هذا الحديث موضوع مكذوب على -النبي عليه الصلاة والسلام –يقول ابن الجوزي: (حديث «مَن بلغه عن الله –عز وجل- شيء فيه فضيلة، فأخذ به إيمانًا به ورجاء ثوابه، أعطاه الله ذلك، وإن لم يكن كذلك» هذا حديث لا يصح عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، ولو لم يكن في إسناده سوى أبي جابرٍ البياضي .قال يحيى –يعني: ابن معين-: وهو كذَّاب. وقال النسائي: متروك الحديث. وكان الشافعيُّ -رحمه الله- يقول: من حدَّث عن أبي جابرٍ البياضي، بيَّض الله عينيه) .
وفي (المقاصد الحسنة) للسخاوي (حديث «مَن بلغه عن الله -عز وجل- شيء فيه فضيلة، فأخذ به إيمانًا أو رجاء ثوابه، أعطاه الله ذلك، وإن لم يكن كذلك» رواه أبو الشيخ في (مكارم الأخلاق) من جهة بشر بن عُبيدٍ قال: حدثنا حمادٌ، عن أبي الزبير، عن جابر به مرفوعًا، وبشرٌ متروك) .
وفي (الفوائد المجموعة) للشوكاني يقول: (ما رواه ابن حبان عن أنسٍ مرفوعًا بلفظ: «مَن بلغه عن الله وعن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فضيلة، كان مني أو لم يكن، فعمل بها رجاء ثوابها، أعطاه الله ثوابها»)، فهو موضوع عنده؛ لأنه جعله في كتابه (الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة)، فلا يحتاج أن ينص على أنه موضوع، قال: (لأن في إسناده متروكًا)، يعني: راويًا متروكًا، وقد تقدَّم بيانه.
وعلى هذا تأتي قيمة العلم الشرعي الصحيح في تتبُّع أثر النبي –صلى الله عليه وسلم– واتِّباعه والأخذ بهديه، فما جاء عن النبي –عليه الصلاة والسلام– ونُسِب إليه يجب التأكد من صحته، والاحتياط الشديد عن أن يُحدِّث الإنسان عنه بكل ما سمع، «كفى بالمرء كذبًا أن يُحَدِّث بكلِّ ما سمع» [مسلم: 1/10]، و«مَن حدَّث عني بحديث يَرى أنه كذب فهو أحد الكاذِبَيْن»، وفي ضبط «يُرى أنه كذب»، وفي ضبط «فهو أحد الكاذبِينَ» على اختلاف الضبط، وهو في (صحيح مسلم) [1/8]، فكونه «يَرى» بنفسه أنه كذب فهو كذَّابٌ مثل الذي اخترعه، وإن كان «يُرى» فالأمر أشد، فلا يلزم أن يراه هو، بحيث لو رآه غيرُه مكذوبًا بأن كان معروفًا وضْعُه عند أهل العلم، وهو لا يدري عن وضْعِه، فهو أحد الكاذبين.
فعلى المسلم أن يحتاط أن يقول عن النبي –عليه الصلاة والسلام– ما لم يقل، قال: «مَن كذب عليَّ متعمِّدًا فليتبوَّأ مقعده من النار» [البخاري: 110]، «مَن يقل عليَّ ما لم أَقُل فليتبوَّأ مقعده من النار» [البخاري: 109].
فيجب على المسلم أن يحتاط؛ لأن هذا دين، وإذا سُمِع منك هذا الخبر وهو لا يثبت وعملتَ به، واقتدى بك غيرك، كان عليك الإثم: إثمك وإثم مَن يقتدي بك، والله المستعان.
والآن يَرد على الإنسان في الهاتف وفي غيره أحاديث باطلة ومكذوبة، فمَن نقلها وهو لا يعلم، فيأتي في حقه حديث: «مَن حدَّث عني بحديث يُرى أنه كذب فهو أحد الكاذبِينَ»، فلا بُد ويتعيَّن على المسلم ألَّا ينسب إلى النبي –عليه الصلاة والسلام– إلَّا ما تأكد من صحته؛ ولذلك ضرر الوَضَّاعين والكذبة ونَقَلَة الأخبار الذين لا يُمَحِّصون ولا يتأكدون مما ينقلون ضررهم كبير على الأمة وفي غاية النكارة، بل إذا عُمِل به فالأمر شديد «مَن يقل عليَّ ما لم أَقُل فليتبوَّأ مقعده من النار»، فمسألة التحقيق والتمحيص تتعيَّن على الإنسان إذا كان من أهلها، وكانت لديه الأهلية، وأما إذا لم تكن لديه الأهلية فليقلِّد مَن يثق بعلمه، فإذا صحَّحه وهو من أهل هذا الشأن وقال: (صححه فلان)، أو (ذكر فلان حديث كذا)، تبرأ العُهدة.
وقد يقول قائل: إنه في كُتب الأئمة أحاديث حُكِم بوضعها ولم يُبيِّنوا، نقول: في السابق كانوا يبرؤون من العُهدة بذكر الإسناد، ومَن أسند فقد أحالك، فذِكْر الإسناد يكفي في الحكم عليه؛ لأنهم في السابق يعرفون، إذا ذُكِر السند عُرِف أن فيه فلانًا وهو كذَّاب، أو رواته كلهم ثقات، فهذا عندهم معروف إذا بُيِّن السند.
أما في الزمن المتأخر فلا بُد من بيان أنه مكذوب، موضوع، مخترَع، مصنوع، لم يقله النبي-عليه الصلاة والسلام–، ولا يبرأ من العهدة إلا بذلك؛ ولا يكفي أن يقول: (موضوع)؛ لأن كثيرًا من الناس لا يعرف معنى الموضوع. وذُكِر أن الحافظ العراقي ذكر حديثًا وقال: (إنه مكذوبٌ على النبي-عليه الصلاة والسلام–)، فقام شخصٌ من العجم، فقال: (كيف تقول: مكذوب وهو في كتابٍ من كُتب السُّنَّة بسنده؟)، فقال: (أحضره لنا)، فأتى به من كتاب (الموضوعات) لابن الجوزي! فتعجَّبوا من كونه لا يَعرف موضوع الموضوع، فوصيتنا أنه لا يُنقَل حديث إلا بعد التأكد، والله المستعان.