شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح - كتاب الصوم (عام 1425 هـ) - 24

 

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمدٍ وآله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً بكم إلى حلقةٍ جديدة في برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

مع مطلع هذه الحلقة يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، الذي يتولى شرح أحاديث هذا الكتاب، ونسأل الله تعالى أن يوفقه ويسدده، فأهلاً ومرحبًا بكم شيخ عبد الكريم.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: في الحلقة الماضية يا شيخ، وعدنا المستمع أن نستكمل المعاني الذي ذكرها أهل العلم حول هذا الحديث، في النهي عن تقدم صوم رمضان بيومٍ أو يومين، أشرتم إلى أربعة معانٍ، لعلنا نعيدها باختصار ونربطها للإخوة والأخوات بالمعاني الباقية يا شيخ.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

سبق أن نقل عن القسطلاني بأن النهي في الحديث «لا يتقدمن»؛ لأمورٍ أربعة:

أحدها: خوفًا من أن يُزاد في رمضان ما ليس منه، يعني على سبيل الوجوب، فيفترق عن الثاني.

أن الثاني: على ما قالوا: الفصل بين صيام الفرض والنفل؛ لئلا يوصل الفرض بنفل، والأول من أن لا يزاد في رمضان على جهة الوجوب.

والمعنى الثالث: أنه من أجل التقوي على صيام رمضان، إذا أفطر قبل رمضان أيام، يكون استقباله للشهر، نعم.

المقدم: ضعيف

أقول: إذا أفطر لا أقول: إذا صام.

المقدم: إذا أفطر يتقوى.

 إذا أفطر يتقوى بذلك على استقبال الشهر، بهمة، وجد، ونشاط، إضافة إلى الفصل الذي تقدم، مواصلة الصيام لا شك أنها تضعف، تضعف الصائم، لكن قالوا: هذا المعنى فيه نظر؛ لأن معنى الحديث أنه لو تقدمه بصيام ثلاثة أيام فصاعدًا جاز، والأمر الثاني أن الاستثناء «إلا أن يكون رجلٌ كان يصوم صومًا» يعني لو القصد التقوي ما ساغ هذا الاستثناء. 

والمعنى الرابع: أن الحكم علق بالرؤية، يعني بداية الصيام المفروض، إنما علق بالرؤية لا غير، فمن تقدمه «بيومٍ أو يومين» فقد حاول الطعن في ذلك الحكم، كأنه لم يقتنع بما شرعه الله -جل وعلا-.

يقول ابن حجر: قال العلماء: معنى الحديث «لا تستقبلوا رمضان بصيامٍ» على نية الاحتياط لرمضان، «لا تستقبلوا رمضان بصيامٍ» على نية الاحتياط لرمضان، بهذه النية، أما بغير هذه النية جاء الاستثناء «إلا أن يكون رجلٌ».

قال الترمذي لما خرج الحديث: العمل على هذا عند أهل العلم كرهوا أن يتعجل الرجل بصيامٍ قبل دخول رمضان؛ لمعنى رمضان، على نية الاحتياط لرمضان، وهذا تقدم ما فيه، وأنه يوم الشك الذي قال فيه عمار: من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم-.

يقول العيني: فإن قلت: هذا النهي للتحريم أو للتنزيه، النهي صريح «لا يتقدمن» (لا) ناهية، والفعل مقترن (بنون) التوكيد، والأصل في النهي التحريم، أو الكراهة؟

المقدم: الأصل في النهي التحريم.

بلا شك، يقول: فإن قلت هذا النهي للتحريم أو للتنزيه؟ قلت: حكى الترمذي عن أهل العلم الكراهة، يقول الترمذي: العمل على ذلك عند أهل العلم كرهوا أن يتعجل الرجل بصيامٍ قبل دخول رمضان؛ لمعنى رمضان، حكى الترمذي عن أهل العلم الكراهة، وكثيرًا ما يطلق المتقدمون الكراهة على التحريم، يعني حمل الكراهة على التنزيه اصطلاح، مجرد اصطلاح، وإلا جاء في النصوص من الكتاب والسنة إطلاق الكراهة بإزاء المحرمات {كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ } [سورة الإسراء 38].

المقدم: {عِندَ رَبِّكَ مَكروهًا } [سورة الإسراء 38].

 {مَكروهًا} مع أنها أيش؟ محرمات «كره لكم قيل وقال وكثرة السؤال».

المقدم: { كَرِهَ اللَّـهُ انبِعاثَهُم} [سورة التوبة 46].

لا لا ما لها علاقة، الكلام على الكراهة، التي هي أحد الأحكام التكليفية، فأيضًا الأئمة استعملوها، الأئمة المتقدمون الإمام أحمد كثيرًا ما يقول: أكره كذا.

المقدم: والمقصود التحريم.

المقصود التحريم، وغيره من الأئمة يستعملونها بإزاء التحريم.

العيني يقول: ولا شك أن فيه تفصيلاً واختلافًا للعلماء، فذهب داود إلى أنه لا يصح صومه أصلاً، لا يصح صوم آخر يوم أو آخر يومين، كما أنه لا يصح صيام يوم العيد، لا يصح صومه أصلاً ولو وافق عادةً له، ما قلنا: في صيام العيد أنه لا يصح مع التحريم يبطل.

المقدم: نعم.

وأنه ولو صامه ولو عن قضاء، ولو عن نذر ما يصح، وهذا مثله عند داود، وذهبت طائفة إلى أنه لا يجوز أن يصام آخر يوم من شعبان تطوعًا، إلا أن يوافق صومًا كان يصومه، وأخذوا بظاهر هذا الحديث، وروي ذلك عن عمر بن الخطاب، وعلي، وعمار، وحذيفة، وابن مسعود -رضي الله عنهم-، ومن التابعين عن سعيد بن المسيب، والشعبي، والنخعي، والحسن، وابن سيرين -رحمهم الله-، وهو قول الشافعي، وكان ابن عباس، وأبو هريرة يأمران بفصل يومٍ أو يومين، كما استحبوا أن يفصلوا بين صلاة الفريضة والنافلة بكلامٍ أو قيامٍ أو تقدم أو تأخر، وأجازت طائفةٌ صومه تطوعًا، وهذا مروي عن عائشة، وأختها أسماء أنهما كانتا تصومان يوم الشك، وقالت عائشة: لأن أصوم يومًا من شعبان أحب إلي من أن أفطر يومًا من رمضان، وهو قول: الليث، والأوزعي، وأبي حنيفة، وأحمد، وإسحاق.

 مسألة صيام يوم الشك تقدمت مستوفاة، لكن الذي يهمنا صيام هذا اليوم الذي هو آخر يوم من شعبان، واحتمال أن يكون شك، واحتمال أن يكون يقين، متى يكون شك؟ إذا حال دون رؤية الهلال غيم أو قطر أو سحاب أو غبار أو دخان، هذا هو الشك، لكن إذا لم يحل دون رؤيته شيء، فهذا ليس بشك، ليس بشك.

المقدم: لكن الذين يصومونه مثل ما نقل عن عائشة -رضي الله عنها- هم في الحقيقة يصومونه باعتباره يوم شك.

هو منصوص أحمد -رحمه الله-.

المقدم: يعني حتى لو قلنا: لا يوجد غيم، فبالتالي ليس يوم شك هم يصرحون بأنه شك تقول: أن أصوم يوم في شعبان أحب إليَّ.

قد تقول هذا الكلام على سبيل التنزل، كأنه قيل لها؟

المقدم: لما تصومين؟

نعم، أو هل هذا من رمضان، أو ليس من رمضان؟ فمثل هذا يقال في مثل هذه الحالة على سبيل التنزل، ولا شك أن الحكم في هذا النص.

قال الروياني من الشافعية: يحرم التقدم بيومين؛ لحديث الباب، ويُكره التقدم من نصف شعبان؛ للحديث الآخر «إذا انتصف شعبان فلا تصوموا».

المقدم: يصح؟

يأتي الكلام فيه باستفاضة عن هذا الحديث، وتقدمت الإشارة إليه، يعني فرق بين «إذا انتصف شعبان فلا تصوموا» حمله على كراهة، «لا يتقدمن أحدكم» حمله على التحريم، ماذا عن الحديث الوارد «إذا انتصف شعبان فلا تصوموا»؟ الحافظ ابن حجر ضعف هذا الحديث، وقال: أخرجه أصحاب السنن وصحَّحه ابن حبان، وقد قال أحمد بن معين: إنه منكر، وقد استدل البيهقي بحديث الباب على ضعفه، يعني ما الذي يجعلنا نورد حديث «إذا انتصف شعبان فلا تصوموا»؟ يعني هل في حديث الباب معارضة لحديث «إذا انتصف شعبان»؟

 المقدم: لو صح حديث «إذا انتصف شعبان» رفع الخلاف من مسألة الشك أصلاً، يمنع الصوم تمامًا.

و«لا يتقدمن» ومن صام اليوم الذي يشك فيه، الآن تضعيف الحديث هذا؛ لأن مفهوم الحديث الذي معنا، وهو في الصحيحين يعارضه، منطوق الحديث «لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين» مفهومه يجوز تقدمه بثلاثة أيام، وهذا المفهوم معارضٌ بمنطوق حديث «إذا انتصف شعبان فلا تصوموا» فهل نقول: إن المنطوق مقدم على المفهوم، ونمنع الصيام من منتصف شعبان؟ ونقول: دلالة الحديث على جواز الصيام، دلالة حديث الباب على جواز الصيام بثلاثة أيام، بالمفهوم ليست بالمنطوق، ودلالة المنطوق أقوى أو نقول: إن الحديث متفق عليه في الصحيحين، ولا يعارض بمثل هذا الحديث الذي قال فيه الإمام أحمد بن معين: إنه منكر، واستدل البيهقي بحديث الباب على ضعفه. 

لماذا استدل بحديث الباب على ضعفه؛ لأنه معارض لمفهوم حديث الباب، لو كانا في القوة سواء، لو كان حديث انتصاف شعبان «فلا تصوموا» في الصحيحين على مستوى قوة حديث الباب؛ لقلنا: المنطوق مقدم على المفهوم، استدل البيهقي بحديث الباب على ضعفه، فقال: الرخصة في ذلك بما هو أصح من حديث العلاء، الرخصة في ذلك في صيام النصف الثاني من شعبان إلى أن يأتي يوم أو يومين، الرخصة في صيامه بما هو أصح من حديث العلاء، وهو حديث أبي هريرة حديث الباب.

العيني ينتقد الحافظ ابن حجر يقول العيني: هذا الحديث صححه ابن حبان، وابن حزم، وابن عبد البر، والعلاء بن عبد الرحمن احتج به مسلم، وابن حبان وغيرهما ممن التزم الصحة، ووثَّقه النسائي، وروى عنه مالك والأئمة، ورواه عن العلاء جماعة.

 الآن العيني يرد على ابن حجر في تضعيفه لهذا الحديث، لكن ماذا قال ابن حجر في ردِّه على العيني؟ في انتقاد الاعتراض يقول: قد أورد هذا المعترض- يعني العيني- كلامًا، ويأتي برمز حاء، وحاء ترمز لابن حجر المؤلف نفسه، في تضعيف هذا الحديث أورد هذا المعترض كلام ابن حجر المتحدث في تضعيف هذا الحديث، في باب هل يقال رمضان، ولم يتعقبه، هذا المعترض يعني العيني أورد كلام ابن حجر في تضعيف هذا الحديث، في باب هل يقال رمضان أو شهر رمضان، ولم يتعقبه، قال في انتقاد الاعتراض: السلمي صوابه النسائي: لا نعلم أحدًا رواه إلا العلاء، وقال أحمد: ليس بمحفوظ، وسئل عنه فلم يصححه، ولم يحدث به، وكان يتوقاه، ولا ينكر من حديث العلاء إلا هذا، وفي رواية انتقاد الاعتراض المزي، وصوابه المروذي عنه يعني عن أحمد أنه أنكره، يعني أنكر الحديث، وقال: هذا خلاف الأحاديث، العيني نقل هذا الكلام عن ابن حجر، وما تعقبه، ونقله في الموضع الثاني، وتعقبه.

ما الداعي لهذا؟ ابن حجر لما ضعف الحديث، ضعفه بما هو أقوى منه، ولعل إنكار أحمد وابن معين لحديث العلاء مع أنه خرَّج له مسلم؛ إنكاره من أجل مخالفة حديث الباب، يعني لولا هذه المخالفة الحديث ما فيه ضعف كبير، ضعفه محتمل، لولا معارضة حديث الباب؛ ولعله ضعف بهذه المعارضة، فالعيني لما نقل كلام ابن حجر في الموضع الأول، ولا تعقبه، ونقله في الموضع الثاني، وتعقبه لا شك أن هذا ذهول.

المقدم: لكن المانع لهذا، ولا فيه أحاديث أخرى مثل: كان يصوم شعبان أو أكثر شعبان؟

تأتي الإشارة إن شاء الله.

المقدم: نعم.

لكن أقوى ما في الباب هذا الحديث مفهومه واضح.

المقدم: صحيح.

لكن قد تقول: إن الحنفية لا يرون دلالة المفهوم.

المقدم: مثلاً.

 والعيني حنفي، فلا يعارض المفهوم الذي لا يراه أصلاً بمنطوق حديث العلاء، فقواه في هذا الموضع، وفي الموضع ما احتاج إلى تضعيفه، قد يقال مثل هذا الكلام، لكننا نربأ بمثل العيني في علمه أن يسلك مثل هذا المسلك، ثم قال العيني: وقد جُمع بين الحديثين، بأن حديث العلاء محمول على من يضعفه الصوم، يعني هذا الجمع استحسنه ابن حجر، يعني لو ثبت الخبر، وحديث الباب مخصوصٌ بمن يحتاط بزعمه لرمضان، وقيل: كان أبو هريرة يصوم في النصف الثاني من شعبان، فقال من يقول: العبرة بما رأى الراوي أو بما رواه؟ الذين يقولون: العبرة بما رأى، وهذا تصرفات الحنفية قد تؤيد هذا، بدليل أنهم يرون الغسل من ولوغ الكلب ثلاثًا؛ لأن أبا هريرة أفتى بأنه يغسل ثلاثًا، مع أنه روى أنه يغسل سبعًا عن النبي –عليه الصلاة والسلام- فالعبرة هنا بما رأى، فقال من يقول: العبرة بما رأى، رأى أن فعله هو المعتبر، وقيل: فعله يدل على أن ما رواه منسوخ، وقد روى الطحاوي ما يقوي قول من ذهب إلى أن الصوم فيما بعد انتصاف شعبان جائز غير مكروه، بما رواه من حديث ثابت عن أنس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «أفضل الصيام بعد رمضان شعبان»، وبما رواه من حديث عمران بن حصين أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال لرجلٍ: «هل صمت من سرر شعبان؟» يعني حديث الباب معارض بحديث العلاء، وعرفنا أن حديث العلاء لا يقاوم حديث الباب هذا في الصحيحين، وهذا العلاء أنكره أحمد، وابن معين، أيضًا حديث الباب معارضٌ بحديثٍ متفق عليه، ما رواه الشيخان من حديث عمران بن حصين أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- قال لرجلٍ: «هل صمت من سرر شعبان؟» قال: لا، قال: «فإذا أفطرت» يعني من رمضان «فصم يومين».

قال العيني: أما حديث ثابت عن أنس «أفضل الصيام بعد رمضان شعبان» فضعيف؛ لأن في سنده صدقة بن موسى – معروف- الدقيقي، وفيه مقال، فقال: يحيى ليس حديثه بشيء، وضعَّفه النسائي وأبو داود، وأما حديث عمران فأخرجه الشيخان وأبو داود.

 قوله: «سَرَر شعبان» (السرر) بفتح السين المهملة والراء، ليلة يستسر الهلال، يقال: سرار الشهر، وسراره بالكسر والفتح، وسرره، واختلفوا فيه، فقيل: أوله، وقيل: أوسطه، وقيل: آخره، وهو المراد هنا كذا قال الهروي، والخطاب، عن الأوزاعي، سيأتي حديث عمران بن حصين؛ لأنه مذكور في المختصر، الحديث فيه، وما قاله فيه أهل العلم، لكن ننقل ما نحتاج إليه؛ لأننا نحتاج الآن دفع التعارض بينه، وبين حديث الباب، الآن الذي نُقل عن الجمهور أن (السرار) آخره، «وصم يومين» بدل (السرر) اللذين هما آخر شعبان اليومين الأخيرين، هذه معارضة واضحة لحديث الباب، وحديث الباب في الصحيحين، والمعارض من حديث عمران بن حصين في الصحيحين، فنحتاج إلى أن ندفع هذا التعارض، ونقتصر من هذا على ما يرفع ذلك التعارض، يقول ابن حجر: في حديث عمران السرر بفتح السين المهملة، ويجوز كسرها، وضمها جمع سرة، ويقال: أيضًا سرار بفتح أوله، وكسره سرار، ورجح الفراء الفتح سَرار، وهو من الاستسرار، قال أبو عبيد والجمهور: المراد (بالسرر) هنا آخر الشهر سميت بذلك؛ لاستسرار القمر فيها، وهي ليلة ثمان وعشرين، وتسع والعشرين، قلت: وهو مقتضى اختيار البخاري، أقول أنا: هذا مقتضى اختيار البخاري كأن البخاري رجح أن (السرر) آخر الشهر، حيث ترجم على حديث عمران بقوله: باب الصوم من آخر الشهر، ونقل أبو داود عن الأوزاعي وسعيد أن (سرره) أوله، ونقل الخطاب عن الأوزاعي كالجمهور يعني آخره، وقيل: (السرر) وسط الشهر، حكاه أبو داود أيضًا، ورجَّحه بعضهم.

 ووجَّهه بعضهم بأن (السَّرر) و(السُّرر) جمع (سرة) وسرة الشيء في وسطه، ويؤيده الندب إلى صيام البيض، وهي وسط الشهر، من أجل رفع هذا التعارض نحتاج إلى مثل هذا الكلام، وكلام وجيه، ويؤيده الندب إلى صيام البيض، وهي وسط الشهر، وأنه لم يرد في صيام آخر الشهر ندبٌ، بل ورد فيه نهيٌ خاص، وهو آخر شعبان؛ لمن صامه لأجل رمضان، ورجحه النووي بأن مسلمًا أفرد الرواية التي فيها سرة هذا الشهر عن بقية الروايات، وأردف بها الروايات التي فيها الحض على صيام ثلاثة أيام من كل شهر، التي هي البيض كما جاءت في بعض الروايات خارج الصحيح.

قال ابن حجر: لكن لم أره في جمع طرق الحديث باللفظ الذي ذكره، وهو سرة، بل هو عند أحمد من وجهين بلفظ سرار، قلت: أقول أنا: رواية مسلم التي مع شرح النووي بلفظ سرة، التي نفاها ابن حجر، فليتأمل، وسيأتي بسط شرح هذا الحديث إن شاء الله في موضعه.

قوله: «إلا أن يكون رجلٌ» كان هنا تامة بمعنى يوجد.

المقدم: سيأتي بسط هذا الكلام يا شيخ؟

كلامي نعم، سنبسط الكلام على حديث عمران في موضعه سيأتي، «إلا أن يكون رجلٌ» كان تامة يعني إلا أن يوجد «رجل يصوم صومًا» في رواية الكشميهني «صومه» «فليصم ذلك اليوم» وللترمذي وأحمد «إلا أن يوافق ذلك صومًا كان يصومه أحدكم» أنا أقول: هذه المسألة مع هذا الاستثناء شبيهة إلى حد ما فعل ذوات الأسباب في وقت النهي، من أي وجه؟ أقول: هذه المسألة وهي صيام آخر شعبان للعادة؛ لمن اعتاد الصيام بأن كان يصوم الاثنين، يصوم الخميس، وافق الاثنين آخر يوم من شعبان، عليه قضاء، عليه نذر، عليه كفارة، يصوم هذا اليوم؛ لماذا؟ لأنه لا يخطر في باله أنه يحتاط لرمضان، فهذه المسألة شبيهةٌ بذوات الأسباب، فمن صام من أجل رمضان مُنِع، وإن وافق عادة فلا، ومثل ذلك من صلى لغير سبب في أوقات النهي يمنع؛ لأن مشابهته للذين يسجدون للشمس واضحة؛ لأنه ما هناك سبب، دخل في النهي؛ لأجل المشابهة، ومتى وجد السبب انتفت تهمة المشابهة، ولنا بسط طويل في مسألة ذوات الأسباب، الذي رجحناه في مواضع، وبسطنا أدلته أن ذوات الأسباب تُفعل في الوقتين الموسعين، ولا تُفعل في الأوقات المضيقة؛ لأن المشابهة في الأوقات المضيقة لا شك أنها قوية، فليصم ذلك الصوم كالاثنين، والخميس، وصوم داود، والقضاء، والنذر، والكفارة وغيرها، فإنها مأذونٌ بصيامها، بل مأمورٌ بقضاء رمضان قبل دخول رمضان الثاني، وكذلك النذر، والكفارة، وهذا مستثنى بالأدلة الأخرى، والله أعلم، والحديث مخرجٌ في صحيح مسلم، والحديث متفق عليه.

المقدم: جزاكم الله خيرًا، وأحسن إليكم، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقنا وإياكم لكل خير، وأن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام، وأن يجعلنا وإياكم من عباده الصالحين، إنه جوادٌ كريم.

أيها الإخوة والأخوات كان هذا هو صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، نلقاكم بإذن الله تعالى؛ لاستكمال أحاديث كتاب الصوم من كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، وأنتم على خير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.