الحديث بهذا اللفظ (لا تدخلوا مدائن صالح إلا وأنتم تبكون فإن لم تبكوا فتباكوا) لا أعرفه بهذا اللفظ (لا تدخلوا مدائن صالح)؛ وذلك لأن هذه التسمية لا تعرف فيما سلف، بل هي تسمية حادثة، وإنما جاء في الصحيحين عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم؛ لا يصيبكم ما أصابهم» [البخاري: 433]، وفي رواية عند البخاري أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لما مر بالحِجْر قال: «لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين؛ أن يصيبكم ما أصابهم»، يعني خشية أن يصيبكم ما أصابهم، "ثم تقنع بردائه وهو على الرحل" [البخاري: 3380]، وله "ثم قَنَّعَ رأسه وأسرع السير حتى أجاز الوادي" [البخاري: 4419]، ولمسلم "ثم زجر -يعني دابته- فأسرع حتى خَلَّفَهَا" [مسلم: 2980] يعني تركها وراء ظهره، وخرج منها، وعند أحمد بلفظ «لا تدخلوا على هؤلاء القوم المعذبين أصحاب الحجر إلا أن تكونوا باكين، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم؛ أن يصييبكم ما أصابهم» [5225]، وليس فيه (فتباكوا)، ولأحمد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو بالحجر: «لا تدخلوا على هؤلاء..» إلى آخر الحديث [5441]، يقول الحافظ ابن حجر في (فتح الباري): (كان هذا النهي لما مروا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- بالحِجر ديار ثمود في حال توجههم إلى تبوك)، ولهذا جاء عند عبد بن حميد بلفظ لما نزل الناس الحجر في غزوة تبوك قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا تدخلوا على هؤلاء القوم المعذبين، يعني قوم صالح، إلا أن تكونوا باكين، فإلّا تكونوا باكين فلا تدخلوا؛ لا يصيبكم ما أصابهم» [المنتخب من مسند عبد بن حميد: 798]، يقول الحافظ ابن رجب في شرحه: (هذا الحديث: نص في المنع من الدخول على مواضع العذاب، إلا على أكمل حالات الخشوع والاعتبار، وهو البكاء من خشية الله وخوف عقابه الذي نزل بمن كان في تلك البقعة، وأن الدخول على غير هذا الوجه يُخشى منه إصابة العذاب الذي أصابهم. وفي هذا تحذير من الغفلة عن تدبر الآيات فمن رأى ما حل بالعصاة ولم يتنبه بذلك من غفلته، ولم يتفكر في حالهم، ويعتبر بهم فليحذر من حلول العقوبة به، فإنها إنما حلت بالعصاة لغفلتهم عن التدبر وإهمالهم اليقظة والتذكر. وهذا يدل على أنه لا يجوز السكنى بمثل هذه الأرض، ولا الإقامة بها، وقد صرح بذلك طائفة من العلماء، منهم: الخطابي وغيره، ونص عليه أحمد. قال مهنا: سألت أحمد عمن نزل الحجر: أيشرب من مائها ويعجن به؟ قال: لا، إلا لضرورة، ولا يقيم بها) وبهذا نعلم أن من اتخذ هذه الأماكن وهذه البقاع للسياحة والنزهة والفرجة أنه يُخشى عليه مما جاء في هذه النصوص أن يقع عليه العذاب وأن يصيبه ما أصابهم، والله أعلم.
السؤال
ما صحة حديث «لا تدخلوا مدائن صالح إلا وأنتم تبكون، فإن لم تبكوا فتباكوا» أو ما في معناه؟ وكيف يكون التباكي في هذا؟
الجواب