هذا الحديث المسؤول عنه «ما من مسلم يُقرض مسلمًا قرضًا مرتين إلا كان كصدقةِ مرة» مُخرَّجٌ عند ابن ماجه من حديث ابن مسعود –رضي الله عنه- [2430]، لكن إسناده ضعيف، فيه قيس بن رومي وهو مجهول، وفيه سليمان بن نُسير، ويُقال: ابن قُشير، ويقال: ابن شُتير، متفقٌ على تضعيفه.
ورواه الإمام أحمد في (مسنده) [3911]. ورواه أيضًا ابن حبان في (صحيحه) [5040] عن أحمد بن علي بن المثنى، قال حدَّثنا يحيى بن معين، قال: حدَّثنا مُعتمر بن سليمان، قال: قرأتُ على الفضل أبي مُعاذ عن أبي حريز أن إبراهيم حدَّثه أن الأسود بن يزيد، عن ابن مسعود، فذكره.
ورواه محمد بن يحيى بن أبي عمر -أعني: العدني- في (مسنده) من طريق سُليم بن أُذنان، عن علقمة بن قيس، وهذه كلها أسانيد لا يثبت بها الخبر، فالخبر ضعيف.
وبعض مَن يستروح إلى التحسين لغيره -كما هو معروفٌ عند بعض المتأخرين- بجمع الطرق ولو كانت كلها ضعيفة، بل شديدة الضعف، ويُشير إلى هذا السيوطي في (ألفيته) حينما ذكر الحسن لغيره، وهو فرعٌ عن الضعيف خفيف الضعف، فإذا وُجِد الضعيف الضعف المُنجبر بأكثر من طريق فإنه يرتقي إلى الحسن لغيره، أما إذا كان الضعف شديدًا لا ينجبر فعامة أهل العلم على أنه لا يتقوَّى، والسيوطي يقول:
.................................... |
|
بَلْ رُبَّمَا يَصِيرُ كَالَّذِي بُدِي
|
يعني: هذا الذي ضعفه شديد وتعددتْ طُرقه ربما يكون كالذي بُدي، وهو الضعيف ضعفًا مُنجبرًا إذا جاء من أكثر من طريق، قد يكون مثله، وهذا مجرد استرواح لم يُوافق عليه، وجرى عليه بعض المعاصرين في أحكامهم وإن لم ينصوا عليه في تقعيداتهم، لكن إذا نظرتَ وتأملتَ في أحكامهم وجدتَهم يحكمون على الأحاديث بأنها ترتقي إلى الحسن، وإن كان الضعف شديدًا في طُرقها إلَّا أنهم يقولون: إن كثرة هذه الطرق تدل على أن لها أصلًا، ولا يمنع أن يصل إلى الحسن لغيره. لكن التساهل في مثل هذا على خلاف طريقة الأئمة المتقدمين.
والخبر حينئذٍ ضعيف، ويكفي عنه ما جاء من الحث على الإحسان إلى الناس في نصوص الكتاب والسُّنَّة، فالله –جلَّ وعلا- يقول: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 195]، والقرض لا شك أنه من الإحسان، وفيه تفريج وتنفيس كرب «مَن نفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفَّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة» [مسلم: 2699]، «ومَن فرَّج عن مسلم كربة، فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة» [البخاري: 2442]. على كل حال الإحسان إلى الناس شأنه معلوم ومعروفٌ في الشريعة، وجاءت به الأخبار من كتاب الله وسُنَّة نبيه –عليه الصلاة والسلام-، ومما عُلِم بالضرورة من دين الإسلام، و«صنائع المعروف تقي مصارع السوء» [المعجم الكبير للطبراني: 8014].
فالمعنى صحيح لكن التحديد بالقرض مرتين يعدل صدقة واحدة جاء بهذا الخبر الضعيف الذي لا يثبت به حكم، وإن كان بعضهم يرى أن مثل هذا الخبر وهو في باب الترغيب يُتسامح ويُتساهل فيه، ولعلهم من هذه الحيثية حكموا عليه بأنه حَسن، وإن كان هذا الحُكم لا يثبت على قواعد الأئمة، والله أعلم.