يقول ابن تيمية: (ويقرون بما تواتر به النقل عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وعن غيره، من أن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ويثلِّثون بعثمان ويربِّعون بعلي -رضي الله عنهم- كما دلَّت عليه الآثارُ، وكما أجمعَ الصحابةُ –رضي الله عنهم- علَى تقديمِ عثمانَ في البيعةِ، مع أنَّ بعضَ أهلِ السنَّةِ كانوا قد اختلفُوا في عثمانَ وعليٍّ –رضي الله عنهما- بعدَ اتفاقِهم علَى تقديمِ أبي بكرٍ وعمرَ- أيُّهما أفضلُ؟). تقديمُ أبي بكرٍ وعمرَ –رضي الله عنهما- محلُّ إجماعٍ بينَ أهلِ السنةِ، أمَّا التثليثُ بعثمانَ في الفضلِ فمحِلُّ خلافٍ، وجمهورُ أهلِ السنةِ والجماعةِ يُثلِّثونَ بعثمانَ ويربِّعونَ بعليٍّ، ومِن أهلِ السنةِ مَن يقدِّمُ عليًّا علَى عثمانَ في الفضلِ لا في البيعةِ، أمَّا البيعةُ فقد أجمعَ الصحابةُ علَى بيعةِ عثمانَ قبلَ بيعةِ عليٍّ، وإجماعُ الصحابةِ علَى تقديمِ عثمانَ في البيعةِ دليلٌ علَى تفضيلِه علَى عليٍّ –رضي الله عنه- إذ يستحيلُ أن يتواطأَ خيرُ القرونِ علَى مبايعةِ المفضُولِ معَ وجودِ الفاضِلِ بما في ذلكَ الستَّة أهلِ الشورَى الذين أمرَهم عمرُ –رضي الله عنه- أن يختارُوا الخليفةَ مِن بعدِه. قال ابن تيمية: (فقدَّمَ قومٌ عثمانَ وسكتُوا) يعني: قالوا: أفضلُ الأمَّةِ أبو بكرٍ ثمَّ عمرُ ثمَّ عثمانُ ثمَّ سكتُوا، ولم يتعرَّضوا لعليٍّ لا بنفيٍ ولا بإثباتٍ، (أو ربَّعوا بعليٍّ) فقالُوا: الرابعُ عليٌّ -رضي الله تعالى عنه-. (وقدَّمَ قومٌ عليًّا) وقد ورَدَ في مناقبِ عليٍّ –رضي الله عنه-ما لا يُحصَرُ، لكن أتباعُه وضعُوا وزادُوا علَى فضائلِه الصحيحةِ الثابتةِ زورًا وكذبًا وبهتانًا عليه وعلَى رسولِ اللهِ -ﷺ-، واللهُ المُستعانُ. وقال: (وقومٌ توقَّفوا، لكن استقرَّ أمرُ أهلِ السنةِ علَى تقديمِ عثمانَ ثمَّ عليٍّ)، يعني: أجمعُوا بعدَ الخلافِ السابقِ على تقديمِ عثمانَ على عليٍّ –رضي الله عنهما-. قال ابن تيمية: (وإن كانَت هذه المسألةُ -مسألةُ عثمانَ وعليٍّ- ليسَت مِنَ الأصولِ التي يُضلَّلُ المُخالِفُ فيها عندَ جمهورِ أهلِ السنَّةِ) يعني تقديمَ أحدِهما على الآخر في الفضل، وقد تقدم أنَّ مِن أهلِ السنَّةِ والجماعةِ مَن قدَّمَ عليًّا علَى عثمانَ وإن كانَ عامَّةُ أهلِ السنةِ والجماعةِ علَى العكسِ. وقال: (لكنَّ المسألةَ التي يُضلَّلُ المُخالِفُ فيها هي مسألةُ الخلافةِ)، فلو قالَ أحدٌ: إنَّ عليًّا أولَى بالخلافةِ مِن عثمانَ، لضُلِّلَ بذلك، لكن لو قالَ: إنَّ عليًّا أفضلُ مِن عثمانَ. فلا يضلَّلُ؛ لأنَّه قولٌ معروفٌ عندَ أهلِ السنَّةِ، وسبَقَ أنَّ مسائلَ الاعتقادِ التي يتَّفِقُ عليها سلَفُ هذه الأمَّةِ وأئمتُها لا يسوغُ فيها الخلافُ ولا النظرُ مِن بعدِهم، أمَّا إذا كانَ هُناك خلافٌ مُعتبَرٌ بينَ أئمةِ الإسلامِ، فمَن لديهِ الأهليَّةُ فله النظرُ في المسألةِ وترجيح ما ظهر له من أقوالهم.