شرح العقيدة الطحاوية (29)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ما جاء إبراهيم؟
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا واجزه عنا خير الجزاء برحمتك يا أرحم الراحمين، قال الطحاوي رحمه الله تعالى:
ومن لم يتوق النفي والتشبيه زل ولم يصب التنزيه.
قال الإمام ابن أبي العز رحمه الله تعالى: النفي والتشبيه مرضان من أمراض القلوب فإن أمراض القلوب نوعان مرض شبهة ومرض شهوة وكلاهما مذكور في القرآن قال تعالى: {فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ}[الأحزاب:32] فهذا مرض الشهوة وقال تعالى: {فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً}[البقرة:10] وقال تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ}[التوبة:125] فهذا مرض الشبهة وهو أردأ من مرض الشهوة إذ مرض الشهوة يرجى له الشفاء بقضاء الشهوة ومرض الشبهة لا شفاء له إن لم يتداركه الله برحمته.
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، يقول المصنف- رحمه الله تعالى- ومن لم يتوق النفي والتشبيه، النفي الذي هو التعطيل والتشبيه معروف وهو إما تشبيه للخالق بالمخلوق أو للمخلوق بالخالق، زل ولم يصب التنزيه، التنزيه هو الجري مع ما أثبته الله- جل وعلا- لنفسه وما نفاه عن نفسه فنُثبت ما أثبته الله ورسوله له جل وعلا على ما يليق بجلاله وعظمته من غير تعرّض إلى تكييف ولا تشبيه وإنما على حد قوله جل وعلا: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِير}[الشورى:11] ثم ذكر الشارح رحمه الله تعالى أن القلوب تمرض ومرضها بسبب الشهوة أو بسبب الشبهة وهذا هو المرض المعنوي، وهناك مرض حسي يصيب القلوب تنفع فيه الأدوية والعلاجات والعقاقير وأما الأمراض المذكورة هنا فلا نفع فيها إلا للنصوص وللشرع، ثم ذكر رحمه الله أن مرض الشبهة أردأ من مرض الشهوة إذ مرض الشهوة يرجى له الشفاء بقضاء الشهوة، يعني إذا قضى شهوته وعاد إلى رشده قد يثوب عن غيه ويتوب وهو يعلم أنه مخطئ، بينما مرض الشبهة لا يعرف أنه مخطئ وإذا لم يعرف الإنسان أنه مريض ما سعى في العلاج والذي يعرف أنه مريض يسعى في علاج نفسه.
والشبهة التي في مسألة الصفات نفيها وتشبيهها وشبهة النفي أردأ من شبهة التشبيه فإن شبهة النفي رد وتكذيب لما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
يعني يثبت الرسول -عليه الصلاة والسلام- لله أسماء وصفات من كلام الله وكلام رسوله -عليه الصلاة والسلام- على ما يليق بجلاله وعظمته، والنفاة يقولون ما له شيء هذا تكذيب لله ورسوله بلا شك وهذا أمره عظيم.
وشبهة التشبيه غلو ومجاوزة للحد في..
يعني إثبات ما أثبته الله لنفسه مع المجاوزة والغلو فيها، ولا شك أن الإنكار والنفي بالكلية أعظم من الإثبات مع التجاوز والغلو؛ لأن فيه نوع حق وباطل وأما بالنسبة للنفي فكله باطل ليس فيه حق وكلاهما- نسأل الله السلامة والعافية- خطر عظيم، السلف كفروا النفاة من الجهمية ونُقل تكفيرهم عن أكثر من خمسمائة عالم وكفروا أيضًا المشبهة.
وشبهة التشبيه غلو ومجاوزة للحد فيما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- وتشبيه الله بخلقه كفر فإن الله تعالى يقول: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}[الشورى:11] ونفي الصفات كفر فإن الله تعالى يقول: {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِير}[الشورى:11] وهذا أحد نوعي التشبيه فإن التشبيه نوعان تشبيه الخالق بالمخلوق وهذا الذي يتعب أهل الكلام في رده وإبطاله.
لأنه نقيض ما يعتقدون، نقيض مناقضة تامة لما يعتقدون لأن مذهبهم التعطيل.
وأهله في الناس أقل من النوع الثاني الذين هم أهل تشبيه المخلوق بالخالق كعبَّاد المسيح وعزير والشمس والقمر والأصنام والملائكة والنار والماء والعجل والقبور والجن وغير ذلك.
هؤلاء شبهوا المخلوق بالخالق، رفعوا المخلوق عن منزلته اللائقة به إلى منزلة الخالق نسأل الله العافية.
وهؤلاء هم..
لحظة.
طالب: ............
لا، العكس يقال عن المعطلة أنهم كانوا مشبهة ثم انطلقوا إلى التعطيل ما وصلوا إلى مرحلة التعطيل إلا بعد أن شبهوا الخالق بالمخلوق.
طالب: ............
هم نفوا الكيفية؟ أثبتوا الكيفية، المشبهة أثبتوا الكيفية.
طالب: ............
وش لون نفوها؟
طالب: ............
يعني نفوا الصفة الحقيقية لله جل وعلا اللائقة بجلاله وعظمته من هذه الحيثية لا بأس.
وهؤلاء هم الذين أرسلت إليهم الرسل يدعونهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له.
قوله فإن ربنا جل وعلا موصوف بصفات الوحدانية منعوت بنعوت الفردانية ليس في معناه أحد من البرية.
يشير الشيخ رحمه الله إلى أنه تنزيه الرب تعالى هو وصفه كما وصف نفسه نفيًا وإثباتًا وكلام الشيخ هنا مأخوذ من معنى سورة الإخلاص فقوله موصوف بصفات الوحدانية مأخوذ من قوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد}[الإخلاص:1] وقوله منعوت بنعوت الفردانية من قوله تعالى: {اللَّهُ الصَّمَد * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَد}[الإخلاص:2-3] وقوله ليس في معناه أحد من البرية من قوله تعالى: {وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَد}[الإخلاص:4] وهو أيضًا مؤكِّد لما تقدم من إثبات الصفات ونفي التشبيه والوصف والنعت مترادفان وقيل متقاربان فالوصف للذات والنعت للفعل وكذلك..
خلاف بين أهل العلم في وجود المترادف في اللغة، الترادف الكلي من كل وجه منهم من يثبت المترادف وأن هذه الكلمة بإزاء هذه الكلمة مطابقة، ومنهم من يقول لا يوجد في لغة العرب شيء اسمه ترادف وإنما يوجد تقارب في المعاني وتشابه وإن لم يكن تطابقا من كل وجه، ولأبي هلال العسكري كتاب نفيس في هذا الباب اسمه الفروق اللغوية، الكلمات التي قيل إنها مترادفة أو من المترادف ذكرها وأوجد بينها بعض الفروق الدقيقة التي لا يُطلع عليها إلا بالمناقيش من كتب اللغة، فهو كتاب نفيس، وقال المؤلف: والوصف والنعت مترادفان يعني على قول مثل قعد وجلس، قعد وجلس بينهما فرق أو لا فرق بينهما؟ يعني على القول بالترادف مترادفان يصلح هذا بمكان هذا وهذا بمكان هذا لكن لا شك أن هناك فروق دقيقة بين مثل هذه الألفاظ، ومراجعة كتاب الفروق لأبي هلال نافعة جدًا في هذا الباب يقولون قعد يكون من قيام وجلس قد يكون من قيام وقد يكون من اضطجاع، وقيل في الفرق بينهما وقيل متقاربان إذا قيل متقاربان فالوصف له معنى وإن كان قريبًا من النعت والنعت له معنى يشتركان في شيء ويختلفان في شيء، فالوصف للذات والنعت للفعل، ومنهم من يقول الوصف للصفات النعت للصفات الثابتة والوصف للصفات الطارئة إلى غير ذلك مما أثبته أهل العلم من الفرق بينهما.
وكذلك الوحدانية والفردانية وقيل في الفرق بينهما إن الوحدانية للذات والفردانية للصفات والفردانية..
فتكون الوحدانية وصف والفردانية نعت على التفريق السابق.
والفردانيةَ للصفات فهو تعالى متوحد في ذاته متفرد بصفاته وهذا المعنى حق ولم ينازع فيه أحد ولكن في اللفظ نوع تكرير وللشيخ رحمه الله نظير هذا التكرير في مواضع من العقيدة وهو بالخطب والأدعية أشبه منه بالعقائد.
يعني تحتاج إلى تفصيل وزيادة توضيح يحسن التكرير وإنما العقائد يجب أن تكون أو ينبغي أن تكون كتبها محررة متقنة لا زيادة في اللفظ ولا نقص عن المعاني.
وهو بالخطب والأدعية أشبه منه بالعقائد والتسجيع بالخطب أليق وليس كمثله شيء أكمل في التنزيه من قوله ليس في معناه أحد من البرية قوله..
المقارنة بين كلام المؤلف رحمه الله تعالى وبين سورة الإخلاص التي هي ثلث القرآن يعني مقارنة مع الفارق الكبير، يعني لا يمكن أن ينزل أسلوب البشر أو تعابيرهم على أسلوب القرآن الكريم الذي هو من الفصاحة والبلاغة في الذروة، لكن هناك مطابقة أو هناك انتقاء أو هناك أيضًا استنباط من الفاتحة لهذه المعانية التي ذكرها المؤلف والمعنى المستنبط لا يتصور أن يكون بمنزلة ما استُنبط منه.
قوله وتعالى عن الحدود والغايات والأركان والأعضاء والأدوات لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات أذكر بين يدي الكلام على عبارة الشيخ رحمه الله مقدمة وهي أن للناس في إطلاق مثل هذه الألفاظ ثلاثة أقوال فطائفة تنفيها وطائفة تثبتها وطائفة..
لأنها لها معاني صحيحة ولها معاني غير صحيحة، فمن أثبتها من أهل العلم لحظ المعنى الصحيح ومن نفاها لحظ المعنى غير الصحيح، وفي مثل هذه الألفاظ المحتملة الأولى تجنبها وعدم ذكرها؛ لأن كل يتمسك منها بما يريد ولذلكم لو قرأتم في شروح الطحاوية التي شرحها بعض من فيه شوب بدعة لرأيتم كيف جيَّر هذه الألفاظ لمذهبه لأنها محتمِلة؛ لأن الطحاوية شرحت شروحا كثيرًا منها ليس على منهج السنة والجماعة، ومنها ما هو على منهج الأشاعرة كلها موجودة يعني.
وطائفة تفصِّل وهم المتبعون للسلف فلا يطلقون نفيها ولا إثباتها إلا إذا بُيِّن ما أُثبت بها فهو ثابت وما نُفي بها فهو منفي لأن المتأخرين قد صارت هذه الألفاظ في اصطلاحهم فيها إجمال وإبهام كغيرها من الألفاظ الاصطلاحية فليس كلهم يستعملها في نفس معناها اللغوي ولهذا كان النفاة ينفونها حقًا وباطلاً ويذكرون عن مثبتيها ما لا يقولون به وبعض المثبتين لها يدخل فيها معنى باطلاً مخالفًا لقول السلف ولما دل عليه الكتاب والميزان ولم يرد نص من الكتاب ولا من السنة بنفيها ولا إثباتها وليس لنا أن نصف الله تعالى بما لم يصف به نفسه ولا وصفه به رسوله -صلى الله عليه وسلم- نفيًا ولا إثباتًا وإنما نحن..
وهذه الألفاظ التي وردت في كلام المصنف رحمه الله لم يرد بها نص وإنما تفهم من بعض النصوص على رأي يفهم إثباتها ويفهم نفيها كما سيأتي في كلام أهل العلم من المتقدمين من أهل السنة.
وإنما نحن متبعون لا مبتدعون فالواجب أن ينظر في هذا الباب أعني باب الصفات فما أثبته الله ورسوله أثبتناه وما نفاه الله ورسوله نفيناه والألفاظ التي ورد بها النصف يعتصم بها في الإثبات والنفي فنثبت ما أثبته الله ورسوله من الألفاظ والمعاني وننفي ما نفته نصوصهما من الألفاظ والمعاني وأما الألفاظ التي لم يرد نفيها ولا إثباتها لا تطلق حتى ينظر في مقصود قائلها فإن كان معنى صحيحًا قُبِل لكن ينبغي التعبير عنه بألفاظ النصوص دون الألفاظ المجملة إلا عند الحاجة.
لهذا الباب مزلة قدم، لا ينبغي للمسلم أن يسترسل فيه، بل يعتصم بالكتاب والسنة فيثبت ما أثبته الله لنفسه وأثبته له رسوله بالحرف، والمعاني معروفة لكن التوسع في مثل هذا والاستطراد فيه قد يقود إلى التعرض للكيفيات الذي هو المحظور والذي هو مؤدٍّ على التشبيه، فعلى الإنسان أن يعتصم بالكتاب والسنة يثبت ما أثبته الله لنفسه وينفي ما نفاه الله عن نفسه.
إلا عند الحاجة مع قرائن تبين المراد والحاجة مثل أن يكون الخطاب مع من لا يُتم المقصود.
يَتم.
مع من لا يَتم المقصود معه إن لم يخاطَب بها.
يعني إذا درج على اصطلاحات كلامية تريد أن تناقشه مثل ما كان شيخ الإسلام يفعله يناقشهم بخطابهم بأسلوبهم بطريقتهم بعلمهم بفنهم ويفند أقوالهم بتناقض أقوالهم وبالنصوص الثابتة عن الله وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام- ولذا قال ابن القيم رحمه الله:
ومن العجيب أنه بسلاحهم |
|
أرداهم نحو الحضيض الداني |
هذا إذا كانت الضرورة ملجئة إلى معرفة أقوالهم وقواعدهم وضوابطهم وما درجوا عليه وما أسسوا وقعّدوا مذاهبهم عليه ولكن هذا لا يتسنى لكل أحد لأنه يخشى على طالب العلم إذا ولج مع هذا الباب لا يستطيع أن يخرج منه.
والشيخ رحمه الله تعالى أراد الرد بهذا الكلام على المشبهة كداود الجواربي وأمثاله القائلين إن الله جسم وإنه جثة وأعضاء وغير ذلك- تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيرًا- فالمعنى الذي أراده الشيخ رحمه الله من النفي الذي ذكره هنا حق ولكن حدث بعده من أدخل في عموم نفيه حقًّا وباطلاً فيُحتاج إلى بيان ذلك وهو أن السلف متفقون على أن البشر لا يعلمون لله حدًّا وأنهم لا يحدون شيئًا من صفاته قال أبو داود الطيالسي كان سفيان وشعبة وحماد بن زيد وحماد بن سلمة وشُريك..
شَريك.
وشَريك وأبو عوانة لا يحدّون ولا يشبهون ولا يمثلون، يروون الحديث ولا يقولون كيف وإذا سئلوا قالوا بالأثر وسيأتي في كلام الشيخ وقد أعجز عن الإحاطة خلقه فعُلم أن مراده أن الله يتعالى عن أن يحيط أحد بحده لا أن المعنى أنه غير متميز عن خلقه منفصل عنهم مباين لهم سئل عبد الله بن المبارك بم نعرف ربنا.
يعني من أثبت الحد قال أنه منفصل عن خلقه بائن عنهم غير مختلط بهم هذا معنى الحد عنده مثل ما قال المؤلف- رحمه الله تعالى- لا أن المعنى أنه غير متميز عن خلقه منفصل عنهم مباين لهم، الله- جل وعلا- على عرشه مستو على عرشه بائن من خلقه.
طالب: ............
لا أن المعنى.
طالب: ............
وإذا سئلوا قالوا بالأثر وسيأتي في كلام الشيخ وقد أعجز عن الإحاطة خلقه فعُلم أن مراده أنه تعالى يتعالى عن أن يحيط أحد بحده لا أن المعنى أنه غير متميز الله- جل وعلا -يتعالى أن يحيط أحد بحده، لا أنه غير متميز عن خلقه هو متميز عن خلقه بائن منهم بائن من خلقه.
طالب: ............
أي طبعة التي معك؟ ارفعها ارفعها.
طالب: ............
مثل التي معك؟
طالب: لا، أنا عندي لا أن المعنى.
إيه عندك.. لأن؟ غلط.
سئل عبد الله بن المبارك بم نعرف ربنا؟ قال بأنه على العرش بائن من خلقه قيل بحد؟ قال بحد انتهى ومن المعلوم أن..
والمراد بالحد التميز والانفصال عن الخلق والبينونة منهم لا أنه الإحاطة لأن الحد في الأصل الذي هو التعريف المميز للمعرَّف المحدود والذي بمعناه أنه يحيط به من جميع متطلباته؛ ولذلك الحد يجب أن يكون جامعا مانعا إن كان هذا هو المراد فهو منفي عن الله- جل وعلا-.
ومن المعلوم أن الحد يقال على ما ينفصل به الشيء ويتميز به عن غيره والله تعالى غير حالٍّ في خلقه ولا قائم بهم بل هو القيوم القائم بنفسه المقيم لما سواه فالحد بهذا المعنى لا يجوز أن يكون فيه منازعة في نفس الأمر أصلاً فإنه ليس وراء نفيه إلا نفي..
وراء نفيِهِ.
فإنه ليس وراء نفيِهِ إلا نفي وجود الرب ونفي حقيقته.
وهذا مآل مذهب المعطلة الذين عطلوا الله عن صفاته، مآلهم أنهم عبدوا عدما؛ لأنه لا يتصور في الواقع شيء متجرد عن الصفات.
وأما الحد بمعنى العلم والقول وهو أن يحده وهو أن يحده العباد فهذا منتفٍ بلا منازعة بين أهل السنة قال أبو القاسم القشيري في رسالته سمعت الشيخ أبا عبد الرحمن..
عبدِ.
سمعت الشيخ أبا عبدُ الرحمن..
عبدِ الرحمن.
أبي؟
أبا عبدِ الرحمن عبدِ مضاف إليه.
أحسن الله إليك.
سمعت الشيخ أبا عبدِ الرحمن السلمي سمعت منصور بنِ عبد الله..
ابنَ.
سمعت منصور بنَ عبد الله سمعت أبا الحسن العنبري سمعت سهل بن عبد الله التستري يقول وقد سئل عن ذات الله فقال: ذاتُ الله موصوفة بالعلم غير مدركة بالإحاطة ولا مرئية بالأبصار في دار الدنيا وهي موجودة بحقائق الإيمان من غير حد ولا إحاطة ولا حلول وتراه العيون في العقبى.
يعني في الآخرة في الجنة.
ظاهرًا في ملكه وقدرته قد حجب الخلق عن معرفة كنه ذاته ودلهم عليه بآياته فالقلوب تعرفه والعيون لا تدركه ينظر إليه المؤمنون بالأبصار من غير إحاطة ولا إدراك نهاية.
يعني كما تقدم في إثبات الرؤية، رؤية المؤمنين لربهم جل وعلا في الآخرة.
وأما لفظ الأركان والأعضاء والأدوات فيتسلط بها النفاة على نفي بعض الصفات الثابتة بالأدلة القطعية كاليد والوجه قال أبو حنيفة..
والتعبير بهذه الألفاظ يريد به المعطلة التنفير من مذهب أهل السنة، وأنهم إذا أثبتوا الصفات أثبتوا أعضاء وأركان وأدوات لله جل وعلا فينفِّرون من مذهب أهل السنة الذي مقتضاه إثبات ما أثبته الله جل وعلا لنفسه على ما يليق بجلاله وعظمته؛ ولذا يقول الرازي في تفسيره: وقد صنَّف في أعضاء الله يعني في صفاته، وقد صنف في أعضاء الله رجل يقال له محمد بن إسحاق بن خزيمة صنف كتابًا سماه كتاب التوحيد وهو بالشرك أليق- نسأل الله العافية- ثم أخذ يذم إمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة فيوردون مثل هذه الألفاظ من أجل التنفير.
قال أبو حنيفة رضي الله عنه في الفقه الأكبر له يد ووجه ونفس كما ذكر تعالى قي القرآن من ذكر اليد والوجه والنفس فهو له صفة بلا كيف ولا يقال إن يده قدرته ونعمته.
يعني خلافًا لمن أول اليد بالقدرة والنعمة مع أن من معانيها القدرة ومن معانيها النعمة له يد يعني له نعمة عليه {بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ}[الذاريات:47] يعني بقوة على كل حال المعاني المتعددة للفظ الواحد يجب أن تنزل هذه المعاني على مواطنها ومواضعها اللائقة بها، من الغلط أن يرجع إلى كتب اللغة التي تتحدث في متن اللغة وتشرح الكلمات والمفردات التي لها أكثر من معنى في بعض في بعض الألفاظ له أكثر من عشرة معاني، وقد يكون اللفظ واردا في القرآن أو في السنة ثم يُنزَّل اللفظ القرآني أو اللفظ النبوي على أحد المعاني التي هي في الأصل غير مقصودة من الشارع، ولذلك الكلام في غريب القرآن وغريب الحديث أمره خطير وشديد كما قال الإمام أحمد حري بالتوقي جدير بالتحري، والسلف يهابون الكلام في الحديث أو في القرآن من غير علم حتى ولو رجعت إلى المعاجم اللغوية؛ لأنها قد تنزل اللفظة في غير منزلتها، تنزل المعنى على هذا وتقول أن هذا مراد الله من هذه الكلمة أو هذا مراده رسوله -عليه الصلاة والسلام- من هذه الكلمة؛ ولذلك لا يجوز لأحد أن يفسر القرآن حتى تكتمل لديه الآلات وكذلك السنة لأن بعض الناس يكون متخصصا باللغة ثم يشرح الحديث على مقتضى تخصصه وهو لا يستطيع أن ينزل هذه الكلمة في موضعها من هذا الحديث، يأخذ أدنى لفظ أو أدنى معنى لهذا اللفظ ويقول هذا مراده، إذا شرح الحديث كأنه يقول هذا مراد النبي -عليه الصلاة والسلام- من هذه الكلمة وهذا لا يجوز بحال.
ولا يقال إن يده قدرته ونعمته لأن فيه إبطال الصفة انتهى وهذا الذي قاله الإمام رضي الله عنه ثابت بالأدلة القاطعة قال تعالى{مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}[ص:75] وقال تعالى {وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ}[الزمر:67] وقال تعالى {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ}[القصص:88] وقال تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَام}[الرحمن:27] وقال تعالى: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ}[المائدة:116] وقال تعالى {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ}[الأنعام:54] وقال تعالى:{وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي}[طه:41] وقال تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ}[آل عمران:30] وقال -صلى الله عليه وسلم-..
من غلاة الجهمية من قال إن موسى عليه السلام مشبه يقول {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ}[المائدة:116] عيسى عليه السلام قال إنه مشبه {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ}[المائدة:116] فشبه الله بنفسه وشبهه بخلقه الذي له النفوس فسبحان الله! نسأل الله العافية.
وقال -صلى الله عليه وسلم- في حديث الشفاعة لما يأتي لما يأتي الناس آدم فيقولون له خلقك الله بيده وأسجد لك ملائكته وعلمك أسماء كل شيء الحديث ولا يصح تأويل من قال إن المراد باليد القدرة فإن قوله {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}[ص:75] لا يصح أن يكون معناه بقدرتَيَّ مع تثنية اليد لا يصح أن يكون معناه بقدرتِيْ مع تثنية اليد.
لا، بقدرتَيَّ.
بقدرتَيَّ أحسن الله إليك؟
لا يصح أن يكون معناه بقدرتَيَّ مع تثنية اليد ولو صح ذلك لقال إبليس وأنا أيضًا خلقتني بقدرتك فلا فضل له عليَّ بذلك فإبليس مع كفره كان أعرف بربه من الجهمية ولا دليل لهم في قوله تعالى..
التثنية فيها من التنصيص على المراد ما لا يوجد في في الإفراد والجمع {مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}[ص:75] من يقول بنعمتَيَّ بقدرتَيَّ من يقول مثل هذا؟! يعني إذا جاز تأويل الجمع والمفرد بالنعمة والقدرة فلا يمكن تأويل التثنية، ومثل ما قال إبليس مع كفره أعرف بربه من الجهمية، الله جل وعلا خلق وقدرته شاملة وعامة لكل شيء فلماذا خُصَّ بها آدم دون إبليس، لو كان المراد القدرة مثل ما قال المؤلف ولو صح ذلك لقال إبليس وأنا أيضًا خلقتني بقدرتك، ما الفرق بينه وبينه؟! ما وجه الفضل لآدم على إبليس؟! كلهم خلقوا بالقدرة لو كان المراد باليد القدرة هنا.
ولا دليل لهم في قوله تعالى {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُون}[يس:71] لأنه تعالى جمع الأيدي لأنه تعالى جمع الأيدي لما أضافها إلى ضمير الجمع ليتناسب الجمعان اللفظيان للدلالة على الملك والعظمة ولم يقل أيدِيَّ مضاف إلى ضمير المفرد ولا يدَيْنا بتثنية اليد مضافة إلى ضمير الجمع فلم يكن قوله {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا}[يس:71] نظير قوله {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}[ص:75] وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ربه عز وجل «حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه..».
سبحاتُ.
«لو كشفه لأحرقت سبحاتُ وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه» ولكن لا يقال لهذه الصفات إنها أعضاء أو جوارح أو أدوات أو أركان لأن الركن جزء الماهية والله تعالى هو الأحد الصمد لا يتجزأ سبحانه وتعالى والأعضاء فيها معنى التفريق والتعضية تعالى الله عن ذلك ومن هذا المعنى قوله تعالى {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِين}[الحجر:91] والجوارح فيها معنى الاكتساب والانتفاع وكذلك الأدوات هي الآلات التي ينتفع بها التي يُنتفع بها في جلب المنفعة ودفع المضرة وكل هذه المعاني منتفية عن الله تعالى ولهذا لم يرد ذكرها في صفات الله تعالى فالألفاظ الشرعية..
سبب انتفائها عدم ورودها في كتاب الله ولا في سنة رسوله -عليه الصلاة والسلام- ولا يقول بها إلا من مر بمرحلة التشبيه، الذي يقول بها لا بد أن يكون مر بمرحلة تشبيه، فهو يتصور المخلوق الذي له يد وله رجل وله كذا وله كذا من الأعضاء المعروفة حينما تتصورون هذا إذا ذبحت البهيمة تفصل أعضاء اليد على حدة، والرجل على حدة، والجنب على حدة، والرأس على حدة، تفصل أعضاء ولذلك قال والأعضاء فيها معنى التفريق والتعضية يعني التقطيع هذا مشاهد معروف في البهائم إذا ذبحت وفرِّقت أجزاء لكن تعالى الله عن ذلك، تعالى الله وتقدس عن ذلك علوًّا كبيرًا.
فالألفاظ الشرعية صحيحة المعاني سالمة من الاحتمالات الفاسدة فلذلك يجب ألا يعدل عن الألفاظ الشرعية نفيًا ولا إثباتًا لئلا يثبَت معنى فاسدًا أو ينفى معنى صحيحًا.
وين صحيحًا؟
أو صحيح..
عندك.
صحيح نعم.
لئلا يثبت معنى فاسد أو ينفى معنى صحيح وكل هذه الألفاظ المجملة عرضة للمحق والمبطل وأما لفظ الجهة.
الألفاظ المجملة التي تحتمل حقا وباطلا التي يرتكبها من يرتكبها من أهل البدع للتوصل إلى ما يريدون في حال النفي يصورونها بالمعنى الباطل ثم يلبَّسون بها على نفي الحق مادام نفيا احتملت معنى باطلاً وتنفى بالكلية عندهم.
وأما لفظ الجهة فقد يراد به ما هو موجود وقد يراد به ما هو معدوم ومن المعلوم أنه لا موجود إلا الخالق والمخلوق فإذا أريد بالجهة أمر موجود غير الله تعالى كان مخلوقًا والله تعالى لا يحصره شيء ولا يحيط به شيء من المخلوقات تعالى الله عن ذلك وأن أريد بالجهة أمر عدمي وهو ما فوق العالم فليس هناك إلا الله وحده فإذا قيل إنه في جهة بهذا الاعتبار فهو صحيح ومعناه أنه فوق العالم حيث انتهت المخلوقات فهو فوق الجميع عالٍ عليه.
إن أريد بالجهة العلو جهة العلو فهذا حق، فصفة العلو ثابتة لله جل وعلا بأكثر من ألف دليل كما قال ابن القيم، إن أريد بالجهة لأن الجهات ست كما هو معلوم جهة العلو ثابتة لله جل وعلا وأنه تعالى عالٍ على خلقه بائن منهم مستو على عرشه، هذا محل إجماع وإن أريد بالجهة أن المخلوقات تحيط به وتقله وتظله لا شك أن هذا باطل.
ونفاة لفظ الجهة الذين يريدون بذلك نفي العلو يذكرون من أدلتهم أن الجهات كلِّها مخلوقة.
كلَّها.
أحسن الله إليك.
أن الجهاتِ كلَّها مخلوقة وأنه كان قبل الجهات وأن من قال إنه في جهة يلزمه القول بقِدَم شيء من العالَم أو أنه كان مستغنيًا عن الجهة ثم صار فيها وهذه الألفاظ ونحوها إنما تدل على أنه ليس في شيء من المخلوقات سواء سمي جهة أو لم يسمّ وهذا حق ولكن الجهة ليس أمرًا وجوديًّا بل أمر اعتباري ولا شك أن الجهات لا نهاية لها وما لا يوجد فيها لا نهاية له فليس بموجود وقول الشيخ رحمه الله تعالى لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات.
والمخلوقات لا بد أن توجد في جهة من الجهات الست، وقول المؤلف رحمه الله لا تحويه الجهات الست كسائر.. تحويه بمعنى أنها تظله أو تقله هذا كلام حق بلا شك، ونفي جميع الجهات بما في ذلك جهة العلو التي أثبتها الله لنفسه من غير لفظ جهة الكلام على العلو، العلو ثابت لله- جل وعلا- والعلو جهة فمن أثبته بهذا الاعتبار فهو صحيح.
طالب: ...................
الجهات لا نهاية لها، أنت إذا ذهبت من جهة الشرق مثلاً أين تنتهي؟ تدور ما لا نهاية وكذلك سائر الجهات.
طالب: ...................
وما لا يوجد فيها ما لا يوجد وين يروح؟ من ليس في هذه الجهات أين يذهب؟ له وجود؟ لا، ما له وجود.
طالب: ...................
وما لا يوجد فيها يعني في الجهات كلها في الجهات كلها وين يروح؟
طالب: ...................
لا نهاية له وما لا يوجد فيها لا نهاية له يعني لا وجود له، أنت الآن عندك طفل وأنت مغلق الأبواب محكم الأبواب وبحثت عنه في بيتك وين يروح؟ أكيد أنه فتح له مجاله وخرج من البيت وإلاَّ أين يذهب والباب مغلق في مكان محصور، وكذلك إذا كان في مكان غير محصور لا بد أن يكون هناك نهاية وإلا لا يكون موجود أصلاً، وما لا يوجد فيها يعني في الجهات الست إلى أين يذهب؟ كان هذا لا نهاية له فليس بموجود إذًا، لا بد أن يكون الموجود في جهة والجهة لم ترد في النصوص لكن مستنبطة من العلو، ولو قلنا تسمية الجهات الشمال والجنوب والشرق والغرب والفوق والتحت كلها تسميتها جهات محدثة لكن لا بد منها، لا نعرفها إلا بهذه التسمية إذًا العلو جهة، والله- جل وعلا- في العلو عالٍ مستو على عرشه بائن من خلقه، عالٍ على خلقه إلى آخره، يعني في جهة العلو كما دلت على ذلك الأدلة القطعية من الكتاب والسنة.
طالب: ...................
بائن منهم.
وقال الشيخ رحمه الله تعالى لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات هو حق.
سائر المبتدعات يعني المخلوقات.
باعتبار أنه لا يحيط به شيء من مخلوقاته بل هو محيط بكل شيء وفوقه وهذا المعنى هو الذي أراده الشيخ رحمه الله.
لو لم يأت بسائر لكان أولى لا تحويه الجهات الست مع أن في كلامه ما يستدرك أن العلو جهة وهو من الست ونفيه عن الله- جل وعلا- نفي لما أثبته الله لنفسه كسائر المبتدعات يعني كسائر المخلوقات وسائر يعني باقي فالأسلوب فيه ما فيه؛ لأنه إذا قلنا كسائر كباقي وين البقية إلا إذا كان بالاعتبار ما يعود إليه الضمير وهو الله- جل وعلا- لا تحويه وهذا ليس بصحيح.
طالب: الأولى أن يقول كالمبتدعات يا شيخ؟
كالمخلوقات أوضح مع أن الجملة كلها معترضة، تحويه الجهات يعني نفي للجهات كلها بما فيها العلو، وإن كان الاحتواء بمعنى أنها تظله وتقله وتحويه بمعنى أنها تحيط به هذا منفي من الجهات كلها وهذا ليس مراد الشارح إن شاء الله.
وهذا المعنى هو الذي أراده الشيخ رحمه الله لما يأتي في كلامه أنه تعالى محيط بكل شيء وفوقه فإذا جُمع بين كلاميه وهو قوله لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات وبين قوله محيط بكل شيء وفوقه عُلم أن مراده أن الله تعالى لا يحويه شيء ولا يحيط به شيء كما يكون لغيره من المخلوقات وأنه تعالى هو المحيط بكل شيء العالي على كل شيء لكن بقي في كلامه شيئان أحدهما أن إطلاق مثل هذا اللفظ مع ما فيه من الإجمال والاحتمال كان تركه أولى وإلا تُسُلِّط عليه وأُلْزِمَ بالتناقض في إثبات الإحاطة والفوقية ونفي جهة العلو وإن أجيب عنه بما تقدم من أنه إنما نفى أن يحويه شيء من مخلوقاته فالاعتصام بالألفاظ الشرعية أولى.
الاعتصام بالألفاظ الشرعية الواردة في الكتاب والسنة وترك الألفاظ المجملة المحتملة وإن كان لها معاني صحيحة لأن المبتدع يتمسك بالمعاني الأخرى لهذه الكلمة.
الثاني: أن قوله كسائر المبتدعات يفهم منه أنه ما من مبتدَع إلا وهو محوي وفي هذا نظر فإنه إن أراد أنه محوي بأمر وجودي فممنوع فإن العالَم ليس في عالم آخر وإلا..
هذا الحاوي لذلك المحوي لا بد أن يكون محوي بأمر آخر ثم يلزم من ذلك التسلسل.
وإن أراد أمرًا عدميًّا فليس كل مبتدَع في العدم بل منها ما هو داخل في غيره كالسموات والأرض في الكرسي ونحو ذلك ومنها ما هو منتهى المخلوقات كالعرش فسطح العالَم ليس في غيره من المخلوقات قطعًا للتسلسل كما تقدم ويمكن أن يجاب عن هذا الإشكال بأن سائر بمعنى البقية لا بمعنى الجميع هذا أصل معناه ومنه السؤر وهو ما يبقيه الشارب في الإناء فيكون مراده غالب المخلوقات.
ومنه قول الفقهاء وسؤر الهرة وما دونها في الخِلْقة طاهر يعني بقية الشراب الذي يبقى في الإناء أو الطعام الذي يبقى في الإناء بعد ما تشربه أو تأكله.
فيكون مراده غالب المخلوقات لا جميعها إذ السائر على الغالب أدل منه على الجميع فيكون المعنى أن الله تعالى غير محوي كما يكون أكثر المخلوقات محويًا بل هو غير محوي بشيء تعالى الله عن ذلك ولا يُظن بالشيخ رحمه الله تعالى أنه ممن يقول إن الله ليس داخل العالَم ولا خارجه بنفي النقيضين كما ظنه بعض الشارحين بل مراده أن الله.
النقيضان كما هو معلوم لا يرتفعان ولا يجتمعان.
بل مراده أن الله تعالى منزَّه عن أن يحيط به شيء..
كما ظنه بعض الشارحين يعني لعقيدته عقيدة الطحاوي لأنه شرحها من أهل السنة جمع ومن غيرهم أيضًا شرحها كثير.
بل مراده أن الله تعالى منزَّه عن أن يحيط به شيء من مخلوقاته أو أن يكون مفتقرًا إلى شيء منها العرشِ..
كالعرشِ..
العرشُ..
كالعرش..
أحسن الله إليك عندنا بدون كاف.
كالعرشِ أو غيره.
طالب: ...................
التقابل، عدم الوجود معروف، وجود العدم معروف.
طالب: ...................
وين؟
طالب: ...................
إن أراد شيئًا وجوديًا وقال لا يوجد شيء إلا وهو محوي أنت معك شيء غلفته وضعته في غلاف ثم الغلاف غلفته ثم الغلاف غلفته إلى متى؟
طالب: ...................
إلى ما لانهاية يلزم منه التسلسل إذا قلنا إلى ما لا نهاية، وحينئذٍ يكون النهائي حاوي وليس بمحوي فيكون التعميم فيه ما فيه هذا إن أراد أمرًا وجوديًّا، وإن أراد أمرًا عدميًّا بأن هذه المخلوقات محوية بأمر عدمي لئلا يلزم التسلسل قلنا أنها محوية بأمور وجودية قلنا لا بد أن ينقطع هذا التسلسل وفي النهاية الحاوي الأخير حاوي وليس بمحوي هذا في الوجود لكن في العدم إذا كان قصده بالحاوي النهائي كلها محوية بأمر عدمي فالعدمي ما يرتب عليه أحكام ولا وجود له في الحقيقة.
وفي ثبوت هذا الكلام عن الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه نظر.
أين كلام أبي حنيفة؟
طالب: ...................
ليس الذي في الفقه الأكبر راجع.
طالب: ذاك صحيح..
طالب: ...................
لا، وين كلام أبي حنيفة؟
طالب: ...................
هذا الذي يريده الشارح في ثبوت هذا الكلام عن أبي حنيفة فيه نظر؟! لا لا.
طالب: ...................
الكلام أن عقيدة الطحاوي مأخوذة عن أبي حنيفة مثل ما قال في المقدمة، عقيدة الطحاوي برمتها مأخوذة عن أبي حنيفة نص عليه، عن أبي حنيفة النعمان إلى آخر ما قال، فلا يمكن أن يثبت هذا الكلام وإن قاله الطحاوي الذي زعم أن عقيدته كلها مأخوذة مأثورة عن أبي حنيفة،
لا يمكن أن يثبت هذا عن أبي حنيفة بدليل أن المناوئين لأبي حنيفة شنعوا عليه بأقل من هذا ولو ثبت عنه هذا لشنعوا عليه أكثر نسمع كلام..
وفي ثبوت هذا الكلام عن الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه نظر فإن أضداده قد شنَّعوا عليه بأشياء أهون منه فلو سمعوا مثل هذا الكلام لشاع عنهم تشنيعهم عليه به وقد نقل أبو مطيع البلخي عنه إثبات العلو كما سيأتي ذكره- إن شاء الله تعالى- وظاهر هذا الكلام يقتضي نفيه ولم يرد بمثله كتاب ولا سنة فلذلك قلت إن في ثبوته عن الإمام نظرًا وإن الأولى التوقفُ في إطلاقه فإن الكلام بمثله خطر بخلاف الكلام بما ورد عن الشارع كالاستواء والنزول ونحو ذلك ومن ظن من الجهّال أنه إذا نزل إلى سماء الدنيا كما أخبر الصادق -صلى الله عليه وسلم- يكون العرش فوقه ويكون محصورًا بين بين طبقتين من العالَم فقوله مخالف لإجماع السلف مخالف للكتاب والسنة، وقال شيخ الإسلام أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني سمعت الأستاذ أبا منصور بن حمشاذ بعد روايته حديث النزول يقول سئل أبو حنيفة فقال ينزل بلا كيف انتهى، وإنما توقف من توقف في نفي ذلك لضعف علمه بمعاني الكتاب والسنة وأقوال السلف ولذلك ينكر بعضهم أن يكون فوق العرش بل يقول لا مبايِن ولا محايث لا داخل العالَم ولا خارجه فيصفونه بصفة العدم والممتنع.
يجمعون النقيضين بالنسبة له- جل وعلا- لا داخل ولا خارج ولا مباين ولا محايث والموصوف بالصفات المتناقضة هذا ليس بشيء، لا يمكن أن يجتمع النقيضان هذا من المحال اجتماع النقيضين كما أن نفي النقيضين أيضًا كذلك.
فيصفونه بصفة العدم والممتنع ولا يصفونه بما وصف به نفسه من العلو والاستواء على العرش ويقول بعضهم بحلوله في كل موجود أو يقول هو وجود كل موجود ونحو ذلك تعالى الله عما يقول الظالمون والجاحدون علوًّا كبيرًا وسيأتي لإثبات صفة العلو لله تعالى زيادة بيان عند الكلام على قول الشيخ رحمه الله محيط بكل شيء وفوقه إن شاء الله تعالى.
يكفي يكفي.
..........
هذا يقول: النووي في شرحه لحديث «ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء» في صحيح مسلم هذا الحديث من أحاديث الصفات وفيه مذهبنا قال والثاني: مذهب أكثر المتكلمين الأول مذهب الإثبات والثاني مذهب أكثر المتكلمين وجماعات من السلف وهو محكي عن مالك والأوزاعي أنها تُتَأوَّل على ما يليق بها بحسب مواطنها فعلى هذا تأولوا هذا الحديث بتأويلين أحدهما تأويل مالك بن أنس وغيره معناه تنزل رحمته وأمره وملائكته والثاني أنه على الاستعارة ومعناه الإقبال على الداعين بالإجابة واللطف هل هذا أو هل نسبة هذا الكلام إلى الإمام مالك صحيحة؟ وهل يلزم التثبت في كل قول ينسب إلى الأئمة؟
لا بد من التثبت، والسبب في ذلك أن الأئمة عُرِف عنهم أنهم التزموا ما أثبته الله لنفسه وأثبته له رسوله، ومنهم مالك الاستواء معلوم، والكيف مجهول، لكن يعز على الشارح أن إمامه يثبت والشارح ينفي، لا بد أن يقحم من الأئمة من يعضد به كلامه من غير تثبت ولا روية وإلا لا يثبت عن مالك أنه تأول الصفات، نعم ذُكر عن الإمام مالك أنه يقول أن آيات الصفات من المتشابه وهذا أيضًا ليس بصحيح؛ لأنه لو كان من المتشابه ما قال الاستواء معلوم يعني معناه معلوم والمتشابه معناه غير معلوم مثل ما قال ابن حجر أن البخاري- رحمه الله تعالى- هو في الاعتقاد على مذهب ابن كُلَّاب هذا ليس بصحيح، ومن طالع درء تعارض العقل والنقل في مسألة اللفظ وغيرها رأى الفرق الكبير بين مذهب الإمام البخاري ومذهب ابن كُلَّاب.
سم.
"