تنقيح الأنظار في معرفة علوم الآثار (18)

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف- رحمه الله تعالى- "فصل في المرفوع اختُلف في حد الحديث المرفوع فالمشهور أنه ما أضيف إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- قولا له أو فعلا سواء أضافه صحابي أو تابعي أو من بعدهما" يعني بمجرد ما يقال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يكون الخبر مرفوعا "سواء اتصل إسناده أم لا" فعلى هذا يدخل في المرفوع المتصل والمرسل والمنقطع والمعضل؛ لأن هذا الوصف الذي هو الرفع إنما ينظر فيه إلى الإضافة، فإن أُضيف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- سواء كان سنده متصلا أو منقطعا معلقا مرسلا معضلا فيه راوٍ مدلَّس فيه ما فيه على كل حال كله مرفوع لأنه أضيف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- ومنهم من يرى أنه لا يقال للخبر مرفوعا ولو أُضيف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- ما لم يضفه الصحابي، ومنهم من اشترط لتسمية الخبر مرفوعا أن يكون إسناده متصلا فعلى هذا يدخل فيه المتصل والمرسل والمنقطع والمعضل، "وقال الخطيب هو ما أخبر فيه الصحابي عن قول الرسول -صلى الله عليه وسلم- أو عن فعله" فعلى هذا لا يدخل فيه مراسيل التابعين ومن بعدهم "قال ابن الصلاح ومن جعل من أهل العلم المرفوع في مقابلة المرسل فقد عنى بالمرفوع المتصل" يعني يطلق المرفوع ويراد به المتصل؛ لأنهم أحيانا يقولون رفعه فلان وأرسله فلان.

من يقابله بذي الإرسال

 

 

 

فقد عنى بذاك ذا اتصال

 

فعنى به المتصل، "ومن المرفوع قولهم عن الصحابي يرفع الحديث" يرفع الحديث إذا قيل عن أبي هريرة يرفعه، أو يبلغ به، أو ينميه، أو رواية، قال: "من المرفوع قولهم عن الصحابي يرفع الحديث أو يبلغ به أو ينميه أو رواية" هذا كله رفع؛ لأنه إلى من يرفع الصحابي الحديث؟ ليس ثَمَّ إلا النبي -عليه الصلاة والسلام- أو يبلغ به ماذا يبلغ به؟ إنما يبلغ به النبي -عليه الصلاة والسلام- ينميه إلى من؟ إنما ينميه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- أو رواية، كل هذا من قبيل الرفع، كله يرفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- "قال ابن الصلاح حكم ذلك عند أهل العلم حكم الرفع صريحا قال زين الدين وإن قيلت هذه الألفاظ عن التابعي فمرسل بخلاف قول التابعي من السنة ففيه خلاف على ما سيأتي" إذا قال التابعي مرفوعا أو عن مجاهد رفعه، أو عن الحسن يبلغ به أو ينميه كل هذا مرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- لكنه مرسل، إذا رفعه التابعي فهو مرسل "بخلاف قول التابعي من السنة فيها خلاف" إذا قال الصحابي من السنة فهو مرفوع على ما سيأتي.

قول الصحابي من السنة أو

 

 

 

نحو أمرنا حكمه الرفع ولو

 

بعد النبي قاله بأعصر

 

 

على الصحيح وهو قول الأكثر

 

لكن إذا قال الصحابي من السنة هذا مرفوع، لكن إذا قال التابعي من السنة هذا فيه خلاف والأكثر على أنه مرفوع لكنه مرسل، قال- رحمه الله- "فصل في المسند اختُلف فيه على ثلاثة أقوال" اختلفوا في المسند على ثلاثة أقوال، أولا المسند يطلق ويراد به الكتاب المؤلَّف على مسانيد الصحابة كمسند أحمد.

ودونها في رتبة ما جعلا

 

 

 

على المسانيد فيدعى الجفلا

 

كمسند الطيالسي وأحمدا

 

 

وعده للدارمي انتقدا

 

وهذا يأتي الكلام فيه لا، بل تقدم الكلام في المسانيد في بحث الحسن، يطلق على الكتاب الذي رُتبت فيه الأحاديث على مسانيد الصحابة يطلق على الكتاب الذي تذكر فيه الأسانيد من الكتب الأصلية كما قالوا عن صحيح البخاري الجامع الصحيح المسند هذا اسمه الأصلي، الجامع الصحيح المسند، وللعلماء على المسند على خلاف ما يطلق على الكتب ثلاثة أقوال، "فقال أبو عمر بن عبد البر في التمهيد هو ما رفع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- خاصة" ما يرفع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- كما يقال له مرفوع يقال له أيضا مسند، قال: "وقد يكون متصلا مثل مالك عن نافع عن ابن عمر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد يكون منقطعا مثل مالك عن الزهري عن ابن عباس عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال فهذا مسند لأنه أسند إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو منقطع لأن الزهري لم يسمع من ابن عباس قال زين الدين الحافظ العراقي رحمه الله فعلى هذا استوى المسند والمرفوع" ولذلك قُدِّم على الموقوف في البحث يعني في الترتيب قُدِّم على الموقوف؛ لأن الموقوف يضاف إلى التابعي بينما المرفوع يضاف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- والمسند يضاف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- "فعلى هذا استوى المسند والمرفوع، وقال الخطيب وهو عند أهل الحديث الذي اتصل إسناده المسند من راويه إلى منتهاه" إذا قال هذا حديث مسند يعني سنده متصل، وإذا قيل أسنده فلان وأرسله فلان يعني وصل إسناده فلان وقطع إسناده أو أرسله فلان، "قال ابن الصلاح وأكثر ما يستعمل ذلك فيما جاء عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دون ما جاء عن الصحابة وغيرهم، وقال ابن الصباغ في العدة المسند ما اتصل إسناده فعلى هذا يدخل فيه المرفوع والموقوف ومقتضى كلام الخطيب أنه ما اتصل إسناده إلى قائله من كان فيدخل فيه المقطوع" يعني إلى ما أضيف إلى التابعي فمن دونه وهو قول التابعي ومن بعده "قال زين الدين وكلام أهل الحديث يأباه" يأبى أن يقال مسند مقطوع "كما سيأتي في المتصل أبوا أن يطلق المتصل على المقطوع" من قول عندنا قول الحسن البصري يروى في كتب الأئمة بسند متصل إلى الحسن البصري هل نقول متصل؟ في الواقع متصل، سنده متصل، لكن المنافرة بين متصل ومقطوع هو مقطوع بسبب إضافته إلى التابعي، فالتنافر اللفظي بين متصل ومقطوع جعلهم يأبون إطلاق المتصل على المقطوع ولذا قال "وكلام أهل الحديث يأباه" كيف تقول مسند والمسند هو المتصل و تطلقه على المقطوع ففي هذا تنافر لفظي، "وسيأتي في البحث اللاحق وقيل هو ما رفع إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بإسناد متصل وبه قطع الحاكم" يعني لا بد من توافر الشرطين أن يكون مرفوعا إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وأن يكون إسناده متصلا وبه قطع الحاكم أبو عبد الله وحكاه ابن عبد البر قولا لبعض أهل الحديث.

 

والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.