شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (273)

 

المُقَدِّم: بسم الله الرحمن الرحيم.

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله ومصطفاه محمد وآله وصحبه أجمعين.

أيُّها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، طابت أوقاتكم جميعًا بكل خير، وأهلًا بكم إلى حلقة جديدة في برنامجكم "شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح".

مع مطلع هذه الحلقة يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا بكم فضيلة الدكتور.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المُقَدِّم: كنا في الحلقة الماضية في حديث أسامة بن زيد- رضي الله عنهما- في حديث مائة وأربعة عشر، مائة وتسعة وثلاثين، وتوقفنا عند مسألة صلاة المغرب والعشاء هل تكون في المزدلفة في جمع أم لا؟ ذكر الخلاف حول هذه المسألة يا شيخ.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

في آخر الحلقة السابقة ذكرنا كلام الخطابي في أعلام الحديث، في قوله: «الصَّلاةُ أَمَامَكَ»، يقول الخطابي: يريد أنَّ موضع هذه الصلاة المزدلفة، وهي أمامك، وهذا تخصيص لعموم الأوقات المؤقتة للصلوات الخمس ببيان فعل النبي- صلى الله عليه وسلم-، يقول: وفيه دليل على أنَّه لا يجوز أن يصليها الحاج إذا أفاض من عرفة حتى يبلغها، وأنَّ عليه أن يجمع بينها وبين العشاء بجمع على ما سَنَّه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من فعله، وبينه بقوله، ولو أجزأته في غير ذلك المكان لما أخرها. هذا وجه الاستدلال، ولو أجزأته في غير ذلك المكان لما أخرها- صلى الله عليه وسلم- عن وقتها المؤقت لها في سائر الأيام.

تعقبه الكرماني بقوله: أقول ليس فيه دليل على أنَّه لا يجوز؛ إذ فعله المجرد لا يدل إلا على الندب، واللازمة في شرطية "ولو أجزأته" في كلام الخطابي يقول: ولو أجزأته لما أخرها، اللازمة في هذه الشرطية ممنوعة- يقول الكرماني-؛ لأنَّ ذلك كان لبيان جواز تأخيرها، أو بيان ندبية التأخير؛ إذ الأصل عدم الجواز.

وقال العيني: قلت: لا نُسلم نفي الدليل على عدم الجواز؛ لأنَّ فعله قارنه قوله. يعني فعل التأخير وقال: «الصَّلاةُ أَمَامَكَ» يعني ليس مجرد الفعل هو الدليل.

المُقَدِّم: نعم.

نعم، الفعل دليل مقرونًا بقوله: « الصَّلاةُ أَمَامَكَ»، قارن قوله فدلَّ على عدم الجواز، وإنَّما يمشي كلامه- كلام يعني الكرماني- أن لو كان أسامة عالمًا بالسُّنَّة، ولم يكن يعلم ذلك؛ لأنَّه- عليه الصلاة والسلام- أول من سنَّها في حجة الوداع، والموضع موضع الحاجة إلى البيان، فقران فعله بقوله دليل على عدم الجواز ووجوب تأخيرها إلى غير وقتها المعهود- والله أعلم-.

يعني سيأتي تقرير هذه المسألة في كلام النووي في آخر الحديث- إن شاء الله تعالى- وذكر أقوال العلماء في الجمع بمزدلفة، وهل تُصلى قبل أو بعد، وهل تترك ولو أدى الأمر إلى تأخيرها عن وقتها فلا تصلى، يعني هل المكان شرط أم لا؟ سيأتي الكلام في ذلك- إن شاء الله تعالى-.

في شرح ابن بطال قوله: «الصَّلاةُ أَمَامَكَ» أي أنَّ سُنَّة الصلاة لمن دفع من عرفة أن يُصلي المغرب والعشاء بالمزدلفة وإن تأخر الأمر عن العادة، ولم يعلم أسامة أنَّ سُنَّة الصلاة بالمزدلفة إذ كان ذلك في حجة الوداع وهي أول سُنَّة، أو أول سنة سنَّها رسول الله- صلى الله عليه وسلم-،.. أول سُنَّة سنَّها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في الجمع بين الصلاتين بالمزدلفة، فلمَّا أتى المزدلفة أسبغ الوضوء أخذًا بالأفضل والأكمل على عادته في سائر الأيام.

يقول: وفيه من الفقه أنَّ الأدنى قد يُذَكِّر الأعلى، كيف؟ لمَّا قال أسامة: «الصلاة يا رسول الله».

المُقَدِّم: أسامة أدنى من النبي- صلى الله عليه وسلم- جزمًا.

بلا شك.

المُقَدِّم: وذَكَّرَه بالصلاة.

ومع ذلك ذكره، مع ذلك.. لم يُنكر عليه.

المُقَدِّم: صلى الله عليه وسلم.

وهذا من الأدب النبوي؛ لأنَّ بعض الناس لا يحتمل مثل هذا الأمر، لو قيل لبعض الناس ممن هو أدنى منه أدنى شيء من الاستدراك أو التنبيه يرد عليه بقوة، ويقول: أنا أعرف منك، وما يدريك؟ يوجد هذا من بعض الناس.

فيه من الفقه أنَّ الأدنى قد يذكر الأعلى، وإنَّما خشي أسامة أن ينس الصلاة لما كان فيه من الشغل فأجابه- عليه السلام- أنَّ لصلاة تلك الليلة موضعًا لا يُتعدى إلا من ضرورة، مع أنَّ ذلك كان في سفر.

«فركب فلما جاء المزدلفة» وسيأتي القول بأنَّ الجمع في المزدلفة، وفي عرفة هل هو بسبب السفر، أو بسبب النسك؟

«فركب فلما جاء المزدلفة»، قال الكرماني: المزدلفة الموضع المخصوص بقرب مكة، ويُسمى جمعًا أيضًا، وقيل: سميت المزدلفة وجمعًا؛ لأنَّ آدم اجتمع بها مع حواء، هذا مثل ما تقدم في سبب تسمية عرفة؛ لأنَّ آدم اجتمع بها مع حواء، وازدلف إليها أي دنى منها، ويقال فيه ما قيل في عرفات.

وازدلف إليها أي دنا منها، وعن قتادة: لأنَّه يُجمع فيها بين الصلاتين، ويجوز أن يُقال: وصفت بفعل أهلها؛ لأنَّهم يزدلفون إلى الله تعالى، أي يتقربون بالوقوف فيها إليها؛ لأنَّهم يزدلفون إلى الله أي يتقربون بالوقوف فيها إليها.

«نزل فتوضأ فأسبغ الوضوء» فيه دليل على مشروعية إعادة الوضوء، هذه مسألة في غاية الأهمية، «نزل فتوضأ فأسبغ الوضوء» فيه دليل على مشروعية إعادة الوضوء من غير أن يفصل بينهما بصلاة، قاله الخطابي، وفيه نظر لاحتمال أن يكون أحدث، قاله الحافظ.

يعني هذه المسألة مسألة تجديد الوضوء..

المُقَدِّم: نعم.

من أهل العلم من يرى أنَّه سُنَّة مطلقًا، لكن يلزم عليه أنَّه يتوضأ ثم يجدده في مكانه، هذا مشروع أم غير مشروع؟

المُقَدِّم: لا، غير مشروع.

غير مشروع؛ ولذا يشترط الأكثر في سُنية التجديد...

المُقَدِّم: الوقت.

غير الوقت، أن يُفعل بالأول عبادة لا تُفعل إلا بالوضوء، ثم يبقى على طهارته فيجدده.

المُقَدِّم: وماذا فعل النبي- عليه الصلاة والسلام- هنا؟ لو قلنا بأنَّه جدد بدون.

ما فيه إلا الذكر، النبي ما صلى، النبي- عليه الصلاة والسلام-...

يقول: فيه دليل على مشروعية إعادة الوضوء من غير أن يفصل بينهما بصلاة، قاله الخطابي وفيه نظر لاحتمال أن يكون قد أحدث، قاله الخطابي.

المُقَدِّم: قاله ابن حجر.

قاله الحافظ، نعم.

ما المحظور في كونه يجدد الوضوء من غير فعل عبادة؟

المُقَدِّم: لأنَّه مجال يا شيخ للوسوسة، ومجال للتنطع.

نعم، أيضًا الأربعة ممنوعة.

المُقَدِّم: نعم.

فكيف بالست؟

المُقَدِّم: صحيح.

لأنَّه إذا جدده من غير فاصل.

المُقَدِّم: صار ستًا.

يتوضأ ثلاثًا ثلاثًا صار ستًا، هذه وجهة نظر من منع.

في شرح القسطلاني يقول: فيه استحباب تجديد الوضوء وإن لم يصل بالأول، لكن ذهب جماعة إلى أنَّه ليس له ذلك قبل أن يصلي به؛ لأنَّه لم يوقع به عبادة، ويكون كمن زاد على ثلاث في وضوء واحد، وهذا هو الأصح عند الشافعية، قالوا: ولا يسن تجديده إلا إذا صلى بالأول صلاة فرضًا أو نفلًا. انتهى.

والقول بأنَّه لابد أن يفعل بالوضوء الأول عبادة لا تُفعل إلا بالوضوء لا شك أنَّه أقطع للوسوسة، لكن يرد عليه هذا الحديث، ابن حجر أورد فيه احتمال أن النبي- عليه الصلاة والسلام- أحدث، أحدث- عليه الصلاة والسلام-، وهذا الدليل في هذا الحديث ما دام يتطرقه مثل هذا الاحتمال، نعم، ما دام يتطرقه مثل هذا الاحتمال لا يتم به الاستدلال. أيضًا ما الذي يمنع أنَّ النبي- عليه الصلاة والسلام- تنفل وتطوع.

المُقَدِّم: وهو على الدابة.

وهو على الدابة نفلًا مطلقًا.

المُقَدِّم: يمكن أن يكون هذا وهو لم يصل المغرب، ما يعتبر في وقت نهي؟

لالا، إذا غربت الشمس انتهى وقت النهي.

المُقَدِّم: ولو لم يصل المغرب؟

ولو لم يصل المغرب. فكانوا إذا غربت الشمس وأذن المغرب تبادروا السواري.

المُقَدِّم: نعم، النوافل صحيح.

نعم، وجاء الأمر بصلاة ركعتين قبل المغرب، «صلوا قبل المغرب، صلوا قبل المغرب» ثم قال بعد ذلك: « لمن شاء» هذا ليس بوقت نهي، والنبي- صلى الله عليه وسلم- كان يتطوع على الراحلة، وهذا أيضًا احتمال يُضاف إلى ما قاله ابن حجر من احتمال كونه قد أحدث- عليه الصلاة والسلام-.

« ثم أقيمت الصلاة» يعني توضأ فأسبغ الوضوء، ثم أقيمت الصلاة فصلى المغرب قبل حط الرحال» كما في بعض الراويات، «صلى المغرب قبل حط الرحال ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله» كأنَّهم فعلوا ذلك خشية ما يحصل منها من التشويش بقيامها، وفيه دليل على جواز الفصل بين الصلاتين المجموعتين بمثل هذا، قاله الخطابي.

المُقَدِّم: يعني صلوا المغرب، وذهبوا لأقوامهم وأناخوا الإبل ثم رجعوا مرة أخرى؟

ثم صلوا العشاء، يقول: فيه دليل على جواز الفصل بين الصلاتين المجموعتين بمثل هذا.

قال الخطابي: فيه أنَّ يسير العمل إذا تخلل بين الصلاتين غير قاطع نظام الجمع بينهما.

 «ثُمَّ أُقِيمَتِ الْعِشَاءُ» بكسر العين وبالمد، والمراد به صلاة العشاء.

قال ابن بطال: من سُنَّته- عليه الصلاة والسلام- أن يجمع بين صلاتي ليله، وصلاتي نهاره في وقت إحدهما، ولم يختلف العلماء أنَّ الجمع بين الصلاتين بالمزدلفة سُنَّة مؤكدة لمن دفع مع الإمام أو بعده، يعني صلاتي ليله.

المُقَدِّم: المغرب والعشاء.

المغرب والعشاء، وصلاتي نهاره الظهر والعصر.

المُقَدِّم: الظهر والعصر.

نعم، قال: ولم يختلف العلماء أنَّ الجمع بين الصلاتين بالمزدلفة سُنَّة مؤكدة لمن دفع مع الإمام، أو بعده، وليس في الحديث ذكر للأذان.

« ثم أقيمت الصلاة فصلى المغرب»، «ثم أقيمت العشاء فصلى» وليس في الحديث ذكر للأذان، بل ذكرت الإقامة للصلاتين فقط، قال الخطابي: استدل به الشافعي على أنَّ الفوائت من الصلوات لا يؤذن لها، وإنما يُقام لها فقط، استدل به الشافعي على أنَّ الفوائت من الصلوات لا يؤذن لها، وإنما يُقام فقط.

أولًا: جاء في الحديث ما يدل على أنَّه أذَّن على ما سيأتي، وهل أذَّن مرة أو مرتين؟ كل هذا سيأتي إن شاء الله تعالى، وأيضًا النبي- عليه الصلاة والسلام- لمَّا فاتته صلاة الصبح حينما نام عنها أمر بلالًا..

المُقَدِّم: فأذَّن.

فأذَّن، فلا يتم استدلال الشافعي بهذا الحديث، وذهب غيره من الفقهاء إلى أنَّه يؤذن للفوائت ويُقام كما يؤذن للصلوات التي يؤذن في أوقاتها المعلومة، وإليه ذهب فقهاء أهل الكوفة، وهو مذهب الإمام أحمد بن حنبل- رحمه الله تعالى-. في حديث جابر في صفة حج النبي- صلى الله عليه وسلم- أولًا: حديث الباب ليس فيه ذكر للأذان، نعم هو حديث في الصحيح، في حديث جابر في صفة حج النبي- صلى الله عليه وسلم- صحيح مسلم: «ثم أذَّن ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما».

المُقَدِّم: هذا في عرفة؟

في عرفة « ثم أذَّن ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر» كم أذان؟

المُقَدِّم: واحد.

أذان واحد، وإقامتان، "ولم يصل بينهما" إلى أن قال جابر- رضي الله عنه- في صفة حج النبي- عليه الصلاة والسلام-: «حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد، وإقامتين». قال النووي: فيه فوائد، أولًا عندنا حديث الباب ليس فيه تعرض..

المُقَدِّم: للأذان.

للأذان، وحديث جابر فيه أذان واحد وماذا؟

المُقَدِّم: وإقامتان.

وإقامتان، في حديث ابن مسعود وهو موقوف عليه في صحيح البخاري، عن ابن مسعود أنَّه حج فأتى المزدلفة فأمر رجلًا فأذَّن وأقام، ثم صلى المغرب، ثم صلى بعدها ركعتين، ثم دعا بعشائه فتعشى، ثم أمر رجلًا فأذَّن وأقام ثم صلى العشاء ركعتين، فيه إيش؟ أذانان وإقامتان، لكنه من فعل..

المُقَدِّم: ابن مسعود.

ابن مسعود، فجاء ما يدل على عدم الأذان بالكلية كحديث الباب، وجاء ما يدل على أنَّه أذان واحد وإقامتان في حديث جابر في صفة..

المُقَدِّم: حج النبي.

حج النبي- عليه الصلاة والسلام-، وجاء ما يدل على..

المُقَدِّم: أذانين وإقامتين.

أذانين وإقامتين.

المُقَدِّم: لكنه فعل صحابي.

من فعل صحابي، وكأنَّه أشار إلى رفعه في بعض الطرق.

المقصود النووي يقول في حديث جابر: فيه فوائد، منها أنَّ السُّنَّة للدافع من عرفات أن يؤخر المغرب إلى وقت العشاء، ويكون هذا التأخير بنية الجمع، ثم يجمع بينهما في المزدلفة في وقت العشاء، وهذا مجمع عليه، لكن مذهب أبي حنيفة وطائفة أنَّه يجمع بسبب النسك، ويجوز لأهل مكة والمزدلفة ومنى وغيرهم يجوز لهم أن يجمعوا، يعني ولو لم توجد مسافة القصر؛ لأنَّ الجمع بسبب النسك على مذهب أبي حنيفة.

يقول النووي: والصحيح عند أصحابنا أنَّه جمع بسبب السفر، فلا يجوز إلا لمسافر سفرًا يبلغ به مسافة القصر، وهو مرحلتان قاصدتان، وللشافعي قول ضعيف أنَّه يجوز الجمع في كل سفر وإن كان قصيرًا، وقال بعض أصحابنا: هذا الجمع بسبب النسك كما قال أبو حنيفة، والله أعلم.

أقول: سبب الخلاف يعني هل بسبب النسك أو بسبب السفر؟ أنَّ النبي- عليه الصلاة والسلام- لم يقل في عرفة، ولا في مزدلفة: أتموا فإنَّا قوم سَفر، يعني ما قال لمن صلى خلفه في عرفة.

المُقَدِّم: رغم أنَّ فيهم أهل مكة.

بما فيهم أهل عرفة.

المُقَدِّم: نعم، وأهل عرفة.

نعم، من الحجاج، ولم يقل في مزدلفة: أتموا فإنَّا قوم سفر، كما قاله في المسجد، لمَّا صلى بالناس في المسجد الحرام، قال: « أتموا فإنَّا قوم سفر»، ولو كان الجمع غير جائز للجميع لقال ذلك، وللقائل بأنَّه من أجل السفر قال: إن مثل هذا لا يحتاج إلى تنبيه؛ لسبق التنبيه عليه في المسجد، يعني التنبيه إذا حصل مرة واحدة يكفي، التنبيه إذا حصل مرة واحدة يكفي، ما يحتاج كل صلاة يقول: أتموا، حصل التنبيه في المسجد، يكفي.

المُقَدِّم: صحيح.

نعم، يعني إذا حصل التنبيه على أمر مهم مرة واحدة، كما قالوا نظيره في قطع الخف، الجمهور قالوا: يقطع الخف، طيب في عرفة ما قال من لم يجد النعلين فليلبس الخفين، وليقطعهما أسفل من الكعبين.

المُقَدِّم: مع أن الجمع أكثر، والأهمية أعظم.

نعم، حضر ناس لم يحضروا بالمدينة، قالوا: مادام حصل التنبيه عليه بالمدينة يكفي، ولا يلزم التنبيه في كل مناسبة، والذي يقول إنَّه لا يلزم قطع الخف قالوا: وإن كان حصل التنبيه إلا أنَّ الحاجة داعية إلى البيان، وتأخير البيان عن مثل هذا الموقف لا يجوز، فكذا هنا. ولكلٍّ وجه.

المُقَدِّم: صحيح.

نعم، ثم قال النووي: قال أصحابنا: ولو جمع بينهما في وقت المغرب في أرض عرفات، يعني غابت الشمس قبل الدفع صلوا المغرب والعشاء؛ لأنَّ الإنسان قد يفعل مثل هذا احتياطًا للصلاة، لماذا؟

المُقَدِّم: زحمة الطريق.

 لأنَّه قد يمسه زحمة الطريق يجلس فيه إلى..

المُقَدِّم: الفجر أحيانًا.

طلوع الوقت، نعم، لانتهاء الوقت.

 قال أصحابنا: ولو جمع بينهما في وقت المغرب في أرض عرفات أو في الطريق أو في موضع آخر وصلى كل واحدة في وقتها جاز جميع ذلك، لكنه خلاف الأفضل، هذا مذهبنا، وبه قال جماعات من الصحابة والتابعين، وقاله الأوزاعي وأبو يوسف وأشهب وفقهاء أصحاب الحديث، وهذا يوافق قول الكرماني السابق الذي تعقب به على الخطابي.

وقال أبو حنيفة وغيره من الكوفيين: يشترط أن يصليهما بالمزدلفة، ولا يجوز قبلها، وهذا يناسب قول الخطابي، وقول العيني الذي رد على الكرماني، نستحضر الكلام السابق لنربط بعضه ببعض.

ولا يجوز قبلها، وقال مالك: لا يجوز أن يصليهما قبل المزدلفة إلا من به أو بدابته عذر، فله أن يصليهما قبل المزدلفة، تعطلت السيارة، يصلي في مكانه، فله أن يصليهما قبل المزدلفة بشرط كونه بعد مغيب الشفق، وهنا يؤكدون على أنَّ الجمع بمزدلفة جمع تأخير، لكن ماذا عمن وصل المزدلفة في أول وقت المغرب مع هذه الوسائل، وتيسر أمره يصل، إذا دفع مع الغروب يصل إلى المزدلفة بمقدار ربع ساعة مثلًا، في أول وقت المغرب، يصلي يبادر بالصلاة أم يؤخر؛ لأنَّهم كلهم ينصون على أنَّ المزدلفة جمع تأخير، وكأنَّهم يلحظون المسافة بين...

المُقَدِّم: عرفات والمزدلفة.

عرفات والمزدلفة في وسائلهم نعم، والمسافة كفيلة بأن..

المُقَدِّم: ما يصل إلا متأخرًا.

إلا أن يكون الوقت..

المُقَدِّم: وقت العشاء.

وقت جمع تأخير، النبي- عليه الصلاة والسلام- لما وصل جمع مزدلفة بادر بالصلاة، فهل نقول: المستحب لمثل هذا أن يجمع جمع تقديم، أو ينتظر ليجمع جمع تأخير؟

يقول: فله أن يصليهما قبل المزدلفة بشرط كونه بعد مغيب الشفق، لا شك أنَّ المسألة مسألة قابلة للنظر، وجمع التأخير هو الحاصل منه- عليه الصلاة والسلام-، فهل الملحوظ كونه جمع تأخير أو كونه لم يصل إلا..

المُقَدِّم: متأخرًا

بعد مغيب الشفق؟ أقول: محل نظر واجتهاد، وللحاج أن يفعل الأرفق بنفسه على أنَّ الأكثر ينصون على أنَّه جمع تأخير فلو أخر لكان أولى.

ومنها: أن يصلي الصلاتين في وقت الثانية، هذا كلام النووي، يعني من الفوائد حديث جابر، ومنها: أن يصلي الصلاتين في وقت الثانية، بأذان للأولى وإقامتين لكل واحدة إقامة، وهذا هو الصحيح عند أصحابنا، وبه قال أحمد بن حنبل وأبو ثور وعبد الملك الماجشون المالكي والطحاوي الحنفي، وقال مالك: يؤذن ويقيم للأولى، ويؤذن ويقيم أيضًا للثانية، وهو محكي عن عمر وابن مسعود، وذكر البخاري في صحيحه خبر ابن مسعود الذي تقدم ذكره أنَّه حج فأتى المزدلفة فأمر رجلًا فأذَّن وأقام، ثم صلى المغرب، ثم صلى بعدها ركعتين، والثابت عن النبي- عليه الصلاة والسلام- أنَّه لم يسبح بينهما، ولم يصل بينهما في حديث الباب وغيره، حديث جابر أيضًا على ما سيأتي.

ثم صلى بعدها ركعتين، ثم دعا بعشائه فتعشى، ثم أمر رجلًا فأذَّن وأقام" فهذا يدل على أذانين وإقامتين، وهذا في البخاري، وأيضًا في البخاري حديث الباب ما فيه أذان إطلاقًا. ومع ذلك يُرجح حديث جابر، لماذا؟ هو في مسلم.

المُقَدِّم: لأنَّه زيادة.

لأنَّ حديث الباب لم يتعرض للأذان بنفي ولا إثبات.

المُقَدِّم: بنفي ولا إثبات وهناك زيادة.

ولم يُعارض حديث جابر، حديث ابن مسعود من اجتهاده، بدليل أنَّه صلى ركعتين بعد المغرب، وهذا اجتهاد لا يُوافق عليه، وإن كان في البخاري، لكن من فعله- رضي الله عنه وأرضاه-، إن أشار إلى أنَّه، وإن أشار إلى ما يدل على رفعه في بعض الروايات. على كل حال حديث جابر مرجح في أعمال النبي- عليه الصلاة والسلام- في حجة الوداع، ولو كانت في البخاري، الأصل أنَّ ما في البخاري مرجح على ما في صحيح مسلم، هذا الأصل، وما في البخاري فائق في الجملة.

المُقَدِّم: نعم.

وما في مسلم مفوق، لكن قد يعرض للمفوق ما يجعله فائقًا، جابر- رضي الله عنه- ضبط الحجة من خروجه- عليه الصلاة والسلام- من المدينة إلى رجوعه إلى المدينة بالتفصيل، وبعض الصحابة ما ضبطوا مثل هذا التفصيل، فدلَّ على أنَّهم غابوا عنه ولزمه، وهذا مُرجح بلا شك.

المُقَدِّم: صحيح.

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: أذان واحد وإقامة واحدة، وللشافعي وأحمد قول أنَّه يصلي كل واحدة بإقامتها بلا أذان، وهو محكي عن القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله بن عمر، يدل عليه حديث الباب لم يذكر فيه..

المُقَدِّم: الأذان.

أذان، وقال الثوري: يصليهما بإقامة واحدة، يقيم للأولى، ولا يقيم للثانية، وهو محكي أيضًا عن ابن عمر، والله أعلم.

ذكر البخاري في صحيحه من حديث ابن عمر «جمع النبي- صلى الله عليه وسلم- بين المغرب والعشاء بجمع كل واحدة منهما بإقامة ولم يسبح بينهما» وهذا مثل حديث الباب، ليس فيه تعرض للأذان بنفي ولا إثبات.

قوله: «ولم يصل بينهما» في صحيح مسلم من حديث جابر،« ولم يسبح بينهما شيئًا» قال النووي: فمعناه أنَّه لم يصل بينهما نافلة، والنافلة تسمى سبحة؛ لاشتمالها على التسبيح، ففيه الموالاة بين الصلاتين المجموعتين، الموالاة.

المُقَدِّم: نعم.

بين الصلاتين المجموعتين، ولا خلاف في هذا، لكن اختلفوا هل هو شرط للجمع أم لا، يعني إذا صلى الأولى ثم عرض له ما يعوقه عن صلاة الثانية، يُلغي الجمع أو يُصلي الثانية بعد ذلك؟ اختلفوا هل هو شرط للجمع أم لا، والصحيح عندنا أنَّه ليس بشرط، بل هو سنة مستحبة، وقال بعض أصحابنا: هو شرط، أمَّا إذا جمع بينهما في وقت الأولى فالموالاة شرط بلا خلاف.

المُقَدِّم: نعم.

بخلاف الثانية، الثانية فصل بينهما.

المُقَدِّم: فأوقعها، أوقع الثانية في وقتها.

ولو في آخره؛ لأنَّه حط الرحال، فوجد الفاصل، يقول: فأمَّا إذا جمع بينهما في وقت الأولى فالموالاة شرط بلا خلاف.

شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- في الفتاوى في الجزء الرابع والعشرين صفحة أربع وخمسين يقول: والصحيح أنَّه لا تسترط الموالاة بحال، لا في وقت الأولى، ولا في وقت الثانية، فإنَّه ليس ذلك حدٌّ في الشرع؛ لأنَّ مراعاة ذلك يسقط مقصود الرخصة، وذكر قبل ذلك في المسألة ثلاثة أقوال:

لا تشترط في الموضعين، تشترط في الأولى دون الثانية، تشترط الموالاة في الموضعين كما يشترط الترتيب.

الآن البخاري خرَّج الحديث في خمسة مواضع.

المُقَدِّم: المواضع إن أذنتم نتركها في حلقة قادمة إن شاء الله يا شيخ؛ لأنَّها تحتاج إلى وقت.

لا بأس.

المُقَدِّم: فنسأل الله تعالى أن يجزيكم خيرًا، ويوفقنا وإيَّاكم لكل خير.

 أيُّها الإخوة والأخوات، بهذا نصل وإيَّاكم إلى ختام هذه الحلقة في شرح كتاب" التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح"، لنا بكم لقاء بإذن الله تعالى في حلقة قادمة، وأنتم على خير، شكرًا لطيب المتابعة.

 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.