شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح - كتاب الصوم (عام 1425 هـ) - 16

 

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

 

الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسَلَّم وبارك على عبده ورسوله محمدٍ وآله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا ومرحبًا بكم.

إلى حلقةٍ جديدة في برنامجكم شرح كتاب الصوم من كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

مع مطلع هذه الحلقة يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا ومرحبًا بكم الشيخ عبد الكريم.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المُستمعين.

المقدم: لازلنا في حديث عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه– وقد أسلفتم ذكر شيءٍ من ألفاظه نستكمل الحلقة.

الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسَلَّم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

في قوله: «فليتزوج» اللام لام الأمر كما سبق، والأصل فيه الوجوب مع القدرة على تحصيل مؤنه، وإلى الوجوب ذهب داود ورواية عن أحمد.

يقول ابن حزم الذي أسلفنا كلامه: فرضٌ على كل قادرٍ على الوطء إن وجد أن يتزوج أو يتسرى، يعني هذا فرضٌ عليه، فإن عجز عن ذلك فليكثر من الصوم؛ عملًا بالتوجيه النّبوي، وقال: إنه قول جماعةٍ من السلف، وذهب الجمهور إلى أنّ الأمر للندب مستدلين بأنّ الله –جلَّ وعلا– خيّر بين التزوج والتسري بقوله: {فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [سورة النساء 3]، والتسري لا يجب إجماعًا، فإذا خُيّر بين أمرين، بين.......

المقدم: بين ما وجب وما لم يجب، فالأصل عدم الوجوب.

نعم؛ لأنه لا يُخيّر بين واجبٍ ومندوبٍ إما يخير بين واجبين أو مندوبين.

المقدم: الصارف عند الجمهور -أحسن الله إليك- في مثل هذه المسألة خصوصًا أنّ الأصل في الأمر عند جمهور العلماء الأصل فيه الوجوب، لكن نجد في بعض المسائل أنّ هناك أنهم يجعلون الأمر هنا ليس لزومًا بل للاستحباب، مما يدل على وجود صارف ولا يُذكر أحيانًا.

مثلما ذكرنا في الحلقة السابقة أنّ من أهل العلم من لا يعتد بقول الظاهرية، فيكون إجماعًا مع أنّ الإجماع لا يمكن أن يتم مع أنّ الرواية عن أحمد، فالقول بالوجوب هو المتعين، ولا صارف له إلا عدم القدرة المشترطة في الحديث، القدرة على مؤن النكاح مشترطةٌ في الحديث، ولا وجوب إلا مع توافرها، فإذا وجدت القدرة لا يوجد صارف للخبر، والفقهاء يجعلون النكاح تنتابه الأحكام الخمسة، يجب إذا خاف على نفسه العنت، إذا لم يخف على نفسه العنت ولديه القدرة مستحبٌ، ويُباح إذا تساوى عنده الأمران: الشهوة و.... ، توجد القدرة، لكن ما عنده رغبة، ويُكره إذا خشي، يعني ليس عنده رغبة وخشي من ظلم المرأة، ويُحرم إذا نوى الإضرار بالمرأة.

المقصود أنه تنتابه الأحكام الخمسة عند الجمهور، والأمر لا صارف له، ومثل هذه المسألة حقيقة توجد عند الفقهاء بكثرة، في شروح الحديث تجد الأمر صريحًا بصيغة الأمر، أو بالمضارع المقرون بلام الأمر.

المقدم: ومع ذلك يقولون بالاستحباب.

ومع ذلك تجد جماهير العلماء على الاستحباب، وأحيانًا لا نجد من يقول بالوجوب إلا الظاهرية.

المقدم: ولا يوجد صارف.

ما نقف على صارف، مذهب الجمهور أنّ الأمر للوجوب، ولا يصرف عنه إلى الاستحباب إلا بصارفٍ، فإذا نظرت في هذه المسألة، وبحثت عنها في مظانها ما وجدت صارفًا فهل تقول: الأمر هنا بالوجوب باعتبار أنه الأصل؟ أو تقول: تبعًا للسواد الأعظم من الأمة؟ للاستحباب هيبة الأئمة مع أتباعهم.

الجماهير غفيرةٌ من أهل العلم لم نجد من الـأئمة الأربعة من يقول بالوجوب في مسألةٍ ما بغض النظر بالمسألة التي معنا؛ لأنّ المسألة التي معنا رواية عن أحمد القول بالوجوب، لكن في أي مسألةٍ من المسائل وهذه مسائل كثيرة، فإذا لم نقف على صارفٍ أقول: إذا وقفنا على مسألةٍ من مسائل العلم دليلها أمرٌ صريحٌ أو نهي صريحٌ، بصيغة الأمر، أو بالمضارع المقترن بلام الأمر، أو بصيغة النهي الصريح، أو بما يدل عليهما كأمرَ رسول الله، ونهى رسول الله –صلى الله عليه وسلم–، أحيانًا نجد هذا بكثرة، والجمهور عندهم أنّ الأمر للوجوب ما لم يُصرف عنه إلى الاستحباب.

المقدم: أمرنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم– أن نخرج العواتق والحيض للعيدين يشهدن الخير ودعوة المسلمين.

ما قال به أحدٌ من الأئمة، ما قال بالوجوب أحدٌ من الأئمة مع أنه مذكورٌ عن بعض السلف.

المقدم: ولا يوجد صارف غير قول أم سلمة ولا هو بصارفٍ؟

هم يقولون: الصارف الباعث على الأمر يشهدن الخير ودعوة المسلمين، شهود هذا الخير بالنسبة للمرأة ليس بواجبٍ، إذًا الخروج ليس بواجبٍ، مع أنه قيل بوجوبه، يذكر عن بعض الصحابة أنه أوجبه، فدعنا من هذه فالصارف موجود.

لكن بعض المسائل التي مع البحث والاستقراء لا نجد صارفًا، والأئمة الأربعة وأتباعهم يقولون بالاستحباب، ولم يقل بالوجوب إلا الظاهرية، وقل مثل هذا في النهي، الجمهور يقول بالكراهة، والظاهرية يقولون بالتحريم، والأصل في النهي التحريم عند الجميع ما لم يوجد صارف، ولا نقف على صارف، فهل نقول: عمدتنا الدليل، وما يدل عليه الدليل؟ فنقول بالوجوب والتحريم كقول الظاهرية بغض النظر عمن خالفهم من السواد الأعظم من علماء هذه الأمة؟ أو نهاب الكثرة ونقول: لا يمكن أن يصرفه الجمهور بغير صارف؟ لا يمكن أن يتواطأ الأئمة الأربعة وأتباعهم على صرفه بغير صارف، ونعود إلى أنفسنا باتهامها بالتقصير أو القصور.

أما إذا وُجد من الأئمة الأربعة من قال بما يؤيد قول الظاهرية هذا لا إشكال، بدون ترددٍ يرجح، لكن إذا لم يوجد لا شك أنّ المسألة فيها حرجٌ، يعني هيبة السواد الأعظم من علماء الإسلام الأئمة المتبوعون مع أتباعهم في كفة والظاهرية في كفة، لكن الحَكَم النص، والهيبة هيبة أهل العلم لابد منها، طالب العلم ينبغي أن يكون هيّاب لأهل العلم، وإذا حُكي الإجماع، وكثيرًا ما يُحكى في هذه المسائل الإجماع، لا شك أنّ الهيبة للإجماع لابد أن تكون قائمةً في نفس طالب العلم.

وإن قال الشوكاني في ((نيل الأوطار)): إنّ كثرة الدعاوى للإجماع تجعل طالب العلم لا يهاب الإجماع مع إنه يقول: إنّ على كل طالب علمٍ أن يهاب الإجماع، وأن يتهم نفسه، ومع ذلك إنّ هذه المسألة بخصوصها أنا سألت الشيخ عبد العزيز –رحمه الله–......

المقدم: ابن باز؟

نعم، قلت له: إننا نجد في الشروح يأتي النهي صريحًا أو الأمر صريحًا، فعامة أهل العلم على أنه للاستحباب، ونبحث عن صارفٍ ولا نجد، والظاهرية يقولون بالوجوب، قال: نرجح قول الظاهرية، العبرة بالنص، مع أنّ الشيخ –رحمه الله– من منهجه.....

المقدم: أنه لم يذكر شيئًا من هذا.

يعني قد ما نعرف، لكن الشيخ لا شك أنه يهاب كثرة أهل العلم مع هيبته للنصوص؛ ولذا لا يُحفظ له شواذ، بينما حُفظ عن ابن حزم وداود مسائل شذوا فيها، فالشيخ –رحمه الله– يهاب النصوص وعمدته النصوص، لكن مع ذلك مع الموازنة والنظر الدقيق في أقوال أهل العلم؛ ولذا تجد من هو دون منزلة الشيخ لا ينظر إلى أهل العلم ولا بربع طرف، فعلى طالب العلم أن يهاب أهل العلم، ومع ذلك المعوّل على النص، فإذا ضاق المسلك ولم يجد صارفًا وعمل بالنص هذا الذي يدين الله به.

في ((المُغني)) لابن قدامة يقول: أجمع المسلمون على أنّ النكاح مشروعٌ يعني أعم من كونه واجبًا أو مستحبًا، واختلف أصحابنا في وجوبه، فالمشهور في المذهب أنه ليس بواجبٍ إلا أن يخاف أحدٌ على نفسه الوقوع في محظورٍ بتركه؛ فيلزمه إعفاف نفسه، وهذا قول عامة الفقهاء.

وقال أبو بكر عبد العزيز: هو واجبٌ، مر بنا في حلقةٍ مضت أبو بكر عبد العزيز غلام الخلال.

المقدم: المروزي يسأل؟

لا، لا، هذا غلام الخلال، قال: هو واجبٌ وحكاه عن أحمد، وحُكي عن داود أنه يجب في العمر مرةً واحدةً، ولنا أنّ الله تعالى حين أمر به علقه على الاستطابة.

المقدم: الاستطابة بالباء؟

نعم، أنا أعرف أنّ فيه أحدًا يمكن يهجم عليها ويصححها.

المقدم: تصبح استطاعة.

نعم.

المقدم: أنا أول الهاجمين.

طيب، على الاستطابة بقوله تعالى: {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ} [ سورة النساء 3]، والواجب لا يقف على الاستطابة، يعني هذا صارفٌ عندهم، وقال: {مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ}، ولا يجب ذلك بالاتفاق، فدل على أنّ المراد بالأمر الندب.

وعلى كل حالٍ النصوص الصحيحة الصريحة فيها الأوامر لاسيما مع القدرة والاستطاعة، وهو من سنن المرسلين.

فيه فصل ذكره ابن قدامة في ((المغني)) يقول: الناس في النكاح على ثلاثة أدربٍ: منهم من يخاف على نفسه الوقوع في محظورٍ إن ترك النكاح، فهذا يجب عليه النكاح في قول عامة الفقهاء؛ لأنه يلزمه إعفاف في نفسه وصونه عن الحرام، وطريقه النكاح.

الثاني: من يُستحب له، وهو من له شهوة يأمن معها الوقوع في المحظور، فهذا الاشتغال له به أولى من التخلي لنوافل العبادة، وهو قول أصحاب الرأي، وهو ظاهر قول الصحابة –رضي الله عنهم– وفعلهم.

يقول ابن مسعود صاحب الحديث الذي معنا: لو لم يبقَ من أجلي إلا عشرة أيامٍ، وأعلم أني أموت في آخرها يومًا، ولي طول النكاح فيهنّ لتزوجت مخافة الفتنة. كيف يرد العرض؟

المقدم: علقه هنا بقول: ولي طول.

أو قدرته على الوطء، يمكن وقت العرض من قبل عثمان ليست عنده قدرة على الوطء.

وقال ابن عباس لسعيد بن جبير: تزوج، فإنّ خير هذه الأمة أكثرها نساءً.

وقال إبراهيم الميسرة قال لي طاووس: لتنكحنّ أو لأقولنّ لك ما قال عمر لأبي الزوائد: ما يمنعك عن النكاح إلا عجزٌ أو فجورٌ.

وقال أحمد -رحمه الله– في رواية المروزي: ليست العُزبة من أمر الإسلام في شيءٍ، وقال: من دعاك إلى غير التزويج فقد دعاك إلى غير الإسلام.

المقدم: هذا كله في كتاب النكاح من ((المغني)) يا شيخ؟

نعم، يقول: ولو تزوج -ضابطها المحقق- بشر كان قد تم أمره، لعله بِشر، لو تزوج بشر، كيف بشر؟ كان قد تم أمره، يعني مثلما نقول عن النووي، أو عن شيخ الإسلام، أو عن الأئمة الكبار الذين لم يتزوجوا لأمرٍ يخصهم، يعني قد لا تكون عندهم القدرة على النكاح، لكن لا شك أنّ النكاح أكمل، لو تزوج شيخ الإسلام لكان تم أمره، النووي لو تزوج كان تم أمره، قد يكون العائق له عن النكاح عدم القدرة، فالذي يظهر أنها بِشر، ما هي ببشر وإن ضبطها المحقق.

المقدم: بِشر من؟

احتمال بِشر الحافي وغيرهم ممن انصرفوا للعبادة.

وقال الشافعي: التخلي لعبادة الله تعالى أفضل؛ لأنّ الله تعالى مدح يحيى –عليه السلام– بقوله: {وَسَيِّدًا وَحَصُورًا } [سورة آل عمران 39]، والحصور الذي لا يأتي النساء، فلو كان النكاح أفضل لما مُدح بتركه، لكن قد نقول: إنّ هذا شرع من قبلنا، «من رغب عن سنتي فليس مني» سنته –عليه الصلاة والسلام– النكاح، إلى غير ذلك، كلامٌ طويل لابن قدامة في هذه المسألة.

«فإنه أغض للبصر»، «فإنه» يعني النكاح المأخوذ من الأمر «فليتزوج»، «أغض للبصر» يعني أشد غضًّا، «وأحصن للفرج» أي أشد إحصانًا له ومنعًا من الوقوع في الفاحشة.

قال ابن دقيق العيد: قوله –عليه السلام–: «فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج» يحتمل أمرين: أحدهما أن تكون أفعل فيه مما استُعمل لغير المبالغة، يعني ليست على بابها. والثاني أن تكون على بابها، فإنّ التقوى سببٌ لغض البصر وتحصين الفرج، وفي معارضتها الشهوة والداعي إلى النكاح، وبعد النكاح يُضعف هذا المعارض، ويكون أغض للبصر وأحصن للفرج، إذا لم يكن، فإنّ وقوع الفعل مع ضعف الداعي إلى وقوعه أندر من وقوعه مع وجود الداعي، الكلام مفهوم؟

الآن عندنا «أغض للبصر» النكاح أغض للبصر من أيش؟ من عدمه، من عدم النكاح، لكن افترضنا أن شخصًا متزوج، لكنه في باب التقوى أقل، وشخص غير متزوج وهو تقواه أشد، أيهما أغض للبصر؟

المقدم: الثاني غير المتزوج.

نعم، إذًا كيف جاءت «أغض للبصر» مع أنه يوجد ممن تزوج من لا يغض بصره؟

المقدم: فلا تكون على حقيقة هذه التقوى هنا؟

نعم، يعني ظهر كلامه ولا ما ظهر؟

المقدم: نعم، ظهر.

أن تكون على بابها، فإنّ التقوى سببٌ لغض البصر وتحصين الفرج، في معارضتها الشهوة والداعي إلى النكاح، وبعد النكاح يضعف هذا المعرض فيكون أغض للبصر وأحصن للفرج، يعني بغض النظر عن التفاوت في التقوى أن تنظر إلى رجلين كلاهما على حدٍ سواء في التقوى قوةً وضعفًا، لكن هذا متزوج، وهذا غير متزوج، لا شك أنّ المتزوج أغض للبصر، فالمفاضلة بين اثنين يشتركان في وصف واحدٍ على مستوى واحد.

والحوالة على الصوم، يقول ابن دقيق لما فيه من كسر الشهوة؛ فإنّ شهوة النكاح تابعةٌ لشهوة الأكل تقوى بقوتها وتضعف بضعفها، ومن لم يستطع، نشرح هذا الحديث بشيءٍ من التوسع على طريقتنا في شرح الكتاب؛ لأنه لن يُذكر في كتاب النكاح، والكتاب لا شك أنه عظيمٌ والناس يحتاجون إليه، الحديث.

من لم يستطع النكاح لعدم قدرته على مؤنه فعليه بالصوم أسلوب أيش؟ أسلوب إغراء، لكن هل يُغرى الغائب؟ هل يقال: عليه أن يفعل كذا أو يُغرى الحاضر، عليك أن تفعل كذا؟

المقدم: الإغراء للحاضر دائمًا.

هو الأصل أنّ الإغراء للحاضر؛ لأنّ الإغراء للغائب منعه قومٌ من أهل العربية، اللهم إلا إذا كان هناك واسطة تبلغ هذا الغائب، يعني لو جاءك شخصٌ يقول: مثلًا يشكو من ألم كذا تقول: عليه.....

المقدم: عليه بالطعام الفلاني.

نعم، فهو في حكم الحاضر؛ لأنك تخاطب حاضر، فعلى الإغراء قال ابن دقيق: هو إغراءٌ للغائب وقد منعه قومٌ من أهل العربية، كذا قال: والصواب أنه إغراءٌ للحاضرين.

المقدم: الذين يسمعون الناس.

نعم؛ لأنهم إما قادر وإما عاجز، فالقادر عليه بالنكاح، والعاجز عليه بالصوم؛ لأنه لا يخاطب شخصًا بعينه .

المقدم: وما ينصر هذا القول بداية الحديث «يا معشر الشباب» مخاطبته لهم؟

المخاطبة للجميع، لكن الأصل أنه يخاطب الحاضرين، وخطابه –عليه الصلاة والسلام– لمن بين يديه من الصحابة إلى آخر الأمة كلها.

والصواب أنه إغراءٌ للحاضرين الذين خاطبهم أولًا بقوله: «من استطاع منكم الباءة»، فالباء في «بالصوم»، لا، فالهاء في «عليه» هي محل الإغراء، فالهاء في «عليه» ليست للغائب، وإنما هي للحاضر المبهم، النّبي– عليه الصلاة والسلام– لا يعرف القادر من العاجز، إنما يخاطب أناسًا موجودين أهلًا لأن يخاطبوا، لكنه مبهمٌ.

المقدم: لأنه لا يدري من العاجز ومن القادر.

نعم، هذا هو السبب، فالهاء في «عليه» ليست للغائب، إنما هي للحاضر المبهم؛ إذ لا يصح خطابه لو اتجه لخطابٍ بعينه كمن كان قادرًا. إذ لا يصح خطابه بالكاف، ونظيره لو قلت لاثنين: من قام منكما فله درهمٌ.

المقدم: وهنا له للغائب، لكنه معروفٌ.

نعم، فالهاء للمبهم من المخاطبِين أو من المخاطبَين لا للغائب، ذكره الصنعاني في حاشيته على شرح ابن دقيق العيد نقلًا عن القاضي عياض.

في ((التنقيح)) للزركشي ((التنقيح)) على الجامع الصحيح هو شرحٌ مختصر جدًّا، نعم في ((التنقيح)) للزركشي قيل: إنه من إغراء الغائب، وسهله تقدم المغرى به في قوله: «من استطاع منكم» فأشبه إغراء الحاضر.

وقال ابن عصفور: الباء زائدة في المبتدأ، ومعناه الخبر الصوم عليه، وليس حينئذ فيه قراءة، ومعناه الخبر وليس معناه الأمر يجب عليه، لا الأمر وإلا فعليه الصوم، ومعناه الخبر، لا الأمر وإلا فعليه الصوم، وقيل: هو من إغراء المخاطب، والمعنى دلوه على الصوم. دلوه على الصوم أي أشيروا عليه بالصوم. انتهى.

المقصود أنه أسلوبٌ متروكٌ وله مثاله: لو قيل لاثنين: من قام منكما أو من فعل كذا منكما فله درهمٌ هو أسلوبٌ مستعملٌ.

فإنه له «وجاء» بكسر الواو وبجيم ومد، وهو رض الخصيتين، وقيل: رض عروقهما، ومن يفعل به ذلك تنقطع شهوته، ومقتضاه أنّ الصوم قامعٌ لشهوة النكاح.

قال ابن حجر: استُشكل بأنّ الصوم يزيد في تهييج الحرارة، وذلك مما يثير الشهوة، لكن ذلك إنما يقع في مبدأ الأمر؛ فإذا تمادى عليه واعتاده سكن ذلك، والله أعلم.

في شرح الخطابي يقول: الوجاء أن تدق خصية التيس أو الثور بين حجرين فهو موجوءٌ، يريد أنّ الصوم يقطع الشهوة؛ فيصير بمنزلة الوجاء للفحولة من البهائم، وقد يُستدل به على جواز التعالج لقطع الشهوة كتناول الكافور ونحوه من الأشياء، يستدل به على جواز التعالج لقطع الشهوة -هذا كلام الخطابي- كتناول الكافور ونحوه من الأشياء.

وفي شرح السّنة للبغوي: في الحديث دليلٌ على أنّ من لا يجد أهبة النكاح يجوز له المعالجة؛ لقطع الباءة بالأدوية؛ لأمر النّبي –صلى الله عليه وسلم– بالمعالجة لقطعها بالصوم، فأما من لا تتوق نفسه إلى النكاح وهو قادرٌ عليه فالتخلي للعبادة له أفضل من النكاح عند الشافعي، وذهب أصحاب الرأي إلى أنّ النكاح أفضل. هذا كلام البغوي.

المقدم: الخطابي ينقل عن البغوي؟

لا.

المقدم: انتهى كلام الخطابي.

نعم، البغوي المتقدم، الخطابي.....

المقدم: الخطابي قبله؟

قبله، نعم.

المقدم: البغوي كلامه متأخر.

فكلاهما يرى جواز المعالجة لقطع الباءة بالأدوية، ابن حجر حمل العلاج المذكور في كلام الخطابي والبغوي على دواءٍ يسكن الشهوة دون ما يقطعها أصالةً؛ لأنه قد يقدر بعد ذلك فيندم لفوات ذلك في حقه، والحجة فيه أنهم اتفقوا على منع الجب والخصاء، فيلحق ذلك بما في معناه من التداوي بالقطع أصلًا؛ الآن أخذوا من تشبيه الصوم.

المقدم: تشبيه الصوم أثر الصوم كالوجاء؟

نعم، الصوم الذي يسكن الشهوة مثل الوجاء، فما دام الصوم مطلوبًا فما شُبه به مطلوبٌ على حد فهم الخطابي والبغوي، لكن هل الصوم يقطع الشهوة أم يُضعف الشهوة؟

المقدم: يوقفها في فترةٍ معينة.

يُضعف الشهوة، لكن يبقى أنه شُبه بما يقطع الشهوة، والصوم مطلوبٌ وما شُبه به أيضًا مطلوبٌ، هذا مقتضى كلامهم، فما دام الصوم مطلوبًا، إذًا ما شُبه به مطلوبٌ لكن.....

المقدم: لا يستقيمان.

عندي أنّ هذا من باب التشبيه تشبيه الصوم بالوجاء أي كالوجاء، ولا يلزم من التشبيه مطابقة المشبه للمشبه به من كل وجه، لا يلزم هذا، هذه مسألةٌ كررناها مرارًا، يعني مثل صيام رمضان وست من شوال بصيام الدهر مع أنّ الدهر منهي عن صيامه.

المقدم: لا يلزم هذا الجواز.

أيضًا تشبيه الوحي بصلصلة الجرس، تشبيه تقديم اليدين على الركبتين في السجود ببروك البعير يعني من وجهٍ دون وجه كما هو معروفٌ، كما كررنا هذا مرارًا.

استدل القرافي بالحديث على أنّ التشريك في العبادة لا يضر بخلاف الرياء، لكنه يقال: إن كان المشرَّك عبادةً كالمشرَّك فيه فلا يضر، فإنه يحصل بالصوم تحصين الفرج وغض البصر، الآن التشريك في العبادة ...

يمكن هذه نؤجلها انتهى الوقت أم لا؟

المقدم: شرح كلام؟

لا، التشريك مسألةٌ تحتاج إلى بسطٍ.

المقدم: لعلنا نرجئها إلى مطلع حلقةٍ أخرى -بإذن الله تعالى– أحسن الله إليكم.

أيها الأخوة والأخوات بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة، على أن نستكمل -بإذن الله تعالى– ما تبقى من المسائل، ونبدأ في الحلقة القادمة في مسألة التشريك في العبادة مع فضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير.

شكرًا لكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.