«أو يُفارق» يعني: حتى يُفارق، فالهجرة واجبة حتى لا تتراءى ناراهما، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يوصي مَن يبعثه في جيشٍ أو سريَّةٍ أن يَعرض عليه الإسلام، فإذا أسلم طَلَب منه الهجرة، حتى يكون له ما للمسلمين، وعليه ما على المسلمين، فإن أبى كان كأعراب المسلمين، يعني: الذين بقوا في باديتهم.
«لا يقبل الله»: نفي القبول يُطلق في النصوص ويُراد به نفي صحة العمل، «لا يقبل الله صلاة مَن أحدث حتى يتوضأ» [البخاري: 135]، «لا يقبل الله صلاة حائضٍ إلَّا بخمار» [أبو داود: 641]، فلا تصح صلاة مَن أحدث حتى يتوضأ، ولا تصح صلاة المرأة البالغة إلا بالخمار.
ويُطلق نفي القبول على نفي الثواب المرتَّب على العبادة، {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27]، فمفهومه أن الله- جل وعلا- لا يتقبَّل من الفُسَّاق، وأبو الدرداء -رضي الله عنه- يقول: "لأن أستيقن أن الله قد تقبل مني صلاة واحدة، أحب إليَّ من الدنيا وما فيها، إن الله يقول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}"، فهذا المراد به نفي الثواب المرتَّب على العبادات؛ لأنه يؤدِّي هذه العبادات وهو مزاول للمعاصي، ولا يعني هذا أن العبادات لا تصح من غير المتقين، والإجماع قائم على أن الفاسق لا يُؤمر بإعادة صلاة، ولا صيام، ولا حج، ولا غيرها من الأعمال التي يعملها بأركانها وشروطها وواجباتها، لكنه أدَّاها وهو متلبِّس بما يُسخط الله- جل وعلا- من المعصية، فهو فاسق بهذا، فعمله صحيح اصطلاحًا؛ لأنه لا يُؤمر بإعادته، ويسقط به الطلب، أما كونه يترتَّب عليه ثواب فهذا محلُّ النفي.