الحديث مخرج في (البخاري) [5398]، والمسند [18754]، وسنن أبي داود [3769]، وابن ماجه [3262]، من حديث أبي جُحَيْفَةَ –رضي الله عنه- أن النبي –عليه الصلاة والسلام- قال: «لا آكل مُتَّكِئًا»، واختُلِف في معناه، فقال بعضهم -ما ورد في السؤال-: يُقصد به التربّع، ويَحتمل أن يكون معناه: لا آكل مائلاً الى أحد الشِّقين معتمدًا عليه وحده، فالاحتمال الأول: التربع -وهو الوارد في السؤال-، وهذا ذكره جمع من أهل العلم، ويَحتمل أن يكون الأكل مع المَيل إلى أحد الشقين معتمدًا عليه وحده، أو لا آكل مُسندًا ظهري إلى شيء؛ لأن الاتكاء كما يكون إلى جهة اليمين أو جهة الشمال يكون أيضًا بالاعتماد على شيء خلفه، كل هذا يسمى اتكاءً، هذه الاحتمالات ذكرها أهل العلم في معنى الحديث، ونقل ابن الأثير عن الخطابي أن المتكئ في العربية المستوي قاعدًا على وِطاءٍ مُتمكنًا، وأن العامة لا تعرف المتكئ إلا مَن مَالَ في قعوده معتمدًا على أحد شقيه، نَسبهُ الخطابي للعامة، فهل يُمكن أن يُرجَّح وهو منسوب للعامة؟ لا يمكن، لكن ما نسبه للعامة -الميل إلى أحد الشقين- مشهور عند أئمة اللغة أيضًا، فلا معنى للحصر.
قد يقول قائل: التربع، هل فيه معنى الاتكاء؟ الاتكاء المعروف: الميلُ إلى أحد الشقين على تُكَأَة، أو إسناد الظهر إلى جدار ونحوه، هذا كله اتكاءٌ، وواضح فيه الاتكاء، لكن التربع هل يظهر فيه معنى الاتكاء؟ فيه تمكين البدن من الأرض، وأيضًا الإفساح للبطن؛ ليمتلئ أكثر، فإذا تربّع أكل أكثر مما لو رفع إحدى رِجليه وجعلها مُلصقة إلى بطنه –لا سيما اليمنى- فيقِلّ أكله، ولعله من هذه الحيثية قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: «لا آكل مُتَّكِئًا» إذا صح تفسيره بالتربع.
وعلى كل حال قد يقول قائل: ما حكم الأكل وهو مُتكئ؟ لم يَرد فيه نهي، وإنما نفى النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يأكل متكئًا، فمثل هذا يقال فيه: خلاف الأولى، فلم يَرد فيه نهي يصل إلى حد الكراهة أو المنع كقولهم: «ما أكل النبي -صلى الله عليه وسلم- على خوانٍ، ولا في سُكْرُجَةٍ» [البخاري: 5415]، مع أن الصحابة أكلوا على الخِوان، فالأكل على الخِوان خلاف الأولى، وإن كان لا يصل إلى حد الكراهة.