شرح كتاب الإيمان من صحيح مسلم (23)

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد:

فيقول الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- فيما ترجم عليه النووي بقوله: "باب الحث على المبادرة بالأعمال قبل تظاهر" الفتن، باب الحث على المبادرة بالأعمال قبل تظاهر الفتن المسلم في وقت السعة والرخاء والصحة والفراغ عليه أن يغتنم هذه النعم، عليه أن يغتنم هذه النعم، ولا يتركها حتى تفوت، ثم بعد ذلك يندم، ولات ساعة مندم، «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ»، والغبن هو الخسران البيِّن الواضح الذي يثبت به الخيار في الأموال، فيكف بالأعمار؟ تجد الإنسان صحيحًا معافًى فارغًا ما عنده شغل كثير، وليس به حاجة، ثم بعد ذلك عمره الذي هو ساعاته ودقائقه وأيامه ولياليه يضيع سدى في القيل والقال والنوم.

الشاطبي يقول في مقدمة منظومته يقول: "فيا ضيعة الأعمار تمضي سبهللاً"، وهذا واقع كثير من الناس اليوم بعد أن منَّ الله عليهم بالنعم، وفتحت عليهم أبواب الدنيا ما له داعٍ أنهم يتعبون ويلهثون وراء جمع المال في السابق قبل أن تُفتح الدنيا، الناس مشغولون وراء لقمة العيش، ثم بعد ذلك لما توفرت استغلوا أوقاتهم فيما ينفعهم في دينهم ودنياهم؟ لا، أعني كثير من الناس وإلا فيوجد- ولله الحمد- من هو على الجادَّة، من هو حريص على مصلحته، ومن هو حريص على نجاته، لكن كثيرًا من الناس يجلس الساعة والساعتين والثلاث وأكثر من ذلك في القيل والقال، والأيام التي ليس فيها دوام تجده يقول: أين نذهب؟! يطلب من زوجته وأولاده أين يقضون هذين اليومين، فكل واحد منهم يقترح، ويركبون السيارة، ويذهبون إلى الجهة التي ترجحت لديهم، لكن ماذا يصنعون هناك؟

هل اشتغلوا بعبادة؟ هل اشتغلوا بعلم؟ لا، نزهة يسمونها، وإذا كانت النزهة في إطار المباح فنعمت النزهة، لكن الإشكال إذا صاحبها أمور محرمة أو كانت في بلاد محرمة، فضيعة الأعمال في المحرمات هذا هو الخسران المبين، وإذا كان الذي يضيع عمره في المباح مغبون، فكيف بمن يضيعه بما حرم الله عليه؟

 يقول الإمام مسلم -رحمه الله- تعالى: "حدثني يحيى بن أيوب وقتيبة"، وهو ابن سعيد "وابن حجر" علي بن حجر، "جميعًا عن إسماعيل بن جعفر" جميعًا الثلاثة كلهم يروون عن إسماعيل بن جعفر "قال ابن أيوب" يحيى الأول من الثلاثة: "حدثنا إسماعيل قال: أخبرني العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «بادروا بالأعمال فتنًا كقطع الليل المظلم، بادروا بالأعمال فتنًا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنًا ويمسي كافرًا، أو يمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، يبيع دينه بعرض من الدنيا»".

 قبل سنوات قليلة، بعض الناس يظن مثل هذا الحديث كلامًا نظريًّا، لكن الآن والفتن بين أظهرنا وحوالينا صار نظريًّا؟ إذا صارت الفتن يفتن الناس في أديانهم وفي أعراضهم وفي أموالهم، ويهجرونهم عن بلدانهم، أناس من المسلمين على سفن وبواخر وقوارب في البحار يحاولون الدخول إلى البلدان ويطردون، وأي فتن أعظم من هذه بعدما كانوا آمنين مطمئنين في بيوتهم؟ «بادروا بالأعمال» يعني الصالحة التي تقربكم إلى الله -جل وعلا- «فتنًا» نعم والفتن بازدياد، وليست في نقص، في المعطيات التي مرت بنا في السنوات الأخيرة دماء المسلمين كلأ مباح لكل من أراد، ولا باكي لهم، وأُمهلوا وأُعطوا من الوقت ما يرتدع فاجرهم وعاصيهم، ومع لك كأن شيئًا لم يكن، كأن الأمر لا يعنيهم، تبدأ الفتنة في البلد المجاوِر وكأنه غير مقصود، وقبل ذلك تُقرأ الآيات التي فيها العقوبات الشديدة على الأمم السابقة وكأن الأمر خاص بهم، يقول عمر -رضي الله عنه-: "مضى القوم ولم يرد به سوانا".

 هذه الآيات التي جاءت في حق الأمم السابقة نحن مقصودون بها، اعتبروا واتعظوا تضمن لكم النجاة والسلامة، فرطوا وأهملوا وافعلوا مثل ما فعلوا يكن مصيركم مثل مصيرهم، سنن إلهية لا تتغير ولا تتبدل.

 «بادروا بالأعمال» سارعوا، سابقوا «بالأعمال» يعني الصالحة «فتنًا» الافتتان والابتلاء والاختبار كلها معاني متقاربة، فالإنسان يفتن في دينه وفي بدنه وفي ماله، قد يفتن في عرضه ونسمع ما تشيب له الذوائب، ما يُصنَع ويُفعَل بمن حولنا من إخواننا، وقرأنا في التاريخ ما حل بالمسلمين قبل قرون بعد أن دخل التتار إلى بغداد، ودخل النصارى إلى الأندلس، وتيمور ومن معه دخلوا دمشق، وفعلوا الأفاعيل، ونقرأ وكأن الأمر لا يعنينا ولا يحرك فينا ساكنًا، ولو اطلعنا على ما فعل أولئك الكفرة بالمسلمين في تلك الأوقات لوجدنا نظيره يُفعَل في أوقاتنا، وزاد الأمر فيما يفعل في وقتنا أننا نراه ونشاهده، ما هو أخبار تُقرَأ وتُتلى لا، نراه ونشاهده، نرى الكافر يفرش المسلم على الأرض ويمشي بالسيارة فوقه عشرين مرة حتى ينتهي طوله يبدأ من رجليه، ونرى من يصب الماء في منخري المسلم بعد أن يفرشه على الأرض، وقرأناه في النجوم الزاهرة في حادثة تيمور مع أهل دمشق يقول: يأتي بالخرقة ويملؤها غبارًا ناعمًا ويلثِّم بها المسلم، ويبسطه على الأرض ويصب الماء في منخريه، فعلوا مثله في بغداد قبل بضع سنوات، لكن هل من مُدكر؟ هل من متعظ؟ هل غيَّرْنا من أحوالنا شيئًا؟!

أمة محمد فيها خير، والخير فيها إلى قيام الساعة، لكن يبقى أن كل إنسان مسؤول عن نفسه، فإذا كانت هذه الأمور لا تغير من واقعنا شيئًا، فالقلوب ميتة، وما لجرح بميت إيلام.

 «بادروا بالأعمال فتنًا كقطع الليل المظلم»، وذكر مثالاً واحدًا من هذه الفتن «يصبح الرجل مؤمنًا ويمسي كافرًا»، والعلة والسبب: يبيع دينه بعرض من الدنيا، سمعنا من يفتي بتأييد الكافر؛ لأنه يأخذ على ذلك أجرًا مقابل «أو يمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، يبيع دينه بعرض من الدنيا» كثير منكم سمع من هذه الأمور أكثر مما سمعت، أنا رأيت في بعض القنوات المحافظة في الأخبار شخصًا رافعًا يدًا ومعها الصدر، التي يسميها العوام، يدًا بجنبه، قلت: ما هذا؟ هذا كبش أم ماذا؟! فإذا به من إخواننا- والله- مسلم ويرفعه، هذا يتندَّر به من الطوائف البدعية، يتشفَّون بقتل المسلمين لاسيما أهل السنة، فعلينا أن نراجع أنفسنا، وأن نبادر، وأن نتعظ بغيرنا، ولا ننتظر حتى نكون عبرة لغيرنا.

 «بادروا بالأعمال فتنًا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنًا ويمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا»، يعني في فترة يسيرة بين الإيمان والكفر «يبيع دينه بعرض من الدنيا» العرض الشيء اليسير من الدنيا، والدنيا كلها -بجميع ما تحتويه- لا تزن عند الله جناح بعوضة، لا تزن عند الله جناح بعوضة، وركعتا الفجر النافلة ما هي بالفريضة خير من الدنيا وما فيها.

سعيد بن المسيب لما جاء واحد من طلابه يخطب ابنته، وبنت سعيد عالمة فقيهة، وكل يتمنى، الملوك وأبناء الملوك خطبوها، ابن الخليفة تقدم إلى سعيد بواسطة شخص يريد ابنته قال: جاءتك الدنيا بحذافيرها، ابن الخليفة يخطب بنتك، سعيد يعرف قدر الدنيا، يعرف قدر الدنيا، فماذا كان رده؟ يقول: إذا كانت الدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة، فماذا ترى أن يُقَص لي من هذا الجناح؟ فزوجها واحدًا من طلابه لا يملك شيئًا ألبتة، فقير.

 ثم قال -رحمه الله- فيما ترجم عليه النووي بقوله: "باب مخافة المؤمن أن يحبط عمله" قال: "حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا الحسن بن موسى قال: حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت البُناني عن أنس بن مالك أنه قال: لما نزلت هذه الآية" يقول الإمام مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا الحسن بن موسى قال: حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت بن أسلم البُناني عن أنس بن مالك الصحابي الجليل خادم النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: لما نزلت هذه الآية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ} [سورة الحجرات:2] إلى آخره، لما نزلت {لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} [سورة الحجرات: 2] إلى آخر الآية "جلس ثابت بن قيس" ثابت بن قيس بن شمَّاس خطيب جهوري الصوت، جلس ثابت بن قيس "في بيته"، ما صار يجيء لمجلس الرسول -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه خِلْقَة جهوري الصوت، فيخشى أن يتحدث عنده -عليه الصلاة والسلام- بصوت مرتفع، فيدخل في الآية.

قال: أجلس ببيتي أسلم لي، ولا يحبط عملي، فجلس ثابت بن قيس في بيته "وقال: أنا من أهل النار" لماذا؟ لأنه يرى أنه حبط عمله ليرى أنه حبط عمله فيما مضى، ويستمر في الحبوط فيما يأتي؛ لأن ما مضى يتوب منه، لكن المستقبَل من يضمنه؟ فجلس في بيته، "واحتبس عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، فسأل النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- سعد بن معاذ" يعني عن ثابت: أين ثابت؟ ماذا فعل ثابت؟ هل هو مريض أو مسافر؟

 فالإمام يتفقد الرعية، فسأل النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- سعد بن معاذ "فقال: «يا أبا عمرو، ما شأن ثابت؟»" ما الذي أصابه؟ ... ماذا صار عليه؟ لما كان ملازمًا لمجلس النبي -صلى الله عليه وسلم- انقطع فجأة، "«ما شأن ثابت؟ أشتكى؟»" أشتكى يعني استفهام، وأصلها أاشتكى؟ "قال سعد: إنه لجاري، وما علمت له بشكوى" ما فيه شيء، "قال: فأتاه سعد، فذكر له قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال ثابت: أُنزلت هذه الآية، ولقد علمتم أني مِن أرفعكم صوتًا" ولقد علمتم أني من أرفعكم صوتًا "على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأنا من أهل النار" طبَّق الآية على نفسه، وهذه عادتهم.

 الصحابة أول ما تنزل الآية إذا كان فيها اعتقاد بادروا بتصديقه واعتقاده، وإن كان فيها عمل بادروا بعمل ما تدل عليه، وإن كان فيها نهي سارعوا إلى الإقلاع عما تنهى عنه "فذكر ذلك سعد للنبي -صلى الله عليه وسلم- فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «بل هو من أهل الجنة»"، فهو ممن شهد له النبي -عليه الصلاة والسلام- بالجنة، ويُذكَر في كتب العقائد يقول أهل السنة: ولا نشهد لأحد بالجنة إلا لمن شهد له النبي -صلى الله عليه وسلم- كالعشرة والحسن والحسين وثابت بن قيس بن شَمَّاس، يذكرونه، لماذا؟ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- شهد: «بل هو من أهل الجنة».

 "وحدثنا قَطَن بن نُسَيْر" قَطَن بفتحتين، ابن نُسَيْر بالتصغير، وقرأه واحد من أهل الحديث بَشِيْر والإمام الدارقطني يصلي فقرأ {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} [سورة القلم:1] لأنه قرأه بالباء بشير، الدارقطني الإمام الحافظ أراد أن يرد عليه بقرآن فقال: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} [سورة القلم:1] انتبه القارئ وعدَّل القراءة، لكن لو قرئت على واحد منا ندري ما المراد؟ ما المقصود؟! لأن القلوب عائمة.

 شخص مات أخوه الذي يكبره في حادث، فدخل المخبِر إلى المسجد وقال للإمام: إن فلانًا أخا فلان أصيب بحادث، قرأ الإمام من آيات الصبر ما قرأ وسلَّم من الصلاة، شعر أخوه أم لم يشعر؟ والذي صلى بالناس غير الإمام الراتب أم الإمام الراتب موجود؟ يعني فيه تغيير يلفت ومع ذلك ما أحد أحس بهذا الأمر، على كل حال نرجو الله -جل وعلا- أن يحيي قلوبنا غشاها الران والغَين، وجلاء ذلك في الاستغفار «إنه ليغان على قلبي»، يقوله الرسول -عليه الصلاة والسلام- «وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة»، فعلينا أن نسعى في علاج هذه القلوب.

 قال: "حدثنا قَطَن بن نُسَيْر قال: حدثنا جعفر بن سليمان قال: حدثنا ثابت عن أنس" ثابت البُناني "عن أنس بن مالك قال: كان ثابت بن قيس بن شمَّاس خطيب الأنصار" خطيب الأنصار، ثابت هذا الذي شهد له النبي -عليه الصلاة والسلام- بالجنة، وهو خطيب في وقتنا هذا إذا كان الإنسان خطيبًا مشهورًا صار له جمهور، وصار له كل يتمناه، طلبت زوجته أن تختلع منه، هو ينقصه شيء من الوسامة، فأرادت زوجته أن تفارقه في قصة معروفة في الخُلع، «أتردين حديقته؟» قالت: نعم. قال: «خذ الحديقة، وطلقها تطليقة»، لكن الخطباء اليوم لهم شأن؛ لأنه في آخر الزمان يكثر الكلام، ويكثر الخطباء والفقهاء، ويقل العلماء. في وقته- عليه الصلاة والسلام- الخطباء قلة، ومع ذلك الخطباء في وقتنا شأنهم أشد لاسيما الخطباء الذين يجيشون الناس، ويذكرون أشياء تُستغرب، ويأتون بخطب يستقونها من مصادر من وسائل إعلام وغيرها وتواصل، هؤلاء يقصدهم الناس؛ لأن قصد الفائدة عند كثير من الناس قل، والله المستعان.

قال: "كان ثابت بن قيس خطيب الأنصار، فلما نزلت هذه الآية بنحو حديث حماد" السابق "وليس في حديثه ذكر سعد بن معاذ"وحدثنيه أحمد بن سعيد بن صخر الدارمي قال حبان" يعني ابن هلال قال: "حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس قال: لما نزلت {لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} [سورة الحجرات:2] ولم يذكر سعد بن معاذ في الحديث، وحدثنا هريم بن عبد الأعلى الأسدي قال: حدثنا المعتمر بن سليمان قال: سمعت أبي يذكر عن ثابت عن أنس قال: لما نزلت هذه الآية، واقتص الحديث، ولم يذكر سعد بن معاذ، وزاد: فكنا نراه يمشي بين أظهرنا رجل من أهل الجنة" فكنا نراه يمشي بين أظهرنا رجل من أهل الجنة، رجل فاعل يمشي، على رواية الرفع رجلٌ، ورويت رجلاً، ويكون بدلًا من الضمير نراه؛ لأنه قال: نرى رجلاً يمشي وهو من أهل الجنة.

 ثم قال -رحمه الله- في بابِ "بابٌ هل يؤاخَذ بأعمال الجاهلية" هل يؤاخَذ بأعمال الجاهلية قال: "حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا جرير عن منصور عن أبي وائل عن عبد الله" وهو ابن مسعود، وأبو وائل عبد الله بن شقيق، ومنصور هو ابن المعتمر "قال: قال أناس لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يا رسول الله، أنؤاخذ بما عملنا في الجاهلية؟" يا رسول الله أنؤاخذ بما عملنا في الجاهلية؟ "قال: «أما من أحسن»" وفُسِّر الإحسان بالإسلام، ولكن قوله قال: "«أما من أحسن منكم في الإسلام»" يعني أحسن قدرًا زائدًا على مجرد الإسلام، قدرًا زائدًا؛ لأنه قال: "«أحسن منكم في الإسلام فلا يؤاخذ بها، ومن أساء أُخذ بعمله في الجاهلية والإسلام»".

 يعني شخص في الجاهلية مشرِك، ويعمل أعمالاً مِن القتل والزنا وشرب الخمر وغير ذلك، يعملها في الجاهلية، أسلم سيأتي أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وهنا يقول: أحسن منكم في الإسلام يعني إذا تاب من هذه الأمور، وأقلع عنها، ولم يرجع إليها، هذا لا يؤاخذ بها، لكن من رجع إليها، أسلم ورجع إليها، ورجع يقتل ويزني ويشرب، مفهوم الحديث أنه ومن أساء بعمله في الجاهلية والإسلام، ومن أساء أُخذ بعمله، يعني عوقب عليه وما كان منه في الجاهلية وما كان منه في الإسلام. وسيأتي الحديث، حديث قصة إسلام عمرو بن العاص، وأنه اشترط على النبي  -عليه الصلاة والسلام- على ما سيأتي قريبًا.

 قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير قال: حدثني أبي ووكيع ح.. "حدثنا حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير" عن أبيه "قال: حدثنا أبي" عبد الله بن نمير "ووكيع" بن الجراح، "ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة واللفظ له قال: حدثنا وكيع عن الأعمش" سليمان بن مهران "عن أبي وائل" عبد الله بن شقيق "عن عبد الله" يعني ابن مسعود "قال: قلنا: يا رسول الله، أنؤاخذ بما عملنا في الجاهلية؟ قال: «من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية، ومن أساء في الإسلام أخذ بالأول والآخر»" من أساء منهم، من حمل الإحسان بالإسلام يعني من أسلم لم يؤاخذ، ومنهم من قال: إن الإحسان قدر زائد على مجرد الإسلام، يعني من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية، ومن أساء في الإسلام أُخذ بالأول والآخر كسابقه.

 "حدثنا منجاب بن الحارث التميمي قال: حدثنا علي بن مسهر عن الأعمش بهذا الإسناد مثله" بعضهم يحمل ما يُفهم من الإسلام في هذا الحديث الذي أحسن إسلامه والمسلم إسلامًا صحيحًا ولو قارف بعض الذنوب والمعاصي في إسلامه، ويقابله من أساء بأن أسلم إسلامًا مدخولاً لم يكن خالصًا لله، وفيه شوب نفاق، واعتقاده بقلبه ليس بجازم، فمثل هذا يؤاخذ.

 ثم قال بعد ذلك فيما ترجم عليه النووي "باب كون الإسلام يهدم ما قبله" باب كون الإسلام يهدم ما قبله وكذا الحج والعمرة قال -رحمه الله-: "حدثنا محمد بن موسى العنَزي وأبو معن الرقاشي" أبو معن زيد بن يزيد "وإسحاق بن منصور" ثلاثة "كلهم عن أبي عاصم" النبيل واسمه الضحاك بن مخلَد "واللفظ لابن المثنى" الأول محمد بن المثنى، قال محمد بن المثنى: "حدثنا الضحاك" وهو أبو عاصم النبيل الضحاك بن مخلد "يعني أبا عاصم قال: أخبرنا حيوة بن شريح قال: حدثني يزيد بن أبي حبيب عن أبي شماسة المهري" عن أبي شماسة المهري عبد الرحمن بن شماسة المهري "قال: حضرنا عمرو بن العاص وهو في سياقة" يُحتضَر حضرنا عمرو بن العاص وهو في سياق الموت، أو في سياقة الموت، في اللحظات الأخيرة. وحضور المحتضَرين مِن أعظم وأشد ما يعين على حياة القلب؛ لأنهم قالوا في حديث الحث على زيارة القبور: «زوروا القبور؛ فإنها تذكر الآخرة».

 بعض الناس يقول: زرت القبور أول الأمر القلب فيه حياة ويتحرك، لكن في النهاية كأنها ليست قبورًا، كأنها حفرة زيت، ولذا يقول القرطبي: إذا وصل الأمر إلى هذا الحد فعليك بمشاهدة المحتضَرين، من يعاين المحتضَر ولا يتأثَّر فهذا منتهٍ، هذا نسأل الله العافية.

 حضرنا عمرو بن العاص وهو في سياقة الموت "فبكى طويلاً" فبكى طويلاً، لماذا؟ لأن عمرو بن العاص تولى على مصر ثلاثًا وعشرين سنة، عشرًا في خلافة عمر، وعشرًا في خلافة عثمان، وثلاثًا في خلافة معاوية، وتوفي سنة ثلاث وأربعين، الذي يتولى الخلافة والولاية والإمارة لا بد أن يحصل له ما يُسأل معه براءة الذمة مهما حاول، ولما دخل عبد الله بن عمر على ابن عامر يزوره قال له عبد الله بن عامر: عظني، ذكرني، قال ابن عمر "لا يقبل الله صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول، وكنت على البصرة" كنت يعني كان أمير عبد الله بن عامر على البصرة فهو مظنة لأن مثل هذه الولايات تمكن الإنسان ولا رقيب عليه ولا حسيب، والنفس تضعف أحيانًا، وكنت على البصرة، عمرو بن العاص تولى هذه الولاية الطويلة على هذا الإقليم الطويل من أقاليم المسلمين، ويخشى أن يكون دخل عليه شيء من حيث يشعر أو لا يشعر.

 "فبكى طويلاً وحوَّل وجهه إلى الجدار" وحول وجهه إلى الجدار "فجعل ابنه يقول: يا أبتاه أما بشَّرك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بكذا؟ أما بشَّرك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بكذا؟ قال: فأقبل بوجهه" قال: فأقبل بوجهه "فقال: إن أفضل ما نُعِدّ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله" هذه الشهادة إذا قالها الإنسان خالصًا من قبله لا يعدلها شيء، لكن كثيرًا من المسلمين يقولها وقلبه غافل لاهٍ، وقد يقولها وهو ينقضها بفعله، يقولها وهو ينقضها بفعله، يأتي ما ينقضها وهو يكثر من قول: لا إله إلا الله ويطوف على قبر مثلاً، يكثر من قول: لا إله إلا الله ويقسم بغير الله، يحلف بغير الله، إلى غير ذلك مما جاء إطلاق الشرع عليه اسم الشرك.

 "قال: فأقبل بوجهه فقال: إن أفضل ما نعد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، إني كنت على أطباق ثلاث" يعني على أحوال أحوال ثلاثة، "إني قد كنت على أطباق ثلاث" والأطباق معناها الأحوال، ولذلك أُنِّث العدد، "لقد رأيتني وما أحد أشد بغضًا لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- مني ولا أحب إليَّ أن أكون قد استمكنت منه فقتلته، فلو مت على تلك الحال لكنت من أهل النار" هذا مجزوم به، يبغض الرسول، يتمنى قتله، لكنت من أهل النار. "فلما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقلت: ابسط يمينك فلأبايعك" اللام هذه يحتمل أن تكون لام الأمر ويجزم معها الفعل، ويحتمل أن تكون تعليلية لام كي فينصب معها، "فبسط يمينه" بسط النبي -عليه الصلاة والسلام- يمينه قال: "فقبضت يدي" قبض عمرو بن العاص يده "قال: «ما لك يا عمرو؟» قال: قلت: أردت أن أشترط" قال: قلت أردت أن أشترط "قال: «تشترط بماذا؟»" بماذا، الأصل تشترط ماذا، والباء كما يقول الشراح زائدة للتوكيد، قلتُ: أن يغفر لي، قلت: أن يغفر لي "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله؟»" يسقط ما كان قبله ويمحو أثره، "«وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله؟»".

 الإسلام يهدم ما كان قبله، كبار الصحابة كانوا على الشرك، لما أسلموا صاروا أفضل الخلق بعد الأنبياء، «وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله» الإسلام يهدم ما كان قبله من جميع الذنوب ومنها أعظمها وهو الشرك، والهجرة تهدم ما كان قبلها، الجمهور على أن ما يُهدم بالهجرة والحج هو الصغائر، لكن رجح بعضهم أن الذنوب التي تهدمها الهجرة والحج تشمل الكبائر وإلا لما كان لذكرهما فائدة، لما كان لذكرهما فائدة، «من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيومَ ولدته أمه»، هل يرجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه وعليه كبائر؟ على كل حال المسألة خلافية، وجاءت نصوص مطلقة مثل هذا النص وما جاء في الحج، وجاءت نصوص مقيِّدة «ما اجتنبت الكبائر»، «ما لم تغش كبيرة»، وهذه حجة الجمهور في كون الكبائر لا تكفَّر إلا بالتوبة.

 "وما كان أحد أحبَّ إلي من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" وما كان أحد أحب إليَّ من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "ولا أجل في عينيَّ منه وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه؛ إجلالاً له" بعد ما كان أبغض الناس إليه، كان يتمنى قتله، الآن ما فيه أحد أحب إليه من الرسول -عليه الصلاة والسلام- ولا أجل في عينه منه، قال: "وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه؛ إجلالاً له، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت؛ لأني لم أكن أملأ عيني منه، ولو مت على تلك الحال لرجوت أن أكون من أهل الجنة" لرجوت أن أكون من أهل الجنة، هذه حال أولياء المتقين الخلَّص من عباده، لرجوت، ومع ذلك لا يجزم لنفسه أنه من أهل الجنة، "لرجوت أن أكون من أهل الجنة.

ثم ولينا أشياء" ثم ولينا أشياء "ما أدري ما حالي فيها" إذا كثرت الأعمال وتراكمت على الإنسان وتتابعت عليه، إذا كانت قليلة يستطيع أن يتميز فيها، ويتبين، ولا يقدم على شيء إلا بعد روية ودراسة، لكن إذا كانت كثيرة ومتتابعة ما يستطيع "ما أدري ما حالي فيها، فإذا أنا مت فلا تصحبني نائحة" فلا تصحبني نائحة، النائحة التي ترفع الصوت عند المصيبة، وتعدد المحاسن، وتضرب وجهها، وتشق جيبها، فلا تصحبني نائحة، "ولا نار" اتباع الميت بالنار من شعار الجاهلية أو مُنع من باب التفاؤل، يعني يتفاءل على هذا المسلم بالنار، نسأل الله السلامة من النار، "فإذا دفنتموني فشنوا علي التراب شنًّا" وفي بعضها: سنوا، سنوا علي التراب سنًّا أي صبوا التراب إن كان سنًّا يكون برفق، وإن كان شنًّا يكون بالتدريج، يكون دفعات، "فشنوا علي التراب شنًّا، ثم أقيموا حول قبري قدر ما تنحر جزور الجزور" الإبل.

 ثم أقيموا حول قبري قدر ما تُنحر جزور، "ويقسم لحمها حتى أستأنس بكم" حتى أستأنس بكم في هذه الحالة يسمع «حتى إنه ليسمع قرع نعالهم» يسمع الميت في هذه الحالة ثم إذا جاء الملكان إنك لا تسمع من في القبور، أهل القبور ما يسمعون إلا في أحوال يُطلعهم أو يسمعهم الله إياها، وأهل القليب لما خاطبهم النبي -عليه الصلاة والسلام- قيل له: كيف تخاطب أمواتًا؟ قال: ما أنتم بأسمع لي منهم. "حتى أستأنس بكم وأنظر ماذا أراجع به رسل ربي".

قال: "حدثني محمد بن حاتم بن ميمون وإبراهيم بن دينار واللفظ لإبراهيم قالا: حدثنا حجاج وهو ابن محمد عن ابن جريج قال: أخبرني يعلى بن مسلم أنه سمع سعيد بن جبير يحدث عن ابن عباس" أنه سمع سعيد بن جبير يحدث عن ابن عباس "أن ناسًا من أهل الشرك قتلوا" يعني مع الشرك جريمة القتل "فأكثروا، وزنوا فأكثروا، ثم أتوا محمدًا -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: إن الذي تقول وتدعو لحسن" الإسلام والدين الذي تعرضه علينا حسن، "ولو تخبرنا أن لما عملنا كفارة" شرك وقتل وزنا "فنزل" قول الله -جل وعلا-: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ} [سورة الفرقان:68] ثم قال في النهاية: {إِلاَّ مَن تَابَ} [سورة مريم:60]، "فنزل {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً} [سورة الفرقان:68]، ونزل {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ} [سورة الزمر:53]"، {والذين لا يدعون مع الله إلها آخر} هؤلاء كفروا وأشركوا وأسرفوا على أنفسهم بالكفر والقتل والزنا فنزل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ} [سورة الفرقان:68]، فهذا هو سبب نزول هذه الآية. و{يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ} [سورة الزمر:53]، وفي آية الفرقان لا بد من التوبة إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحًا، وكذلك في آية الزمر {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} [سورة الزمر:53] هذه الآية مشروطة بالتوبة كآية الفرقان وإلا {يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} [سورة الزمر:53] يدخل فيها أيضًا الشرك الذي لا يغفر.

 وعلى كل حال الذنوب والكبائر لا بد لها من توبة، فإن لم يتب صاحبها فقول أهل السنة أنه تحت المشيئة، إن شاء الله غفر له، وإن شاء عذبه بقدرها، وإذا كان مات على التوحيد فمآله إلى الجنة، ولا يقال بأنه يخلد في النار الذي ارتكب الكبيرة كما تقوله المعتزلة، أو يكفر كما تقوله الخوارج، إنما يكون تحت المشيئة بعضهم يقول: إن آية الزمر هي أرجى آية في كتاب الله، أرجى آية في كتاب الله {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} [سورة الزمر:53]، لكن المقرر عند أهل العلم أنها بالتوبة مشروطة بالتوبة مشروطة بالتوبة لقوله -جل وعلا-: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} [سورة النساء:48] مربوط بالمشيئة، وأقوال أهل العلم في أرجى آية معروفة ومدونة في كتب التفسير وشروح الحديث وغيرها، والإمام الشافعي -رحمه الله- في أحكام القرآن الذي جمعه البيهقي من كلامه يقول: أرجى آية في كتاب الله: {فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ} [سورة البلد:11-16] يعني أمور يسيرة وهي عقبة اقتحام عقبة، العقبة الكؤود الشديدة تقتحم هذه العقبة بهذه الأمور اليسيرة. {وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً  يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً} [سورة الفرقان:68-70] بهذه الشروط {إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [سورة الفرقان:70].

 يعني من كان مشركًا وقتل وزنا وفعل ما فعل من الجرائم، ثم تاب توبة نصوحًا يصدق فيها مع الله -جل وعلا- بشروطها أن يقلع عن الذنب فورًا، وأن يندم على ما مضى، وأن يعزم على ألا يعود مخلصًا في ذلك لله -جل وعلا-، مثل هذا تبدَّل سيئاته حسنات، تبدل لا يكفي أن تمحى سيئاته، لكن مع ذلك تبدل حسنات، ولكن هل هذه الحسنات المبدلة من سيئات تضاعف كما تضاعف الحسنات التي يفعلها المسلم ابتداءً؟

الأصل أن البدل له حكم المبدل واللائق بعدل الله -جل وعلا- أنه لا يسوي بين من يفعل المنكرات والجرائم ثم يتوب، بمن عاش عمره كله على الطاعات واجتناب المحرمات، شيخ الإسلام -رحمه الله- يرى أن الحكم واحد، كلها تضاعف، وفضل الله واسع.