كتاب الجامع من سبل السلام (22)
نعم.
أحسن الله إليك.
"الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبيه محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان.
اللهم اغفر لشيخنا وللمستمعين.
أما بعد،
فقال -رحمه الله تعالى- في البلوغ وشرحه، في باب الترهيب من مساوئ الأخلاق من كتاب الجامع:
وعن معقل بن يسار- رضي الله عنه- أنه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «ما من عبد يسترعيه الله رعيَّة يموت يوم يموت وهو غاشّ لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة». متفق عليه، أخرجه البخاري من رواية الحسن، وفيه قصة، وهي أن عبيد الله بن زياد عاد معقل بن يسار في مرضه الذي مات فيه، وكان عبيد الله عاملاً على البصرة في إمارة معاوية وولده يزيد. أخرجه الطبراني في الكبير من وجه آخر."
وهو مظنة أن يكون ممن يُعنى بالحديث عبيد الله بن زياد، «ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت»، مثل ما فعل ابن عمر مع عبد الله بن عامر، عبد الله بن عامر كان على البصرة، فعاد عبد الله بن عمر، يزوره، يعوده في مرضه قال له: أوصني، يقول لعبد الله بن عمر، قال: لا يقبل الله صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول، وكنت على البصرة، يعني الإمارة مظنة لأنه ما عليك رقيب ولا حسيب، ولا أحد يناظر، ولا أحد يقول: أين راح هذا؟ ولا أين جاء هذا؟ فكونك تتصدق من هذا المال الذي أنت مؤتمن عليه في حكم الغلول.
أحسن الله إليك.
"أخرجه الطبراني في الكبير من وجه آخر عن الحسن أنه قال: قدم علينا عبيد الله بن زياد أميرًا أمره علينا معاوية غلامًا سفيهًا يسفك الدماء سفكًا شديدًا، وفيها معقل المزني، فدخل عليه ذات يوم فقال له: انتهِ عما أراك تصنع، فقال له: وما أنت وذاك؟! ثم خرج إلى المسجد فقلنا له: ما كنت تصنع بكلام هذا السفيه على رؤوس الناس، فقال: إنه كان عندي علم، فأحببت ألا أموت حتى أقول به على رؤوس الناس، ثم مرض فدخل عليه عبيد الله يعوده فقال له معقل بن يسار: إني أحدثك حديثًا سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: «ما من عبد يسترعيه الله رعية فلم يحطها بنصيحة لم يرح رائحة الجنة»، ولفظ رواية المصنف أحد روايتي مسلم. وأخرج مسلم :«ما من أمير يلي أمر المسلمين..»."
لا يظن أن آحاد الناس وعامتهم أنه بمنأى عن هذا الحديث، لا يظن أن هذا في الولاية الكبرى، لا، أو في الإمارات أو في المسؤوليات من الوزارات والرئاسات والإدارات، البيوت «الرجل راعٍ في بيته وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية، وكلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته».
أحسن الله إليك.
"وأخرج مسلم: «ما من أمير يلي من أمر المسلمين لا يجتهد لهم، ولا ينصح لهم إلا لم يدخل معهم الجنة»، رواه الطبراني.."
ولذلك هذه الولايات التي يتهافت الناس عليها مزلة أقدام، وكما جاء: «نعمت المرضعة، وبئست الفاطمة».
أحسن الله إليك.
"رواه الطبراني وزاد: «كنصحه لنفسه»، وأخرج الطبراني بإسناد حسن: «ما من إمام ولا والٍ بات ليلة سوداء غاشًّا لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة، إلا حرم الله عليه الجنة، وعرفها يوجد يوم القيامة من مسيرة سبعين عامًا»، وأخرج الحاكم وصححه من حديث أبي بكر- رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم-."
طالب: ..........
فيه حاجة فيها ظلام الناس يحتاجون إلى شيء ينيرهم، ويفتح لهم طريقهم، أو فيها برد شديد ويحتاجون إلى وسائل تدفئة أو فرش أو ما أشبه ذلك، والولاة يتقلبون بأموال الله، ويتخبطون فيها، ويتركون رعاياهم بدون ما يصلح شأنهم.
أحسن الله إليك.
"وأخرج الحاكم وصححه من حديث أبي بكر- رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من وُلِّيَ من أمر المسلمين شيئًا فأمر عليهم أحدًا محاباة فعليه لعنة الله لا يقبل الله منه صرفًا ولا عدلاً حتى يدخله جهنم». وأخرج أحمد والحاكم أيضًا وصححه من حديث ابن عباس أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من استعمل رجلًا على عصابة وفيهم من هو أرضى لله منه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين»، وفي إسناده واهٍ إلا أن ابن نمير وثَّقه وحسن له الترمذي أحاديث، والراعي هو القائم بمصالح من يرعاه. وقوله: يوم يموت مراده أنه يدركه الموت وهو غاش لرعيته غير تائب من ذلك. والغش بالكسر ضد النصح، ويتحقق غشه بظلمه لهم بأخذ أموالهم، وسفك دمائهم، وانتهاك أعراضهم، واحتجابه عن خُلتهم وحاجتهم."
خَلتهم.
أحسن الله إليك.
"واحتجابه عن خَلتهم وحاجتهم، وحبسه عنهم ما جعله الله لهم من مال الله سبحانه المعيْن للمصارف."
المعيَّن.
أحسن الله إليك.
"وحبسه عنهم ما جعله الله لهم من مال الله سبحانه المعيَّن للمصارف، وترك تعريفهم بما يجب عليهم من أمر دينهم ودنياهم، وإهمال الحدود، وردع أهل الفساد، وإضاعة الجهاد وغير ذلك مما فيه مصالح العباد. ومن ذلك توليته لمن لا يحوطهم، ولا يراقب أمر الله فيهم، وتوليته من غيره أرضى لله تعالى مع وجوده."
مع وجوده ورضاه؛ لأنه قد يرفض الأكفأ، قد يرفض.
أحسن الله إليك.
"والأحاديث دالة على تحريم الغش، وأنه من الكبائر؛ لورود الوعيد عليه بعينه، فإن تحريم الجنة هو وعيد الكافرين في القرآن كما قال تعالى: {فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ} [سورة المائدة:72]، وهو على رأي من يقول بخلود أهل الكبائر في النار واضح، وقد حمله من لا يرى خلود أهل الكبائر في النار."
يعني كالخوارج والمعتزلة.
أحسن الله إليك.
"وقد حمله من لا يرى خلود أهل الكبائر في النار على الزجر والتغليظ، قال ابن بطال: هذا وعيد شديد."
هذه من نصوص الوعيد التي تمر كما جاءت.
أحسن الله إليك.
"قال ابن بطال: هذا وعيد شديد على أئمة الجور ومن ضيع من استرعاه الله أو خانهم أو ظلمهم فقد توجه إليه الطلب بمظالم العباد يوم القيامة، فكيف يقدر على التحلل من ظلم أمة عظيمة؟ ومعنى حرم الله عليه الجنة أي أنفذ عليه الوعيد، ولم يرض عنه المظلومين.
وعن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «اللهم من ولي من أمر أمتي شيئًا فشق عليهم فاشقق عليه». أخرجه مسلم.
شق عليهم: أدخل عليهم المشقة أي المضرة."
عندك متفق عليه أم أخرجه مسلم فقط؟
أحسن الله إليك.
"والدعاء عليهم منه -صلى الله عليه وسلم- بالمشقة جزاء من جنس الفعل، وهو عام لمشقة الدنيا والآخرة، وتمامه: «ومن ولي من أمر أمتي شيئًا فرفق بهم فارفق به». رواه أبو عوانة في صحيحه بلفظ: «ومن ولي منهم شيئًا فشق عليهم فعليه بهلة الله»."
لكن لا يعني أنه يرفق بهم أنه يتركهم ويهملهم فتضيع أعمالهم، وتترك المصالح المنوطة بهم، يعني مع الحزم، يرفق بهم مع الحزم بالأسلوب الطيب والرفق واللين، لكن يَطلب ما يُطلب منهم كاملاً، ولا يتساهل في شيء من غير تعسف ولا عنف ولا.. فالإنسان يستطيع أن يحقق ما يريد بالرفق واللين، وهو أدعى إلى القبول، وأحرى بالإجابة.
أحسن الله إليك.
"ورواه أبو عوانة في صحيحه بلفظ: «ومن ولي منهم شيئًا فشق عليهم فعليه بهلة الله» فقالوا: يا رسول الله، وما بهلة الله؟ قال: «لعنة الله».
والحديث دليل على أنه يجب على الوالي تيسير الأمور على من وليهم، والرفق بهم، ومعاملتهم بالعفو والصفح، وإيثار الرخصة على العزيمة في حقهم؛ لئلا يدخل عليهم المشقة، ويفعل بهم ما يحب أن يفعل به الله.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله.."
لكن إذا رأى من عمومهم تساهلًا، من عمومهم تساهلًا، وأنه لو عاملهم بالرفق واللين زاد تساهلهم، وتمردوا على شرع الله وعلى الولاية فإنه لا مانع أن يحملهم على العزيمة حتى يسلكوا الجادة والطريق المستقيم.
أحسن الله إليك.
"وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا قاتل أحدكم» أي غيره كما يدل له فاعِل.."
فاعَل يعني صيغة المفاعَلة المقاتلة توجد من طرفين.
أحسن الله إليك.
"أو غيره كما يدل له فاعَل، «فليجتنب الوجه». متفق عليه، وفي رواية: «إذا ضرب أحدكم» وفي رواية: «فلا يلطمن الوجه»، الحديث.
وهو دليل على تحريم ضرب الوجه، وأنه يتقى فلا يُضرَب ولا يلطم، ولو في حد من الحدود الشرعية، ولو في الجهاد؛ وذلك لأن الوجه لطيف يجمع المحاسن، وأعضاؤه لطيفة نفيسة وأكثر الإدراك بها."
يعني الحواس أكثرها في الوجه.
"فقط يعطلها ضرب الوجه، وقد ينقصها، وقد يشين الوجه، والشَّين فيه فاحش؛ لأنه بارز ظاهر لا يمكن ستره، ومتى أصابه ضرب لا يسلم غالبًا من شين، وهذا النهي عام لكل ضرب ولطم من تأديب وغيره."
نعم، وجاء في بعض الألفاظ النهي عن ضرب الصورة، النهي عن ضرب الصورة، والمراد بالصورة الوجه، فدل على أن أحكام التصوير معلَّقة بالوجه.
أحسن الله إليك.
"وعنه، أي أبي هريرة- رضي الله عنه أن رجلاً قال: يا رسول الله، أوصني، قال: «لا تغضب»، فردد مرارًا قال: «لا تغضب». أخرجه البخاري، جاء في رواية أحمد تفسيره بأنه جارية بالجيم ابن قدامة، وجاء في حديث آخر أنه سفيان بن عبد الله الثقفي، قال: قلت: يا رسول الله، قل لي قولاً أنتفع به، وأقلِل. قال: «لا تغضب ولك الجنة».."
والمشهور عن حديث سفيان بن عبد الله الثقفي «قل آمنت بالله ثم استقم».
أحسن الله إليك.
"وورد عن آخرين من الصحابة مثل ذلك. والحديث نهي عن الغضب، وهو كما قال الخطابي نهي عن اجتناب أسباب الغضب، وعدم التعرض لما يجلبه، وأما نفس الغضب فلا يتأتى النهي عنه؛ لأنه أمر جبلي، وقال غيره: وقع النهي عما كان من القبيل ما يَكتسب.."
يُكتسَب.
"ما يُكتسَب فيدفعه بالرياضة."
لأن الغرائز منها ما هو مغروز في نفس الإنسان، فمثل هذا لا يستطيع أن يتخلى عنه، لكن القسم المكتسَب هو الذي يستطيع الإنسان أن يتحكم فيه، وهو الذي يقبل الزيادة، العلم بالتعلُّم، والحلم بالتحلُّم، هكذا.
أحسن الله إليك.
"وقيل: هو نهي عما ينشأ عنه الغضب، وهو الكبر؛ لكونه يقع عند مخالفة أمر يريده، فيحمله الكبر على الغضب، والذي يتواضع حتى تذهب عنه عزة النفس يسلم من شر الغضب، وقيل معناه: لا تفعل ما يأمرك به الغضب، قيل: وإنما اقتصر -صلى الله عليه وسلم- على هذه اللفظة بأن السائل كان غضوبًا، وكان.."
والنبي -عليه الصلاة والسلام- مثل الطبيب يعالج الناس، كل بما يحتاجه.
أحسن الله إليك.
"وكان -صلى الله عليه وسلم- يفتي كل أحد بما هو أولى به، قال ابن التين: جمع النبي -صلى الله عليه وسلم- في قوله: «لا تغضب» خير الدنيا والآخرة؛ لأن الغضب يؤول إلى التقاطع ومنع الرفق، ويؤول إلى أن يؤذي الذي غضب عليه بما لا يجوز، فيكون نقصًا في دينه، انتهى. ويحتمل أن يكون من باب التنبيه بالأعلى على الأدنى؛ لأن الغضب ينشأ عن النفس والشيطان، فمن جاهدهما حتى يغلبهما مع ما في ذلك من شدة المعالجة كان لقهر نفسه عن غير ذلك بالأولى، وتقدم كلام يتعلق بالغضب وعلاجه."
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك...
طالب: ..........
ابن التين شارح من شراح البخاري مشهور يكثرون النقل عنه، لكن شرحه ليس مطبوعًا.