شرح الموطأ - كتاب الاستسقاء (2)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أحسن الله إليك.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء، واغفر للحاضرين يا ذا الجلال والإكرام.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى: "باب: ما جاء في الاستسقاء:
حدثني يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرو بن شعيب أن رسول -صلى الله عليه وسلم- كان إذا استسقى قال: ((اللهم اسق عبادك وبهيمتك، وانشر رحمتك، وأحيي بلدك الميت)).
"وحدثني عن مالك عن شريك بن عبد الله بن أبي نَمْر عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه قال: جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله هلكت المواشي، وتقطعت السبل، فادع الله، فدعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فمطرنا من الجمعة إلى الجمة، قال: فجاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله تهدمت البيوت، وانقطعت السبل، وهلكت المواشي، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((اللهم ظهور الجبال والآكام وبطون الأودية ومنابت الشجر)) قال فانجابت عن المدينة انجياب الثوب. قال مالك في رجلٍ فاتته صلاة الاستسقاء وأدرك الخطبة فأراد أن يصليها في المسجد أو في بيته إذا رجع قال مالك: "هو من ذلك في سعة إن شاء فعل أو ترك".
يقول -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في الاستسقاء" يعني في دعائه وما يتبع ذلك، يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد -الأنصاري- عن عمرو بن شعيب -بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا استسقى قال: ((اللهم اسق عبادك وبهيمتك)) عمرو بن شعيب مرسلًا، وهو عند أبي داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وهذه السلسلة معروفة عند أهل العلم، روي بها أحاديث كثيرة، واختلف أهل العلم في المروي بها، وسبب الخلاف في مرجع الضمير في أبيه وجَدّه، فعمرو بن شعيب معروف، أبوه شعيب، وجده محمد، وعبد الله بن عمرو جد أبيه، وعمرو بن العاص جد جده، فإذا قلنا: عمرو بن شعيب عن أبيه ما في إشكال أنه شعيب، وعن جَدّه مَن؟ إذا كان محمد فالخبر مرسل، محمد تابعي، فلا يقبل حينئذٍ، وإذا قلنا: الضمير يعود إلى جَدّه يعني أقرب مذكور الجد هو عبد الله بن عمرو، نعم ويكون المراد عن أبيه شعيب عن جده يعني عن جد شعيب عبد الله بن عمرو بن العاص، يعني إذا وحدنا الضمير في أبيه وجده وجعلنا مردهما واحدًا صار الخبر منقطعًا، يصير أبو عمرو وجَد عمرو شعيب ومحمد، وإذا قلنا: عن أبيه شعيب عن جده يعني عن جد شعيب جد الأب لا جد عمرو، فيكون عن عمرو بن شعيب عن أبيه شعيب عن جده عبد الله عمرو بن العاص، نعم الخبر الآن متصل على القول بسماع شعيب عن جده عبد الله بن عمرو، وهذا قال به جمع من أهل العلم، وعلى الحالين عند من يقول بعدم سماع شعيب من جده يكون منقطعًا، فهو ضعيف على كل حال؛ ولذا ضعفه بعضهم مطلقًا، حتى فيما صرح به باسم الجد؛ لأنه جاء عند النسائي وغيره: "عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص" نعم هذا يدل على أن مراده الجد عبد الله بن عمرو، لكن يبقى في سماع شعيب من جده عبد الله بن عمرو فمن أثبته قال: الخبر لا شك فيه، صالح، ومن نفى سماع شعيب من جده عبد الله بن عمرو قال: يبقى ضعيفًا؛ ولذا ضعفه بعضهم مطلقًا، والقول الوسط أنه إذا صح السند إلى عمرو فأقل الأحوال أن يتوسط فيه، فيكون من قبيل الحسن، القول الوسط أنه إذا صح السند إلى عمرو فيتوسط في قبول هذه السلسلة، وتكون من قبيل الحسن، الخلاف قوي فلا يوصل به إلى درجة الصحيح، وأيضًا هي سلسلة متصلة على هذا القول، ورجالها ماثلون، يعني أقل ما فيهم الصدوق، أقل ما يقال فيه: الحسن، ليس من الصحيح البالغ أعلى درجات القبول، ولا ينزل عن درجة القبول فهو حسن لذاته.
بهز بن حكيم عن أبيه عن جده الكلام هناك ما هو في اختلاف الضمير، الضمائر ما فيها إشكال هناك، بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة ما فيهم إشكال؛ لأن حيدة ليس بصحابي، فلا يرد الإشكال في الضمائر، الإشكال في بهز نفسه فيه كلام، وقال البخاري لما سأله الترمذي عن حديث روي بهذا الإسناد، فقال: صحيح، صحح حديثًا روي بهذا الإسناد، وعلق حديثًا عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده؛ ولذا اختلف أهل العلم في الأرجح من السلسلتين، منهم من يقول: تصحيح البخاري ولو خارج الصحيح أقوى من مجرد ذكره في الصحيح، ومنهم من يقول: إدخاله في هذا الكتاب الذي تلقته الأمة بالقبول، وتحرى فيه الإمام البخاري ما تحرى أقوى ولو كان معلقًا، والذي يظهر أن عمرو بن شعيب أقوى من بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عند التعارض، "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا استسقى قال: ((اللهم اسق عبادك وبهيمتك)) البهيمة: كل ذات أربع من الدواب، وكل حيوان لا يميز، وعند ابن ماجه: ((لولا البهائم لم تمطروا)) ((وانشر -ابسط- رحمتك)) وفيه إثبات الرحمة -صفة الرحمة- لله -جل وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته، كما في قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ} [(28) سورة الشورى] ((وأحيي بلدك الميت)) أو الميّت بالتخفيف والتشديد، قال -جل وعلا- {وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا} [(11) سورة ق] بالتخفيف وإلا بالتشديد؟ بالتخفيف، ما الفرق بين الميت والميّت؟ ميت سيموت، وميّت قد فارق روحه جسده.
ليس من مات فستراح بميتٍ |
|
إنما الميّت ميّت الإحياءِ |
هذا ميت وإلا سيموت؟
يعنى موت معنوي ما هو بموت حسي، يعني إذا لم يرد بذلك مفارقة الروح الجسد فالمسألة فيها سعة إن شئت قلت: ميت وإلا ميّت، أما إذا أريد بالموت مفارقة الروح الجسد فيفرق بينهما على ضوء ما قيل: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ} [(30) سورة الزمر] إنك ميت: يعني ستموت، وإنهم ميتون: يعني سيموتون.
((رحمتك)) المراد بها المطر، المقصود أن الله -جل وعلا- موصوف بهذه الصفة، وقلنا: مرارًا أنه لو قاله من يثبت صفة الرحمة، رحمتك المراد بها المطر من قاله من عرف من عقيدته أنه يثبت ما يلام، إذا فسر باللازم، كما في: ((والذي نفسي بيده)) إذا قال من يثبت صفة اليد لله -جلا وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته: روحي في تصرفه، قلنا: ما فيه أحد روحه ليست في تصرف الله -جل وعلا-، لكن إذا كان الشخص لا يعرف حاله لا بد أن يثبت، إذا عرف ممن يثبت لا يتصور منه أنه ينفي، وعلى كل حال إثبات صفة الرحمة، إثبات صفة اليد، أمور قطعية.
((وأحيي بلدك الميت)) وهذا الحديث مخرج في سنن أبي داود متصلًا من طريق عبد الله بن مسلمة عن مالك.
يقول: "حدثني عن مالك عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر" نمر فعل، والنسبة إليه نمري بفتحتين، وهكذا كل مكسور الثاني يفتح، لماذا؟ لئلا تتوالى الكسرات، لا تقل: نمِرِي، النسبة إلى ملِك ملَكِي لا تقل: ملِكِي، نعم سلِمة سلَمي وهكذا "عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر" القاضي المعروف له أوهام، عدت أوهامه لا سيما في حديث الإسراء له عشرة أوهام في حديث الإسراء، بيّنها ابن القيم في الهدي، وابن حجر في فتح الباري وغيرهما، وأشار الإمام مسلم إلى أنه زاد ونقص، وقدم وأخر "عن أنس بن مالك أنه قال: جاء رجل" قال الحافظ: لم أقف على اسمه، فدخل يوم الجمعة من باب كان وجاه المنبر "إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله هلكت المواشي -يعني من الجدب- وتقطعت السبل" لضعف الإبل، لقلت القوت لا تجد ما تأكله في الطرق، في هذه الحالة لا يركب عليها، ما يسافر عليها؛ لئلا تهلك "تقطعت السبل فادع الله" يغيثنا أو يغثنا؟ يغيثنا بالياء وإعرابها؟ ما هو بالإعراب يكون برد الجملة، إعرابها "فادع الله يغيثنا أو يغثنا؟ إعرابها؟ جواب الطلب أو جواب شرط مقدر كله واحد، القاعدة يغثنا، لكن الذي في الصحيح: "يغيثنا" في بعض روايات الصحيح: "يغيثنا" وحينئذٍ ماذا نقول؟ على الإشباع، ما يمنع أنه على الإشباع، مثل؟ {إنه من يتقي ويصبر} [(90) سورة يوسف] "فدعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((اللهم اسقنا)) ثلاثًا"، "اللهم اسقنا، اللهم اسقنا، اللهم اسقنا" "فمطرنا من الجمعة إلى الجمعة" أسبوع، في البخاري: "والله ما رأينا الشمس سبتًا" يعني أسبوعًا "قال: فجاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" ظاهر السياق أنه غير الأول؛ لأن النكرة إذا أعيدت نكرة صارت غيرها، وفي البخاري: "قال شريك: سألت أنسًا أهو الأول؟ قال: لا أدري" وفي بعض الروايات ما يدل على أنه هو الأول "فدخل ذلك الرجل" فدل على أنه هو الأول، وعلى كل حال تسميته لا يترتب عليها شيء "فجاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله تهدمت البيوت، وانقطعت السبل، وهلكت المواشي" وفي المرة الأولى هلكت من الجدب، وهنا هلكت غرقًا "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((اللهم ظهور الجبال والآكام))" ظهور نعم اسق ظهور الجبال، أو اجعل المطر على ظهور الجبال، الأمر فيه سعة، الآكام: جمعة أكمة بفتحات، قال الخطابي: الهضبة الضخمة، وقيل: الجبل الصغير، هناك أقوال كثيرة في معنى الآكام، ((وبطون الأودية، ومنابت الشجر)) قال: فانجابت -خرجت عن المدينة- كانجياب الثوب" يعنى خرجت كما يخرج الثوب عن لبسه.
"قال مالك في رجل فاتته صلاة الاستسقاء، وأدرك الخطبة، فأراد أن يصليها في المسجد أو في بيته إذا رجع، قال مالك: هو من ذلك في سعة" يعني الأمر فيه سعة "إن شاء" قضاها وإن شاء تركها؛ لأنها سنة "إن شاء فعل أو ترك" إذ شأن النوافل ذلك، إن شاء فعلها، وإن شاء ترك.
يقول: هل يشرع الاستسقاء مع عدم وجود الجدب يحدث كثيرًا عندما يأمر الإمام بها؟
على كلٍّ الإنسان لا ينظر إلى نفسه، المقصود رفع الضرر عن المسلمين، الآن لو قيل: إن هذه السنة نزلت أمطار كثيرة وكثر الكلأ والعشب ولسنا بحاجة إلى الاستسقاء نقول: لا يا أخي بعض جهات المسلمين ما جاءها مطر، فنستسقي من أجلهم، الأمر الثاني: أن المخزون من المياه الجوفية مهدد، فلا يمنع أن يستسقى حتى مع نزول المطر.
طالب:......
والله لو استعملت أنواع الاستسقاءات التي فعلها النبي -صلى الله عليه وسلم- الستة، ورئي تكرارها لا مانع ما فيه بأس -إن شاء الله-.
طالب:......
نعم إذا اجتمعت الجمعة والاستسقاء، أما تجتمع في خطبتها، يستسقى في خطبة الجمعة الحديث الذي معنا نص، لكن يصلى لصلاة الاستسقاء في يوم الجمعة هذا ما فعله أحد ممن سبق، وإن كان لا يوجد ما يمنع، لكن ما فعله أحد، وإذا كانت تترك الجمعة لاجتماعها مع العيد فلئن تترك الاستسقاء من باب أولى.
سم.
"باب: الاستمطار بالنجوم:
حدثني يحيى عن مالك عن صالح بن كيسان عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن زيد بن خالد الجهني -رضي الله عنه- أنه قال: صلى لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة الصبح بالحديبية على إثر سماء كانت من الليل، فلم انصرف أقبل على الناس فقال: ((أتدرون ماذا قال ربكم؟)) قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ((قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بي، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب)).
وحدثني عن مالك أنه بلغه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقول: ((إذا أنشأت بحرية ثم تشاءمت فتلك عين غديقة)).
وحدثني عن مالك أنه بلغه أن أبا هريرة -رضي الله عنه- إذا أصبح وقد مطر الناس مطرنا بنوء الفتح، ثم يتلو هذا الآية: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ} [(2) سورة فاطر].
يقول -رحمه الله تعالى-: "باب: الاستمطار بالنجوم" يعني بيان حكمه، وأنه أمر خطير قد يودي بقائله إلى الشرك الأكبر المخرج عن الملة على ما سيأتي.
قال: "حدثني يحيى عن مالك عن صالح بن كيسان عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود -أحد الفقهاء- عن زيد بن خالد الجهني أنه قال: صلى لنا" يعنى لأجلنا واللام بمعنى الباء "رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة الصبح في الحديبية" بالتخفيف عند الأكثر، وإن كان أكثر المحدثين يشددونها "على إثر سماء" إثر عقب، بعد سماء يعني مطر، والسماء هنا يراد به المطر؛ لنزوله من جهة السماء، من جهة العلو.
إذا نزل السماء بأرض قومٍ -يعني المطر- رعينها وإن كانوا غضابا.
"على إثر سماء كانت من الليل، فلما انصرف -من صلاته- أقبل على الناس بوجهه فقال لهم: ((أتدرون ماذا قال ربكم؟))" استفهام للتنبيه "قالوا" فيه طرح الإمام المسألة على أصحابه بهذه الطريقة يثبت العلم بالمناقشة بإلقاء الأسئلة وتلقي الأجوبة وتسديدها وتصويبها "الله ورسوله أعلم" ردوا ووكلوا العلم إلى عالمه، وهذا من أدبهم ما اجتهدوا "قال: ((قال ربكم: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بي)) وهذه الإضافة (من عبادي) إضافة تعميم، بخلاف الإضافة في مثل قوله -جل وعلا-: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [(42) سورة الحجر] هذه إضافة تشريف، هذه إضافة تعميم فتعم المؤمن والكافر ((قال: من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي)) لأنه نسب هذه النعمة إلى مسديها وهو الله -جل وعلا- ((كافر بالكوكب)) بالإفراد الذي ينسب إليه نزول المطر عند أولئك القسم الثاني ((وأما من قالوا: مطرنا بنوء)) يعني كوكب ((كذا وكذا)) وعند النسائي من حديث أبي سعيد: ((بنوء المجدح)) الذي هو الدبران ((فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب)) حيث نسب هذه النعمة التي هي من الله -جل وعلا- إلى غير مسديها، هذا كفر النعمة، نسأل الله العافية، وإن اعتقد على أن الكوكب يقدر على إنزال المطر، ويستقل بإنزاله دون الله -جل وعلا- فهذا كفره أكبر مخرج عن الملة، فيحتمل أن يكون الكفر أكبر إذا اعتقد أن النوء يستقل بإنزال المطر، أو أصغر وهو كفر النعمة لما عند مسلم: ((ما أنعمت على عبادي من نعمة إلا أصبح فريق منهم بها كافرين)) يعني بهذه النعمة.
وعلى كل حال هو خطر عظيم، لكن إذا قال: مطرنا في نوء كذا، مطرنا في المرانية مثلًا، يعني المقصود الوقت، مطرنا في الوسم، مطرنا في رمضان، مطرنا في شعبان، يعني نزل علينا المطر في ذلك الوقت، لا منه ولا بسببه، باعتبار أنه مظنة بالمطر والممطر هو الله -جل وعلا-، هذا مجرد إخبار لا يتعلق به اعتقاد إذا قلت: لي مبلغ في ذمتك في شيء؟ يقسم بها؟ يريد القسم؟ هذا قسم إذا قال: بذمتك، لكن لو قال: بذمتك مبلغ من المال، ماذا فيه؟ المقصود أن الأمور بمقاصدها، والسياق يبين المراد، وهنا: ((كافر بي مؤمن بالكوكب)) كثير من الأمور تنسب إلى الظواهر الطبيعية، وأحيانًا إلى الأوقات، الآن مستفيض عند الناس أن البحر يكثر مده في منتصف الشهر صحيح وإلا لا؟ ما يكثر المد في منتصف الشهر أو كذا؟ المقصود أن هذه تصرفات مربوطة بالشهر بنصفه بآخره، هل هذا مخالف؟ يعني إذا اطردت به العادة، إذا اطردت العادة بذلك هل نقول: إن القمر له تأثير؟ نعم يقولون: إن ضوء القمر له تأثير في هذا، والمؤثر هو الله -جل وعلا-، هذا إن اطرد وإلا فالأصل النفي، لكن إن اطرد فالله -سبحانه وتعالى- هو المؤثر وحده، كونه جعل هذا الأثر في هذا الوقت كما أنه يجعل القمر بدرًا في منتصف الشهر، وهلالًا في آخره هذه إليه -جل وعلا-.
طالب:......
الجاذبية؟ الجاذبية لها ارتباط بالقمر وإلا بأين؟ على كل حال إذا اطرد هذا واعتقدنا أن المؤثر الذي جعل الجاذبية في هذا هو الله -جل وعلا- أصبح في هذا اليوم، وحكم هذا اليوم حكم غيره من الأيام.
"وحدثني عن مالك أنه بلغه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقول: ((إذا أنشأت بحرية))" أي ظهرت سحابة بحرية أي من جهة البحر ((ثم تشاءمت)) أخذت إلى جهة الشام، يعني جاءت من الغرب ثم مالت إلى جهة الشمال ((فتلك عين غديقة)) أي غزيرة، تصغير غدقة، كما في قوله تعالى: {مَّاء غَدَقًا} [(16) سورة الجن] أي كثيرًا، وهذا الخبر أحد أحاديث أربعة بقيت منقطعة، ابن عبد البر -رحمه الله- تولى وصل جميع ما في الموطأ من المقاطيع إلا أربعة أحاديث هذا واحد منها، ووصله ابن الصلاح في جزء له مطبوع، على كل حال ((إذا أنشأت بحرية ثم تشاءمت فتلك عين غديقة)) الآن الارتباط بين كثرة المطر والريح، هل نقول: إن زيادة هذه العين وهذا الماء الكثير سببه الرياح التي ساقتها من جهة الغرب إلى جهة الشمال؟ أو نقول: هذا سبب والمسبب هو الله –جلا وعلا- كما نقول: إننا أصبنا ببردٍ شديد بسبب الريح الشمالية النسرية الغربية الذي يقوله الناس؟ نعم، هذه أسباب والمسبب هو الله -جل وعلا-، يقول ابن عبد البر: هذا الحديث لا أعرفه من وجه من الوجوه في غير الموطأ إلا ما ذكره الشافعي في الأم، يعني عن محمد بن إبراهيم بن أبي يحيى عن إسحاق.. إلى آخره، وسنده ضعيف حتى عند الشافعي -رحمه الله-.
"وحدثني عن مالك أنه بلغه أن أبا هريرة كان يقول إذا أصبح وقد مطر الناس: "مطرنا بنوء الفتح" بنوء الفتح هل هناك نوء يقال له: الفتح؟ نجم يقال له: الفتح؟ ما فيه، إذًا ما الفتح؟ فتح ربنا، ردًّا لما عليه المشركون من إضافة المطر إلى الأنواء يعني مخاطبة القوم باصطلاحهم، بعبارة وأسلوب شرعي، هم قالوا: بنوء، وهو قال: بنوء، ما يخالف، لكن بدل ما هو بنوء كذا وكذا يعني المجدح، نعم نوء الفتح، "ثم يتلو هذا الآية: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ} [(2) سورة فاطر]" هذا هو الفتح الذي مطرنا بنوئه، {مِن رَّحْمَةٍ} [(2) سورة فاطر] مطر ورزق وهذا مثل السابق، وفيه إثبات الرحمة لله -جل وعلا- {فَلَا مُمْسِكَ لَهَا} [(2) سورة فاطر] أي لا يستطيع أحد أن يمنعها عنهم، {وَمَا يُمْسِكْ}[(2) سورة فاطر] يمنع من الرحمة فإنه لا مرسل ولا مطلق لهذه الرحمة إذا أمسكها أحد من بعده، فيكف يصح إضافته للأنواء وهي مخلوقة؟!
وكذلك مسألة الحجاب، وما فيها من خلاف؟ وكثيرًا من الأحكام التي ورد فيها الخلاف هل ننكر على مرتكبيها، أما ماذا نفعل، أفتونا مأجورين؟
نعم وردت كثيرًا على ألسنة أهل العلم أنه لا إنكار في مسائل الخلاف، والمراد بذلك المسائل الاجتهادية التي مردها الاختلاف في فهم النص، أو في كيفية تنزيل المسألة على النص، أو استنباطها من القاعدة، على كل حال المسائل المنصوص عليها من الشارع ولو خالف فيها من خالف من أهل العلم ينكر عليه، ينكر على من خالف فيها، إذا كانت المسألة محسومة بنص شرعي.
الأمر الثاني: إذا كان القول المعمول به في بلد من البلدان والمعتمد في بلد، والقول الثاني له آثار فالأصل الإنكار، فمثلًا مسألة الحجاب، مسألة التصوير مع ما فيها الخلاف كثير، لا لأن التصوير فيه خلاف، التصوير حرام، الخلاف في هذا النوع من التصوير هل يدخل في النصوص أو لا يدخل؟ ولا شك أنه تصوير، وهو داخل في النصوص فهو محرم، لكن يبقى أن من اقتدى بعالم تبرئ الذمة بتقليده وفرضه التقليد هو من العوام أو أشباه العوام واقتدى بمن تبرأ الذمة بتقليده ورأى أن..، لا لهوى في نفسه، فرق بين أن تقتدي بالعالم الفلاني لأنه إمام تبرأ الذمة بتقليده حتى لو قال لك: حرام اعتمدت أنه حرام، وبين أن تعتمد هذا القول؛ لأنه يوافق هوى نفسك، أنت الآن ما قلدت العالم اتبعت هواك، فإذا قلد الإنسان من تبرأ الذمة بتقليده برئت عهدته من الإثم.
مسألة الحجاب: عرفنا أنها وإن كان فيها خلاف إلا أن الراجح بأدلته المتظاهرة المتكاثر أنه يشمل الوجه والكفين، "وكان يعرفني قبل الحجاب" "إذا مر بنا الرجال أسدلت إحدانا جلبابها" المقصود النصوص كثيرة في الصحيحين وغيرهما، القول الآخر له أدلته، والإجابة عنها ممكنة ما فيها أدنى إشكال، هناك أدلة ملتبسة على بعض أهل العلم فجوز من خلالها كشف الوجه، لكن يبقى أنه إذا خشيت الفتنة فتغطية الوجه إجماع، إذا كان القول المعتمد في بلد من البلدان حمل الناس على القول الأحوط هذا إذا افترضنا أنهم على حد سواء مع أن المسألة في الحجاب لا، ليست الأقوال مستوية، النصوص صريحة في وجوب تغطية الوجه والكفين، إذا فرضنا أن المسألة على حد سواء، الأدلة متعادلة واعتمد قول وأفتى به في بلد من البلدان، لا شك أن هذا القول هو المعتمد، وأن الذي يثير غيره لا سيما إن كان القول الآخر تترتب عليه آثار عملية مؤثرة سلبية فإنه لا حظ له من النظر، بل ينكر على من أفتى به.
هذا ليس بحديث.
يضعه في يمينه في الخنصر، وهذا أكثر، وجاء في الأحاديث ما يدل على وضعه في الشمال، والمسألة فيها سعة، لكن وضعه في خنصر اليمنى أكثر.
لبس الساعة بعض الناس يجعلها في اليسار؛ لأن اليمين هي محل العمل، الأخذ والعطاء، اليد القوية التي تزاول بها الأعمال، فيخشى عليها من أن تتأثر أو تتلف هذا مقصد حسن، وإذا وضعها في يمينه مخالفًا في ذلك الكفار أجر على ذلك -إن شاء الله تعالى-، وإن قاسها على الخاتم قال: الخاتم باليمين والساعة في حكمه علمًا بأن الساعة لا أصل لها في الشرع، لكنها من الأمور المباحة، من الأمور العادية، نعم.
فلم أجد فيه أن هناك اختلاف في القيمة من حيث التأجيل أو التعجيل، وقد ذكر الحافظ من فوائد هذا الحديث: وفيه جواز الكتاب على قدر قيمة العبد وأقل منها أو أكثر؛ لأن بين الثمن المنجز والمؤجل فرقًا، ومع ذلك فقد بذلت عائشة المؤجل ناجزًا، فدل على أن قيمتها كانت بالتأجيل أكثر مما لو كوتبت به، وكان أهلها باعوها بذلك.
ثم قال أيضًا: وجواز شراء السلعة للراغب في شرائها بأكثر من ثمن مثلها؛ لأن عائشة -رضي الله تعالى عنها- لما بذلت ما قرر نسيئة على جهة النقد مع اختلاف القيمة بين النقد والنسيئة انتهى كلامه.
نرجو التوضيح، وهل الأولى بالمسلم التعامل ببيع التقسيط أم يتركه تورعًا لحديث: ((من باع بيعتين)).. إلى آخره؟
أولًا: البيع إلى أجل، بيع السلع مما يملكها على محتاج لها إلى أجل محل إجماع بين أهل العلم، والزيادة من أجل الأجل أيضًا لا خلاف فيها بين أهل العلم {إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [(282) سورة البقرة] هذه مسألة لا خلاف فيها، الخلاف فيما لو احتاج قيمة هذه السلعة، هو لا يحتاج السلعة يحتاج قيمتها، هذا يعرف بمسألة التورق، عامة أهل العلم ومنهم الأئمة الأربعة على جوازها إذا استوفت شروطها، من مالكٍ للسلعة يبيعها على جائز التصرف بثمن معلوم إلى أجل معلوم، يبيع المشتري على طرف ثالث بعد القبض الشرعي المعتبر لا إشكال في جوازها إذا استوفت هذه الشروط، وهو قول الأئمة الأربعة وأتباعهم، بقي أن من أهل العلم كابن عباس وعمر بن عبد العزيز وشيخ الإسلام ابن تيمية يرون أن مسألة التورق احتيال على الربا، لكنها عند عامة أهل العلم جائزة وداخلة في البيع إلى أجل.
الإنسان إذا اشترى السلعة هو حر يتصرف فيها كيف يشاء، كونه محتاج لقيمتها لا أحد يمنعه أن يدفع حاجته بطريق مشروع، ولا يحل الإشكالات القائمة، ولا يقضي على حوائج الناس إلا بهذه الطريقة، نعم السلم فيه حل لهذا الإشكالات، لكن كثير من الناس يصعب عليه أن يلتزم بسلعة يحضرها في وقت محدد، وهو يجد مثل هذه المعاملة التي هي سهلة ميسرة، وتحل كثيرًا من إشكالات الناس.
ابن القيم -رحمه الله تعالى- يقول: راجعت شيخنا مرارًا من أجل أن يعدل عن رأيه في تحريم مسألة التورق فلم يستجب لذلك.
على كل حال إذا استوفت جميع الشروط فالبائع الأول مالك للسلعة ملكًا تامًّا مستقرًّا، هي من ضمانه لو تلفت يبيعها على شخص راغب فيها أو في ثمنها لا فرق، ثم يقبضها المشتري الثاني قبضًا شرعيًّا معتبرًا، بثمن معلوم إلى أجل معلوم، ويبعها من طرفٍ ثالث لا إشكال فيها -إن شاء الله تعالى-، سواءً كانت بثمن يدفع دفعة واحدة عند حلوله، أو على نجوم يعني أقساط، لا شيء في هذا.
طالب:.....
لا تصير مسالة العينة، لو باعها على البائع لصارت العينة المحرمة نعم؟
طالب:.....
باعها ثم اشتراها ممن باعها منه؟ الآن التاجر الأول باعها على شخص محتاج، هذا المحتاج باعها على ثالث ثم وجدها الأول مع الثالث ما فيه إشكال، المقصود إنه لا يشتريها ممن باعها منه؛ لأن الحيلة حينئذٍ تكون ظاهرة.
طالب:.....
ولو حازها؛ المهم ما ترجع من المشتري الثاني إلى البائع الأول؛ لأن هذه هي مسألة العينة.
طالب:.....
ما معنى وكيل؟
طالب:.....
يبيعها إلى البائع الأول أو ولده ما يجوز البيع لا لوكيله ولا ولده؛ لأن وكيله بمنزلته، وولده في حكمه، على كل حال إن استمر على جهله ولم يعرف هذا معفو عنه، لكن إذا عرف فيما بعد يسترجعه، العقد محرم، نعم؟
طالب:.....
ماذا فيه؟ الأسهم؟
طالب:.....
الأسهم لا بد من التثبت في ماهيتها، إن كانت هذه الأسهم عبارة عن أموال سيولة في البنوك لا يجوز بيعها بالدراهم أبدًا؛ لأن هذا عين الربا، وإن كانت عروض تجارية فتباع ممن يقبضها القبض الشرعي المعتبر، أما مجرد كلام في الشاشات ولا يدرون ما السلعة، لا، هذا ما يصلح، هذا لا يجوز، أما كلام البنوك وكِّلنا ونبيع لك فهذا ليس بصحيح أبدًا.
أهل الحديث يقولون: راهويه، إسحاق بن راهويه، ويتحاشون النطق بـ(ويه) ويزعمون أنه من أسماء الشيطان، ويذكر فيه حديث لكنه لا أصل له، والصواب أن نطقه على الجادة، كما يقال: سيبويه ونفطويه يقال: راهويه.
مدح قاتل عمر؟! ما يمكن أن يمدح قاتل عمر، ما يمكن بحال أن يمدح قاتل عمر، لكن خرج الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- لعمران بن حطان، وقد مدح قاتل علي، وهو من رؤوس الخوارج ودعاتهم، وحال الخوارج في الرواية عند أهل العلم هم من أوثق الرواة، هم أفضل أهل البدع في الرواية على الإطلاق؛ لأنهم يرون تحريم الكذب، بل يعدونه من عظائم الأمور، بل يكفرون مرتكب هذه الكبيرة، فعندهم الكذب من الكبائر، ومرتكب الكبيرة كافر عندهم، إذًا هم يلتزمون الصدق؛ ولذا يقول الحافظ ابن حجر: "وما المانع إذا خُرّج لمبتدعٍ إذا عرف بصدق اللهجة؟" واستدرك عليه العيني بقوله: "وأي صدق في لهجة من يمدح قاتل على -رضي الله عنه-؟"
نقول: مثل هذا لا يرجع إلى الصدق والكذب، المدح هذا والذم لا يرجع إلى أصل الصدق والكذب، يرجع إلى الخطأ، هم أخطئوا، وهم على خطر عظيم، بل جمع من أهل العلم يرون تكفير الخوارج للحديث الصحيح: ((يمرقون من الدين)) وإن كان شيخ الإسلام ينقل عن جمهور السلف أنهم ليسوا بكفار، والخلاف في المبتدع الذي لا يكفر ببدعته معروف عند أهل العلم من حيث قبول الرواية وعدمها، والأكثر أن المردود الدعاة فقط، وإن كان المذكور عن ابن حزم العكس أن الدعاة أولى بالقبول من غيرهم من الأتباع، وما من مسألة كما ترون اجتهادية إلا وفيها أقوال متضادة ابن حزم يقول: الدعاة أولى بالقبول، ابن حبان نقل الاتفاق على رد الدعاة، وابن حزم يقول: إن الدعاية أولى بالقبول من المقلد في هذا الباب؛ لأنه ينصر ما يراه الحق، وعلى كل حال بدعة الخوارج عند عامة أهل العلم لا أثر لها في روايته؛ لأنهم عرفوا بصدق اللهجة، خلاف الروافض، فلا شك أن كتب السنة منها الصحيحان طافحة بالرواية عن المبتدعة، إذا لم يرووا ما يؤيد بدعتهم أما إذا رأى المبتدع ما يؤيد بدعته أوجسنا منه خيفة، وتوقفنا في قبول روايته.
على كل حال عندنا النقل عن عمران بن حطان وهو من رؤوس الخوارج القعدية ودعاتهم، وابن حبان نقل الاتفاق على رد الدعاة، البخاري -رحمه الله تعالى- إنما خرّج له فيما له شاهد، فلم يعتمد عليه البخاري -رحمه الله-، ومنهم من يقول: إنه رجع عن بدعته، ومنهم من قال: إن الحديث الذي خرجه البخاري عنه إنما نقل عنه قبل أن يتلبس ببدعته، ومعروف أن عمران بن حطان كان على الجادة من أهل السنة من أول الأمر إلا أنه تزوج امرأة خارجية ليكسب أجرها على ما يقول بعض الإخوان؛ يبحث عن امرأة لو كانت ديانتها أقل فيكسب أجرها، يدعوها إلى الله، وهذا خطر عظيم، ومنزلق خطير، وكم من شخص انحرف بسبب الزوجة، أراد عمران بن حطان أن يدعوها إلى مذهب أهل السنة فدعته فصار من رؤوس الخوارج، نسأل الله السلامة والعافية.
الأمر بالصلاة عليه -عليه الصلاة والسلام- في القرآن: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [(56) سورة الأحزاب] ومن صلى عليه -عليه الصلاة والسلام- صلى الله عليه بها عشرًا، والنصوص متضافرة على الأمر بالصلاة والحث عليها، فمن يذكر -لا سيما عند الغفلة- من يذكر بهذا الأمر لا بأس به، مثل ما يقال له: سبح، اذكر الله، يعني يريد أن يصرفه عن هذا الموضوع الذي لا خير فيه.
أما القسم الذي حققه الشيخ محمود شاكر فلا نظير له، ولا يغني عنه أي تحقيق، يبقى بقية الكتاب، وهو من أثناء سورة إبراهيم الظاهر إلى آخر القرآن، يعني الذي لم يصل إليه شاكر في التحقيق، الذي يصبر على الطبعات القديمة ويقتصر على طبعة بولاق كاملة، الكتاب كامل، نفيسة طبعة بولاق، لكن الذي لا يصبر على الطبعات القديمة فأمثل الموجود الآن كامل التي حققها الشيخ عبد الله التركي.
فتح الباري أشرنا مرارًا إلى أفضل الطبعات طبعة بولاق وما صور عنها إن وجدت وإلا فالسلفية الأولى، وما صور عنها.
شرح النووي على مسلم إن وجدت أو صبر الطالب على مراجعة ما بهامش إرشاد الساري الطبعة السادسة فهي طبعة متقنة، إن كان لا يصبر على ذلك فعليه بالطبعة المصرية البهية في ثمانية عشر جزءًا صغارًا، وما صور عنها.
فهو يشتريها ثم يبيعها وهو في نفس المصنع، لكنه يمتلك سند قبض، لكن هذا الرجل لن يضمن السلعة إذا تلفت فهذا من نواقض الحيازة للسلعة.
يقول: هذا رجل يعمل في بيع الإسمنت يشتريه لأجل مسمى، ولا يدفع الثمن إلا بعد أن يبعه، يعني هذا أجل مسمى؟ نعم؟ هو إذا كان بيع تصريف غير مسألة التورق، وهو المعروف بمسألة التورق هذا خلط، مسألة التورق: أن يأتي شخص محتاج إلى نقود إلى شخص عنده سلعة، والثاني لا يريد السلعة إنما يريد قيمة هذه السلعة، فيبيع عليه هذه السلعة بثمن زائد على قيمتها نقدًا إلى أجل مسمى، ثم يقبضها المشتري، يبيعها الأول الذي ملكها ملكًا تامًّا مستقرًّا بحيث تكون من ضمانه إذا تلفت، ثم يبيعها إلى الثاني فيقبضها كذلك، وتصير من ضمانه فبيعها عليه بثمن مسمى معين إلي أجل مسمى، ثم يبيعها الثاني على طرف ثالث، هذه مسألة التورق، وعامة أهل العلم على جوازها، ولم يعرف لهم مخالف إلا ما يذكر عن ابن عباس وعمر بن عبد العزيز، وشيخ الإسلام ابن تيمية والشيخ ابن عثيمين.
المقصود أن الخلاف فيها نادر والأئمة الأربعة كلهم وأتباعهم على جوازها إذا استوفت شروطها.
يقول: لكن المشكلة أنه لا يقبضها القبض الشرعي، فهو يشتريها ثم يبيعها وهي في نفس المصنع لكنه يمتلك سند قبض، لكن هذا الرجل لن يضمن السلعة؟
الذي لم يضمن السلعة معناه أنه ما اشترى السلعة، إذا اشترى السلعة وقبضها صارت من ضمانه، وحينئذٍ يجوز له أن يتصرف فيها، أما إذا لم يكن ضمانه عليه فليس بملك له، فالضمان على المالك، قبل تمام العقد على البائع، وبعد تمام العقد على المشتري.
لكن هذا الرجل لن يضمن السلعة إذا تلفت، فهذا من نواقض الحيازة للسلعة.
لا يكفي سند القبض في حيازة السلع، وقد نهى -عليه الصلاة والسلام- أن تبتاع السلع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم، فلا بد من الحيازة، ومن أهل العلم من يرخص فيما عدا الطعام، يتسامح فيه، يجعل القبض فيه أخف بالعد، أو باستلام ما يدل عليها، أو بالتخلية، أو ما أشبه ذلك، لكن إذا كانت السلعة طعامًا فهم متفقون على حيازتها، أما غير الطعام فبعض أهل العلم يرخص أو يتساهل في كيفية القبض لا في القبض، لكن الأحوط أن يكون الطعام وغيره سواء.