شرح مقدمة صحيح مسلم (09)
سم.
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين قال الإمام مسلم- رحمه الله تعالى-: حدثني عمرو بن علي أبو حفص قال سمعت معاذ بن معاذ يقول قلت لعوف بن أبي جميلة إن عمرو بن عبيد حدثنا عن الحسن أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «من حمل علينا السلاح فليس منا» قال كذب والله عمرو ولكنه أراد أن يحوزها إلى قوله الخبيث، وحدثنا عبيد الله بن عمر القواريري قال حدثنا حماد بن زيد قال كان رجل قد لزم أيوب وسمع منه ففقده أيوب فقالوا له يا أبا بكر إنه قد لزم عمرو بن عبيد قال حماد فبينا أنا يوما مع أيوب وقد بكرنا إلى السوق فاستقبله الرجل فسلم عليه أيوب وسأله ثم قال له أيوب بلغني أنك لزمت ذلك الرجل قال حماد سماه يعني عمرا قال نعم يا أبا بكر إنه يجيئنا بأشياء غرائب قال يقول له أيوب إنما نفر أو نفرَق من تلك الغرائب، وحدثني حجاج بن الشاعر قال حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا ابن زيد يعني حمادا قال قيل لأيوب إن عمرو بن عبيد روى عن الحسن قال لا يجلد السكران من النبيذ فقال كذب أنا سمعت الحسن يقول يجلد السكران من النبيذ، وحدثنا حجاج قال حدثنا سليمان بن حرب قال سمعت سلام بن أبي مطيع يقول بلغ أيوب أني آتي عمرا فأقبل علي يوما فقال أرأيت رجلا لا تأمنه على دينه كيف تأمنه على الحديث، وحدثني سلمة بن شبيب قال حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان قال سمعت أبا موسى يقول حدثنا عمرو بن عبيد قبل أن يحدث حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري قال حدثنا أبي قال كتبت إلى شعبة أسأله عن أبي شيبة قاضي واسط فكتب إليّ لا تكتب عنه شيئا ومزق كتابي، قال وحدثنا الحلواني قال سمعت عفان قال حدثت حماد بن سلمة عن صالح المُري بحديث عن ثابت فقال كذب وحدثت همام عن صالح المري بحديث فقال كذب، وحدثنا محمود بن غيلان قال حدثنا أبو داود قال قال لي شعبة ائت جرير بن حازم وقل له لا يحل لك أن تروي عن الحسن بن عمارة فإنه يكذب قال أبو داود قلت لشعبة وكيف ذاك؟ قال حدثنا عن الحكم بأشياء لم أجد لها أصلا قال قلت له بأي شيء؟ قال قلت للحكم أصلى النبي -صلى الله عليه وسلم- على قتلى أحد؟ قال لم يصل عليهم فقال الحسن بن عمارة عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما إن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى عليهم ودفنهم، قلت للحكم ما تقول في أولاد الزنا قال يصلى عليهم قلت من حديث من حديث من يروى؟ قال يروى عن الحسن البصري فقال الحسن بن عمارة حدثنا الحكم عن يحيى بن الجزار عن علي رضي الله عنه وحدثنا الحسن الحلواني قال سمعت يزيد بن هارون وذكر زياد بن ميمون فقال حلفت ألا أروي عنه شيئا ولا عن خالد بن محدوج، وقال لقيت زياد بن ميمون فسألته عن حديث فحدثني به عن بكر المزني ثم عدت إليه فحدثني به عن مورق ثم عدت إليه فحدثني به عن الحسن وكان ينسبهما إلى الكذب، قال الحلواني سمعت عبد الصمد وذكرت عنده زياد بن ميمون فنسبه إلى الكذب، وحدثنا محمود بن غيلان قال قلت لأبي داود الطيالسي قد أكثرت عن عباد بن منصور فما لك لم تسمع منه حديث العطارة التي روى لنا النضر بن شميل قال لي اسكت فأنا لقيت زياد بن ميمون وعبد الرحمن بن مهدي فسألناه فقلنا له هذه الأحاديث التي ترويها عن أنس فقال أرأيتما رجلا يذنب فيتوب أليس يتوب الله عليه؟ قال فقلنا نعم، قال: ما سمعت من أنس من ذا قليلا ولا كثيرا إن كان لا يعلم الناس فأنتم ألا تعلمان أني لم ألق أنسًا، قال أبو داود فبلغنا بعد أنه يروي فأتيناه أنا وعبد الرحمن فقال ثم بعد كان يحدث فتركناه، حدثنا حسن الحلواني قال سمعت شبابة قال كان عبد القدوس يحدثنا فيقول سويد بن علقة قال شبابة وسمعت عبد القدوس يقول نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن تتخذ الروح عرضا قال فقيل له أي شيء هذا؟ قال يعني تتخذ كوة في حائط ليَدخل عليه الروح، قال مسلم وسمعت عبيد الله عبيدَ الله بن عمر القواريري يقول سمعت حماد بن زيد يقول لرجل بعدما جلس مهدي بن قال بعدما جلس مهدي بن هلال بأيام قال ما هذه العين المالحة التي نبعت قبلكم قال نعم يا أبا إسماعيل، وحدثنا الحسن الحلواني قال سمعت عفان قال سمعت أبا عوانة قال ما بلغني عن الحسن حديث إلا أتيت به أبان بن أبي عياش فقرأه عليّ، وحدثنا سويد بن سعيد قال حدثنا علي بن مسلم قال سمعت أنا وحمزة الزيات من أبان بن أبي عياش نحوا من ألف حديث قال علي فلقيت حمزة فأخبرني أنه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- في المنام فعرض عليه ما سمع من أبان فما عرف منها إلا شيئا يسيرا خمسة أو ستة، وحدثنا عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الرحمن الدارمي قال أخبرنا زكريا وابن عدي قال قال لي أبو إسحاق الفزاري اكتب عن بقية ما روى عن المعروفين ولا تكتب عنه ما روى عن غير المعروفين قال ولا تكتب عن إسماعيل بن عياش ما روى عن المعروفين ولا غيرهم، وحدثني إسحاق بن إبراهيم الحنظلي قال سمعت بعض أصحاب عبد الله قال قال ابن المبارك نعم الرجل بقية لولا أنه يكني الأسامي ويسم الكنى كان دهرا طويلا يحدثنا عن أبي سعيد الوحاضي فنظرنا فإذا هو عبد القدوس، وحدثنا أحمد بن يوسف الأزدي قال سمعت عبد الرزاق يقول ما رأيت ابن المبارك يفصح بقوله كذاب إلا لعبد القدوس فإني سمعته يقول له كذاب، وحدثنا عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي قال سمعت أبا نعيم وذكر المعلا بن عرفان فقال قال حدثنا أبو وائل عن بن مسعود بصفين فقال أبو نعيم أتراه بعث بعد الموت.
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول الإمام مسلم- رحمه الله تعالى- "حدثنا عمرو بن علي أبو حفص قال سمعت معاذ بن معاذ يقول قلت لعوف بن أبي جميلة يعني المعروف بالأعرابي أن عمرو بن عبيد حدثنا يعني الحسن أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «من حمل علينا السلاح فليس منا» قال كذب والله عمرو ولكنه أراد أن يحوزها إلى قوله الخبيث عمرو بن عبيد من المعتزلة كما هو معروف، والمعتزلة رأيهم في مرتكب الكبيرة أنه خالد مخلد في النار وإن لم يجزموا بكفره في الدنيا كقول الخوارج، فالحديث يؤيد بدعته فمثل هذا الحديث لا يقبل من مثل عمرو بن عبيد، "كذب والله عمرو ولكنه أراد أن يحوزها إلى قوله الخبيث" وجاء في هذا الوعيد الشديد عدة أحاديث مما لا يقتضي الكفر لكن كون هذا الخبر يأتينا من هذا المبتدع الذي يؤيد فيه بدعته لا يقبل منه لأنه يريد أن يحوزها إلى قوله، يستدل بها وينصر بها مذهبه الباطل، وإلا لو رآها لو رواها غيره ممن لا يرى هذا الرأي قبلت هذه السنة؛ ولذا المبتدع إذا روى ما يؤيد بدعته يرد قوله ولا تقبل روايته قال بعد ذلك "وحدثنا عبيد الله بن عمر القواريري قال حدثنا حماد بن زيد قال كان رجل قد لزم أيوب وسمع منه ففقده أيوب فقالوا يا أبا بكر إنه قد لزم عمرو بن عبيد" يعني المعتزلي الذي تقدم ذكره "قال حماد فبينا أنا يوم مع أيوب وقد بكرنا إلى السوق فاستقبله الرجل فسلم عليه أيوب وسأله ثم قال له أيوب بلغني أنك لزمت ذاك الرجل" يعني ذاك الرجل المبتدع وتركت مجلس التحديث عند هذه الثقة وإن لم يقله عن نفسه لكن هذا مفاده يعني يترك شخصا على الجادة ويذهب إلى شخص يأخذ عنه العلم وهو مبتدع ومثل هذا ينكر على من فعله، أن يترك الشخص الذي على الجادة والصراط والسبيل ومع ذلك يذهب إلى شخص منحرف يأخذ عنه العلم مهما كان عنده من العلم، ومهما كان عنده من الغرائب، ومهما كان عنده من الدقائق كل هذا لا يبرر ترك الثقات والمثول بين يدي المبتدعة، "فسلم عليه أيوب وسأله ثم قال له أيوب بلغني أنك لزمت ذاك الرجل قال حماد سماه يعني عمرا يعني عمرو بن عبيد قال نعم يا أبا بكر إنه يجيئنا بأشياء غرائب قال يقول له أيوب إنما نفر ونهرب أو نفرق يعني نخاف من تلك الغرائب" إنما نخاف من تلك الغرائب فليس بمبرر أن يوجد عند شخص من الغرائب والنوادر والطرائف ما يجعل طالب العلم ينصرف إليه وهو عنده ما عنده من المخالفات ويترك العلماء الثقات الأثبات هذا لا يبرر له ترك أهل العلم والانصراف إلى غيرهم، "ثم قال حدثني الحجاج بن الشاعري قال حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا ابن زيد- يعني حمادا- قال قيل لأيوب إن عمرو بن عبيد روى عن الحسن قال لا يجلد السكران من النبيذ فقال كذب أنا سمعت الحسن يقول يجلد السكران من النبيذ" يعني من قوله، هم ينقلون قول الحسن في المسألة هل يجلد أو لا يجلد فإن كان النبيذ يراد به ما يسكر ويغطي العقل لأنه يطلق النبيذ على الخمر الذي يغطي العقل تغطية هذا لا شك أن حده ثابت بالنص وهذا لا يخضع لاجتهاد الحسن ولا لغيره فهو يحد، وإن كان المراد به النبيذ الذي لا يسكر مما هو مظنة للإسكار الذي يقول بجوازه بعض أهل الرأي ويحرمه الجمهور فجلده من باب التعزير، يعني لو أن شخصا شافعيا أو حنبليا أو مالكيا شرب من النبيذ الذي يمنعه إمامه من شربه مثل هذا يعزر، لكن لو قال والله أنا حنفي وأبو حنيفة يجوِّز شرب النبيذ ويجيز الوضوء بالنبيذ هو لا يحد في هذه الحالة لكن إن سكر حُد لأنه القدر الذي يبيحونه من النبيذ وهو إذا مر عليه أكثر من أربع وعشرين ساعة يوم وليلة صار مظنة لاسيما مع شدة الحرارة- حرارة الجو- صار مظنة للإسكار فيُمنع من قبل الجمهور لأنه مظنة، ويبيحه من يبيحه لأنه غير مسكر، والنبي -عليه الصلاة والسلام- كان ينتبذ له يلقى إليه الزبيب في الماء، يلقى له التمر في الماء ليكون طعمه حلوا لكن لا تطول به المدة حتى يتغير ويشتد ويقذف بالزبد ولو لم يصل إلى حد الإسكار، فالنبيذ لا شك أنه لا يجوز عند جمهور أهل العلم؛ ولذا قال: "كذب أنا سمعت الحسن يقول يجلد السكران من النبيذ" يعني إذا سكر لا شك أنه يجلد حد الخمر، أما إذا شربه قبل أن يشتد ويقذف بالزبد ويصل إلى حد الإسكار مما يبيحه الحنفية فإن هذا عند من يمنعه يجلد تعزيرا يعني يضرب أسواط يسيرة تعزيرا لئلا يعود إلى هذه المعصية لا مانع أما أنه يجلد الحد فلا، "قال وحدثني حجاج قال حدثنا سليمان بن حرب قال سمعت سلام بن أبي مطيع يقول بلغ أيوب أني آتي عمرا" يعني أيوب السختياني "أني آتي عمرا" يعني ابن عبيد "فأقبل علي يوما فقال أرأيت رجلا لا تأمنه على دينه فكيف تأمنه على حديث" يعني إذا كان دينه الذي هو رأس ماله لا يؤمن عليه وقد حصل منه الإخلال فيه فكيف تأمنه على الحديث؟! لأن العدالة وهي لزوم التقوى والمروءة شرط في قبول الرواية ومن ليس بعدل لا تقبل روايته فكيف تأمنه على الحديث؟ "وحدثني سلمة بن شبيب قال حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان قال سمعت أبا موسى يقول حدثنا عمرو بن عبيد قبل أن يحدث" قبل أن يبتدع، قبل أن يحدث في الدين، «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» وقد أحدث يقول بالقدر، ويقول بخلق القرآن، ويقول بعظائم الأمور وينفي الرؤية؛ لأنه على مذهب المعتزلة وهذا قولهم فهذه محدثات، فكان مقبول الرواية قبل أن يحدث وبعد أن أحدث صار مبتدعا مردود الرواية "قال حدثني عبيد الله بن معاذ العنبري قال حدثنا أبي قال كتبت إلى شعبة أسأله عن أبي شيبة قاضي واسط فكتب إلي لا تكتب عنه شيئا ومزق كتابي" هذا قاضي ولا شك أن القضاء له رجاله، لكن لا يعني أنه مادام قاضي أنه يكون من حفاظ الحديث وأئمة الحديث هو مقبول الرواية، تقدم لنا أن ابن أبي ليلى من كبار القضاة ومع ذلك سيء الحفظ روايته فيها ضعف، وهذا أيضا أبو شيبة قاضي واسط لكن لا يعني أنه تقبل روايته "قال لا تكتب عنه شيئا ومزق كتابي" يخشى أن يقع في يده أو في يد من له به صلة فيحصل بذلك مفسدة؛ لأن مسألة النصيحة ينبغي أن تكون بين الناصح والمنصوح لا يتعدى أمرها إلى غيرهما، "وحدثنا الحلواني قال سمعت عفان قال حدثت حماد بن سلمة عن صالح المُري بحديث عن ثابت فقال كذب وحدثت هماما عن صالح المُري بحديث فقال كذب" صالح المري ضعيف عند أهل العلم وهو معروف بصلاحه واستقامته على الدين وحرصه عليه، لكنه ممن قفل عن حفظ الحديث فصار يكثر الخطأ في حديثه فصحت نسبة الكذب إليه الذي هو بمعنى الخطأ، "وحدثنا محمود بن غيلان قال حدثنا أبو داود قال قال لي شعبة ائت جرير بن حازم فقل له لا يحل لك أن تروي عن الحسن بن عمارة فإنه يكذب قال أبو داود قلت لشعبة وكيف ذاك؟ فقال حدثنا عن الحكم بأشياء لم أجد لها أصلا" يعني لم يجد لها ذكرا عند أصحاب الحكم، "قلت له بأي شيء؟ قال قلت للحكم أصلى النبي -صلى الله عليه وسلم- على قتلى أحد؟ فقال لم يصل عليهم، فقال الحسن بن عمارة عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى عليهم ودفنهم" معروف أن الشهيد شهيد المعركة لا يصلى عليه، والنبي -عليه الصلاة والسلام- دفن الشهداء بدون صلاة، لكنه في آخر حياته -عليه الصلاة والسلام- بعد ثماني سنين ذهب إليهم وصلى عليهم كالمودع لهم، على خلاف ما المراد بهذه الصلاة، وأما الشهيد فلا يصلى عليه لكن صلاته عليهم من أهل العلم من يرى أنه أنها الصلاة اللغوية يعني دعا لهم، " صلى عليهم ودفنهم قلت للحكم ما تقول في أولاد الزنا قال يصلى عليهم قلت من حديث من يروى قال يروى عن الحسن البصري فقال الحسن بن عمارة حدثنا الحكم عن يحيى بن الجزار عن علي" فنسبه إلى علي وإنما هو من كلام الحسن فدل على أن الحسن بن عمارة يكذب يعني إما أن يكون عن قصد أو غير قصد، المقصود أن الخطأ يقع وما يخالف الواقع يقع في حديثه، "قال وحدثنا الحسن الحلواني قال سمعت يزيد بن هارون وذكر زياد بن ميمون فقال حلفت ألا أروي عنه شيئا ولا عن خالد بن محدوج وقال لقيت زياد بن ميمون فسألته عن حديث حدثني به عن بكر المزني ثم عدت إليه فحدثني به عن مورق ثم عدت إليه فحدثني به عن الحسن وكان ينسبهما إلى الكذب" الآن هذا الذي ا لذي حدث بالحديث على هذه الأوجه هل لأنه يرويها من هذه الأوجه أو لأنه لم يضبطها ولم يتقنها فمرة يرويها عن فلان ومرة يرويها هذه عادة من يحصل الخلل في كلامه أو من لم يضبط ما يقول، الذي لا يضبط تجده مرة ينسب إلى فلان ومرة إلى فلان هذا خلل في الضبط، هذا إن لم يكن مقصودا أو يكون الكلام مختلقا لأن الكلام إذا كان مختلقا لا أصل له فإن صاحبه لا يثبت على قدم؛ لأنه ليس عنده أساس يرجع إليه، الشخص الذي يروي عن شخص ويضبط هذه الرواية عن شخص لا ينساه أو ينسبه إلى غيره، لكن الشخص الذي لم يضبط القول تجده أحيانا ينسبه إلى فلان أو إلى فلان أو لا يدري من تكلم به أو تجده يقول لا يروي عن أحد أصلا، فتجده مرة ينسبه إلى فلان ينسى فينسبه إلى فلان وهكذا، "وكان ينسبهما إلى الكذب" يعني زياد بن ميمون وخالد بن محدوج "قال الحلواني سمعت عبد الصمد وذكرت عنده زياد بن ميمون ونسبه إلى الكذب" وكل هذا كلام في الرواة، وبعضهم من الصالحين، ولا يعني أن هذا من الغيبة المحرمة على ما سيأتي بل هو من النصيحة لله ولدينه لا بد لأن هذا لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وليس الغرض من ذلك التفكه في الأعراض وإنما المراد منه بيان ما يجب بيانه مما يترتب عليه ثبوت الأخبار أو عدم ثبوتها، "قال وحدثنا محمود بن غيلان قال قلت لأبي داود الطيالسي قد أكثرت عن عباد بن منصور فمالك لم تسمع منه حديث العطارة الذي روى لنا النضر بن شميل قال لي أسكت فأنا لقيت زياد بن ميمون وعبد الرحمن بن مهدي" مضبوط بماذا عندكم؟
طالب: ..............
يعني أنا لقيت زياد بن ميمون وعبد الرحمن فسألناه؟ أو فسألتهما؟ يعني إذا كان مضبوطا بالفتح..
طالب: ..............
بالضم هذا المتعين؛ لأنه لو كان بالفتح لقيت زياد بن ميمون وعبد الرحمن قال فسألتهما عن هذه الأحاديث لكن يقول لقيت زياد بن ميمون وعبد الرحمن يعني لقيت أنا وعبد الرحمن بن مهدي زياد بن ميمون "فسألناه فقلنا له هذه الأحاديث التي يرويها عن أنس فقال أرأيتما رجلا يذنب فيتوب أليس يتوب الله عليه قال قلنا نعم" هو جاء لهم بهذه المقدمة ليبين له أنه تاب مما كان يقترف، يقول أليست التوبة مقبولة؟ قال نعم مادام التوبة مقبولة وأنا تائب إذًا تقبلون توبتي "أليس يتوب الله عليّ قلنا نعم، قال ما سمعت من أنس من ذا قليلا ولا كثيرا إن كان لا يعلم الناس فأنتما لا تعلمان أني لم ألق أنسا قال أبو داود فبلغنا بعد أنه يروي فأتيناه أنا وعبد الرحمن هذه موضحة فقال أتوب ثم كان بعد يحدث فتركناه" وهذه حال كثير من الناس تجده عند المواجهة لا يثبت إذا شذ برأي أو أخطأ في شيء وتعصب لرأيه أو كان من هؤلاء الوضاعين الكذابين يتوب لكن لا يوفق للتوبة، في الغالب أن مثل من يصر لا يوفق للتوبة فتجده إذا قوبل ووجه أو نسب إليه قول يشذ فيه إذا ووجه إما أن يقول أنه رجع عنه أو يقول أن ما ينسب إليه ليس بصحيح أو فهموا عني غلطا ثم بعد ذلك يقرر ما نسب إليه وهذا موجود يقول "حديث العطارة فأتيناه أنا وعبد الرحمن" نعم هذه واو عاطفة عاطفة على ضمير الرفع المتصل فلا بد من الفاصل، الأولى الفصل فصل بالمفعول في الموضع الأول "لقيت زياد بن منصور وعبد الرحمن" يعني أنا وعبد الرحمن الثانية ما فيه فاصل فأتيناه أنا فاضطر أن يأتي بضمير الفصل.
وإن على ضمير رفع متصل |
|
عطفت فافصل بالضمير المنفصل |
أو فاصل ما و بلا فصل يرد |
|
في النظم فاشيا وضعفه اعتقد |
"فقال تبت فكان بعد يحدث فتركناه" قلنا حديث العطارة قال القاضي عياض- رحمه الله- وحديث رواه زياد بن ميمون هذا عن أنس أن امرأة يقال لها الحولاء عطارة كانت في المدينة فدخلت على عائشة- رضي الله عنها- وذكرت خبرها مع زوجها وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- ذكر لها في فضل الزوج وهو حديث طويل غير صحيح، ذكره ابن وضاح بكماله ويقال إن هذه العطارة هي الحولاء بنت تويت الحولاء هذه التي كانت لها حبل مشدود في بيتها إذا تعبت من القيام تعلقت به فقال النبي -عليه الصلاة والسلام- في الصحيح «مه، عليكم من الدين ما تطيقون فإنه لن يشاد الدين أحد إلا غلبه» المقصود أن هذه الحولاء هل يقدح فيها أن روي حديث العطارة وذكر قصة لها يضيرها أو لا يضيرها؟ لا يضيرها يعني لو ثبت أن التصريح باسمها لا يضيرها لأن الكذب والوضع جاء ممن دونها وليس منها.
طالب: ..............
في ماذا؟
طالب: ..............
نعم، كيف؟
طالب: ..............
نعم لا هو يقول ليبين له أنه ما روى هذا الحديث يعني فاته هذا الحديث وإلا ذكره.. لأنه كذاب.
طالب: ..............
يقول هنا في الشرح ماذا قال، حديث العطارة قال: لقيت زياد بن ميمون وعبد الرحمن فعبد الرحمن معطوف فأنتما لا تعلمان معناه فأنتما تعلمان، طيّب نعود إلى المتن "وحدثنا محمود بن غيلان قال قلت لأبي داود الطيالسي قد أكثرت عن عباد بن منصور عن عباد بن منصور فمالك لم تسمع منه حديث العطارة الذي روى النضر بن شميل قال لي اسكت لقيت زياد... إلى آخره، نعم ما الرابط بين أول الخبر لا، قد يكون بعض الأخبار تكون سبب لقصة سببا لإيراد قصة ولا يكون لها ارتباط بالقصة إنما تكون سببا لإيراد القصة.
طالب: ..............
نعم صارت سببا لإيراد هذه القصة التي بعدها، "قال حدثنا حسن الحلواني قال سمعت شبابة قال كان عبد القدوس يحدثنا فيقول سويد بن عقَلة" وصوابه غفَلة يعني يصحّف "كان عبد القدوس يحدثنا فيقول سويد بن عقَلة" يعني وصوابه سويد بن غفَلة "قال شبابة فسمعت عبد القدوس يقول نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يتخذ الرَّوحُ عرْضا" الرَّوح يعني الريح، الريح التي تهب في أوقات الحر مثلا فيفتح لها فتحة في الجدار ما تصلح عرضا تصير طول أفضل وهذا من تصحيفه ليس هذا المراد، إنما نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يتخذ الرُّوح غرضا الرُّوح يعني ما فيه روح من حيوان أو طائر أو شبهه غرضا للسهام والنبال فهذا من تصحيفه ظاهر أو ليس بظاهر؟ هو يقول نهى أن يتخذ الرَّوح عرضا، يعني ما تتخذ النافذة عرضا هكذا اجعلها طولا كي تدخل عليك الهواء، والحديث نهى أن يختذ الرُّوح غرضا يعني ما فيه روح لا يجوز أن يكون غرضا للسهام، يعني حينما يضعون علامة ينصبون شيئا يترامون فيه أيهم يصيبه لا يجوز أن يكون له روح، يجعلون أي شيء يترامون أي جماد يمكن أن يتخذ غرضا لا بأس به، لكن ما فيه روح لا يجوز أن يتخذ غرضا للسهام ولا للرماح، "قال فقيل له أي شيء هذا قال يعني تتخذ كوّة في حائط ليدخل عليها الروح" يعني الريح قال مسلم: "وأنا سمعت عبيد الله بن عمر القواريري يقول سمعت حماد بن زيد يقول لرجل بعدما جلس مهدي بن هلال بأيام ما هذه العَين المالحة التي نبعت قِبَلكم يعني أبا إسماعيل" العين المالحة الأصل أن الكلام الطيّب حلو والكلام الذي هو بضده سماه مالحا فإذا كانت آراء طيّبة ونقول صحيحة تكون حلوة، أما إذا جاء من شخص ما هو بخلاف ذلك من آراء خاطئة أو نقول ليست بصحيحة تكون مالحة فيكون المكان الذي وجد فيه هذا الشخص الذي تصدر عنه هذه الأقوال الخاطئة أو النقول المكذوبة هو النبع التي تنبع منه هذه المياه المالحة، "فيقول ما هذه ما هذه العين المالحة التي التي نبعت قبلكم قال نعم يا أبا إسماعيل" وأبو إسماعيل كأنها كنية حماد بن زيد وهذه موافقة قال نعم أوافقك على أن ما يصدر من هذا الرجل أو من هذه الجهة ليس بصحيح، "وحدثنا الحسن الحلواني قال سمعت عفان قال سمعت أبا عوانة قال ما بلغني عن الحسن حديث إلا أتيت به أبان بن أبي عياش فقرأه عليّ" معنى هذا الكلام أن أبان كان يحدث عن الحسن بكل ما يُسأل عنه لا يتورع عن بعض الأخبار لا يعني أحيانا يقول صحيح وأحيانا يقول لا والله ما سمعته لا بد أن يحدث به وهذا طعن شديد فيه، "قال وحدثنا سويد بن سعيد قال حدثنا علي بن مسلم قال سمعت أنا وحمزة الزيات من أبانِ" أو أبانَ ممنوع من الصرف أو مصروف بفتح النون يصير ممنوعا من الصرف وممن يقول بمنعه ابن مالك صاحب الألفية والأكثر على صرفه، وتقدم القول أن من منع أبان فهو أتان فكلام قوي لاسيما وأن من يقول به من أئمة أهل العربية، على كل حال مرد الكلام والخلاف إلى أخذ الكلمة هو من الإبانة يعني القطع أو من الإباء وهو الرفض؟ فإن كان من الإباء فالألف والنون مزيدتان فهو يمنع من الصرف لأنه مزيد بالألف والنون فيه زيادة ألف ونون فيمنع من الصرف من الإباء والرفض، وإن كان من الإبانة التي هي القطع وهذا أظهر فيصرف، على أنه يمكن منعه من الصرف لمانع آخر وهو وزن الفعل أبانَ فهذا مانع آخر يقوي رأي ابن مالك، وعلى كل حال بعض الألفاظ التي يطلقها بعض من ينتصر لقوله أو للقول الذي يرجحه لا تمنع المحقق المحرر من التصريح بما يرى ولو قال أتان العبرة بالصواب، "قال وحدثنا سويد بن سعيد قال حدثنا علي بن مسهر قال سمعت أنا وحمزة الزيات" وأتى بالفاصل أنا وجوبا للعطف على ضمير الرفع المتصل "من أبان بن أبي عياش نحوا من ألف حديث قال علي يعني ابن مسهر فلقيت حمزة يعني الزيات فأخبرني أنه رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- في المنام فعرض عليه ما سمع من أبان فما عرف منه إلا شيئا يسيرا خمسة أو ستة من ألف" وذكرنا مرارا أن مثل هذا العرض في الرؤيا لا يثبت به شيء، لا يثبت حكم شرعي ولا يثبت تصحيح ولا تضعيف، والنبي -عليه الصلاة والسلام- من رآه في المنام كأنما رآه في اليقظة، الشيطان لا يتمثل به، لكن الدين كمل بوفاته -عليه الصلاة والسلام- لو رئي النبي -عليه الصلاة والسلام- يذكر حكما لا أصل له في الكتاب والسنة ما يعتمد، ولو جرح راويا لم يعتمد، إذا ضعّف حديثا صحيحا لا يعتمد لماذا؟ لا لأن الرؤيا مشكوك فيها، الرؤيا حقيقية لا إشكال فيها والشيطان لا يتمثل به لكن حال الرائي ليست حال ضبط هو في حال منام والنائم لا يضبط، إذًا لا يعوّل على قوله، النائم لا يضبط فالخلل ليس في الرؤيا ولا في المرئي إنما الخلل في الرائي؛ ولذلك تجدون الإنسان يرى رؤيا طويلة في المنام ثم بعد ذلك إذا قام من النوم ما ضبط ولا نصفها ولا ربعها فالخلل يتطرق إليه من هذه الحيثية الأمر الثاني أن مثل هذا يفتح باب..
طالب: ..............
هو الدين كمل بلا شك لكن قد يكون قائل مادام هذا هو الرسول -عليه الصلاة والسلام- بخبره الصادق لماذا لا نعوّل على قوله؟ ليس الخلل لا في الرؤية ولا في المرئي الخلل في الرائي؛ لأن هذا أيضا يفتح باب كل من أراد أن ينصر شيئا أو يصحح أويضعف يقول رأيت النبي -عليه الصلاة والسلام- ولم يكتفوا أعني المتصوفة لم يكتفوا برؤيته في المنام حتى ادعوا أنهم يرونه في اليقظة يصحح لهم ويضعف وعولوا على مثل هذا فسد هذا الباب متعيّن متعيّن للخلل في الرائي الناقل عن النبي -عليه الصلاة والسلام- ليس في حال كمال تقبل معها روايته وخبره "قال حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي قال أخبرنا زكريا بن عدي قال قال لي أبو إسحاق الفزاري اكتب عن بقية ما روى عن المعروفين ولا تكتب عنه ما روى عن غير المعروفين" لأنه يأخذ عن كل أحد ويدلس ويسقط الضعفاء فلا يكتب عنه إلا ما يرويه عن المعروفين، أما عن المعروفين لا يؤخذ عنه؛ لأن بعض الناس قد يأخذ عن الراوي ثقة به فمثل هذا الراوي المخلط الذي يأخذ عن الثقات وغيرهم لا يكتب عنه إلا ما يعرف "ولا تكتب عن إسماعيل بن عياش ما روى عن المعروفين ولا عن غيرهم لأنهم لم يتميز ما رواه عن المعروفين ولا عن غيرهم فاستحق الترك، قال وحدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي قال سمعت بعض أصحاب عبد الله قال قال ابن المبارك معروف إيه هذا هو قال سمعت بعض أصحاب عبد الله قال قال ابن المبارك نعم الرجل بقية لولا أنه كان يكني الأسامي ويسمي الكنى كان دهرا طويلا يحدثنا عن أبي سعيد الأحاضي فنظرنا فإذا هو عبد القدوس" يعني يدلس تدليس شيوخ، فتجده يصف الشيخ بما لا يعرف به، يكني الشيخ بما لم يشتهر به، يسميه بما لا يعرف به ليوعر الوصول إليه على الناظر والباحث فمثل هذا قدح في الراوي، "وحدثني أحمد بن يوسف الأزدي قال سمعت عبد الرزاق يقول ما رأيت ابن المبارك يفصح بقوله كذاب" يعني لورعه لورعه لا يفصح بقول فلان كذاب هذا من الورع، والإمام البخاري معروف رأيه في هذا وسيأتي في مراتب التجريح في الألفية إن شاء الله تعالى "ما رأيت ابن المبارك يفصح بقوله كذاب إلا لعبد القدوس" لأنه لا يشك في كذبه وبيان أمره مما يتعين عليه فصرح بأنه كذاب "فإني سمعته يقول له كذاب، وحدثنا عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي قال سمعت أبا نعيم وذكر المعلا بن عرفان فقال قال حدثنا أبو وائل قال خرج علينا ابن مسعود بصفين" ابن مسعود توفي سنة اثنين وثلاثين، عبد الله بن مسعود توفي في خلافة عثمان وصفين في خلافة علي "فقال أبو نعيم أتراه بعث بعد الموت؟!" وهذا مما يتنزل منزلة الإقرار في الحكم عليه بالوضع؛ لأنه إذا ذكر سنا لا يوافق الواقع أو ذكر تاريخا يشهد الواقع ببطلانه فإنه يدل على أن الخبر ليس بصحيح.
والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.