التعليق على الموافقات (1435) - 07

نعم.

طالب: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- إتمامًا للمسألة الثالثة: "فصل: وعلى هذا الأصل ينبني قواعد، منها: أنه ليس للمقلد أن يتخير في الخلاف".

يعني الأصل الذي تقدم والكلام فيه وما أورد عليه وما أجيب به، من أن الحق واحد لا يتعدد وأن المصيب واحد، كما في الحديث: «إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد وأخطأ فله أجر واحد»، "ليس للمقلد أن يتخير".

طالب: "أن يتخير في الخلاف كما إذا اختلف المجتهدون على قولين، فوردت كذلك على المقلد".

يعني المقلد ليس له أن يتخير من الأقوال ما يوافق هواه ويريح نفسه ويسهل عليه، عليه أن يقلد الأوثق الأعلم الأورع: (وليس في فتواه مفتٍ متبع ما لم يضف للعلم والدين الورع)، لا بد من توافر هذه الأمور؛ لأن بعض الناس إذا وافقت الهوى ما في نفسه تبعها، وإذا لم توافق ردّها ممن كان، وإن كان يقلده في مسائل كثيرة ويرضاه ويرتاح إليه، لكن يذهب إلى هذا فيفتيه بأن عليه هديًا، ثم يذهب إلى ذاك يقول: لا شيء عليك. طيب الأول أنت كنت تقلده في كل شيء، فما الذي جعلك تنصرف عنه إلى الثاني الذي يقول: لا شيء عليك؟ والذي يقول: عليك القضاء، والثاني يقول: لا قضاء عليك، يتخير منهما ما يشاء؟ لا يجوز له ذلك، كالمجتهد إذا بان له الحق بدليله لا يجوز له أن يختار غيره، ومثل هذا المقلد إذا قلد من تبرأ ذمته بتقليده لا يجوز له أن ينتقل عن قوله إلى قول غيره لمجرد الهوى.

طالب: "فقد يعد بعض الناس القولين بالنسبة إليه مخيَّرًا فيهما كما يُخير في خصال الكفارة، فيتبع هواه وما يوافق غرضه دون ما يخالفه، وربما استظهر على ذلك بكلام بعض المفتين".

ما يمكن أن يرد شيئًا أنه: افعل هذا أو لا تفعله، على التخيير، أو: هذا حرام أو حلال، ما يرد هذا. لكن في خصال الكفارة: {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} [المائدة: 89].

طالب: {إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} [المائدة: 89].

{إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ} (أو)، {أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المائدة: 89]، ثم بعد ذلك: من لم يجد يصوم. فجاءت الكفارة وخصالها بالتخيير بـ(أو)، والتخيير حينها له أن يتخير حينئذٍ ما يسهل عليه وما يميل إليه؛ لأنه مخير. أما في الأقوال إما أن يفعل أو لا يفعل، ما ورد في هذا تخيير.

طالب: "وربما استظهر على ذلك بكلام بعض المفتين المتأخرين، وقواه بما روي من قوله- عليه الصلاة والسلام-: «أصحابي كالنجوم»".

هذا تكرر عند المؤلف مرارًا، وذكرنا في دروس سبقت أنه لا يصح ولا يثبت، بل هو حديث منكر، وحكم بعضهم بأنه موضوع.

طالب: "وقد مر الجواب عنه، وإن صح، فهو معمول به فيما إذا ذهب المقلد عفوًا فاستفتى صحابيًّا أو غيره فقلده فيما أفتاه به فيما له أو عليه. وأما إذا تعارض عنده قولَا مفتيين، فالحق أن يقال: ليس بداخل تحت ظاهر الحديث؛ لأن كل واحد منهما متبِع لدليل عنده يقتضي ضد ما يقتضيه دليل صاحبه، فهما صاحبا دليلين متضادين، فاتباع أحدهما بالهوى اتباع للهوى، وقد مر ما فيه، فليس إلا الترجيح بالأعلمية وغيرها".

يعني من الورع والتقوى والدين، والعامي يفرق ويعرف في هذه الأبواب، يستطيع أن يميز ولو بالاستفاضة، يعني استفاض بين الناس أن فلانًا أعلم، وفلانًا أكثر تحريًا، وفلانًا أكثر اتباعًا للدليل، والعامة وإن كانت ليست لديهم أدوات الأهلية والاجتهاد ومعرفة التمييز الدقيق، لكن هم في الجملة يعرفون شيئًا من ذلك، وأحاديثهم في مجالسهم عن أهل العلم تنبئ عن ذلك.

جاء رجل يستفتي، فقيل له: ابن عباس، فقال: أريد ابن عمر، قيل له: اذهب لابن عباس، قال: ذاك رجل مالت به الدنيا ومال بها! يعني الناس يبحثون عن الورع، عن الدين، ولو كان أقل في العلم. دعونا من المفاضلة بين ابن عمر وابن عباس؛ هذا شيء ثانٍ، لكن لو جئت إلى مسجد ووجدت شيخًا من المشايخ في روضة المسجد جاء مع الأذان وشخصًا فاتته بعض الصلاة وإن كان أعلم، تجد العامي ما يثق، وإن كان أعلم من المتقدم هذا، يهمه من يقرن العلم بالعمل، ويهمه مسألة الدين والورع والاتباع، بغض النظر عن كون ما يحفظه من المسائل أكثر أو أقل.

طالب: "وأيضًا فالمجتهدان بالنسبة إلى العامي كالدليلين بالنسبة إلى المجتهد، فكما يجب على المجتهد الترجيح أو التوقف، كذلك المقلد".

طالب: أحسن الله إليك يا شيخ.

نعم.

طالب: .......

ما هو بتكليف بالاجتهاد، اجتهاد مناسب له، يعني بالاستفاضة، لا يلزم أن يعرف دقائق العلوم، وأن هذا يحفظ متن كذا، وهذا لا يحفظ كذا، ويحفظ من الأدلة ما جملته كذا، لا لا ينظر في هذا من حيث، لكن بالاستفاضة، بالاستفاضة.

امرأة كبيرة في السن دخلت عليَّ مرة من المرات وقالت: فلان- جزاه الله خيرًا- أفتى بأن الذهب ليس فيه زكاة! مبسوطة! قلت لها: أنا أقول: ما فيه زكاة، ما دام أنت تفرحين بهذا ما فيه زكاة، لكن ضعيني أنا وفلانًا في كفة، وابن باز وابن عثيمين في كفة. المسألة ما هي بمسألة هوى، المسألة دين. يوم سمعت هذا يقول بهذا كل عمرها، لعلها ظلت أربعين سنة تزكي؛ لأنها تسمع المشايخ يقولون بالزكاة، ابن باز وابن عثيمين ومجموعة من المشايخ. ما الذي جعلها هذا العام ما تزكي؟ لأنها سمعت قول هذا. قلت لها: المسألة دين، ابحثي عمن تبرأ به ذمتك. ما هي بمطالبة أن تمايز بين فلان وفلان من حيث كثرة العلم وكثرة المحفوظ وكثرة كذا، لا، ما دامت اقتنعت والاستفاضة دلتها على أن هذا أعلم وقلَّدته سنين، لماذا انتقلت؟ انتقلت للهوى؛ لأنه خفف عنها لا أكثر ولا أقل، والله المستعان.

طالب: "فكما يجب على المجتهد الترجيح أو التوقف، كذلك المقلد، ولو جاز تحكيم التشهي والأغراض في مثل هذا لجاز للحاكم، وهو باطل بالإجماع.

وأيضًا فإن في مسائل الخلاف ضابطًا قرآنيًّا ينفي اتباع الهوى جملة، وهو قوله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59]، وهذا المقلد قد تنازع في مسألته مجتهدان، فوجب ردّها إلى الله والرسول، وهو الرجوع إلى الأدلة الشرعية، وهو أبعد من متابعة الهوى والشهوة، فاختياره أحد المذهبين بالهوى والشهوة مضاد للرجوع إلى الله والرسول، وهذه الآية نزلت على سبب فيمن اتبع هواه بالرجوع إلى حكم الطاغوت، ولذلك أعقبها بقوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} [النساء: 60] الآية.

 وبهذا يظهر أن مثل هذه القضية لا تدخل تحت قوله: «أصحابي كالنجوم». وأيضًا فإن ذلك يفضي إلى تتبع رخص المذاهب من غير استناد إلى دليل شرعي، وقد حكى ابن حزم الإجماع على أن ذلك فسق لا يحل".

بعضهم يقول: زندقة، اتباع الرخص تؤدي بالإنسان إلى أن يخرج من الدين بالكلية؛ لأنه ما من مسألة -إلا ما ندر- إلا وفيها قول مبيح وقول محرم وقول متوسط، إذا أخذ المبيح في كل مسألة خرج من الدين، صار ما يتدين بدين، كل شيء على الإباحة عنده.

طالب: "وأيضًا فإنه مؤدٍّ إلى إسقاط التكليف في كل مسألة مختلف فيها؛ لأن حاصل الأمر مع القول بالتخيير أن للمكلف أن يفعل إن شاء، ويترك إن شاء".

لماذا يفعل ما شاء ويترك ما شاء؟ لأنه يوجد عالم يقول بحلال، وهذا حلال، وعالم يقول حرام فيترك، إن شاء عمل وإن شاء ترك.

طالب: "وهو عين إسقاط التكليف".

يُنسب لبعض المسؤولين أنه يقول: ما ارتكبنا حرامًا قط! عندنا علماء إذا احتجنا شيئًا اتصلنا عليهم، ومعروف سلفًا أن المسألة عندهم ميسرة وسهلة، نسأل الله العافية.

طالب: "وهو عين إسقاط التكليف، بخلاف ما إذا تقيد بالترجيح فإنه متبع للدليل، فلا يكون متبعًا للهوى ولا مسقطًا للتكليف. لا يقال: إذا اختلفا، فقلد أحدهما قبل لقاء الآخر جاز، فكذلك بعد لقائه، والاجتماع طردي؛ لأنا نقول: كلا، بل للاجتماع أثر؛ لأن كل واحد منهما في الافتراق".

لولا الاجتماع ما صار فيه انتقال من مذهب إلى مذهب، أنت ما تعرف إلا هذا القول لولا الاجتماع، أنت وجدت ابن عباس خذ قوله، ما تقول: أبحث عن فلان وعلان، لعله يكون أخف، صار للاجتماع بين الاثنين أثر، ما هو بطردي، مجرد وصف لا قيمة له، وأنه لو وجدت فلانًا أتبع قوله، ثم أجد فلانًا فيما بعد وأتبع قوله؛ هذا كلام ليس بصحيح. إن وجدت قوله أرجح ورأيت أن فتواه- أعني الثاني- أبرأ لذمتك، ممكن، كمن يسأل شخصًا فيقول: لا شيء عليك، ثم يجد نفسه غير مرتاح لهذه الفتوى، ثم يسأل من هو أشد من ذلك ويقول: عليك هدي أو عليك القضاء أو عليك كذا، فيقول: هذا أبرأ، الأمر إليه، ما تبع هواه هذا، أراد الاحتياط وإبراء ذمته.  

طالب: "بل للاجتماع أثر لأن كل واحد منهما في الافتراق طريق موصل، كما لو وجد دليلاً ولم يطلع على معارضه بعد البحث عليه جاز له العمل. أما إذا اجتمعا واختلفا عليه، فهما كدليلين متعارضين اطلع عليهما المجتهد، ولقد أشكل القول بالتخيير المنسوب إلى القاضي ابن الطيب، واعتُذر عنه بأنه مقيد لا مطلق، فلا يخيَّر إلا بشرط أن يكون في تخييره في العمل بأحد الدليلين قاصدًا لمقتضى الدليل في العمل المذكور، لا قاصدًا لاتباع هواه فيه، ولا لمقتضى التخيير على الجملة، فإن التخيير الذي هو معنى الإباحة مفقود هاهنا، واتباع الهوى ممنوع، فلا بد من هذا القصد. وفي هذا الاعتذار ما فيه، وهو تناقض؛ لأن اتباع أحد الدليلين من غير ترجيح محال، إذ لا دليل له مع فرض التعارض من غير ترجيح، فلا يكون هنالك متبعًا إلا هواه".

نعم، يعني من غير ترجيح محال، يعني ما يمكن أن تعمل بدليل وله ما يعارضه في مستواه في القوة؛ لأنك إذا عملت بغير مرجح فأنت متبع للهوى. يرد في الأمور العادية مثل هذا من غير ترجيح، كما يمثل شيخ الإسلام بالبداءة بأحد الرغيفين أو سلوك أحد الطريقين. يعني عندك طريقان يؤديان إلى مقر عملك، لا مزية لأحدهما عن الآخر، سلكت أحدهما ما فيه إشكال. أمامك رغيفان، بدأت بأحدهما، ماذا يصير؟ هو ما فيه إلا، هو الترجيح ولو كان. يعني كونك بدأت بأحدهما قد يلوح لك مرجح خفي ولو ضعيف. لكن إذا لم يوجد مرجح مثل الأرغفة التي تخرج من المخابز الأوتوماتيكية ما بينها أي فرق، لكن المخابز اليدوية تجد هذا أكثر نضجًا، هذا أقرب إلى ذوقك أكثر من هذا، فتبدأ به، هذا شيء آخر، لكن المصانع المتقنة هذه توجد لك أشياء متشابهة متطابقة من كل جهة، فإذا بدأت بأحدها فبدون مرجح، ومثل هذا لا تلام عليه.

طالب: أحسن الله إليك، اتباع الأيسر....... هل يعتبر....... اتباعًا للهوى؟

انظر قواعد الترجيح عند أهل العلم عند التساوي، منهم من يقول: الراجح الأشد، ومنهم من يقول: الراجح الأيسر؛ لأن الدين يسر، ومنهم من يقول: الأشد؛ لأن الدين دين تكاليف «وحفت الجنة بالمكاره»، ما حفت بالشهوات. فهما مذهبان لأهل العلم، وعلى كل حال: إذا تجنب الإنسان اتباع هواه فهو على خير على كل حال.

طالب: "فصل" هذا؟

طويل؟ ثماني صفحات، أربعة، ثماني صفحات.

طالب: تريد أن نقرأه يا شيخ أم .......

درس كامل.

طالب:.......

طالب: يا شيخ- أحسن الله إليك- لو كان مقلد يقلد مثل الشيخ ابن باز، لكن في مسألة ما يعرف فيها قول الشيخ ابن باز، هل.......

ما وجد للشيخ كلامًا أم ..؟

طالب: ما بحث، لكنها....... الذي يثق فيهم، هل يجب عليه البحث عن قول الشيخ ابن باز مثلاً أو لا؟

لا ما يلزم، إذا كان الثاني ممن تبرأ الذمة بتقليده، ولم يحمله على اتباعه هوى، لا مانع.