كتاب الجامع من سبل السلام (11)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نعم.
أحسن الله إليك.
"الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان.
اللهم اغفر لشيخنا والسامعين.
أما بعد،
فقال في البلوغ وشرحه في باب البر والصلة من كتاب الجامع:
وعن أبي أيوب -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليالٍ، يلتقيان، فيعرض هذا، ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام». متفق عليه.
نفي الحل دال على التحريم، فيحرم هجران المسلم فوق ثلاثة أيام، ودل مفهومه على جوازه في ثلاثة أيام، وحكمة جواز ذلك.."
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
إذا قيل: لا يحل فمعناه أنه ارتفع عنه الحل، وثبت نقيضه ومقابله، وهو الحرمة، يحل لهم، ويحرم عليهم، وهذا هو المراد في الحديث؛ لأنه قد يقول: إن الحل وهو الإباحة له أضداد، وله قسائم، فمما يقابله الطلب والمنع والحل والإباحة مرتبة بينهما؛ لأن نفي الشيء لا شك أنه إثبات لضده، كما قالوا في الأمر بالشيء نهي عن ضده، والنهي عن الشيء أمر بضده، وهذا معلوم إذا كان له ضد واحد. فإذا كان له أضداد فهل يستقيم مثل هذا الكلام؟
لأن الحل والإباحة من الأحكام التكليفية، وهي خمسة، فهل إذا ارتفع الحل تثبت الحرمة أو تثبت الكراهة؟ وهل يثبت الوجوب أو يثبت الندب؟ لأنها قسائم للحل.
لكن المقصود به في هذا ما يقابل التحريم، كما في قوله -جل وعلا-: {يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ} [سورة الأعراف:157]، ولا يقصد به الحل الذي هو قسيم للوجوب والحظر والإباحة والندب والكراهة، فإذا قالوا: الأمر بالشيء نهي عن ضده فهذا معلوم أنه إذا كان لضد واحد ما فيه إشكال، لكن إذا كان له أضداد، إذا نفينا الحل، وهو الإباحة، فهل يثبت واحد من قسائمه الأربعة، أو أن المراد به قسيم وهو واحد، وهو ما يقابل الحل، وهو الحظر؟
يحتمل هذا وهذا، لكن المراد به هنا هل يمكن أن يقال: لا يحل لمسلم، بل يجب؟ أو يندب؟ لا يمكن أن يقال مثل هذا، فتعيَّن أن المراد به ما يقابله، وهو الحظر؛ لأنه جاء في الشرع مقابلة الحل بالحرمة، يحل لهم، ويحرم عليهم، ولذلك قال: نفي الحل دال على التحريم فيحرم.. إلى آخره.
أحسن الله إليك.
"وحكمة جواز ذلك في هذه المدة أن الإنسان مجبول على الغضب وسوء الخلق، ونحو ذلك، فعفي له هجر أخيه ثلاثة أيام؛ ليذهب ذلك العارض؛ تخفيفًا على الإنسان، ودفعًا للإضرار به، ففي اليوم الأول يسكن غضبه، وفي الثاني يراجع نفسه، وفي الثالث يعتذر، وما زاد على ذلك كان قطعًا لحقوق.."
الشرع، الشرع حينما يعالج القلوب بنصوصه، فإنه أيضًا لا يهمل الحظوظ النفسية، التي لا يمكن الانفكاك منها؛ لأن النفوس مجبولة على هذا، فالتكليف بانتفاء هذا الأمر بالكلية تكليف بما لا يطاق، قد لا يطيقه كثير من الناس، وإن كان المسلم يجب أن يكون هواه تبعًا لما جاء به النبي- عليه الصلاة والسلام-، ولذلك لما سأله النصيحة قال: «لا تغضب»، لكن قد لا يستطيع ألا يغضب، قد لا يملك نفسه عند الغضب، فأذن له في الثلاثة الأيام؛ ليهدأ ويسكن.
أحسن الله إليك.
"وما زاد على ذلك كان قطعًا لحقوق الأخوة، وقد فسر معنى الهجر بقوله: يلتقيان، إلى آخره وهو الغالب.."
يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، هذا الأجر، وهو عدم الكلام.
أحسن الله إليك.
"وهو الغالب من حال المتهاجرين عند اللقاء. وفيه دلالة على زوال الهجر له برد السلام.."
يعني ما الذي يقطع الهجر؟ السلام، في الحديث دلالة على أن الهجر ينقطع بالسلام، والذي يبدأ بالسلام يرتفع عنه الإثم، ومن أهل العلم من يرى أنه لا ينقطع الهجر إلا بعود الحال على ما كانت عليه قبله، كانوا يتواصلون، وبينهم ود، ثم حصل الهجر، بعضهم يقول وهو مغضب، وهو هاجر، وهو قاطع: السلام عليكم، لكن ما يزيد على ذلك، من أهل العلم من يقول: هذا ما يكفي؛ لأنه قد يغلب نفسه على إلقاء السلام، وعلى رد السلام، ويبقى في نفسه أشياء، لكن الحديث صريح في أن السلام يقطع الهجر، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام، ولو كان الهجر لا ينقطع ما صار فيه خير.
أحسن الله إليك.
"وفيه دلالة على زوال الهجر له برد السلام، وإليه ذهب الجمهور ومالك والشافعي، واستدل له بما رواه الطبراني من طريق زيد بن وهب عن ابن مسعود في أثناء حديث موقوف، وفيه ورجوعه أن يأتي فيسلم عليه، وقال أحمد وابن القاسم: إن كان يؤذيه ترك الكلام فلا يكفيه رد السلام، بل لا بد من الرجوع إلى التي بينهما، وقيل: ينظر إلى حال المهجور، فإن كان خطابه بما زاد على السلام عند اللقاء مما تطيب به نفسه، ويزيل علة الهجر كان من تمام الوصل وترك الهجر، وإن كان لا يحتاج إلى ذلك كفى السلام، وأما فوق اليوم الثالث فقال ابن عبد البر: أجمعوا على أنه يجوز الهجر فوق ثلاث لمن كانت مكالمته تجلب نقصًا على المخاطِب له في دينه، أو مضرة تحصل عليه في نفسه أو دنياه، فرب هجر جميل خير من مخالطة مؤذية، وتقدم الكلام في هجر من يأتي ما يلام عليه شرعًا، وقد وقع.."
النبي -عليه الصلاة والسلام- هجر الثلاثة الذين خلفوا خمسين ليلة ما كلمهم؛ لأن هذه مصلحة شرعية، وكذلك إذا وجد مبتدع، وصار الهجر هو العلاج في حقه؛ لأن الهجر قد يكون علاجًا لبعض الناس، والصلة قد تكون علاجًا لآخرين، يعني بعض الناس ما يفيده الهجر، إذا هجر تمادى في ضلاله وفي غيه، وتعدى شره، وإذا وُصل خف شره وضرره، فيوصل من هذه الحيثية.
أحسن الله إليك.
"وقد وقع من السلف التهاجر بين جماعة من أعيان الصحابة والتابعين وتابعيهم، وقد عد الشارح جماعة من أولئك يستنكر صدوره من أمثالهم، وأقاموا عليه، ولهم أعذار، إن شاء الله، والحمل على السلامة متعين، والعباد مظنة المخالفة، وأما قول الذهبي: إنه لا يقبل جرح الأقران بعضهم على بعض سيما السلف قال: وحدهم رأس ثلاثمائة من الهجرة.."
السلف هذا الاصطلاح ينتهي سنة ثلاثمائة فيما قاله الذهبي- رحمه الله-، والحافظ ابن حجر قرر أن القرون الثلاثة المفضلة تنتهي على رأس سنة مائتين وعشرين، باعتبار أن القرن سبعون سنة، القرن سبعون سنة، وثلاثة قرون بمائتين وعشرة بعد وفاته -عليه الصلاة والسلام- سنة عشر، فيكون سنة مائتين وعشرين، ومعلوم أنه سنة مائتين وعشرين ظهرت البدع الكبرى، وظهر من يدعو لها، وظهر من ينافح عنها ويدافع عنها، وتغيرت الأحوال في هذا التاريخ، والله المستعان، في عهد المأمون.
أحسن الله إليك.
"فقد بينا اختلال ما قال في ثمرات النظر في علم الأثر، وقد نقل في الشرح قضايا كثيرة لا يحسن ذكرها؛ إذ طي ما لا يحسن ذكره لا يحسن نشره."
ولذا من عقيدة أهل السنة والجماعة أن يعرضوا عما حصل بين الصحابة -رضوان الله عليهم- عما شجر بينهم وحصل بينهم من خلافات ومنافسات وأمور حصلت بينهم لا يحسن ذكرها، بل المطلوب طيها وعدم نشرها، وكذلك ما حصل بين الأئمة.
أحسن الله إليك.
"وعن جابر -رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «كل معروف صدقة». أخرجه البخاري."
الآن النفس تتشوف إلى ما قاله الشارح الصنعاني الذي ذكره الشارح يقول: وقد وقع من السلف التهاجر بين جماعة من الصحابة والتابعين وتابعيهم، وقد عد الشارح جماعة من أولئك يستنكر صدوره من أمثالهم، أقاموا وأقاموا عليه ولهم أعذار، إن شاء الله تعالى، كثير من الناس يحب أن يعرف من الذين عد الشارح بينهم منافسات وإشكالات، أليست النفوس تتشوف إلى مثل هذا؟ تتشوف النفوس إلى مثل هذا، لكن لا شك أن نشره وعدم الاطلاع عليه وعدم ذكره هو الأولى، لكن فتح مثل هذا الباب تنساق معه الظنون والشكوك والأوهام، ويبرر لما حصل من فلان؛ لأنه حصل من الصحابة كذا، ويبرر لما حصل منه بنفسه مع أخيه أو مع شيخه أو مع زميله أو كذا؛ لأنه حصل من خيار الأمة أكثر من هذا، والله المستعان.
أحسن الله إليك.
"وعن جابر- رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «كل معروف صدقة». أخرجه البخاري.
المعروف ضد المنكر، قال ابن أبي جمرة: اسم المعروف اسم لما عرف بأدلة الشرع أنه من أعمال البر سواء جرت به العادة أم لا، فإن قارنته النية أجر صاحبه جزمًا وإلا ففيه احتمال، والصدقة هي ما يعطيه المتصدق لله تعالى، فيشمل الواجبة والمندوبة، والإخبار بأنه صدقة من باب التشبيه البليغ، وهو إخبار بأن له حكم الصدقة في الثواب، وأنه لا يحتقر الفاعل شيئًا من المعروف، ولا يبخل به."
لأن كل معروف عموم أي شيء يُبذَل مما تعارف الناس على أنه حسن يؤجر عليه، وهو في حكم الصدقة.
أحسن الله إليك.
"وفي الحديث: «إن كل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، والأمر بالمعروف صدقة، والنهي عن المنكر صدقة». وقال -صلى الله عليه وسلم-: «في بضع أحدكم صدقة، والإمساك عن الشر صدقة»، وغير ذلك من الأعمال الصالحة، ولفظ: «كل معروف» عام، وقد أخرج الترمذي وحسنه مرفوعًا من حديث أبي ذر: «تبسمك في وجه أخيك صدقة لك، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة لك، وإرشادك الرجل في أرض الضلالة صدقة لك، وإماطتك الحجر والشوك والعظم عن الطريق لك صدقة، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك صدقة». وأخرجه ابن حبان في صحيحه.
وفي الأحاديث إشارة إلى أن الصدقة لا تنحصر فيما هو أصلها، وهو ما أخرجه الإنسان من ماله متطوعًا."
هذه هي الحقيقة الشرعية للصدقة، تُطلَق بمعنى خاص وبمعنى عام، كما أن الزنا يطلق بمعنى خاص، ويطلق بمعنى عام، وجاءت به النصوص، والفلس والإفلاس يطلق بمعنى خاص، ويطلق بمعنى عام، وكلها حقائق شرعية.
أحسن الله إليك.
"وفي الأحاديث إشارة إلى أن الصدقة لا تنحصر فيما هو أصلها، وهو ما أخرجه الإنسان من ماله متطوعًا، فلا تختص بأهل اليسار، بل كل واحد قادر على أن يفعلها في أكثر الأحوال من غير مشقة، فإن كل شيء يفعله الإنسان أو يقوله من الخير يُكتَب له به صدقة."
يعني يُكتب له به أجر، وهو يشبه الصدقة في حصول الثواب المرتَّب عليها.
أحسن الله إليك.
"وعن أبي ذر -رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا تحقرن من المعروف شيئًا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلْق»، بإسكان اللام، ويقال: طليق، والمراد سهل منبسط."
وكما يقال: طليق صيغة فعيل للمبالغة، فكذلك يقال: طلِق وفَعِل صيغة مبالغة أيضًا.
أحسن الله إليك.
"وعنه، أي أبي ذر، أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا طبخت مرقا فأكثر ماءها، وتعاهد جيرانك». أخرجهما مسلم.
في الحديثين الحث على فعل المعروف ولو بطلاقة الوجه والبشر والابتسام في وجه من يلاقيه.."
ماذا عندك؟
في الحديث..
نعم.
ماذا عندك؟
في الحديث أو فيهما الحث..
يقول في الحديثين.
فيهما؛ لأنه يتكلم عن الحديثين حديثي أبي ذر، حديثي أبي ذر فيهما الحث على فعل المعروف ولو بطلاقة الوجه، كما يدل عليه الحديث الأول. وفيه الوصية بحق الجار، قال: والوصية بحق الجار.
وفيه زيادة والابتسامة في وجه من يلاقيه..
فيه نعم، لكنه فيه معنى الحديثين.
أنا، صرح قال في الحديثين هو صرح قال في الحديثين.
في الحديثين؟
نعم في الحديثين الحث على فعل المعروف.
نعم، طيب لا بأس.
"في الحديثين الحث على فعل المعروف ولو بطلاقة الوجه والبشر والابتسام في وجه من يلاقيه من إخوانه. وفيه الوصية بحق الجار وتعاهده ولو بمرقة تهديها إليه.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من نفَّس»، لفظ مسلم: «من فرَّج عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة»، هذا ليس في مسلم، كما قال الشارح، وقد أخرجه غيره: «ومن ستر مسلمًا.. »."
التنفيس، تنفيس الكرب «من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة»، ما قال: من كرب الدنيا والآخرة، بينما الشق الثاني: «من يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة» قالوا: إن كرب الدنيا مهما بلغت ليست بشيء، لا تكاد أن تذكر بالنسبة لكرب يوم القيامة.
أحسن الله إليك.
"وقد أخرجه غيره. هذا ليس في مسلم، كما قال الشارح، وقد أخرجه غيره: « ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد، ما كان العبد في عون أخيه ». أخرجه مسلم.
هذا حديث جليل عظيم القدر، وفيه مسائل:
الأولى: فضيلة من فرج عن المسلم كربة من كرب الدنيا، وتفريجها إما بإعطائه من ماله، إن كانت كربته من حاجة، أو بذل جاهه في طلبه له من غيره، أو قرضه، وإن كانت كربته من ظلم ظالم له فرجها بالسعي في رفعها عنه، أو تخفيفها، وإن كانت كربة، وإن كانت كربة مرض أصابه أعانه على الدواء إن كان لديه، أو على طبيب ينفعه، وبالجملة تفريج الكرب باب واسع، فإنه يشمل إزالة كل ما ينزل بالعبد، أو تخفيفه.
الثانية: التيسير على المعسر، التيسير على المعسر هو أيضًا من تفريج الكرب، وإنما خصه؛ لأنه أبلغ، وهو يشمل الإنظار للغريم في الدين، أو إبراؤه له منه، وهو يشمل الإنظار للغريم في الدين، أو إبراءه له منه، أو غير ذلك.."
يعني بالواو مكتوب؟ إبراؤه عندك؟
مكتوب إبراؤه.
نعم؛ لأن الأصل في العبارة مكتوب إنظاره.
نعم هذا في نسخة.
وهو إنظاره لغريمه في الدين إو إبراؤه له منه، وغير ذلك.
أحسن الله إليك يا شيخ.
"وهو إبراؤه لغريمه في الدين.. وهو إنظاره لغريمه في الدين أو إبراؤه له منه أو غير ذلك."
على خلاف بين أهل العلم في حكم الإنظار للمعسر، {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [سورة البقرة:280]، هل يجب الإنظار أو لا يجب؟ محل خلاف بين أهل العلم لكن كأن بعض المحققين يرى أنه يجب إنظاره، يعني فالواجب نظرة إلى ميسرة، كما قال- جل وعلا- فعدة من أيام أخر، فالواجب عدة من أيام أخر.
أحسن الله إليك.
"فإن الله تعالى ييسر عليه أموره، ويسهلها له لتسهيله لأخيه فيما عنده."
لأن الجزاء من جنس العمل، الجزاء من جنس العمل، كان رجل يداين الناس فيمن كان قبلكم، وكان يأمر غلمانه أن ييسروا على الناس ولا يشددوا عليهم، فلما مات قيل له: ماذا كنت تصنع؟ فذكر أنه ييسر على الناس، فسهل الله حسابه.
أحسن الله إليك.
"والتيسير لأمور الآخرة فإن الله تعالى ييسر عليه أموره ويسهلها له لتسهيله لأخيه فيما عنده والتيسير لأمور الآخرة بأن يهوِّن عليه المشاق فيها، ويرجح وزن الحسنات، ويلقي في قلوب من لهم عنده حق يجب استيفاؤه منه في الآخرة المسامحة وغير ذلك، ويؤخذ منه أن من عسَّر على معسر عُسِّر عليه، ويؤخذ منه أنه لا بأس على من عسَّر على موسر؛ لأن مطله ظلم يحل عرضه وعقوبته."
نعم، لا مانع أن يُعسَّر عليه؛ لأنه ظالم، وجاء في الحديث: «اللهم من ولي من أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به ومن شق عليهم فاشقق عليه» هذا إذا كانت ولاية، فكيف إذا كان حقًّا خاصًّا يملك أن ييسر، ويملك أن يعسِّر، ويملك أن يتنازل، ويعفو، لا شك أن هذا فضل.
أحسن الله إليك.
"الثالثة: من ستر مسلمًا اطلع منه على ما لا ينبغي إظهاره من الزلات والعثرات فإنه مأجور بستره عنه؛ لما ذكره من ستره في الدنيا والآخرة، فيستره في الدنيا بألا يأتي زلة يكره اطلاع غيره عليها، وإن أتاها لم يطلع الله عليها أحدًا، وستره في الآخرة بالمغفرة لذنوبه وعدم إظهار قبائحه وغير ذلك، وقد حث- رحمه الله - على الستر للمسلم."
صلى الله عليه وسلم.
الله المستعان.
أحسن الله إليك.
"وقد حث -صلى الله عليه وسلم- على الستر للمسلم فقال في حق ماعز: «هلا سترت عليه بردائك يا هَزَال»."
هزَّال.
أحسن الله إليك.
"«هل سترت عليه بردائك يا هزَّال؟» قال العلماء: وهذا الستر مندوب لا واجب، فلو رفعه إلى السلطان كان جائزًا له، ولا يأثم به.
قلت: ودليله أنه -صلى الله عليه وسلم- لم يلم هزَّالا، ولا أبان له أنه آثم، بل حرضه على أنه كان ينبغي له ستره، فإن علم أنه تاب وأقلع.."
والحديث دليل على الستر لمن حصلت منه هفوة أو زلة، وليس فيه دليل على الستر المطلق الذي ينادي به بعض الناس الذي هو في حقيقته توطئة للإباحية، يعني كل إنسان يقع في منكر يُترَك ويُستَر عليه، فما فائدة شرعية الحدود؟! ومتى يُقضى على المنكرات وأربابها؟!
أهل العلم يفرقون بين من حصلت منه هفوة أو زلة فهذا يستر عليه، وأما من كان ديدنه الجرائم والمعاصي والمنكرات والاعتداء على الأموال والأعراض والأنفس فمثل هذا لا بد من إقامة شرع الله عليه؛ ليقطع دابره، ويتأدب به غيره.
أحسن الله إليك.
"فإن علم أنه تاب وأقلع حرم عليه، حرم عليه ذكر ما وقع منه، ووجب عليه ستره، وهو في حق من لا يُعرَف بالفساد والتمادي في الطغيان، وأما من عرف بذلك فإنه لا يستحب الستر عليه، بل يرفع أمره إلى من له الولاية إذا لم يخف من ذلك، بل يَرفَع أمره إلى من له الولاية إذا لم يخف من ذلك مفسدة، وذلك.."
لأن بعض الناس وإن كان معروفًا بالشر بأن كان له سلطة إذا رفع أمره ترتب على ذلك مفسدة أعظم، ترتب على ذلك مفسدة أعظم، وليس هذا من باب إقامة الحد على بعض الناس، وترك البعض، هذا قبل أن يصل إلى السلطان، أما إذا وصل السلطان كما في الحديث: «فإن عفا فلا عفا الله عنه».
لكن هذا في المقدمات في أعوانه، في رجال الحسبة مثلاً بعض الناس إذا رفع أمره وبيده حل وعقد خطر على الجهاز بالكامل يضيق على أهل الحسبة، ويضيق على الأمر بالمعروف، ويضيق على هذه الشعيرة، وخطر أن تمحى من الوجود بسبب هذا الظالم، فمثل هذا ارتكاب أخف الضررين معروف أنه مقرر في الشرع، لكن يبقى أن الشعيرة لا بد أن تقوم وهي سبب خيرية هذه الأمة.
أحسن الله إليك.
"وذلك لأن الستر عليه يغريه على الفساد.."
لحظة..
طالب: ............
لا، الكلام على غلبة الظن، على غلبة الظن.
أحسن الله إليك.
"وذلك لأن الستر عليه يغريه على الفساد، ويجرئه على أذية العباد، ويجرئ غيره من أهل الشر والعناد، وهذا بعد انقضاء فعل المعصية، فأما إذا رآه وهو فيها فالواجب المبادرة لإنكارها والمنع منها مع القدرة على ذلك، ولا يحل تأخيره؛ لأنه من باب إنكار المنكر، لا يحل تركه مع الإمكان."
نعم، فإن كان شيء يفوت فلا بد من الحيلولة بينه وبين ما يريد، إذا خلا بامرأة ليزني بها فهذا لا بد أن يُمنَع، إذا هجم على مال ليسرقه، إذا خلا برجل ليقتله فلا بد، ولا يعد هذا من باب التجسس.
أحسن الله إليك.
"وأما إذا رآه يسرق مال زيد فهل يجب عليه إخبار زيد بذلك أو ستر السارق؟ الظاهر أنه يجب عليه إخبار زيد، وإلا كان معينًا للسارق بالكتم، بالكتم منه على الإثم، والله تعالى يقول: {وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [سورة المائدة:2]، وأما جرح الشهود والرواة.."
أولى من ذلك، أولى من إخبار صاحب المال أن يحول بينه وبين السرقة، وهذا من نصر أخيه الظالم: أن يحول بينه وبين ظلمه.
أحسن الله إليك.
"وأما جرح الشهود والرواة والأمناء على الأوقاف والصدقات وغير ذلك فإنه من باب نصيحة المسلمين الواجبة على كل من اطلع عليها، وليس من الغيبة المحرمة، بل من النصيحة الواجبة، وهو مجمع عليه."
هذا محل إجماع أن الرواة لا بد من جرح المجروح منهم وتوثيق الثقة منهم، ولولا ذلك ما عرف الصحيح من الضعيف والثابت من غيره ما ينسب إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وما لا ينسب إليه فهذا لا بد منه، هذا مجمع عليه بين أهل العلم، وكذلك الشهود إذا طلب منه تزكية شاهد، ويعرف عنه أنه ليس بثقة أن يقول: والله ما أقدر، هذه غيبة أو.. لا، لا بد أن يبدي ما عنده؛ لأنها فيها حفظ الحقوق.
أحسن الله إليك.
"الرابعة: الإخبار بأن الله تعالى في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، فإنه دال على أنه تعالى يتولى إعانة من أعان أخاه، وهو يدل على أنه يتولى عونه في حاجة أخيه التي يسعى فيها وفي حوائج نفسه، فينال من عون الله ما لم يكن يناله بغير إعانته وإن كان تعالى هو المعين لعبده في أموره، لكن إذا كان في عون أخيه زادت إعانة الله، فيؤخذ منه أنه ينبغي للعبد أن يشتغل في قضائه حوائج أخيه، ويقدمها على حاجة نفسه؛ لينال من الله تعالى كمال الإعانة في حاجته، وهذه الجمل المذكورة في الحديث.."
وهل يشتغل بالدعاء لأخيه أكثر من دعائه لنفسه؟ لأنه إذا دعا لأخيه بظهر الغيب دعا له الملك الآن إذا كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، وكون الله في حاجته خير له من أن يكون في حاجة نفسه، ودعاء الملك له خير من دعائه لنفسه، يعني بعض الأطفال يتنبه لمثل هذا، تجده في ليلة الامتحان يدعو لزميله، أو تدعو لزميلتها، هذا واقع، فلما قيل لها، هي بنت صغيرة، قالت: لا، أنا أدعو لها، والملَك يدعو لي أحسن.
أحسن الله إليك.
"وهذه الجمل المذكورة في الحديث دلت على أنه تعالى يجازي العبد من جنس فعله، فمن ستر ستر عليه، ومن يسر يسر عليه، فمن ستر سُتر عليه، ومن يسر يُسِّر عليه، ومن أعان أُعين، ثم إنه تعالى بفضله وكرمه جعل الجزاء في الدارين في حق الميسر على المعسِّر والساتر.."
على المُعْسر.
"وجعل تفريج الكربة يجازى به يوم القيامة كأنه لعظائم يوم القيامة أُخِّر جزاء تفريج الكربة، ويُحتمَل أن يفرِّج عنه في الدنيا أيضًا، لكنه طُوِيَ في الحديث، وذُكر ما هو أهم.
وعن ابن مسعود- رضي الله عنه-.."
يعني ذكر كرب الآخرة وتركت كرب الآخرة؛ لأن كرب الآخرة أهم، ومن العلماء من الشراح من يقول: التفريج والتنفيس إنما هو في كرب الآخرة؛ لأن كرب الدنيا مهما بلغت ليست بشيء، أو لا تكاد تذكر بالنسبة لكرب الآخرة.
أحسن الله إليك.
"وعن ابن مسعود- رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من دل على خير فله مثل أجر فاعله». أخرجه مسلم.
دل الحديث على أن الدلالة على الخير يؤجر بها الدال عليه كأجر فاعل الخير، وهو مثل حديث: «من سن سنة حسنة في الإسلام كان له أجرها وأجر من عمل بها»، والدلالة تكون بالإشارة على الغير بفعل الخير، وعلى إرشاد ملتمس الخير على أنه يطلبه من فلان، والوعظ، وعلى إرشاد ملتمس الخير على أنه يطلبه من فلان والوعظ والتذكير، وبالتأليف للعلوم النافعة. ولفظ خير يشمل الدلالة على خير الدنيا والآخرة، فلله در الكلام النبوي ما أشمل معانيه، ما أشمل معانيه، وأوضح مبانيه، ودلالته على الخير على خير الدنيا والآخرة."
نعم، من دل على خير فله مثل أجر فاعله، إذا تصورنا تزاول الدعوة مثلاً بنية صالحة خالصة لله- جل وعلا-، وتحرص على نفع الناس، وتدلهم عليه، فلك من الأجور إلى يوم القيامة، من عمل بهذا الأمر أو تعلم الناس الخير فأجر من تعلَّم وأجر من تعلَّم منه ومن تعلَّم منه إلى قيام الساعة، ولو ألَّفت كتابًا ينتفع به الناس فلك أجره إلى قيام الساعة؛ «أو علم ينتفع به»، بخلاف- نسأل الله العافية- علماء الضلال الذين ألفوا في البدع، الذين ألفوا في البدع فعليهم من أوزارها وأوزار من عمل بها إلى يوم القيامة، وقل مثل هذا فيمن أسس من هذه القنوات الإباحية أو شهوات أو شبهات أو ما أشبه ذلك فعليه وزرها ووزر من تأثر بها إلى يوم القيامة، نسأل الله العافية.
أحسن الله إليك.
"وعن ابن عمر- رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «من استعاذكم بالله فأعيذوه، ومن سألكم بالله فأعطوه، ومن أتى إليكم معروفًا فكافئوه، فإن لم تجدوا فادعوا له». رواه البيهقي، وقد أخرجه أبو داود وابن حبان في صحيحه، والحاكم وصححه، وفيه زيادة: «ومن استجار بالله فأجيروه، ومن أتى إليكم معروفًا فكافئوه، فإن لم تجدوا فادعوا له حتى تعلموا أنكم قد كافأتموه»، وفي رواية: «فإن عجزتم عن مكافأته فادعوا له حتى تعلموا أن قد شكرتم، فإن الله يحب الشاكرين»، وأخرج الترمذي وقال: حسن غريب «من أعطى عطية فوَجَد فليُجِزْه أو فلْيَجِزِه..»."
فلْيَجْزِ بها.
نعم.
«من أُعطي عطية فوَجَد فلْيَجْزِ بها».
أحسن الله إليك.
"وأخرج الترمذي وقال حسن غريب: «من أُعطي عطية فوجد فلْيَجزه فإن لم يجد..»."
فليثني.
"«فليثني، فإن من أثنى فقد شكر..»."
أحسن الله إليك.
"«ومن كتم فقد كفر، ومن تحلى بباطل فهو كلابس ثوبي زور»، والحديث.."
والحديث في البخاري «المتشبع بما لم يعطَ المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور»، نسأل الله العافية.
طالب: ........
يعني يدعي لنفسه ما ليس فيها.
طالب: ........
بعضهم يقول: إنه بالاستقراء أن الغالب فيها الضعيف، الغالب فيها الضعيف، وليست مطردة، ليس ما قال فيه الترمذي: حسن غريب ضعيف، وقد جزم بعضهم بهذا، لكن هذا الكلام ليس بمطرد، لكن الغالب فيها ضعيف.
أحسن الله إليك.
"والحديث دليل على أنه من استعاذ بالله عن أي أمر طلب منه غير واجب عليه فإنه يعاذ عن أي أمر طلب منه غير واجب عليه فإنه يعاذ بترك ما طلب منه أن يفعل، وأنه يجب إعطاء من يسأل بالله، وإن كان قد ورد أنه لا يُسأل بالله إلا الجنة، فمن سأل من المخلوقين بالله شيئًا وجب إعطاؤه إلا أن يكون منهيًا عن إعطائه، وقد أخرج الطبراني بسند رجاله.."
لا يسأل بالله أو بوجه الله إلا الجنة؟ مخرج عندكم؟
لا، لا يسأل بوجه الله؟ لا.. في كتابه التوحيد.. أقول: في كتاب التوحيد ما ذكره المحشي..
نعم؛ لأنه لا يسأل الله ما أذكره بهذا اللفظ؛ لأن الممنوع أن يسأل بوجه الله- جل وعلا-.
أحسن الله إليك.
"وقد أخرج الطبراني بسند رجاله رجال الصحيح إلا شيخه وهو ثقة على كلام فيه من حديث أبي موسى الأشعري أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «ملعون من سأل بوجه الله، وملعون من سئل بوجه الله ثم منع سائله ما لم يسأل هجًا» بضم الهاء وسكون الجيم أي أمرًا قبيحًا لا يليق، ويحتمل ما لم يسأل سؤالًا قبيحًا أي بكلام يقبح، ولكن العلماء حملوا هذا الحديث على الكراهة، ويحتمل أنه.."
كيف يتفق الكراهة مع اللعن؟!
اللعن من الصيغ التي يقرر أهل العلم أن ما صدر بها من الكبائر، من كبائر الذنوب، وأما الكراهة فلا إثم فيها أصلًا، الكراهة فضلاً عن أن تكون من الصغائر فضلاً عن أن تكون من الكبائر.
أحسن الله إليك.
"ويحتمل أنه يرادف به المضطر.."
أو يراد يا شيخ؟
أن يراد به.
أحسن الله إليك.
"ويحتمل أن يراد به المضطر، ويكون ذكره هنا أن منعه مع سؤاله بالله تعالى أقبح وأفظع، ويحمل لعن السائل على ما إذا ألح في المسألة حتى أضجر المسؤول، ودل الحديث على وجوب المكافأة للمحسن إلا إذا لم يجد فإنه كافأه بالدعاء."
يكافئه.
أحسن الله إليك.
"إذا لم يجد فإنه يكافئه بالدعاء وأجزأه إن علم أنه قد طابت نفسه أو لم تطب أو لم تطب به وهو ظاهر الحديث."
يعني مطلق الدعاء، ولو ما طابت نفسه به.
اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك...