كتاب الحج من سبل السلام (1)

بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صل وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد، يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: وعنه- أي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «أيَّمًا قضي حج ثم بلغ»".

أيُّما.

­­­­­­­­­­­­­­­"«أيُّما صبي حج ثم بلغ الحنث» بكسر الحاء المهملة وسكون النون فمثلثة، أي بلغ أن يكتب عليه حنثه، «فعليه أن يحج حجة أخرى، وأيما عبد حج ثم أعتق فعليه أن يحج حجة أخرى»، رواه ابن أبي شيبة والبيهقي، ورجاله ثقات إلا أنه اختلف في رفعه، والمحفوظ أنه موقوف".

يعني من كلام ابن عباس، كأن ابن عباس سئل فأفتى أنه حجه صحيح، كما جاء في النصوص، لكنها لا تجزئ عن حجة الإسلام، وهذا هو الذي عليه جماهير أهل العلم.

"قال ابن خزيمة: الصحيح أنه موقوف، وللمحدثين كلام كثير في رفعه ووقفه".

عرفنًا مرارًا أنه إذا تعارض الوقف مع الرفع، وأنه قد يرجح الرفع في بعض الأحاديث؛ لقرائن تحتف به، وقد يرجح الوقف، ولا قاعدة هنا.

"وروي محمد بن كعب القرظي مرفوعًا".

نعم؟

طالب:...

نعم هذا على أحكام المتأخرين، يحكمون بقواعد مطردة، لكن المتقدمين ما يحكمون بمثل هذا أبدًا، ينظرون في القرائن، ولذا تجد مرة يرجح الوقف، ومرة يرجح الرفع، وهو إمام واحد.

"قال: قال رسول الله -صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم-: «إني أريد أن أجدد في صدور المؤمنين، أيما صبي حج به أهله أجزأت، فإن أدرك فعليه الحج»".

أجزأت يعني صحت، لكنها لا تجزئ عن حجة الإسلام.

"ومثله قال في العبد، رواه سعيد بن منصور وأبو داود في مراسيله، واحتج به أحمد، وروى الشافعي حديث ابن عباس قال ابن تيمية: والمرسل إذا عمَل".

عمِل عمِل نعم.

"والمرسل إذا عمِل به الصحابة حجة اتفاقًا، قال: وهذا مجمع عليه، ولأنه من أهل العبادات فيصح منه الحج، ولا يجزئه لأنه فِعله".

فَعله فَعله.

"فَعله قبل أن يخاطب به".

قوله: المرسل إذا عمل به الصحابة يحتج به، هذه طريقة الإمام الشافعي -رحمه الله- فيما يشترطه للعمل بالمرسل، يشترط أن يكون لديه شاهد يزكيه من الكتاب أو حديث آخر مسند، أو مرسل من غير طريق المرسل الأول، أو يفتي به عوام أهل العلم، أو يسنده خبر موقوف، وأن يكون المرسِل من كبار التابعين، وأن يكون إذا شاركه أحد من الحفاظ لم يخالفه، المقصود أن هذه قواعد عند الإمام الشافعي، وشروط يشترطها لقبول المرسل، وأما مالك وأبو حنيفة فيقبلون المرسل بدون شروط.

طالب:...

لا لا، فيه نظر، لا لا، فيما قاله الشافعي، هذه طريقة الشافعي، وأبو حنيفة ومالك يقبلونه دون أي شرط إذا كان من ثقة، ومن دونه كلهم ثقات، يقبلونه، ولم يبق إلا الإرسال، ونُسب ردّ المراسيل إلى الجمهور، ونقله الإمام مسلم -رحمه الله- في مقدمة صحيحه، وابن عبد البر في مقدمة التمهيد، وأظن ابن تيمية المراد هنا المجد.

طالب:...

شيخ الإسلام قاله؟

طالب:...

المقدمة؟

ما أدري والله، ما أدري والله، يمكن، على كلٍ مسألة المرسل والاحتجاج به مسألة عند أهل العلم مقررة.

 واحتج مالك كذا النعمان             به وتابعوهما ودانوا

 ورده جماهر النقاد            للجهل بالساقط في الإسناد

وصاحب التمهيد عنهم نقله      مسلم صدر الكتاب أصله

قلنا: إن المرسل ضعيف؛ لأن من أُسقط يحتمل أن يكون تابعيًّا، ويحتمل أن يكون صحابيًّا، ويحتمل أن يكون تابعيًّا، ويحتمل أن يكون ثقة، وأن يكون غير ثقة، وما دام هذا الاحتمال قائمًا فلا يسوغ الإطلاق في قبوله، لكن إذا عمل به الصحابة كلهم، ولا عُرِف مخالف منهم، فلا بأس، ويكون الحجة حينئذٍ للمرسل المعتضد بعمل الصحابة لا بالمرسل المفرد.

طالب:...

نعم، كأنه إن صحّ الخبر قد أخبرهم بهذا الحكم قديمًا ثم جدده.

"وعنه أي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم- يخطب يقول: «لا يخلون رجل بامرأة» أي أجنبية؛ لقوله: «إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم»، فقام رجل، قال المصنف: لم أقف على تسميته، فقال: يا رسول الله، إن امرأتي خرجت حاجة، وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا، فقال: «انطلق فحج مع امرأتك»، متفق عليه، واللفظ لمسلم".

الخلوة بالمرأة الأجنبية حرام اتفاقًا، بحيث لا يكون معهما أحد، لكن إذا وُجد معهما أحد أو وجدت في ناحية من البيت غير الناحية التي فيها هذا الرجل فالمسألة لا خلوة حينئذٍ، لكن يبقى أن المسألة لا تؤمن معها الفتنة، لا تؤمن معها الفتنة، فإذا لم تؤمن الفتنة فلا يجوز أيضًا، ولو كان مع هذه المرأة أناس في البيت؛ لأن من يريد الفتنة يتحين الفرص، كما هو واقع كثير من البيوت التي فيها النساء الأجنبيات الوافدات للخدمة. نعم الخلوة قد تكون مرتفعة في الجملة، لكن إذا وُجد من يتربص ويبحث عن مواطن الشبهات، قد يجد فرصة، فإذا لم تؤمن الفتنة فلا يجوز ولو لم توجد الخلوة.

 مثل السفر لا يجوز للمرأة أن تسافر سفرًا طويلاً أو قصيرًا إلا معها ذو محرم، وزوجها أو محرم عليها على التأبيد؛ لخشية الوقوع في الفتنة، وهذا هو الذي يدل عليه الخبر الصحيح الثابت عنه- عليه الصلاة والسلام-، والمراد محرم لها، لا محرم للرجل كما يقوله بعض أهل العلم، وحينئذٍ لا يجوز لها أن تسافر، أي سفر مع غير محرم؛ زوجها أو من تحرم عليه، لا مع جمع من النسوة ثقات، ولا مع حملة، ولا غيرها.

ومن المؤسف أن يوجد حملة تحمل اسم إمام من أئمة المسلمين، إمام من الأئمة الكبار تحمل اسمه، وتنزل عند الحرم نساء ليس معهن محارم، جناية على هذا الإمام، ولا حياء، تحمل اسم هذا الإمام، وتذهب وتسافر مسافة طويلة بهؤلاء النسوة من غير محارم.

 إلا ومعها ذو محرم، المحرم عرفنا أنه زوجها أو من تحرم عليه، كونها معها نسوة فما يكفي وإن قال به الشافعي وبعض العلماء، منهم من قال: تسافر وحدها إذا أمنت الفتنة، لكن هذه مصادرة للنصوص.

طالب:...

هم نظروا إلى العلة، وأنها إذا كان معها أناس آخرون فالفتنة- في الغالب- مأمونة، ليست مأمونة، نسمع كثيرًا من الناس الآن يذهب بموليته؛ امرأته، بنته، أخته إلى المطار، وتستقبل هناك، ويقول: هذه العاقبة مأمونة، ويذهب بها إلى محطة القطار وتستلم من هناك، ومعها جمع من النسوة، وما يعرف هذا المسكين أنه قد تتعطل القطارات بليل، في ظلام، أثناء الطريق، ولا يسمع صياح النساء، من يأمن الفتنة في مثل هذه الظروف؟ والله المستعان. تساهل الناس جرّ عليهم الويلات.

طالب:...

إذ هذا خبر، هذا خبر، لكن هل هو على سبيل الإقرار؟ يعني ما جاء في الأخبار عن أشراط الساعة نقول إنه جائز؟ كونه يقع هل يدل على جوازه؟ يعني يقع، أخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- عن بعض أشراط الساعة نقول: يجوز لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أخبر به؟ لا لا.

"دل الحديث على تحريم الخلوة بالأجنبية، وهو إجماع، وقد ورد في حديث: «فإن ثالثهما الشيطان»، وهل يقوم غير المحرم مقامه في هذا بأن يكون معهما من يزيل معنى الخلوة؟ الظاهر أنه يقوم؛ لأن المعنى المناسب للنهي إنما هو خشية أن يوقع بينهما الشيطان الفتنة".

وهذا مع أمن الفتنة، لا بد أن تؤمن الفتنة، وإلا لو وجد امرأة بين سَبُعين نقول: أنت دفعت الخلوة معها، لا ثالث لهما؟ معهما ثالث، نقول: ارتفعت الخلوة، يجوز؟ لا لا، الفتنة محققة، ليست متوقعة.

"وقال القفال: لا بد من المحرم عملاً بلفظ الحديث".

وهو الصواب نعم.

"ودل أيضًا على تحريم سفر المرأة من غير محرم، وهو مطلق في قليل السفر وكثيره، وقد وردت أحاديث مقيدة لهذا الإطلاق إلا أنها اختلفت ألفاظها".

يومًا وليلة أو ثلاثة أيام، ووردت أحاديث مطلقة. المقصود أن هذه القيود لا اعتبار لها عند أهل العلم ولا مفهوم لها.

ففي لفظ: «لا تسافر المرأة مسيرة ليلة إلا مع ذي محرم»، وفي آخر «فوق ثلاث»، وفي آخر «مسيرة يومين»، وفي آخر «ثلاثة أميال»، وفي لفظ «بريد»، وفي آخر «ثلاثة أيام»، قال النووي: ليس المراد من التحديد ظاهره، بل كل ما يسمى سفرًا فالمرأة منهية عنه إلا بالمحرم، وإنما وقع التحديد عن أمر واقع فلا يعمل بمفهومه. وللعلماء تفصيل في ذلك، قالوا: ويجوز سفر المرأة وحدها في الهجرة من دار الحرب والمخافة على نفسها".

نعم في حال الضرورة القصوى، توفي محرمها في منتصف الطريق، تجلس؟ ولا تسافر ضرورة بدون محرم؟ تسافر، امرأة في دار حرب أسلمت، تبقى عند الكفار يفتنونها عن دينها ولا تسافر؟ ترتكب أخف الضررين لا بد.

"ولقضاء الدين".

قضاء الدين وما يليه كل هذا لا قيمة له. حتى وإن نقلوا عليه الاتفاق.

"ورد الوديعة والرجوع من النشوز".

الرجوع بدون محرم ترد الوديعة، الله المستعان.

"وهذا مجمع عليه".

والحج أهم من ذلك كله، فإذا قيل: ترد الوديعة بدون محرم قلنا: تحج بدون محرم.

طالب:...

كذلك لا بد من المحرم، لا بد من المحرم.

طالب:...

كيف؟

طالب:...

تدبر محرمًا وإلا تجلس.

ترجع بدون محرم؟ لا لا.

"واختلفوا في سفر الحج الواجب، فذهب الجمهور إلى أنه لا يجوز للشابة إلا مع محرم، ونقل قولاً عن الشافعي أنها تسافر وحدها إذا كان الطريق آمنًا، ولم ينهض دليله على ذلك".

ولا دليل لها أصلاً.

"قال ابن دقيق العيد: إن قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ}[آل عمران:97] عموم شامل للرجال والنساء وقوله: «لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم» عموم لكل أنواع السفر فتعارض العمومان، ويجاب بأن حديث: لا تسافر المرأة للحج إلا مع ذي محرم: مخصص لعموم الآية".

{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ}[آل عمران:97]، والمرأة من الناس، حج البيت من استطاع، هذا عام في الرجال والنساء، إلا أنه خاص بمن يستطيع، مخصص بمن يستطيع، ولا تسافر المرأة عام في كل سفر، في كل سفر، سواء كان سفر حج أو غيره، لكنه خاص بالمرأة، وإذا قلنا: إن المحرم من الاستطاعة بالنسبة للنساء لا تعارض أصلاً، لا تعارض أصلاً، فلا يتعارض العمومان؛ لأن العموم منصوص مخصص، مخصص بمتصل، العموم مخصص بمخصص متصل، من استطاع وقد بينت النصوص الأخرى أن الاستطاعة بالنسبة للرجال كذا، وتزيد المرأة وجود المحرم، وعلى هذا فلا تعارض.

"ثم الحديث عام للشابة والعجوز. وقال جماعة من الأئمة: يجوز للعجوز السفر من غير محرم وكأنهم نظروا إلى المعنى فخصصوا به العموم، وقيل: لا يخصص، بل العجوز كالشابة".

نعم. لكل ساقطة في الحي لاقطة، تجد الله المستعان..

طالب:...

 كيف؟

طالب:...

الكلام في السفر، أما الكشف فمسألة أخرى.

طالب:...

النصّ في القواعد، في الكشف.

طالب:...

لا جناح عليها أن تكشف وتضع ثيابها.

طالب:...

لكن السفر مسألة أخرى جاءت النصوص على منع المرأة، وهي فرد من أفراد هذا العموم.

"وهل تقوم النساء الثقات مقام المحرم للمرأة؟ فأجاز البعض مستدلاً بأفعال الصحابة ولا تنهض حجة على ذلك؛ لأنه ليس بإجماع".

لكن لا بد أن يذكر من فعله من الصحابة، فعل الصحابة، أين الصحابة؟ هذه دعوى.

"وقيل: يجوز لها السفر إذا كانت ذات حشم، والأدلة لا تدل على ذلك".

نعم إذا كان معها خدم وحشم وعبيد تسافر معهم ليسوا محارم لها، لكن إذا وجد معها من يزيل الشبهة أو يمنع الفتنة فلا بأس على كلامه، وهذا لا حظ له.

"وأما أمره -صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم- له بالخروج مع امرأته فإنه أخذ منه أحمد أنه يجب خروج الزوج مع زوجته إلى الحج إذا لم يكن معها غيره".

لكن أي غزوة هذه؟ وأي حج هذا؟ الرجل اكتتب في غزوة، والمرأة خرجت حاجة.

طالب:...

يعني الرسول -عليه الصلاة والسلام- أرسل أبو بكر مع هذه الجهة، وانصرف مع تلك الجهة؟ حجة الوداع ما هي بواردة الظاهر هنا، نعم، ليست واردة هنا، فأي حجة هذه؟

طالب:...

هم كانوا يحجون كيف؟

طالب:...

وقعت حاجة هذا الأصل.

طالب:...

 ماذا؟

طالب:...

 نقول حاجة؟ حاجة.

طالب:...

حج لغوي يعني؟

طالب:...

 حج لغوي، قصد، مثل هذا الحج الذي هو لغة سواء قلنا: عمرة أو قبل حجة الوداع أو قبل فرض الحج، يكون مندوبًا، يكون مندوبًا، ذهابها إليه مندوب، والرجل اكتتب في غزوة ما دام اكتتب ونصّ عليه تعين عليه، فأُمر بترك هذا الواجب الذي تعين عليه، من أجل صحبة زوجته، فدل على أن المحرم له شأن، وأنه أمر لا بد منه بحيث تترك الواجبات من أجله، لماذا؟ لماذا لم يقل النبي -عليه الصلاة والسلام-:: رد زوجتك إلى بيتها، صار ما معها محرم، ردها إلى بيتها، واذهب إلى غزوتك؟

لو افترضنا أن المسألة في موظف ما سمح له بمصاحبتها، وذهبت امرأته لتحج، باشرت السفر نقول: اترك الوظيفة واذهب إلى زوجتك لتحج؟

طالب:...

ما شرعت إلى الآن، لكن احتمال بالنسبة للمدينة تكون شرعت، احتمال يعني بالمدينة تكون شرعت؛ لأنه قريبة، وهل يلزم الزوج أن يسافر مع امرأته أو المحرم عمومًا يلزمه أن يسافر مع المرأة ليحج بها؟ يعني ما بقي عليها إلا المحرم، والبيت مملوء أبوها موجود، زوجها موجود، إخوانها موجودون، الأولاد يعني قد يكون إذا أمرت أحدهم يتعين عليه حيث لا ضرر، لكن بالنسبة للزوج إذا قال لها: ما أنا برائح، يقال: الرسول أمر من كتب عليه الغزو أو من كتب في الغزو أن يحج مع امرأته يلزمك أن تذهب؟

كيف نوجه هذا الأمر؟

طالب:...

يلزم الزوج أن يخرج معها، يلزم يا إخوان أم لا؟

ما يلزم، ما يلزم، لكن لو أحرمت بحج الفرض فليس له تحليلها، ليس له أن يحللها من حجها، لكن لو قال: هي طالق إن لم تتحلل تستمر أم تتحلل؟

طالب:...

 تكون محصرة حينئذٍ؟

طالب:...

نعم يقول عطاء: هذا أشد من المرض.

طالب:...

 لا، يكون هذا أشد من المرض.

 المقصود أنه لا يلزم الزوج ولا الأب أن يحج بموليته، لكن إذا كان هو من العشرة بالمعروف الذهاب بها والحج بها، كما أنه لا يلزم نفقتها في الحج.

طالب:...

على الجهة الشرعية.

"وغير أحمد قال: لا يجب عليه، وحمل الأمر على الندب، قال: وإن كان لا يحمل على الندب إلا لقرينة عليه فالقرينة عليه ما علم من قواعد الدين أنه لا يجب على أحد بذل منافع نفسه لتحصيل غيره ما يجب عليه. وأخذ من الحديث أنه ليس للرجل منع امرأته من حج الفريضة؛ لأنها عبادة قد وجب عليها، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، سواء قلنا: إنه على الفور أو التراخي، أما الأول فظاهر، قيل: وعلى الثاني أيضًا لها أن تسارع إلى براءة ذمتها كما أن لها أن تصلي أول الوقت وليس له منعها".

ليس له أن يمنع زوجته من أن تصلي في أول الوقت؟ هو جالس ينتظر الإقامة باقٍ ثلث ساعة على الإقامة، قالت: أقوم أصلي، قال: لا، تجلسين، علىي الإطلاق، له ذلك أم ليس له ذلك؟ له ذلك، له ذلك؛ لأن الأمر موسع، وصلاتها في أول الوقت نفل.

طالب:...

هو رواية على المذهب، لكن ما هي بالمذهب، ليست المذهب.

"وأما ما أخرجه الدارقطني من حديث ابن عمر مرفوعًا في امرأة لها زوج، ولها مال، ولا يأذن لها في الحج "ليس لها أن تنطلق إلا بإذن زوجها"، فإنه محمول على حج التطوع؛ جمعًا بين الحديثين، على أنه ليس في حديث الكتاب ما يدل أنها خرجت من دون إذن زوجها. وقال ابن تميمة: إنه يصح الحج من المرأة بغير محرم، ومن غير المستطيع".

يصحّ، لكن ما يلزم، فرق بين كونه يجب، وكونه يصحّ، يعني إذا وقع من المرأة أن حجت بغير محرم، أو فقير لا يجد زادًا ولا راحلة وحج نقول: حجك باطل؟ الحج صحيح، الجهة منفكة. يعني شروط وجوب وليست شروط صحة.

"وحاصله أن من لم يجب عليه لعدم الاستطاعة مثل المريض والفقير والمعضوب والمقطوع طريقه".

ما المعضوب؟

الذي لا يستطيع الركوب.

"والمرأة بغير محرم، وغير ذلك إذا تكلفوا شهود المشاهد أجزأهم الحج، ثم منهم من هو محسن في ذلك كالذي يحج ماشيًا، ومنهم من هو مسيء في ذلك كالذي يحج بالمسألة، والمرأة تحج بغير محرم، وإنما أجزأهم؛ لأن الأهلية تامة، والمعصية إن وقعت فهي في الطريق لا في نفس المقصود".

يعني الجهة منفكة، الجهة منفكة، قد تكون الجهة منفكة، لكن مع انفكاكها قريبة جدًّا من الجهة الأخرى، يبالغ بعض الناس بانفكاك الجهات، ويأمر بشيء وإن ارتكب شيئًا آخر له أجر هذا، وعليه إثم هذا، كما يقول بعضهم بوجوب غض البصر من الزاني عن المزني بها، يقول: الزنى جريمة وذنب، عليه ذنب، لكن هو مأمور بغض البصر عمومًا، نعم! يقول: الجهة منفكة، لا ليست منفكة في مثل هذا؛ لأنه إنما مُنع إطلاق البصر وأُمر بغض البصر؛ خشية أن يقع في المحظور، الله المستعان.

طالب:...

نعم.

طالب:...

كأن النبي -عليه الصلاة والسلام- رأى أن وقت هذا الرجل أخرجه عن نفعه نفسه أخرجه لله، يعني تبرع بوقته لله سواء كان في غزوة أو في حج، يعني هو ليس بفاتح دكانًا ولا جالسًا بوظيفته ولا شيئًا يقول له: اترك ورح للحج، نعم، يجني من ورائه دنيا، لا، هو في طاعة سواء كان هنا أو هنا، لكن القصد المفاضلة، اختار له النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يحج مع امرأته.

طالب:...

نعم، هذا ظاهر.

طالب:...

تنظير المسألة أمر سهل أن ترسل شخصًا، أحد أبنائك في حاجة إلى شمال الرياض أو إلى جنوبه، فبدلاً ما تقول له: رح الشمال تقول: لا، اليوم يا أخي رح الجنوب، ما يفرق، هو رائح رائح، ولا هو مستفيد من وقته، المسألة مفترضة أنه ليس مستفيدًا إذا اتجه إلى هذه الجهة، لكن شخص في فراشه تقول له: قم رح هناك، رح جهة الجنوب؟

لا، تختلف، في أمر لا يلزمه، المسألة مفترضة في أمر لا يلزمه، هذا صرف من الجهاد إلى الحج، وكلها في سبيل الله.

طالب:...

هو ما فرّ.

طالب:...

لكن ما فرّ هو، إلا إذا كان قصده- والله أعلم- بالمقاصد أن يبعثه الرسول -عليه الصلاة والسلام- مع زوجه.

طالب:...

يلزمها الرجوع، يلزمها الرجوع.

طالب:...

 كيف؟

طالب:...

نعم، هنا مسألة يعني إذا أذن لها أن تخرج بدون محرم، أذن لها أن تخرج بدون محرم، ثم باشرت السفر، وتكلفت لتحصيل ما تحج به، وخسرت على ذلك بحيث لو منعها تضررت، هل نقول: إن عليه تبعة إذنه الأول، فيلزمه أن يخرج معها؟ يعني كونه لا يلزمه ابتداءً ولا غرها بشيء، ولا ألزمها بغير لازم، يعني يختلف عن كونه ألزمها بغير لازم، فالتزمت وخرجت، وفوق ذلك لو أمرها أن تحج فلا بد أن تحج هذه السنة، فما فيه شك أنه إذا ترتب على رجوعها ضرر لنفسها ومالها وقد أذن لها في ذلك أن عليه تبعة، قلت أو كثرت.

طالب:...

محتمل على كل حال، والمسألة مفترضة فيمن باشرت الحج، أحرمت به.

"وعنه أي ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم- سمع رجلاً يقول: لبيك عن شُبْرمة. بضم الشين المعجمة فموحدة ساكنة، قال: «من شُبرُمَةُ؟» قال: أخ لي أو قريب لي- شك من الراوي- فقال: «حججتَ عنْ نفسك؟» قال: لا: قال: «حُجَّ عنْ نفْسكَ، ثمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمَة»، رواه أبو داود وابن ماجه وصححه ابن حبان، والراجح عند أحمد وقفه. وقال البيهقي: إسناده صحيح، وليس في هذا الباب أصح منه. وقال أحمد بن حنبل: رفعه خطأ. وقال ابن المنذر: لا يثبت رفعه، وقال الدارقطني: المرسل أصح".

هذا كله عمدة الجمهور في أنه لا يصح حج النائب الذي لم يحج عن نفسه، وإن قال الحنفية بصحة ذلك، يحج عن غيره؛ لأنه غير مطالب بالحج، فقير مثلاً، فقير لا يستطيع، لا يجد زادًا ولا راحلة فأعطاه شخص زادًا وراحلة وقال: حج عني، هذا ممن لا يلزمه الحج ابتداءً، لكن عند الجمهور لا يصحّ حجه عن غيره حتى يحج عن نفسه؛ استنادًا إلى هذا الحديث، استنادًا إلى هذا الحديث.

طالب:...

ما قيل فيه؟

طالب:...

من؟

طالب:...

ولا، المسألة مفترضة في فقير لا من غني، يحج وهو لا يلزمه حتى الحنفية لا يقولون بهذا.

طالب:...

المسألة مفترضة في شخص لا يلزمه الحج؛ لفقره، غير مستطيع، استطاع بغيره، يعني أعطاه شخص آخر ما يستطيع به أن يحج، لكن قال: تحج عني أو عن والدي، ولا تحج عن نفسك، فالجمهور على أنه لا يصح أن ينوب عن أحد حتى يحج عن نفسه.

"قال المصنف: هو كما قال، لكنه يقوي المرفوع؛ لأنه من غير رجاله".

متى يعلّ المرفوع بالموقوف والموصول بالمرسل؟ ومتى لا يعلّ بل يكون شاهدًا له يقويه؟ ما ذكرنا فيما يرتضي به المرسل عند الإمام الشافعي أن يعتضد بخبر آخر موصول مسند، أو مرسل يرويه غير راوي المرسل الأول، فإذا كان من طريق آخر يعتضد، إذا كان من طريق آخر يعتضد به، لكن إذا كان من نفس الطريق فلا يعتضد به.

"وقال ابن تيمية: إن أحمد حكم في رواية ابنه صالح عنه أنه مرفوع، فيكون قد اطلع على ثقة من رفعه، قال: وقد رفعه جماعة. على أنه وإن كان موقوفًا فليس لابن عباس فيه مخالف. والحديث دليل على أنه لا يصح أن يحج عن غيره من لم يحج، وإذا أحرم عن غيره فإنه ينعقد إحرامه عن نفسه؛ لأنه -صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم- أمره أن يجعله عن نفسه بعد أن لبّى عن شبرمة، فدل على أنها لم تنعقد النيةَ".

النيةُ.

"لم تنعقد النيةُ عن غيره، وإلا لأوجب عليه المضي فيه. وأن الإحرام ينعقد مع الصحة والفساد".

ينعقد، وأن النية في الحج شأنها أقل من شأن النية في غيره من العبادات، بدليل أنه يحرم بنُسك وينصرف إلى غيره، ينوي شيئًا وينصرف إلى غيره، كما هنا، لبى عن غيره فجُعل عنه، ويقلب النية ما لم يباشر أسباب التحلل، وتنقلب نية النفل إلى فرض، لو بلغ الصبي أو عتُق العبد بعرفة مثلاً، الصبي حجه نفل، العبد حجه نفل، لكن لو بلغ بعرفة انقلبت نيته وأجزأته عن حجة الإسلام، يصح الإحرام المطلق بما أحرم به فلان، من غير أن يحدد أو يعين، ثم بعد ذلك يحدد في حديث علي وأبي موسى، المقصود أن النية في الحج أمرها أخف.

طالب:...

لا، ما يلزم أبدًا، في الوقت الممكن ما يلزم، لكن لو باشر التحلل، طاف للعمرة، ثم أراد أن يقلب ما يمكن نعم.

طالب:...

من الذي من هجر؟

طالب:...

هل حججت عن نفسِك؟ لكن المفسر يقضي على المجمل، ما دام ما سألها أو كان عرف من حالها أنها حجت.

"وينعقد مطلقًا مجهولاً معلقًا، فجاز أن يقع عن غيره، ويكون عن نفسه".

نعم المسألة كما في حديث الباب.

"وهذا؛ لأن إحرامه عن الغير باطل لأجل النهي، والنهي يقتضي الفساد، وبطلان صفة الإحرام لا يوجب بطلان أصله".

لكن من أحرم لصلاة العصر كبّر نوى صلاة العصر، وعليه صلاة ظهر، نقول: ينصرف إلى صلاة الظهر باعتبار أنها في ذمته؟ لا.

"وهذا قول أكثر الأمة أنه لا يصح أن يحج عن غيره من لم يحج عن نفسه مطلقًا مستطيعًا كان أو لا؛ لأن ترك الاستفصال والتفريق في حكاية الأحوال دال على العموم".

العبارة معروفة منقولة عن الشافعي: ترك الاستفصال في مجال الاحتمال تنزل منزلة العموم في المقال.

"ولأن الحج واجب في أول سنة من سني الإمكان، فإذا أمكنه فعله عن نفسه لم يجز أن يفعله عن غيره؛ لأن الأوّل فرض، والثاني نفل، كمن عليه دين وهو مطالب به، ومعه دراهم بقدره، لم يكن له أن يصرفها إلا إلى دينه".

لكن مع الفارق، يعني لو سدد دين غيره ما يسقط، لو سدد عن غيره مع أنه مدين أجزأ عن غيره، نعم.

"وكذلك كل ما احتاج أن يصرفه إلى واجب عنه فلا يصرفه إلى غيره، إلا أن هذا إنما يتم في المستطيع، ولذا قيل: إنما يؤمر أن يبدأ بالحج عن نفسه إذا كان واجبًا عليه، وغير المستطيع لم يجب عليه، فجاز أن يحج عن غيره، ولكن العمل بظاهر عموم الحديث أولى".

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

عرفنا أنه مذهب جمهور العلماء، نعم.

طالب:...

باعتبار أن هذه الحجة محددة؟

طالب:...

خمس أو عشر مثلاً، لا، الواجب الواجب مقدّم، يفرغ من الواجب.

طالب:...

لا لا، الواجب ما أوجبه على نفسه يلزمه، يلزمه ولو مات يحج عنه.

طالب:...

حجه انتهى، هل تقع عن نفسه أو تقع عن غيره؟، أو لا عن نفسه ولا عن الغير؟ تقع المسألة، أخذ دراهم وحج ولما رجع إلى البلد سمع من يقول له: إنك لا حججت عن نفسك ولا عن صاحبك، فيلزمك أن ترد الدراهم على صاحبك.

طالب:...

 أسقط حجة الإسلام؟

طالب:...

البراءة من العهد يلزم فيها النيات؟ ما يلزم فيها النيات على الصحيح، لكن هذا عبادة تشترط له النيات، لكن ...

طالب:...

عن صاحبه، والله يكون له وجه حينئذٍ؛ لأنه فرق بين أن يفعل الشيء وينتهي، وبين أن يسأل قبل، يعني لو قُدِّر أن شخصًا رمى الجمرة ولبس ثيابه، هناك من يقول: إن التحلل يقع بفعل الواحد، ما يلزم اثنان، فلا يقال له: عليك كذا، وعليك كذا، ما تحللت تحللًا يبيح لك لبس الثياب استئناسًا بالرأي الآخر، لا سيما وله وجه، والقول الثاني وإن كان هو المرجح عند أكثر العلماء، لكن عند من يسأل قبل أن يقع ما فيه شك أن هذا من أدب الفتوى، أن يلجأ إلى القول المرجوح إذا كان له حظ من النظر، إذا كان له حظ من النظر عند الحاجة إليه.

طالب:...

وعذره مستمر أو ما يدرى؟

طالب:...

لا يستطيع أن يحج؛ لعدم وجود المال، لا ما يجزي، ما يجزي، إلا لو كان ما يستطيع لكبر أو شيء ميئوس منه، هذا ليس بميئوس منه.

"وعنه أي ابن عباس -رضي الله عنهما- قال".

كل هذا الباب عن ابن عباس؟

الغالب عن ابن عباس ما شاء الله.

"خطبنا رسول -صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم- فقال: «إن الله كتب عليكم الحج»، فقام الأقرع بن حابس فقال: أفي كل عام يا رسول الله؟ قال: «لو قُلتها لوجبت، الحج مرَّة، فما زاد فَهُوَ تطوع»، رواه الخمسة غير الترمذي، وأصله في مسلم من حديث أبي هريرة".

لو قلتها لوجبت، يعني هل للرسول -عليه الصلاة والسلام- أثر في التشريع؟

طالب:...

كيف؟

طالب:...

يعني بإقرار الله -سبحانه وتعالى-، أو أن الله -سبحانه وتعالى- فوض له مثل هذا الأمر.

"وفي رواية زيادة بعد قوله: لوجبت «ولو وجبت لم تقوموا بها، ولو لم تقوموا بها لعذبتم»".

قطعًا لن يقوموا بها، افترض أن الأمة كلها يلزمها الحج كل سنة، من نعم الله -سبحانه وتعالى- أن الحج مرة واحدة، مرة واحدة في العمر ويتأذى كثير من الناس ويتعلل.

طالب:...

نعم؟

طالب:...

يحصل ما يحصل من الضرر.

طالب:...

كيف؟

طالب:...

هذا أبو عبد الله من الجوازات، تسمحون له؟

طالب:...

لا، المشايخ يقولون بأنه قد يأثم لا سيما إذا تحايل أو ترتب عليه كذب وما أشبه ذلك.

"والحديث دليل على أنه لا يجب الحج إلا مرة واحدة في العمر على كل مكلف مستطيع. وقد أخذ من قوله -صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم-: «لو قلت نعم لو جبت». أنه يجوز أن يفوّض الله إلى الرسول -صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم-" شرح الأحكام أم شرع؟

شرع شرع. نعم.

"شرع الأحكام ومحل المسألة الأصول".

وجودًا وعدمًا، مثل هذا أو مثل «إلا الإذخر» نعم، فقال له: «إلا الإذخر»؟ من هذا الباب نعم.

"وفيها خلاف بين العلماء قد أشار إليه الشارح- رحمه الله-".

من الشارح؟

طالب:...

نعم؟

طالب:...

صاحب إيش؟

طالب:...

من الشارح؟

هو الأصل أم فرع فتح العلام؟

طالب:...

حفيد هذا، فتح العلام، بدر التمام، القاضي الحسين بن محمد المغربي نعم.

"باب المواقيت

المواقيت: جمع ميقات، والميقات: ما حدّ ووقّت للعبادة، من زمان ومكان، والتوقيت: التحديد".

فالحج له مواقيت زمانية ومكانية، مواقيت الحج الزمانية أشهر الحج، مواقيته المكانية ما يذكر في هذا الباب.

"ولهذا يذكر في هذا الباب ما حدَّه الشارع للإحرام من الأماكن".

والخلاف بين العلماء في المواقيت الزمانية في الشهر الثالث هل هو كامل أو عشرة أيام منه، على خلاف بينهم، والجمهور على أنه شهران وبعض الثالث، ومالك يرى أنه ثلاثة كاملة.

"عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم- وقَّت لأهل المدينة ذا الحُلَيْفَة بضم الحاء المهملة، وبعد اللام مثناة تحتية وفاء: تصغير حلفة، والحلفة: وواحدة الحلفاء".

نعم، واحدة الحلفاء. حلفا حليفة مثل إيش؟

طالب:...

وزنها إيش؟

طالب:...

جَلسة جُليسة نعم.

"نبت في الماء. وهي مكان معروف بينه وبين مكة عشر مراحل، وهي من المدينة على فرسخ، وبها المسجد الذي أحرم منه -صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم-، والبئر تسمى الآن "بئر علي"، وهي أبعد المواقيت إلى مكة".

لكنها معروفة بإيش؟

طالب:...

أبيار ما هو ببئر، أبيار فكأنه أُحدث للحاجة أكثر من بئر، فحملت الاسم أيضًا.

"ولأهل الشام الجُحْفَة- بضم الجيم وسكون الحاء المهملة ففاء، سميت بذلك؛ لأن السيل اجتحف أهلها إلى الجبل الذي هنالك، وهي من مكة على ثلاث مراحل، وتسمى "مهيعة"، كانت قرية قديمة، وهي الآن خراب، ولذا يحرمون الآن من رابغ قبلها؛ لوجود الماء بها للاغتسال".

النبي -عليه الصلاة والسلام- دعا أن تنقل الحمى، حمى المدينة إلى الجحفة، ولعل مثل هذا هو السبب في خرابها، من جاءها مرض، فانتقل الناس عنها وتركوها، خربت، الناس يحرمون من رابغ؛ لأنها محاذية بعد منها بيسير.

"ولأهل نجد قَرْن المنازل- بفتح القاف وسكون الراء، ويقال له: "قرن الثعالب"، بينه وبين مكة مرحلتان".

وأخطأ فيه الجوهري في تحديده وضبطه، وزعمه أن أويسًا القرني منسوب إليه، في ثلاثة مواضع أخطأ. في تحديده، وضبطه، ونسبة أويس القرني إليه.

طالب:...

في حجته -عليه الصلاة والسلام- لما أحرم منها؟

طالب:...

يعني تقصد الجحفة؟

طالب:...

نعم، ما هو بعيد، ما هو بداعٍ على مسلمين، أقول: ما هو بداعٍ على مسلمين.

طالب:...

نعم.

طالب:...

الآن الجحفة عامرة؟

طالب:...

لا، هم يحرمون من رابغ، الآن ما لها ذكر أبدًا، وإذا رجع فهي الأصل، تبقى أنها هي الأصل يحرمون منها.

"ولأهل اليمن يلملم، بينه وبين مكة مرحلتان. (هنّ) أي المواقيت (لهنّ) أي البلدان المذكورة والمراد لأهلها، ووقع في بعض الروايات: «هنّ لهم»، وفي رواية للبخاري: «هنّ لأهلهنّ»، «ولمن أتى عليهنّ من غيرهنّ ممن أراد الحج والعمرة ولمن كان دون ذلك» المذكور من المواقيت فمن حيث أنشأ، حتى أهل مكة يحرمون من مكة، بحج أو عمرة. متفق عليه".

بحج أو عمرة، حتى أهل مكة يحرمون من مكة بحج أو عمرة، هذا اختيار الشارح، ويأتي ذكره عنده أيضًا، والجمهور على أن المكي يحرم بالحج من مكة، وللعمرة من الحل؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمر عبد الرحمن بن أبي بكر أن يعمر عاشة من التنعيم مع حاجته إلى الوقت، ينتظرونها، فلو جاز الإحرام من الحرم ما أخرجه وجعل الناس ينتظرونها، وحبسهم من أجلها -عليه الصلاة والسلام-.

"فهذه  المواقيت التي عينها -صلى الله عليه وسلم- لمن ذكره من أهل الآفاق، وهي أيضاً مواقيت لمن أتى عليها، وإن لم يكن من أهل تلك الآفاق المعينة، فإنه يلزمه الإحرام منها إذا أتى عليها قاصدًا لإتيان مكة لأحد النُّسكين".

لمن أراد الحج والعمرة، لكن من قصد مكة من غير حج ولا عمرة لا يلزمه، وإن كان المعروف عند الحنابلة وهو قول عند الشافعي أنه يلزمه، يلزمه أن يحرم ولو لم يقصد الحج والعمرة، ما لم يكن حاجته تتكرر للمشقة.

"فيدخل في ذلك ما إذا ورد الشامي مثلاً إلى ذي الحليفة فإنه يجب عليه الإحرام منها".

لمن مرّ عليها، فيلزمه الإحرام من ذي الحليفة.

"ولا يتركه حتى يصل الجحفة، فإن أخر أساء ولزمه دم هذا عند الجمهور".

عند مالك لا يلزمه دم، أحرم من الميقات الذي حُدِّد له شرعًا، لكن مقتضى قوله: «ولمن مر عليهن من غير أهلهن» أنه يلزمه أن يحرم منه.

"وقالت المالكية: إنه يجوز له التأخير إلى ميقاته، وإن كان الأفضل له خلافه، قالوا: والحديث محتمل، فإن قوله: «هنّ لهنّ» ظاهره العموم لمن كان من أهل تلك الأقطار، سواء ورد على ميقاته أو ورد على ميقات آخر فإن له العدول إلى ميقاته، كما لو ورد الشامي على ذي الحليفة فإنه لا يلزمه الإحرام منها، بل يحرم من الجحفة. وعموم قوله: «ولمن أتى عليهنّ من غيرهنّ» يدل على أنه يتعين على الشامي في مثالنا: أن يحرم من ذي الحليفة؛ لأنه من غير أهلهنّ.

قال ابن دقيق العيد: قوله: "ولأهل الشام الجحفة" يشمل من مرّ من أهل الشام بذي الحليفة ومن لم يمرّ، وقوله: «ولمن أتى عليهن من غير أهلهنّ» يشمل الشامي إذا مر بذي الحليفة وغيره، فههنا عمومان قد تعارضا، انتهى ملخصًا.

قال المصنف: ويحصل الانفكاك بأن قوله: «هنّ لهنّ»، مفسر لقوله مثلاً: "وقَّت لأهل المدينة ذا الحليفة"، وأن المراد بأهل المدينة ساكنوها، ومن سلك طريق ميقاتهم فمرّ على ميقاتهم، انتهى".

لكن المسألة السابقة لو جاء شامي فأحرم من الجحفة وهو مار من المدينة، أو نجدي مثلاً مر بالمدينة وقال: بدل ما أحرم من أربعمائة كيلو أروح للسيل وأحرم سبعين أو ثمانين كيلو أسهل علي، يحتاج لمثل هذا في أوقات البرد مثلاً، هل نقول: إنه أحرم من الميقات الذي وَقِّت له النبي- عليه الصلاة والسلام- فلا شيء عليه، أو نقول إنه تجاوز الميقات دون إحرام؟ أو مر من ذي الحليفة ووصل مكة جاهلًا، فقيل له: لا بد أن تحرم من الميقات، أين يروح القرن أم يروح الجحفة أم ذا الحليفة؟

طالب:...

ويرجع؟ نقول له: ترجع ولا تذبح؟ قال: لا، أرجع، أين يرجع؟

طالب:...

كيف؟ إلى أقرب المواقيت؟

طالب:...

خلِّ هذه، هذه مكية، هذه في حكم المكي.

طالب:...

لا، هو جاءٍ يعتمر.

طالب:...

كيف؟

طالب:...

هل نقول: إن الرسول -عليه الصلاة والسلام- هو نجدي ووقَّت له قرن المنازل، أو نقول: الرسول -عليه الصلاة والسلام- قال: «هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن»، وهو قد أتى على ذي الحليفة، يرجع إلى ذي الحليفة؟

طالب:...

أتى، هو جاء من القصيم مر على ذي الحليفة، ووصل مكة ما أحرم، قلنا له: تجاوزت الميقات، قال: والله ما أدري، قال: يلزمك دم، قال: لن أذبح، سأرجع للميقات، فأين يرجع؟

على كلامه: ولمن أتى عليهن من غير أهلهن يلزمه الرجوع لما أتى عليه وهو ميقاته الحقيقي، هذا الأصل، لكن باعتبار أن الثاني أيضًا ثبت بنص، وهو ميقات معتبر شرعًا، وهو ميقاته الأصلي، لا أفتي بذلك، صار هناك مندوحة.

طالب:...

أنت نعم.

طالب:...

ما يبطل، هذا إن تجاوز الميقات، لكن لبس المخيط أيضًا، له إن استمر، يلزمه ثانيًا، للحاجة، أما إذا كان لغير حاجة فالدم مع التحريم، مع الإثم.

طالب:...

نقول: ارجع إلى رابغ قليلاً وأحرم.

طالب:...

معروف أنه مدني ميقاته ذو الحليفة، لو قال له: رابغ أقرب لك، ما له وجه هذا، هذا ما له وجه، لا أصل ولا فرع ولا عند مالك.

طالب:...

نعم؟

طالب:...

يأثم، يأثم، يأثم ويلزمه دم نعم، وهذا قول وسط في المسألة، وإلا فالحسن يقول: لا شيء عليه، وسعيد بن جبير يقول: لا حج له.

طالب:...

يجب عليه أن يعود، وإلا يلزمه دم، لكن لا يحرم قبل أن يعود، لا يحرم دون الميقات ثم يرجع إلى الميقات، إذا أحرم دون الميقات لزمه الدم رجع أو ما رجع.

طالب:...

والله إن اختار الفداء فهو بدل، والبدل له حكم المبدل.

طالب:...

هو المشكل أنه الآن لهم طرق ووسائل يتوصلون بها، فهذه مشكلة بعد، وإلا فهو إذا رجع إلى البدل فعليه التوبة والاستغفار.

طالب:...

إذا رجع وأحرم من الميقات وليس أحرم قبل، يحرم من الميقات ما عليه شيء.

طالب:...

يعني مثل ما نظرنا بذي الحليفة وقال: أحرم من السيل، المسألة وقعت وانتهت شيء، لكن شخص استفتى يرجع للميقات الذي مر عليه.

طالب:...

أين؟ يأثم ويذبح، يأثم ويذبح.

طالب:...

يأثم ويذبح إلا إذا أراد أن يرجع.

طالب:...

لكن، هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن، هن لهن.

طالب:...

لا، هو كونه مخرج لمن وقع هذا شيء، وكونه ابتداءً لا، الأصل أن الرسول حدَّد هذه المواقيت لتلك الجهات، ولمن أتى عليهن من غير أهلهن، حكمها حكمهم، لكن لو مسألة من أتى أسهل من كونه من أهلها؛ لأن الثاني له بدل، هذا ما له بدل، مدني حينما يمر بذي الحليفة يقول: أنا لن أحرم إلا من رابغ، ما لك بدل أنت.

طالب:...

أما الثاني فله شبهة.

طالب:...

لا، هذا ما هو بصواب، كلام الناس في هذا لا.

"قلت: وإن صحّ ما قد روي من حديث عروة "أنه -صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم- وقَّت لأهل المدينة ومن مر بهم ذا الحليفة" تبين أن الجحفة إنما هي ميقات للشامي إذا لم يأت المدينة؛ ولأن هذه المواقيت محيطة بالبيت كإحاطة جوانب الحرم، فكل من مرّ بجانب من جوانبه لزمه تعظيم حرمته، وإن كان بعض جوانبه أبعد من بعض، ودل قوله: «ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ» على أن من كان بين الميقات ومكة فميقاته حيث أنشأ الإحرام، إما من أهله ووطنه، أو من غيره.

وقوله: «حتى أهل مكة من مكة» دل على أن أهل مكة يحرمون من مكة، وأنها ميقاتهم، سواء كان من أهلها أو من المجاورين أو الواردين إليها، أحرم بحج أو عمرة".

بحج أو عمرة، يحرمون من مكة على كلام الشارح نعم.

طالب:...

ما نوى حجًّا ولا عمرة، ما نوى حجًّا ولا عمرة، أو أحرم بعمرة، وأراد الحج متمتعًا هذا وارد.

طالب:...

 من أين يحرم؟

طالب:...

يحرم من مكة، لكن كيف؟ هو يحرم من مكة بالنسبة للحج؛ لأنه سوف يجمع بين الحل والحرم كما قالوا، وأما بالنسبة للمعتمر فلا بد أن يخرج إلى أدنى الحل من أي جهة من جهات الحِلّ، وإن كان مالك يعين التنعيم لعمرة المكي، يقول: هو ميقاته، ميقاته التنعيم.

طالب:...

وصل جدة ما عنده نية أن يعتمر.

طالب:...

 يعني على حد سواء؟

طالب:...

ما يلزمه، يحرم من جدة، لكن إذا غلب على ظنه أنه يعتمر فلا، من الميقات.

"وفي قوله: «ممن أراد الحج والعمرة» ما يدل أنه لا يلزم الإحرام إلا من أراد دخول مكة لأحد النُّسكين، فلو لم يرد ذلك جاز له دخولها من غير إحرام، وقد دخل ابن عمر بغير إحرام، ولأنه قد ثبت بالاتفاق أن الحج، والعمرة عند من أوجبها إنما تجب مرة واحدة، فلو أوجبنا على كل من دخلها أن يحج أو يعتمر لوجب أكثر من مرة، ومن قال: إنه لا يجوز مجاوزة الميقات إلا بالإحرام إلا لمن استثني من أهل الحاجات كالحطابين، فإن له في ذلك آثارًا عن السلف".

هو المعروف عند الحنابلة، وهو قول عند الشافعية، لكن النصّ كالصريح «ممن أراد الحج والعمرة» ممن أراد، فالذي لا يريد لا يلزمه أن يحرم.

طالب:...

نعم، هذا ما أحرم، ما أحرم.

طالب:...

الضرورة غير، أقول الضرورة غير، هذه ضرورة، يستطيع أن يحرم من ميقاته.

طالب:...

ماذا فيه؟ في العمرة يحرم من الحِل حتى أهل مكة.

طالب:...

والله هو الأصل أن حكمهم سواء، هم والوارد سواء ممن أنشأ من مكة، والرسول -عليه الصلاة والسلام- حبس الناس ينتظر عائشة تحرم من التنعيم وتأتي عمرتها، فدل على أن له شأنًا.

"ولا تقوم بها حجة. فمن دخل مريدًا مكة لا ينوي نسكًا من حج ولا عمرة، وجاوز ميقاته بغير إحرام، فإن بدا له إرادة أحد النسكين أحرم من حيث أراد، ولا يلزمه أن يعود إلى ميقاته".

هذا كلامه، وهذا اختياره.

طالب:...

لا، أحيانًا يروح شهرين جدة، وهو ناوٍ أن يعتمر ويروح شهرين.

طالب:...

ميقاته أو الميقات الذي مر عليه، على ما تقدم، على ما تقدم، ما مر عليه في الطائرة، نعم، ذو الحليفة طريق الطيران من نجد من ذي الحليفة.

طالب:...

هو الظاهر أنه أقرب المواقيت.

طالب:...

أقرب المواقيت، تأخد وقتًا طويلًا وأنت محرم، وأنت برابغ، أو شبهه.

طالب:...

عندك.

طالب:...

على ما قُرِّر هنا نعم؛ لأنه مر عليه مر عليه وتجاوزه، لكن الثاني فيه رفق وله وجه أيضًا، نعم أرفق بالناس وله وجه، هذا الميقات الذي حدد لهم شرعًا.

طالب:...

إما أن يبادر بالعمرة ويتفرغ لعمله، أو يحرم ويرجع إلى الميقات.

طالب:...

ما يخالف، لكنه في سفره تجاوز الميقات والنية موجودة.

طالب:...

على كلٍ، على كلٍ المسألة إذا كان قاصدًا لتلك الجهات ومبيت النية، نية النسك من بلده، يلزمه الإحرام.

"واعلم أن قوله: «حتى أهل مكة من مكة» يدل أن ميقات عمرة أهل مكة كحجهم، وكذلك القارن منهم، ميقاته مكة، ولكن قال المحب الطبري: إنه لا يعلم أحداً جعل مكة ميقاتًا للعمرة، وجوابه أنه- صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم- جعلها ميقاتًا لها بهذا الحديث".

المحب الطبري ما كتابه؟

طالب:...

نعم؟

طالب:...

القرى لقاصد أم القرى.

"وأما ما روي عن ابن عباس أنه قال: "يا أهل مكة من أراد منكم العمرة فليجعل بينه وبينهاٍ بطن محسِّر"، وقال أيضًا: "من أراد من أهل مكة أن يعتمر خرج إلى التنعيم، ويجاوز الحرم" فآثار موقوفة، لا تقاوم المرفوع، وأما ما ثبت من أمره -صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم- لعائشة بالخروج إلى التنعيم لتحرم بعمرة فلم يرد إلا تطييب قلبها بدخولها إلى مكة معتمرة كصواحباتها؛ لأنها أحرمت بالعمرة معه ثم حاضت فدخلت مكة ولم تطف بالبيت كما طفن، كما يدل له قولها: قلت: يا رسول الله، يصدر الناس بنُسكين، وأصدر بنسك واحد! قال: «انتظري فاخرجي إلى التنعيم فأهلي منه». الحديث، فإنه محتمل أنها إنما أرادت أن تشابه الداخلين من الحِل إلى مكة بالعمرة، ولا يدل أنها لا تصحّ العمرة إلا من الحِل لمن صار في مكة، ومع الاحتمال لا يقاوم حديث الكتاب، وقد قال طاوس: لا أدري الذي يعتمرون من التنعيم يؤجرون أو يعذبون، قيل له: فلم يعذبون؟ قال: لأنه يدع البيت والطواف ويخرج إلى أربعة أميال ويجيء أربعة أميال قد طاف مائتي طواف".

ما هو من أجل خروجهم إلى التنعيم، وإنما من أجل عدولهم وخروجهم وتكرر العمرة منهم يخرجون باستمرار إلى الحِل يعتمرون ويتركون الطواف الذي هو مقصود العمرة.

"وكلما طاف كان أعظم أجرًا من أن يمشي في غير ممشى، إلا أن كلامه في تفضيل الطواف على العمرة. قال أحمد: العمرة بمكة من الناس من يختارها على الطواف، ومنهم من يختار المقام بمكة والطواف، وعند أصحاب أحمد أن المكي إذا أحرم للعمرة من مكة كانت عمرة صحيحة، قالوا: ويلزمه دم لما ترك من الإحرام من الميقات. قلت: ويأتيك أن إلزامه الدم لا دليل عليه".

نعم إلزام الدم شيء، لكن إلزامه بالخروج قبل أن يقع يلزم، مثل ما حصل لعائشة، لكن لو وقع قال: أنا مكي، أحرمت من بيتي والرسول يقول: «حتى أهل مكة من مكة» فالأمر محتمل، فيه سعة.

"وعن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم- وقَّت لأهل العراق ذات عِرْق بكسر العين المهملة وسكون الراء بعدها قاف، بينه وبين مكة مرحلتان، وسمي بذلك: لأن فيه عِرقاً، وهو الجبل الصغير. رواه أبو داود والنسائي، وأصله عند مسلم من حديث جابر إلا أن راويه شك في رفعه؛ لأن في صحيح مسلم عن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله سئل عن المهِل".

المهَل. عند البخاري أن الذي وقَّت لأهل العراق ذات عرق عمر -رضي الله عنه-، وجاء في السنن أن النبي -عليه الصلاة والسلام- هو الذي وقَّت، ويمكن الجمع بينهما أن عمر ما عرف ولا بلغه أن النبي -عليه الصلاة والسلام- وقَّت لهم فوقَّت لهم ذات عرق، فوافق، وموافقات عمر معروفة في أكثر من عشرين موضعًا.

"فقال: سمعت -أحسبه رفع إلى النبي -صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم- فلم يجزم برفعه، وفي البخاري أن عمر هو الذي وقَّت ذات عرق، وذلك أنها لمّا فتحت البصرة والكوفة أي أرضهما، وإلا فإن الذي مصّرهما المسلمون طلبوا من عمر أن يعين لهم ميقاتًا، فعيّن له ذات عرق، وأجمع عليه المسلمون".

لأن المواقيت كلها جور عن طريقهم، جور عن طريقهم فيحاذيها ذات عرق.

"قال ابن تيمية في المنتقى: والنص بتوقيت ذات عرق ليس في القوة كغيره، فإن ثبت فليس ببدع".

لا سيما وأن عمر -رضي الله عنه- هو الذي وقَّت، وأُمرنا بالاقتداء به، والاستنان بسُنَّته الخليفة الراشد، «اقتدوا باللذين من بعدي» هذا لو قدِّر أنه لم يثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- وقَّت لهم.

"فإن ثبت فليس ببدع، وقوع اجتهاد عمر على وفقه، فإنه كان موفقًا للصواب".

للصواب.

"كأن عمر لم يبلغه الحديث، فاجتهد بما وافق النص، هذا وقد انعقد الإجماع على ذلك، وقد روى رفعه بلا شك من حديث ابن الزبير عن جابر عند ابن ماجه".

نعم. الجادة.

"ورواه أحمد مرفوعًا عن جابر بن عبد الله؛ وعن ابن عمر وفي إسناده الحجاج بن أرطاة".

وهو ضعيف، نعم.

طالب:...

 كيف؟

طالب:...

نعم.

طالب: ابن عمرو.

"ورواه أحمد مرفوعًا عن جابر بن عبد الله؛ وعن ابن عمرو وفي إسناده الحجاج بن أرطاة".

أيضًا حديث جابر فيه عنعنة ابن الزبير، وهو مدلس.

طالب:...

أيضًا ضعيف نعم.

طالب:...

ماذا.

طالب:...

"ورواه أبو داود والنسائي والدارقطني وغيرهم من حديث عائشة: "أنه -صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم- وقَّت لأهل العراق ذات عرق". بإسناد جيد، ورواه عبد الله بن أحمد أيضًا عنها، وقد ثبت مرسلاً عن مكحول، وعطاء، قال ابن تيمية: وهذه الأحاديث المرفوعة الجياد الحسان يجب العمل بمثلها مع تعددها ومجيئها مسندة ومرسلة من وجوه شتى، وأما عند أَحمد وأَبي داودَ والتِّرمذي عن ابن عبّاس: "أَنَّ النّبيَّ -صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم- وقَّت لأهل المشرقِ العقيق" فإنه وإن قال فيه الترمذي: إنه حسن، فإن مداره على يزيد بن أبي زياد وقد تُكُلِّم فيه، تكلم فيه غير واحد من الأئمة".

يزيد بن أبي زياد متكلَّم فيه، لكن الكلام ليس بشديد الكلام ليس بشديد، من الطبقة الثانية الذين خرج لهم مسلم، ماذا يقول مسلم -رحمه الله- في مقدمة الصحيح؟ أحد يحفظ أم لا؟

في كلام الحافظ العراقي -رحمه الله-: وللإمام اليعمري إنما قول أبي داود يحكي مسلمًا، بحيث يقول: جملة الصحيح لا توجد عند مالك والنبلاء، فاحتاج أن ينزل في الإسناد إلى يزيد بن أبي زياد هذا.

جملة الصحيح الأحاديث الصحيحة ما هي كلها عند مالك وما في طبقته، في رتبته في القوة، يحتاج أن ينزل إلى الطبقة الثانية الذين منهم يزيد بن أبي زياد.

"قال ابن عبد البر: أجمع أهل العلم على أن إحرام العراق من ذات عرق إحرام من الميقات، هذا والعقيق يعدّ من ذات عرق وقد قيل: إن كان لحديث ابن عباس هذا أصلٌ فيكون منسوخًا؛ لأن توقيت ذات عرق كان في حجة الوداع، حين أكمل الله دينه، كما يدل له ما أخرجه الحارث بن عمرو السهمي قال: أتيت النبي -صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم- وهو بمنى أو عرفات وقد أطاف به الناس قال: فتجيء".

الأعرابُ.

"قال: فتجيء الأعراب فإذا رأوا وجهه قالوا: هذا وجه مبارك قال: ووقَّت ذات عرق لأهل العراق. رواه أبو داود والدارقطني".

نعم دل على أن التوقيت توقيت ذات عرق في حجة الوداع، والحقيقة قبل ذلك فهو منسوخ إن صحّ الخبر.

طالب:...

 وجوه الإحرام؟

طالب:...

 يكفي يكفي بركة.

 اللهم صل على محمد.


الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب وجوه الإحرام وصفته:

 الوجوه جمع وجه، والمراد بها الأنواع التي يتعلق بها الإحرام، وهو الحج أو العمرة أو مجموعهما. وصفته: كيفيته التي يكون فاعلها بها محرمًا".

الآن وجوه الإحرام المراد بها الوجوه، معروف أنها جمع وجه، فكونها وجوهًا يدل على أنها أكثر من وجهين وإلا لقال: باب وجهي الإحرام، لو كان مراده الحج والعمرة لقال: باب وجهي الإحرام؛ لأنهما اثنان، والشارح ماذا يقول؟

طالب:...

المراد بالوجوه؟

طالب:...

كالحج والعمرة، أو المراد به أنواع ما يحرَم به في الحج من وجه وهو الأنساك الثلاثة والعمرة، أو يريد أن يدخل في العمرة العمرة المفردة والعمرة المتمتع بها إلى الحج، فيدخل فيها التمتع، ويريد بالحج الحج المفرد أو المقرون مع العمرة.

طالب:...

 نعم، كذا؟

طالب:...

على سبيل الإجمال حج أو عمرة، لكن التفصيل تمتع، قران، وإفراد، وعمرة، إما أن تكون عمرة مستقلة أو عمرة متمتعًا بها إلى الحج، أو عمرة مع الحج أو الحج بدون عمرة، أربعة وجوه، وقوله: المراد به الحج والعمرة هما وجهان، ويمكن أن يراد هذا ويكون المقصود بالعمرة العمرة المستقلة، المفردة، والعمرة المتمتع بها إلى الحج، والحج المراد به الحج المقرون مع العمرة، والحج المفرد، لكن لو أراد هذا لقال: باب وجهي الإحرام. ما دام يقول: باب وجوه الإحرام فيريد به التفصيل.

طالب:...

نعم، لكن المسألة إما تفصيل أو إجمال، إن كان قصده الحج بأنواعه الثلاثة فهذا وجه واحد، كما يظهر من كلامه، والعمرة، فيكون المراد باب وجهي الإحرام، وأقل الجمع اثنان عند بعضهم، وإن قلنا بأن أقل الجمع ثلاثة فالمراد به التفصيل ليس بالإجمال، أنواع الأنساك الثلاثة: تمتع وإفراد وقران، مع العمرة التي لا يتمتع بها إلى الحج.

"عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: خرجنا أي من المدينة، وكان خروجه -صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم- يوم السبت لخمس بقين من ذي القِعدة".

القَعدة القَعدة.

"لخمس بقين من ذي القَعدة، بعد صلاته الظهر بالمدينة أربعًا، وبعد أن خطبهم خطبة علمهم فيها الإحرام، وواجباته، وسننه، مع رسول الله -صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم- عام حجة الوداع، وكان ذلك سنة عشر من الهجرة، سميت بذلك؛ لأنه -صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم- ودع الناس فيها".

قبيل وفاته -عليه الصلاة والسلام- بثلاثة أشهر.

"ولم يحج بعد هجرته غيرها".

يعني ما حج بعد الهجرة غير هذه الحجة، واختلف في حجه قبل الهجرة، حج مرة أو مرتين.

"فمنا من أهلَّ بعمرة، ومنا من أهلّ بحج وعمرة فكان قارنًا، ومنا من أهلَّ بحج، فكان مفردًا".

هذه وجوه الإحرام، هذه وجوه يعني أنواع الأنساك.

"وأهلّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالحج".

بالحج يعني مفردًا؟ يعني أفرد الحج، ثم لما قيل له: صلِّ، قيل له: قل كذا، أُمر بالقران أو أهلَّ بالحج مفردًا؛ لأن صورة القارن صورة حج، القارن مثل صورة حج المفرد، باعتبار أن العمرة داخلة في أفعال الحج لم تذكَر، ولذا جات الأحاديث في نوع النسك الذي عمله النبي -عليه الصلاة والسلام-، مختلفة فجاءت كما هن حج مفردًا، وجاء أنه حج قارنًا، وقد تضافرت عليه النصوص، وجاء أنه تمتع -عليه الصلاة والسلام-، فمن قال: إنه حج مفردًا نظر إلى الصورة، الحج القارن مثل حج المفرد سواء بسواء، وبعضهم أنه حج مفردًا في أول الأمر، ثم أُمر بالقران بإدخال العمرة على الحج، ومن قال: إنه حج قارنًا كما هو الأصل، وقد لبى بهما جميعًا، وكانت أمنيته أن يقلب إحرامه إلى عمرة، يتحلل منها، ثم يحج من عامه كما أمر بذلك أصحابه، ولم يمنعهم من ذلك إلا سوق الهدي، ومن قال من الرواة: إنه حج متمتعًا فنظر إلى أنه أتى بالنسكين في سفرة واحدة.

"فأما من أهلّ بعمرة فحل عند قدومه مكة بعد إتيانه ببقية أعمال العمرة".

لكن ظاهر كلامها أنهم أحرموا بالعمرة من الميقات، أحرموا بالعمرة من الميقات، والذي تدل عليه نصوص كثيرة أنهم أحرموا كإحرامه -عليه الصلاة والسلام-، إنما جاؤوا ليقتدوا به -عليه الصلاة والسلام- في فعله، ثم لما طافوا وسعوا أمرهم أن يجعلوها عمرة، أمرهم أن يجعلوها عمرة، وقال: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي، ولجعلتها عمرة»، يعني مثلكم نعم. فكأنه نظرت إلى العاقبة، نظرت إلى نهاية أمرهم، وأنهم اعتمروا وحلوا الحِل كله، ثم لبوا بالحج.

"وأما من أهلّ بحج، أو جمع بين الحج والعمرة فلم يحِلّوا حتى كان يوم النحر. متفق عليه. الإهلال: رفع الصوت".

وبهذا يستدل على جواز الأنساك الثلاثة كلها، أنها جائزة فأي نسك فعله المرء جاز له ذلك، والخلاف بين أهل العلم في الراجح، فمالك والشافعي يرون الإفراد، وأحمد يرى التمتع، وأبو حنيفة يرى القران.

"قال العلماء: هو هنا رفع الصوت بالتلبية عند الدخول في الإحرام. ودلّ حديثها على أنه وقع من مجموع الركب الذين صحبوه في حجّه هذه الأنواع، وقد رويت عنها روايات تخالف هذا، وجُمِع بينها بما ذكرناه، وقد اختلفت الروايات في إحرام عائشة بماذا كان".

كيف ذكر وجمع بينهما بما ذكرناه؟

خلاصة ما ذكره. الذي يظهر من مجموع النصوص أنه في بداية الأمر إنما أحرموا كإحرامه -عليه الصلاة والسلام-، أنهم جاؤوا ليقتدوا به، ثم لما طافوا وسعوا أمر من لم يكن معه هدي أن يحلّ ويجعلها عمرة، وهذا ظاهر من النصوص المتضافرة، نعم هم أول ما جاؤوا وصلوا المحرم لم يكونوا يعرفون إلا الحج، ما كانوا يعرفون العمرة في أشهر الحج، لم يكونوا يعرفون العمرة في أشهر الحج.

 وعلى كلٍ النصوص في الحج كثير منها في الصحيح، جاءت متعارضة متضاربة ومع ذلك أهل العلم كلٌ يرجح منهم حسب ما يتبادر إلى فهمه سواء كان في الإحرام نفسه أو في أفعال الحج من أركانه وواجباته وسُنَنه، ولذا تجدون التباين الكبير في أقوالهم ما لا يوجد في أي باب من أبواب العمل الشرعي.

 يعني ما اختلف في مسائل الزكاة، أو في مسائل الصيام، أو في مسائل الصلاة مثل ما اختلف في مسائل الحج، تباينت الأنظار تباينًا واسعًا؛ لأنها حجة واحدة، من بين هذه الجموع الغفيرة يرى الواحد منهم النبي في موطن، ولا يراه في الموطن الآخر، يسمعه في مكان يقول كلامًا، وخفي عليه ما قاله في الموضع الآخر، وهكذا، فكلٌّ يبلغ ما سمعه، ومن مجموع ما نقلوه تتكون حجته -عليه الصلاة والسلام-، وإن كان بعضهم يعتمد على فهمه، ويؤدي الخبر بمعناه، على حسب ما ذهب إليه فهمه، فحصل مثل هذا الاختلاف، ولذا تجدون في بعض الأركان ما قيل بوجوبه، وفي بعض الواجبات ما قيل بأنه لا شيء فيه إطلاقًا، وقيل: بركنيته، مثل المبيت بمزدلفة منهم من يقول: وقع اتفاقًا مثل المحصب، تعبوا من المشي فباتوا في مزدلفة، ولا شيء فيمن جاوزه، مثل المبيت بالمحصب، لا فرق، ومنهم من يقول: إنه ركن، المبيت بمنى قيل بركنيته، وقيل بأنه لا شيء على من تركه، وأكثر العلماء يتوسطون في مثل هذه الأمور فيجعلونها واجبات، لكن الأركان الأركان التي لا يقوم الحج إلا عليها ما اختلفوا فيها، اختلفوا في السعي هل هو ركن أو واجب.

وأما الوقوف والإحرام نفسه والطواف ما اختلفوا فيه، الإحرام من الميقات، ذكرنا لكم أن الحسن وغيره يقول: لا شيء على من تجاوز الميقات، من تجاوز الميقات فلا شيء عليه، وعن سعيد بن جبير من تجاوز...

"