التعليق على الموافقات (1433) - 04

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

طالب: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "المسألة الرابعة: عمومات العزائم وإن ظهر ببادئ الرأي أن الرخص تخصصها، فليست بمخصصة لها في الحقيقة؛ بل العزائم باقية على عمومها، وإن أطلق عليها أن الرخص خصصتها، فإطلاق مجازي لا حقيقي. والدليل على ذلك: أن حقيقة الرخصة إما أن تقع بالنسبة إلى ما لا يطاق، أو لا. فإن كانت الأول فليست برخصة في الحقيقة؛ إذ لم يخاطَب بالعزيمة من لا يطيقها، وإنما يقال هنا: إن الخطاب بالعزيمة مرفوع من الأصل بالدليل الدال على رفع تكليف ما لا يطاق، فانتقلت العزيمة إلى هيئة أخرى، وكيفية مخالفةٍ للأَوْلى".

"وكيفيةٍ مخالِفةٍ للأُولَى".

طالب: "وكيفيةٍ مخالِفةٍ للأُولَى، كالمصلي لا يطيق القيام، فليس بمخاطب بالقيام؛ بل صار فرضه الجلوس أو على جنب أو ظهر، وهو العزيمة عليه. وإن كان الثاني، فمعنى الرخصة في حقه أنه انتقل إلى الأخف، فلا جناح عليه، لا أنه سقط عنه فرض القيام. والدليل على ذلك أنه إن تكلف فصلى قائمًا، فإما أن يقال: إنه أدى الفرض على كمال العزيمة، أو لا، فلا يصح أن يقال: إنه لم يؤده على كماله؛ إذ قد ساوى فيه الصحيح القادر من غير فرق، فالتفرقة بينهما تحكُّم من غير دليل، فلا بد أنه أداه على كماله، وهو معنى كونه داخلًا تحت عموم الخطاب بالقيام".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فنصوص الشرع وخطاب الشرع فيه العزائم، وهي الأصل، التي يخاطب بها المكلفون، هذه هي الأصل، وهناك رخص لدواعٍ تقتضيها. فالعزائم: ما جاء على وفق الدليل الشرعي مع عدم المعارض، والرخص: ما جاء على خلاف الدليل الشرعي؛ لمعارض راجح مع بقاء الأصل. فالرخصة لا شك أن المترخص خرج من خطاب العزيمة، فالمأمور بالصيام إذا سافر خرج من {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185]، لكن لو صام هل خروجه مثل خروج من خُص من العموم؟ من خُص من العموم لا يبقى خطابه في النص العام، المخصوص لا يبقى مخاطبًا بالنص العام؛ لأن له ما يخصه من خطاب الشرع، لكن المترخص هل خرج من نصوص العزائم؟ بمعنى أنه لو فعلها ما صحت منه؟

طالب: بلى.

لا، لو صام فما عليه شيء، ارتكب عزيمة وصام. المعذور في الجهاد ليس عليه من حرج، ما يجاهد (الدقيقة 3.57 من الدرس رقم4 شرح كتاب الموافقات) مرخص له، لكن لو حضر؟ ابن أم مكتوم حضر الجهاد وحمل الراية، نقول: هو غير مخاطب بنصوص الجهاد؟ لا يدخل فيها بحال من الأحوال؟ وكذلك المعذور في مسألة الإنكار: لو أن شخصًا يشق عليه الإنكار باليد أو باللسان، ويسعه أن ينكر بقلبه، ثم تحمل العزيمة وأنكر بلسانه، نقول: هذا خالف النص؟

مِثل ما مثَّل المؤلف -رحمه الله-: لو أن من لا يستطيع القيام تجشم القيام وقام، من لا يجد أو من لا تنطبق عليه شروط الحج وحج، نقول: حجه غير صحيح؟ غير مخاطب بالحج أصلًا كالصبي والرقيق حجه غير صحيح؟ لا حجه صحيح؛ لأنه لا يزال الخطاب يشمل الجميع، لكن الشرع لاحظ وراعى الضعف في جانبه فعذره ورخص له في أن يترك هذه العزيمة، لكن لو ارتكب العزيمة؟ لأنه لا يزال مخاطبًا بها في عموم الناس، لكن له ما يخصه أيضًا وإن لم يكن من باب التخصيص، لكنه من باب التخفيف عليه، لو أن أعرج خرج مع الناس وجاهد، أو مريض تحامل على نفسه وجاهد، أو حضر الصلاة وهي تشق عليه مشقة عظيمة في حضور الناس، الواحد من الصحابة يأتي إلى المسجد ويهادى بين رجلين، يرتكبون العزائم ولا يترخصون لأدنى سبب، بخلاف الناس في أواخر أو في الأزمان المتأخرة تجدهم لأدنى سبب! خلاص أنا واللهِ مريض، مريض بماذا؟ مزكوم، ما يحضر الجماعة؟! يتذرعون بأدنى سبب.

فلا شك أن العزيمة هي الأصل، ومن ترخص فله أن يترك الرخصة، ويرتكب العزيمة، بل قال جمع من أهل العلم: إن هذا أفضل بالنسبة له إذا ارتكب العزيمة، يعني إذا أُكره على كلمة الكفر، رخص له الشارع أن ينطق بها {وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} [النحل: 106]، لكن لو أصر ورفض؟ يعني الإمام أحمد ما يسعه ما وسع غيره وسكت أو ورى بتورية؛ لأنه مكره، والمكره مرفوع عنه التكليف، لكن ارتكب العزيمة، وتحمل السجن، وتحمل الضرب، وانظر كم من مصلحة ترتبت على هذا الصبر وارتكاب العزيمة. على هذا مدار كلام المؤلف- رحمه الله-.

طالب: "فإن قيل: إذا قلت إن العزيمة مع الرخصة من باب خصال الكفارة بالنسبة إليه، فأي الخصلتين فعل فعلى حكم الوجوب".

لكن هل هو مخاطب بالخصلتين على وجه أو على التخيير، على التخيير على حد سواء؟

طالب: لا.

لا، نعم.

طالب: "وإذا كان ذلك كذلك، فعمله بالعزيمة عمل على كمال، وقد ارتفع عنه حكم الانحتام، وذلك معنى تخصيص عموم العزيمة بالرخصة، فقد تخصصت عمومات العزائم بالرخص على هذا التقرير، فلا يستقيم القول ببقاء العمومات إذ ذاك. وأيضًا، فإن الجمع بين بقاء حكم العزيمة ومشروعية الرخصة جمع بين متنافيين؛ لأن معنى بقاء العزيمة أن القيام في الصلاة واجب عليه حتمًا، ومعنى جواز الترخص أن القيام ليس بواجب حتمًا".

يعني الوجوب وعدمه واجب حتمًا وليس بواجب حتمًا، هذان متناقضان.

طالب: "وهما قضيتان متناقضتان لا تجتمعان على موضوع واحد، فلا يصح القول ببقاء العموم بالنسبة إلى من يشق عليه القيام في الصلاة".

قد يشق القيام على شخص، وآخر عنده من العلة ما عند ذلك الشخص بل أكثر، ويتحامل على نفسه ويقوم؛ لأن التعامل مع الله في الحقيقة مع القلب ما هو مع البدن. وذكرنا من بلغ المائة، ويصلي صلاة التهجد قائمًا، والوقوف يزيد على نصف ساعة، مع إمام يقرأ في الليلة خمسة أجزاء، وعمره يناهز المائة! وعندنا شباب لو يقف خمس دقائق كاد أن يُغمى عليه، في الخامسة والعشرين والثلاثين ويشق عليه القيام. لماذا؟ لأن التعامل مع القلب والمشقة واليسر على القلب، البدن ما له قيمة. نعم، هو التعامل في الظاهر معه، لكن يبقى أن أكثر الناس ما يطيق إذا قرأ الإمام زيادة آيات يسيرة كان أن يقع على الأرض، وعنده استعداد إذا خرج للشارع يقف يتكلم مع صاحبه أكثر من ساعة! وشخص يقولون منذ عشرين سنة يصلي جالسًا، ويوم أن جاء العيد وقف في لبعرضة مدة ساعتين، وهو شيخ كبير، فلما سئل: أما تخاف الله تصلي جالسًا؟ قال: واللهِ هذه طاقتي، أما كوني عرضت واقفًا، فإنكم لا تدرون ما الذي يحمل رجلي.

طالب: جن.

ماذا؟

طالب: جن هذا؟

يمكن شياطين ساعدته على ذلك.

طالب: قلبه.

ماذا ؟

طالب: قلبه.

قلبه نعم، هذا المعروف، والله المستعان. الإمام أحمد -رحمه الله- لما ارتكب العزيمة وتحمل الضرب، وتحمل السجن في سبيل تقرير العقيدة الصحيحة، والعلم عند الله -جل وعلا-: لو أن الإمام أحمد أجابهم لما أرادوا وترخَّص، فلعل القول بخلق القرآن يُقرر على الناس إلى يومنا هذا! ثبت في المحنة فرفع الله به بسببه الغمة -رحمة الله عليه-.

طالب: .......

إذا تحمل الضرر فهذه العزيمة، لكن فرق بين الضرر اللاحق بالشخص وبين الضرر اللاحق بالجماعة، كونه تحمل ضررًا لاحقًا به بنفسه هذه عزيمة، وله أجرها عند الله -جل وعلا-، لكن يترتب ضرر لاحق بالجماعة فهذا لا، هذا الحكم ليس إليه.

طالب: .......

ما الانقطاع؟

طالب: .......

هذا ما وصل إلى هذه المرحلة لأنه له تاريخ، ما هو يجيء أول ليلة ويصلي خمس ساعات، ما يقدر، فينقطع من بادئ. لكن خلال خمسين، ستين سنة يصلي، هذا المؤمل أن يزيد ما ينقطع.

طالب: "وأمر ثالث، وهو أن الرخصة قد ثبت التخيير بينها وبين العزيمة، فلو كانت العزيمة هنا باقيةً على أصلها من الوجوب المنحتم، لزم من ذلك التخيير بين الواجب وغير الواجب، والقاعدة أن ذلك محال لا يمكن، فما أدى إليه مثله. فالجواب: إن العزيمة مع الرخصة ليستا من باب خصال الكفارة؛ إذ لم يأت دليل ثابت يدل على حقيقة التخيير".

لكن هل من وراء مثل هذا الكلام فائدة عملية؟ يعني سواء قلنا: إنه تخصيص، أو قلنا: إنها باقية وداخلة في عموم الخطاب خطاب العزيمة إلا أنه خُفف عنه، وراءه فائدة عملية أم لا؟

طالب: من باب معرفة الكمال أظن يا شيخ، أيهما الكمال في العزيمتين.

الآن المخصوص لو فعل ما يتناول العموم، طبق النص العام.

طالب: مسافر أتم.

ماذا؟

طالب: .......

أيهما الرخصة الإتمام أم القصر؟

طالب: القصر.

إذًا الإتمام عزيمة، أيهما أفضل؟

طالب: القصر.

لا، خلاف بين أهل العلم معروف.

طالب: له ذلك.

له ذلك، لكن المسألة إذا قلنا: إن الفائدة بيان الأتم، يعني العزيمة التي هي مشقة على الشخص، والله -جل وعلا- يحب أن تؤتى رخصه، الرخصة لا شك أن في كثير من أحوالها أفضل من العزيمة، وقد تكون العزيمة أفضل لثبوتها عن النبي -عليه الصلاة والسلام- مثل الصيام في السفر، الصيام في السفر النبي -عليه الصلاة والسلام- صام في السفر، وأصحابه صاموا في السفر؛ منهم الصائم ومنهم المفطر. لكن إذا وُجدت المشقة لا شك أنه «ليس من البر الصيام في السفر»، فالفطر أفضل.

ما يظهر أنه هناك فائدة عملية من هذا المبحث، لكنه استطراد.

طالب: "فالجواب: إن العزيمة مع الرخصة ليستا من باب خصال الكفارة؛ إذ لم يأت دليل ثابت يدل على حقيقة التخيير، بل الذي أتى في حقيقة الرخصة أن من ارتكبها فلا جناح عليه خاصة، لا أن المكلف مخير بين العزيمة والرخصة، وقد تقدم الفرق بينهما في كتاب الأحكام في فصل العزائم والرخص. وإذا ثبت ذلك، فالعزيمة على كمالها وأصالتها في الخطاب بها، وللمخالفة حكم آخر. وأيضًا فإن الخطاب بالعزيمة من جهة حق الله تعالى، والخطاب بالرخصة من جهة حق العبد، فليسا بواردين على المخاطب من جهة واحدة؛ بل من جهتين مختلفتين، وإذا اختلفت الجهات أمكن الجمع وزال التناقض المتوهَّم في الاجتماع".

لأنه قرر فيما سبق على لسان خصمه: أن الخطاب بالعزيمة واجب، والرخصة يدل على عدم وجوب العزيمة. فإذا قلنا بوجوب العزيمة، وعدم وجوبها لأجل لوجود الرخصة؟ قال: هذا تناقض. وهنا يقرر أن ما ذُكر سابقًا ممكن مع انفكاك الجهة، أما مع اتحاد الجهة فلا يمكن. وهنا يقول: إن الخطاب بالعزيمة من جهة حق الله تعالى، والخطاب بالرخصة من جهة حق المخلوق، فانفكت الجهة.

طالب: .......

ماذا؟

طالب: هل هذا انفكاك في الحقيقة.......

نعم، لكن إذا نظرت إلى حق الخالق فالإتيان بالعزيمة هو الأصل، وإذا نظرت إلى حق المخلوق فالخطاب بالعزيمة. لكن الحكم الباقي يخاطب به المكلف اختلف أم ما اختلف؟

طالب: لا.

يعني على ضوء ما تقدم سابقًا؟ يعني الجواب هذا ما حل الإشكال؛ لأن الوجوب في الحالين والرخصة مخاطب به المكلف بجهة واحدة والذمة واحدة.

طالب: "ونظير تخلف العزيمة للمشقة تخلفها للخطأ والنسيان والإكراه، وغيرها من الأعذار التي يتوجه الخطاب مع وجودها، مع أن التخلف غير مؤثِّم ولا موقع في محظور، وعلى هذا ينبني معنًى آخر يعم هذه المسألة وغيرها، وهو أن العمومات التي هي عزائم إذا رُفع الإثم عن المخالف فيها لعذر من الأعذار، فأحكام تلك العزائم متوجهة على عمومها من غير تخصيص، وإن أطلق عليها أن الأعذار خصصتها، فعلى المجاز لا على الحقيقة، ولنعدها مسألةً على حدتها، وهي: المسألة الخامسة".

يعني مضمون التخصيص وإخراج بعض الأفراد، لا شك أنه يُشم من رائحة الرخصة في مقابل العزيمة؛ لأن هذا الشخص الذي لا يستطيع الجهاد مخصوص من نصوص الجهاد ومُخْرَج منها. لكن الفرق بين التخصيص وإخراج بعض الأفراد، وبين من تناولته الرخص، الفرق أنه لو ارتكب العزيمة، من أُخرج بنص خاص وخصِّص لا يتناوله اللفظ العام، ما يمكن تناول اللفظ العام؛ لأنه خرج بنص خاص. يبقى أن اللفظ العام يشمله؟

طالب: لا.

ماذا؟

طالب: .......

ماذا..........؟

طالب: .......

طيب، إذا قيل: أعطِ بني تميم، وقيل: لا تعط الصبيان منهم، يبقى مشمولًا بأعط بني تميم الصبيان؟

طالب: .......

لا، خلاص خرجوا خروجًا تامًّا. لكن هذا الذي لا يستطيع القيام، وتجشم القيام، وكان معتمدًا على عصا أو على شيء وقام، نقول: صلاتك ما هي بصحيحة؛ لأنك ما أنت مخاطب بهذا؟ لا، فيه وجه اجتماع، وفيه نوع افتراق؛ لأنه قيل: إن نصوص الرخص خارجة من نصوص العزائم، وأنه من نوع التخصيص، وقيل به، والقول معتبر عند أهل العلم. لكن المؤلف نظر إلى الجهة الثانية.

طالب: .......

ماذا؟

طالب: .......

نعم، يختلفون في أفرادها لا في مجموعها، فمثلًا القصر في السفر عند الحنفية واجب.

طالب: واجب، الظاهرية.

عند الحنفية واجب، في المفردات منهم من يقول: إن بعض الرخص تجب. الأكل من الميتة عند خوف الهلاك هذه رخصة، لكن واجب عند جمع من أهل العلم. لكن من الناس من لا يطيق، الموت أسهل عليه، ماذا نفعل بهذا؟ تؤثمه؟ شيء لا يطيقه، لا يمكن أن يتصور أن يأكل ميتة، يقول: الموت أسهل عليَّ.

طالب: .......

لا لا، ما فيه من يقول، لا: إن الله يحب.

طالب: "المسألة الخامسة: والأدلة على صحتها ما تقدم، والمسألة وإن كانت مختلَفًا فيها على وجه آخر، فالصواب جريانها على ما جرت عليه العزائم مع الرخص، ولنفرض المسألة في موضعين؛ أحدهما: فيما إذا وقع الخطأ من المكلف فتناول ما هو محرم، ظهرت علة تحريمه بنص أو إجماع أو غيرهما، كشارب المسكر يظنه حلالًا".

ومع ذلك يظنه "يظنه حلالًا"، أمامه كوب عصير مثلًا وجد في مكان هذا الكوب شخصًا رفع هذا الكوب ووضع مسكرًا بنفس اللون وبنفس الحجم يظنه هذا العصير وشرب، عليه إثم أم لا؟

طالب: لا يأثم.

لكن العلة المنصوصة موجودة. لو وطأ امرأة أجنبية يظنها زوجته، العلة التي من أجلها حُرم الزنا موجودة. وقل مثل هذا في كثير من جميع الأمثلة التي تندرج تحت من فعل محرمًا ناسيًا أو مكرهًا، العلل موجودة المنصوصة والمجمع عليها، أما العلل المستنبطة فهذه يختلف في وجودها وعدمها.

طالب: "كشارب المسكر يظنه حلالًا، وآكل مال اليتيم أو غيره يظنه متاع نفسه، أو قاتل المسلم يظنه كافرًا، أو واطئ الأجنبية يظنها زوجته أو أمته، وما أشبه ذلك. فإن المفاسد التي حُرمت هذه الأشياء لأجلها واقعة أو متوقَّعة؛ فإن شارب المسكر قد زال عقله وصده عن ذكر الله وعن الصلاة، وآكل مال اليتيم قد أخذ ماله الذي حصل له به الضرر والفقر، وقاتل المسلم".

العلل موجودة سواء قصد أو لم يقصد، عُذر أو لم يعذر.

طالب: "وقاتل المسلم قد أزهق دم نفسٍ ومن قتلها {فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32]، وواطئ الأجنبية قد تسبب في اختلاط نسب المخلوق من مائه، فهل يسوغ في هذه الأشياء أن يقال: إن الله أذن فيها وأمر بها؟ كلا؛ بل عذر الخاطئ، ورفع الحرج والتأثيم بها، وشرع مع ذلك فيها التلافي حتى تزول المفسدة فيما يمكن فيه الإزالة، كالغرامة".

يعني حق المخلوق، ما يتعلق بحق المخلوق باقٍ على الجاني، ولو كان مخطئًا، ولو كان غير مكلف مثل عمد الصبي والمجنون، مثل خطأ المكلف. فما يتعلق بالمخلوق حكمه ثابت، وما يتعلق بالخالق معفو عنه: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286]. لكن أيهما أشد: كون الشخص يطأ أجنبية يظنها زوجته، أو يطأ زوجته يظنها أجنبية؟

طالب: الثاني.

الثاني من حيث الإثم، لكن من حيث الأثر؟

طالب: الأول.

الأول. نعم.

طالب: "كالغرامة، والضمان في المال، وأداء الدية مع تحرير الرقبة في النفس، وبذل المهر مع إلحاق الولد بالواطئ".

"بالواطئ"؛ لأنه وطء شبهة، أما لو كان زنا فلا يُلحق به.

طالب: "وما أشبه ذلك فـ {إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ} [الأعراف: 28]، {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ} [النحل: 90]، غير أن عذر الخطأ رفع حكم التأثيم المرتَّب على التحريم. والموضع الثاني: إذا أخطأ الحاكم في الحكم، فسلَّم المال إلى غير أهله، أو الزوجة إلى غير زوجها، أو أدَّب من لم يستحق تأديبًا وترك من كان مستحقًّا له".

يعني خطأ، حكم القاضي بحكم غير مطابق للواقع بعد أن طبق المقدمات الشرعية، حكم بالبينة التي غلب على ظنه أنها مجزئة، حكم على ضوئها. والقضاء كما يقولون: (جمرة تُدفع بملقاط البينة)، يعني مثل الجمرة ترفعها بالملقاط ما تؤثر عليك إذا رفعتها بالبينة، هذه عبارة ذكرها بعضهم. المقصود أن مثل هذا خطؤه مغفور؛ لأنه إذا اجتهد لكان أهلًا للاجتهاد، أصاب له أجران، وإن أخطأ فله أجر. لكن الواقع أنك أعطيت هذه المرأة لغير زوجها، أعطيت هذا المال لغير مستحقه لغير صاحبه، عذرت زيدًا، والجاني عمرو. هو إذا استفرغ وسعه واجتهد في المسألة وبنى على المقدمات الشرعية، فنتيجته شرعية ولو لم تطابق الواقع. مثل لو شهد عندنا عدلان بأنهما رأيا الهلال مثلًا، أو واحد ثقة، واحد ثقة ومجرب، لكنه أخطأ في هذه المرة، كيف أخطأ؟

طالب: .......

ماذا؟

طالب: .......

إما شعرة أو شيء مؤثر في الجو أو كذا وحكم بالصيام أو حكم بالفطر. مقدمات شرعية، ما عليه من مطابقة الواقع، هذا لا يعنينا وليس إلينا، هذا ليس إلينا. كما أن القاضي إذا حضر عنده من تبرأ الذمة بالحكم بشهادته يحكم ولو لم يطابق الواقع. كما أنه قد يأثم ولو طابق الواقع.

طالب: إذا لم تكن مقدمات شرعية.

ماذا؟

طالب: إذا لم تكن مقدمات شرعية.

نعم، قد يكون الشهود فساقًا، صدقوا في هذه المسألة، أو المعروفين بالكذب صدقوا في هذه القضية بشهادتهم، يرده، يرد الشهادة ويحيل القضية على المدعى عليه باليمين، وإذا حلف استحق. عكس المسألة الأولى؛ لأنه نحن مخاطبون بنصوص شرعية، علينا تطبيق هذه النصوص بغض النظر عن المطابقة. الأصل، يعني إذا طُبق الحكم الشرعي من كل وجه أنه مطابق، لكن إذا لم يطابق مع تطبيق ما أُمر به شرعًا: «إنما أنا بشر أقضي على نحو ما أسمع»، هذا كلام المؤيد بالوحي، «فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فإنما أقضي له بقطعة من نار، فليأخذها أو يدعها»، الحكم شرعي، لكن من علم أن الحق ليس له، جمرة من نار، قطعة من نار يأخذها أو يدعها، مخاطب بهذا. طيب، الثلاثة الذين رأوا الشخص وهم ثقات، قد يكونون علماء، وقد يكونون عبادًا، وقد يكونون من خيار الناس، يشهدون على زيد بأنه زنا وقد رأوه بالفعل يزني مطابق للواقع، في الحكم الشرعي؟

طالب: كاذبون.

كاذبون، ولو طابق الواقع فهم كاذبون في الحقيقة الشرعية. لكن هل هذا يعفي الزاني من توبة ومن تبعات الزنا؟ لا ما يعفيه.

طالب: "أو قتل نفسًا بريئةً إما لخطأ في دليل أو في الشهود، أو نحو ذلك، فقد قال تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49]، وقال: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2]. فإذا أخطأ فحكم بغير ما أنزل الله، فكيف يقال: إنه مأمور بذلك؟ أو أشهد ذوي زور، فهل يصح أن يقال: إنه مأمور بقبولهم وبإشهادهم؟ هذا لا يسوغ بناءً على مراعاة المصالح في الأحكام، تفضلًا كما اخترناه، أو لزومًا كما يقوله المعتزلة".

"تفضلًا" من الله -جل وعلا-، وأنه لا يجب على الله -جل وعلا- أن يأمرنا ويكلفنا بما فيه مصالحنا. المعتزلة يقولون: يجب عليه رعاية الأصلح للمكلفين، للمكلفين "تفضلًا كما اخترناه، أو لزومًا كما يقوله المعتزلة".

طالب: "غير أنه معذور في عدم إصابته كما مر، والأمثلة في ذلك كثيرة".

يعني "في عدم إصابته" للواقع. نعم.

طالب: "ولو كان هذا الفاعل وهذا الحاكم مأمورًا بما أخطأ فيه، أو مأذونًا له فيه، لكان الأمر بتلافيه إذا اطلع عليه على خلاف مقتضى الأدلة؛ إذ لا فرق بين أمر وأمر، وإذن وإذن؛ إذ الجميع ابتدائي، فالتلافي بعد أحدهما دون الآخر شيء لا يُعقل له معنًى، وذلك خلاف ما دل عليه اعتبار المصالح".

"ولو كان هذا الفاعل وهذا الحاكم مأمورًا بما أخطأ فيه، أو مأذونًا له فيه، لكان الأمر بتلافيه إذا اطلع عليه على خلاف مقتضى الأدلة"، يعني تبين للقاضي الذي حكم أن هذه الأرض لفلان أو أن هذه الزوجة لفلان فيما بعد أنها ليست زوجته أو الأرض ليست له، وقد اجتهد وطبق الضوابط الشرعية على الشهود وحكم له. هل يتلافى أو لا يتلافى؟

طالب: .......

ماذا؟

بعلمه، اطلع بطريقته الخاصة.

طالب: .......

اطلع بطريقته الخاصة، ما جاء شهود ينقضون الدعوى السابقة.

طالب: .......

ماذا؟

طالب: .......

ما يحكم بعلم.

طالب: "فإن التزم أحد هذا الرأي، وجرى على التعبد المحض، ورشحه بأن الحرج موضوع في التكاليف وإصابة ما في نفس الأمر حرج أو تكليف بما لا يُستطاع".

طيب: "إصابة ما في نفس الأمر"، الآن الجمهور جمهور أهل العلم بالنسبة للبعيد عن عين الكعبة فرضه؟

طالب: التوجه تجاهها.

الجهة، ما يفرضون عليه العين. لكن الشافعي يقول: لا، فرضه العين، من هذا النوع، "ورشحه بأن الحرج موضوع في التكاليف، وإصابة ما في نفس الأمر حرج أو تكليف بما لا يستطاع"، أنت بعيد آلاف الكيلومترات عن مكة كيف تصيب العين؟ لا شك أن التكليف بإصابة العين تكليف بما لا يطاق. لكن الذي يخفف المسألة عند الشافعية أنه تكفي إصابتها بغلبة الظن.

طالب: ....... بالتحري.

بغلبة الظن، لا يلزم أن يكون قطع ويقين.

طالب: .......

كلاهما.

طالب: .......

ما دام حكم بمقدمات شرعية واجتهد في ذلك وطبق القواعد الشرعية في قبول الشهود فما عليه إشكال.

طالب: "وإنما يكلَّف بما يظنه صوابًا، وقد ظنه كذلك، فليكن مأمورًا به أو مأذونًا فيه، والتلافي بعد ذلك أمر ثانٍ بخطاب جديد، فهذا الرأي جارٍ على الظاهر لا على التفقه في الشريعة، وقد مر له تقرير في فصل الأوامر والنواهي، ولولا أنها مسألة عُرِضَت".

"عَرَضَت".

طالب: "عَرَضَتْ، لكان الأولى ترك الكلام فيها؛ لأنها لا تكاد ينبني عليها فقه معتبر".

يكفي، اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

طالب: .......

واللهِ ما أدري.

طالب: ماذا؟

واللهِ أنا في شك منه.

طالب: نعم؟

أنا في شك من هذا، حتى مع الإحداثيات. من يجزم بهذا؟ يجزم بهذا، هذه الآلة ومن صنعها؟ لن نصل إلى حقيقة الأمر، إلا من خلال .........