظعن" والمراد بالظعن النساء، ويستوي في ذلك الثقيلة الثابطة والخفيفة النشيطة، كلهن ظعن.

يقول: "وحدثنيه علي بن خشرم أخبرنا عيسى بن يونس -أما عائشة فتريد إذناً خاصاً- أخبرنا عيسى بن يونس عن ابن جرير بهذا الإسناد وفي روايته قالت: لا، أي بني إن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- أذن لظعنه".

طالب:......

الشيخ: يا هذه... أي مولاته نعم مولاته سيدته.

طالب:......

أيش هو؟

طالب:......

الشيخ: هو أذن للظعن، أذن للظعن، وأذن لابن عباس في الثالثة عشرة من عمره؛ دفعاً للمشقة الحاصلة بهم ومنهم.

طالب:......

الشيخ: يأتي ما في الرمي في وقته، حديث ابن عباس أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: «لا ترموا قبل طلوع الشمس» يأتي ما في هذا الحديث -إن شاء الله تعالى- وأما أسماء فقد رمت قبل صلاة الصبح، والجمهور على أن من تعجل يرمي، وهذه هي الفائدة من التعجل.

"حدثني محمد بن حاتم، قال حدثنا يحيى بن سعيد ح وحدثني علي بن خشرم، قال أخبرنا عيسى جميعاً عن ابن جرير، قال أخبرني عطاء أن ابن شوال" بلفظ الشهر المعروف الذي يلي رمضان- "أن ابن شوال" واسمه سالم على ما سيأتي، وهو مولى لأم المؤمنين أم حبيبة، "أخبره أنه دخل على مولاته أم حبيبة فأخبرته أن النبي -عليه الصلاة والسلام- بعث بها من جمع بليل".

"وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال حدثنا سفيان بن عيينة، قال حدثنا عمرو بن دينار ح وحدثنا عمروٌ الناقد، قال حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن سالم بن شوال عن أم حبيبة قالت: كنا نفعله على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- نغلس من جمعٍ إلى منى، وفي رواية الناقد: نغلس من مزدلفة" يعني هل من لازم الغلس أن يكون بعد طلوع الفجر، يصلي الصبح بغلس، والمراد بالغلس اختلاط الظلام الذي لا يتبين معه المرئي، ويكون هذا قبل طلوع الفجر وبعده مباشرة.

قال: "حدثنا يحيى بن يحيى وقتيبة بن سعيد جميعاً، عن حماد، قال يحيى أخبرنا حماد بن زيد، عن عبيد الله بن أبي يزيد قال: سمعت ابن عباس يقول: بعثني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الثقل، أو قال في الضعفة من جمع بليل" يعني الضعفة يحتاجون إلى من يرعى شؤونهم، فيرخص لغيرهم من أجلهم.

"قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال حدثنا سفيان بن عيينة، قال حدثنا عبيد الله بن أبي يزيد أنه سمع ابن عباس يقول: "أنا ممن قدم رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- في ضعفة أهله".

"وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا سفيان بن عيينة، قال حدثنا عمروٌ، عن عطاء، عن ابن عباس قال: "كنت فيمن قدّم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ضعفة أهله".

وحدثنا عبد بن حميد، قال أخبرنا محمد بن بكرٍ، قال أخبرنا ابن جرير، قال أخبرني عطاء أن ابن عباس قال: بعث بي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بسحر من جمعٍ في ثقل نبي الله -صلى الله عليه وسلم- قلتُ: أبلغك أن ابن عباس قال: بعث بي بليلٍ طويل؟ قال: لا، إلا كذلك بسحر" يعني من غير تحديد للساعة اللي بعد منتصف الليل، أو بعد مغيب القمر إنما بسحر.

"قلت له: فقال ابن عباس: رمينا الجمرة قبل الفجر"؟ يعني يسأله، يعني هل قال ابن عباس رمينا الجمرة قبل الفجر؟ و قال لك "أين صلى الفجر؟ قال: لا"، ما ذكر لي متى رمى ولا أين صلى، "إلا كذلك" يعني ما زاد على ما ذكرتُ لك.

"وحدثني أبو الطاهر وحرملة بن يحيى" -في المسند والسنن- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال لابن عباس لما قدمه لا ترموا الجمرة إلا بعد طلوع الشمس وهذا الحديث صححه جمعٌ من أهل العلم، ولا يسلم من مقال، ولذا يقولون يستدل به بعضهم على أن الرمي لا يصح إلا بعد طلوع الشمس، والنبي -صلى الله عليه وسلم- ما رمى إلا كذلك، وقال: «خذوا عني مناسككم» ويحصل الإرفاق بمن يتعجل بمجرد عدم مزاحمة الناس في الطريق وفي الرمي، كونهم يصلون إلى المرمى قبل الناس يحصل لهم الإرفاق بهذا، ولو لم يرموا إلا بعد طلوع الشمس.

المقصود أن: المسألة خلافية بين أهل العلم، منهم من يقول: أن الفائدة من التعجل هو الرمي، والإفاضة قبل حطْمة الناس وقبل زحمتهم، وهو قول جمعٍ غفير من أهل العلم وهو رأي الحنابلة والشافعية وجمع، ومنهم من يقول: لا يجوز الرمي إلا بعد طلوع الفجر؛ لأنه من أعمال يوم النحر، ويوم النحر إنما يبدأ من طلوع الفجر، ومنهم من يقول: لا يجوز الرمي إلا بعد طلوع الشمس استدلالاً بحديث ابن عباس، ولو كان حديث ابن عباس لا مغمز فيه ولا مطعن -تكلم فيه- لكان نصاً في المسألة، وعلى هذا الاحتياط أن لا يرمى إلا بعد طلوع الشمس، ولو من أهل الأعذار الذين يرخص لهم بالانصراف.

"وحدثني أبو الطاهر وحرملة بن يحيى قالا أخبرنا ابن وهب، قال أخبرني يونس عن ابن شهاب أن سالم بن عبد الله أخبره أن عبد الله بن عمر كان يقدم ضعفة أهله فيقفون عند المشعر الحرام بالمزدلفة بالليل فيذكرون الله ما بدا لهم" يعني الذكر المطلوب المنصوص عليه، وقته في الليل أو بعد صلاة الصبح؟

طالب: بعد يا شيخ.

بعد صلاة الصبح، لكن من ساغ له أن ينصرف قبل صلاة الصبح، نعم، يفعله قبل الصبح قبل انصرافه؛ لأنه مقدورٌ عليه.

يقول: "فيقفون عن المشعر الحرام بالمزدلفة بالليل فيذكرون الله ما بدا لهم ثم يدفعون قبل أن يقف الإمام" يعني قبل أن يصلي الإمام الصبح ويقف عند المشعر الحرام، "وقبل أن يدفع فمنهم من يقدم منى لصلاة الفجر ومنهم من يقدم بعد ذلك، فإذا قدموا رموا الجمرة" يعني مفهوم الكلام أنهم بمجرد قدومهم يرمون الجمرة، "وكان ابن عمر يقول: أرخص في أولئك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".

حديث ابن عباس ألا يحتمل أن يكون النهي والمنع للرمي قبل طلوع الشمس؟ ابن عباس إنما رخص له لكونه ضعيف أو لكونه مرافق للضعفة؟ في الثالثة عشرة من عمره يناهز الاحتلام، فإذا قلنا أنه ضعيف حكمه حكمهم، لكن إذا قلنا أنه قوي وأرخص له من أجلهم ولخدمتهم، وبعثه النبي -عليه الصلاة والسلام- في ثقله مع من بعث يقال: إن من أرخص له لذاته يجوز له أن يرمي بمجرد وصوله، ومن أرخص له لغيره ينتظر حتى تطلع الشمس وتتفق النصوص هنا، ظاهر وإلا ما هو بظاهر.

طالب: ظاهر.

الشيخ: مر بنا، مر بنا في حديث أسماء.

طالب:......

الشيخ: أفاضت نعم، يقول: وأفاضت.

طالب:......

أيش هو؟

طالب: الجمع.

الجمع، جمع أيش؟

طالب:......

............... طيب.

الشيخ: يا إخوان مر بنا، نعم، نعم.

طالب:......

لا، لا في بعض الروايات، جاء في بعض روايات الحديث أنها أفاضت قبل.. ورجعت فصلت.

طالب:......

نعم، اقرأ.

الشيخ: إيه، مر مر، مر في بعض روايات الحديث يا إخوان.

طالب:......

الشيخ: لا ما هو بهذا المطلوب، لا في بعض رواياته، ورد أنها مضت رمت وأفاضت.

طالب:......

نعم، اقرأ، اقرأ لا نتأخر.

طالب:......

الشيخ: كيف؟

طالب:......

أذن لهم في التعجل، أذن لهم في التعجل، استأذنوه في التعجل.

نعم، نعم اقرأ، اقرأ يا عبد الله.

"حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب، قالا حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن يزيد قال: رمى عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- جمرة العقبة من بطن الوادي بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة، قال: فقيل له: إن أناساً يرمونها من فوقها، فقال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: "هذا والذي لا إله غيره مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة".

"وحدثنا منجاب بن الحارث التميمي، قال أخبرنا ابن مسهر، عن الأعمش قال: سمعت الحجاج بن يوسف يقول وهو يخطب على المنبر: ألفوا القرآن كما ألفه جبريل، السورة التي يذكر فيها البقرة والسورة التي يذكر فيها النساء، والسورة التي يذكر فيها آل عمران، قال: فلقيت إبراهيم فأخبرته بقوله فسبَّه، وقال حدثني عبد الرحمن بن يزيد أنه كان مع عبد الله بن مسعود، فأتى جمرة العقبة فاستبطن الوادي فاستعرضها فرماها من بطن الوادي بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة، قال فقلت: يا أبا عبد الرحمن إن الناس يرمونها من فوقها، فقال: هذا والذي لا إله غيره مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة".

"وحدثني يعقوب الدورقي، قال حدثنا ابن أبي زائدة ح وحدثنا ابن أبي عمر، قال حدثنا سفيان كلاهما عن الأعمش، قال سمعت الحجاج يقول: لا تقولوا سورة البقرة، واقتصا الحديث بمثل حديث ابن مُسهِر".

"وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال حدثنا غندر، عن شعبة ح وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار، قالا حدثنا محمد بن جعفر، قال حدثنا شعبة عن الحكم عن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن يزيد أنه حج مع عبد الله قال: فرمى الجمرة بسبع حصيات، وجعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه، وقال هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة".

"وحدثنا عبيد الله بن معاذ، قال حدثنا أبي، قال حدثنا شعبة بهذا الإسناد غير أنه قال: فلما أتى جمرة العقبة.

وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال حدثنا أبو المحياة ح وحدثنا يحيى بن يحيى -واللفظ له-، قال أخبرنا يحيى بن يعلى أبو المحياة عن سلمة بن كهيل عن عبد الرحمن بن يزيد قال: قيل لعبد الله: إن ناساً يرمون الجمرة من فوق العقبة، قال: فرماها عبد الله من بطن الوادي، ثم قال: من هاهنا والذي لا إله غيره رماها الذي أنزلت عليه سورة البقرة".

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب، قالا حدثنا أبو معاوية عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن يزيد، قال: رمى عبد الله بن مسعود جمرة العقبة" الجمرة واحدة الجمرات وهن ثلاث، جمرة العقبة آخرهن مما يلي البيت، وهي التي ترمى يوم العيد والحديث عنها، والمراد بالجمرة كما يقول أهل اللغة: الجمرة مجتمع الحصى، إذا عرفنا المراد بالجمرة، عرفنا ما يرمى، عرفنا المرمى رمى الجمرة يعني رمى مجتمع الحصى، فكل كومة من الحصى جمرة، والجمع جمرات، فإذا رمى إلى جهة مجتمع الحصى ووقعت الحصاة فيه فقد أدى ما عليه من أي جهة كان، ورميه -عليه الصلاة والسلام- يوم النحر استقبل الجمرة، وجعل منىً عن يمينه والبيت عن يساره، وعلى أي جهة رماها بحيث تقع الحصاة في مجتمع الحصى الذي هو الجمرة أجزأ.

"وعمر -رضي الله تعالى عنه- رماها من فوقها" من فوق الجبل على أن تقع في الجمرة الذي هو مجتمع الحصى الذي يعبر عنه بالحوض، يعني من نفس اللي برا يعني ما هي في الحوض.

عند الحنابلة والشافعية لا يجزي الرمي بحصاة رمي بها، ويقولون: هي مثل الماء المستعمل، لكن لا يوجد ما يدل على المنع، والقياس بعيد جداً.

قال: "رمى عبد الله بن مسعود جمرة العقبة من بطن الوادي بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة" وهنا يقطع التلبية على ما تقدم ويكبر مع كل حصاة.

"قال: فقيل له: إن أناساً يرمونها من فوقها، فقال عبد الله بن مسعود" هل قال: ما يجزئ؟ ما قال: إن هذا لا يجزئ، قال ابن مسعود: "هذا والذي لا إله غيره مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة" وتقدم تخصيص سورة البقرة من بين سور القرآن، وأن أكثر الأحكام لا سيما أحكام الحج في هذه السورة.

"وحدثنا منجاب بن الحارث التميمي، قال أخبرنا ابن مسهر، عن الأعمش قال: سمعت الحجاج بن يوسف يقول وهو يخطب على المنبر: ألفوا القرآن كما ألفه جبريل السورة التي يذكر فيها البقرة"، وسببت ورود الحديث كلام الحجاج، سبب ورود وإلا سبب إيراد؟

طالب:  إيراد.

إيراد نعم، سبب إيراد الحديث كلام الحجاج أنه قال: السورة التي يذكر فيها البقرة، والسورة التي يذكر فيها النساء، والسورة التي يذكر فيها آل عمران، يعني لا تقولوا: سورة البقرة سورة آل عمران سورة النساء، والمراد بالتأليف الترتيب، وهل يقصد بهذا ترتيب السور أو ترتيب الآيات؟

طالب:......

ترتيب الآيات إجماع، وأما ترتيب السور فهو لم يرتب، ومن نقل عنه لم يرتب، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قرأ في صلاة الليل البقرة ثم النساء ثم آل عمران، وبهذا يُستدل على جواز الإخلال بهذا الترتيب الموجود، والذي اتفق عليه الصحابة في زمن عثمان -رضي الله تعالى عنه وأرضاه- وأما ترتيب الآيات فهو محل إجماع.

طالب:......

الشيخ: الرسول -عليه الصلاة والسلام- قرأ في صلاة الليل افتتح البقرة ثم النساء ثم آل عمران، والحنابلة يطلقون الكراهة على تنكيس السور، يعني قراءة السورة قبل التي قبلها، ويجيبون عن قراءته -عليه الصلاة والسلام- في صلاة الليل أن هذا قبل اتفاق الصحابة.

"قال: فلقيت إبراهيم فأخبرته بقوله فسبه، وقال حدثني عبد الرحمن بن يزيد أنه كان مع عبد الله بن مسعود فأتى جمرة العقبة فاستبطن الوادي فاستعرضها فرماها من بطن الوادي بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة، قال فقلت: يا أبا عبد الرحمن إن الناس يرمونها من فوقها، فقال: هذا والذي لا إله غيره مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة" يعني هنا الرد على الحجاج، ومن يقول بقوله من أنه لا يقال سورة كذا ولا سورة كذا؛ لأنه على حد زعمه أن الإضافة تقتضي التخصيص، والسورة فيها البقرة وغير البقرة، إنما يذكر فيها سورة.. يذكر فيها البقرة نعم صحيح، المعنى صحيح، لكن الإطلاق أيضاً الثاني صحيح ثبتت فيه النصوص، «من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة»، الحديث صحيح مرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فدل على أن هذا الإطلاق جائز.

طالب:......

الشيخ: إيه إيه، أزيل الجبل.

طالب:......

أنت ما ترمي الناحية الثانية وترتد عليك الحصاة.

طالب: عمر رمى من ناحية الجبل؟

ووقوعها..، صعد الجبل عمر -رضي الله عنه-

طالب:  يعني ...ناحية؟

من الناحية الثانية ورمى ووقعت في المرمي، وأيش يصير؟ مثل اللي بيرمي في الدور الثاني الآن فيه إشكال؟ وتقع في مجتمع الحصى الذي هو الجمرة؟

طالب:......

ما يصل إلا الذي إذا رمى وحاول أنها تقع في المرمى ولو من الجهات الثانية.

طالب:......

الشيخ: إبراهيم النخعي.

"حدثني يعقوب الدورقي، قال حدثنا ابن أبي زائدة ح وحدثنا ابن أبي عمر، قال حدثنا سفيان كلاهما عن الأعمش قال: سمعت الحجاج يقول: لا تقولوا سورة البقرة، واقتصا الحديث بمثل حديث ابن مُسهِر" قد يقول قائل: الحجاج والي وظالم ومسرف أيش علاقته بالسور؟

لا لا، علاقته قوية بالقرآن، نعم، علاقته قوية بالقرآن.

طالب:......

يذكر أنه صاحب الإعجام وصاحب الشكل وصاحب... لكن عنايته بالقرآن عظيمة، ذكروا أنه يجزِّئ القرآن إلى أربعة أقسام، كل ليلة يقرأ جزء، الربع، أقول له عناية بالقرآن، ذكره ليس بعبث، لكن لو قال شخص: لا علاقة له بالقرآن، لا تقولوا كذا لا يستحق من يرد عليه؛ لأنه لا علاقة له بالقرآن، لكن الحجاج له علاقة بالقرآن مع ما عرف عنه من ظلم وإسراف هذا معروف.

يقول: "حدثني يعقوب الدورقي، قال حدثنا ابن أبي زائدة ح وحدثنا ابن أبي عمر، قال حدثنا سفيان كلاهما عن الأعمش قال: سمعت الحجاج يقول: لا تقولوا سورة البقرة، واقتصا الحديث بمثل حديث ابن مُسهِر.

وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال حدثنا غُندر عن شعبة ح وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قالا حدثنا محمد بن جعفر، قال حدثنا شعبة عن الحكم -محمد بن جعفر هو غندر- قال حدثنا شعبة يعني ابن الحجاج عن الحكم عن ابن عتيبة عن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن يزيد أنه حج مع عبد الله فقال: فرمى الجمرة بسبع حصيات، وجعل البيت عن يساره، ومنى عن يمينه، وقال: هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة.

وحدثنا عبيد الله بن معاذ، قال حدثنا أبي، قال حدثنا شعبة بهذا الإسناد غير أنه قال: فلما أتى جمرة العقبة"، يعني رماها بسبع حصيات إلى آخره.

"وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال حدثنا أبو المحياة ح وحدثنا يحيى بن يحيى واللفظ له، قال أخبرنا يحيى بن يعلى أبو المحياة -سماه هنا- عن سلمة بن كهيل، عن عبد الرحمن بن يزيد قال: قيل لعبد الله: إن ناساً يرمون الجمرة من فوق العقبة، قال: فرماها عبد الله من بطن الوادي" فهو ينازعهم في الأفضل، ولذا ما قال: أنه ما يجزئ الرمي من فوقها إذا وقعت في المرمى، إنما ينازعهم في الأفضل، وذكر أن هذا مكان رميه -عليه الصلاة والسلام- وهذا مقامه.

طالب:......

الشيخ: من الزحام قد يطلع الجبل و... إيه إيه

طالب:......

الشيخ: نعم إيه، أيش المانع، المقصود أنه إذا وقعت في المرمى من أي جهة كانت، أما الآن الرمي وقوعها في المرمى من الجهات ما هو بصعب يعني الآن..

طالب:......

اللي من الجهة الشرقية عنها.

طالب:......

الشيخ: يسقطوهن، مثل الآن الدور الثاني، مثل الدور الثاني سواء.

طالب: .... الرمي من فوق.

من فوق إيه.

طالب:......

من وراء إيه، نعم.

طالب:......

من فوقها.

طالب:......

 نعم؟

طالب:......

راجع هذا أنت، راجع لكنه ثابت عنه -رضي الله عنه وأرضاه-.

طالب:......

ولو وقعت في المرمى ما تجزئ؛ لأن الجمرة مجتمع الحصى، أصل الرمي أن يكون بفعل ما هو بمجرد وضع.

طالب:......

كيف؟ لا ما يلزم، لا ما يلزم.

طالب:......

لا، هو يرمي بشيء، أقل ما يطلق عليه اسم الرمي.

طالب:......

 وقعت في المرمى؟ ما عليه منها ..... خلاص.

طالب:......

المقصود أنها تقع في مجتمع الحصى، مثل ما قلنا أن الحصاة المستعملة محل خلاف بين أهل العلم، ولا أعرف ما يمنع من استعمالها؛ لأنها لا تتأثر بالاستعمال، يعني قياسهم على الماء مع الفارق، يعني قذفها بآلة لو استعمل آلة في قذفها يجزئ وإلا ما يجزئ؟ يقول لو رماها بآلة؟ نعم؟

طالب:......

لكن هذا خطر عظيم على الناس، هذا خطر على الناس، هذا هو الحذف المنهي عنه، هذا خطر عظيم على الناس.

طالب:......

الشيخ: لا، لا محل له من النظر، لكن الكلام في الإجزاء، يعني لو ما وجد إلا هو ولا خطر على أحد ومعه نباطة ورماها، لكن هذه في الغالب لا تقع في موضع...

طالب:......

الشيخ: لا لا، لا ليست موجودة، العبرة في مجتمع الحصى، بمعنى أنه لو زاد الحصا وطلع عن الحوض زائد، هذا المجتمع ولو كان خارج الحوض يجزئ رميه.

طالب:......

الشيخ: الأصل أنها عبادة تتولى بالنفس، تولاها النبي -عليه الصلاة والسلام- بنفسه ورمى بيده الشريفة.

يقول "وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال حدثنا أبو المحياة ح وحدثنا يحيى بن يحيى واللفظ له، قال أخبرنا يحيى بن يعلى أبو المحياة عن سلمة بن كهيل عن عبد الرحمن بن يزيد قال: قيل لعبد الله: إن ناساً يرمون الجمرة من فوق العقبة، قال: فرماها عبد الله من بطن الوادي، ثم قال: من هاهنا والذي لا إله غيره رماها الذي أنزلت عليه سورة البقرة".

اقرأ

"حدثنا إسحاق بن إبراهيم وعلي بن خشرم، جميعاً عن عيسى بن يونس، قال ابن خشرم أخبرنا عيسى عن ابن جريج، قال أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابراً يقول: "رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يرمي على راحلته يوم النحر ويقول: «لتأخذوا مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه».

وحدثني سلمة بن شبيب، قال حدثنا الحسن بن أعين، قال حدثنا معقل، عن زيد بن أبي أنيسة، عن يحيى بن حصين عن جدته أمِّ الحصين، قال سمعتها تقول: "حججت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حجة الوداع، فرأيته حين رمى جمرة العقبة، وانصرف وهو على راحلته، ومعه بلال وأسامة أحدهما يقود به راحلتَه والآخر رافع ثوبه على رأس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الشمس"، قالت: فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قولاً كثيراً، ثم سمعته يقول: «إن أمِّر عليكم عبد مجدع -حسبتها قالت أسود- يقودكم بكتاب الله تعالى فاسمعوا له وأطيعوا».

وحدثني أحمد بن حنبل، قال حدثنا محمد بن سلمة، عن أبي عبد الرحيم، عن زيد بن أبي أنيسة، عن يحيى بن الحصين عن أم الحصين جدتِه قالت: حججت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حجة الوداع فرأيت أسامة وبلالاً وأحدهما آخذ بخطام ناقة النبي -صلى الله عليه وسلم-، والآخر رافع ثوبه يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة، قال مسلم: واسم أبي عبد الرحيم خالد بن أبي يزيد، وهو خال محمد بن سلمة روى عنه وكيع وحجاج الأعور.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"حدثنا إسحاق بن إبراهيم وعلي بن خشرم جميعاً، عن عيسى بن يونس، قال ابن خشرم، أخبرنا عيسى عن ابن جريج، قال أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابراً يقول: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يرمي على راحلته يوم النحر" النبي -عليه الصلاة والسلام- أدى حجته أو غالب حجته وهو راكب، ومنها الرمي، "رمى وهو راكب على راحلته" ولذا يرى بعضهم أن الركوب حال الرمي أفضل من الرمي وهو ماشي، وبعضهم يقول: الأرفق بالإنسان يفعله، إن احتاج إلى الركوب أو احتيج إليه من غيره كما احتيج إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- ليرى؛ ولئلا يزدحم عليه الناس على ما تقدم، إن كان ممن احتاج إلى مثل هذا فهو في حقه أفضل، وإلا فالأرفق هو الأفضل.

طالب:......

الشيخ: يعني هم يقولون..، هنا الكلام على راحلته يوم النحر، وما في وقوف يوم النحر ما في وقوف، يعني هل جاء اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر راكب وإلا ماشي؟ سيأتي إن شاء الله تعالى، لكن ما دام جمرة العقبة وهو راكب والحكم للجميع، مبدأ الرمي من الركوب هل هو أفضل أو لا؟ يأتي تفصيله إن شاء الله تعالى.

على كل حال يستدل بالخبر من يرى أن الركوب أفضل في الرمي وفي الوقوف وفي جميع ما ركب النبي -عليه الصلاة والسلام- فيه، وأصل المسألة الحج كله، هل الأفضل الركوب فيه أو المشي؟

النبي -عليه الصلاة والسلام- حج راكب، والآية: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا} [(27) سورة الحـج]، فقدم الرجال، بعض أهل العلم يقول: تقديمهم دليل على أن المشي أفضل.

"رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يرمي على راحلته يوم النحر ويقول: «لتأخذوا مناسككم»" اللام هذه لام الأمر، وجاء بصريحه فقال: «خذوا عني مناسككم»، كما قال بالنسبة للصلاة: «صلوا كما رأيتموني أصلي»، وهذه قاعدة عامة يستدل بها العلماء على إيجاب الواجب وعدم إيجاب غيره بهذا الأمر، على خلافٍ بينهم في تفاصيل في الواجبات والمستحبات، وإن كانت داخلةً في مطلق الأمر، فمنها ما حملوه على الوجوب لما يحتف به، ومنها ما حملوه على الاستحباب لما يحتف به، المقصود أن هذا اللفظ العام المطلق يدخل فيه جميع أفعاله -عليه الصلاة والسلام-.

"«فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه»" «لتأخذوا عني مناسككم» هذا أمر يشمل الإحرام، يشمل الوقوف، يشمل الطواف ويشمل السعي، بمعنى أنه يشمل الأركان، ويشمل أيضاً المبيت والرمي وغيرهما من الواجبات، ويدخل فيه أيضاً المستحبات، وكلها في دائرة المأمور به «لتأخذوا»، فدلالة هذا الأمر على هذه الأمور مستوية أو غير مستوية؟

طالب:......

يعني مثل «صلوا كما رأيتموني أصلي» أمر يقتضي أن نركع وأن نقرأ وأن نسجد، نعم، وأن نأتي بالواجبات وأن نأتي بالسنن، لنصلي كما كان يصلي، فهذا الأمر المفرد «صلوا كما رأيتموني أصلي» يتناول الأنواع الثلاثة المطلوبة، وهنا «لتأخذوا عني» و«خذوا عني» تتناول الأمور الثلاثة، فهل في هذا مستمسك لمن يرى جواز استعمال اللفظ الواحد بجميع معانيه؟

طالب:......

الشيخ: لا، هم إذا أرادوا أن يستدلوا على المفردات بهذا الأصل، فدلالته على الأركان مثل دلالته على الواجبات ومثل دلالته على المستحبات، لكن لماذا جعلوا هذه أركان وهذه واجبات وهذه مستحبات؟ أدلة أخرى.

طالب:......

الشيخ: الأصل أن حجته بيان لما أوجب الله -جل وعلا- عليه وعلى أمته، وبيان الواجب واجب عند أهل العلم، يبدو أن محل السؤال ما فُهم!

الآن: ألا يقول   بعض الشافعية بجواز استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه في آنٍ واحد؟

طالب:......

الشيخ: والجمهور يمنعون من هذا، لا يستعمل في أكثر من معنى اللفظ الواحد، يعني لو جاء شخص شجاع وأبخر في الوقت نفسه تنبعث من فمه روائح كريهة هذا يسمونه أيش؟ أبخر، شجاع يشبه الأسد في الشجاعة ويشبه الأسد في البخر، لو قال له جاء أسد، هل يقصد الوصف الأول أو الوصف الثاني أو يقصدهما معاً؟

طالب:......

الشيخ: أو يستعملهما معاً؟ يستعمل اللفظ الواحد في معنييه؟ الجمهور لا.

طالب:......

الشيخ: يعني لو دخل شخص طويل العمر وطويل القامة فقال قائل: دخل الطويل..

طالب:......

كيف؟

طالب:......

الشيخ: أيهما؟ ألا يمكن أن يكون طويل العمر وقصير القامة أو العكس؟

طالب:......

الشيخ: يعني هذا المتحدث يقصد الأمرين معاً أو يقصد أحدهما؟

طالب:......

الشيخ: لا لا، المسألة علمية اصطلاحية، الجمهور يقولون ما يمكن.

طالب:......

الشيخ: أنتم الآن متهيئين للبحث في مثل هذه وإلا تمر مثل غيرها.

طالب:......

يعني حينما يستدل مستدل على ركنٍ من الأركان يقول: وقف النبي -عليه الصلاة والسلام- وقال: «خذوا عني مناسككم» فالوقوف ركن، ويستدل به على واجب من الواجبات ويقول: بات النبي -عليه الصلاة والسلام- بمزدلفة وقال: «خذوا عني مناسككم» والسنن كثيرة وفعلها قال: «خذوا عني مناسككم» بات ليلة عرفة بمنى وقال: «خذوا عني مناسككم»، يعني دلالة «خذوا عني مناسككم» على حدٍ سواء تؤخذ منها جميع هذه الأنواع الثلاثة، يعني هل نقول أن هذا دليل لمن يقول بجواز استعمال اللفظ في معانيه فضلاً عن معنييه؟

طالب:......

الشيخ: لا، الكلام عن... دعونا من الأدلة الأخرى.

طالب:......

الشيخ: لا لا، أمر صريح «خذوا عني مناسككم»، «صلوا كما رأيتموني أصلي».

طالب:......

الشيخ: من باب المُشتَرك اللفظي، نعم.

طالب:......

 يعني القدر المشترك بين الجميع، يعني يدل على القدر المشترك بين الأمور الثلاثة وهي أنها كلها مطلوبة.

طالب:......

الشيخ: وين؟ إيه؛ لأنه ما يسلم الكلام، ما يسلم من نقض يعني لو أخذناه على عمومه، ما يسلم من نقض، يعني عندهم الأمر حقيقته الوجوب، ومجازه الاستحباب، نعم.

هل تقول –مثلاً- أمر من الأوامر بالنسبة لبعض الناس على سبيل الوجوب، وبعض الناس على سبيل الاستحباب؛ لأنه يوجد بالنسبة لهذا ما يصرف الأمر، هل نقول أن دلالة الخبر على الاثنين، أو نقول على أنه يدل على ما وضع له في الأصل والثاني يطلب له دليل آخر؟

طالب:......

الشيخ: هذا الأصل، أنه دلالته على معنىً واحد، يبدو أن المسألة تحتاج إلى مزيد إيضاح بالأمثلة، والوقت لا يستوعب.

طالب:......

الشيخ: الأصل أنه يتناول حقيقة فقط، والمعاني الأخرى المجازية ما يتناولها.

طالب: هذا قول الجمهور يا شيخ؟

هذا قول الجمهور إيه، لو الدرس عادي يعني انتهينا ما انتهينا معنا وقت كان تبسط المسألة بأمثلتها، لكن تعرفون الدورات لها ظروفها.  

"ويقول: «لتأخذوا مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحد بعد حجتي هذه»" ومن هذه الجملة أخذ الصحابة ومن بعدهم تسمية هذه الحجة وأنها حجة الوداع.

"وحدثني سلمة بن شبيب، قال حدثنا الحسن بن أعين، قال حدثنا معقل، عن زيد بن أبي أنيسة، عن يحيى بن حصين عن جدته أم الحصين قال سمعتها تقول: حججت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حجة الوداع فرأيته حين رمى جمرة العقبة وانصرف وهو على راحلته، ومعه بلال وأسامة أحدهما يقود به راحلتَه -عليه الصلاة السلام- والآخر رافع ثوبه على رأس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يظلله عن حر الشمس" رافعٌ ثوبه، إعراب ثوبَه: مفعول به لاسم الفاعل؛ لأن اسم الفاعل وسائر المشتقات تعمل عمل فعلها، لكن هل الأفصح هنا أن نقول: رافعٌ ثوبَه أو رافعُ ثوبِه، {إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ} [(3) سورة الطلاق]، {مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا} [(45) سورة النازعات]، هنا إضافة، هل نقول الإضافة هنا أفضل وإلا التنوين ونصب المعمول أفضل؟ وهل هناك فرقٌ بين أن يقال -أن يقول القائل-: "أنا قاتلٌ زيداً"، وبين أن يقول: "أنا قاتلُ زيدٍ".

طالب:......

"قاتلٌ زيداً" مستقبل تهديد هذا، وإذا قال: "أنا قاتلُ زيدٍ" هذا أيش؟ اعتراف، هذا اسم فاعل إيه، والآخر رافع الصيغة صيغة فاعل اسم فاعل لكنها تعمل عمل الفعل.

طالب:......

الشيخ: وين؟ على حسب دلالته على المضي أو الاستقبال.

"على رأس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الشمس" فالاستظلال جائز على أن لا يكون بملاصق، وإن منعه بعض أهل العلم وقالوا: لا يستظل، ويستدلون بأقوال الصحابة: إضحَ لمن أحرمت له، بقول عمر وابن عمر وغيرهما، على كل حال الأفضل أن يكون الإنسان بادياً ما لم يشق عليه هذا، وإلا فالله -جل وعلا- عن تعذيب الإنسان نفسه غني لا سيما وقد ثبت هذا الفعل عنه -عليه الصلاة والسلام- أما كشف السيارات وإتلاف الأموال بهذه الطريقة فليس من هديه -عليه الصلاة والسلام-.

"قالت: فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قولاً كثيراً، ثم سمعته يقول: «إن أُمِّر عليكم عبد مجدع»" يعني مجدع الأطراف، "حسبتها قالت أسود" كلها أوصاف نقص، عبد، ومجدّع، وأسود، ويقودكم بهذا الشرط، "«يقودكم بكتاب الله تعالى فاسمعوا له وأطيعوا»" بهذا الشرط، وعلى هذا تكون البيعة.

عبدٌ أسود، الإمامة العظمى لها شروط عند أهل العلم، منها أن يكون قرشياً، الأئمة من قريش، ومنها الكفاءة، ومنها أمور كثيرة جداً، والعبد هذا مشغول بخدمة سيده، فكيف يصح أن يكون قائداً لغيره ويُسمع له ويُطيع؟ ولأهل العلم أجوبة، منهم من يقول: إن المراد به ليس هو هذا الإمام الأعظم، وإنما من يعينه الإمام الأعظم، عين شخص بهذه الأوصاف ليس لك حق أن تعترض.

يعني ولي أميراً –مثلاً- على منطقة من المناطق من قبل ولي الأمر -الإمام الأعظم- هل لأحد أن يعترض عليه على أن يقود الناس بكتاب الله؟

مهما كانت أوصافه ليس له أن يعترض، والشروط للإمام الأعظم.

الإمام الأعظم حمله بعضهم حتى هذا على الإمام الأعظم إذا غلب الناس، يعني في حال القهر، واستتب له الأمر، ولو اختلت الشروط تجب طاعته؛ لأن الخروج عليه يلزم عليه ما يلزم من الضياع التام للأرواح وللأديان وللأعراض وللأموال ولكل شيء.

يقول: "وحدثني أحمد بن حنبل، قال حدثنا محمد بن سلمة، عن أبي عبد الرحيم" وسماه الإمام فيما بعد بأنه خالد بن أبي يزيد، "عن زيد بن أبي أنيسة، عن يحيى بن الحصين، عن أم الحصين جدتِه، قالت: حججت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حجة الوداع فرأيت أسامة وبلالاً، وأحدهما آخذ بخطام ناقة النبي -صلى الله عليه وسلم-، والآخرُ رافعٌ ثوبه يستره من الحرّ، حتى رمى جمرة العقبة".

"وقال مسلم" الإمام صاحب الصحيح، "واسم أبي عبد الرحيم: خالد بن أبي يزيد وهو خال محمد بن سلمة الراوي عنه، روى عنه وكيع وحجاج الأعور" وبذلك ترتفع عنه الجهالة، ويكفي تخريج الإمام مسلم له، كفى بتخريج الإمام مسلم له توثيقاً، والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد..

"