الاحتياط في الأمور المحدَّدة شرعًا ينبغي أن يكون منفصلًا عن القدر الواجب؛ لئلا يُظن أنه لم يقتنع بما شرعه الله -جل وعلا-، وبما فعله النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولئلا يتطرق إليه أن ما فعله أفضل مما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، فإذا أخرج في زكاة الفطر صاعًا وأخرج قدرًا زائدًا على ذلك فلا يخلو إما أن يكون متميِّزًا عن الصاع، أو غير متميِّز -متصلاً به-، وفي كتب الأصول يقولون: الزيادة على القدر الواجب إن كانت متميزة فلا شك أنها سنة، وإن كانت غير متميزة فهي ملحقة بالواجب، فتكون واجبة، يعني: الواجب عليه صاع، فأخرج خمسة كيلو -مثلًا- مع بعضها غير متميزة، فيقولون: غير المتميز له حكم ما أضيف إليه، فهو واجب، وإن كان متميزًا فالقدر الواجب واجب، وما زاد عليه فهو سنة. ويمثلون كما مثَّل ابن قدامة وغيره قالوا: كمن أخرج دينارًا عن عشرين دينارًا، فالعشرون زكاتها نصف دينار، وهذا أخرج دينارًا، فالدينار كله واجب على ما قرروه، ولو أخرج نصف دينار بنية الزكاة عن هذه العشرين، وأخرج نصفًا آخر تطوُّعًا بقي على أصله.
ويبقى أن الاحتياط المشار إليه في السؤال إن صاحبَه الشعور بأن ما فعله أفضل وأكمل مما شرعه الله فالاحتياط في ترك هذا الاحتياط، وشيخ الإسلام -رحمه الله- يقول: إذا أدى الاحتياط إلى ارتكاب محظور أو ترك مأمور فالاحتياط في ترك هذا الاحتياط، ويبقى أن ما شرعه الله -جل وعلا- هو المطلوب، والزيادة عليه من الغلو، والنبي -عليه الصلاة والسلام- لما أراد رمي الجمرة والتُقط له الحصى رفعها في يده وقال: «بأمثال هؤلاء، وإياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين» [النسائي: 3057]، لكن في مثل المسؤول عنه في زكاة الفطر النفع المتعدي ظاهر للفقراء، فإذا سَلِمَتْ من استشعار أن ما فعله أكمل مما فعله النبي -عليه الصلاة والسلام-، فالذي ينبغي أن يُفصل هذا القدر الزائد ويُتصدق به صدقة كسائر الصدقات، فيُفصل حسًّا؛ لئلا يظن أن هذا القدر هو المطلوب شرعًا، والقدر المطلوب شرعًا محدَّد.
ومن باب الاستطراد وتقرير القاعدة التي قررها أهل العلم في الزيادة المتصلة والمنفصلة وأن المتصلة تأخذ حكم الواجب، من فروع هذه القاعدة قالوا: لو دخل المسبوق والإمام راكع ومضى القدر الواجب من الركوع، أي: اطمأن الإمام راكعًا وسبَّح مرة واحدة ثم دخل المسبوق، فالقدر الزائد على ذلك بالنسبة للإمام الأصل فيه أنه سنة، لكن قالوا: مادام أنه غير متميز فحكمه حكم الواجب، وبذلك يصح اقتداؤه به ويُدرك به الركعة حتى عند من يقول: إن المفترِض لا يأتم بالمتنفل، بناء على القاعدة التي ذكرناها آنفًا وهي: أن الزيادة إذا كانت غير متميزة فإنها تأخذ حكم الأصل: واجبة.