أولًا: عناية أهل العلم إنما انصبتْ على (البخاري)، وما عداه لا توجد عناية في هذا الباب، والسبب في ذلك أن تراجم البخاري فيها غموض شديد، وفيها إغراب وإغراق، وفيها فقه واستنباط دقيق عجيب، بينما غيره لا يسلك مثل هذا المسلك، فتجد المطابقة بين الترجمة والأحاديث التي تحتها ظاهرة، وتجد المطابقة بين الترجمة والكتاب مِن كُتب المصنَّف ظاهرة جدًّا، فلم يحتج الشُرَّاح إلى مثل هذا، وإنما احتاجوا إليه في (صحيح البخاري)؛ لأن الربط إذا لم يتم من قِبَل أهل العلم فلن يصل طلاب العلم إلى الفائدة التي استنبطها البخاري من هذا الحديث؛ لأنه -رحمه الله تعالى-؛ لدقة نظره في الأحاديث يُغرق ويُغرب في استنباط الحكم، وقد يَعمد إلى ترك الحكم الظاهر إلى الحكم الخفي الباطن الذي لا يُدركه سائر الناس، وأما الشيء الظاهر فهذا متروك لفهم القارئ، فهذا هو السبب الذي جعل العلماء لا يعنون بالربط بين الأحاديث والتراجم في كتب السنن، وإنما عنوا بـ(البخاري) عناية فائقة؛ لغموضه وبُعد الاستنباط فيه، ومع ذلك بقي بعض التراجم مُحيِّرة، لم يستطع الشُرَّاح الوصول إلى كيفية الربط فيها بين ما استَدل به وما استُدل له.
وأما (صحيح مسلم) فليس فيه تراجم ألبتة، فلم يُترجم الإمام مسلم كتابه، وإنما ترجمه الشُرَّاح، وما عداه من كتب السنن فالأمر فيها واضح، ولا تحتاج إلى أن يُعنى بها العلماء؛ لأن الدلالة ظاهرة من الحديث على ما تُرجم به.