كتاب الصلاة من المحرر في الحديث - 24

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سم.

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين.

قال الإمام ابن عبد الهادي -رحمه الله تعالى- في كتابه المحرر:

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار، أو يجعل صورته صورة حمار)) متفق عليه.

وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الالتفات في الصلاة؟ فقال: ((هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد)) رواه البخاري.

وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يا بني إياك والالتفات في الصلاة، فإن الالتفات في الصلاة هلكة، فإن كان لا بد ففي التطوع لا في الفريضة)) رواه الترمذي وصححه.

وعن سهل بن الحنظلية قال: ثوب بالصلاة -يعني صلاة الصبح- فجعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي ويلتفت إلى الشعب" رواه أبو داود والحاكم وصححه.

وعن أنس -رضي الله عنه- قال: كان قرام لعائشة سترت به جانب بيتها، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((أميطي عنا قرامك هذا، فإنه لا تزال تصاويره تعرض في صلاتي)) رواه البخاري.

وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا صلاة بحضرة طعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان)) رواه مسلم.

وروي عن جابر بن سمرة -رضي الله عنه- قال: أبصر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قوماً رافعي أبصارهم إلى السماء وهم في الصلاة، فقال: ((لينتهين أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة، أو لا ترجع إليهم)).

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((التثاؤب في الصلاة من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم فليكظم ما استطاع)) رواه الترمذي وصححه، ورواه مسلم، ولم يقل: ((في الصلاة)).

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار، أو يجعل صورته صورة حمار))" ((أما يخشى)) أما يخاف الذي يسابق الإمام فيرفع رأسه قبل إمامه في ركوعه أو سجوده، يرفع رأسه من الركوع، أو يرفع رأسه من السجود قبل الإمام، يعني يسابق الإمام؛ لأن صلاة المأموم مرتبطة بإمامه ((إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمد فقولوا: ربنا ولك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا))... إلى آخره، فأعمال المأموم مرتبة على أعمال إمامه هذا الأصل، وهي معطوفة على أعمال الإمام بالفاء التي تقتضي الترتيب كما أنها تقتضي التعقيب، فكما أنه لا يجوز للمأموم أن يسابق الإمام، ولا يوافق الإمام، لا يجوز له أيضاً أن يتأخر كثيراً عن الإمام؛ لأن العطف بالفاء التي تقتضي التعقيب، يعني عقب فعل إمامه يفعل، إذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا... إلى آخره، كلها معطوفة بالفاء، فلا يجوز للمأموم أن يكبر قبل إمامه، فإن كبر قبل إمامه تكبيرة الإحرام لم تنعقد صلاته، وإذا سابقه كبر قبله في غير تكبيرة الإحرام فجمع من أهل العلم يرون أن الصلاة باطلة، وهو رواية معروفة في مذهب الإمام أحمد، ومنهم من يقول: الصلاة صحيحة مع الإثم، ولذا جاء في الحديث: ((أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار)) ما قال: لا صلاة له، أو أن صلاته باطلة، الإثم ثابت؛ لأن هذا وعيد، والوعيد لا يكون إلا على فعل محظور، أو ترك واجب، فدل على أنه حرام، ويأثم فاعله، لكن الأكثر على أن الصلاة لا تبطل أخذاً من هذا الحديث: ((أما يخشى أحدكم)) يعني المصلين ((إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار)) يمسخ رأسه على بدنه الإنساني يعني المسخ يكون للرأس فقط، رأس حمار على بدن إنسان، وهذا المسخ حقيقي عند الأكثر وهو الأصل؛ لأن الأصل إرادة الحقيقة، ومنهم من يقول: يمسخ رأسه رأس حمار يجعل تفكيره وتصرفاته مثل تفكير الحمار وتصرفات الحمار؛ لأنه ما الذي يعجله ولن ينصرف قبل إمامه؟ ما الذي يجعله يرفع رأسه قبل الإمام ولن ينصرف قبله؟ إلا أن فيه شبه مما تؤول حاله إليه وهو الحمار، يرفع رأسه ولا يبالي بشيء، فجوزي بأن يمسخ رأسه إما حقيقة فيجعل مثل رأس الحمار على بدن الإنسان، أو معنىً فيجعل تفكيره وتصرفاته مثل تفكير الحمار وتصرفاته، وهو أبلد الحيوانات على الإطلاق، ولا شك أن هذه بلادة، مسابقة الإمام بلادة من المصلي وإلا ما الذي يستفيده من مسابقة الإمام؟!

((أو يجعل صورته صورة حمار)) يعني يمسخ بالكامل، و(أو) هذه إما أن تكون للشك، يعني هل قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: أن يحول الله رأسه رأس حمار، أو قال: أو يجعل صورته صورة حمار؟ للشك، أو للتقسيم بعضهم تجعل صورته يجعل رأسه رأس حمار على بدن إنسان، وبعضهم يمسخ بالكامل، وأيهما أسهل؟ أن يمسخ بالكامل حمار، أو يمسخ رأسه ويبقى بدنه بدن إنسان؟ يعني يمسخ بالكامل أسهل من أن يمسخ رأسه فقط؟ أسهل؟

طالب:.......

نعم؟

طالب:.......

كلها صعبة، وكلها شديدة على الإنسان، لكن عموماً يعني إذا نظرنا إلى الصورة إنسان يمشي بين الناس ورأسه رأس حمار هذا عظيم بين الناس، هذا أمر لا يطاق، لكن إذا مسخ حمار وعاش مع الحمير، وقد يكون هذا المسخ كفارة لما حصل منه، ولذا يقرر أهل العلم أن مسخ الأبدان أسهل من مسخ القلوب، يعني بينما أنت ترى فلان من الناس في صفوف طلاب العلم ويعد من خيارهم ويشار إليه بالبنان، ثم بعد ذلك ينتكس ويبقى على صورته، لكنه مع ذلك قلبه ممسوخ منكوس، نسأل الله العافية.

وابن القيم -رحمه الله- لما ذكر المسخ وكثرته في هذه الأمة في آخر الزمان، قال: يكون في طائفتين، ذكر الحكام الظلمة الذين يحكمون بأهوائهم ويظلمون الناس، وذكر منهم العلماء الذين يغيرون الدين باجتهاداتهم الباطلة تبعاً لأهوائهم ومصالحهم، لا شك أن مسخ القلب يعيش بين الناس وفلان، وقال فلان، وقال الشيخ فلان، وفعل فلان وهو ممسوخ، نسأل الله العافية، ويقرر أهل العلم أن هذا أشد مما لو مسخت صورته؛ لأن مسخ الصورة قد يكون كفارة لما حصل منه.

وذكر ابن القيم -رحمه الله- أنه في آخر الزمان يمضي الاثنان إلى معصية، يمضيان إلى معصية، فيمسخ أحدهما خنزيراً، والثاني ما يمسخ، لكن ماذا يصنع؟ يرجع يقول: الحمد لله الذي سلمت؟ وإلا يستمر إلى معصيته؟ قال: يستمر إلى معصيته، هذا ممسوخ القلب -نسأل الله العافية-، لا يحل حلالاً ولا يحرم حراماً، ممسوخ هذا، يقول ابن القيم: هذا أشد من الذي مسخ بدنه -نسأل الله السلامة والعافية-، إن لم يتدارك بلطف من الله، وتوبة نصوح، التوبة تهدم ما كان قبلها، فإذا أخذ درساً وعبرة وعظة من زميله وتاب إلى الله وأناب لا شك أن التوبة تهدم ما كان قبلها.

يقول: ((أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار، أو يجعل صورته صورة حمار)) وفي هذا ما يقوله أهل العلم من تحريم المسابقة، ووجوب المتابعة، ويبقى مسألة الموافقة، يعني يركع مع الإمام، ويرفع مع الإمام، هو ما جاء فيه الوعيد مثل المسابق، ولم يمتثل المتابعة: ((إنما جعل الإمام ليؤتم به)) فهو معه كأنه نصب نفسه إمام معه، فلا شك أن فعله لا يجوز، وإن اختلفوا في الحكم عليه بالتحريم إلا أنه لا يبطل الصلاة اتفاقاً، فليحذر الإنسان المسابقة والمتابعة والتأخر عن الإمام، يعني بعض الناس إذا سجد الإمام ورفع من السجود تجده يتابع السجود إلى قرب السجدة الثانية، وبعضهم لا ينهض إلا إذا سجد للثانية، ويستغل هذا الوقت في الدعاء امتثالاً للتوجيه النبوي إن أحدكم أقرب ما يكون من ربه وهو ساجد ((أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد)) ((وأما السجود فأكثروا فيه الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم)) لكن هل هذا مبرر أن يتأخر عن الإمام؟ أو يقف والإمام راكع ليكمل قراءته؟ وهذا يحصل، أما إذا أكمل قراءته أثناء الركوع فهذا جاء النص بتحريمه والنهي عنه، نهي النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً، فلا يكمل وهو راكع، يقول: لا، أكمل وأنا واقف ثم ألحق، وبعضهم من حرصه وشدة حرصه يقول: أخشى أن تفوت الركعة أركع وأكمل، كل هذا لا يجوز ((فإذا ركع فاركعوا)) فلا تتأخر عن الإمام ولا تتقدم عليه، ولا توافقه، بل اجعل نفسك متابعاً له؛ لأن أفعال المأموم عطفت على أفعال الإمام بالفاء التي تقتضي الترتيب والتعقيب.

"متفق عليه".

ثم قال: "وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الالتفات في الصلاة؟ فقال: ((هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد))" الالتفات لا شك أن استقبال القبلة شرط من شروط الصلاة كما تقدم، والانحراف عن القبلة مخل بهذا الشرط، فإذا حدد الإنسان جهة القبلة، وصلى إلى هذه الجهة وهذا فرض البعيد عن الكعبة، فرضه استقبال الجهة عند الجمهور، فإذا انصرف عنها يميناً أو شمالاً فإن كان ببدنه بطلت صلاته؛ لأنه أخل بشرط، وإن كان برأسه فقط فهو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد، لكنه لا يقتضي البطلان، وقد حصل من النبي -عليه الصلاة والسلام- للحاجة، ولذا يطلق أهل العلم الكراهة في الالتفات، بالنسبة للالتفات يطلقون الكراهة، والقاعدة عندهم أن الكراهة تزول بأدنى حاجة، لكن إذا لم يوجد حاجة؟ هو اختلاس، يعني سرقة يأخذها الشيطان من صلاته خفية، خلسة ((يختلسه الشيطان من صلاة العبد)) وهل يرضى لعدوه أن يأخذ شيئاً من صلاته؟ لا، العاقل لا يرضى بهذا {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} [(6) سورة فاطر] يعني يصعب على الإنسان أن يسرق الولد من متاعه شيئاً، الولد يصعب عليه، وين راح؟ ما راح بعيد؛ لأن الولد إن ما سرق أعطيته أنت، فالمسألة يعني ليست بصعبة، لكن صعباً عليك أن يسرق من مالك، فكيف بغيره؟! فكيف بالعدو؟! وإذا كان هذا في متاع الدنيا فكيف إذا كان بزاد الآخرة؟ إذا صعب عليك أن يسرق شيء من زادك الدنيوي فكيف يهون عليك أن يسرق من قبل أعداء أعدائك وألدهم شيئاً من زادك الموصل إلى الدار الآخرة.

((هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد)) رواه البخاري.

"وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يا بني))" هذا يقوله لأنس لأنه صغير عنده، خدمه وهو ابن عشر سنين.

((يا بني إياك والالتفات في الصلاة)) تحذير، احذر الالتفات في الصلاة ((فإن الالتفات في الصلاة هلكة)) يعني مهلك لصاحبه، كما أن من سرق متاعه فلم يبق منه شيء فإنه يعرض للهلاك، لا سيما إذا كان من الضروريات.

((فإن كان لا بد ففي التطوع لا في الفريضة)) ((فإن كان لا بد)) يعني أمر يحتاج إليه، بعض الناس كثرة الالتفات من طبعه، تجده مثل الثعلب دائماً يمين يسار، ويتبع نظره أي شيء، لو يطير ذباب أتبعه بصره، يعني عادي أنه يتلفت، جُبل على هذا، هذا الذي يقال له: ((فإن كان لا بد ففي التطوع)) وعلى أن الحديث ضعيف يعني، الحديث فيه ضعف، ولا شك أن الاحتياط للفريضة أشد من الاحتياط للنافلة، وإن كان الفرض والنفل عند أهل العلم كلها شرع من عند الله -جل وعلا-، لا يجوز أن يتصرف فيها إلا على مقتضى نظر الشارع، لكن الشارع خفف في أمر النافلة دون الفريضة، فالفريضة لا تصح من قعود مع القدرة على القيام؛ لأن القيام مع القدرة ركن من أركان الفريضة، بينما النافلة صحيحة تصح من قعود ولو كان قادراً على القيام، وصلاته على النصف من أجر صلاة القائم.

أيضاً النافلة تصح على الراحلة، والفريضة لا تصح إلى غير ذلك من الفروق، فشأن النافلة أسهل من شأن الفريضة بهذه النصوص، لكن لا يعني هذا كما يقول بعضهم: إن النافلة أمرها أسهل فتثبت بما لا تثبت به الفريضة، إيش معنى هذا الكلام؟ يقول: لا تثبت فريضة إلا بحديث صحيح أو حسن، لكن نافلة أمرها سهل، الشرع خفف في أمر النافلة فليخفف في طريق ثبوتها، هذا الكلام ليس بصحيح؛ لأنك تقول على الله وعلى رسوله ما لم يقل، إذا أثبت شرع -لأن النفل شرع- لا بد أن يكون طريق الثبوت في النافلة مثله في الفريضة، لكن تأدية النافلة أخف من تأدية الفريضة على مقتضى ما جاء عن الشرع.

((فإن كان لا بد ففي التطوع لا في الفريضة)) رواه الترمذي وصححه.

يقول المؤلف: "وصححه" لكن النسخ المعتمدة ليس فيها تصحيح، إما تحسين مع الغرابة، حسن غريب، وبعض النسخ فيها صحيح غريب، بعض النسخ فيها صحيح غريب، ومعروف أن الحكم على الحديث بأنه غريب من قبل الترمذي، لا شك أنه لمز، فيه ضعف، وعلى كل حال الحديث فيه علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف، فالحديث لا يثبت.

قال: "وعن سهل بن الحنظلية قال: "ثوب بالصلاة" ثوب: التثويب يطلق على الأذان، ويطلق أيضاً على "الصلاة خير من النوم" ويطلق على الإقامة، والمراد هنا الإقامة، يعني أقيم للصلاة، يعني صلاة الصبح "فجعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي وهو يلتفت إلى الشعب" لأنه أرسل فارساً إلى الشعب من الليل ليحرس، فصار يلتفت إلى الشعب، يعني هل جاء الحارس هذا؟ هذا الفارس جاء؟ أو جاء شيء من قبله؟ ولا شك أن هذه حاجة، والالتفات بالوجه فقط مكروه عند أهل العلم، والكراهة تزول بأدنى حاجة، ومثل هذا الخبر يدل على ما قاله جمهور أهل العلم أن الالتفات مكروه وليس بحرام، الالتفات بالوجه؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- جعل يصلي الصبح وهو يلتفت إلى الشعب.

"رواه أبو داود والحاكم وصححه" والحديث صحيح.

جاء مدح أبي بكر أنه كان لا يلتفت في صلاته، يعني من مناقبه -رضي الله عنه- أنه لا يلتفت في صلاته، في مرض النبي -عليه الصلاة والسلام- الذي مات فيه لما خرج من حجرته التفت الصحابة ينظرون إليه وهم في صلاتهم، فهذا أيضاً من الصوارف، وإلا ما الذي أخبرهم أنه خرج من حجرته، وتأخر أبو بكر وفعلوا ما فعلوا، هذه من الصوارف التي تصرف ما جاء في الالتفات من التحريم إلى الكراهة، وعرفنا أن هذا التفات بالوجه فقط.

مدح أبو بكر -رضي الله عنه وأرضاه- أنه لا يلتفت في صلاته، يعني من مناقبه أنه لا يلتفت في صلاته، يعني بعض الناس لا شك أن عندنا الالتفات يعني ما هو معروف نادر، بينما يوجد في مجتمعات كثيرة عادي، تجد من الشرق والغرب من كل جهة يتلفتون عادي في الصلاة، وعندنا يعني من عظائم الأمور، لكن تجد عندهم أمور عظيمة وعندنا سهلة كثرة الحركة، يعني في مجتمعنا معروفة يعني الحركة في الصلاة يحك يده، يحك رأسه، يزين شماغه سهل يعني عندنا، لا شك أنها مخلة بالصلاة، لكن العادات والأعراف طاغية حتى في أمور العبادة، تجد الإنسان..، يتعودون أنهم يتلفتون ولذلك نستعظم هذه الأمور، ويلتفت يمين وشمال ويش يزين ذا؟ هذا يصلي وإلا يعبث وإلا..، وبالمقابل ينظرون إلينا هذه النظرة إذا تحركنا، يعني حتى أن بعض من عرف بالعلم تجده يتحرك في صلاته، يميد يميناً وشمالاً، ويحك ويعدل الشماغ، ويزين المرزام، ويناظر الساعة، حتى أنه تعدى بعض الأعراب على شيخ من الكبار، لكن هذه التصرفات التي لا يعقلها الإنسان، ولا يستطيع التحكم فيها، هذه لها حكم آخر يعني، هذا سحب الشيخ قال: أنت تلعب بالصلاة خلي يصلي واحد أفضل منك؛ لماذا؟ لأننا ما عودنا أنفسنا على القنوت والسكوت في الصلاة، مع أنه يوجد -ولله الحمد- من طلاب العلم من أطر نفسه على هذا، ليس هذا بحكم عام، لكن هذا موجود على كل حال، موجود، فأقول: هذا الالتفات الذي يتهاون به كثير من الأقطار عندنا له شأن، فإذا مدح أبو بكر -رضي الله عنه وأرضاه- أنه لا يلتفت في صلاته، في مجتمعنا نقول: هذه ما هي بمنقبة، أطفالنا ما يتلفتون، فكيف بالصديق أفضل الأمة بعد نبيها يمدح بأنه لا يلتفت في صلاته، نقول: الرسول -عليه الصلاة والسلام- جعل يلتفت إلى الشعب وأبو بكر -رضي الله عنه- لا يلتفت، مهما دعت الحاجة إلى ذلك، بل لو دعت إليه الضرورة ما التفت، وهنا يمدح به؛ لأن الالتفات الذي فعله النبي -عليه الصلاة والسلام- كمال أو لبيان الجواز؟ لبيان الجواز؛ لأنه خلاف الأصل، فهو في حقه -عليه الصلاة والسلام- كمال وتشريع، لكن في حق غيره ما يقول: والله أنا ألتفت لبيان الجواز مثل شاب جالس والناس يصلون على الجنازة، يقول: لئلا يظن وجوبها، شاب صغير في الثانوية، يقول: لئلا يظن وجوبها، فعمله صارف من الوجوب إلى الاستحباب، فالكمال في حقه -عليه الصلاة والسلام- ما فعل وهو التشريع، السهو في حقه -عليه الصلاة والسلام- كمال، والنسيان ينسى ليشرع؛ لكن في حق غيره نقص، ولذا مدح أبو بكر أنه لا يلتفت في صلاته؛ لأن الإنسان أول ما يسمع هذه المنقبة من مناقب أبي بكر يقول: أطفالنا ما يلتفتون في الصلاة فضلاً عن الكبار، نقول: نعم الرسول -عليه الصلاة والسلام- التفت للحاجة، وهو في حقه تشريع وكمال، لكنه في حق غيره نقص، فأبو بكر لا يتطرق إليه هذا النقص بحال من الأحوال ولو اضطر، يعني حاله كحال من سقط السقف وهو يصلي ما التفت بعض الناس، ويذكر عن عروة أنه قطعت رجله وهو يصلي ما تأثر، وبعضهم إذا أريد منه أمر صعب يعني عملية جراحية في بدنه أو شيء قال: دعوني أصلي؛ لأن في الصلاة شغل عن غيرها، فهذا وجه كون أبي بكر وكنا نستشكل يعني هذا أبو بكر يمدح بأنه لا يلتفت، كنا نستشكل هذا فهذه من مناقبه -رضي الله عنه وأرضاه- بينما غيره إذا دعت الحاجة التفت ولا شيء في ذلك.

"وعن أنس -رضي الله عنه- قال: كان قرام لعائشة -رضي الله عنها-" القرام: ستر، ستار تستر به نافذة، سهوة، فتحة، خوخة، فتحة في الجدار تستره بهذا القرام، وشأن الستور عند سلف هذه الأمة ليس بالسهل، فأبو الدرداء وسلمان وغيرهما إذا دعوا إلى وليمة فوجدوا الستور رجعوا مع أن الوليمة تجب إجابتها، كما حصل في وليمة ابن عمر، وجدوا ستور رجعوا، وهذه ستور للجدران، وأما القرام التي سترت به عائشة جانب بيتها الذي فيه النافذة هذا تدعو إليه الحاجة عن الشمس والريح وغيرها، وهذا ما زال مستعمل إلى الآن، يعني النوافذ تستر؛ لأن الأنوار مزعجة لكثير من الناس، بل بعضهم لا يستطيع أن ينام في النور، فإذا ستر وأغلقت الأنوار لا شك أن هذه حاجة، لكن ستر الجدران هذا الذي ذمه السلف.

قرام: ستار، منهم من يقول: إنه رقيق، ومنهم من يقول: إنه خشن، المقصود أنه ستار سترت به جانب بيتها "فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((أميطي))" يعني أزيلي ((عنا)) هذا القرام، يعني هذا الستار ((فإنه لا تزال تصاويره تعرض في صلاتي)) هذه التصاوير هل هي لذوات أرواح أو لأشياء غير ذوات الأرواح؟ لأن العلة -علة الإزالة- كونها تعرض له في صلاته، والقرام الذي فيه التصاوير امتنع النبي -عليه الصلاة والسلام- من دخول البيت حتى قطع وجعل وسائد، وهنا الذي يظهر -والله أعلم- أن التصاوير هذه ليست لذوات الأرواح، فإنها تعرض له في صلاته فتشغله عنها، تشغله عن صلاته، وفي خميصة أبي جهم لما أهداه الخميصة، وصلى بها، ولها خطوط وأعلام قال: ((كادت أن تفتني في صلاتي، ردوها على أبي جهم، وأتوني بأنبجانيته)) كساء لا فيها خطوط ولا أعلام ولا شيء، ما تفتن، وأما الخميصة فيها أعلام، وفيها خطوط كادت أن تفتن النبي -عليه الصلاة والسلام-، الذي جعلت قرة عينه في الصلاة، فمثل هذه المشغلات وهذه الملهيات ينبغي أن تبعد عن موضع الصلاة، ونجد في المساجد الآن هذه الزخرفة في الحيطان أمام المصلين وفي الفرش موجودة زخارف، يعني إبداع لوحات فنية موجودة في فرش المساجد، يعني رأيناها ورأيتموها، والمساجد أشبهت المتاحف الآن، والله تريد تتفرج ما عندك أفضل من مسجد فلان وموجود، يعني مع الأسف أن القائم عليها طلاب علم، والذين نفذوها طلاب علم، يعني كون المنفذ عامي ما يعرف وعليه إذا نبه أن يتنبه، فكيف إذا تولى التنفيذ طلاب علم يرجون ما عند الله -جل وعلا-، والذي يعمر المسجد يرجو عند الله -جل وعلا-، يمتثل النصوص، ومع ذلك يقع في محظورات، تشغل الناس عن صلاتهم، بعض الناس يعمد إلى قطعة واحدة تنسج له بالملايين من أجل أن تكون بحجم المسجد، وما الفائدة من هذا؟ لا فائدة، اللهم إلا إشغال المصلين وتحدث الناس، يعني إن كان الهدف والقصد أن يقال: والله فلان جاء بقطعة من الفرش لم توصل بوصلة كلها قطعة واحدة، هذه حقيقة مرة يعني، لا يجوز أن يلتفت لها المتعبد بحال، ولذا نجد بعض الناس إذا جاء ليقضي أفضل أيام أو أفضل الليالي في العام في العشر الأواخر من رمضان يجاور ويطلب يقول: والله الآن أنا أنتظر لن أسافر اليوم لأني ما وجدت فندق خمس نجوم إلى الآن، فإذا فرغ شقة وإلا جناح وإلا شيء سافرت، ألا يدري هذا أن هذا كله على حساب القلب، وحضور القلب، مسكن دون مسكن، شيء يؤويك ويظلك هذا المطلوب؛ لأن الدنيا ليست هدف ولا غاية {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [(56) سورة الذاريات] الهدف تحقيق العبودية، وأما الدنيا فهي وسيلة {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [(77) سورة القصص] أما أن تكون الدنيا هي الهدف وهي الغاية، إذا صف الإنسان في صلاته لا يعقل منها شيء، كل هذا من أجل اتباع دنياه، يفكر في سكنه، يفكر في ماله، يفكر في ولده، ولا نصيب لصلاته من قلبه شيء، تجد فرش المساجد يعني بالاستقراء أكثرها باللون الأحمر، وفيه الصفرة الذي يقول عمر: "ولا تحمروا ولا تصفروا" والحيطان وغيرها كلها يعني قريبة من هذا، يعني على الإنسان إذا أراد أن يفعل أو يزاول عملاً شرعياً أن يحرص على كماله، المساجد في تركيا متاحف، والزوار أول ما يذهب بهم السياح إلى المساجد، وأثر المذهب الحنفي عليهم ظاهر؛ لأن الجمهور يمنعون الزخرفة، والحنفية يقولون: إذا زخرف الناس بيوتهم بيت الله يزخرف، لا يزدرى بيت الله من بين بيوت الناس، وشخص من طلاب العلم ذهب إلى تركيا للنظر في المخطوطات، يقول: وجدت مسجد مفتوح، وإذا فيه شيخ معمم ولحية وطلاب أمامه، قلت: فرصة نسمع العلم، وإنه ما في علم، الشيخ لا يتكلم، والطلاب ما معهم كتب ولا شيء، فإذا بهم يصورون مشهد تمثيلي، ولا وجدوا أجمل من هذا المسجد، ما في أجمل من هذا المسجد، صحيح في مساجد في تركيا وفي مصر وفي غيرها من البلدان أشبه ما تكون بالمتاحف، تباهى الناس بعمارة المساجد، وفي بلادنا أيضاً ظهرت هذه الظاهرة، يعني فالمأمول والمرجو ممن يتبرع أن يشترط على المنفذ أن يتابع بنفسه، وعلى طالب العلم أن يتقي الله -جل وعلا- في هذه الأمور، لا يكون اهتمامنا بالمظاهر، فإذا جاءت المخابر ما وجدنا شيء، والله المستعان.

يقول: ((أميطي عنا قرامك، فإنه لا تزال تصاويره تعرض لي في صلاتي)) وإدخال هذه الأحاديث من الالتفات، ومثل المسابقة، ومثل غيرها في المكروهات لا شك أن المناسبة ظاهرة، لكنه بالنسبة للمسابقة الكراهة لا شك أنها كراهة تحريم، والوعيد الشديد في أن يجعل الله رأسه رأس حمار هذا يدل على التحريم، ولا يكفي فيه الكراهة، وأما بالنسبة للالتفات فهو للكراهة، كذلك أيضاً المشغلات والملهيات التي تعوق دون تحصيل الخشوع عند الجمهور مكروهات وليست بمحرمة؛ لأن الخشوع نفسه ليس بواجب عندهم، أما من يقول بوجوبه فالذي يمنع من تحقيقه محرم.

قال -رحمه الله-:

"وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا صلاة بحضرة طعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان))" ((لا صلاة بحضرة طعام)) تقدم أنه إذا قدم العشاء فيبدأ بالصلاة صلاة المغرب قبله، يعني ولو أدى ذلك إلى فوات الصلاة، لا سيما إذا كانت نفسه تتوق إليه، كما جاء في بعض الروايات: ((وهو صائم)) إذا كانت النفس تتوق إليه، ويعوق البداءة في الصلاة عن تحقيق لب الصلاة الذي هو الخشوع فإنه يقدم على العشاء، وعرفنا أن هذا لا يجوز أن يكون وسيلة وحيلة للتهرب مما أوجب الله على المسلم من ترك الجماعة في المسجد حيث ينادى بها، لكن إذا وجد هذا مرة أو مرات يسيرة ووجد الداعي فالحديث صريح في هذا.

قال: ((لا صلاة بحضرة طعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان)) ((لا صلاة بحضرة طعام)) الطعام يطلق على النضيج، ويطلق أيضاً على النيئ، يعني هل لصاحب محل يبيع مواد غذائية والمحل مملوء بالأطعمة أن يستدل بهذا الحديث؟ له أن يستدل؟ عنده طعام حاضر طعام عنده؟ لا ليس له أن يستدل، وإنما المقصود بالطعام النضيج الذي يقدم للآكل المحتاج إليه، المتشوف له، الذي يعيق عن تحقيق لب الصلاة، وإلا سمعنا ما هو أغرب من هذا استدلال ببعض النصوص في غير مواضعها، يستدلون بالنصوص ويكتبون ويتكلمون في وسائلهم عن أمور لا يفهمها عاقل من النص فضلاً عن عالم، فضلاً عن سالف، ولا يمنع أن يوجد بعد من يقول بأن أصحاب المواد الغذائية لا يصلون إلا إذا فرغوا من أعمالهم؛ لأنهم بحضرة طعام، يعني لها نظائر في الجرائد تكتب من سخافات من يريد إضلال الناس، وتضييع الناس، والقنوات مليئة بمثل هذا.

على كل حال المقصود بالطعام النضيج المقدم يعني إذا قدم كما في الحديث السابق، والنصوص الأخرى إذا قدم، والنفس تشتاق إليه، والرجل صائم، أو جائع إثر عمل وتعب، فإنه حينئذٍ لا صلاة بحضرة طعام، لكن إذا صلى ونفسه تشتاق إليه وعاقه عن الخشوع صلاته عند الجمهور صحيحة، وعند الظاهرية صلاته باطلة.

((ولا وهو يدافعه الأخبثان)) البول والغائط، يعني لا يكون حاقن وإلا حاقب، محصور بالبول أو الغائط، مثل هذا لا يعقل من صلاته شيئاً، بعض الناس يحمل على نفسه تحصيلاً للجماعة، مع أن خروجه من المسجد ونقض الوضوء والوضوء ولو ترتب على ذلك أن الجماعة تنتهي أفضل بكثير من أن يصلي على هذه الحالة، بحيث لا يعقل من صلاته شيئاً، أو يعقل شيئاً يسيراً، أما الذي لا يصل به الحد إلى أن يعوقه دون تحقيق الخشوع فإن هذا يصلي، المدافعة هنا لا شك أن لها معنى، الدفع من وجه واحد لا يدخل في هذا، يعني فيه ما يدعو إلى الذهاب إلى مكان نقض الوضوء إلى الدورة، نقض الوضوء فيه، لكن يستطيع دفعه، لكن المسألة في المدافعة إذا وجدت من الطرفين الأخبث يدفع وهو يدفع هكذا وهكذا، بحيث تكون سجال بينهما، فيذهب الخشوع الذي هو لب الصلاة، أما إذا أمكن الدفع فلا إشكال يصلي.

((ولا وهو يدافعه الأخبثان)) الأخبثان البول والغائط.

يلحق بالطعام والأخبثين كل ما يشوش ويرجى زواله في الوقت؛ لأن هناك أمور مشوشة، لكن لا يرجى زوالها دائمة هذه يصلي على حسب حاله، لكن ما يرجى زواله يلحق بالطعام والأخبثين، يعني برد شديد لا يعقل من صلاته شيء، وبإمكانه أن يحضر ما يستدفئ به، أو حراً شديد في شمس حارقة لا يعقل من صلاته شيئاً إذا صلى فيها، وينتظر إلى أن يصلي في مكان يعقل صلاته، ويخشع فيها، يعني لو افترضنا أنه في الصيف امتلأ المسجد، وامتدت الصفوف إلى الشمس، فإذا صلى بالشمس ما عقل من صلاته شيئاً، نقول: ينتظر حتى يفرغ المسجد، ويصلي في مكان مناسب.

مسائل يعني لو نستطرد فيها ما انتهت، يعني لو قدر أن الإنسان صلى في الصف الأول وعن يمين الإمام لكن في مكان لا يرتاح فيه، هو يؤذيه التكييف مثلاً، وصار بطرف الصف، وجاء مثلاً مغتسلاً، أو لم يحتط لنفسه، فإذا صف في يمين الصف، الصف الأول تأذى بهذا المكيف وأثر على صلاته، ملاحظةً للمكان الفاضل، ولو ذهب إلى شمال الصف ذهب هذا المؤذي وهذا المؤثر نقول: المحافظة على الفضل المرتب على العبادة نفسها أولى من المحافظة على ما يرتب على مكانها، هذا مقرر عند أهل العلم، المحافظة على الفضل المرتب على العبادة نفسها أولى من المحافظة على الفضل المرتب على مكانها، فإذا أمكن الطائف أن يطوف بجوار البيت لكنه زحام شديد ما يعقل من طوافه شيء، وإذا أبعد عن البيت تمكن أن يطوف بخشوع ويعقل طوافه ويحصيه، ولا شك أن القرب من البيت أفضل يقرر أهل العلم أن البعد هنا أفضل محافظة على الأجر المرتب على العبادة نفسها، وهذا أمر مقرر عند أهل العلم، فإذا كان المكان في يمين الصف والصف الأول مكان غير مريح سواءً كان بالنسبة لتأثير الجو، أو تأثير المؤثرات المحدثة، أو الصوت مزعج مثلاً، يعني المكبر صوته في أذنه قريب منه جداً، وفي مكان آخر يمكن أن يرتاح في صلاته ويهدأ ويؤدي الصلاة على الوجه المطلوب، نقول: ينتقل عن هذا المكان، وفروع هذه المسألة كثيرة جداً.

يقول -رحمه الله تعالى-:

"وروي عن جابر" روى روي خطأ؛ لأنه في مسلم عطفاً على الحديث السابق "وروى عن جابر بن سمرة" عندكم روي؟

طالب:.......

روي؟

طالب: روى.

إيه لأن عندنا روي خطأ بنقطتين.

"وروى عن جابر" يعني مسلماً "عن جابر بن سمرة -رضي الله عنه- قال: أبصر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قوماً رافعي أبصارهم إلى السماء وهم في الصلاة، فقال: ((لينتهين أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة أو لا ترجع إليهم))" رفع البصر إلى السماء خارج الصلاة ما فيه إشكال، وترجم الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: باب رفع البصر إلى السماء، والمقصود بذلك خارج الصلاة، وقول الله تعالى: {أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} [(17) سورة الغاشية] وسكت، ولكن لو جاء بالآية التي بعدها نعم أصرح في الدلالة على المقصود، فإما أن يقال: إن الإمام البخاري -رحمه الله- على عادته في الاستدلال بالبعيد وترك الظاهر القريب، وإلا في قوله -جل وعلا-: {وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ} [(18) سورة الغاشية]  دلالة صريحة على المطلوب، والنظر إلى الإبل إما أن يقال: إن البخاري أراد أن تكمل الآية التي بعدها، أو يقال: إن البخاري استدل بالنظر إلى الإبل والحث عليه النظر إلى السماء؛ لأن الإنسان إذا نظر إلى الإبل وهي قائمة ضرورة ينظر إلى السماء، إن الإنسان إذا نظر إلى ما فوقه ينظر إلى السماء، وإن كان نظره الأصلي إلى الإبل إلا أنه ضرورة أن ينظر، من ضرورة نظره إلى الإبل أن ينظر إلى السماء، وهذه يستعملها البخاري كثيراً، يعني يترجم بترجمة فيها نص صحيح صريح قد أورده في موضع آخر ويتركه، ويأتي بأمر بعيد ليشحذ همة طالب العلم إلى جمع طرق الخبر الذي يدل على هذا، أو إلى استيعاب ما في خارج صحيحه مما ليس على شرطه، وتصرفات البخاري في هذا كثيرة، يأتي بالأمر الغريب الأمر البعيد مع أنه بإمكانه أن يأتي بشيء دلالته صريحة وواضحة على المراد، وكل هذا من أجل أن يعتني طالب العلم لأنه إذا بحث عن المطابقة بين الحديث وترجمته وجد فيها بُعد، ثم إذا بحث في الكتب الأخرى وجد ما هو أقرب من ذلك، والبخاري قد يشير إلى رواية من رواية الحديث فيها صراحة، وقد تكون على شرطه، وقد تكون أوردها في موضع آخر، وقد تكون في غير كتابه عند غيره، على شرط غيره، لكنه يريدك أن تبحث في الحديث بجميع طرقه عنده أو عند غيره؛ لتصل إلى مراده.

((لينتهين أقوام)) اللام واقعة في جواب قسم مقدر والله لينتهين، ينتهين فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة ((لينتهين أقوام)) وأقوام فاعل ((يرفعون)) أقوام يرفعون جملة يرفعون حال وإلا وصف؟ نعم وصف، نعت؛ لماذا؟ لأن الأقوام نكرة، والجمل بعد النكرات صفات، وبعد المعارف أحوال.

((لينتهين أقوام)) أقوام جمع قوم، والقوم يدخل فيه الرجال والنساء، ما لم ينص على النساء، ويعطفن على القوم {لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ} {وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء} [(11) سورة الحجرات] النساء ما تدخل في القوم في الآية، لكنها هنا تدخل؛ لأن القوم يشمل الرجال والنساء إلا إذا عطف النساء، عرف أن العطف للمغايرة، أو يقال في الآية: إن النساء داخلات في القوم، والقوم عام في الرجال والنساء، وعطف عليه النساء من باب عطف الخاص على العام للاهتمام بشأن الخاص والعناية به، وذلكم لأن السخرية في مجتمع النساء أكثر؛ لأن السخرية في مجتمع النساء أكثر، ولذلك عطفن على القوم مع أنهن داخلات فيهن.

((لينتهين أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة)) أما خارج الصلاة ما في إشكال للاعتبار، للاتعاظ، هذا مطلوب، للتفكر مطلوب {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ} [(190) سورة آل عمران] فالتفكر مطلوب، ومن ذلك النظر في السماء.

"رافعي أبصارهم" قوماً رافعي أبصارهم، رافعي وصف لأبصر، أبصر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أقوام رافعي أبصارهم، رافعي وصف لقوماً، وهو مضاف، ولذلك حذفت النون، الأصل رافعين أبصارهم، فلما أضيف إلى الأبصار حذفت النون.

نوناً تلي الإعراب أو تنويناً
 

 

مما تضيف احذف كطور سينا

فالنون هنا محذوفة للإضافة، رافعي أبصارهم... إلى آخره.

قال: ((لينتهين أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة أو لا ترجع إليهم)) أو لا ترجع إليهم بمعنى أنها تختطف أبصارهم، وهذا وعيد مرتب على رفع البصر إلى السماء، والمؤلف أدخل الحديث في المكروهات، والفقهاء يقولون: يكره رفع البصر إلى السماء، وهذا وعيد، ولا شك أن الوعيد إنما يكون بارتكاب محظور، فالذي يظهر أن رفع البصر إلى السماء محرم لثبوت هذا الوعيد.

"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((التثاؤب في الصلاة من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم فليكظم ما استطاع)) رواه الترمذي وصححه، ورواه مسلم ولم يقل: ((في الصلاة))".

((التثاؤب في الصلاة من الشيطان)) المؤلف آثر رواية الترمذي لأنها هي التي فيها الدلالة على ما ترجم به، المكروهات في الصلاة، وأما رواية مسلم ليس فيها في الصلاة، فالتثاؤب في الصلاة وفي خارج الصلاة من الشيطان، هل نقول: إن ذاك مطلق وهذا مقيد في الصلاة، والمطلق يحمل على المقيد، ويكون التثاؤب خارج الصلاة ليس من الشيطان، لكن هل الكظم مطلوب في الصلاة وخارج الصلاة أو خاص بالصلاة؟ نعم مطلوب في الصلاة وخارج الصلاة، فالتثاؤب من الشيطان، والتنصيص على الصلاة للاهتمام بها، والعناية بشأنها، ولشدة حرص الشيطان على هذا العمل الذي يفوت الخشوع في الصلاة من قبل المصلي، الشيطان يحرص على هذا، يحرص على هذا في الصلاة أكثر من غيره، وإلا فالتثاؤب كله من الشيطان، ولكن التنصيص على الصلاة لا يعني أن التثاؤب خارج الصلاة ليس من الشيطان.

التثاؤب وهو فتح الفم في مقدمات النوم في حال التعب من الشيطان، ويحرص الشيطان على كثرته بالنسبة للمصلي، والنفوس تتجاوب في هذا، يعني إذا وجد في مجلس إنسان يتثاءب يتثاءب غيره وإلا ما يتثاءب غيره؟ يتثاءب غيره، ولذا يقال: من فطنة القرود المدربة أن يؤتى بها إلى محل تجاري لا تستطيع أن تسرق وصاحبها ينظر إليها، صاحب المحل صاحي نائم كل الليل، يراقب متجره، فيؤتى بقرد مدرب يجعل يتثاءب أمام هذا الشخص، ثم بعد ذلك يتثاءب فيسرق ما يشاء ويهرب، على كل حال هذه طريقة الشيطان لسرقة الصلاة، وسرقة العبادات عموماً تجد الإنسان إذا فتح المصحف نام، بعض الناس إذا فتح المصحف نام، وبعضهم إذا أخذ يذكر الله في مكان نام، إذا استمع للخطبة نام، إذا استمع لدرس نام، لا شك هذه سرقات من الشيطان، فعلى الإنسان أن يراغم الشيطان، أولاً: يبذل الأسباب التي تعينه على النشاط، وتطرد أسباب النوم والغفلة، ثم بعد ذلك يكون على يقظة من عدوه، وتجد بعض الناس المغرب يتثاءب؛ لأنه في درس، ثم إذا صلى العشاء وجاء القيل والقال إلى هزيع من الليل انتهى النوم، لو يذهب إلى الفراش ما نام، فلا شك أن هذا اختلاس من عبادات المسلم، سواء كانت في الصلاة، في التلاوة، في الذكر، في استماع العلم، في استماع الخطبة، كل هذا على المسلم أن يطرده عن نفسه، لكن إذا كان سببه التعب والنوم وهو بحاجة إلى النوم حينئذٍ يؤمر بأن ينام؛ لئلا يذهب يدعو لنفسه فيدعو عليها، لكن بعض الناس يقول: هذا عادتي ديدني إذا صفيت جاء النوم، إذا فتحت المصحف جاء النوم أروح أنام؟ نقول: لا يا أخي ما دام هذا ديدنك وعادتك جاهد؛ لأن النوم علاج لمن يحتاج النوم، أنت بحاجة إلى النوم باستمرار، هذا ليس بطبيعي لا بد أن تعالج، وغالب ما يكون العلاج بالحجامة، وقد يعطى منشطات، وقد يسعى ويبذل في مسألة الأكل والشرب، والفضول ما يعينه على النشاط.

قال: ((التثاؤب من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم فليكظم)) يعني يكظم يغلق فمه بقدر استطاعته، ولو أن يضع يده على فمه، وهذا فيما إذا كان بغير صوت، وبعض الناس يصدر منه صوت هاه، ثم بعد ذلك يضحك الشيطان، وجاء النهي عن هذا، فعلى الإنسان أن يكظم ما استطاع، وهذا أمر معلق بالاستطاعة، فمعنى الكظم حبسه وتقليله بقدر الاستطاعة.

"رواه الترمذي وصححه، ورواه مسلم ولم يقل: ((في الصلاة))" وإنما ذكرت الصلاة في رواية الترمذي للاهتمام بها، والعناية بشأنها، وكذلك سائر العبادات وهذا أمر مجرب، الإنسان إذا فتح المصحف جاءه النوم، إذا جلس في مجلس يذكر الله جاءه النوم إلا إذا كان هذا عادة له، ويرتاح بهذا الأمر، إذا كان يرتاح بهذا الأمر فإنه لا يتطرق النوم إليه سبيلاً، كما هو شأنه وعادته في أموره الأخرى، يعني بعض الناس تجده متعب ومرهق وسهران الليل في ليل الصيف، لكنه مدعو عند صاحب له أو عزيز عليه بعد صلاة الصبح، ما نام إلا ساعة، والجو حار، ومع ذلك لا يتطرق النوم إليه، ومن اعتاد الجلوس بعد صلاة الصبح حتى تنتشر الشمس ولو لم ينم الليل كله، ذهب إلى صلاة الصبح ما نام، يجلس في مكانه يقرأ ورده وحزبه من القرآن إلى وقت عادته لا يتطرق إليه النوم؛ لأنه اعتاد هذا، ولو صلى الصبح وذهب إلى فراشه ما جاءه النوم إلا على العادة، فعلى الإنسان أن يقتطع من وقته شيئاً لربه لعبادته، ولا يجعل الأمور حسب التيسير إن تقدم إلى المسجد قرأ، وإن لم يتقدم لم يقرأ، فتمضي عليه الأيام والشهور ما فتح المصحف، وأوراده على حسب مزاجه وفراغه، لا، هذه أمور شرعية على الإنسان أن يأخذها من سنام وقته لا من فضوله، والله أعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

"