التعليق على تفسير القرطبي - سورة الأحزاب (04)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته 

أنا ما قرأت في هذا الكتاب فلا أستطيع الحكم عليه.

 يقول: عند الاستماع للدروس والمحاضرات المسجلة وعند دعاء الشيخ للمحاضرة، هل يُشرع لنا التأمين؟

إذا دعا وأمنت فأنت داعٍ، وأحيانًا.

 إذا كنا مجموعة نستمع للمحاضرة، فهل التأمين على دعاء الشيخ يكون التأمين لنا من الذكر الجماعي؟

لا، التأمين إذا سُمع الدعاء ولو صدر من أشخاص، كما هو الحاصل في الصلاة لا يسُمى جماعيًّا، وإن اتفقوا في هذا.

 ما المقصود بالغناء المحرم؟ هل هو الذي بالمعازف؟ وهل ثمة فرق بين المعازف ومحسنات الصوت التي يصاحبها قصائد؟

الغناء المحرم هو ما اشتمل على لفظ محرم، من سب وهجاء، أو غزل وتشبيب، أو فخر وخيلاء، وما أشبه ذلك، إذا كان لفظه محرمًا فهو محرم، وكان منظومًا، وأُدي بصوت ولحن، هذا يُحرم من أجل احتماله على اللفظ المحرم، أما إذا صحبته آلة حَرُم ولو كان لفظه مباحًا، وكذلك إذا أُدِّي بلحون الأعاجم وأهل الفسق، ولو كان لفظه مباحًا يُمنع للتشبه بهم، وما عدا ذلك فالشعر كلام، حسنه حسن، وقبيحه قبيح، فإذا كان لفظه مباحًا، ولم تصحبه آلة، وأُدِّي بلحون العرب فلا شيء فيه، وأنشد بين يدي النبي -عليه الصلاة والسلام-.

 يقول: هل ثمة فرق بين المعازف ومحسنات الصوت التي يصاحبها قصائد؟

محسنات الصوت إذا أثَّرت في النفوس تأثير المعازف والآلات أخذت حكمها.

 قد أنكر علي أحد الإخوة لأنني قلت كفارة المجلس، وقال: إن الأحاديث الخاصة بكفارة المجلس ضعيفة، مع أنه لدي أدلة صحيحة والحديث الذي أشرت إليه  ذكره الإمام أحمد في مسنده، والترمذي في سُننه، ولفظ رواية الترمذي: «من جلس في مجلس، فكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، إلا غفر له ما كان من مجلسه ذلك»، وصحَّحه الشيخ الألباني وروى أبو داود عن أبي برزة قال: »كان رسول -صلى الله عليه وسلم- يقولُ بأخرة إذَا أرَادَ أنْ يَقُومَ مِنَ الْمَجِلسِ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وبَحَمْدكَ أشْهدُ أنْ لا إلهَ إلا أنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وأتُوبُ إِلَيْكَ»، صحَّحه الشيخ الألباني، الحديث مصحح من قِبل جمع من أهل العلم، أعلّه الإمام البخاري، لكن غيره صحَّحه، فالمتجه قبوله، إن شاء الله تعالى.

 يقول: قوله: {وَلا تُصَعِّرْ} [لقمان:18] هل تأتي بمعنى التذلل للناس أي بعكس التكبر؟

أما في سياقها في الآية فلا يمكن أن تأتي على هذا المعنى؛ لأن السياق سياق ذم، علمًا بأن تصعير الخد من سمات المتكبرين.

هل يجوز معاشرة الشيعة الذين يسبون الصحابة؟!

لا يجوز معاشرتهم ولا مخالطتهم إلا بنية دعوتهم إلى الله -جل وعلا-.

 يقول: ما أهم التفاسير التي ينبغي أن يقتنيها الطالب وتكفيه عن غيرها؟

الطلاب على مراتب؛ منهم المبتدئ، ومنهم المتوسط، ومنهم المنتهي، وكلهم في دائرة الطلب، والكلام على التفاسير وتقسيمها إلى طبقات المتعلمين موجودة في أشرطة سُميت "كيف يبني طالب العلم مكتبته؟".

 يقول: »الحمد لله الذي تواضع لعظمته كل شيء، الحمد لله الذي استسلم لقدرته كل شيء، الحمد لله الذي ذل لعزته كل شيء، الحمد لله الذي خضع لملكه كل شيء»؟

الكلام هذا صحيح، معناه صحيح، لكن رفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- مع ما رُتب عليه من أجر، لا يثبت ولا يصح، »من قال هذا الدعاء مرة واحدة تُكتب له ألف حسنة، ويرفع به ألف درجة، ويوكل له سبعين ألف ملكًا يستغفرون له إلى يوم القيامة»، من يسمع هذا الدعاء يعلمه لغيره، والدال على الخير كفاعله، هذا الحديث لا يثبت.

 هذه تقول: ما معنى البيع بالعينة؟ وما معنى ربا النسيئة، وربا الفضل؟

 البيع بالعينة أن يشتري زيد من عمرو سلعة، نسيئة بأكثر من قيمتها، يأتي فيشتري منه سيارته التي قيمتها خمسون ألفًا، فيقول: اشتريتها بستين لمدة سنة، ويتفقان على هذا، ثم بعد ذلك يشتريها صاحبها الأول بالخمسين، هذه مسألة العينة، لكن إن باعها على طرف ثالث فهي التورق، والعينة محرمة، والتورق جائزة.

ربا النسيئة: ربا التأخير ألف بألف لمدة سنة هذا ربا النسيئة، صاع بصاع لمدة شهر، وغير ذلك من الربويات، وإن اقترنت به الزيادة في أحد العوضين اجتمع فيه ربا الفضل، وربا النسيئة، ألف بألف ومائة لمدة سنة، هذا ربا فضل، زيادة، وربا نسيئة يعني تأخير وتأجيل.

ما التفسير الذي تنصحون به للمبتدئين في طلب العلم؟

تفسير الشيخ ابن سعدي مناسب جدًّا للمبتدئين، وكذلك تفسير الشيخ فيصل بن مبارك "توفيق الرحمن لدروس القرآن"، تفسير الجلالين أيضًا مناسب، لولا ما فيه من المخالفات العقدية، وما عدا ذلك فهو مناسب جدًّا.

نعم.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلّ الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

قال الإمام القرطبي -رحمه الله تعالي-: "قوله تعالى: { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا}. 

قَوْلُهُ تَعَالَى: { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ}  رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ، وَصَلُحَ الِابْتِدَاءُ بِالنَّكِرَةِ؛ لِأَنَّ صَدَقُوا فِي مَوْضِعِ النَّعْتِ".

وأيضًا كونه مؤخرًا عن الخبر، كونه مؤخرًا عن الخبر يسوغ الابتداء به، ولو كان نكرة، ولو لم يوصف للزم تأخيره.

 ونحو عندي درهم ولي وتر               ملتزم فيه تقدم الخبر

لأن المبتدأ نكرة لا يجوز الابتداء به إلا بهذا المسوغ.

"{ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ} (مَنْ) فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ".

قوله: صدقوا في موضع النعت، نعم الجمل بعد النكرات صفات، ولو كان معرفةً لقلنا: حال.

"(مَنْ) فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ. وَكَذَا (وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ)، وَالْخَبَرُ فِي الْمَجْرُورِ".

نعم الخبر الجار والمجرور متعلق بالخبر المحذوف.

 "وَالنَّحْبُ: النَّذْرُ وَالْعَهْدُ، تَقُولُ مِنْهُ: نَحَبْتُ أَنْحُبُ، بِالضَّمِّ. قَالَ الشَّاعِرُ: 

وَإِذَا نَحَبَتْ كَلْبٌ عَلَى النَّاسِ إِنَّهُمْ
 

أَحَقُّ بِتَاجِ الْمَاجِدِ الْمُتَكَرِّمِ
  

وَقَالَ آخَرُ:

قَدْ نَحَبَ الْمَجْدُ عَلَيْنَا نَحْبَا
  

وَقَالَ آخَرُ:

أَنَحْبٌ فَيُقْضَى أَمْ ضَلَالٌ وَبَاطِلُ
  

وَرَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ،  عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ عَمِّي أَنَسُ بْنُ النَّضْر  سُمِّيَتْ بِهِ وَلَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَكَبُرَ عَلَيْهِ فَقَالَ: أَوَّلُ مَشْهَدٍ شَهِدَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- غِبْتُ عَنْهُ، أَمَا وَاللَّهِ لَئِنْ أَرَانِي اللَّهُ مَشْهَدًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لَيَرَيَنَّ اللَّهُ مَا أَصْنَعُ".

فِيمَا بَعْدُ، عندك فِيمَا بَعْدُ؟

طالب: ................

ماذا؟

طالب: ................

"لَئِنْ أَرَانِي اللَّهُ مَشْهَدًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِيمَا بَعْدُ لَيَرَيَنَّ اللَّهُ مَا أَصْنَعُ. قَالَ: فَهَابَ أَنْ يَقُولَ غَيْرَهَا، فَشَهِدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمَ أُحُدٍ مِنَ الْعَامِ الْقَابِلِ، فَاسْتَقْبَلَهُ سَعْدُ بْنُ مَالِكٍ فَقَالَ: يَا أَبَا عَمْرٍو أَيْنَ؟ قَالَ: وَاهًا لِرِيحِ الْجَنَّةِ! أَجِدُهَا دُونَ أُحُدٍ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، فَوُجِدَ فِي جَسَدِهِ بِضْعٌ وَثَمَانُونَ مَا بَيْنَ ضَرْبَةٍ وَطَعْنَةٍ وَرَمْيَةٍ. فَقَالَتْ عَمَّتِي الرُّبَيِّعُ بِنْتُ النَّضْرِ: فَمَا عَرَفْتُ أَخِي إِلَّا بِبَنَانِهِ. وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ { رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} هذا  لَفْظُ التِّرْمِذِيِّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

وَقَالَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها- فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} الْآيَةَ: مِنْهُم ْطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، ثَبَتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حَتَّى أُصِيبَتْ يَدُهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: »أَوْجَبَ طَلْحَةُ الْجَنَّةَ».

 وَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنْهُ: أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالُوا لِأَعْرَابِيٍّ جَاهِلٍ: سَلْهُ عَمَّنْ قَضَى نَحْبَهُ مَنْ هُوَ؟ وَكَانُوا لَا يَجْتَرِئُونَ عَلَى مَسْأَلَتِهِ، يُوَقِّرُونَهُ وَيَهَابُونَهُ".

نهاهم النبي -عليه الصلاة والسلام- عن كثرة المسائل، نهاهم عن ذلك، فصاروا يهابون السؤال؛ لئلا يكون من المنهي عنه، لئلا يكون من المنهي عنه، فكانوا يعجبهم الرجل العاقل يأتي من البادية فيسأل النبي -عليه الصلاة والسلام-، فيستفيدون من جوابه -عليه الصلاة والسلام-.

 "فَسَأَلَهُ الْأَعْرَابِيُّ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ إِنِّي اطَّلَعْتُ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ وَعَلَيَّ ثِيَابٌ خُضْرٌ، فَلَمَّا رَآنِي النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: »أَيْنَ السَّائِلُ عَمَّنْ قَضَى نَحْبَهُ؟ قَالَ الْأَعْرَابِيُّ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: هَذَا مِمَّنْ قَضَى نَحْبَهُ »، قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ يُونُسَ بْنِ بُكَيْر.ٍ 

وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ»أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حِينَ انْصَرَفَ مِنْ أُحُدٍ، مَرَّ عَلَى مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ". 

المقصود بقول هذا ومن قضى نحبه، يعني طلحة، في الحديث السابق، قال وفي الترمذي عنه. نعم المراد به طلحة المشهود له في الحديث السابق، وهذا الحديث ماذا قال عنه؟

طالب: ............................

كلاهما؟

طالب:...................

نعم.

"وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ  أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حِينَ انْصَرَفَ مِنْ أُحُدٍ، مَرَّ عَلَى مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ وَهُوَ مَقْتُولٌ عَلَى طَرِيقِهِ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ وَدَعَا لَهُ، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ}  إِلَى {تَبْدِيلًا} ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: »أَشْهَدُ أَنَّ هَؤُلَاءِ شُهَدَاءُ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأْتُوهُمْ وَزُورُوهُمْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا رَدُّوا عَلَيْهِ»

لأنهم أحياء، معلوم أن حياتهم حياة برزخية، ليست مثل حياة من لم تفارق روحه جسده، ليسوا من حياة الأحياء الذين أرواحهم في أجسادهم، وليسوا مثل الأموات من بقية الأموات الذين ليسوا بشهداء، ولا أنبياء من باب أولى.

طالب: ..........................

أسلم عام خيبر، لكنه يروي بواسطة، متأخر الإسلام، والمتأخر في إسلامه أو الصغير في سنه أو الغائب عن الواقعة، هذه رواياتهم لما كان قبل ذلك من مراسيل الصحابة، هي مقبولة عند عامة العلم.

"وَقِيلَ: النَّحْبُ الْمَوْتُ، أَيْ مَاتَ عَلَى مَا  عَاهَدَ عَلَيْهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَالنَّحْبُ أَيْضًا الْوَقْتُ وَالْمُدَّةُ يُقَالُ: قَضَى فُلَانٌ نَحْبَهُ إِذَا مَاتَ. وَقَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

عشِيَّةَ فَرَّ الْحَارِثِيُّونَ بَعْدَمَا
 

قَضَى نَحْبَهُ فِي مُلْتَقَى الْخَيْلِ هَوْبَرُ                                             
  

 وَالنَّحْبُ أَيْضًا الْحَاجَةُ وَالْهِمَّةُ، يَقُولُ قَائِلُهُمْ: مَا لِي عِنْدَهُمْ نَحْبٌ، وَلَيْسَ الْمُرَادَ بِالْآيَةِ. وَالْمَعْنَى فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِالنَّحْبِ النَّذْرُ كَمَا قَدَّمْنَا أَوَّلًا، أَيْ مِنْهُمْ مَنْ بَذَلَ جُهْدَهُ عَلَى الْوَفَاءِ بِعَهْدِهِ حَتَّى قُتِلَ، مِثْلُ حَمْزَةَ وَسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَأَنَسِ بْنِ النَّضْرِ وَغَيْرِهِمْ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ الشَّهَادَةَ، وَمَا بَدَّلُوا عَهْدَهُمْ وَنَذْرَهُمْ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَرَأَ (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمِنْهُمْ مَنْ بَدَّلَ تَبْدِيلًا). قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَنْبَارِيُّ: وَهَذَا الْحَدِيثُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مَرْدُودٌ؛ لِخِلَافِهِ الْإِجْمَاعَ، وَلِأَنَّ فِيهِ طَعْنًا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالرِّجَالِ الَّذِينَ مَدَحَهُمُ اللَّهُ وَشَرَّفَهُمْ بِالصِّدْقِ وَالْوَفَاءِ، فَمَا يُعْرَفُ فِيهِمْ مُغَيِّرٌ، وَمَا وُجِدَ مِنْ جَمَاعَتِهِمْ مُبَدِّلٌ، -رضي الله عنهمْ-. {لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ} ".

هذا لا ينفي أنه وُجد من ارتد بعد وفاة النبي –عليه اللصلاة والسلام- من الأعراب، وممن لم يقر الإيمان في قلبه، ولم تخالط بشاشته قلبه، وهم الذين يزادون عن الحوض؛ لأنهم بدلوا.

"أَيْ أَمَرَ اللَّهُ بِالْجِهَادِ لِيَجْزِيَ الصَّادِقِينَ فِي الْآخِرَةِ بِصِدْقِهِمْ. وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ فِي الْآخِرَةِ إِنْ شَاءَ أَيْ إِنْ شَاءَ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ لَمْ يُوَفِّقْهُمْ لِلتَّوْبَةِ، وَإِنْ لَمْ يَشَأْ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ تَابَ عَلَيْهِمْ قَبْلَ الْمَوْتِ { إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا}. 

قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا}  قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو يَرْفَعُهُ إِلَى عَائِشَةَ: قَالَتِ: {الَّذِينَ كَفَرُوا} هَاهُنَا أَبُو سُفْيَانَ وَعُيَيْنَةُ بْنُ بَدْر، رَجَعَ أَبُو سُفْيَانَ إِلَى تِهَامَةَ، وَرَجَعَ عُيَيْنَةُ إِلَى نَجْد ٍ{ وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ} بِأَنْ أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا حَتَّى رَجَعُوا، وَرَجَعَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ إِلَى صَيَاصِيهِمْ، فَكُفِيَ أَمْرُ قُرَيْظَةَ بِالرُّعْب. وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا أَمْرُهُ عَزِيزًا لَا يُغْلَب.

 قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ}  يَعْنِي الَّذِينَ عَاوَنُوا الْأَحْزَابَ: قُرَيْشًا وَغَطَفَانَ، وَهُمْ بَنُو قُرَيْظَةَ، وَقَدْ مَضَى خَبَرُهُمْ مِنْ صَيَاصِيهِمْ أَيْ حُصُونُهُمْ وَاحِدُهَا صِيصَةٌ".

أَيْ حُصُونِهِم.

"مِنْ صَيَاصِيهِمْ أَيْ حُصُونِهِم وَاحِدُهَا صِيصَةٌ. قَالَ الشَّاعِرُ:

فَأَصْبَحَتِ الثِّيرَانُ صَرْعَى وَأَصْبَحَتْ
 

نِسَاءُ تَمِيمٍ يَبْتَدِرْنَ الصَّيَاصِيَا
  

وَمِنْهُ قِيلَ لِشَوْكَةِ الْحَائِكِ الَّتِي بِهَا يُسَوِّي السَّدَاةَ وَاللُّحْمَةَ: صِيصَةٌ. قَالَ دُرَيْدُ بْنُ الصِّمَّةِ:

فَجِئْتُ إِلَيْهِ وَالرِّمَاحُ تَنُوشُهُ
 

كَوَقْعِ الصَّيَاصِي فِي النَّسِيجِ الْمُمَدَّدِ
  

وَمِنْهُ: صِيصَةُ الدِّيكِ الَّتِي فِي رِجْلِهِ. وَصَيَاصِي الْبَقَرِ قُرُونُهَا؛ لِأَنَّهَا تَمْتَنِعُ بِهَا. وَرُبَّمَا كَانَتْ تُرَكَّبُ فِي الرِّمَاحِ مَكَانَ الْأَسِنَّةِ، وَيُقَالُ: جَذَّ اللَّهُ صِئْصِئَهُ، أَيْ أَصْلَهُ {وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ}  وَهُمُ الرِّجَالُ. {وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا} وَهُمُ النِّسَاءُ وَالذُّرِّيَّةُ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ. { وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا}  بَعْدُ. قَالَ يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ وَابْنُ زَيْدٍ وَمُقَاتِلٌ: يَعْنِي حُنَيْنَ، وَلَمْ يَكُونُوا نَالُوهَا، فَوَعَدَهُمُ اللَّهُ إِيَّاهَا. وَقَالَ قَتَادَة: كُنَّا نَتَحَدَّثُ َنَّهَا مَكَّةُ .وَقَالَ الْحَسَنُ: هِيَ فَارِسُ وَالرُّومُ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: كُلُّ أَرْضٍ تُفْتَحُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ".

 ما فيه قول أنها أرض خيبر؟

الأقوال في هذا كثيرة، لكن لا يجزم بواحد منها؛ لأنه أمر مستقبل، لم يقع وقت التنزيل، وما ذُكر كله أمثلة مما وقع بعد ذلك، كله أمثلة مما وقع بعد ذلك.

"{وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا}  فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: عَلَى مَا أَرَادَ بِعِبَادِهِ مِنْ نِقْمَةٍ أَوْ عَفْوٍ قَدِيرٌ، قَالَه مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: الثَّانِي: عَلَى مَا أَرَادَ أَنْ يَفْتَحَهُ مِنَ الْحُصُونِ وَالْقُرَى قَدِيرٌ، قَالَهُ النَّقَّاشُ  وَقِيلَ : وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِ شَيْءٍ مِمَّا وَعَدَكُمُوهُ قَدِيرًا لَا تُرَدُّ قُدْرَتُهُ وَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْعَجْزُ تَعَالَى. وَيُقَالُ: تَأْسِرُونَ وَتَأْسُرُونَ (بِكَسْرِ السِّينِ وَضَمِّهَا) حَكَاهُ الْفَرَّاءُ".

والأية باقية على عمومها محفوظة من التخصيص {كَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا}  فالله -جل وعلا- قادر على كل شيء، لا يُحدّ بشيء دون شيء، وهذا من النصوص التي لم يدخلها التخصيص، باقية على عمومها، وبعضهم يستثني من ذلك ما يستحيل وقوعه، كقدرته على نفسه، يعني ما هو داخل تحت القدرة، ومعلوم أن المستحيل لا يُسمى بشيء أصلًا، ليس بشيء، ولذا لما قال بعضهم، بعض المفتونين طرح سؤالًا قال: هل يستطيع الرب، هل يقدر على خلق صخرةٍ لا يقدر على تفتيتها؟ هذا تناقص، هذا السؤال فيه تناقص، فيه إثبات للنقيض، ورفع له في آن واحد، فهذا تناقض، والتناقض مستحيل، والمستحيل ليس بشيء، كما قرر ذلك شيخ الإسلام وغيرهم من أهل العلم، فلا يمكن أن يرد مثل هذا السؤال. يعني هل يمكن أن يوجد شيء ليس بشيء؟! ما يمكن، يعني لو قال شخص: هل يقدر الرب -جل وعلا- على خلق شيء ليس بشيء؟! أو على خلق رجل ليس برجل؟ أو على خلق امرأة ليست بامرأة؟! هذا كله تناقض، هذا من المحال، من الذي ليس بشيء عند أهل العلم.

طالب: ................

نعم.

طالب:.............................

نعم، طيب.

طالب:.............................

في هذه الغزوة غزوة الخندق نشأ وترتب عليه الفرار، وفي الحروب عمومًا في عصره -عليه الصلاة والسلام- الرعب محقّق، بوعد الله، وهذا من خصائصه -عليه الصلاة والسلام-، لكن بعده لأمته من هذا الرعب بقدر إرثهم من علمه وعمله، وهذا يوجد في الجماعات، ويوجد في الأفراد، بعض الناس تجده في تركيبه ضعيفًا، لكن إذا سلم عليه أكبر الشخصيات ترتعد فرائسه، هذا من الرعب، ولا تجد عنده حرسًا ولا جنودًا ولا جيوشًا ولا شيئًا، تجده من أهل العلم الذين لم يؤتوا بسطة في الجسم، ولا قوة في البدن، ولا تحملًا ولا شيئًا، تجده ضعيفًا جدًّا يرتعش من ضعف قواه، ومع ذلك من سلَّم عليه من الملأ هابه، حتى إن العرق يوجد في أيديهم في الشتاء، هذا أمر موجود، وذلك بقدر الإرث من النبي -عليه الصلاة والسلام- علمًا وعملًا وتحقيقًا، هذا موجود في علماء الإسلام.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا}  
فِيهِ ثَمَانِي مَسَائِلَ: 

الْأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ} قَالَ عُلَمَاؤُنَا: هَذِهِ الْآيَةُ مُتَّصِلَةٌ: بِمَعْنَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَنْعِ مِنْ إِيذَاءِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، وَكَانَ قَدْ تَأَذَّى بِبَعْضِ الزَّوْجَاتِ. قِيلَ: سَأَلْنَهُ شَيْئًا مِنْ عَرَضِ الدُّنْيَا. وَقِيلَ: زِيَادَةً فِي النَّفَقَةِ. وَقِيلَ: آذَيْنَهُ بِغَيْرَةِ بَعْضِهِنَّ عَلَى بَعْضٍ. وَقِيلَ: أُمِرَ -صلى الله عليه وسلم- بِتِلَاوَةِ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَيْهِنَّ، وَتَخْيِيرِهِنَّ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ -رحمه الله تَعَالَى-: إِنَّ مَنْ مَلَكَ زَوْجَةً فَلَيْسَ عَلَيْهِ تَخْيِيرُهَا. أُمِرَ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ يُخَيِّرَ نِسَاءَهُ فَاخْتَرْنَهُ ".

لأن التخيير أولًا العقد الذي استباح به هذه المرأة عقدٌ وميثاق قوي، يستحلّ بها ما يحرم على غيره منها، وتخييرها فيه تخفيف من هذا العقد، تخفيف من هذا العقد، الأصل أن العقد ثابت وقوي وموثّق بما توثق به العقود، وأن هذا أحق وأولى العقود والعهود، وأوثق العقود، ثم إذا قال لها: إن شئت أن تمكثي معي فلكِ ذلك، وإن شئت أن تذهبي لأهلك فالأمر إليك، فهذا لا شك أن فيه إضعافًا لهذا العقد، لكنه مع ذلك مادام فعله النبي– عليه الصلاة والسلام- وخيَّر أزواجه بهذه الصيغة التي جاءت في هذه الآية يبقى أنه تسهيل وتليين للعقد مشروط أو معلق بالاختيار؛ لا أنه تليين مطلق، إنما هو تليين معلق بهذا الشرط بحالة الاختيار، ومادام معلقًا بشرط حتى لو قال لها: إن فعلتِ كذا فأنت طالق، فلم تفعله، لا يتأثر العقد، ويبقى على قوته، وإن كان فيه تليين في هذا الاختيار وهذا التعليق، كسائر العقود المعلَّقة على شروط، ولذا الشافعي يقول: إن ما ملك زوجة فليس عليه تخييرها، يعني هذا خاص بالنبي –عليه الصلاة والسلام- ، لكن لو أن إنسانًا رأى أن نفسه لا تميل إلى أحد زوجاته، وخشي من ظلمها وقال لها: إن رغبتي في البقاء على هذه الحال، وأنا لا أستطيع أكثر من ذلك، وإن شئتِ أن تذهبي إلى أهلك فالأمر إليكِ، هذا تخييرـ وتبرأ ذمته بهذا، إذا اختارت ما يناسبها، {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ}[النساء:128]، نعم.

"وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ خَيَّرَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- بَيْنَ أَنْ يَكُونَ نَبِيًّا مَلَكًا، وَعَرَضَ عَلَيْهِ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الدُّنْيَا، وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ نَبِيًّا مِسْكِينًا، فَشَاوَرَ جِبْرِيلَ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ بالسكينة".

بالمسكنة.

"بِالْمَسْكَنَةِ فَاخْتَارَهَا، فَلَمَّا اخْتَارَهَا وَهِيَ أَعْلَى الْمَنْزِلَتَيْنِ، أَمَرَهُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- أَنْ يُخَيِّرَ زَوْجَاتِهِ، فَرُبَّمَا كَانَ فِيهِنَّ مَنْ يَكْرَهُ الْمُقَامَ مَعَهُ عَلَى الشِّدَّةِ؛ تَنْزِيهًا لَهُ. وَقِيلَ: إِنَّ السَّبَبَ الَّذِي أُوجِبَ التَّخْيِيرُ لِأَجْلِهِ، أَنَّ امْرَأَةً مِنْ أَزْوَاجِهِ سَأَلَتْهُ أَنْ يَصُوغَ لَهَا حَلْقَةً مِنْ ذَهَبٍ، فَصَاغَ لَهَا حَلْقَةً مِنْ فِضَّةٍ وَطَلَاهَا بِالذَّهَبِ وَقِيلَ :بِالزَّعْفَرَانِ، فَأَبَتْ إِلَّا أَنْ تَكُونَ مِنْ ذَهَبٍ، فَنَزَلَتْ آيَةُ التَّخْيِيرِ فَخَيَّرَهُنَّ، فَقُلْنَ: اخْتَرْنَا اللَّهَ وَرَسُولَهُ. وَقِيلَ: إِنَّ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ اخْتَارَتِ الْفِرَاقَ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ".

هذه القصة التي هي سبب النزول على ما ذكر المؤلف، طلبت حلقة من ذهب فصاغ لها حلقة من فضة، ثم طلاها بالذهب، هذا لا شك أن فيه تمويهًا عليها.

طالب: ................

ماذا قال؟

طالب:..........................

نعم، على ما سيأتي.

َوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَاللَّفْظُ". 

نعم.

طالب:.........................

فقير نعم، أما مسكين صح، »اللهم أحيني مسكينًا».

طالب:........................

نعم، استعاذ من الفقر قال: »اللهم أحيني مسكينًا» المسكين الذي يجد بعض الشيء.

َوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَاللَّفْظُ لِمُسْلِم ٍعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ على رَسُول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَوَجَدَ النَّاسَ جُلُوسًا بِبَابِهِ لَمْ يُؤْذَنْ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ، قَالَ: فَأُذِنَ لِأَبِي بَكْرٍ فَدَخَلَ، ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ فَاسْتَأْذَنَ فَأُذِنَ لَهُ، فَوَجَدَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- جَالِسًا حَوْلَهُ نِسَاؤُهُ وَاجِمًا سَاكِتًا. قَالَ: فَقَالَ: وَاللَّهِ لَأَقُولَنَّ شَيْئًا أُضْحِكُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ رَأَيْتَ بِنْتَ خَارِجَةَ سَأَلَتْنِي النَّفَقَةَ فَقُمْتُ إِلَيْهَا فَوَجَأْتُ عُنُقَهَا، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَقَالَ: »هُنَّ حَوْلِي كَمَا تَرَى يَسْأَلْنَنِي النَّفَقَةَ فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى عَائِشَةَ يَجَأُ عُنُقَهَا، وَقَامَ عُمَرُ إِلَى حَفْصَةَ يَجَأُ عُنُقَهَا".

يعني يضرب، نعم.

 كِلَاهُمَا يَقُولُ: تَسْأَلْنَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَا لَيْسَ عِنْدَهُ!! فَقُلْنَ: وَاللَّهِ لَا نَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- شَيْئًا أَبَدًا لَيْسَ عِنْدَهُ. ثُمَّ اعْتَزَلَهُنَّ شَهْرًا أَوْ تِسْعًا وَعِشْرِينَ ثُمَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ}  حَتَّى بَلَغَ { لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا}.  قَالَ: فَبَدَأَ بِعَائِشَةَ فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَعْرِضَ عَلَيْكِ أَمْرًا أُحِبُّ أَلَّا تَعْجَلِي فِيهِ حَتَّى تَسْتَشِيرِي أَبَوَيْكِ قَالَتْ: وَمَا هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَتَلَا عَلَيْهَا الْآيَةَ. قَالَتْ: أَفِيكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَسْتَشِيرُ أَبَوَيَّ! بَلْ أَخْتَارُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، وَأَسْأَلُكَ أَلَّا تُخْبِرَ أَمْرَأَةً مِنْ نِسَائِكَ بِالَّذِي قُلْتُ. قَالَ:  لَا تَسْأَلُنِي امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ إِلَّا أَخْبَرْتُهَا، إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّتًا وَلَا مُتَعَنِّتًا وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا».

 وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ » عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: لَمَّا أُمِرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِتَخْيِيرِ أَزْوَاجِهِ بَدَأَ بِي فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ، إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا فَلَا عَلَيْكِ أَلَّا تَسْتَعْجِلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ قَالَتْ: وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ أَبَوَيَّ لَمْ يَكُونَا لِيَأْمُرَانِي بِفِرَاقِهِ، قَالَتْ: ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} حَتَّى بَلَغَ {لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} فَقُلْتُ: أَفِي هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ! فَإِنِّي أُرِيدُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، وَفَعَلَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- مَثلما فَعَلَتْ»، قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

قَالَ الْعُلَمَاءَ: وَأَمَّا أَمْرُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- عَائِشَةَ أَنْ تُشَاوِرَ أَبَوَيْهَا؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُحِبُّهَا، وَكَانَ يَخَافُ أَنْ يَحْمِلَهَا فَرْطُ الشَّبَابِ عَلَى أَنْ تَخْتَارَ فِرَاقَهُ، وَيَعْلَمَ مِنْ أَبَوَيْهَا أَنَّهُمَا لَا يُشِيرَانِ عَلَيْهَا بِفِرَاقِه". 

أو لأنها كانت حديثة السن صغيرة لا تستقل بالرأي دون بمشورة بخلاف غيرها فإنهن كبار.

"الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ لِأَزْوَاجِكَ} كَانَ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَزْوَاجٌ، مِنْهُنَّ مَنْ دَخَلَ بِهَا، وَمِنْهُنَّ مَنْ عَقَدَ عَلَيْهَا وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا، وَمِنْهُنَّ مَنْ خَطَبَهَا فَلَمْ يُتِمَّ نِكَاحَهُ مَعَهَا". 

ذكر المؤلف بالتفصيل أزواج النبي -عليه الصلاة والسلام- اللواتي دخل بهن واللواتي عقد عليهن ولم يدخل، ومن خطب منهن ولم يعقد، وأما من تُوفي عنهن فلم يصرح به المؤلف، يعني ما أفرد من تُوفي عنهن فإذا حذفنا من ماتت أو طلقت في حياته ظهر لنا أن من توفى عنهن تسع من النسوة يجمعهن قول الشاعر:

توفي رسول الله عن تسع نسوة
 

إليهن تُعزى المكرمات وتنسب
  

فعائشة ميمونة وصفية
 

وحفصة تتلوهن هند وزينب
  

جويرية مع رملة ثم سودة
 

ثلاث وست نظمهن مهذب
  

نعم، فعائشة ميمونة، عائشة بنت أبي بكر، وميمونة بنت الحارث، وصفية بنت حيي بنت أخطب، وحفصة بنت عمر، تتلوهن هند أم سلمة، وزينب بنت حجش، وجويرية بنت الحارث المصطلقية، مع رملة  التي هي أم حبيبة بنت أبي سفيان ثم سودة بنت زمعة، وهي من أقدم نسائه، لكن النظم جعلها متأخرة، ثلاث وست نظمهن مهذب.

طالب:.........................

ماذا فيه؟

طالب:........................

هو يحبها، ولما سئل عن أحب الناس إليه؟ قال: عائشة، قالوا: من الرجال؟ قال: أبوها، كونه يحبها ويميل إليها ميلًا قلبيًّا، ويحب أن تختاره، فهذا أمر جبلي، هذا ما فيه إشكال، هذا مستفيض في النصوص، لكن فيما يقدر عليه العدل، وإن كان بعض أهل العلم يرى بأن العدل ليس بواجب على النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه يرجي من يشاء، ويختار من يشاء، بخلاف غيره، لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- يعدل بين نسائه، أما الميل القلبي فهذا ما يملكه أحد.

"فَأَوَّلُهُنَّ: خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابٍ. وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ أَبِي هَالَةَ، وَاسْمُهُ زُرَارَةُ بْنُ النَّبَّاشِ الْأَسَدِيُّ، وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ عَتِيقِ بْنِ عَائِذ، وَلَدَتْ مِنْهُ غُلَامًا اسْمُهُ عَبْدُ مَنَافٍ. وَوَلَدَتْ مِنْ أَبِي هَالَةَ هِنْدَ بْنَ أَبِي هَالَةَ، وَعَاشَ إِلَى زَمَنِ الطَّاعُونِ فَمَاتَ فِيهِ".

الطاعون عام ثمان عشرة.

 "وَيُقَالُ: إِنَّ الَّذِي عَاشَ إِلَى زَمَنِ الطَّاعُونِ هِنْدُ بْنُ هِنْدٍ، وَسُمِعَتْ نَادِبَتُهُ تَقُولُ حِينَ مَاتَ: وَاهِنْدُ بْنَ هِنْدَاهُ، وَارَبِيبَ رَسُولِ اللَّهِ. وَلَمْ يَتَزَوَّجْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى خَدِيجَةَ غَيْرَهَا حَتَّى مَاتَتْ. وَكَانَتْ يَوْمَ تَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِنْتَ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَتُوُفِّيَتْ بَعْدَ أَنْ مَضَى مِنَ النُّبُوَّةِ سَبْعُ سِنِينَ. وَقِيلَ: عَشْرٌ. وْكَانَ لَهَا حِينَ تُوُفِّيَتْ خَمْسٌ وَسِتُّونَ سَنَةً. وَهِيَ أَوَّلُ امْرَأَةٍ آمَنَتْ بِهِ. وَجَمِيعُ أَوْلَادِهِ مِنْهَا غَيْرَ إِبْرَاهِيمَ. قَالَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ :تُوُفِّيَتْ خَدِيجَةُ فَخَرَجْنَا بِهَا مِنْ مَنْزِلِهَا حَتَّى دَفَنَّاهَا بِالْحَجُونِ، وَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي حُفْرَتِهَا، وَلَمْ تَكُنْ يَوْمَئِذٍ سُنَّةُ الْجِنَازَةِ الصَّلَاةَ عَلَيْهَا.

 وَمِنْهُنَّ: سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ الْعَامِرِيَّةُ، أَسْلَمَتْ قَدِيمًا وَبَايَعَتْ، وَكَانَتْ عِنْدَ ابْنِ عَمٍّ لَهَا يُقَالُ لَهُ :السَّكْرَانُ بْنُ عَمْرٍو، وَأَسْلَمَ أَيْضًا، وَهَاجَرَا جَمِيعًا إِلَى أَرْض الْحَبَشَةِ فِي الْهِجْرَةِ الثَّانِيَةِ، فَلَمَّا قَدِمَا مَكَّةَ مَاتَ زَوْجُهَا. وَقِيلَ: مَاتَ بِالْحَبَشَةِ، فَلَمَّا حَلَّتْ خَطَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَتَزَوَّجَهَا وَدَخَلَ بِهَا بِمَكَّةَ، وَهَاجَرَ بِهَا إِلَى الْمَدِينَةِ، فَلَمَّا كَبِرَتْ أَرَادَ طَلَاقَهَا، فَسَأَلَتْهُ أَلَّا يَفْعَلَ وَأَنْ يَدَعَهَا فِي نِسَائِهِ، وَجَعَلَتْ لَيْلَتَهَا لِعَائِشَةَ حَسْبَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الصَّحِيحِ فَأَمْسَكَهَا، وَتُوُفِّيَتْ بِالْمَدِينَةِ فِي شَوَّالَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِين".

كأنها فهمت من حال النبي -عليه الصلاة والسلام- ومن وضعها أنها مرغوب عنها لما كبرت سنها، امرأة كبيرة في السن، طاعنة، فخشيت أن تُطلَّق، فوهبت ليلتها، نوبتها لعائشة ورضيت بمجرد الانتساب إلى الرسول -عليه الصلاة والسلام- ما يتبع ذلك غير العشرة.

"وَمِنْهُنّ: عَائِشَةُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيق، وَكَانَتْ مُسَمَّاة لِجُبَيْرِ بْنِ مُطْعِم".

يعني كأن جبيرًا موعودًا بها من قِبَل أبي بكر.

 "فَخَطَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، دَعْنِي أَسُلُّهَا مِنْ جُبَيْرٍ سَلًّا رَفِيقًا، فَتَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَتَيْنِ. وَقِيلَ: بِثَلَاثِ سِنِينَ، وَبَنَى بِهَا بِالْمَدِينَةِ وَهِيَ بِنْتُ تِسْعٍ، وَبَقِيَتْ عِنْدَهُ تِسْعَ سِنِينَ، وَمَاتَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهِيَ بِنْتُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ، وَلَمْ يَتَزَوَّجْ بِكْرًا غَيْرَهَا. وَمَاتَتْ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ. وَقِيلَ: ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ".

طالب:......................

التسمية إذا وُعد بها أحد، ما فيه إشكال، لكن الإشكال في التحجير الموجود الآن، أنها تُحجّر مع غير اتفاق مع أبويها، أو تُحجر وهي كبيرة تملك أمرها فتُرغم على من حُجِّرت له.

"وَمِنْهُنَّ: حَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الْقُرَشِيَّةُ الْعَدَوِيَّةُ، تَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ثُمَّ طَلَّقَهَا، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُرَاجِعَ حَفْصَةَ، فَإِنَّهَا صَوَّامَةٌ قَوَّامَةٌ) فَرَاجَعَهَا".

يختلف أهل العلم في كونه وقع الطلاق من النبي -عليه الصلاة والسلام- على حفصة، أو أراد أن يطلقها ولم يقع، ماذا يقول عن الخبر هذا؟

طالب: أحسن الله إليك، ضعيف أخرجه الحاكم والطبراني، عن قيس بن زيد، وهذا مرسل، وأخرجه الحاكم والطبراني من حديث أنس، وسكت عليه الحاكم والذهبي، مع أن فيه الحسن بن أبي جعفر، وهو ضعيف، وأخرجه الطبراني من حديث عقبة بن عامر، وفيه عمرو بن صالح لا يُعرف، قاله البيهقي، وأخرجه الطبراني والبزار من حديث عمار بن ياسر، وفيه الحسن بن أبي جعفر، وهو ضعيف، انتهى كلامه.

والخلاصة هو حديث ضعيف من حديث أنس وعمار ومداره على الحسن بن أبي جعفر، وهو ضعيف جدًّا، قال فيه البخاري: منكر الحديث، وضعفه أحمد، وقال ابن معين: ليس بشيء، وقال ابن المديني: ضعيف ضعيف، انتهى كلامه.

وأما حديث عقبة، فإن فيه راويًا مجهولًا، وأما مرسل قيس بن زيد فإن المتن منكر، حيث ذكر فيه مجيء عثمان بن مظعون، مع أنه توفي قبل أحد بلا خلاف، والنبي -صلى الله عليه وسلم- تزوج حفصة بعد أحد، ولكن خبر طلاق حفصة بدون ذكر جبريل -عليه السلام- قوي. انظر الإحسان بتخريج الأرناؤوط.

والحديث حسنه الألباني بمجموع الطرق، وقال الذهبي عن حديث قيس بن زيد: حديث مرسل قوي الإسناد.

على كل حال الخلاف موجود بين أهل العلم هل حصل الطلاق أو لم يحصل، لكنه قريب من الحصول، يعني مرارًا كاد النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يطلق، لكن هل وقع منه أو لم يقع؟ محل خلاف بين أهل العلم، نعم.

"قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَتُوُفِّيَتْ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ، وَهِيَ ابْنَةُ سِتِّينَ سَنَةً. وَقِيلَ: مَاتَتْ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ بِالْمَدِينَةِ.

 وَمِنْهُنَّ: أُمُّ سَلَمَةَ، وَاسْمُهَا هِنْدُ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ الْمَخْزُومِيَّة  وَاسْمُ أَبِي أُمَيَّةَ سُهَيْلٌ تَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ شَوَّالَ سَنَةَ أَرْبَعٍ، زَوَّجَهَا مِنْهُ ابْنُهَا سَلَمَةُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَكَانَ عُمْرُ ابْنِهَا صَغِيرًا، وَتُوُفِّيَتْ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ. وَقِيلَ: سَنَةَ ثِنْتَيْنِ وَسِتِّينَ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. وَصَلَّى عَلَيْهَا سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ. وَقِيلَ: أَبُو هُرَيْرَةَ. وَقُبِرَتْ بِالْبَقِيعِ وَهِيَ ابْنَةُ أَرْبَعٍ وَثَمَانِينَ سَنَة".

جاء في الخبر أن عمر هو الذي عقد لها، فقالت: قم يا عمر فأنكح رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، في بعض الروايات.

عندك شيء؟

طالب: ................

نعم.

وَمِنْهُنَّ أُمُّ حَبِيبَةَ، وَاسْمُهَا رَمْلَةُ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ. بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ إِلَى النَّجَاشِيِّ، لِيَخْطُبَ عَلَيْهِ أُمَّ حَبِيبَةَ فَزَوَّجَهُ إِيَّاهَا".

لأنها في بلده، وليس لها ولي في الحبشة، والسلطان ولي من لا ولي له.

 "وَذَلِكَ سَنَةَ سَبْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَأَصْدَقَ النَّجَاشِيُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَرْبَعَمِائَةِ دِينَارٍ، وَبَعَثَ بِهَا مَعَ شُرَحْبِيلَ بْنِ حَسَنَةَ، وَتُوُفِّيَت سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ:ُ كَانَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ تَحْتَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ فَمَاتَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ عَلَى النَّصْرَانِيَّةِ، فَزَوَّجَهَا النَّجَاشِيُّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-، وَأَمْهَرَهَا عَنْهُ أَرْبَعَةَ آلَافٍ، وَبَعَثَ بِهَا إِلَيْهِ مَعَ شُرَحْبِيلَ بْنِ حَسَنَةَ.

وَمِنْهُنَّ: زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشِ بْنِ رِئَابٍ الْأَسَدِيَّةُ، وَكَانَ اسْمُهَا بَرَّةَ، فَسَمَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- زَيْنَبَ، وَكَانَ اسْمُ أَبِيهَا بُرَّةَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَدِّلِ اسْمَ أَبِي، فَإِنَّ الْبُرَّةَ حَقِيرَةٌ، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: لَوْ كَانَ أَبُوكِ مُؤْمِنًا سَمَّيْنَاهُ بِاسْمِ رَجُلٍ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ، وَلَكِنِّي قَدْ سَمَّيْتُهُ جَحْشًا، وَالْجَحْشُ مِنَ الْبُرَّةِ، ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ الدَّارَقُطْنِيُّ".

الجحش من البُرة أو أكبر؟

ماذا فيه عندكم؟

طالب: أحسن الله إليك، قال عزاه المصنف للدارقطني، ولم أجده في سننه ولا في الإصابة ولا الاستيعاب، ولا يصج، فإن زينب كانت تُدعى بنت جحش قبل هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم-.

لكن السياق على أنه لم يصح، ولكني قد سميته جحشًا والجحش من البرة، لا، يعني أكبر كأنها تصاغرت وتضاءلت الاسم، برة يعني حبة صغيرة، والجحش كبير، كأن القصد مسألة حجم، وليس بمؤمن، وليس بمسلم؛ ليُنتقى له الاسم الطيب. ماذا يقول؟

ماذا عندك؟ فيه شيء؟

طالب:.........................

أكبر؟ نعم، هذا المتوقع؛ لأنها تصاغرت البرة، يعني حبة من البر صغيرة، فاختار لها اسمًا كبيرًا. والله المستعان.

طالب: جاء نهي النبي -صلى الله عليه وسلم - عن سب الأموات حتى لا يؤذي الأحياء.

نعم، لكن مثل هذا التسمية مألوفة عندهم، مألوفة عندهم، هذا على صحة الخبر، مع أن الخبر ليس بصحيح، والتسمية بهذا مألوفة.

" ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ الدَّارَقُطْنِيُّ ".

وما زال يُسمى به، البادية يسمون. والتصغير أكثر من التكبير، أكثر ما يقولون: جحيش، البادية أكثر ما يسمون بالتصغير، وكليب.  

" تَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِالْمَدِينَةِ فِي سَنَةِ خَمْسٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَتُوُفِّيَتْ سَنَةَ عِشْرِينَ، وَهِيَ بِنْتُ ثَلَاثٍ وَخَمْسِين.

 وَمِنْهُنَّ زَيْنَبُ بِنْتُ خُزيْمَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ الْهِلَالِيَّةُ، كَانَتْ تُسَمَّى فِي الْجَاهِلِيَّةِ أُمَّ الْمَسَاكِينِ؛ لِإِطْعَامِهَا إِيَّاهُمْ. تَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي رَمَضَانَ عَلَى رَأْسِ وَاحِدٍ وَثَلَاثِينَ شَهْرًا مِنَ الْهِجْرَةِ، فَمَكَثَتْ عِنْدَهُ ثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ، وَتُوُفِّيَتْ فِي حَيَاتِهِ فِي آخِرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ عَلَى رَأْسِ تِسْعَةٍ وَثَلَاثِينَ شَهْرًا، وَدُفِنَتْ بِالْبَقِيعِ".

طالب: خذيمة أم خزيمة؟

خزيمة، ما عندك الطبعات محققة؟

 زينب بنت، ماذا عندك؟ زينب بنت مَن؟

طالب: ................

خزيمة بالزاي؟

طالب: ................

 نعم، هذا هو الأصل. والطباعة هذه كانت في مصر، والمصريون يبدلون الذال زايًا، ويحتاطون لهذا الأمر إذا أرادوا أن يتفاصحوا، فيقعوا في العكس، فيقولون في المرأة الناس يقولون: معذبة، وهم يقولون معزبة؛ لأنهم يخشون أن يقعوا في تصحيفهم الذي وقعوا فيه بكثرة، ومن شدة احتياطهم لهذا التصحيف خشية أن يقعوا فيه يقلبون أحيانًا، وهذا شيء مشاهد، وكثير عندهم، كثير عاشرناهم، ووجدنا منهم شيئًا كثيرًا من هذا النوع، يعني زاملناهم ويحتاطون لهذا التصحيف الذي يقعون فيه، فتجدهم يقلبون الزاي زالًا؛ خشية أن يكون هذا أصلها وانقلبت عليهم، وقل مثل هذا في غيره.

طالب:.....................

على كل حال يُتغير من الأصل... هم يقولون: صدقتم والله إن الزوجة معذِبة، أخذوها من أنها كانت تعذب الرجل، يظنون أن الأصل ذال؛ لأنهم اعتادوا قلب الذال إلى زاي. المعنى مضطرد سواء بهذا أو بهذا، ولا شك أن بعض النساء وباء، لكن كثيرًا منهم نعمة من الله -جل وعلا-.

" كَانَتْ تُسَمَّى فِي الْجَاهِلِيَّةِ أُمَّ الْمَسَاكِينِ؛ لِإِطْعَامِهَا إِيَّاهُمْ. تَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي رَمَضَانَ عَلَى رَأْسِ وَاحِدٍ وَثَلَاثِينَ شَهْرًا مِنَ الْهِجْرَةِ، فَمَكَثَتْ عِنْدَهُ ثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ، وَتُوُفِّيَتْ فِي حَيَاتِهِ فِي آخِرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ عَلَى رَأْسِ تِسْعَةٍ وَثَلَاثِينَ شَهْرًا ، وَدُفِنَتْ بِالْبَقِيعِ.

وَمِنْهُنَّ: جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ضِرَارٍ الْخُزَاعِيَّةُ الْمُصْطَلِقِيَّةُ، أَصَابَهَا فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، فَوَقَعَتْ فِي سَهْمِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ فَكَاتَبَهَا، فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كِتَابَتَهَا وَتَزَوَّجَهَا، وَذَلِكَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ سِتٍّ، وَكَانَ اسْمُهَا بَرَّةَ، فَسَمَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- جُوَيْرِيَةَ، وَتُوُفِّيَتْ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِينَ. وَقِيلَ: سَنَةَ خَمْسِينَ، وَهِيَ ابْنَةُ خَمْسٍ وَسِتِّينَ.

وَمِنْهُنَّ: صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ الْهَارُونِيَّة، سَبَاهَا النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمَ خَيْبَرَ، وَاصْطَفَاهَا لِنَفْسِهِ، وَأَسْلَمَتْ وَأَعْتَقَهَا، وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا. وَفِي الصَّحِيحِ: أَنَّهَا وَقَعَتْ فِي سَهْمِ دِحْيَةَ الْكَلْبِيّ،ِ فَاشْتَرَاهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِسَبْعَةِ أَرْؤُسٍ، وَمَاتَتْ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِينَ. وَقِيلَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِينَ، وَدُفِنَتْ بِالْبَقِيع. 

وَمِنْهُنَّ: رَيْحَانَةُ بِنْتُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ خُنَافَةَ مِنْ بَنِي النَّضِير، سَبَاهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-  وَأَعْتَقَهَا، وَتَزَوَّجَهَا فِي سَنَةِ سِتٍّ، وَمَاتَتْ مَرْجِعَهُ مِنْ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَدَفَنَهَا بِالْبَقِيعِ. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: مَاتَتْ سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ، وَصَلَّى عَلَيْهَا عُمَرُ. قَالَ أَبُو الْفَرَجِ الْجَوْزِيُّ: وَقَدْ سَمِعْتُ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ كَانَ يَطَؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَلَمْ يُعْتِقْهَا. 

قُلْتُ: وَلِهَذَا -وَاللَّهُ أَعْلَمُ- لَمْ يَذْكُرْهَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ السُّهَيْلِيُّ فِي عِدَادِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-". 

السهيلي له شرح السيرة، سيرة ابن هشام اسم كتابه "الروض الأنف"  في شرح السيرة النبوية، ما عدّها من الأزواج، ولا عد كثير ممن ذكر أزواج النبي -عليه الصلاة والسلام-، كما أنهم لم يعدوا مارية؛ لأنها ملك يمين، ما يعدونها في التسع.

"وَمِنْهُنّ: مَيْمُونَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ الْهِلَالِيَّة، تَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِسَرِفَ عَلَى عَشَرَةِ أَمْيَالٍ مِنْ مَكَّةَ، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ سَبْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ فِي عُمْرَةِ الْقَضِيَّةِ، وَهِيَ آخِرُ امْرَأَةٍ تَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَقَدَّرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهَا مَاتَتْ فِي الْمَكَانِ الَّذِي بَنَى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِهَا،

بسرف نعم.

 "وَدُفِنَتْ هُنَالِكَ، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَسِتِّينَ".

يعني بعد أكثر من نصف قرن، ماتت في المكان الذي بنى بها الرسول -عليه الصلاة والسلام- فيه، فهو مكان الفرح، وهو مكان الحزن، والله المستعان.

 "وَقِيلَ: ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ. وَقِيلَ: ثَمَانٍ وَسِتِّينَ. فَهَؤُلَاءِ الْمَشْهُورَاتُ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، وَهُنَّ اللَّاتِي دَخَلَ بِهِنَّ، -رضي الله عنهنّ-. فَأَمَّا مَنْ تَزَوَّجَهُنَّ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهِنَّ فَمِنْهُنّ: الْكِلَابِيَّةُ. وَاخْتَلَفُوا فِي اسْمِهَا، فَقِيلَ: فَاطِمَةُ. وَقِيلَ: عَمْرَةُ. وَقِيلَ :الْعَالِيَةُ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: تَزَوَّجَ فَاطِمَةَ بِنْتَ الضَّحَّاكِ الْكِلَابِيَّةَ، فَاسْتَعَاذَتْ مِنْهُ فَطَلَّقَهَا، وَكَانَتْ تَقُولُ: أَنَا الشَّقِيَّةُ. تَزَوَّجَهَا فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَتُوُفِّيَتْ سَنَةَ سِتِّينَ".

معروف أن التي استعاذت منه هي الجونية ابنة الجون، لما أرادها قالت: أعوذ بالله منك، ويقال: إنها غُرت بذلك، قيل لها: إن المرأة لا تحظى عنده إلا إذا قالت: أعوذ بالله منك، فقالت ذلك، فقال: لقد عُذت بعظيم كما في بعض الروايات، الحقي بأهلك، وإن كان مثل هذا التغرير قد يغلب عليها أنها تعرف معنى الكلمة، عربية تعرف كيف تستعيذ، وأن المودة لا تستجلب بمثل هذا اللفظ.

طالب:....................

نعم، هي أيضًا تعرف المعنى.

 "وَمِنْهُنَّ: أَسْمَاءُ بِنْتُ النُّعْمَانِ بْنِ الْجَوْنِ بْنِ الْحَارِثِ الْكِنْدِيَّةُ، وَهِيَ الْجَوْنِيَّةُ. قَالَ قَتَادَةُ: لَمَّا دَخَلَ عَلَيْهَا دَعَاهَا فَقَالَتْ: تَعَالَ أَنْتَ، فَطَلَّقَهَا. وَقَالَ غَيْرُهُ: هِيَ الَّتِي اسْتَعَاذَتْ مِنْهُ. وَفِي الْبُخَارِيِّ قَالَ:» تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أُمَيْمَةَ بِنْتَ شَرَاحِيلَ، فَلَمَّا أُدْخِلَتْ عَلَيْهِ بَسَطَ يَدَهُ إِلَيْهَا، فَكَأَنَّهَا كَرِهَتْ ذَلِكَ، فَأَمَرَ أَبَا أُسَيْدٍ أَنْ يُجَهِّزَهَا وَيَكْسُوَهَا ثَوْبَيْنِ». وَفِي لَفْظٍ آخَرَ قَالَ أَبُو أُسَيْدٍ: » أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِالْجَوْنِيَّةِ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهَا قَالَ: هَبِي لِي نَفْسَكِ فَقَالَتْ: وَهَلْ تَهَبُ الْمَلِكَةُ نَفْسَهَا لِلسُّوقَةِ فَأَهْوَى بِيَدِهِ؛ لِيَضَعَهَا عَلَيْهَا لِتَسْكُنَ، فَقَالَتْ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ فَقَالَ: قَدْ عُذْتِ بِمَعَاذٍ ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا فَقَالَ: يَا أَبَا أُسَيْدٍ، اكْسُهَا رَازِقِيَّيْنِ وَأَلْحِقْهَا بِأَهْلِهَا»". 

طالب: .............. وفي البخاري عن سهل بن سعد وأبي أسيد قال، ثم ذكر في الحاشية قال وفي البخاري قال، زيادة يقتضيها السياق، فإن البخاري ليس هو ...

نعم.

يعني لو قال البخاري: تزوج رسول -صلى الله عليه وسلم- لقلنا هذا معلق، ويكون القائل البخاري ويتجه، أن يكون البخاري قد حذف الوسائط، فيكون معلقًا، وإذا كان مسندًا في الصحيح، فيكون قال ذلك بسنده.

"وَمِنْهُنَّ: قُتَيْلَةُ بِنْتُ قَيْسٍ، أُخْتُ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ، زَوَّجَهَا إِيَّاهُ الْأَشْعَثُ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى حَضْرَمَوْت، فَحَمَلَهَا إِلَيْهِ فَبَلَغَهُ وَفَاةُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فَرَدَّهَا إِلَى بِلَادِهِ، فَارْتَدَّ وَارْتَدَّتْ مَعَهُ. ثُمَّ  تَزَوَّجَهَا عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ، فَوَجَدَ مِنْ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ وَجْدًا شَدِيدًا. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: إِنَّهَا وَاللَّهِ مَا هِيَ مِنْ أَزْوَاجِهِ، مَا خَيَّرَهَا، وَلَا حَجَّبَهَا. وَلَقَدْ بَرَّأَهَا اللَّهُ مِنْهُ بِالِارْتِدَادِ. وَكَانَ عُرْوَةُ يُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ تَزَوَّجَهَا.

وَمِنْهُنَّ: أُمُّ شَرِيكٍ الْأَزْدِيَّةُ، وَاسْمُهَا غُزَيَّةُ بِنْتُ جَابِرِ بْنِ حَكِيم، وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي سَلْمَى، فَطَلَّقَهَا النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا. وَهِيَ الَّتِي وَهَبَتْ نَفْسَهَا. وَقِيلَ: إِنَّ الَّتِي وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ. 

وَمِنْهُنَّ: خَوْلَةُ بِنْتُ الْهُزَيْلِ بْنِ هُبَيْرَةَ، تَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَهَلَكَتْ قَبْلَ أَنْ تَصِلَ إِلَيْهِ. وَمِنْهُنّ: شَرَافُ بِنْتُ خَلِيفَةَ، أُخْتُ دِحْيَةَ، تَزَوَّجَهَا وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا.

وَمِنْهُنَّ لَيْلَى بِنْتُ الْخَطِيمِ، أُخْتُ قَيْسٍ، تَزَوَّجَهَا وَكَانَتْ غَيُورًا فَاسْتَقَالَتْهُ فَأَقَالَهَا.

 وَمِنْهُنَّ: عَمْرَةُ بِنْتُ مُعَاوِيَةَ الْكِنْدِيَّةُ، تَزَوَّجَهَا النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ الشَّعْبِيُّ: تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ كِنْدَةَ، فَجِيءَ بِهَا بَعْدَ مَا مَاتَ.

 وَمِنْهُنَّ: ابْنَةُ جُنْدُبَ بْنِ ضَمْرَةَ الْجُنْدَعِيَّةُ. قَالَ بَعْضُهُمْ: تَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم-، وَأَنْكَرَ بَعْضُهُمْ وُجُودَ ذَلِكَ.

وَمِنْهُنَّ: الْغِفَارِيَّةُ. قَالَ بَعْضُهُمْ: تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ غِفَار، فَأَمَرَهَا فَنَزَعَتْ ثِيَابَهَا، فَرَأَى بَيَاضًا فَقَالَ: الْحَقِي بِأَهْلِكِ. وَيُقَالُ: إِنَّمَا رَأَى الْبَيَاضَ بِالْكِلَابِيَّةِ. فَهَؤُلَاءِ اللَّاتِي عَقَدَ عَلَيْهِنَّ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهِنَّ، -صلى الله عليه وسلم-".

يعني على الخلاف في بعضهن، هل هن ممن تزوج النبي -عليه الصلاة والسلام- أو عقد عليهن؟ الخلاف بين أهل السير موجود.

طالب: .... من قيل: إنها هلكت قبل أن تصل إليه، قال: هذا غير صحيح؛ لأن النبي- صلى الله عليه وسلم- حُرِّم عليه النساء بعد سورة الأحزاب.

نعم، على ما سيأتي.
"فَأَمَّا مَنْ خَطَبَهُنَّ فَلَمْ يَتِمَّ نِكَاحُهُ مَعَهُنَّ، وَمَنْ وَهَبَتْ لَهُ نَفْسَهَا: فَمِنْهُنَّ  أُمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أَبِي طَالِبٍ، وَاسْمُهَا فَاخِتَةُ. خَطَبَهَا النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَتْ: إِنِّي امْرَأَةٌ مُصْبِيَةٌ، وَاعْتَذَرَتْ إِلَيْهِ فَعَذَرَهَا".

نعم، أم صبيان، ولا تستطيع أن تفي بحقه -عليه الصلاة والسلام- مع انشغالها بصبيانها. 
"وَمِنْهُنَّ: ضُبَاعَةُ بِنْتُ عَامِرٍ. وَمِنْهُنّ: صَفِيَّةُ بِنْتُ بَشَامَةَ بْنِ نَضْلَةَ، خَطَبَهَا النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- وَكَانَ أَصَابَهَا سِبَاءٌ، فَخَيَّرَهَا النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ: إِنْ شِئْتِ أَنَا وَإِنْ شِئْتِ زَوْجكِ؟ قَالَتْ: زَوْجِي. فَأَرْسَلَهَا، فَلَعَنَتْهَا بَنُو تَمِيمٍ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ.

وَمِنْهُنَّ: أُمُّ شَرِيكٍ. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا.

 وَمِنْهُنَّ: لَيْلَى بِنْتُ الْخَطِيم، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا.

 وَمِنْهُنَّ: خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمِ بْنِ أُمَيَّةَ، وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَأَرْجَأَهَا، فَتَزَوَّجَهَا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ.

 وَمِنْهُنَّ: جَمْرَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ عَوْفٍ الْمُرِّيِّ، خَطَبَهَا النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ أَبُوهَا: إِنَّ بِهَا سُوءًا وَلَمْ يَكُنْ بِهَا، فَرَجَعَ إِلَيْهَا أَبُوهَا وَقَدْ بَرِصَتْ، وَهِيَ أُمُّ شَبِيبِ بْنِ الْبَرْصَاءِ الشَّاعِرِ.

 وَمِنْهُنَّ: سَوْدَةُ الْقُرَشِيَّةُ، خَطَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَكَانَتْ مُصْبِيَةً. فَقَالَتْ: أَخَافَ أَنْ يَضْغُوَ صِبْيَتِي عِنْدَ رَأْسِكَ. فَحَمِدَهَا وَدَعَا لَهَا".

تخشى من أصواتهم المؤثرة على راحته -عليه الصلاة والسلام-.

وَمِنْهُنَّ: امْرَأَةٌ لَمْ يُذْكَرِ اسْمُهَا. قَالَ مُجَاهِدٌ: خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- امْرَأَةً فَقَالَتْ: أَسْتَأْمِرُ أَبِي. فَلَقِيَتْ أَبَاهَا فَأَذِنَ لَهَا، فَلَقِيَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: قَدِ الْتَحَفْنَا لِحَافًا غَيْرَكِ. فَهَؤُلَاءِ جَمِيعُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-. وَكَانَ لَهُ مِنَ السَّرَارِي سُرِّيَّتَانِ: مَارِيَةُ الْقِبْطِيَّةُ، وَرَيْحَانَةُ، فِي قَوْلِ قَتَادَةَ. 

ريحانه هذه اُختُلف فيها على ما تقدم، هل كانت زوجة أو سرية؟

 وَقَالَ غَيْرُهُ: كَانَ لَهُ أَرْبَعٌ : مَارِيَةُ، وَرَيْحَانَةُ، وَأُخْرَى جَمِيلَةٌ أَصَابَهَا فِي السَّبْيِ، وَجَارِيَةٌ وَهَبَتْهَا لَهُ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ.

 الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} إِنْ شَرْطٌ، وَجَوَابُهُ {فَتَعَالَيْنَ}، فَعَلَّقَ التَّخْيِيرَ عَلَى شَرْطٍ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّخْيِيرَ وَالطَّلَاقَ الْمُعَلَّقَيْنِ عَلَى شَرْطٍ صَحِيحَانِ، فَيُنْفَذَانِ وَيَمْضِيَانِ، خِلَافًا لِلْجُهَّالِ الْمُبْتَدِعَةِ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ، أَنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ إِنْ دَخَلَتِ الدَّارَ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الشَّرْعِيَّ هُوَ الْمُنَجَّزُ فِي الْحَالِ لَا غَيْرَ".

الطلاق إما أن يكون منجزًا لم يعلق على شرط، أو يكون معلقًا على شرط يقع إذا وقع ما علق به، يقع إذا وقع ما علق به، على أن يراد منه ما يراد باليمين من الحث أو المنع، على خلاف بين أهل العلم في ذلك، عامة أهل العلم يقولون: إذا وقع الشرط وقع الطلاق، بغض النظر عن إرادته، شيخ الإسلام وجمع من أهل العلم يرون أنه إذا قُصد به ما يقصد باليمين من حث أو منع أو ما أشبه ذلك، فإنه لا يقع، ويكون فيه كفارة يمين.

طالب:..............................

شيخ الإسلام عمومًا ينظر إلى المعاني ما ينظر إلى الألفاظ، يعني كل من نظره إلى المعاني يرى مثل هذا، ولازم قول من يرى أن العبرة بالمعاني لا بالألفاظ، والمعنى واضح، أنه إذا أراد الحث أو المنع ما يقصد الطلاق.

 طالب:.........................

هذا الذي ذكرناه آنفًا. أنت أين أنت؟ ما سمعت؟ خلاص يكفي.

طالب:..................

ما أعرف دليلًا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أوحى إليها بشيء من ذلك، أو أخبرها بشيء من ذلك، وإنما عادة الناس إذا رأى الإنسان أن الأمر ليس بصالحه، يعني لو أن إنسانًا شريكًا مع آخر، فرأى أن شريكه قد يستغني عنه في يوم من الأيام، أو موظف من الموظفين رأي أن الدائرة قد تستغني عنه في يوم من الأيام، يقدم شيئًا من التنازلات إما أن يسمح بشيء من أجره ومرتبه، أو يزيد ويضاعف من عمله وجهده، يعني المسألة كلها مسألة عروض وطلب وموازنة بينها، هذه أمور الدنيا مبنية على هذا، كلها، كثير من الناس الآن تجده يقول: إما أن تجلسي بدون قسم وإلا فالحقي بأهلك، فتؤثر أن تجلس بدون قسم، وترضى بمثل هذا الهضم؛ لأنها على كل حال هي كسبانة لاسيما إذا كانت عاشت معه مدة طويلة، وهي الأولى، ثم جاءتها ضرة تختلف عنها من كل وجه، الله المستعان.

طالب:.......................

ماذا؟

طالب:....................

سرف، يحتاج إلى إثبات، ودون إثباته خرط القتاد، والمبتدعة يتشبثون بأدنى شيء.

"الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَتَعَالَيْنَ} هُوَ جَوَابُ الشَّرْطِ، وَهُوَ فِعْلُ جَمَاعَةِ النِّسَاءِ، مِنْ قَوْلِكَ: تَعَالَي، وَهُوَ دُعَاءٌ إِلَى الْإِقْبَالِ إِلَيْهِ، يُقَالُ: تَعَالَ بِمَعْنَى أَقْبِلْ، وُضِعَ لِمَنْ لَهُ جَلَالَةٌ وَرِفْعَةٌ".

لأن أصله من العلو؛ لأن المنادي منزلته أعلى من المنادى، فإذا قيل له: تعالَ، يعني اصعد إلى جهة العلو،  تعالَ إليَّ هذا الأصل، ثم  صار يُطلق على كل شيء، ولو كان أنزل منه.

"وَهُوَ دُعَاءٌ إِلَى الْإِقْبَالِ إِلَيْهِ، يُقَالُ: تَعَالَ بِمَعْنَى أَقْبِلْ، وُضِعَ لِمَنْ لَهُ جَلَالَةٌ وَرِفْعَةٌ، ثُمَّ صَارَ فِي الِاسْتِعْمَالِ لِكُلِّ دَاعٍ إِلَى الْإِقْبَالِ، وَأَمَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَهُوَ عَلَى أَصْلِهِ".

إلى جهة العلو وهو الرسول -عليه الصلاة والسلام-، وقد ارتفعت مكانته ومكانه -عليه الصلاة والسلام-.

 "فَإِنَّ الدَّاعِيَ هُوَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-. {أُمَتِّعْكُنَّ} قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي المتعة في (الْبَقَرَةِ). وَقُرِئَ {أُمَتِّعُكُنَّ}  بِضَمِّ الْعَيْنِ. وَكَذَا {وَأُسَرِّحُكُنَّ} بِضَمِّ الْحَاءِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ".

 والجزم بناء على أنه جواب الطلب. جواب الطلب مجزوم، أو مجزوم بشرط مقدر، إن تأتين أمتعكن.

"وَالسَّرَاحُ الْجَمِيلُ: هُوَ أَنْ يَكُونَ طَلَاقًا لِلسُّنَّةِ مِنْ غَيْرِ ضِرَارٍ وَلَا مَنْعِ وَاجِبٍ لَهَا.

 الْخَامِسَةُ: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي كَيْفِيَّةِ تَخْيِيرِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَزْوَاجَهُ عَلَى قَوْلَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ خَيَّرَهُنَّ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْبَقَاءِ عَلَى الزَّوْجِيَّةِ أَوِ الطَّلَاقِ، فَاخْتَرْنَ الْبَقَاءَ، قَالَتْهُ عَائِشَةُ وَمُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ وَالشَّعْبِيُّ وَابْنُ شِهَابٍ وَرَبِيعَةُ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّمَا خَيَّرَهُنَّ بَيْنَ الدُّنْيَا فَيُفَارِقُهُنَّ، وَبَيْنَ الْآخِرَةِ فَيُمْسِكُهُنَّ؛ لِتَكُونَ لَهُنَّ الْمَنْزِلَةُ الْعُلْيَا كَمَا كَانَتْ لِزَوْجِهِنَّ، وَلَمْ يُخَيِّرْهُنَّ فِي الطَّلَاقِ، ذَكَرَهُ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ. وَمِنَ الصَّحَابَةِ عَلِيٌّ فِيمَا رَوَاهُ عَنْهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ أَنَّهُ قَالَ: لَمْ يُخَيِّرْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- نِسَاءَهُ إِلَّا بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.

 قُلْتُ: الْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ؛» لِقَوْلِ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- لَمَّا سُئِلَتْ عَنِ الرَّجُلِ يُخَيِّرُ امْرَأَتَهُ فَقَالَتْ: قَدْ خَيَّرَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَفَكَانَ طَلَاقًا» فِي رِوَايَةٍ: »فَاخْتَرْنَاهُ فَلَمْ يَعُدُّهُ طَلَاقًا» ، وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلَّا التَّخْيِيرُ الْمَأْمُورُ بَيْنَ الْبَقَاءِ وَالطَّلَاقِ، لِذَلِكَ قَالَ: »يَا عَائِشَةُ إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا فَلَا عَلَيْكِ أَلَّا تَعْجَلِي فِيهِ حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ» الْحَدِيثَ".

ولو كان طلاقًا ما احتاج إلى هذا الكلام.

 "وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يُرِدِ الِاسْتِئْمَارَ فِي اخْتِيَارِ الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا عَلَى الْآخِرَةِ. فَثَبَتَ أَنَّ الِاسْتِئْمَارَ إِنَّمَا وَقَعَ فِي الْفُرْقَةِ، أَوِ النِّكَاحِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. 

السَّادِسَةُ: َاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُخَيَّرَةِ إِذَا اخْتَارَتْ زَوْجَهَا، فَقَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ وَغَيْرِهِمْ وَأَئِمَّةُ الْفَتْوَى: إِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ، لَا وَاحِدَةَ وَلَا أَكْثَرَ، هَذَا قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ. وَمِنَ التَّابِعِينَ عَطَاءٌ وَمَسْرُوقٌ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَرَبِيعَةُ وَابْنُ شِهَاب.ٍ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَزَيْدٍ أَيْضًا: إِنِ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَوَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَاللَّيْثِ، وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ وَالنَّقَّاشُ عَنْ مَالِكٍ .وَتَعَلَّقُوا بِأَنَّ قَوْلَهُ: اخْتَارِي، كِنَايَةٌ عَنْ إِيقَاعِ الطَّلَاقِ، فَإِذَا أَضَافَهُ إِلَيْهَا وَقَعَتْ طَلْقَةً، كَقَوْلِهِ: أَنْتِ بَائِنٌ. وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ لِقَوْلِ عَائِشَةَ:» خَيَّرَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَاخْتَرْنَاهُ فَلَمْ يَعُدُّهُ عَلَيْنَا طَلَاقًا»  أَخْرَجَهُ الصَّحِيحَانِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَحَدِيثُ عَائِشَةَ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُخَيَّرَةَ إِذَا اخْتَارَتْ زَوْجَهَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ طَلَاقًا، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ اخْتِيَارَهَا نَفْسَهَا يُوجِبُ الطَّلَاقَ، وَيَدُلُّ عَلَى مَعْنًى ثَالِثٍ، وَهُوَ أَنَّ الْمُخَيَّرَةَ إِذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا أَنَّهَا تَطْلِيقَةٌ يَمْلِكُ زَوْجُهَا رَجْعَتَهَا؛ إِذْ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُطَلِّقَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِخِلَافِ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ".

يعني إذا اختارت الطلاق يقع على أقل مسمى، وهو الطلقة الواحدة، لاسيما وأنها هي الشرعية، ولا ينصرف إلى طلاق بدعي إلى ثلاث أو ما يريدونه من زوجية؛ لأن النبي –صلى الله عليه وسلم- فعل هذا التخيير، ولا يمكن أن يفعل ما يمكن أن يعلق على بدعة أو ينظر ببدعة أو يُصرف إلى بدعة.

 "وَرُوِيَ هَذَا عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاس. وَبِهِ قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَالثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهَا إِذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا أَنَّهَا وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ. وَرَوَاهُ ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادَ عَنْ مَالِكٍ .

وَرُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهَا إِذَا اخْتَارَتْ نَفْسهَا أَنَّهَا ثَلَاثٌ".

بائنة يعني لا يملك رجعتها، كالرجعية في عدتها، وإنما لا بد من اختيارها كالرجعية إذا انتهت عدتها، تكون بائنة، إذا اختارت نفسها فليس له أن يعيدها دون إذنها وأمرها.

طالب:.......................

هذا كونه لا يقع، فيه دلالة على أنه لا يقع أصلًا، لكن عند من يقول: إنه يقع، يقع واحدة.

"وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيّ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ إِنَّمَا يَكُونُ بِذَلِكَ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ -رضي الله عنه- أَنَّهَا إِذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَلَيْسَ بِشَيْءٍ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهَا إِذَا اخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَوَاحِدَةٌ رَجْعِيَّة".

يعني إذا اختارت نفسها، فالقول المنسوب لمالك أنها ثلاث ومن معه؛ لأنها إما في عصمته أو في ملكها ويدها، القول الأول أنه لا يقع شيء، الثاني أنها تقع واحدة بائنة، بما أنه لا يملك إرجاعها من غير إذنها، والقول الثالث ثلاث أنها تكون بائنة بينونة كبرى؛ لأنه لا واسطة بين اختياره أو اختيارها، فإن اختارت نفسها فإنها لا ترجع إليه ولا تعود إلا كما تعود المطلقة ثلاثة، وكلا القولين ليس بشيء، والصواب أن مثل هذا التخيير لا يقع به شيء.
"السَّابِعَةُ: ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمَدَنِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ إِلَى أَنَّ التَّمْلِيكَ وَالتَّخْيِيرَ سَوَاءٌ، وَالْقَضَاءَ مَا قَضَتْ فِيهِمَا جَمِيعًا، وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ. قَال َابْنُ شَعْبَانَ: وَقَدِ اخْتَارَهُ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ. وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا، وَذَلِكَ أَنَّ التَّمْلِيكَ عِنْدَ مَالِكٍ هُوَ قَوْلُ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ: قَدْ مَلَّكْتُكِ، أَيْ قَدْ مَلَّكْتُكِ مَا جَعَلَ اللَّهُ لِي مِنَ الطَّلَاقِ وَاحِدَةً أَوِ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَلَمَّا جَازَ أَنْ يُمَلِّكَهَا بَعْضَ ذَلِكَ دُونَ بَعْضٍ".

عكس هذه المسألة لو أن المرأة ملكت أمرها لرجل فقالت: زوِّجني من شئت، فقال: زوَّجتك نفسي، الآن هو ملَّكها في الصورة ما ملَّكه الله -جل وعلا-، وعكسها تملِّك رجلًا أجنبيًّا عنها يجوز له نكاحها أن يلي أمرها، يعني مثل ما في قصة النوار التي تزوَّجها الفرزدق، هي لا تريده، خطبها فرفضت رفضًا شديدًا باتًّا، لا تريده ولا تطيقه، لكنه من أقرب الناس إليها، فقالت: زوِّجني من شئت، فقال: زوَّجتك نفسي. فسألوا من علماء التابعين فقالوا: الزواج لازم، تزوَّجها بهذا، ثم بعد ذلك حصل منها ما حصل، فتعجَّل وطلَّق، ثم قال بعد ذلك: ندمت ندامة الكسعي إلى آخره، طالقة مني نوار.

 المقصود أنه ندم على ذلك، فإذا ملكت أمرها أجنبيًّا فهل له أن يزوِّجها لنفسه؟ الأصل أنها لا تملك العقد، فلا تملك التفويض به، إنما الذي يفوِّض من يتولى العقد، من له إبرام العقد، وهو الولي، إذا لم يوجد ولي فالسلطان ولي مَن لا ولي له، إذا لم يوجد سلطان في بلد ما، فقالوا: للمرأة أن تقول لرجل مسلم: اعقد لي أو تولَّ نكاحي أو ما أشبه ذلك.

طالب:.........................

الأصل أن الأب يتولى، والجد والأخ والابن، هؤلاء هم الأولياء، لكن من بَعد مثل هذا يحتاج إلى تولية إما بوصية من الأب أو يوليه القاضي.

"فَلَمَّا جَازَ أَنْ يُمَلِّكَهَا بَعْضَ ذَلِكَ دُونَ بَعْضٍ وَادَّعَى ذَلِكَ، كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَ مَعَ يَمِينِهِ إِذَا نَاكَرَهَا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ: لَهُ الْمُنَاكَرَةُ فِي التَّمْلِيكِ وَفِي التَّخْيِيرِ سَوَاءٌ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا".

 أي له أن يقول: ما  قلت لها شيئًا، ما خيَّرتها، في التمليك وفي التخيير، ما ملَّكتها أمرها، ولا قلت لها: اختاري.

"وَالْأَوَّلُ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمَشْهُورِ. وَرَوَى ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادَ، عَنْ مَالِكٍ أَنَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يُنَاكِرَ الْمُخَيَّرَةَ فِي الثَّلَاثِ، وَتَكُونَ طَلْقَةً بَائِنَةً، كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَة".

لأن الأصل العدم، الأصل العدم، فإذا أقر به واتفق عليه انطلق إلى أقله تكون طلقة واحدة.

 "وَبِهِ قَالَ أَبُو الْجَهْمِ . قَالَ سَحْنُونٌ: وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا. وَتَحْصِيلُ مَذْهَبِ مَالِكٍ: أَنَّ الْمُخَيَّرَةَ إِذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا وَهِيَ مَدْخُولٌ بِهَا فَهُوَ الطَّلَاقُ كُلُّهُ، وَإِنْ أَنْكَرَ زَوْجُهَا فَلَا نُكْرَةَ لَهُ. وَإِنِ اخْتَارَتْ وَاحِدَةً فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَإِنَّمَا الْخِيَارُ الْبَتَاتُ، إِمَّا أَخَذَتْهُ وَإِمَّا تَرَكَتْهُ؛ لِأَنَّ مَعْنَى التَّخْيِيرِ التَّسْرِيحُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي آيَةِ التَّخْيِيرِ: { فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا}  فَمَعْنَى التَّسْرِيحِ الْبَتَاتُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: { الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}  وَالتَّسْرِيحُ بِإِحْسَانٍ هُوَ الطَّلْقَةُ الثَّالِثَةُ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- كَمَا تَقَدَّمَ".

أين تقدم؟ في الآية، ماذا يقول؟ روي ذلك عن النبي –عليه الصلاة والسلام-.

وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ قَوْلَهُ: اخْتَارِينِي أَوِ اخْتَارِي نَفْسَكِ يَقْتَضِي أَلَّا يَكُونَ لَهُ عَلَيْهَا سَبِيلٌ إِذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا، وَلَا يَمْلِكُ مِنْهَا شَيْئًا؛ إِذْ قَدْ جَعَلَ إِلَيْهَا أَنْ تُخْرِجَ مَا يَمْلِكُهُ مِنْهَا أَوْ تُقِيمَ مَعَهُ إِذَا اخْتَارَتْهُ، فَإِذَا اخْتَارَتِ الْبَعْضَ مِنَ الطَّلَاقِ لَمْ تَعْمَلْ بِمُقْتَضَى اللَّفْظِ، وَكَانَتْ بِمَنْزِلَةِ مَنْ خُيِّرَ بَيْنَ شَيْئَيْنِ فَاخْتَارَ غَيْرَهُمَا. وَأَمَّا الَّتِي لَمْ يُدْخَلْ بِهَا فَلَهُ مُنَاكَرَتُهَا فِي التَّخْيِيرِ وَالتَّمْلِيكِ إِذَا زَادَتْ عَلَى وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّهَا تَبِينُ فِي الْحَال".

والقدر الزائد على ذلك ما له قيمة؛ لأنه مادام التبيين بواحدة، فالواحدة والاثنتان والثلاث واحد.

"الثامنة: اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ عَنْ مَالِكٍ مَتَى يَكُونُ لَهَا الْخِيَارُ، فَقَالَ مَرَّةً: لَهَا الْخِيَارُ مَا دَامَتْ فِي الْمَجْلِسِ قَبْلَ الْقِيَامِ أَوِ الِاشْتِغَالِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ. فَإِنْ لَمْ تَخْتَرْ وَلَمْ تَقْضِ شَيْئًا حَتَّى افْتَرَقَا مِنْ مَجْلِسِهِمَا بَطَلَ مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ إِلَيْهَا، وَعَلَى هَذَا أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ. وَقَالَ مَرَّةً: لَهَا الْخِيَارُ أَبَدًا مَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهَا تَرَكَتْ، وَذَلِكَ يُعْلَمُ بِأَنْ تُمَكِّنَهُ مِنْ نَفْسِهَا بِوَطْءٍ أَوْ مُبَاشَرَةٍ، فَعَلَى هَذَا إِنْ مَنَعَتْ نَفْسَهَا وَلَمْ تَخْتَرْ شَيْئًا كَانَ لَهُ رَفْعُهَا إلى الْحَاكِمِ لِتُوقِعَ أَوْ تُسْقِطَ".

لئلا تُعلق الزوج، فإذا كان الزوج منهيًّا أن يعلِّق المرأة ، فكذلك المرأة في هذه الصورة منهية أن تعلق الزوج، نعم.

"فَإِنْ أَبَتْ أَسْقَطَ الْحَاكِمُ تَمْلِيكَهَا. وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ إِذَا أَخَذَتْ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ حَدِيثٍ أَوْ عَمَلٍ أَوْ مَشْيٍ أَوْ مَا لَيْسَ فِي التَّخْيِيرِ بِشَيْءٍ كَمَا ذَكَرْنَا سَقَطَ تَخْيِيرُهَا. وَاحْتَجَّ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لِهَذَا الْقَوْلِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: { فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ}، وَأَيْضًا فَإِنَّ الزَّوْجَ أَطْلَقَ لَهَا الْقَوْلَ؛ لِيَعْرِفَ الْخِيَارَ مِنْهَا، فَصَارَ كَالْعَقْدِ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ قَبِلَتْهُ وَإِلَّا سَقَطَ، كَالَّذِي يَقُولُ: قَدْ وَهَبْتُ لَكَ أَوْ بَايَعْتُكَ، فَإِنْ قَبِلَ وَإِلَّا كَانَ الْمِلْكُ بَاقِيًا بِحَالِهِ. هَذَا قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَالْكُوفِيِّينَ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَاللَّيْثِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي ثَوْر، وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ ذَلِكَ قَدْ صَارَ فِي يَدِهَا، ومَلَكَتْهُ عَلَى زَوْجِهَا بِتَمْلِيكِهِ إِيَّاهَا، فَلَمَّا مَلَكَتْ ذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يَبْقَى فِي يَدِهَا كَبَقَائِهِ فِي يَدِ زَوْجِهَا.

  قُلْتُ: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِقَوْلِهِ -عَلَيْهِ السَّلَامُ -لِعَائِشَة:َ » إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا فَلَا عَلَيْكِ أَلَّا تَسْتَعْجِلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ»، رَوَاهُ الصَّحِيحُ، وَخَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ. وَهُوَ حُجَّةٌ لِمَنْ قَالَ: إِنَّهُ إِذَا خَيَّرَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ أَوْ مَلَّكَهَا أَنَّ لَهَا أَنْ تَقْضِيَ فِي ذَلِكَ وَإِنِ افْتَرَقَا مِنْ مَجْلِسِهِمَا، رُوِيَ هَذَا عَنِ الْحَسَنِ وَالزُّهْرِيِّ، وَقَالَه مَالِكٌ فِي إِحْدَى رِوَايَتَيْهِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَالَّذِي عِنْدَنَا فِي هَذَا الْبَابِ، اتِّبَاعُ السُّنَّةِ فِي عَائِشَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، حِينَ جَعَلَ لَهَا التَّخْيِيرَ إِلَى أَنْ تَسْتَأْمِرَ أَبَوَيْهَا، وَلَمْ يَجْعَلْ قِيَامَهَا مِنْ مَجْلِسِهَا خُرُوجًا مِنَ الْأَمْرِ. قَالَ الْمَرْوَزِيُّ: هَذَا أَصَحُّ الْأَقَاوِيلِ عِنْدِي، وَقَالَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَالطَّحَاوِيّ".

مثل هذا التخيير كما أنه لا يقع مجرد البقاء في العقد، وإنما يستمر إلى أن يُنظر ما رُتِّب عليك كالاستشارة والاستخارة، أيضًا لا يكون مع طول المدة التي فيها الإضرار بالطرف الثاني. والله المستعان.

اللهم صلِّ على محمد.