شرح متن الورقات في أصول الفقه (11)

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فقد قال المصنف -رحمه الله تعالى-: والمجمل: ما يفتقر إلى البيان، والبيان: إخراج الشيء من حيز الإشكال إلى حيز التجلي، والمبيّن: هو النص، والنص: ما لا يحتمل إلا معنىً واحداً، وقيل: ما تأويله تنزيله، وهو مشتق من مِنصة العروس وهو الكرسي، والظاهر: ما احتمل أمرين أحدهما أظهر من الآخر، ويؤول الظاهر بالدليل ويسمى ظاهراً بالدليل.

الأفعال: فعل صاحب الشريعة: لا يخلو إما أن يكون على وجه القربة والطاعة: يعني لا يخلو من أمرين، إما أن يكون كذا وإما أن يكون كذا.

أو لا يكون، فإن دل الدليل على الاختصاص به حمل على الاختصاص: فإن كان على وجه القربة والطاعة، فإن كان على وجه القربة والطاعة، فإن دل الدليل على الاختصاص به حمل على الاختصاص، وإن لم يدل دليل لا يخص به؛ لأن الله تعالى قال: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [(21) سورة الأحزاب] فيحمل على الوجوب عند بعض أصحابنا، ومنهم من قال: يحمل على الندب، ومنهم من قال: يتوقف فيه، فإن كان على غير وجه القربة والطاعة فيحمل على الإباحة في حقه وحقنا.

وإقرار صاحب الشريعة على القول هو قول صاحب الشريعة، وإقراره على الفعل كفعله، وما فعل في وقته في غير مجلسه وعلم به: عَلم وعَلم به، وعَلم به ولم ينكره فحكمه حكم ما فعل في مجلسه.

قف على هذا.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

وإقرار صاحب الشريعة على القول هو قول صاحب الشريعة: إقرار صاحب الشريعة هو النبي -عليه الصلاة والسلام- على القول الذي يقال بين يديه. هو قول صاحب الشريعة: وهذا التعبير فيه تسامح وتجوُّز؛ فرق بين القول والإقرار، وإن اشترك الجميع في كونهما سنة؛ إذ الإقرار أحد وجوه السنن.

السنن على ما تقدم، أشرنا إليه في الأفعال: ما يضاف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- من قول أو فعل أو تقرير، أو وصف خلقي أو خلقي.

فالفعل سنة، والإقرار سنة، ولذا يقول هنا: وإقرار صاحب الشريعة: وهو النبي -عليه الصلاة والسلام-. على القول: يعني الذي يقال بين يديه -عليه الصلاة والسلام- هو قول صاحب الشريعة: وهذا فيه تسامح وتجوز في العبارة؛ لأن الإقرار شيء والقول شيء آخر، ولو قال: هو كقول صاحب الشريعة، لكان أولى وأدقّ.

كما أن إقراره -عليه الصلاة والسلام- على الفعل كفعله -عليه الصلاة والسلام- هذا ما اطلع عليه النبي -عليه الصلاة والسلام- وفعل بحضرته، أو قيل بحضرته، فإقراره -عليه الصلاة والسلام- على ما يقال بحضرته هو كقوله -عليه الصلاة والسلام- لماذا؟ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يسكت على باطل، ولا يقر عليه، فيكتسب الشرعية بالإقرار، كما أن الرؤيا لا ينبني عليها حكم شرعي، لكن متى تكتسب الشرعية؟ بالإقرار، بإقرار صاحب الشريعة.

في حديث عبد الله بن زيد راوي الأذان قال: "طاف بي طائف وأنا نائم، فقال لي: تقول: الله أكبر، الله أكبر..إلى آخره، وعلمه الأذان في المنام؛ حينما أهمه شأن الأذان، وجاءت الاقتراحات للنبي -عليه الصلاة والسلام- لما أراد أن ينصب لهم علامة يعرفون بها دخول الوقت، فمن قائل: يضرب ناقوس، ومن قائل: توقد نار، ومن قائل:.. إلى آخره، فرأى عبد الله بن زيد الرؤيا، "طاف بي طائف وأنا نائم..."، رجل...إلى آخره، وعلمه الأذان.

قد يقول قائل: هذه رؤيا والرؤيا لا يبنى عليها حكم شرعي، نقول: نعم رؤيا، لكنها اكتسبت الشرعية من أيش؟

من إقراره -عليه الصلاة والسلام- اكتسبت الشرعية من إقرار النبي -عليه الصلاة والسلام- وهنا القول الذي يقال بحضرته -عليه الصلاة والسلام- يكتسب الشرعية من الإقرار لا من القول نفسه، لماذا؟ لأنه لا يقِر على باطل.

إذا قيل قول بحضرة عالم -مثلاً- هل يمكن أن ننسب هذا القول لهذا العالم؟ سكت، عالم قال بعض طلاب العلم في مجلسه كلاماً، وسكت العالم ما استدرك عليهم، هل ننسب هذا القول لهذا العالم؟ لا ينسب إليه لماذا؟

لأنه قد يسكت لأمر ما، قد يجبن عن الرد؛ لكون هذا الطالب الذي قال بين يديه هذا الكلام ممن يخشى شرُّه، أو لكون المجلس ما يسلم ممن ينقل الكلام نعم، فيسكت العالم؛ إيثاراً للسلامة، وإن لم يوافق على هذا القول، على أن البيان أمر لا بد منه، وأن السكوت في مثل هذه المواطن التي يقال فيها الباطل فهو جبن، جبن نعم؟

طالب:.......

وكذلك الصحابة يعتريهم ما يعتري غيرهم، ليسوا معصومين، قد يقرون، يسكتون؛ لأمر من الأمور؛ لأنهم ليسوا بمعصومين؛ الذي لا يقر على خطأ ولا على باطل هو النبي -عليه الصلاة والسلام- ولذا قرر أهل العلم أن الإقرار أحد وجوه السنن، وأما من عداه -عليه الصلاة والسلام- فقد يسكت؛ إيثاراً للسلامة، أو لتحصيل مصلحة أعظم، أو غير ذلك مما يعتري ذلك من وجوه التأويل، ولذا تعارف أهل العلم على قول وتواطئوا عليه أنه لا ينسب لساكت قول، لا ينسب لساكت قول.

ومن باب الاستطراد: البخاري -رحمه الله تعالى- قد يذكر الراوي في تاريخه الكبير، ولا يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، وهنا يقول أهل العلم في ترجمة هذا الراوي: ذكره البخاري، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، ومثله ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل، قد يذكر الراوي ويسكت عنه، الحكم في هذا الراوي -يعني إذا سكت أهل العلم عن الراوي- هل نقول: ثقة، أو نقول: ضعيف؟ أو نقول: لا ينسب لساكت قول؟

طالب:.......

نعم.

طالب:.......

لا، الكلام، ماذا نقول عن البخاري؟ نقول: ذكره البخاري وسكت عنه وبس، وسكوته لا يعني نفياً ولا إثباتاً، لا توثيقاً ولا تضعيفاً، ومثله ابن أبي حاتم؟ نعم؟

طالب:.......

لا احنا الآن في البخاري، وابن أبي حاتم في (التاريخ الكبير)، و(الجرح والتعديل) اللي هما محل الكلام عند أهل العلم، هم الذين يتكلمون فيهم أهل العلم، وهم الذين يكثرون مثل هذا النوع، يذكرون الراوي ويسكتون عنه، بعض أهل العلم يرى أن هذا توثيق، ذكره البخاري وابن أبي حاتم ولم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً، فهو ثقة -يصرح بعضهم في هذا- من هذا أحمد شاكر كثيراً ما يقول هذا الكلام، وحيناً يقول: "سكت عنه البخاري، وهذه أمارة توثيقه"، لكن الصواب أنه لا ينسب لساكت قول، وأنه لم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً؛ لأنه لم يطلع فيه على قادح ولا مادح، وقد أشار ابن أبي حاتم في مقدمة الجرح والتعديل أنه ترك بعض الرواة دون حكم؛ عله أن يقف لهم أو فيهم على حكم، هذا دليل على أنه لا يعرف أحوالهم.

ما ارتباط هذه المسألة بما معنا، أو هذا استطراد؟

طالب:.......

نعم؟

طالب:.......

كيف؟

طالب:.......

استطراد له علاقة، نعم.

على كل حال لا أحد يعتد بإقراره غير النبي -عليه الصلاة والسلام- المعصوم من أن يقر على خطأ.

مُثَّل لذلك بإقرار النبي -عليه الصلاة والسلام- أبا بكر -رضي الله عنه- على قوله بإعطاء سلب القتيل لقاتله -والحديث في الصحيحين في غزوة حنين مطولاً فيه قصة- وفي الحديث قال أبو بكر الصديق -رضي الله عنه-: "لاها الله، إذن لا يعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله وعن رسوله فيعطيك سلبه"، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((صدق، فأعطه إياه)) الحديث، هذا إقرار على القول؛ أقسم أبو بكر ألا يعطى، وأقره النبي -عليه الصلاة والسلام-.

إقراره على الفعل: إذا فعل بحضرته -عليه الصلاة والسلام- فعل ولم ينكره، فإنه حينئذ يكتسب الشرعية من أيش؟ من إقراره -عليه الصلاة والسلام- كما أقر النبي -عليه الصلاة والسلام- خالد بن الوليد على أكل الضب، إقرار النبي -عليه الصلاة والسلام- خالد على أكل الضب في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "دخلت أنا وخالد بن الوليد مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيت ميمونة، فأتي بضب محنوذ، فأهوى إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيده، فقال بعض النسوة اللاتي في بيت ميمونة: "أخبروا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بما يريد أن يأكل"، فأخبروه فرفع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يده، فقلت: أحرام هو يا رسول الله؟ قال: ((لا، ولكنه لم يكن بأرض قومي، فأجدني أعافه))، قال خالد بن الوليد: "فاجتررته فأكلته، والنبي -عليه الصلاة والسلام- ينظر": يعني أقره على أكله، إقرار على الفعل، النبي -عليه الصلاة والسلام- قُدم له الضب فلم يأكله؛ لأنه لم يكن بأرض قومه، وقُدم له -كما في صحيح مسلم- خوان عليه ضب فلم يأكل.. نعم؟

طالب:.......

كيف؟

طالب:.......

لا لا، الكلام في: "فاجتررته فأكلته والنبي -صلى الله عليه وسلم- ينظر"؛ أقره على أكله.

طالب:.......

على إباحة الضب، نعم، قال: "أحرام هو يا رسول الله"؟ نعم؟ فقلت: "أحرام هو يا رسول الله؟" قال: ((لا))، يعني حكمه يتظافر فيه القول مع الإقرار، يعني ما يلزم أن يكون القول فقط.

الرسول -عليه الصلاة والسلام- لما قدم له الخوان وعليه الضب لم يأكل، فهل المانع له من الأكل كونه على خوان، أو كونه ضباً؟

طالب:.......

وثبت في الصحيح أن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما أكل على خوان، ولا على سكرجة في البخاري، نعم، معروف الخوان أيش هو، الخوان أيش هو؟ طاولة، كالماسات اللي يأكلون عليها الناس الآن، النبي -عليه الصلاة والسلام- ما أكل على خوان..

والسكرجة أيش؟ نعم؟

طالب:.......

إناء مرتفع عن الأرض، يعني يشبه الصينية التي تكون على شبه أعمدة، نعم، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- ما أكل على هذا ولا هذا، وإنما أكل على الأرض؛ تواضعاً منه -عليه الصلاة والسلام- وهذا..، هل هذا يقتضي المنع من الأكل على الخوان والسكرجة؟ هل في هذا اقتداء أو ليس فيه اقتداء؟

شوف عكس ما سبق من اعتماد الفعل والاقتداء والائتساء به -عليه الصلاة والسلام- كونه ما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((أنا لا آكل متكئاً))، وهنا لم يأكل على خوان.

الصحابة ما فهموا من ذلك الامتناع، ولذا أكلوا على الخوان، لما توسعوا في أمور دنياهم أكلوا على الخوان -أكلوا الماسات- فدل على أنه..، لا شك أن من اقتدى به -عليه الصلاة والسلام- وتواضع يؤجر من هذه الحيثية كونه تواضع، نعم، كونه تواضع يؤجر على ذلك.

مثال ذلك أيضاً: إقرار الحبشة: كانوا يلعبون في المسجد، فأقرهم النبي -عليه الصلاة والسلام- من أجل التأليف على الإسلام، كما في حديث عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت: "رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوماً على باب حجرتي والحبشة يلعبون بحرابهم في المسجد، كان في يوم أيش؟ عيد، كان في يوم عيد، فأقرهم النبي -عليه الصلاة والسلام- ليعلم الناس، أو ((ليعلم يهود أن في ديننا فسحة))، وليس من هذا الإقرار التوسع الذي يعمله الناس اليوم في الأعياد من مزاولة المحرمات وترك الواجبات؛ ليعلم الناس أن في ديننا فسحة مما هو مباح، كونهم يعلبون بالحراب لا بأس، لكن أن يزيد الأمر على ذلك بارتكاب محظورات أو ترك مأمورات فلا؛ المعبود واحد، في العيد وفي غير العيد، يعني رب العشر من رمضان، هو رب العشر من شوال؛ واحد.

نعم الأوقات تتفاوت وتتفاضل وليس معنى هذا أن الوقت المفضول تزاول فيه المنكرات والمحرمات، لا، بل مزاولة المحرمات بعد الأوقات الفاضلة والأعمال الصالحة قرائن على عدم القبول، نسأل الله السلامة والعافية.

كثير من الناس يتجاوز في أيام العيد، ويخرجون إلى النزهات فيتجوزون في استعمال بعض ما يمتنعون منه في غير الأعياد، وليس وجود العيد بمبرر، كون الدين فيه فسحة لا يعني أنه يعصى الله -عز وجل- لا، والله المستعان، يزداد الأمر سوءاً إذا كثرت هذه المنكرات وظهرت ولم تنكر، نسأل الله السلامة والعافية.

هذا بالنسبة إلى ما فعل في مجلسه -تحت رؤيته ونظره-.

إذا فعل في وقته..، هنا يقول المؤلف: وما فعل في وقته في غير مجلسه وعلِم به، ولم ينكره فحكمه حكم ما فعل في مجلسه: عندنا مسألة -مسألة إقرار- إما أن يفعل في مجلسه تحت نظره -عليه الصلاة والسلام- أو لا، الذي لا يفعل في مجلسه، نعم، إما أن يعلم به أو لا، وهذا الفعل أيضاً إما أن يكون في عصره أو لا، لكن الذي ليس في عصره مما لم ينص على عصره لا نقول: نجزم بأنه ليس في عصره، لا، إذا جزمنا بأنه ليس..، لا يدخل..، لكن إما أن ينص على أنه في عصر النبي -عليه الصلاة والسلام- أو لا ينص على أنه في عصره بس؛ يقول الصحابي: "كنا نفعل"، "كنا نقول" من غير تنصيص على العصر النبوي.

ما فعل في وقته -عليه الصلاة والسلام- في غير مجلسه وعَلم به ولم ينكره، فحكمه حكم ما فعل في مجلسه، كعلمه -عليه الصلاة والسلام- بحلف أبي بكر -رضي الله عنه- أنه لا يأكل الطعام في وقت غيظه وغضبه على الضيوف وأهل بيته، ثم أكل بعد ذلك لما رأى أن ذلك خير -كما يؤخذ من رواية مسلم- أقره النبي -عليه الصلاة والسلام- على حلفه في حال الغضب وأكله.

مثاله أيضاً: قصة معاذ -رضي الله عنه- حيث كان يصلي العشاء مع النبي -عليه الصلاة والسلام- ثم ينصرف إلى قومه ويصلي بهم، معاذ يصلي العشاء مع النبي -عليه الصلاة والسلام- ثم ينصرف إلى قومه فيصلي بهم، صلاته مع النبي -عليه الصلاة والسلام- فريضة، وصلاته بقومه نافلة، الأصل عدم الاختلاف على الإمام، هذا الأصل؛ ((إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه))، وكونه يصلي نافلة وهم يصلون فريضة هذا اختلاف، هذا اختلاف، لكن هذا الاختلاف من فعل معاذ اكتسب الشرعية من أيش؟ من إقرار النبي -عليه الصلاة والسلام- بعد اطلاعه، كيف اطلع النبي عليه الصلاة والسلام؟ لما شكي معاذ، كان يطيل بهم فشكي إلى النبي عليه الصلاة والسلام.

إذا لم يذكر علم النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا لم يذكر: "فعلنا"، "أكلنا"، "كانوا يفعلون"، "كانوا يفضلون"، إلى آخره، مع عدم التصريح بعلم النبي -عليه الصلاة والسلام- دون ما ذكر بلا شك والخلاف فيه أقوى، دون ذلك إذا لم يذكر علمه -عليه الصلاة والسلام- بذلك، لكن الصحابة يستدلون بذلك لمسائل الخلاف، كقول جابر -رضي الله عنه-: "كنا نعزل والقرآن ينزل" [متفق عليه]، يعني هل هذا في عصر النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ نعم، في عصر النبي –صلى الله عليه وسلم- بدليل قوله: "والقرآن ينزل"، لكن هل فيه شيء يشير أو يدل على أن النبي -عليه الصلاة والسلام- يعلم بذلك؟ ليس فيه شيء من ذلك.

وقوله: "كنا نأكل لحم الخيل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم"، نعم؟

طالب:.......

هذا فيه تصريح، هذا فيه تصريح فلا يكون فيه شاهد، لكن المتفق عليه ما فيه..، الرواية التي في الصحيحين ما فيها.

قوله: "كنا نأكل لحم الخيل على عهد النبي عليه الصلاة والسلام"، في رواية: "ذبحنا فرساً على عهد النبي عليه الصلاة والسلام" [الحديث رواه النسائي وابن ماجة وغيرهما].

إذا لم يصرح بأن النبي -عليه الصلاة والسلام- اطلع على ذلك، فالحافظ العراقي -رحمه الله تعالى- في شرح ألفيته يقول: الذي قطع به الحاكم وغيره من أهل الحديث وغيرهم، أن ذلك من قبيل المرفوع، من قبيل المرفوع، يعني ولو لم يذكر أن النبي -عليه الصلاة والسلام- اطلع على ذلك؛ لأن قول جابر يشير إلى أن الوحي لا يقر على الخطأ.

إذا كان الرسول -عليه الصلاة والسلام- لا يعلم الغيب، نعم، الرسول لا يعلم الغيب؛ "عَمل عُملٌ، أو فعل فعل، بغير حضرته فهو لا يعلم الغيب، الرسول لا يعلم الغيب، لكن هل يتصور أن الوحي يقر على الخطأ، والقرآن ينزل؟!

"كنا نعزل والقرآن ينزل"، ولو كان مما ينهى عنه لنهى عنه القرآن، بهذا استدل الصحابي.

يقول الحافظ العراقي في هذا النوع: "فالذي قطع به الحاكم وغيره من أهل الحديث وغيرهم أن ذلك من قبيل المرفوع"، وصححه الأصوليون الرازي والآمدي وأتباعهما.

قال ابن الصلاح: وهو الذي عليه اعتماد؛ لأن ظاهر ذلك مشعر بأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اطلع على ذلك وقررهم عليه، وتقريره أحد وجوه السنن المرفوعة؛ فإنها أقواله وأفعاله وتقريره وسكوته -سكوته عن الإنكار بعد اطلاعه- قال: ابن الصلاح: وبلغني عن البرقاني -ويضبط بتثليث الباء- أيش معنى تثليث الباء؟

طالب:.......

الحركات الثلاث.

وبلغني عن البرقاني أنه سأل الإسماعيلي عن ذلك فأنكر كونه من المرفوع، أنكر كونه من المرفوع: يعني مثل قول الصحابي أيش؟ "أمرنا"، خالف أبو بكر الإسماعيلي في كونه من المرفوع؛ لأن الآمر يحتمل أن يكون النبي -عليه الصلاة والسلام- ويحتمل أن يكون غيره، لكن الجمهور على أنه من قبيل ما رفع.

قلت: قال الحافظ العراقي: أما إذا كان في القصة اطلاعه فحكمه على الرفع إجماعاً، إذا كان في القصة ما يدل على إطلاعه فحكمه الرفع إجماعاً، كقول ابن عمر -رضي الله عنهما-: "كنا نقول -ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- حي-: "أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر وعثمان، ويسمع ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلا ينكره" [رواه الطبراني في الكبير، والحديث في الصحيح، لكن ليس فيه اطلاع النبي -عليه الصلاة والسلام- على ذلك بالتصريح].

ثم قال الحافظ العراقي -رحمه الله-: وإن لم يكن مقيداً بعصر النبي -صلى الله عليه وسلم- فليس من قبيل المرفوع: لم يكن مقيداً بعصر النبي -عليه الصلاة والسلام- فليس من قبيل المرفوع عند ابن الصلاح، تبعاً للخطيب، فجزما أنه من قبيل الموقوف، لكن الرازي -وقبله الحاكم- جعلاه من قبيل المرفوع، ولو لم يقيده بعهد النبي -عليه الصلاة والسلام-.

قد يقول قائل: أيش علاقة الرازي والآمدي وغيرهما من أهل الأصول بهذه المباحث، كونه يحكم بأنه مرفوع أو موقوف؟

طالب:.......

لا، هذه المسألة أخص من مسألة الحجية، أخص.

هل الرازي يرجع إليه في مثل هذا الأمر كون الخبر مرفوعاً أو موقوفاً، هل يحكم برفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- أو بوقفه، مثله الآمدي وهو بعيد كل البعد من علوم الأثر؟ الغزالي أيضاً وبضاعته في هذا العلم مزجاة، كيف يتداول أهل العلم أقوال مثل هؤلاء، في هذه المسائل؟

ولذا يعتب كثير من المنتسبين إلى هذا الفن -أعني الأثر- إدخال أقوال مثل هؤلاء في كتب علوم الحديث؛ يقولون: لا علاقة لهم؛ يصرحون بأن بضاعتهم مزجاة.

الآمدي في ترجمته اتهم بأنه لا يصلي، والرازي معروف وضعه -موقعه من السنة وأهلها- نعم، فكيف تذكر أقوال مثل هؤلاء؟ يعني هل مرد كونه مرفوعاً أو موقوفاً نص شرعي، أو نظر؟

نحرر المسألة الآن: الآن دعاوى تلقى بين طلاب العلم بقوة، يقول: كيف نعتمد قول الغزالي وهو يقول: "بضاعتي في الحديث مزجاة"، كيف نعتمد قول الرازي وكلامه في السنة وأهلها معروف، كيف نعتمد الآمدي وفي ترجمته ذكر أشياء -ذكر عظائم- وإن كان كثيراً منها لا يثبت.

أقول: التفريق في هذه الأمور كونه مرسلاً أو موصولاً، كونه موقوفاً أو مرفوعاً، هل هذا يترتب أو ينبني أو يستنبط من أثر وخبر، الذي نقول: هم بعيدون كل البعد عنه، أو هو محل نظر ودقة؟ نعم؟

طالب:.......

كيف؟

طالب:.......

محل نظر؛ لأنه كيف يقول مثلاً: هذا من قبيل المرفوع، وهذا يقول: من قبيل الموقوف.

نأتي إلى مسألة أدقّ، مسألة كون باب النبي -عليه الصلاة والسلام- يقرع بالأظافير –هكذا- اختلفوا في كونه مرفوعاً أو موقوفاًَ.

أولاً: المسائل التي يتفق عليها أهل هذا الشأن -الأئمة الكبار- لا كلام لأحد مع كلامهم، نعم، إذا حكموا بأن هذا مرفوع، ليس لأحد كلام معهم، لكن إذا اختلفوا، فتذكر أقوال مثل هؤلاء؛ يستأنس بها، نعم، وكم من قائل قال كلمة فتح الله بها آفاق -فتحت مغاليق- لا سيما إذا كانت الكلمة تدور مع النظر، وليس مردها إلى الأثر.

في فهم الأثر مثلاً: ((رب مبلغ أوعى من سامع))، فهمنا مدرك المسألة الآن؟

يعني كون بابه -عليه الصلاة والسلام- يقرع بالأظافير، قال بعضهم: مرفوع، وقال بعضهم: موقوف، يعني هل هذا نحتاج إلى أن عائشة -أو غيرها من أمهات المؤمنين- تقول: هذا مرفوع، أو هذا موقوف، أو تصرح بأن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يسمع، فنقول: مرفوع، أو لا يسمع، فنقول: موقوف؟ نقل هكذا كان بابه يقرع بالأظافير، أيش تسوي، وأيش تقول: هذا موقوف وإلا مرفوع؟

طالب:.......

كيف؟

طالب:.......

هذا يرجع إلى النظر، هذه مسألة نظرية ليست أثرية، يعني فهمها نظري، كيف؟ كيف نقول: نظري؟

نقول: بيوتهم صغيرة، الذي يقول: مرفوع، يقول: بيوتهم عبارة عن غرفة، فيبعد ألا يسمع النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا القرع، فيقرهم عليه، نعم.

من جهة أخرى: قد يقول قائل: الظفر ماذا يفعل بالباب الذي عرضه شبر، باب من الخشب يقرع بالأظافير ويش يصنع الظفر به؛ لا يسمع الرسول –عليه الصلاة والسلام- ولكلٍ وجهه.

طالب:.......

أنا أقول: قد يتركون، يعني كونه مما يقرع حكم به الحاكم والخطيب وغيره، أما الكبار ما لهم كلام في هذا، ما في أحد نص على أنه مرفوع أو موقوف.

الأمر الثاني: أنك قد تجد مثلاً كلاماً لعلي بن المديني، وكلاماً للإمام أحمد يختلف، فتحتاج إلى مرجح، فأنت إن رجحت قول علي بن المديني ما أبعدت عن أهل الأثر، وإن رجحت قول الإمام أحمد ما أبعدت، لكن..، نعم؟

طالب:.......

بدل ما نرجح من أنفسنا نحتاج إلى أحد يسندنا، هي المسألة مسألة فهوم؛ الترجيح يعتمد على أيش؟ في مثل هذه القضايا ما يعتمد على نصوص، هو في نصوص مرفوعة إلى أن هذا موقوف، أو هذا إما يحكم بوقفه أو يحكم برفعه؟

إذن المسألة مسألة نظر -دقة نظر- إحنا إذا فهمنا المدرك ما لمنا ولا ثربنا، يعني قولهم اعتبر أنه مثل قولك أنت، يعني مثل ما ترجح أنت شوف ترجيحهم وشوف حججهم، أنت اسمع من الخصم، احنا نعتبرهم خصوماً لنا، اسمع منهم، باعتبار أنهم من أهل الأثر، نعتبر هؤلاء خصوماً، اسمع كلامهم، لا سيما والسنة مبحث كبير في كتب الأصول، هل نقول لأهل الأصول: اتركوا السنة ما هي بشغلكم لا تبحثونها في كتب الأصول؟ نعم؟ مثل ما نناديهم بقوة، حينما نقول: طهروا كتبكم مما يتعلق بعلم الكلام، هذا شيء نتفق عليه، لكن هل نقول لأهل الأصول: طهروا كتبكم مما يتعلق بمباحث السنة، وله وجه يبحثون الكتاب والسنة والإجماع والقياس؟! هذا علم الأصول، ودخلوا بقوة في هذا العلم، وله عندهم دقة نظر وعندهم شفوف، فنسمع، نسمع من كل أحد، ولعل الله يفتح على يد أحد منهم ذهناً مغلقاً، نعم؛ لأن مثل ما قلت مراراً: إن الحكم بأن هذا مرفوع أو موقوف من قبل ما رفع أو ما وقف، كله من باب الفهم، الفهم.

هو خبر نعم، كون الغزالي يقول: خبر ثابت أو غير ثابت، نقول: لا؛ بضاعتك مزجاة، نعم، نأتي إلى الأئمة الذين هم العمدة في هذا الباب، لكن إذا ثبت الخبر، نستنير بآراء أهل العلم، نعم، لا بد من التفريق في هذا الباب، المسألة ترى في غاية الدقة.

الآن توضيح الأفكار للصنعاني، من أهل العلم من يجعله في الثريا، ليش؟ لأنه جمع بين أقوال أهل الحديث وأهل الأصول، وهذه مزية، ومنهم من قال: لا يسوى شيئاً؛ لأنه خلط علم الأثر بعلم النظر والأصول، هل هذا إنصاف؟

ليس بإنصاف؛ يا أخي اسمع، اسمع أنت أنت، وأنت تتحدث عن هذا الموضوع في مسألة نعم، يقول: احتمال أن يكون الآمر -مثلاً خلي المسألة بين المحدثين- قول الصحابي: "أمرنا" أو "نهينا": جماهير أهل العلم على أنه من قبيل المرفوع، لماذا؟ لأن الصحابي ما يمكن أن يقول: "أمرنا" أو "نهينا" في مسائل شرعية والآمر غير النبي -عليه الصلاة والسلام-.

أبو بكر الإسماعيلي وهو إمام في هذا الباب -في هذا الشأن- نعم، إمام بلا منازع، يقول: موقوف؛ لاحتمال أن يكون الآمر والناهي غير النبي -عليه الصلاة والسلام- فنحن نحتاج في فهم هذا الكلام إلى من ينير للناس الطريق؛ لأن المسائل تحتاج إلى دقة نظر في مثل هذه الأمور، ومثل ما ذكرنا في قرائن الألفاظ، الإمام أبو بكر الإسماعيلي -يقول الحافظ الذهبي في ترجمته من تذكرة الحفاظ-: من عرف حال هذا الرجل جزم يقيناً بأن المتأخرين على يأس تام من لحاق المتقدمين.

ما عندنا شك أن المتأخرين كلهم عالة على فتات ما يسقط من موائد المتقدمين؛ أيش عندهم المتأخرين؟ المتقدمون هم الأصل، لكن هناك مسائل تحتاج إلى دقة نظر، أما ثبوت الخبر وعدمه ما للمتأخرين سند ثبوته وعدمه إلا بواسطة المتقدمين، يبقى كيف نفهم هذه المسألة وفيها للرأي مجال، نترك لأهل الرأي مجال يفهمون المعنى، لا سيما وأنهم موجودون يعني، موجودون ويبحثون هذه الأمور بقوة ودقة، فلا ضير ولا تثريب أن توجد مثل هذه الأقوال؛ لنستفيد منها، ونقبل ما يقبل منها، ونرد ما يرد.

يقول: لكن الرازي..، ثم قال العراقي: وإن لم يكن مقيداً بعصر النبي -عليه الصلاة والسلام- فليس من قبيل المرفوع، وعند ابن الصلاح تبعاً للخطيب، فجزم بأنه من قبيل الموقوف، فليس من قبيل المرفوع عند ابن الصلاح تبعاً للخطيب، فحيث جزم بأنه من قبيل الموقوف..، لكن الرازي، وقبله الحاكم جعلاه من قبيل المرفوع، ولو لم يقيده بعهد النبي -صلى الله عليه وسلم-.

وقال ابن الصباغ في العدة: إنه الظاهر، ومثَّله بقول عائشة -رضي الله عنها-: "كانت اليد لا تقطع في الشيء التافه"، متى كانت؟ يعني في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- أو في عهد أبي بكر، أو في عهد عمر -رضي الله عنه- أو في عهد عثمان، أو في عهد علي، أو في عهد معاوية؛ لأنها تأخرت وفاتها؟؟ "كانت لا تقطع اليد في الشيء التافه"؛ يعني هذا محل نظر.

أقول: للرأي فيه مجال، لكن ما يمكن عائشة تستدل بمثل هذا الكلام في حكم شرعي إلا وعندها أصل مما يحتج به، أصل مما يحتج به.

ومقتضى كلام البيضاوي موافق لما قاله ابن الصلاح، ولكن الإمام -هكذا يطلقون: ولكن الإمام- أيش الإمام هذا؟

كتب الأصول عند متأخري الشافعية إذا أطلقوا الإمام أرادوا به...؟

طالب:.......

لا لا، الرازي، نعم.

ولكن الإمام والآمدي لم يقيدا ذلك بعهده -صلى الله عليه وسلم- وقال به أيضاً كثير من الفقهاء كما قاله النووي في شرح المهذب، وهو قوي من حيث المعنى.

يقول الحافظ العراقي في ألفيته:

وقوله كنا نرى إن كان مع
وقيل لا أو لا فذاك له
مرفوعاً الحاكم والرازي

 

عصر النبي من قبيل ما رفع
وللخطيب قلت لكن جعله
ابن الخطيب قلت وهو القوي

المقصود أن هذا كلام ليس مرده إلى ثبوت الخبر ونفيه لنعتمد في ذلك على أهل الفن، إنما مرده هل هو مرفوع أو موقوف، يعني عمل عملاً..، شخص عمل عملاً أو نسب إلى جماعة كانوا يعملون أو كانوا يفعلون ولم يذكر عصر النبي -عليه الصلاة والسلام- المسألة محتملة، الاحتمال قائم، لكن نقول: إن الصحابي إذا قال: "كنا نفعل"، ويستدل بذلك في مقابلة خصم؛ ليستدل عليه في هذه المسألة، ويقرر له ثبوت هذه المسألة، لا يمكن أن يقولها إلا وعنده أصل.

يقول الشيخ زكريا الأنصاري في شرحه على الألفية يقول: تحصل في المسألة ثلاثة أقوال: الرفع مطلقاً، والوقف مطلقاً، والتفصيل بين ما قيد بالعصر النبوي، وما لم يقيد به".

هذه الأقوال التي ذكرها الحافظ العراقي: يقول: تحصل في هذه المسألة ثلاثة أقوال: الرفع مطلقاً: يعني سواءً نص على عصر النبي أو لم ينص، الوقف مطلقاً: يعني موقوف سواءً قلنا: في عصر النبي أو في غيره؛ لأن النبي لم يطلع عليه...إلى آخره. التفصيل بين ما قيد بالعصر النبوي، وما لم يقيد به.

يقول: وفيها أيضاً رابع -هناك قول رابع- وهو:إن كان الفعل مما لا يخفى غالباً فمرفوع وإلا فموقوف: إن كان الفعل مما لا يخفى غالباً بحيث ينشر -يعرفه الناس- مرفوعاً، إذا كان مما يخفى -صحابي يعمل مع امرأته عملاً من الأعمال- يقول: "كنا نفعل.." هذا مرفوع وإلا موقوف؟ هذا التفصيل له وجه، أو ما له وجه؟

إذا كان مما يخفى..، إذا كان مما لا يخفى؛ بحيث إذا عمل عملاً إما أن يطلع عليه النبي -عليه الصلاة والسلام- أو يطلع غيره فينقله للنبي -عليه الصلاة والسلام- لكن أمر خفي بين زوج وزوجته لم يطلع عليه النبي -عليه الصلاة والسلام- ولم يطلع عليه أحد ينقله إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- لكن يبقى أنه في عصر التنزيل، ومن أدلّ الأدلة على ذلك قول: "كنا نعزل والقرآن ينزل": هذا مما يخفى، واستدلوا على أنه مرفوع؛ بكون القرآن قررهم عليه ولم ينكر عليهم.

وقول خامس: وهو إن ذكر في معرض الاحتجاج فمرفوع وإلا فموقوف، يعني هذا القول الذي كانوا يفعلونه، أو هذا الفعل الذي كانوا يفعلونه مما لم يذكر فيه عصر النبي -عليه الصلاة والسلام- إن ذكره الصحابي على أساس أنه قاله على سبيل الاحتجاج، يحتج به على خصم يقرر به مسألة شرعية، إن قاله الصحابي في هذا المعرض قلنا: مرفوع؛ لأنه ما يمكن أن يستدل الصحابي ويحتج إلا بشيء تثبت به الحجية، ولا قول لأحد، أو فعل لأحد تثبت به الحجية إلا ما نسب إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-.

وسابع: وهو إن قال: "كنا نرى": فموقوف، أو "كنا نفعل" أو نحوه: فمرفوع: إن قال الصحابي: "كنا نرى"، فموقوف، وإن قال: "كنا نفعل" أو نحوه، فهو مرفوع، لماذا؟

يقول: لأن "نرى" من الرأي، فيحتمل أن يكون مستنده استنباطاً لا توقيفاً؛ "كنا نرى": يعني من الرأي، أما إذا "كنا نفعل": واضح الفرق بينهما وإلا ما هو بواضح؟ واضح من حيث اللفظ.

ثم محل الخلاف إذا لم يكن في القصة اطلاعه -عليه الصلاة والسلام- على ذلك وإلا فحكمه الرفع قطعاً.

وبالجملة ما قيد من ذلك بالعصر النبوي حكمه الرفع، إما قطعاً أو على الأصح.

يقول الناظم -ناظم الورقات-:

وإن أقر قول غيره جعل
وما جرى في عصره ثم اطلع

 

كقوله كذاك فعل قد فعل
عليه إن أقره فليتبع

وعلى هذا نكون وقفنا على النسخ نعم، نستأنف -إن شاء الله- إذا استأنفت الدروس بعد.

طالب: أؤذن يا شيخ؟

إيه أذن، إن كان هناك سؤال وإلا شيء لا بأس، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك.

تبعاً لما ذكرناه من ذكر أقوال بعض المبتدعة في هذه العلوم، نقول: حينما يذكرها أهل العلم يذكرونها من جهة للاستئناس، ولتفنيد الخطأ منها، ما صح ومنها يستأنس به، وما له حظ من النظر يستأنس به، وما لا حظَّ له من النظر من أجل أن يفند ويرد عليه، كما يذكر أهل العلم أقوالاً في علوم الحديث، ذكروا أقوال بعض الأطباء نعم -في كتب علوم الحديث- الفقهاء يستندون إلى كلام الأطباء، في علوم الحديث احتجنا إلى كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصبهاني، هل هو عمدة أبو الفرج؟ نعم؟ ليش؟

لأن المسألة فهم، ليست مبنية على رواية نقول: ضعيف، مسألة ترجع تعود إلى الفهم أيش معنى هذا الكلام؟ في ألفاظ الجرح والتعديل قول أبي حاتم في (جبارة بن المغلس) بين يدي عدل، هذه في ألفاظ الجرح والتعديل تذكر، لكن هل هي جرح وإلا تعديل؟

الحافظ العراقي إلى أن مات وهي تعديل عنده، كيف؟

جبارة..، سألت أبي عن جبارة بن المغلس فقال: بين يدي عدل، هل نقول: يرجع إلى الأغاني يا إخوان؟

كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصبهاني كتاب خسيس خبيث، لكن احتجنا له في هذه المسألة.

الحافظ العراقي مضى على أنها تعديل، وكان يقرؤها بين يديَّ عدلٌ.

في كتاب الأغاني قصة لطاهر، وطاهر اسمه القائد، أيش اسمه؟ قائد من قواد الرشيد؟

طالب:.......

نعم؟

طالب:.......

أيش اسمه؟ ابن طاهر.

طالب:.......

فالرشيد له ولد اسمه إبراهيم، نعم، فكان طاهر على المائدة، فجاء إبراهيم أخذ هندباد -إما كوسة وإلا قرعة وإلا شيئاً- فضرب بها طاهر، نعم، فأصابت إحدى عينيه، وطاهر أعور، وأصابت السليمة، نعم، فشكاه إلى أبيه فقال: ضرب السليمة والأخرى بين يدي عدل، وأيش يستفاد منها؟ الأخرى وأيش هي؟

تالفة، فنستفيد من هذا أن معنى قوله: بين يدي عدل: تالف شديد الضعف، الآن احنا اعتمدنا على أبي الفرج، وإلا اعتمدنا -أخذنا من القصة- فهمنا من مجموع القصة؟

طالب:.......

ذهبنا نبحث عما وراء هذه القصة، أيش معنى العدل؟ هل نذهب في العدل أنه مصدر عدل يعدل عدالة فهو عدل إلى آخره؟!

لا ما نبحث عن هذا، وقد قيلت لعين عوراء، نبحث عن معانيها الأخرى، فنجدهم يقولون -كما في أدب الكاتب لابن قتيبة- يقول: العدل، شخص اسمه العدل، وكان هذا الرجل على شرطة تُبَّع، وأين تُبَّع؟

احتجناه في علوم الحديث تبع، واحتجنا الأغاني واحتجنا أدب الكاتب ليش؟ نعم؟

لكي نفهم هذا الإطلاق وهذا الاصطلاح الذي أطلقه أهل العلم، لا اعتماداً أصلاً على هذه الكتب؛ لأننا لا نعتمدها في إثبات ونفي، قد نعتمدها أو نستفيد منها في فهم.

الآن العدل كان على شرطة تبع، وكان إذا أراد تبع أن يقتل أحداً سلمه إلى هذا الرجل الذي اسمه العدل -عدل الشرطة، رئيس الشرطة- وأيش يقولون الناس؟ بين يدي عدل، بين يدي عدل وأيش با يسوي به هذا عدل؟ يبى  بيقتله، إذن بين يدي عدل يعني محكومٌ عليه بالهلاك.

الآن يا إخوان استفدنا من الأغاني، ومن أدب الكاتب، ومن كذا وإلا ما استفدنا؟

استفدنا، فالحافظ العراقي حينما فهم عن قولهم: "بين يدي عدل" أنها تعديل، وكان ينطقها هكذا: "بين يديَّ عدل"، ما له إلا هو؛ الظاهر، من يبي تجي على باله أن هذه تجريح، بل تجريح شديد، وهذا لفظها، لولا هذه القصص التي وجدت في هذه الكتب التالفة، كم من قصة حصلت لشخص من عامة الناس فتحت آفاقاً، فيستفاد منها، والحكمة ضالة المؤمن.

فعرفنا أن معنى قوله: "بين يدي عدل" أنه تالف هالك شديد الضعف، طيب، هل يكفي هذا الفهم لأن نحكم على هذا الرجل بأنه تالف؟ يكفي وإلا ما يكفي؟

نحتاج إلى ما يؤيده -يؤيد هذا الكلام- هذه قرينة قوية، ننظر في أقوال أهل العلم في هذا الرجل نجدها كلها تضعيف، كلهم ضعفوه ما وثقه ولا واحد، إذن نقول: المصيبة الحافظ العراقي وإلا غيره؟

غيره قطعاً، قد يقول قائل: انتم اعتمدتم على الأغاني، والأغاني كتاب شخص فيه..، كتاب مملوء بالمجون ولا عمدة..، نقول: احنا ما اعتمدنا على الأغاني، إذا قال صاحب الأغاني حدثنا قلنا: اضرب به عرض الحائط، لكن استفدنا في فهم هذا الجملة، ومثل ذلك نقول: نستفيد من الكتب التي فيها شيء من الخلط، لكن يبقى أن الاستفادة والإفادة مقصورة على من يميز بين الحق والباطل.

السخاوي له كتاب اسمه (الأصل الأصيل في الإجماع على تحريم النقل من التوراة والإنجيل) قد يقول قائل: شيخ الإسلام نقل من الإنجيل حينما رد على النصارى، هل نقول: إن شيخ الإسلام خالف؟

احتاج...، كتب المبتدعة الآن اللي مملوءة الأسواق بها.

نقول للطالب المتأهل الذي في نيته تفنيد هذه المخالفات أن يقرأ في هذه الكتب، لكن الطالب غير المتأهل ليس له ذلك، هذا فيما يسيء إلى الدين، هات ما يسيء إلى الخلق مثلاً.

الطالب المتأهل نقول: كتاب المحلى لابن حزم من أنفع الكتب له؛ لأنه كتاب اعتمد على الأثر، وفيه براعة الكتاب، لكن طالب مبتدئ نقول له: اقرأ في المحلى، وأيش يتعود، وأيش يتعلم؟

يتعلم سلاطة اللسان، يتعلم سلاطة اللسان، ولذلك الطالب غير المتأهل لا يقرأ في هذه الكتب لا الأغاني، لا..، هذه الكتب التي مرت بنا، لا يقرأها، يعني حينما يقول: وبهذا قال مالك، فأين الدين، بهذا قال أبو حنيفة: وهذا لا يساوي رجيع الكلب، يصلح طالب علم يربى على هذه الجمل؟ أبداً، لكن طالب متمكن يدرك الصواب من الباطل الحق من الخطأ، نعم، لا مانع أن يقرأ في هذه الكتب، نعم في شيء؟

كم باقي على الإقامة؟

طالب:.......

لا لا، لا لا، (أدب الكاتب) كتاب نفيس نافع، فيه شيء من الأوهام اليسيرة، لكن نافع، نافع جداً، لا، لا ما يبين النسبة، ما يبين النسبة، الآن صار له ربع من..... 1:14:28أو أكثر؟

طالب:.......

يرجع إلى متنه وإلا إلى سنده؟

طالب:.......

 

أقول: هذه مسائل اختلف فيها الأئمة، نعم، وإذا وجد الخلاف بين الأئمة فالترجيح شيء مدرك، شيء مدرك الترجيح يدركه..؛ هي مسألة ترجيح، ما هي مسألة اعتماد على كلامهم، فأيضاً كون الفقهاء يفهمون من هذا الخبر فهماً..، دعنا من قضايا الإسناد؛ قضايا الإسناد لأهل الحديث، يبقى متن الحديث لا شك أن لهم اعتباراً؛ رجال عقلاء يفهمون؛ أهل نظر، أهل دقة، ولذا يقول ابن حبان -وإن كان الكلام ليس على إطلاقه-: حديث يتداوله الفقهاء أفضل من حديث يتداوله الشيوخ"؛ لأن الفقهاء لهم دقة نظر في المتون، ولذا شاع على ألسنة الناس في العصور الوسطى أن الفقهاء هم الأطباء، الفقهاء هم الأطباء، وأهل الحديث صيادلة، لكن هذا الكلام ليس بصحيح؛ أهل الحديث هم الفقهاء، وهم المعول عليهم في الإثبات والاستنباط، والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"