كتاب الجامع من المحرر في الحديث - 17

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

نعم.

طالب: بسم الله، والحمد لله، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين، وبارك لنا في شيخنا وانفع به، ومتع به، وأطل عمره وبارك فيه يا حي يا قيوم.

قال الإمام ابن عبد الهادي -يرحمه الله تعالى- في كتابه المحرر: (وعن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «بلغوا عني ولو آية، وحدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار».

 وعن أبي مسعود -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت».

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن الله تبارك وتعالى قال: من عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس عبدي المؤمن يكره الموت، وأنا أكره مساءته».

وعنه -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة والخميصة، إن أعطي رضي، وإن لم يعط لم يرضَ».

وعنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا عطس أحدكم فليقل: الحمد لله، وليقل أخوه -أو صاحبه- يرحمك الله، فإذا قال له: يرحمك الله فليقل: يهديكم الله، ويصلح بالكم».

 وعنه -رضي الله عنه-: «أن رجلاً قال للنبي: أوصني، قال: لا تغضب. فردد مرارًا، قال: لا تغضب».

 وعنه -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من يرد الله به خيرًا يُصب منه».

 وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ».

وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: أخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمنكبي فقال: «كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل». فكان ابن عمر يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك.

 وعن خولة الأنصارية قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق، فلهم النار يوم القيامة».

 وعن أنس -رضي الله عنه- قال: «إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر، إن كنا لنعدها على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الموبقات».

 وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «كل معروف صدقة».

 وعن عبد الله بن يزيد الأنصاري -رضي الله عنه- قال: «نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن النهبة والمثلة»).

حسبك، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد،

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: (وعن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار»).

«بلغوا عني ولو آية»، بلاغ ما جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ونقل الدين كلّ يسمع إلى من بعده، المتلقي يبلغ ما سمعه ويؤدي ما سمعه إلى من يأخذه عنه، ولولا امتثال هذا الأمر ما وصلنا الدين، لولا أن الصحابة- رضوان الله عليهم- امتثلوا هذا الأمر، وحرصوا عليه ما وصل الدين إلى من بعدهم، فقوله -عليه الصلاة والسلام-: «بلغوا» هذا الأمر لحث السامع أن ينقل ما سمعه إلى من بعده، فالتحديث له طرفان: تحمل وأداء، وظيفة الرسول -صلى الله عليه وسلم- البلاغ عن ربه فيما أوحاه إليه، ووظيفة من يسمع منه -عليه الصلاة والسلام- ومن يتحمل عنه ما يقوله -صلى الله عليه وسلم- أن يؤدي ذلك إلى من بعده؛ ليتسلسل الخير إلى الأمة من أولها إلى آخرها، ولذلكم وصلنا هذا الدين غضًّا طريًّا، فالقرآن كأنما أنزل اليوم لم يتطرق إليه تحريف ولا زيادة ولا نقصان؛ وذلكم لأنه محفوظ من الزيادة والنقصان، تلقته الأمة بالتواتر عن نبيها -عليه الصلاة والسلام-، ولا يزال يُتلقى بهذه الطريقة القطعية من عهده -عليه الصلاة والسلام- إلى قيام الساعة، وذلكم لأنه مضمون الحفظ: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9]، بخلاف الكتب السابقة السماوية، الكتب السماوية السابقة لم يُضمن حفظها من قبل الله -جل وعلا-، وإنما استحفظوا عليها، لكن هل حفظوا ما استحفظوا عليه أم لا؟

لم يحفظوا بدليل أنها حُرفت، وتطرق إليه الزيادة والنقصان، ولذا جاء شخص من اليهود عند الخليفة المأمون، فدعاه القاضي يحيى بن أكثم إلى الإسلام فلم يُجبه، وبعد عام كامل جاء فأعلن إسلامه، فسئل عن ذلك فقال: كتبت نسخًا من التوراة، وزدت فيها ونقصت، وقدمت وأخرت، فعرضتها في السوق فتلقفها اليهود، وقرأوها وعملوا بها، وفعلت مثل ذلك في نسخ من الإنجيل وعرضتها في السوق، فتلقفها النصارى وقرأوها وعملوا بها، فنسخت نسخًا من القرآن، وزدت فيها أحرفًا يسيرة جدًّا لا تكاد تُذكر، فعرضتها في سوق المسلمين فرموها في وجهي، قال ذلك ليحيى بن أكثم، وأعلن إسلامه، وجزم بأن هذا الدين من عند الله؛ لأنه محفوظ، لا يمكن أن يزاد فيه ولا يُنقص، قال: فحج يحيى بن أكثم، وذكر القصة لسفيان بن عيينة، فقال: هذا منصوص عليه في القرآن، هذا منصوص عليه في كتاب الله، بالنسبة للقرآن: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9]، وبالنسبة للكتب السابقة كالتوراة والإنجيل: {بِمَا اسْتُحْفِظُوا} [المائدة: 44]، يعني طُلب منهم حفظه، ولم يتكفل الله -جل وعلا- بحفظها، ولذلك زيد فيها ونقص؛ لأنهم لم يحفظوا ما استحفظوا عليه.

هذا بالنسبة للقرآن، والسنة لها نصيب من هذا الحفظ، وإن كانت ليست مثل القرآن، ولذا وقعت فيها الكذب، هناك الأحاديث الموضوعة، لكن لم يخفَ أمرها عن الأمة، وجدت لكن هل مشت على الأمة؟

لا يمكن، تعيش لها الجهابذة الذين بينوا صحيحها من ضعيفها، وثابتها من مردودها، نعم وجد الوضع في الحديث النبوي، ووجد الضعيف فيه، لكن هذا الموضوع لا يمكن أن يلتبس بصحيح، وهذا الضعيف لا يمكن أن يلتبس على علماء الأمة، قد يمشي على عوام وأشباه عوام، ممكن، لكن تعيش لها الجهابذة كما قالوا، وما زال العلماء لهم عناية بالسنة وما يصح منها، وما لم يصح من أول الدهر إلى يومنا هذا، من عصر النبي -عليه الصلاة والسلام- ومن بعده إلى يومنا هذا، والدين محفوظ بمصدريه الكتاب والسنة، ولولا امتثال هذا الأمر: «بلغوا عني»، لما وصلنا الدين بهذه الطريقة النقية الصافية، ولله الحمد، ولذلكم لا يمكن أن يخفى حديث واحد على الأمة بكاملها مما يحتاج إليه.

قد يقول قائل: ما يحفظه الأئمة الكبار من الأحاديث التي تعد بمئات الألوف بل المليون، الإمام أحمد -رحمه الله- يحفظ من الحديث أكثر مما تحفظه جميع البرامج الحاسوبية، والبخاري يحفظ مائة ألف حديث صحيح، ومائتي ألف حديث غير صحيح، والأئمة كلهم على هذا، وأبو داود يحفظ خمسمائة ألف حديث.

قد يقول قائل: لو جمعنا جميع ما لدينا من كتب السنة ما بلغت هذا العدد، فهل ذهب على الأمة شيء مما يحتاجون إليه في دينهم وخفي عليهم شيء من الدين؟ نقول: لا، نقول: ما خفي على الأمة شيء، ولا ضاع على الأمة شيء؛ لأنهم أرادوا بذلك التكرار والطرق؛ لأنهم يعدون كل طريق حديث.

«بلغوا عني ولو آية»، يعني الذي يحفظ آية يبلغها. الآن الدعوة فرض كفاية، ولا بد أن يقوم بها من يقوم مما تقوم بها، وتسد به الحاجة؛ لأن الدعوة ميراثه -عليه الصلاة والسلام-، فلا بد أن يقوم بها بما تقوم بها الكفاية. «بلغوا عني ولو آية» لو قام عامي لا يقرأ ولا يكتب وقام يتكلم وينصح ويرشد، يقول: الرسول يقول -عليه الصلاة والسلام-: «بلغوا عني ولو آية»، وأنا أحفظ أكثر من آية فأنا أبلغ، ولا بد من الاهتمام بهذا الشأن بحيث لا يدخل فيه من لا يحسنه، كما كان في السابق في عصور ما بعد السلف مما يفعله القصاصون والمذكرون مما يلقونه على العامة من الأحاديث الضعيفة والموضوعة، وبعضهم يضع الحديث ويقول: نحن لا نكذب على الرسول -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه يقول: «من كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار»، نحن نكذب له ولا نكذب عليه. الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: «من كذب علي متعمدًا»، يقولون: ما نكذب عليه، نحن نكذب له، نريد الناس بدلاً من أن يعتنوا بفقه أبي حنيفة ومغازي ابن إسحاق وكذا وكذا نردهم للتدين والقرآن، ويكذبون أحاديث ويضعونها على النبي -عليه الصلاة والسلام- في الترغيب.

 نقول: أنتم كذبتم عليه، والدين كامل ليس بحاجة إلى من يروّج له، ولذلك من لا علم عنده يُمنع من التذكير، ويمنع من الدعوة، لكن لو بطريقته الخاصة ما قام علنًا بين الناس، بطريقته الخاصة لاحظ على شخص ملاحظة ونصحه وقال: هذا شيء لا يجوز الله -جل وعلا- يقول كذا، هذه غيبة، والله -جل وعلا- حرم الغيبة أو الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول كذا، بشيء يضبطه ويتقنه ويفهم معناه ومغزاه، أو يقول: سمعت الشيخ فلانًا يقول كذا، ينقل فتوى ما فيه إشكال، وإلا فمثل هذا لا يؤمَن أن يزل ويضل ويُضل، جاء في حديث عبد الله بن عمرو: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من صدور الرجال، وإنما يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبق عالمًا اتخذ الناس رءوسًا جهالاً، فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا». فعلى الإنسان أن يحرص أن لا يقحم نفسه في شيء لا يتقنه ويقول: أنا أمتثل قول الرسول: «بلغوا عني ولو آية» -عليه الصلاة والسلام-، نقول: انتبه لنفسك، وأهم ما على الإنسان نجاة نفسه، يريد أن ينقذ الناس وينفع الناس، لكن يضر نفسه إذا لم يكن لديه علم يستند إلى نص من كتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- فعليه بل يلزم ولي الأمر أن يمنع مثل هذا.

«بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج»، «وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج» أي لا تضييق عليكم فيما تنقلونه عن بني إسرائيل، وجاء في رواية البزار: «حدثوا عن بني إسرائيل، فإن فيهم الأعاجيب».

لكن ما يروى ويذكر عن بني إسرائيل أنواع، منها ما يُعرف صدقه في شرعنا، موافق لآية أو لحديث فهذا لا إشكال فيه ألبتة، مع أن النص من كتاب الله سنة رسوله يغني عما جاء عن بني إسرائيل، لكن لا مانع من أن يحدث به، هذا ما فيه ما في شرعنا ما يسنده ويؤيده.

النوع الثاني: ما في شرعنا ما يرده، فهذا لا يجوز الحديث به، هذا لا يجوز، وقرأنا وسمعنا في بعض التفاسير التي يزعم أصحابها ومؤلفوها أنها تفسير بالأثر، ومع الأسف أنه يوجد فيها من الإسرائيليات التي في شرعنا ما يكذبها، وهذه الإسرائيليات تروج هذه الكتب عند بعض الناس، من أحاديث بني إسرائيل أعاجيب، وفيها ما يشد السامع فتروج هذه الكتب على من لا علم عنده ولا فقه عنده، ولذا سمعنا من يلوم من يقوم بتحقيق هذه الكتب وتحريرها وتنقيتها من هذه الإسرائيليات؛ لأن العلم الخالص الجاد المبني على الدليل هذا مما يبتغى به وجه الله، ومما تُحف به الجنة، والجنة حفت بالمكاره، ثقيل على النفوس، العلم الصحيح المستند على الكتاب والسنة ثقيل على كثير من النفوس: «حفت الجنة بالمكاره»، وأما الأحاديث والقصص والأخبار فهذه تهفو إليها النفوس وتقبلها، وكثير من المسلمين تجده يجلس إلى القصاص، ويستمع منهم ويأخذ الأحاديث في الاستراحات والجلسات، وتطول بهم الساعات، وهم في غاية الأنس واللذة، بينما لو تقول له: هات كتابًا نقرأ من كتب أهل العلم ضاقت بهم الدنيا ذرعًا؛ لأن العلم عبادة، والعبادات مما تحف بها الجنة، والجنة تحف بالمكاره، «حفت الجنة بالمكاره»، هي ثقيلة على النفوس، بينما «حفت النار بالشهوات» الإنسان مستعد أن يسمع قيل وقال وغيبة ونميمة، ويجلس في المجلس ولا يقوم؛ لأن في مخالفة هوى النفس والشيطان ثقلًا على نفوس كثير من الناس الذين لم يمرنوا أنفسهم ولم يأطروها بإطار الشرع. 

«وحدثوا عن بني إسرائيل» النبي -عليه الصلاة والسلام- رأى في يد عمر بن الخطاب أوراقًا من التوراة يسيرة، ورقتين أو ثلاثًا فغضب عليه: «أوفي شك أنت يا ابن الخطاب، والله لو كان أخي موسى حيًّا ما وسعه إلا اتباعي»، والآن الكتب المحرفة من التوراة والإنجيل والزبور التي هي موجودة إلى الآن، لكن وجودها اسم لا حقيقة له، بل جملها لا تستقيم؛ لأنها محرفة، ومع الأسف أنها تطبع في بلاد المسلمين وتوزع، والنبي -عليه الصلاة والسلام- أنكر على عمر وجود صحيفة أو صحائف يسيرة من التوراة.

قد يقول قائل: إننا نجد في كتب أهل العلم النقل عنهم لا سيما عند الحاجة، فالجواب الصحيح لشيخ الإسلام ابن تيمية في الرد على من بدل دين المسيح فيه نقل عن الإنجيل، وفيه نقل عن التوراة، هل يسوغ لكل أحد أن ينظر في هذه الكتب؟

لا يسوغ، الكتب محرفة. وللسخاوي كتاب أسماه الأصل الأصيل في الإجماع على تحريم النقل من التوراة والإنجيل، لكن عند الحاجة لو استدل مستدل بنص من التوراة أو الإنجيل، ونحن نعرف بطلان هذا النقل إما لكونه محرفًا في كتبهم، أو لكون ما في كتابنا المحفوظ ما يرد عليه، مثل هذا يُذكر ويرد عليه، شأنه شأن ما يُذكر من أقوال المبتدعة من أجل الرد عليها، وفي القرآن الكريم نصوص منقولة عن كفار مع الرد عليها، فالرد على المخالفين ليس ببدعة، كما زعم بعضهم ممن يقسم البدع إلى خمسة أقسام قالوا: هناك بدعة محرمة، وهذا هو الأصل، وبدع مكروهة، وبدع مباحة، وبدع مستحبة، وبدع واجبة، البدع كلها ضلالة: «كل بدعة ضلالة»، مثلوا للبدعة الواجبة الرد على المخالفين، هذه بدعة، لكنها واجبة، لا بد من الرد عليها.

 نقول: ليست ببدعة؛ لأن البدعة ما عُمل على غير مثال سابق، والمثال السابق للرد على المخالفين في كتاب الله -جل وعلا- فليست ببدعة.

 بعضهم يقسم البدع إلى بدع محمودة، وبدع مذمومة، وهذا أيضًا لا أصل له؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: «كل بدعة ضلالة»، يستدلون بقول عمر في صلاة التراويح المنقول في صحيح البخاري: "نعمت البدعة هذه"، وهذه ليست ببدعة؛ لأنها عُملت على مثال سابق، صلى النبي -عليه الصلاة والسلام- التراويح بأصحابه ثلاث ليالٍ، وتركها لا نسخًا لها، ولا إعراضًا عنها، وإنما خشية أن تُفرض كما جاء ذلك في الحديث الصحيح فليست ببدعة، قول عمر: "نعمت البدعة" خشي أن يقال: ابتدعت يا عمر؛ لأنه جمع الناس على إمام واحد، فقال عمر: "نعمت البدعة هذه" من باب المشاكلة لا من باب حقيقة اللفظ.

على كل حال: «وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج» أي لا ضيق عليكم، وهذا الإذن بعد النهي عن النظر في كتبهم، «وحدثوا» هذا أمر، والأمر بعد الحظر للإباحة، والأمر بعد الحظر بعد المنع للإباحة.

 قد يقول قائل: الرسول يقول: «حدثوا عن بني إسرائيل» أريد أن أتعلم كتبهم حتى أتعلم عنهم، نقول: لا، الأمر ليس على حقيقته؛ لأنه بعد حظر، {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2]، حللت من إحرامك خذ بندقيتك إلى البرية وتصيد؛ لأن الله -جل وعلا- يقول: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2]، هذا أمر، ولكنه بعد حظر، والتحقيق أن الأمر بعد الحظر يعود إلى الأمر ما كان قبل الحظر؛ إذ الحكم لما كان قبل الحظر.

«وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار»، وهذا أحد الأحاديث المتواترة المنقولة عن عدد كبير من الصحابة بهذا اللفظ، وهو مروي في الصحيحين وغيرهما عن جمع غفير من الصحابة، وجموع غفيرة ممن جاء بعدهم، وهو معدود في الأحاديث المتواترة.

 مما تواتر حديث من كذب، ومن بنى لله بيتًا واحتسب

 إلى آخر ما قيل في ذلك.

«من كذب علي متعمدًا» الكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- وفيه هذا الوعيد الشديد، «فليتبوأ»، وليتخذ منزلاً في النار، ولا شك أن الكذب عليه ليس ككذب على غيره -عليه الصلاة والسلام-، ولذا عُدَّ من أكبر الكبائر حتى حكم أبو محمد الجويني والد إمام الحرمين بكفر من يتعمد الكذب عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، حكم بكفره، ولكن عامة أهل العلم لا يرون هذا القول، ويردون عليه، وممن رد عليه ولده إمام الحرمين، كبيرة من كبائر الذنوب، لكن ليس بكفر، بل من عظائم الأمور؛ لأنه قد يكذب عليه في حكم من الأحكام يغتر به من يسمع أو في إباحة محظور أو في إيجاب مباح، وهكذا.

ونقلوا عن ابن الجوزي كلامًا يقرب من كلام الجويني يقول: لا شك أن من تعمد الكذب عليه في إحلال حرام أو تحريم حلال أنه... قال كلامًا لم يصرح بالكفر، لكن مقتضاه ذلك.

«ومن كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار»، ومن كذب من الرواة فإنه يُطرح حديثه، ولا يُقبل أبدًا ولو تاب، على خلاف بين أهل العلم، فهذه الآفة أعظم ما يُجرح به الراوي.

من كذب عليه متعمدًا قاصدًا للكذب، لكن من كذب وهو لا يقصد ذلك فلا ينطبق عليه هذا الوعيد، وإن كان على خطر؛ لحديث: «من حدث عني بحديث يُرى أنه كذب فهو أحد الكاذبيْن» أو «الكاذبين»، «من حدث عني بحديث يُرى» يعني لو رآه غيره ما رآه هو كذبًا لم يره هو كذبًا، إنما رآه غيره.

«يُرى أنه كذب»، في مقدمة مسلم، والضبط الثاني: «يَرى أنه كذب»، ولذا يلزم من يُحدث الناس ويعلم الناس، ويخطب في الناس أن لا يلقي حديثًا إلا وقد تأكد من صحته، هو ما يسمع أي حديث ثم يقوله في خطبة؛ لأنه قد يكون موضوعًا، وهو لا يشعر، ويحدث به الناس فيدخل في حديث «من حدث عني بحديث يَرى -أو يَرى- أنه كذب فهو أحد الكاذبين -أو الكاذبيْن-» على اختلاف في ضبط الحديث المخرج في مقدمة مسلم، في مقدمة مسلم، لا بد أن يقال: مقدمة، ما تقول: مخرج في مسلم، لماذا؟

لأن أحاديث المقدمة لا ينطبق عليها شرط مسلم، فلو قلت في مسلم صرت مدلسًا، دلست على الناس أن هذا الحديث صحيح، بل لا تردد فيه ومقطوع به كبقية أحاديث الصحيح، لا، في مقدمة مسلم وشرطها أقل من شرط الصحيح.

«ومن كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار»، نسأل الله العافية. هذا الحديث ورقمه في الصحيح، عندكم المخرِّج خرَّجه من أبواب متأخرة وإلا فهو في كتاب العلم في أوائل الصحيح صحيح البخاري.

 طالب: .......

على كل حال الأمر سهل؛ لأن اللفظ محفوظ بهذه الحروف، وجاء في حديث عن علي وغيره: «من قال علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار، إن كذبًا علي ليس ككذب على غيري».

 اللهم صل على عبدك ورسولك محمد.

 والتساهل في نقل الأحاديث وروايتها بين طلاب العلم موجود، وبعض الخطباء يسمع أو يقرأ ويلقيه على عواهنهم من غير أن يتأكد من صحته، فلا بد من التثبت في الرواية، ولا بد من العناية في الأحاديث قبل إلقائها؛ ليخرج من هذا الوعيد الشديد.

طالب: .......

الكرامية طائفة من أهل البدع أجازوا الكذب عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في الترغيب والترهيب، لكن هذا مردود عليهم، ولا حظ له من النظر.

ثم قال: (وعن ابن مسعود -رضي الله تعالى عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى») يعني وتوارث في الديانات والملل السابقة وأقر في شريعتنا («إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت»).

الحياء من شعب الإيمان؛ لأنه هو الذي يكف الإنسان عما لا يليق به، الحياء خلق يكف الإنسان عما لا يليق به من الأمور العادية، فضلاً عن الأمور المحرمة في الشرع، ولذا جاء: «إذا لم تستح»، الآن الحاء بعدها ياء أم كسرة؟

طالب: كسرة.

عندك النسخة الثانية؟

طالب: .......

نعم، بعضها بياء، وبعضها بغير ياء، إما أن يكون «تستحي»، والذي قبلها جازم «لم» أو «تستحِ» كسرة. أيهما أصوب؟

طالب: .......

نعم.

طالب: .........

 بالكسرة؛ لأن الياء حذفت للجازم، هي ياء واحدة أم الأصل ياءان؟

هي تستحي أم تستحيي؟

{إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي} [البقرة: 26] بياءين ليست بياء واحدة، فالجازم حذف واحدة وبقيت الثانية، فالصواب أنه بياء مع وجود الجازم لم، وهذه لغة قريش أن يستحيي وتستحيي بياءين، فإذا دخل الجازم حذفت واحدة، وبقيت الثانية، هذه لغة قريش، ولغة تميم بياء واحدة، فإذا دخل عليه الجازم حذفت الياء وكسرت الحاء، والذي جاء في القرآن: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي} بياءين، وليست ياءً واحدة.

في صحيح البخاري الترجمة: "باب إذا لم تستح ِفاصنع ما شئت"، مع أنها في بعض الروايات بالياء، والرواية المعتمدة بدون ياء، والحديث فيه ياء في صحيح البخاري والترجمة فوق: "باب إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت" بناءً على لغة تميم، والحديث على لغة قريش، والنبي -عليه الصلاة والسلام- كما هو معروف من قريش: «إذا لم تستحي فاصنع ما شئت».

«إذا لم تستحي» إذا نُزع عنك هذا الخلق العظيم وهو شعبة من شعب الإيمان، «والحياء شعبة من شعب الإيمان»، و«الحياء لا يأتي إلا بخير»، وسمع النبي -عليه الصلاة والسلام- رجلاً يعظ أخاه في الحياء، الآن يحصل لبس بين الحياء والخجل، الحياء الممدوح الذي يمنعك من مساوئ الأخلاق، ويدعوك إلى محاسنها، بينما الخجل قد يمنعك من مكارم الأخلاق، تستحي أن تفعل هذا يقولون: تستحي، وهو خجل، وليس بحياء؛ لأن الحياء لا يأتي إلا بخير، فسمع النبي- عليه الصلاة والسلام- رجلاً يعظ أخاه في الحياء فقال: «دعه؛ فإن الحياء لا يأتي إلا بخير»، وبعض الناس إذا رأى الولد في المجالس لا يتكلم ولا يشغب أحيانًا يقول: هذا مسكين يستحي، هو ما يستحي هذا، هذا الحياء لا يأتي إلا بخير، إذا كفه خلقه هذا عن الخير فليس بحياء، وإذا دعاه هذا الخلق إلى الخير وترك الشر فهو الحياء الشرعي.

«إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت»، اصنع ما شئت، هل هذا الأمر على بابه وهو أن الإنسان إذا لم يستحي يصنع ما شاء، يعني مأذون له شرعًا أن يفعل ما يشاء؟

طالب: .........

نعم؟

طالب: .........

 على وجهين: الوجه الأول وهو المتبادر أنه... الوجه الأول أنك إذا لم تستح إذا نزع عنك الخلق الجميل العظيم الشعبة من شعب الإيمان فاصنع ما شئت، وهذا ما يكون على باب التهديد والوعيد.

 والاحتمال الثاني: أنك انظر إلى هذا العمل الذي تريد الإقدام عليه، فإن كان مما يُستحيى منه فكف، وإذا كان مما لا يُستحيى منه فاصنعه، هذا احتمال ثانٍ، والحديث قابل للاحتمالين، وهناك نصوص جاءت أوامر للتهديد والزجر، وهناك أيضًا على الاحتمال الثاني نصوص أخرى، فأنت تنظر إلى عملك قبل أن تعمل، وهكذا ينبغي أن يكون العاقل متأنيًا في أموره، ودارسًا لما يريد فعله، فلا يُقدم على شيء إلا إذا تأكد من حله، وأنه مما لا يُستحيى منه لا من الله - جل وعلا-، والله أحق أن يستحيى منه من الناس، ولا من الناس، فحينئذٍ افعل اصنع، وإذا كان مما يُستحيى منه فاكفف.

(وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن الله تبارك وتعالى قال») هذا يسمى الحديث القدسي، الحديث القدسي المضاف إلى الله -جل وعلا- من غير القرآن، ما يضاف إلى الله -جل وعلا- من غير القرآن، منقولاً عن النبي -صلى الله عليه وسلم- يسمى حديثًا قدسيًّا، والحديث القدسي لا شك أن اللفظ كبقية الأحاديث تجوز روايته بالمعنى، بدليل أنك تجد هذا الحديث في البخاري بلفظ، وتجده عند مسلم بلفظ، وتجده عند غيره بلفظ، مما يدل على أنه نُقل بالمعنى، ولا يلزم أن ينقل بلفظه كما أداه النبي -عليه الصلاة والسلام- كالقرآن، ومعناه ومحتواه من الله -جل وعلا-؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أضافه إلى الله، وكون ألفاظه تختلف من رواية إلى أخرى، مما يدل على أن شأنه شأن الحديث النبوي الذي تجوز روايته بالمعنى، ليس كالقرآن المُتعبَّد بلفظه، وإنما حكمه حكم الحديث النبوي، ولكن المحتوى والمضمون من الله -جل وعلا-.

(قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن الله -تبارك وتعالى-») والصيغ الواردة في الأحاديث القدسية بمثل هذا: إن الله -تبارك وتعالى- قال، وقد يأتي وهذا كثير: فيما يرويه عن ربه -عز وجل-.

(«قال: من عادى لي وليًّا»)، الولي {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ} [يونس: 62]، الولي واحد الأولياء الذين جاء تعريفهم في قوله -جل وعلا- في سورة يونس: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس: 62، 63]، من اتصف بالإيمان والتقوى فهو من أولياء الله، هذا الولي المؤمن المتقي، هذا لا تجوز معاداته، ومن عاداه فهو معادٍ لله -جل وعلا-.

«من عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب» من له طاقة بحرب الله -جل وعلا-؟ من يطيق حرب الله -جل وعلا-؟

 ولذا أولئك المساكين الذين يتعاملون بالربا، نسأل الله العافية: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة: 275]، حتى قال جمع من أهل العلم: إنهم يُبعثون مجانين، نسأل الله العافية، يُبعثون مجانين، {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة: 279]، نسأل الله العافية، نصوص قوية، وتهز الجبال، ومع ذلك كثير من المسلمين يتعاطى هذه الجريمة من غير أدنى تردد، نسأل الله العافية، لكنه الاستمرار والاستمراء لهذه الذنوب وتلك الجرائم.

الإنسان في أول أمره قد يرفض مثل هذا الأمر، ثم إذا تعامل به، وجالس من يزاوله يرققون له مثل هذه الأمور، وبعض من يتصدر للفتوى مع الأسف ينظرون إلى بعض المسائل على أنها خلافية، أو على أنها داخلة في حيز الشبهات، ويقولون ويسولون لآحاد العوام أن مثل هذا الأمر مما يسع فيه الخلاف، وأن النسب اليسيرة يمكن أن تقدم عليها، ثم تتخلص منها، ثم بعد ذلك إذا دخل المبلغ الحساب يصعب التخلص منه، مع أنه لا يجوز الإقدام على شيء من الربا، ولو كانت نسبته أقل القليل، ويقيسون ذلك على النجاسة اليسيرة أنه يعفى عنها، وأبو حنيفة يجيز اليسير من النجاسة بقدر الدرهم البغلي، لكن هل أبو حنيفة -رحمه الله- يجيز للإنسان أن يُقدم على النجاسة أو أن النجاسة إذا وقعت عليه من غير قصد يعفى عنها اليسيرة؟

هل يمكن أن يقول أبو حنيفة: قدِّم ثوبك لأحد يبول عليه بقدر الدرهم البغلي؟ والله ما يقوله أبو حنيفة، لكن إذا وقع شيء يسير يعفى عنه في مذهبه، ونحن نقول: لا يجوز أن يُقدم أحد على الربا مهما قلت نسبته، لكن إذا حصل من غير قصد تخلّص منه كما تتخلص من النجاسة بغسلها. وبعضهم يسمع مثل هذا الكلام يقول: شيء يسير معفو عنه، الربا شأنه عظيم، حرب لله ورسوله، الدنيا كلها لا تقوم لأدنى أدنى ما فيه من هذا الوعيد.

«فقد آذنته بالحرب»، خلاص، «من عادى لي وليًّا فقد آذنته» وأعلمته بالحرب.

«وما تقرب إلي عبدي بشيء أحبَّ إلي مما افترضته عليه»، الفرائض ما أوجب الله عليك من صلاة ومن إيمان قبل ذلك وتوحيد وصلاة وزكاة وصيام وحج وغير ذلك من الفرائض، هذه أحب إلى الله مما سواها من النوافل، ولو قام شخص الليل كله عمره كله، وصام الدهر كله، وترك فرضًا واحدًا من الصلوات الخمس فهذا لا يقاوم هذا، أو ترك يومًا من أيام رمضان وصام الدهر كله، ومصرٌّ على ترك الصيام في هذا اليوم لا يقاوم؛ لأن الله -جل وعلا- يقول: «وما تقرب إلي عبدي بشيء أحبَّ إلي مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه».

 الآن التعليم، مثال: التعليم الذي يؤخذ عليه أجر، موظف، أستاذ يعلم الناس العلم بوظيفة وراتب، هذا واجب أم نفل؟ وله دروس في المسجد، أيهما أهم؟

طالب: .........

 نعم؟

طالب: .........

 الواجب أهم، «ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه»، هذا يتأخر عن المحاضرة خمس دقائق أو عشر دقائق، وعنده كل يوم درس بالمسجد، نقول: ما تقرب إلي عبدي بشيء من النوافل أحب إلي مما افترضته علي.

عند الحساب إذا وُجد خلل في الفرائض نقص أليس في الحديث الصحيح: «انظروا هل لعبدي من تطوع؟» فهذا الذي يتأخر عن المحاضرة عنده نقص في الفرض فيما أوجب الله عليه، لكن هل له من تطوع؟

طالب: .........

 دروس في المساجد ومحاضرات ودعوة وما أشبه ذلك؟

طالب: .........

 والخلاصة أن الفرض أهم من النفل؛ لأنك إذا أخللت بالفرض كنت بحاجة إلى قوله: «انظروا هل لعبدي من تطوع؟»، وإذا برئت ذمتك من الفرض صار التطوع زيادة على هذا الفرض الذي هو أحب وأوجب ما أوجب الله عليك.

«وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل» يعني بعد الفرائض «حتى أحبه»، ليس الأمر بالسهل أن الله يحبك؛ لأن النتيجة: «فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به» يعني فلا يسمع إلا ما يباح له سمعه، «فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها»، وحينئذٍ يحالفه التوفيق من الله -جل وعلا-، والحفظ والعناية والرعاية من الله -جل وعلا-، فلا يقع في محظور لا من طريق سمعه ولا من طريق بصره، ولا يمشي إلى معصية، ولا يمد يده إلى معصية، وليس معنى هذا أن يكون معصومًا؛ لأن العصمة للأنبياء، ليست لآحاد الناس، لكن إذا وُفق وصارت هذه عادته وديدنه وحفظ من المحرمات، وقد تقع منه الهفوة والذلة بقدر ما يحصل له من خلل في هذه الفرائض وتفريط في شيء من النوافل، لكنه يُوفَّق للتوبة منها أو تكون له حسنات غامرة، فتغمر هذه الهفوة وهذه الذلة في بحار الحسنات، فلا تضره إن شاء الله تعالى.

«ولئن سألني لأعطينه»، ولئن مؤكد بالقسم المقدر، ولئن الواقعة في جواب القسم، «إن سألني لأعطينه» لام التأكيد، «ولئن استعاذني لأعيذنه»، ولئن سألني لأعطينه، ومعروف أن الدعاء بشروطه يُجاب: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60]، وهذا إذا سأل، وله مزية عن بقية من يسأل لا شك أنه يجاب، لكن لا يمنع أن تؤخر هذه الإجابة فيُعطى أضعافًا في الجنة، أو يدفع عنه من الشر مثله؛ لأنه قد يقول: أنا الآن عملت الفرائض، واستكثرت من النوافل، وأدعو ولا أحصل إجابة؟

قلنا: لا تيأس «يجاب لأحدكم ما لم يستعجل»، يقول: دعوت، ودعوت، فلم أر يستجاب لي، لا تعجل، قد أُجبت، الله -جل وعلا- وعد بالإجابة: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60]، لكن لا يلزم أن تجاب بنفس المسألة، قد يكون من الخير لك أن لا تجاب على هذه المسألة، بل تجاب بما هو أعظم منها، ويُدفع عند من الشر أضعاف أضعاف ما تحمله هذه المسألة من منافع.

«ولئن استعاذني لأعيذنه»، استعاذ التجأ إلى الله -جل وعلا- من شيء يخشاه أو يخافه، «لأعيذنه» يدفعه عنه.

«وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس عبدي المؤمن»، طبيعة الناس، طبيعة البشر أنهم يكرهون الموت، «وأنا أكره مساءته»، لا شك أن ما عند الله خير لعبده المؤمن، لكن الكراهية قد تأتي بسبب ما يخشاه على نفسه من تفريط، أو رجاء أن يمد في عمره فيزداد مما يقربه إلى الله -جل وعلا-، فيكره الموت، وخيركم من طال عمره وحسن عمله، «وأنا أكره مساءته»؛ لأن الموت يسوءه، والله -جل وعلا- يكره ما يسوء المؤمن، والكراهية ثابتة لله -جل وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته كسائر ما ورد عنه في كتابه أو في سنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-.

كم بقي؟

طالب: .......

نعم؟

طالب: .........

 هذا الحديث حديث عظيم، وألف في شرحه الكتب، وأطول ما شُرح به كتاب للشوكاني اسمه: قُطر الولي في شرح حديث من عادى لي ولي، وهو مطبوع في مجلد كبير، وإن كان فيه حواشٍ كثيرة، لكنه شرح موسع للشوكاني.