قرة عيون الموحدين - 14
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
اللهم اغفر لنا ولشيخنا ولوالدينا ولجميع المسلمين.
قال المؤلف الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى:
بابٌ من الشرك أن يستغيث بغير الله أو يدعو غيره وقول الله تعالى {وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ الظَّالِمِينَ وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ} [سورة يونس:106-107] الآية وقوله {فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ} [سورة العنكبوت:17] وقوله {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ} [سورة الأحقاف:5] الآيتين وقوله {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [سورة النمل:62] وروى الطبراني بإسناده أنه كان في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- منافق يؤذي المؤمنين فقال بعضهم قوموا بنا نستغيث برسول الله -صلى الله عليه وسلم- من هذا المنافق فقال -عليه الصلاة والسلام- «إنه لا يستغاث بي».."
لولا أن الله- جل وعلا- قال {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [سورة المائدة:67] ما استطاع أن يدفع عن نفسه -عليه الصلاة والسلام- فكيف يطلب منه أن يدفع ما لا يقدر عليه الله المستعان.
"قال الشارح الإمام عبد الرحمن بن حسن رحمه الله قوله باب من الشرك أن يستغيث بغير الله تعالى أو يدعو غيره قال شيخ الإسلام- رحمه الله- الاستغاثة هي طلب الغوث وهو إزالة الشدة."
لأن السين والتاء للطلب، السين والتاء كالاستعانة والاستشفاء والاسترقاء كلها طلب هذه الأمور والاستسقاء.
"كالاستنصار طلب النصر، والاستعانة طلب العون، انتهى قلت فبين الاستغاثة والدعاء عموم وخصوص مطلق يجتمعان في مادة وهو دعاء المستغيث، وينفرد الدعاء الذي هو مطلق الطلب والسؤال من غير المستغيث وقد نهى تعالى عن دعاء غيره."
فالاستغاثة أخص، فالدعاء يدعو الملهوف وغير الملهوف في الرخاء والشدة الدعاء مشروع، وأما الاستغاثة في حالة الشدة فهي أخص مطلقة من الدعاء، كل استغاثة دعاء ولا عكس.
"وينفرد الدعاء الذي هو مطلق الطلب والسؤال من غير المستغيث، وقد نهى تعالى عن دعاء غيره الأخص والأعم في كتابه كما يأتي بيانه، فكل ما قصد به غير الله مما لا يقدر عليه إلا الله كدعوة الأموات والغائبين فهو من الشرك الذي لا يغفره الله، والأدلة على ذلك من القرآن والسنة أكثر من أن تحصر. قوله تعالى {وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ الظَّالِمِينَ} [سورة يونس:106] في هذه الآية النهي عن أن يدعى أحد من دونه تعالى، وأخبر تعالى أن غيره لا يضر ولا ينفع وقوله {فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ الظَّالِمِينَ} [سورة يونس:106]."
لكن هل هذا قيد معتبَر أو لا مفهوم له {وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ} [سورة يونس:106] هل معنى هذا أنك إن وجدت من ينفعك أو يضرك أنك تدعوه وتنتفع به؟ أو أن هذا وصف كاشف وأن جميع من عدا الله- جل وعلا- لا ينفع ولا يضر بل النافع والضار هو الله جل وعلا وإن أجرى على يد بعض خلقه شيئا من النفع وشيئا من الضر إنما هي مجرد أسباب.
"{فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ الظَّالِمِينَ} [سورة يونس:106] والظلم في هذه الآية هو الشرك كما قال تعالى عن لقمان {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [سورة لقمان:13] وقوله {وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ} [سورة الأنعام:17] هذا في حق المستغيث أخبر تعالى أنه هو الذي يتفضَّل على من سأله، ولا يقدر أحد أن يمنعه شيء من فضل الله عليه، فهو المعطي والمانع لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع وفي هذا المعنى ما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما وفيه «واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك» فمن تدبر هذه الآية وما في معناها علم أن ما وقع فيه الأكثر من دعوة غير الله هو الظلم العظيم والشرك الذي لا يغفر، وأنهم قد أثبتوا ما نفته لا إله إلا الله من الشرك في الإلهية ونفوا ما أثبتته من الإخلاص كما قال تعالى {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ = 2 أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [سورة الزمر:2-3] والدين هو طاعة الله فيما أمر به وشرعه ونهى عنه وحرمه، وأعظم ما أمر به التوحيد والإخلاص وألا يقصد العبد بشيء من عمله سوى الله تعالى."
الدين يراد به بجميع أبوابه إنما يتقرب به إلى الله- جل وعلا- لا إلى غيره بجميع أبوابه وهو شامل للإيمان والإسلام والإحسان، كما في حديث جبريل هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم، وهو شامل لكل ما طلبه الله من عباده.
"وألا يقصد العبد بشيء من عمله سوى الله تعالى الذي خلقه لعبادته وأرسل بذلك رسله وأنزل به كتبه لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، وأعظم ما نهى عنه الشرك به في ربوبيته وإلهيته وقوله {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} [سورة الأحقاف:5-6] فهذه الآية تبين وتوضح.."
وهم عن عبادتهم غافلون، مسكين هذا الذي يطلب الحوائج من المخلوق وظنَّ أن هذا المخلوق الذي لا يدفع عن نفسه شيئا يملك من أمره شيء وهو لا يسمع ولو سمع ما استجاب، لكن الشيطان تسويله وتزيينه وتلبيسه على الناس، وما أخبر به النبي -عليه الصلاة والسلام- واقع لا محالة وأنه يوجد من يعبد الأوثان من هذه الأمة، ومن قرأ بعض الكتب عند المتأخرين من متأخري المذاهب وجد عندهم العجب، دعوة غير الله الشرك الأكبر الواضح الصريح ويزعمون أنهم يتصرفون في العالم، وأنهم يقضون الحوائج وأنهم ويصفونهم بأوصاف ويطلبون منهم أشياء لا يقدرون عليها، وفي رحلة ابن بطوطة شيء من هذا لا يخطر على بال ما يتصور أن يقع من عاقل لكن هي السيئة تقول أختي أختي، هي في أول الأمر تكون سهلة ثم تجرها إلى ما هو أعظم منه فعلى الإنسان أن يلزم الجادة ولا يتنازل عن شيء؛ لأنه إذا تنازل عن شيء دعاه هذا التنازل إلى ما دونه ثم إلى ما دونه وكل معصية لها ضريبة، السيئة والمعصية تقول أختي أختي، يعني هل يتصور أن من يسجد لله مستقبلا القبلة قد أتى بجميع شروط الصلاة ويقول سبحان ربي الأسفل؟! لولا أنه جرته الذنوب والمعاصي إلى أن وصل إلى هذا الحد وهو لا يشعر، فإذا تساهل الإنسان بشيء لاسيما ما يتعلق بالأصل الأصيل الذي هو التوحيد وما يضاده من الشرك يتنازل عن شيء من هذا يجره إلى ما هو أعظم منه إلى أن يخرج من الدين بالكلية، ومن تأمل كلام بعض المفتونين ممن ينتسب بل ممن يدعى فيهم الولاية.
ألا بذكر تزداد الذنوب
|
|
وتنطمس البصائر والقلوب
|
يقول هذا مسلم يتدين بدين؟! يقول مثل هذا الكلام، والله- جل وعلا- يقول {أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } [سورة الرعد:28] لكن هو التنازل مسألة ثم مسألة ثم لازم ثم يلتزم باللازم ثم مع النقاش ومع المجادلة والمناظَرة يتعصب لرأيه وتأخذه العزة بالإثم وبعد ذلك ينتهي وهو لا يشعر نسأل الله الثبات.
"فهذه الآية تبين وتوضح ما تقرر في الآية قبلها، فأخبر تعالى أنه لا أضل ممن يدعو أحدا من دونه كائنا من كان، وأخبر أن المدعو لا يستجيب لما لما طُلب منه من ميت أو غائب أو ممن لا يقدر على الاستجابة مطلقا من طاغوت ووثن، فليس لمن دعا غير الله إلا الخيبةَ والخسران ثم قال تعالى {وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ} [سورة الأحقاف:5] كما قال في آية يونس {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُمْ} [سورة يونس:28] إلى قوله {فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ} [سورة يونس:29] ثم قال {وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} [سورة الأحقاف:6] فلا يحصل للمشرك يوم القيامة إلا نقيض قصده فيُتبرأ منه ومن عبادته وينكَر ذلك عليه أشد الإنكار."
{إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ} [سورة البقرة:166] هم يتبرؤون ويود الذين اتَّبعوا لو تعاد الكرة ويتبرؤوا منهم لكن هذا ليس بالإمكان.
"وقد صار المدعو للداعي عدوا، ثم أخبر تعالى أن ذلك الدعاء عبادة بقوله وكانوا بعبادتهم كافرين، فدلت أيضا على أن دعاء غير الله عبادة له وأن الداعي له في غاية الضلال، وقد وقع من هذا الشرك في هذه الأمة ما عم وطم حتى أظهر الله من يبينه بعد أن كان مجهولا عند الخاصة والعامة إلا ما شاء الله تعالى وهو في الكتاب والسنة في غاية البيان، لكن القلوب انصرفت إلى ما زين لهم الشيطان كما جرى للأمم مع الأنبياء والمرسلين لما دعوهم إلى توحيد الله جرى لهم من شدة العداوة ما ذكره الله تعالى كما قال {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ } [سورة الذاريات:52-53] ويشبه هذه الآيةَ في المعنى {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ إِن تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ } [سورة فاطر:13-14] أخبر تعالى أن ذلك الدعاء شرك بالله وأنه لا يغفره لمن لقيه به فتدبر هذه الآية وما في معناها كقوله {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً} [سورة الجن:18] {قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً} [سورة الجن:20] وهو في القرآن أكثر من أن يستقصى، وقوله جل وعلا {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ} [سورة النمل:62].."
في القرآن في نصوص الكتاب والسنة من بيان التوحيد وما يتعلق به ونفي الشرك، وجاء فيه من الآيات والأحاديث أكثر مما جاء في العبادات: من الصلاة والزكاة، ومع ذلك تجد الخلل في الأمور العملية أقل عند كثير من الناس من الخلل في أمور الاعتقاد، مع أنه جاء بيانها في الكتاب بأوضح بيان وأجلى عبارات الكتاب والسنة، ومع ذلك يقع الخلل فيها أكثر من الخلل في العبادات؛ لأن الشيطان إذا زل الإنسان في أمور الاعتقاد ترك له العبادات ليست مشكلة، بينما لو ضبط التوحيد وأصل التوحيد لم يلتفت إلى تسويل الشيطان في هذا الباب ذهب يشوِّش عليه بقية عبادات عله أن يستجيب له بشيء منها.
"وقوله {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ} [سورة النمل:62] وهذا مما أقر به مشركو العرب وغيرهم في جاهليتهم."
الإشكال أنهم قد يورد على بعضهم مما يتعلق بالتوحيد فيبدي جهله وأنه لا يستطيع أن يفهم مثل هذه النصوص إلا من تقليده لشيوخهم، يُذكَر عن بعضهم أنه تلفظ بلفظ شركي فرد عليه شخص من أهل التحقيق فقال شيوخنا يقولون كذا ونحن لا نفهم القرآن، القرآن للعلماء فدخلت ابنته، ابنة صغيرة عمرها سبع أو ثمان سنوات فقال له ألا تتزوج هذه البنت؟! قال أنت مجنون هذه بنتي كيف أتزوج بنتي، قال عندك دليل على أنه ما يجوز تتزوجها قال نعم، الله جل وعلا يقول {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ} [سورة النساء:23] قال كيف تفهم هذا وذاك لا تفهمه، هذا القرآن الذي جاء بالأسلوب الثاني الذي تقول أنت ما أفهمه، فلا شك أن الشيطان يلبِّس عليهم لكن المعصوم من عصمه الله.
"كما قال تعالى {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ} [سورة العنكبوت:65].."
مثل ما قرر الشيخ محمد بن عبد الوهاب- رحمه الله- قال وجدد صياح في بيت فقالوا إن فلانة هجم على بيتها وفعل معها الفاحشة، فثار الحاضرون قالوا لماذا لا تُنقَذ لماذا لا يتتبع الفاعل أو ما أشبه ذلك، ثم قال لا بد أن نتثبت هل هو صحيح أو ما هو صحيح، أخيرا قال تثبتنا وما وجدنا أن أحدا عمل هذا العمل لكن المرأة صرعت فذُبِح عندها ديك فشفيت وطابت وسكنت، قالوا الحمد لله هانت، يعني صار الشرك أسهل من الزنى هذا مرده إلى الجهل وإلاَّ فالتوحيد رأس المال.
"كما قال تعالى {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [سورة العنكبوت:65] أخبر تعالى أنهم يخلصون الدعاء له إذا وقعوا في شدة قال أبو جعفر بن جرير- رحمه الله تعالى- يقول تعالى {أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ} [سورة النمل:60] يفعل هذه الأشياء بكم وينعم عليكم وقوله قليلا.."
استفهام إنكاري.
"وقوله {قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ} [سورة الأعراف:3] يقول تذكرا قليلا تذكَّرَا قليلا من عظمة الله وأياديه عندكم تذكرون وتعتبرون حجج الله عليكم يسيرا فلذلك أشركتم بالله غيره في عبادته وقوله وروى الطبراني بإسناده أنه كان في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- منافق يوذي المؤمنين فقال بعضهم قوموا بنا نستغيث برسول الله -صلى الله عليه وسلم- من هذا المنافق، فقال -عليه الصلاة والسلام- «إنه لا يستغاث بي وإنما يستغاث بالله» الطبراني هو الإمام الحافظ سليمان بن أحمد بن أيوب اللخْمي الطبراني صاحب المعاجم الثلاثة وغيرها، روى عن النسائي وإسحاق بن إبراهيم الديري وخلق كثير.."
الدَّبَري.
"قال.. روى عن النسائي وإسحاق بن إبراهيم الدبري وخلقٌ كثير."
وخلقٍ..
"مات سنة ستين وثلاثمائة.."
عما يقرب من مائة سنة عُمِّر-رحمه الله-.
"روى هذا الحديث عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قوله فقال بعضهم قوموا بنا نستغيث برسول الله -صلى الله عليه وسلم- من هذا المنافق" قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى إن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقدر أن يغيثهم منه قلت فلعله أراد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يترك المنافقين أن يُفعَل بهم ما يستحقونه مخافة أن يفتتن بعض المؤمنين من قبيلة المنافق و في السنة ما يدل على ذلك كما فُعِل مع أُبَيٍّ وغيره.."
كما فَعَل مع ابن أُبَيّ مع عبد الله بن أبي لئلا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه -عليه الصلاة والسلام-.
"وقيل إن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقدر أن يغيثه من ذلك المنافق فيكون نهيه -صلى الله عليه وسلم- عن الاستغاثة به حماية لجناب التوحيد وسدًّا لذرائع الشرك كنظائره مما للمستغاث به قدرة عليه مما كان يستعمل لغة وشرعا مخافة أن يقع من أمته الاستغاثة بما لا يضر ولا ينفع ولا يسمع ولا يستجيب."
لا شك أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لما رد عليهم مع قدرته على إغاثتهم أنه أراد حسم المادة، سد الذريعة الموصلة إلى مثل هذا لئلا يستغاث به فيما لا يقدر عليه.
"قال ولا يسمع ولا يستجيب من الأموات والغائبين والطواغيت والشياطين والأصنام وغير ذلك، وقد وقع من هذا الشرك العظيم ما عمت به البلوى كما تقدم ذكره حتى إنهم أشركوهم مع الله في ربوبيته وتدبير أمر خلقه كما أشركوهم معه في إلهيته وعبوديته والوسائل لها حكم الغايات في النهي عنها والله أعلم."
اللهم صل على محمد... اللهم صل وسلم على عبدك...