التعليق على الموافقات (1431) - 02

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

هذا يقول: رجل أتى من مصر وهو يريد العمرة، ولكن قبل العمرة سيمكث في جِدة يومين، فهل يهل بالعمرة من جدة؟

لا، يرجع إلى الجحفة، يرجع إلى رابغ وهي قريبة من جدة.

يقول: هل يمكن أن يستدل من قول الله تعالى: {وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ}[الأحزاب:52] الآية على عدم فرضية النقاب على أن الآية متأخرة، وظاهر الآية يؤيد ذلك؟

ليس فيه ما يؤيد ذلك؛ لأن الحسن يُدرَك بالوصف، وبالاستفاضة، يعني إذا اشتهر بين الناس أن فلانة أو آل فلان عندهم بنت حسنة أو جميلة يُدرَك هذا، الأمر الثالث الذي يدرك به الحسن القدّ، الجسم ولو من وراء الحجاب، يُدرَك به الحسن.

هل يفرق بين الرجل وزوجته إذا كفرت بدون إشراك، يعني إذا كان هذا الكفر يحتمل التأويل؟

إذا كان لها تأويل سائغ وتذرعت أو تعذرت بعذر أو لها شبهة أو شيء من ذلك على أنها لو كفرت بشيء صريح لا يُفرَّق إلا بحكم حاكم.

 وإذا كان نعم فإذا كانت النصرانية كافرة وليست مشركة، فما الفرق؟

على كل حال قلنا: إن الفرق والخلاف في هذا لفظي، هم كفار بالإجماع، والجنة عليهم حرام، ومن شكَّ في كفرهم يقول بعض أهل العلم: كفر إجماعًا، فكونهم كفارًا أو مشركين لا فرق، لكن استثناؤهم جاء بالنص، فإن قلنا: ليسوا بمشركين ما نحتاج إلى استثناء، من قوله: {وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ}[البقرة:221]؛ لأنهن لسن بمشركات، كافرت فيهن شرك، كما يقرر جمع من أهل العلم، وإذا قلنا: هم كفار مشركون أشركوا بالمسيح وأمه قلنا: هم كغيرهم يحتاجون إلى استثناء، ورد الاستثناء بالنص {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ}[المائدة:5].

طالب:...

من باب الإطلاق العام للشرك، حتى يتناول من أشرك هواه، سماه مشركًا هذا إطلاق عام، نعم.

أحسن الله إليك، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد،

 فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "المسألة الرابعة: المقصود من وضع الأدلة تنزيل أفعال المكلفين على حسبها، وهذا لا نزاع فيه، إلا أن أفعال المكلفين لها اعتباران: اعتبارٌ من جهة معقوليتها، واعتبارٌ من جهة وقوعها في الخارج،".

يعني الاعتبار الأول اعتبارها من جهة المعقولية، يعني تصور العقل لها، تصور العقل لها قبل وقوعها في الخارج، والثاني: اعتبار وقوعها في الخارج بصفتها القائمة، بجميع ما تقتضيه وما تتطلبه فالاعتبار الأول اعتبارها في الذهن، وقد تتصور في الذهن من وجه، ولو لم يكن كاملاً، ولو كان غير متحقق الوقوع، يعني تصور ذاتًا من غير صفات، هذا تصور ذهني، لكن لا يمكن أن يقع تصديقها في الخارج إلا باكتمال صفاتها، ولذلك حينما قالوا: أنه يتصور إله من غير صفات، ويتصور في غير جهة، هذا هو تصور ذهني لا حقيقة له في الواقع، أنت حينما تشير إلى شيءٍ في الذهن أما بعد، فهذا كتابٌ يشتمل على كذا وكذا وكذا، تكتب المقدمة قبل كتابة الكتاب، قبل وقوعه في الخارج، أنت تتصوره في الذهن، لكن هل ما تصورته في الذهن يكون مطابقًا لما في الواقع أو في الخارج؟

ما يُدرى، يمكن أن يطرأ عليك تغيير مسار الكتاب جملةً، يعني حينما يقال: هذا كتابٌ في أصول الفقه، أو هذه ورقات في أصول الفقه تشتمل على كذا وكذا وكذا، فإن كانت المقدمة كُتبت بعد وقوعه في الخارج، بعد وجوده في الخارج فالتصور الذهني صحيح، مطابق للواقع، لكن إذا كانت المقدمة كتبت قبل وقوع وجوده في الخارج، نعم قد يتصور شيء في الذهن لكن إذا وقع في الخارج، إذا وقع ووقعت حقيقته في الخارج قد يكون مطابقًا لما في الذهن، وقد يغاير ما في الذهن. فتصور الأحكام من جهة معقوليتها أنت تتوقع تتصور صلاة، أو تتعقل صلاة من خلال الأمر بها في نصوص الكتاب، بغض النظر عن نصوص السُّنَّة {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاة}[البقرة:43]، أقيموا الصلاة، لكن ما عندنا تصور لحقيقتها الخارجية إلا بعد أن طبقها النبي -عليه الصلاة والسلام-، ثم قال: «خذوا عني» أو «صلوا كما رأيتموني أصلي».

ولذلك تأتي الأوامر مجملة، إما في الكتاب أو في السُّنة، نعم نتصورها، نلتزم بالامتثال ونقول: سمعنا وأطعنا، لكن لا يمكن تطبيقها في الخارج إلا بعد البيان.

"وبيان ذلك: أن الفعل المكلف به أو بتركه أو المخير فيه يُعتبرُ من جهة ماهيته مجردًا عن الأوصاف الزائدة عليها واللاحقة لها، كانت تلك الأوصاف لازمة".

كما يتصور المبتدعة إلهًا بدون صفات، إلهًا بدون صفات، هذا يمكن تصوره في الذهن، لكن هل له وجود في الخارج؟ يمكن أن يوجد في الخارج على الحقيقة، على الطبيعة كما يقولون ذات من غير صفات؟ ما يمكن.

"كانت تلك الأوصاف لازمةً أو غير لازمة".

سواء كانت تلك الأوصاف لازمة يعني ذاتية لا تفارِق أو غير لازمة من أوصافٍ فعلية.

"وهذا هو الاعتبار العقلي، ويُعتبرُ من جهة ماهيته بقيد الاتصاف بالأوصاف الزائدة اللاحقة في الخارج، لازمةً أو غير لازمة، وهو الاعتبار الخارجي، فالصلاة المأمور بها مثلاً يتصور فيها هذان الاعتباران".

يعني قبل البيان يُتصور فيها الاعتبار الأول، وبعد البيان وبعد بيانه -عليه الصلاة والسلام- بقوله وفعله للصلاة وللزكاة وللطهارة وللصوم ولغيرها من الأعمال والحج «خذوا عني مناسككم» يُتصَور في الذهن أننا مطالبون بشيء اسمه الصلاة، مطالبون، وسمعنا وأطعنا ننفذ متى تمكنا، ومع ذلك لا يمكن وجود مثل هذا الأمر المجمل في الخارج إلا بعد أن تكتمل صورته في الظاهر.

"وكذلك الطهارة والزكاة والحج وسائر العبادات والعادات من الأنكحة والبيوع والإجارات وغيرها، ويظهر الفرق بين الاعتبارين فيما إذا نُظِر إلى الصلاة في الدار المغصوبة، أو الصلاة التي تعلّق بها شيء من المكروهات والأوصاف التي تنقص من كمالها، وكذلك سائر الأفعال".

يعني من نظر إلى أن النهي عن الصلاة في الدار المغصوبة مُتجه إلى الصلاة نفسها، والأمر بالصلاة مُتجه إلى الصلاة نفسها، فهي باعتبارين: باعتبار أنها صلاة داخلة ضمن المأمورات وباعتبارٍ ثانٍ أنها منهيٌ عنها ضمن ما نُهي عنه من الغصوب، فتكون الجهتان الأمر والنهي متجهتين إلى ذات واحدة في آنٍ واحد، وهذا لا يمكن تصوره في الخارج، أنت تتصور صلاة مأمورًا بها منهيٌ عنها لذاتها، يعني هل تتصور أنك تقرأ القرآن، ومرت بك آية سجدة، وأمامك صنم، تسجد لهذا الصنم سجدة التلاوة؟ متصور هذا؟ أنت مأمور بسجدة التلاوة، لكن منهي عن السجود للصنم، فإذا اتجه الضدان إلى ذاتٍ واحدة في آنٍ واحد حصل التناقض، وهذا لا يُتصَور عقلاً أن يتجه أمر ونهي إلى ذات واحدة، في آنٍ واحد، هذا غير مُتصَور عقلاً.

فالاعتبار الأول مرتفع، إذا نظرنا إلى انفكاك الجهة، إذا نظرنا إلى الصلاة في الدار المغصوبة من جهةٍ أخرى أن الصلاة مأمور بها، وتأتي بها بشروطها وأركانها وواجباتها وسننها، هذه صلاة مأمور بها، والغصب له شأنه. فهو جهةٌ أخرى، من نظر إلى انفكاك الجهة قال: يُتصَور مثل هذا في الذهن وفي الخارج، والصلاة صحيحة، ولا فيها إشكال، وعليه إثم الغصب، فمنشأ الخلاف في الصلاة في الدار المغصوبة من هذه الحيثية، من نظر إلى أن الأمر والنهي متجهان إلى حقيقة واحدة في آنٍ واحد قال: مستحيل؛ لأنه لا يمكن أن يجتمع الضدان أمر ونهي في آنٍ واحد، ومن نظر إلى أن الصلاة بهيئتها، بشروطها، بأركانها كاملة بواجباتها بسننها قال: خلاص، أدى ما عليه، كونه صلى في دار مغصوبة الغصب له إثمه ووزره، فانفكت الجهة عنده، فصحَّح.

والعلماء في مثل هذا يُفرِّقون، يعني الظاهرية يرون أن كل نهي مقتضٍ للفساد والبطلان، يعني تصلي وعليك خاتم ذهب صلاتك باطلة عند الظاهرية، لو تصلي وعلى رأسك عمامة حرير صلاتك باطلة؛ لأنك تتقرب بشيءٍ حرمه الله عليك، لكن الأكثر والجمهور يرون أنه ممكن أن تنفك الجهة، فيما لا أثر له في صحة الصلاة. فيما لا أثر له في صحة الصلاة، فإذا كان النهي عائدًا إلى ذات المنهي عنه كالسجود للصنم مثلاً أو إلى شرطه أو جُزئه المؤثر كالركن فإن النهي يقتضي البطلان، لماذا؟ لأن النهي اتجه إلى شيءٍ مؤثر مبطل للصلاة، كالشرط والركن، وإذا عاد إلى أمرٍ خارج غير مؤثر ولو وُجِد التحريم ولو وُجِد الإثم، لكنه غير مؤثر، فإنه حينئذٍ مع التحريم لا يقتضي البطلان، وفرقٌ بين من صلى وعليه عمامة حرير، وبين من صلى وستر عورته بسترة حرير؛ لأن ستر العورة شرط، وذاك قدر خارج على الشرط.

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

الذي صلى ساترًا، تبطل؛ لأن النهي عائد إلى شرط العبادة.

طالب:...

وإذا عاد النهي وبطل الشرط بطلت العبادة. طيب، ما صلى لا بعمامة حرير، ولا ستر عورته بحرير، ستر المنكب بحرير، هو مأمور بستر المنكب، وستر المنكب واجب، ما هو مثل العمامة، ولا مثل ستر العورة، واجب وليس بشرط، هل نقول: إن إنه عاد إلى أمرٍ خارج؟ بأيهما يُلحَق هل يُلحق بالعمامة، أو يُلحق بستر العورة؟

طالب:...

نعم؛ لأنه غير مؤثر، لو ما ستر المنكب فصلاته صحيحة أم باطلة؟ صلاته صحيحة، لكنه آثم.

"فإذا صحَّ الاعتبارات عقلاً فمُنصَرَفُ الأدلة إلى أي الجهتين هو، ألجهة المعقولية أم لجهة الحصول في الخارج؟ هذا مجال نظر، مُحتمل للخلاف، بل هو مقتضى الخلاف المنصوص في مسألة الصلاة في الدار المغصوبة، وأدلة المذاهب منصوصٌ عليها، مبيَّنة في علم الأصول، ولكن نذكر من ذلك طرفًا يُتحرى منه مقصد الشارع في أحد الاعتبارين، فمما يدل على الأول أمور:

أحدها: أن المأمور به أو المنهي أو المنهي عنه أو المُخيَّر فيه إنما هو حقائق الأفعال التي تنطلق عليها تلك الأسماء، وهذا أمرٌ ذهني في الاعتبار؛ لأنا إذا أوقعنا الفعل عرضناه على ذلك المعقول الذهني فإن صدَّق عليه صحَّ وإلا فلا".

صدَق.

"فإن صدَق عليه صحَّ وإلا فلا، ولصاحب الثاني أن يقول".

يعني المخالف صاحب الرأي الثاني المخالف.

"ولصاحب الثاني أن يقول: إن المقصود من الأمر والنهي والتخيير إنما هو أن يقوم المكلف بمقتضاها، حتى تكون له أفعالاً خارجيةً لا أمورًا ذهنية، بل الأمور الذهنيةُ هي مفهومات الخطاب، ومقصود الخطاب ليس نفس التعقُّل بل الانقياد وذلك الأفعال الخارجية، سواءً علينا".

لا شك أن الاعتبار، التصور الذهني هو لا يترتب عليه الحكم ولا تبرأ به الذمة، إنما تبرأ الذمة بإيقاع الفعل في الخارج، بإيقاع الفعل في الخارج، لكنه لا بد أن يمرّ بالتصور الذهني، إذًا ما يمكن أن تصلي وأنت ما تصورت الصلاة ما هي، ولا كيفية الصلاة.

"ومقصود الخطاب أن ليس نفس التعقُّل بل الانقياد وذلك الأفعال الخارجية سواءً علينا أكانت عمليةً أم اعتقادية، وعند ذلك فلا بد أن تقع موصوفة، فيكون الحكم عليها كذلك، والثاني: أنا لو لم نعتبر المعقول الذهني في الأفعال لزمت شناعة مذهب الكعبي المقررة في كتاب الأحكام؛ لأن كل فعلٍ أو قولٍ فمن لوازمه في الخارج أن يكون ترك الحرام، ويُلقى فيه جميع ما تقدَّم، وقد مرّ بطلانه".

ترك الحرام واجبٌ أم غير واجب؟ واجب، الكعبي يقول: إن المباح واجب، كيف يكون المباح واجبًا؟ لأنه يقول: تنشغل به عن ترك المحرم، فهو واجب من هذه الحيثية، فهو واجب من هذه الحيثية، لكنه قولٌ مردود، يعني شخص جلس في المسجد أو جلس في بيته؛ لأنه احتمال إن خرج من بيته، جلوسه في بيته مباح، احتمال أنه إن خرج من بيته تعرّض لمُحرَّم فهو بهذا الاعتبار يكون مكثه في بيته واجبًا؛ لأن ما يشغل عن الحرام واجب، وجلوسك في بيتك يشغلك، والعلماء بالعكس يقولون: جلوسك في بيتك مباح، لكن تعريضك نفسك للحرام حرام، يقول: لا نلزمك بالجلوس ببيتك، ولا يجب عليك أن تجلس في بيتك، لكن لا تعرض نفسك للفتن، ومع عدا ذلك كله مباح لك.

"ولصاحب الثاني أن يقول: لو اعتبرنا المعقول الذهني مجردًا عن الأوصاف الخارجية لزم أن لا تُعتبَر الأوصاف الخارجية بإطلاق، وذلك باطلٌ باتفاق، فإن سدَّ الذرائع معلومٌ في الشريعة، وهو من هذا النمط، وكذلك كل فعلٍ سائغٍ في نفسه وفيه تعاون على البر والتقوى أو على الإثم والعدوان، إلى ما أشبه ذلك، ولم يصحّ النهيُ عن صيام يوم العيد، ولا عن الصلاة عند طلوع الشمس أو عند غروبها، وهذا الباب واسعٌ جدًّا".

يعني مسألة سدّ الذرائع أمر مقرر في الشرع أن كل ذريعة توصل إلى محرم فهي حرام، وهذا الذي يكتب فيه الكتبة أو بعض الكتبة المفتونين الذين ينادون بفتح الذرائع، وأننا بسدّ الذرائع ضيقنا على أنفسنا، وأن المحرمات في الشرع أمور سهلة ويسيرة وقليلة، ويمكن حصرها، لكن الناس كثّروها بما يسمى بسدّ الذرائع، وهؤلاء يريدون أن تقع على شفير المحرَّم، تقع على شفير المحرّم، ثم ترجع دونه، وهذا بالإمكان؟ ما يمكن، حتى يقولون: ما بينك وبين المحرّم شيء، أنت إن وقفت دون المحرّم ولو بقليل هذا من سدّ الذرائع، وإن اقتحمت المحرّم، وألغيت سدّ الذرائع بالكلية فقد وقعت في الحرام، فكيف يقرر عاقل ينتمي إلى دين أفضل الأديان يقول بمثل هذا القول؟

لكنهم دعاة الفتنة، يريدون أن يقع الناس في المحرّم، ولا يقع بينه ولا يكون بينهم وبينه إلا خيط رقيق، فمن الذي يملك نفسه عن الوقوع في المحرّم؟ هذا إذا قلنا عليه أن يترك شيئًا يسيرًا، أما إذا قلنا: لا يترك شيئًا بينه وبين المحرّم فمعناه شرع في المحرّم، فكيف يقال بفتح الذرائع؟ لماذا مُنعت الصلاة وقت طلوع الشمس وقبل غروبها ومع غروبها؟ أو لماذا مُنع من الصلاة بعد العصر وبعد الصبح؟ قالوا: سدًّا للذريعة حتى لا تصلي وقت البزوغ ووقت الغروب مشابهةً للكفار، يعني إذا كان الممنوع الأصلي هو مشابهة الكفار، ومشابهتهم ذريعة إلى موافقتهم في الباطن، مشابهتهم في الظاهر ذريعة إلى موافقتهم في الباطن، فمُنع أصالةً مشابهتهم، مُنعت أصالةً، ثم مُنع ما دونها مما قد يفضي إليها.

 يعني الذي يصلي بعد صلاة العصر، وبعد صلاة الصبح، ما فيه إشكال، ولن يشابه الكفار بحال، لكن خشية أن يسترسل فيصلي في الوقت الذي يسجد فيه الكفار للشمس، طيب بالسجود في هذا الوقت الأصل فيه لولا مشابهة الكفار ما فيه إشكال، مشابهة الكفار في الظاهر تجرُّ إلى موافقتهم في الباطن، فمُنِعت مشابهتهم في الظاهر، سدًّا لذريعة موافقتهم في الظاهر، ولم نكتف بسدّ الذريعة عند هذا الحد، بل سددنا ما دونها، بوقتٍ طويل بساعتين أو ثلاثة أحيانًا، يعني بعد صلاة العصر وبعد غروب الشمس ثلاث ساعات أحيانًا، ومع ذلك ممنوع أن تصلي بعد صلاة العصر، لماذا؟ لئلا تصلي عند غروب الشمس، هذه ذريعة إلى أن تصلي عند غروب الشمس أو وقت غروب الشمس، والصلاة عند غروب الشمس وعند طلوعها ذريعة إلى مشابهة الكفار في الباطن.

 فالوسائل لها مراحل، مرحلة تكون بعيدة عن الغاية، ومرحلة تكون قريبة من الغاية، وكلما قرُب الأمر من الغاية اشتدّ الأمر فيه، اشتدّ النهي عنه، ولذلك النهي عن الصلاة بعد العصر خفيف، ولذلك قضى النبي -عليه الصلاة والسلام- راتبة الظهر، النهي بعد صلاة الصبح مباشرة خفيف، ولذلك أقرّ من يصلي راتبة الصبح، تمشي لك ساعة، ساعة ونصفًا في الصيف إلى أن تصفر الشمس يشتد النهي، إذا اصفرت الشمس يشتد النهي شيئًا فشيئًا، حتى تكون الشمس بين قرني الشيطان، فيقع التحريم المُغلَّظ، ويضيق الوقت، وفي هذا الوقت لا تُصلى أي صلاة حاشا المفروضة.

"والثالث: أنا لو اعتبرنا الأفعال من حيث هي خارجية فقط لم يصح للمكلف عملٌ إلا في النادر، إذ كانت الأفعال والتروك مرتبطًا بعضها ببعض، وقد فرضوا مسألة من صلى وعليه دينٌ حان وقته، وألزموا المخالفين أن يقولوا ببطلان تلك الصلاة؛ لأنه ترك بها واجبًا، وهكذا كل من خلط عملاً صالحًا وآخر سيئًا، فإنه يلزم".

هذا الشخص الجالس في المسجد دخل عليه غريمه، ولما رآه دخل المسجد قال: الله أكبر. وقرأ في الركعة الأولى البقرة، وفي الثانية آل عمران، ذاك انتظر ساعة ومشى، صلاته ماذا نقول عنها؟ ماذا نقول عن هذه الصلاة؟

طالب:...

صحيحة أم باطلة؟

طالب:...

نعم؟

طالب:...

يقول لك: وقد فرضوا مسألة من صلى وعليه دينٌ حان وقته، وقد ألزموا المخالفين أن يقولوا ببطلان تلك الصلاة؛ لأنه ترك بها واجبًا، على رأي الجمهور أن هذه الصلاة صحيحة؛ لأنها اشتملت على شروط وأركان وواجبات، صورتها صحيحة، لكن مرّ بنا مرارًا أن من العلماء من نظروا إلى الظاهر أكثر وهم الفقهاء، وهم الذين يصححون مثل هذه الأفعال، ومنهم من نظر إلى الباطن والنيات أكثر من الظاهر، فترددوا في مثل هذه الصلاة. ترددوا في مثل هذه الصلاة. وذكرنا مثالًا في الحج: الذي حجّ مرارًا ثلاث مرات من بغداد ماشيًا ثلاث مرات، يحج من بغداد ماشيًا بحج مكتمل الشروط والأركان والواجبات وعلى الهدي النبوي، يذهب ماشيًا ويرجع ماشيًا، بعد الحجة الثالثة قالت له أمه وقد وجدها نائمة: اسقني ماءً، فكأنه لم يسمع، جاء من آلاف الأميال ماشيًا تعبان، اسقني ماءً كأنه لم يسمع، الثالثة قام وجاء إليها بالماء وقال: كيف أحج ماشيًا ثلاث مرات آلاف الأميال، والماء بضعة أذرع، وأمر الأمِّ واجب، والحج كله تطوع، لا بد أن يكون فيه شيء، نعم هناك خلل، هناك خلل، وهذا موجود في صفوف المتعلمين.

 مع الأسف الآن، تجده بكل سهولة وبكل راحة يخرج نزهة مع زملائه وأقرانه، وقد يخرج للدروس، وقد يخرج لأمور خير- لا حرمه الله الأجر- لكن لو قالت له أمه: ممكن أن توصلني إلى خالتك بنفس الحي، قال: أنا والله مشغول، هذا خلل! لا شك أن هذا خلل، ويحتاج إلى علاجٍ جذري، هذا لما أصبح بعد ما حاك في صدره وتلجلج فيه سأل، سأل شخصًا من النوع الثاني، فقال له: عليك أن تعيد حجة الإسلام، ما حججت لله، لو حججت لله ما ترددت لما قالت أمك: أعطني ماءً، فالذي ينظر إلى الأمور من هذه الزاوية، وهم نوع من أهل العلم ولهم وجود، ولهم ارتباط كبير بأمراض القلوب وأدوائها، والنيات وتصحيحها. هذا يقول: لو سأل فقيهًا قال: خلاص شروط وأركان وواجبات، ماذا تفعل؟ حجك صحيح، وهذا يزاوله كثيرٌ من الناس من حيث يشعر أو لا يشعر، إذا زاد في قراءته المعتادة، ويجلس في المسجد، وزاد اليوم في قراءته، وخفَّف الغد أو أمس؛ نظرًا لصاحبة النوبة من زوجاته طوَّل، واليوم اختصر، وبعض الناس في المجالس ينكتون على المشايخ تسموا ليلة بركة، ينكتون على المشايخ، طيب جاء لهم واحد، ولحظوا عليه أنه في ليلة الأولى يسبح، ويهلل في الفراش من صلاة العشاء، وفي ليلة الثانية الأخيرة يجلس في المسجد، ويصلي ما كتب الله له، ويقرأ ويكمل أذكاره، ويجلس ساعة، قال له من قال له: ظلمت هذه المسكينة، لو تخليت عن ذلك كان أفضل، تحرص على ليلة الأولى، وتتراخى في ليلة الثانية؟ يعني هل هو مأجور أم مأزور؟

طالب:...

الأول معروف، يعني هذا الذي تأخر في ليلة الأولى يعرف قصده وهدفه، لكن هذا من يعرف قصده، لما سُئل قال: أبادر في ليلة الأولى ريثما تنشغل بأولادها أنام، والثانية يتأخر حتى تتجهز وتتأهب، يعني عكس ما كان يصنعه، أو يتوقعه الناس، هذه أمور مردها إلى القلوب، لا يعلمها إلا الله -جل وعلا-، لكن لا بد من العدل في الظاهر والباطن، إلا الذي لا يُملَك. فهذا الذي زاد في قراءته جزءًا من القرآن، وتأخر ربع ساعة هو محاسب عليه، هو محاسب عليه، مثل هذا الذي لما دخل الغريم كبَّر، سيحاسب عن هذا المطل، لا سيما إذا لم يكن له عذر، لكن أحيانًا يكون له عذر، لكن الغريم لا يقبل العذر، ولو أُورد عليه مثل قوله -جل وعلا-: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ}[البقرة:280] ما يقبل بعض الناس، مثل هذا لو انشغل عنه فله عذر شرعي.

طالب:...

أيهم؟

طالب:...

والله إذا كان يترتب عليه مطل، فهو ظالم، فهو ظالم، وإن كان يترتب عليه خروج من مسؤولية، أخرجه الشارع عنها، فنظرة إلى ميسرة، بعضهم يوجب النظرة، فهذا ما عليه شيء.

طالب:...

نعم؟

طالب:...

كيف؟

طالب:...

على حسب الباعث، يعني مثل ما قلنا بالنسبة للطواف فيمن أمره الأطباء بالمشي وبالنسبة للصوم فيمن أمره الأطباء بالحمية، هي المسألة التشريك فيها ظاهر.

"وهكذا كل من خلط عملاً صالحًا وآخر سيئًا فإنه يلزم أن يبطل عليه العمل الصالح إذا تلازم في الخارج وهو على خلاف قول الله تعالى: {خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا}[التوبة:102] لأنهما إذا تلازما في الخارج فكان أحدهما كالوصف للثاني لم يكن العمل الصالح صالحًا، فلم يكن ثمَّ خلط عملين، بل صارا عملاً واحدًا إما صالحًا وإما سيئًا، ونص الآية يبطل هذا، وكذلك جريان العوائد في المكلفين، فدلّ ذلك على أن المقصود هو ما يصدق عليه عملٌ في الذهن لا في الخارج".

أما إذا كان العمل الصالح لا علاقة له بالعمل السيئ فهذا لا خلاف في أن الصالح مقبول، وأن السيئ عليه إثمه، من جهة، لكن يبقى أن الأثر في المقاصة يمكن أن يقضي يأتي العمل السيئ على العمل الصالح بالكلية عند المقاصة والموازنة إذا كان أكثر منه بأضعاف مضاعفة فيمكن، وعلى مذهب الإحباطية مثل المعتزلة وغيرهم العمل الصالح لا قيمة له.

"ولصاحب الثاني أن يقول: إن الأمور الذهنية مجردة من الأمور الخارجية تُعقل، وما لا تعقل لا يكلف به، أما أن ما لا يعقل لا يكلف به فواضح".

يعني صحة العبارة هنا: أن الأمور الذهنية مجردةً من الأمور الخارجية تُعقَل، تُعقَل أمور ذهنية مُجردة هذا هذا الواقع، لكن تعقيبه بقوله: وما لا تعقل لا يكلف به الأمور الذهنية مجردة عن الأمور الخارجية تُعقَل، مثل ما ذكرنا ممن يصف كتاب وهو ما ألّف إلى الآن هذا كتاب يحتوي على كذا وكذا وكذا على مقدمة وأبواب وفصول وخاتمة، ويخطط في ذهنه، هذا معقول، وهذا ولذا قال: إن الأمور الذهنية مجردةً من الأمور الخارجية تُعقَل، كما يتصور ذات مجردة عن صفات، في الذهن، لكن هل له وجود في الخارج؟ لا.

"أما أن ما لا يُعقَل لا يكلف به فواضح، وأما أن الأمور الذهنية لا تعقل مجردة فهو ظاهر أيضًا في المحسوسات فكالإنسان مثلاً فإن ماهيته المعقولة المركبة من الحيوانية والنطقية لا تثبت في الخارج؛ لأنها كليةٌ حتى تتخصص، ولا تتخصص حتى تتشخص، ولا تتشخص حتى تمتاز عن سواها من المتشخصات بأمور أُخَر، فنوع الإنسان يلزمه خواصٌ كليةٌ هي له أوصاف كالضحك وانتصاب القامة وعرض الأظافر ونحوها، وخواص شخصية، وهي التي امتاز بها كل واحدٍ من أشخاص الإنسان عن الآخر، ولولا ذلك لم يظهر إنسان في الخارج البتة، فقد صارت إذًا الأمور الخارجة العارضة لازمةً لوجود حقيقة الإنسان في الخارج، وأما في الشرعيات فكالصلاة مثلاً، فإن حقيقتها المركبة من القيام والركوع والسجود والقراءة، وغير ذلك لا تثبت في الخارج إلا على كيفيات وأحوال وهيئات شتى، وتلك الهيئات مُحكَّمة في حقيقة الماهية، حتى يُحكَم عليها بالكمال أو النقصان أو الصحة أو البطلان، وهي متشخصات وإلا لم يصحّ الحكم على صاحبها بشيء من ذلك، إذ هي في الذهن كالمعدوم، وإذا كان كذلك فالاعتبار فيها بما وقع في الخارج وليس إلا أفعالاً موصوفة بأمور خاصة لازمة، وأمورٌ على خلاف ذلك، وكل مُكلف مخاطبٌ في خاصة نفسه بها، فهو إذًا مخاطب بما يصحّ له أن يحصله في الخارج، فلا يمكن ذلك إلا باللوازم الخارجية، فهو إذًا مخاطب بها لا بغيرها، وهو المطلوب، فإذا حصلت بزيادة وصف".

فإن حصلت.

"فإن حصلت بزيادة وصفٍ أو نقصانه فلم تحصل إذًا".

فلم تحَصُل.

"فلم تحصُل إذًا على حقيقتها بل على حقيقة أخرى، والتي خوطب بها لم تحصل بعد".

مثل ما لو زاد أو نقص في الكتاب، وحصل في الخارج على خلاف ما تصوره في ذهنه، صار شيئًا آخر، لم يقع على ما تصوره في الذهن، صارت ماهيته مخالفة، كما أنك لو رأيت إنسانًا من خلفه وتصورته فلان بطوله وعرضه، وأوصافه، ولونه، ثم لما أدار وجهه إليك وجدت أنه غيره، كان تصورك الذهني الذي توقعته إياه من الخلف نظرت إلى شخص من الوراء قلت هذا فلان، فانقدحت صورة فلان في ذهنك، بصفاتها التي تعرفها، ثم لما رأيت وجهه عرفت أنه غيره، صارت الصورة في الخارج غير ما تصورته في الذهن.

"فإن قيل: فيُشكل معنى الآية إذًا وهو قوله: {خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا}[التوبة:102]، وأيضًا: فإن الصلاة قد تحصل بزيادةٍ أو نقصان، وتصحّ مع ذلك، وهو دليلٌ على أن المعتبر ما يصدق عليه صلاة في الجملة، وهو الاعتبار الذهني، قيل: أما الآية، فإن الأعمال المتعارضة الأحكام ليست بمتلازمةٍ لحصولها في زمانين وفي حالين، وفي مثل".

إذا حلف أو نذر أن يصلي، إذا حلف أو نذر أن يصلي، الآن يجب عليه أن يفي بنذره، لكن على أي هيئة وعلى أي صفة؟ طيب، صلى على جنازة هل وفّى بنذره؟

طالب:...

لا، لماذا؟

طالب:...

لأن النذر واليمين مرده إلى العُرف، وهذه ليست هي الصلاة المتعارف عليها في الشرع، الأصل أن الصلاة ذات الركوع والسجود المعروفة، صلى ركعة واحدة أوتر بها يصح عليه أنه صلى؟ وفى بنذره؟ لا، وفى، صلاة، أقل ما ينطلق عليه لفظة صلاة ركعة، نعم، بخلاف قوله -عليه الصلاة والسلام-: «إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين» إذا دخل المسجد وأوتر بواحدة نقول: ما يكفي؛ لأن أقل ما تبرأ به الذمة من عهدة المأمور به ركعتان. حتى يصلي ركعتين، ما قال: حتى يصلي فقط، لنقول: تكفي واحدة، لكن لو صلى ثلاثًا أوتر بثلاث حصل أنه صلى ركعتين وزيادة.

"وفي مثله نزلت الآية، وإذا تلازمت حتى صار أحدها كالوصف للآخر فإن كان كالوصف السلبي فلا إشكال في عدم التلازم؛ لأن الوصف السلبي اعتباريٌّ للموصوف به، ليس صفةً وجودية، وأما إن كانت صفةً وجودية أو كالصفة الوجودية فحينئذٍ يرجع ذلك إلى الحاصل في الخارج، ولا يدخل مثله تحت الآية، وأما الزيادة غير المبطلة أو النقصان فالاعتبار فيها بما حصل في الخارج جاريًا مجرى المخاطب به، فالصلاة الناقصة أشبهت في الخارج الصلاة الكاملة فعُوملت معاملتها، لا أنه اعتُبر فيها الاعتبار الذهني في الجُملة، والبحث في هذه المسألة يتشعب، وينبني عليه مسائل فقهية".

في قوله -عليه الصلاة والسلام- للمسيء: «صل، فإنك لم تصل» لو قال: إني صليت، قال الرسول: «إنك لم تصل» وهو صلى ركعتين من ركوع والسجود والقيام، الصلاة المحسوسة صورتها موجودة، ولذا يصحُّ إثباتُها عُرفًا، ويصحُّ نفيها لبطلانها شرعًا، ولذلك قال له -عليه الصلاة والسلام-: «فإنك لم تصل»، حقيقتها وصورتها موجودة، لكن باعتبارها باطلة شرعًا صحّ نفيُها، نفي حقيقتها الشرعية، فالحقيقة الشرعية مع الحقيقة العرفية إذا تعارضتا فالعبرة بماذا؟

طالب:...

بالحقيقة الشرعية في الشرعيات، والعُرفية فيما مردُّه إلى العُرف، لو أن إنسانًا قال: أنا الآن في السبعين من العُمُر، والله منذ أن نشأت وأنا صاحب إبل، ما رأيت جملًا أصفر، يُقسم بالله إنه ما رأى جملًا أصفر، هل نقول: مُكذِّب لله؟ {إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ. كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ}[المرسلات32 :33] يقول: والله ما رأيت جملًا أصفر، نقول: هذا مصادم للنص ومكذِب لله أم لا؟ لأنه نظر إلى الحقيقة العُرفية الأصفر يختلف، ليس هو الأصفر المنصوص عليه في الآية، فهو ينفي ما مردُّه إلى العُرف، والألوان تتغير من وقتٍ إلى آخر، ومع ذلك ينبغي أن يتأدب المسلم مع ألفاظ الشرع، ويتكيف معها، لكن في المعاملات ما مردُّه إلى الشرع يُردُّ إلى الشرع، وما مردُّه إلى العُرف يُردُّ إلى العُرف، ولذلك لما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-لأصحابه: «أتدرون من المُفلِس؟» قالوا: المُفلِس عندنا من لا درهم له ولا متاع، قال: «لا»، قال: «لا، المفلس من يأتي بأعمال كالجبال من صلاة وصيام وصدقة وحج» وغيرها ويأتي وقد فعل وفعل وفعل إلى آخر الحديث الصحيح.

طيب هل نُطبق هذا الحديث على حديث: «من وجد ماله عند رجل قد أفلس فهو أحق به» نطبق هذا الحديث على هذا الحديث؟ لا، ما يمكن، في باب الحجر والتفليس ما يمكن تطبيق هذا الحديث، وكلها من الشرع، وكلها حقائق شرعية، فالنظر يختلف من باب إلى باب، ومن حقيقة إلى حقيقة.

"فصل: ويتصدى النظر هنا فيما يصير من الأفعال المختلفة وصفًا لصاحبه، حتى يجري فيه النظران، وما لا يصير كذلك فلا يجريان فيه، وبيان ذلك: أن الأفعال المتلازمة إما أن يصير أحدها وصفًا للآخر، أو لا، فإن كان الثاني فلا تلازم، كترك الصلاة، مع ترك الزنى والسرقة".

يعني مثل ما قلنا في الآية: {خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا}[التوبة:102] كالصلاة وآخر سيئًا كالزنى والسرقة ولا تلازم ولا ارتباط بين هذا ولا هذا فالعبادة صحيحة وعليه إثم الزنى والسرقة بخلاف الصلاة في الدار المغصوبة؛ لأن فيه وجه ارتباط ووجه افتراق.

"فإن أحد التركين لا يصير كالوصف للآخر لعدم التزاحم في العمل، إذ كان يمكن المكلف الترك لكل فعلٍ مشروعٍ أو غير مشروع، وما ذاك إلا لأنهما ليسا متزاحمين على المكلف، وسبب ذلك أنهما راجعان إلى أمر سلبي، والسلبيات اعتباريات لا حقيقية، وإن كان الأوّل فإما أن يكون وصفًا سلبيًّا أو وجوديًّا، فإن كان سلبيًّا فإما أن يثبت اعتباره فيه شرعًا على الخصوص أو لا، فإن كان الأوّل فلا إشكال في اعتبار الصورة الخارجية، كترك الطهارة في الصلاة وترك الاستقبال، وإن كان الثاني فلا اعتداد بالوصف السلبي، كترك قضاء الديّن مع فعل الصلاة فيمن فرّ من قضائه إلى الصلاة، فإن الصلاة وإن وُصفت بأنها فرارٌ من واجب فليس ذلك بوصفٍ لها إلا اعتباريًّا تقديريًّا لا حقيقة له في الخارج".

يعني ارتباط الفرار بالصلاة من قضاء الدين هو مجرد أثره في النية، الأثر في النية، وإلا فالأصل أن الفرار من قضاء الدين والمطل لا ارتباط له بالصلاة، لكن هذا صلى فرارًا من قضاء الدين، مماطلاً لغريمه فخدش في نيته في الصلاة ولم يقصد الصلاة أصلاً، فهو من هذه الحيثية فيه ارتباط وثيق، بخلاف من صلى ثم زنى أو العكس أو سرق، السرقة والزنى لا ارتباط لها بالصلاة بوجهٍ من الوجوه.

طالب: الذين لا يعتبرون انفكاك الجهة.

في ماذا؟

طالب: في مثلاً هذا الذي يماطل غريمه في الصلاة.

لا، هي الجهة منفكة، الجهة منفكة من حيث الصورة، أما من حيث النية هو من حيث النية فيه ارتباط، وأنه ما صلى إلا لهذا الأمر، أما الصورة فلا ارتباط بين المطل وبين الصلاة، الصورة في الخارج فإذا نظرنا إلى الصورة في الخارج وجدناها مكتملة الشروط والأركان، لكن أثر هذا التصرف في النية، وهي شرطٌ لصحة الصلاة.

طالب: الآن في المذهب يا شيخ نظروا إلى عدم انفكاك الجهة في الصلاة في الدار المغصوبة.

هذا المشهور في المذهب، وأن البقعة شرط من شروط الصلاة، والبقعة مغصوبة نظروا إليها باعتبار أن البقعة شرط من شروط الصلاة، فيشترط طهارتها، ويشترط إباحتها، فقالوا: إن الصلاة في الدار المغصوبة باطلة، ومن قال: إن الصلاة مكتملة الشروط والأركان، وإثم الغصب عليه هو جهة أخرى، وهو مذهب بقية الأئمة.

"فإن الصلاة وإن وصفت بأنها فرارٌ من واجب فليس ذلك بوصفٍ لها إلا اعتباريًّا تقديريًّا، لا حقيقة له في الخارج، وإن كان الوصف وجوديًّا فهذا هو محل النظر، كالصلاة في الدار المغصوبة، والذبح بالسكين المغصوبة، والبيوع الفاسدة لأوصاف فيها خارجةٌ عن حقائقها وما أشبه ذلك، فالحاصل أن التروك من حيث هي تروكٌ لا تتلازم في الخارج، وكذلك الأفعال مع التروك، إلا أن يثبت تلازمها شرعًا، ويرجع ذلك في الحقيقة إلى أن الترك إنما اعتُبر من جهة فقد وصفٍ وجودي للفعل الوجودي، كالطهارة للصلاة، وأما الأفعال مع الأفعال فهي التي ...".

ويرجع ذلك في الحقيقة إلى أن الترك إنما اعتُبر من جهة فقد وصفٍ وجودي للفعل الوجودي، ما ينظر إلى أنه ترك الطهارة على أنه سلبي، هو ترك أمرًا وجوديًّا لا بد من وجوده، يعني الطهارة مأمور بها، وهي وإن كانت وسيلة من وسائل الصلاة إلا أنها في نفسها غاية، ولذلك لها وسائل تقدم الكلام فيها، فهي غاية باعتبار الأجور المرتبة عليها، وباعتبار الآثام المرتبة على تركها فهي غاية من هذه الحيثية، وهي وسيلة إلى الصلاة، وشرطٌ من شروطها، والشروط وسائل، فهل نعتبر الطهارة وصف وجودي أو وصف عدمي؟

طالب: وجودي.

وجودي باعتبار أنه لا بد من إيجاد الطهارة، طيب، هذا الذي صلى وقرأ في الركعة الأولى بسورة البقرة والثانية بآل عمران؛ لأنه رأى الغريم، أو ليتأخر عن زوجته المرغوب عنها مثلاً في المثال الذي ذكرناه هذا وصف وجودي أم عدمي؟

طالب:...

سلبي، نعم، فهل يؤثر في صحة الصلاة أو لا يؤثر؟ إذا نظرنا إليه بمفرده، وأنه ظلم ومطل بالحقوق وحرام، لكن لا ارتباط له بالصلاة؛ لأنه يمكن أن يتشاغل بغيره، يتشاغل مماطلاً بغير الصلاة، فلا أثر له في الصلاة من هذه الحيثية، وإذا قلنا: إنه مؤثر في القصد والباعث على الصلاة قلنا: إنه أثَّر في شرط من شروطها.

طالب:...

ما الباعث والناهز له على الصلاة؟

طالب:...

ألا يوجد هناك بديل؟

طالب:...

يوجد بديل للصلاة؟

طالب:...

يمكن أن يتخلص ببديل، يسقط ويتظاهر بأنه أغمي عليه أو جاءه شيء.

طالب:...

لا، أنا أقول: إذا كان هناك بدائل مثل ما قلنا في الطواف لمن قصده التخفيف، ومثل ما قلنا بالصوم لمن قصده الحمية، هناك بدائل، فلماذا لجأ إلى الطواف، وترك المشي في الأسواق؟ يريد أن يتقرب بذلك إلى الله -جل وعلا-، المسألة فيها تشريك، لكن لا يُحرم الأجر، ومثله الصيام، هذا الذي صلى، لماذا لجأ إلى الصلاة في الفرار من الغريم، ولم يلجأ إلى غيرها؟

طالب:...

دخل الغريم وصلى ركعتين خرج من الباب الثاني، ركب سيارته ومشى، يمكنه هذا. يعني فيه بديل، فلجوؤه إلى الصلاة مثل لجوء الصائم للحمية من أجل الحمية، ومثل لجوء الطائف الذي نُصح بالمشي.

طالب:...

في ماذا؟

طالب:...

في أي المسألتين؟

طالب:...

طهارة أم لزوم الغريم؟

طالب:...

لا، أنا أقول: باعتبار هذا الذي فرّ إلى الصلاة لمّا رأى الغريم، هذا إن نظرنا إليه من جهة أن المطل حرام، لكن جهته منفكة عن الصلاة، يمكن أن يماطل بغير الصلاة، فلا أثر له في الصلاة، الصلاة صحيحة، وإذا نظرنا إلى أن الناهز له على هذه الصلاة هو الفرار من الغريم وليس القصد قصده التقرب إلى الله بهذه الصلاة فهذا خدش في شرط من شروطها، وهو النية، فحينئذٍ تكون الصلاة باطلة.

"وأما الأفعال مع الأفعال فهي التي تتلازم إذا قُرِنت في الخارج، فيحدث منها فعلٌ واحدٌ موصوف، فينظر فيه وفي وصفه كما تقدَّم، والله أعلم، ولهذا المسألة تعلق بباب الأوامر والنواهي".

يكفي يكفي.

 اللهم صلِّ على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

هذا يقول: رأينا صورتك اليوم في الجريدة، فهل تغير رأيكم؟

لا لم يتغير، وليست بعلمي ولا برضائي. هذه لم أعلم عنها ولم أرتضها، فالرأي ما زال على المنع من التصوير بجميع أشكاله وأوضاعه وآلاته، يستوي في ذلك ما كان بآلة وما كان فيديو وما كان برسم باليد، أو ما أشبه ذلك، ولعب الأطفال المصورة بدقة وغيرها كلها داخلة في المحرم.

"