ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: «صوموا لرؤيته -يعني الهلال- وأفطروا لرؤيته» [البخاري: 1909]، والسائل المُطالب بتوحُّد الرؤية لدى المسلمين عمومًا جارٍ على قول مَن يقول باتحاد المطالع، وهو قول معروف عند أهل العلم، وأن الخطاب للأمة بمجموعها «صوموا لرؤيته» بحيث لو رُئي الهلال في بلد من بلدان المسلمين لزم الناس كلهم الصوم، فعلى هذا القول يمكن تحقيق هذا الطلب، لكنْ هناك قول ثانٍ، وهو أن المطالع مختلفة من إقليم إلى آخر، ودليل هذا القول قصة كُريب مولى ابن عباس –رضي الله عنهما-، فقد روى أن أم الفضل بنت الحارث، بعثته إلى معاوية بالشام، قال: فقدمتُ الشام، فقضيتُ حاجتها، واستهل علي رمضان وأنا بالشام، فرأيتُ الهلال ليلة الجمعة، ثم قدمتُ المدينة في آخر الشهر، فسألني عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-، ثم ذكر الهلال فقال: متى رأيتم الهلال؟ فقلت: رأيناه ليلة الجمعة، فقال: أنت رأيتَه؟ فقلت: نعم، ورآه الناس، وصاموا وصام معاوية، فقال: "لكنا رأيناه ليلة السبت، فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين، أو نراه، فقلت: أو لا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ فقال: لا، هكذا أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فاستدل به مَن يقول باختلاف المطالع وأن رؤية أهل الشام تختلف عن رؤية أهل المدينة، وهذا قول معتبر عند أهل العلم، ودليله الحديث المتقدم، والخبر صحيح في (صحيح مسلم) [1087]، والقول الأول وهو اتحاد المطالع أيضًا قول معتبر ومعروف عند أهل العلم، وأنه إذا رُئي الهلال في أي بلد قَرُب أو بَعُد لزم المسلمين كلهم الصوم، ودليله عموم الحديث «صوموا لرؤيته» وأن الخطاب للأمة بمجموعها، فإذا ثبت في أي بلد من بلدان المسلمين لزم الصوم، والقول الثاني وهو القول باختلاف المطالع دليله حديث ابن عباس الذي أوردناه، وأنه رد على مولاه بأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمرهم ألا يزالوا يصومون حتى يروه، "هكذا أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"، فيبقى أن كلام ابن عباس في قوله: "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" هل هو بحديث خاص نص في اختلاف المطالع، أو أنه اعتماد على حديث «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته» وفهم ابن عباس ذلك حينما قال: "إننا لا نزال نصوم حتى نراه"؟
وعلى كل حال القول باختلاف المطالع أو باتحادها هذه مسألة معروفة عند أهل العلم والخلاف فيها يسير، ولو حُمل الناس على القول باتحاد المطالع لما حصل خلاف للحديث الذي يُظن أن ابن عباس اعتمده وهو عموم «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته».
وعلى كل حال المسألة اجتهادية ففي كل بلد علماؤه الذين تبرأ بهم الذمة، ويجتهدون ويحصل الخير باجتهادهم، فإذا صام الناس لزم مَن وجد في هذا البلد أن يصوم سواء كان يقول باختلاف المطالع أو باتحادها، فيلزمه الصوم إذا صام الناس وهو في نفس البلد.