شرح علم الفرائض من النقاية (1)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فهذا هو المتن الرابع من متون النُّقاية لجلال الدين السيوطي، والمقصود المتن المشروح الرابع، أظن قبله أصول الدين، ثم علوم القرآن هذا شرحناه، علوم القرآن، وأصول الحديث، وأصول الفقه، وهذا الرابع، أما أصول الدين فلم نشرحه لأن فيه ما يخالف طريقة أهل السنة والجماعة، ألف على طريقة الأشاعرة، الموضوع الرابع أو المتن الرابع من هذه المتون المختصرة جدًّا ما يتعلق بعلم الفرائض، والفرائض جمع فرض، والفرض في اللغة: التقدير، ويطلق ويراد به الحز والقطع، وأما بالنسبة لتعريفه في الاصطلاح: فإنه علم المواريث والتركات وما يُضَم إلى ذلك من حسابها، العلم في فقه المواريث والتركات وما يضم إلى ذلك من حسابها، وهذا العلم كغيره من علوم الشرع فرض كفاية، إذا قام به من يكفي سقط الطلب والإثم عن الباقين، وهذا العلم جاء فيه أحاديث من أصحها «ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر» والحديث في الصحيحين وفي مضمونه الحث على تعلم الفرائض؛ لأننا لا نستطيع أن نلحق الفرائض بأهلها إلا إذا تعلمنا وعرفنا الفرائض وعرفنا أهلها، وكيف نقسم على هؤلاء التركات فالأمر «ألحقوا» يتضمن تعلُّم هذا العلم وورد فيه أحاديث لكنها ضعيفة، فمنها: ما رواه أبو داود عن عبد الله بن عمرو عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال «العلم ثلاثة آية محكمة أو سنة قائمة أو فريضة عادلة وما سوى ذلك فهو فضل» لكن الحديث ضعيف، وروى ابن ماجه والدارقطني عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «تعلموا الفرائض وعلموها الناس فإنه نصف العلم وهو يُنسَى وهو أول شيء يُنزَع من أمتي» وهذا أيضا ضعيف، ويُستدل بهما في بيان فضل هذا العلم على طريقة الجمهور؛ لأن هذا موضوعه الفضائل في فضل هذا العلم وموضوع الفضائل يتسامح فيه الجمهور برواية الضعيف، بل والاستدلال به من باب الحث على شيء له أصل في الشرع، ولا شك أن تعلم الفرائض أمر مطلوب شرعًا، وهو فرع من فروع العلم الشرعي الذي جاءت النصوص على فضله وفضل أهله وحملته، والمقصود به العلم الموروث عن النبي -عليه الصلاة والسلام- وهذا فرع من فروعه؛ ولذا عني به أهل العلم وأودعوه في المصنفات الخاصة وفي ضمن كتب الفقه، فما من كتاب من كتب الفقه إلا وفيه كتاب الفرائض تام كامل بحيث لو جُرِّد اعتُمِد عليه من كتب الفقه، وأُلِّفَت فيه الكتب الكثيرة المختصرة والمتوسطة والمطولة، وفيه أيضا المتون والشروح والحواشي، وفيها النثر وفيها النظم وهو كثير، من أنفع ما يُقرَأ في هذا الفن وأيسر ما يعانيه طالب العلم المنظومة المباركة الرحبية في مائة وسبعين بيتا فقط ، سهلة وضمت أصول هذا العلم، سهلة متيسرة ونظمها سلس من بحر الرجَز، وعليها شروح كثيرة جدا وحواشي مفيدة ونافعة، وأيضًا ألفية الفرائض عمدة كل فارض وشرحها العذب الفائض وهو من أطول المصنفات في هذا الفن، في مجلد كبير جدا وهو مطبوع ومعروف، وقسم الفرائض وهو أكثر من ألفية من نظم ابن عبد القوي المعروف عقد الفرائد وكنز الفوائد نظم المقنع، وهي أكثر من ألفية من البحر الطويل منظومة متينة يستفيد طالب العلم فائدة عظيمة، وفي أربعة عشر ألف بيت هذا الفقه كله، لكن الفرائض يزيد على الألف، فإذا اعتنى بها طالب العلم استفاد فائدة عظيمة، وللمتأخرين والمعاصرين مشاركات جيدة من ذلكم كتاب شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز الفوائد الجلية، كتاب سهل وميسر ومبسط واضح ومبارك أيضًا، ورأيت للشيخ محمد شيبة الحمد شرحًا على الرحبية سهل وواضح ومقرون بالجداول فيستفيد منه طالب العلم، والكتب في هذا الفن مثل ما ذكرنا كثرية جدا، الإحاطة بها فيها صعوبة ووعورة، من أخصر ما كتب في هذا الفن علم الفرائض من النُّقاية والأصل في الكتاب أقل من ورقة في النُّقاية، نعم صفحة ونصف يعني أقل من ورقة لكنه يجمع أطراف العلم، وإذا شُرِح نفع والمصوَّر بين أيديكم سماه الذي اعتنى به إتمام الدراية لقراء النقاية أليس معكم المصوَّر؟

طالب: ...........

غير هذا؟

طالب: ...........

نعم لأني أريد أن أنبه إلى أن العنوان ليس بعنوان لما يشرح، إنما هو عنوان لشرح السيوطي إتمام الدراية، إتمام الدراية شرح وليس المتن الذي نريد أن نشرحه، شرح لجميع المتون الأربعة عشر لكن أحببت أن أنبه على هذا.

طالب: ...........

طيب.

قال- رحمه الله- "علم الفرائض علم يبحث فيه عن قدر المواريث" يعني لكل وارث من الورثة، ويبحث فيه كيفية قسمة هذه المواريث، والمؤلفات في علم الفرائض تأخذ مسارين أو اتجاهين، منها ما يؤلَّف على الوارثين كطريقة القرآن، ومنها ما يؤلَّف على طريقة الفروض المقدَّرة في كتاب الله وهذه طريقة صاحب الرحبية ومن دار في فلكه، وهي الطريقة التي درسها طلاب العلم في هذه البلاد، المقرَّرة في المعاهد العلمية وغيرها، وممن ألف على طريقة القرآن في بيان الوارثين وبيان ما يخص كل وارث في موضع واحد على طريقة القرآن الشيخ ابن عثيمين- رحمه الله- في كتابه تسهيل الفرائض، والمسألة مسألة ترتيب وتنظيم، ولكل من الطريقتين محاسنها، فطريقة القرآن تبحث في الوارث وتنتهي منه مرة واحدة بجميع ما يستحقه من فروض، وطريقة الطريقة الأخرى تبحث في الفرض مرة واحدة وتنتهي من جميع الوارثين الذين يرثون هذا الفرض، على كل حال الكتاب المؤلف الذي بين أيدينا هو على الطريقة الثانية، ثم قال- رحمه الله- "أسباب الإرث" والأسباب جمع سبب، والسبب ما يتوصل به إلى المطلوب هذا الأصل فيه مثل الدلو والرشاء يتوصل بهما إلى الماء فيكون سبب إلى المطلوب وهو الماء لاستخراج الماء واستنباطه، وعرف في الاصطلاح: أنه ما يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم لذاته، يعني إذا لم يوجد مانع فإذا وجد مانع فإن السبب لا يؤثر، ولا شك أن الأسباب التي جعلها الله- جل وعلا- أسبابا سواء كانت شرعية أو عادية لها نوع تأثير في المسبَّب بجعل الله- جل وعلا- هذا الأثر والتأثير لها إذ لا تستحق بالتأثير بنفسها لا تستقل بالتأثير بنفسها هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة، أن الأسباب مؤثرة بجعل الله- جل وعلا- الأثر فيها، بخلاف الأشعرية الذين يسلبونها الأثر بالكلية وأن وجودها مثل عدمها، فالأسباب لا أثر لها هذا طرف، والطرف الثاني فيه المعتزلة الذين يرون أن الأسباب مؤثرة بذاتها مستقلة بالتأثير، طيب الأثر الذي يوجد عند وجود السبب ماذا يقول عنه الأشعرية؟ الأثر الذي يوجد بعد استعمال السبب يقولون حصل المسبَّب عند السبب لا به، الآن إذا شرب أو أكل يشبع ويروى، هل السبب الذي هو الأكل الشرب له دور أو ما له دور؟ نقول ما له دور إنما حصل الشبع عنده لا به؛ ولذلك يجوزون، يعني قد يستغرب طالب العلم حين يسمع مثل هذا الكلام لكنه في أصولهم يجوزون-وهذا مما نصوا عليه بالحرف ليس إلزاما- أن يرى أعمى الصين بقة الأندلس، يجوزونه كيف يرى أعمى الصين في أقصى المشرق البقة وهي صغار البعوض في الأندلس في أقصى المغرب؟! طيب البصر ليس موجودا هذا أعمى، قالوا البصر وجوده مثل عدمه، لكن المبصر يوجد عنده لا به، والسبب في ذلك لئلا يكون للسبب أدنى أثر في المسبَّب فبالغوا في مقابلة مبالغة المعتزلة لأنهم قالوا الأثر السبب يستقل بالتأثير، وكل هذا وهذا غير مقبول لا شرعا ولا عقلا، لا يقبل لا في شرع ولا في عقل، المعتزلة حينما يقولون السبب يستقل بالتأثير أوجدوا مع الله- جل وعلا- مؤثِّرا مستقلا يستقل بإرادته ويكون له من الأثر ما يكون ندا لله- جل وعلا- فأثبتوا مع الله خالقا؛ ولذلك سموا مجوس هذه الأمة، وزعموا أن العبد يخلق فعله، المقصود أن المقام ليس بموضع بسط لهذا وإنما هذه لمحة سريعة أن السبب عند أهل السنة له أثر لكنه بتأثير بجعل الله- جل وعلا- الأثر وقد يتخلف المسبَّب مع وجود السبب لوجود مانع، والله- جل وعلا- رتب الأجور على بذل الأسباب ولو لم يترتب عليه المسبب، أنت مأمور ببذل السبب سواء ترتب عليه المسبب أو لم يترتب، أنت مأمور بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهل من لازم ذلك أن يتغير المنكر؟ لا، أجرك ثابت وإن لم يتغير؛ ولذا يأتي النبي من الأنبياء وهو مؤيد بالوحي يأتي وليس معه أحد، فالإنسان مأمور ببذل السبب، والنبي -عليه الصلاة والسلام- بذل من السبب ما بذل في إيمان عمه وفي إنقاذه من النار فمات على الكفر {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [سورة القصص 28/56] وهذا فيه تسلية لمن بذل السبب لأقرب الناس إليه وما أنجع فيه السبب، ما يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم لذاته، يعني إذا لم يوجد مانع فإنه يترتب عليه المسبب أو يتخلف منه شرط، والأسباب عدها المؤلِّف أربعة: "قرابة" فيرث القريب من قريبه بالنسب وهذه القرابة ثلاثة أصول وفروع وحواشي، فالأصول الآباء والأمهات والأجداد والجدات، والفروع الأبناء والبنات وإن نزل، وأولئك وإن علوا، والحواشي الأعمام وأولادهم والإخوة وبنوهم، القرابة هذا هو السبب الأول، والثاني النكاح، والمراد به الذي تترتب عليه آثاره والمراد به ما كان بعقد صحيح مستوفيا لشروطه وأركانه، على هذا يرث الزوج من زوجته وترث الزوجة من زوجها مادامت الزوجية قائمة حقيقة أو حكمًا، بأن توفي عن مطلقة وهي في العدة أو طلقها في مرض موته المخوف فإنها ترثه معاقبة له بنقيض قصده، "ونكاح وولاء" الولاء فيرث المعتِق من عتيقه لحديث "الولاء لحمة كلحمة النسب" والحديث في الصحيحين «الولاء لمن أعتق» فيورث من جهة واحدة، القرابة يكون فيها التوارث في الجملة من الجهتين وكذلك النكاح، أما بالنسبة للولاء فمن جهة واحدة فالمعتِق يرث والمعتَق لا يرث، عدَّ إضافة إلى ما تقدم الإسلام، وهل يراد به من أسلم على يديه فيكون له ولاؤه هل هذا مراد المؤلِّف، أو أنه يريد به بيت المال لعموم المسلمين، فالإسلام سبب من أسباب الإرث فيرث به المسلمون من هذا الميت، إذا لم يوجَد الثلاثة ومات عن غير وارث فتُصرَف التركة لبيت المال إرْثًا، إذا لم يكن له وارث بالأسباب الثلاثة المذكورة، وفي شرح البقري على الرحبية يقول: أطبق المتأخرون على اشتراط- انتظامه- انتظام بيت المال ما معنى انتظامه؟ أن تكون موارده شرعية ومصارفه شرعية، أما إذا تطرق إليه الخلل فإنه لا يرث وهذا على مذهب المؤلف-مذهب الشافعي-والجمهور على أن بيت المال غير وارث لكن على مذهبه، ومع ذلك يشترطون الانتظام حتى قال قائلهم من قديم وقد أيسنا من انتظامه إلى أن ينزل عيسى- عليه السلام- وعلى هذا فلا يكون وارثا حتى عندهم، ما معنى كون بيت المال وارثا؟ يعني جهة، غير كون بيت المال مورِد للمال مال المورِّث الذي لا وارث له، يعني إذا مات شخص بحث عن أقارب له ما وجد أين يودع ماله؟ هل يودع في بيت المال؟ أو يودع بنية الصدقة عنه؟ الشافعية يقولون لا، لا بد أن يودع في بيت المال على سبيل التمليك؛ لأنه عندهم وارث، وماداموا يشترطون الانتظام والانتظام ميؤوس منه فوافقوا الجمهور على أنه لا يرث، واقتصر صاحب الرحبية على قول الجمهور فقال:

أسباب ميراث الورى ثلاثة

 

 

 

كل يفيد ربه الوراثة

 

أسباب ميراث الورى ثلاثة

 

 

كل .................

 

يعني كل واحد من هذه الأسباب.

....................

 

 

 

يفيد ربه ..............

 

صاحبه المتصف به.

...................

 

 

 

............. الوراثة

 

وهي نكاح وولاء ونسب

 

 

ما بعدهن للمواريث سبب

 

وهي نكاح وولاء ونسب

 

 

ما بعدهن للمواريث سبب

 

يقول: "وموانعه" موانعه يعني موانع الإرث، والأصل في المانع الحائل بين الشيئين، واصطلاحا: ما يلزم من وجوده العدم، من وجود المانع عدم الشيء المرتَّب عليه، ولا يلزم من عدمه وجود ولا عدم لذاته، إذا وجد المانع فإن الأثر لا يوجد لوجود ما يمنع منه، فالحيض مانع من الصلاة، مانع من الصيام، وُجد الحيض امتنعت الصلاة وامتنع الصيام، ما يلزم من وجوده العدم، عدمت الصلاة وعدم الصيام لوجود المانع طيب عدم المانع الذي هو الحيض هل يلزم من عدم المانع وجود الصلاة؟ ولا يلزم من عدمه وجود ولا عدم لذاته، "وموانعه" عدها المؤلف خمسة "رق، وقتل، واختلاف دين، وموت معية، وجهل السبق" خمسة، فالرق عرفوه بأنه عجز حكمي يقوم بالإنسان سببه الكفر؛ لأن أصل الرق إنما ينشأ الأسر في الجهاد، سببه الكفر فالمسلم لا يجوز استرقاقه، قد يسترق وهو كافر ثم يسلم ويبقى رقيقا ما يعتق، لكن إذا كان في الأصل مسلما قبل الاسترقاق فإنه لا يجوز استرقاقه، عجز حكمي يعني ليس بعجز حقيقي، قد يكون هذا الرقيق من أقوى البشر بنية فلا يرث الرقيق لماذا؟ لأنه لا يملك، فلو وُرِّث لذهب المال لسيده وهو بعيد عن المورِّث، أجنبي عن المورِّث فلا يرث الرقيق ولا يورَث؛ لأنه لا يملك لا ملك له ولا يحجِب، فوجوده مثل عدمه، المبعَّض يعني بعضه حر وبعضه رقيق يرث ويورث ويحجب بقدر ما فيه من الحرية، "رق وقتل" فالقاتل لا يرث، "وضابط القتل: هو الموجِب للقصاص يعني قتل العمد أو دية أو كفارة"، فيشمل جميع أنواع القتل، متى ما وجد القتل سواء كان عن عمد أو شبه عمد أو خطأ فإنه حينئذ لا يرث، وما لا يوجِب الدية والكفارة والقصاص فإنه لا يمنع من الإرث، قتل الخطأ عند الجمهور ولو لم يحصل فيه تعدي ولا تفريط، بمعنى أنه إذا وجد المورِّث في سيارة الوارث وحصل حادث ما تعدى فيه السائق ولا فرَّط وهو ابن لهذا المورِّث فمات المورث لا يرث وإن كان قتل خطأ وليس فيه تعدي ولا تفريط وهذا قول الأكثر، والمالكية يرون أنه إذا سلم من التعدي والتفريط فإنه يرث، ولو تصورنا أن شخصا له عشرة من الأولاد تسعة منهم عققة، ذهب إلى الكبير قال أنا أريد أن أذهب إلى الحج، قال: لن أذهب معك دبر نفسك، ذهب للذي يليه فكان مثل كلام الأول، حتى وصل للأصغر، فقال الصغير منهم البار أنا مستعد وحصل حادث في الطريق ومات الأب ولا تعدى ولا فرط، متفقد السيارة وليس فيها إشكال، وهو معتدل في طريقه ويسير بالسرعة النظامية أو أقل منها، المالكية يقولون مثل هذا  ما ذنبه؟ هذا لو كان الدين بالرأي أعطي ضعف ما يأخذ غيره، لكن الجمهور حملوا القتل على عمومه، وعندهم أنه يلزمه في مثل هذه الصورة بغض النظر عن مسألة الإرث، شخص حمل شخص أجنبي وحصل حادث معه تلزمه الدية والكفارة؛ لأن دم المسلم لا يذهب هدرا ولو لم يفرط ولو لم يتعدَّ، وكأن الآن كثير من أهل العلم يستروح إلى رأي المالكية فيربط ذلك بالتعدي والتفريط، ولا شك أن له وجها  "وما لا فلا" يعني ما لا يوجب هذه الأمور الثلاثة فإنه حينئذ لا يمنع من الإرث، لو افترضنا أن قاضيا حضرت عنده البينة التي تشهد بأن فلانا قَتل أو زنى وهو محصَن، فحكم عليه هذا القاضي بالقتل وهو في الأصل يرثه، هل نقول أن هذا قاتل؟ لا، لو شهد على مورثه بأنه قتل فلانا فقتل بسبب شهادته أولا لا يلزمه لا دية ولا كفارة ولا قصاص، إذًا يرث، ذكروا بعض الأمثلة التي في سياقها شيء من الصعوبة لأنها مؤذية، قالوا لو وجد مورِّثه بل قالوا لو وجد أباه يزني بامرأته- نسأل الله العافية- فقتلهما معًا يرث أو لا يرث؟ أولا ليس له أن يقتل، وفي الحديث: "الرجل يجد الرجل مع امرأته أيقتله فتقتلونه"؟ ليس له ذلك، مع أن بعض من ألف في الفرائض قالوا في مثل هذه الصورة يرث؛ لأن في قتله نوع حق ونوع شبهة، مع أنه ممنوع في الأصل ليس له أن يقتل، وفي الحديث الصحيح: الرجل يجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه، قال: «نعم» كل ذلك حسم لمادة انتشار القتل والفوضى؛ لأنه لو فتح الباب لمثل هذا زاني محصن ومستحق للقتل، والثانية زانية محصنة ومستحقة للقتل في الأصل، لكن لو ترك المجال للأفراد لحصل التشفي، إذا حصل أدنى عداوة استدرجه ودعاه إلى بيته، ودعاه إلى غرفة النوم وقال أريد أن أطلعك على بعض الأمور أو شيء من هذا ثم يزعم أنه وجده عند امرأته يستدرجه، مثل هذا لا يقبل- نسأل الله السلامة والعافية- نعوذ بالله من القتل ومن الزنى-، ذكروا صورا كثيرة: يعني لو سقى الوارث المورث علاجا ومات من العلاج هذا إذا كان العلاج باجتهاد منه هذا لا شك أنه قاتل خطأ، أما إذا كان بوصفة طبيب معروف ومشهور فإن هذا لا دور له ولا دخل، فلا يتجه القول بعدم توريثه ولو قال به بعض الشافعية، قالوا: لو كان جلادا، وظيفته جلاد فدفع إليه مورث ممن يرثه فجلده فمات ولم يتعد ولم يفرط هذا حتفه، جلد كما يجلد عادي الناس قالوا مثل هذا يرث شريطة ألا يتعدى فيزيد أو يفرط فيضرب في مكان لا يُضرَب فيه، جلد هذا المورِّث جلدا معتادا بل عطف عليه ورأف به وجامله خفف الجلد عليه، لكن المجلود مريض مرض قلب أو شيء من هذا بمجرد ما علاه السوط مات، ما تعدى ولا فرط وهذه وظيفته، موظف من قبل ولي الأمر جلاد أو قاصّ يقتل من يستحق القتل، كل هذا لا أثر له في الإرث، "واختلاف الدين" لحديث «لا يتوارث أهل ملتين» رواه أحمد وأهل السنن، فلا يرث الكافر المسلم ولا المسلم الكافر إلا بالولاء إذا كان معتقا له ولو كان كافرا فإنه يرثه، يقولون: أو أسلم الكافر قبل قسمة التركة فإنه يورث ترغيبا له في الإسلام، اختلاف الدين هذا بين المسلم والكافر لكن بين الكفار يهودي مع نصراني، والد يهودي وابنه نصراني أو العكس، أو يتبع ملة أخرى غير ملل أهل الكتاب لا يتوارث أهل ملتين، والمرجح عند الأكثر أن الكفر ملل شتى فأهل كل ملة لا يرثون من أهل الملة الأخرى، وبعضهم يقول: كل ما خالف الإسلام فهو كفر بغض النظر عن التفاصيل، ولا فرق بين يهودي أو نصراني مادام محكوما عليه بالكفر والخلود في النار فالكفر ملة واحدة عند بعضهم، لكن الأكثر على أنه ملل شتى، ولا يتوارث أهل ملتين لعموم هذا الحديث، الرابع عند المؤلف وهو مما لم يُذكَر في الرحبية وفروعها "موت معية" وكذلك الخامس "جهل السابق" موت معية بأن ماتا معًا..

الجهمي؟

طالب: ...........

يقصد المكفَّر ببدعته.

يقول هل يرث الجهمي؟

يعني من بدعته مغلظة، وحكم بكفر الجهمية أكثر من خمسمائة عالِم فهل يرثون أو لا يرثون؟ إذا حكم حاكم معتبَر بكفرهم أو بكفر هذا الشخص، وقل مثل هذا فيمن خرج عن الإسلام ببدعة أو فعل من الأفعال التي يحكم أهل العلم بكفره مثل تارك الصلاة مثلا، إذا حكم به حاكم ترتبت عليه آثاره فإنه لا يرث، أما إذا لم يحكم به فهذا حكم من الأحكام يتوقف على حكم حاكم.

قال- رحمه الله- "الرابع موت معية بأن ماتا معًا بغرق مثلا أو هدم أو حريق" أو حادث سيارة تحطمت السيارة اصطدمت بشيء أو انقلبت فمات من فيها فيها أسرة، منهم الوارث ومنهم الموروث، وميراث الهدمى والغرقى له باب في علم الفرائض، وقرر أهل العلم أنهم في هذه الحالة يتوارثون من تلاد المال، كل واحد يرث الثاني "من تلاد ماله لا مما ورثه منه منعًا للدَّور"؛ لأنه لو افترض أنه مات الأب والابن في الحادث جميعا والأب عنده مال، نفترض خمسمائة ألف والابن عنده مائة ألف، فيرث الابن من الخمسمائة والأب من المائة، والمقدار الذي ورثه كل واحد من الآخر لا يقسم مرة ثانية؛ لأنك بهذا تكرر القسمة فيلزم عليه الدور، فقالوا يرث من تلاد ماله لا مما ورثه منه منعًا للدور هذا موت المعية، إذا ماتوا جميعا ولا يعرف السابق، ليس هناك سابق ولا لاحق، ماتوا في لحظة واحدة، يعني عرفت المعية في الموت، أما الخامس الذي هو جهل السابق: يوجد متقدم ومتأخر، أحدهما قبل الآخر، لكن ما يدرى أيهم بأن سمع صوت ولم يميَّز هل هو صوت الأب أو الابن فجُهل أيهما، تيقنا أن أحدهما مات قبل الآخر لكن جهل أيهما فهذا أيضا من موانع الإرث، والرابع والخامس ما ذكرهما صاحب الرحبية بل اقتصر على الثلاثة كالأسباب.

ويمنع الشخص من الميراث

 

 

 

واحدة من علل ثلاث

 

ويمنع الشخص من الميراث

 

 

واحدة من علل ثلاث

 

رق وقتل واختلاف دين

 

 

فافهم فليس الشك كاليقين

 

"والوارثون من الرجال عشرة على سبيل الإجمال وخمسة عشر على طريق البسط"، عد العشرة ويبيَّن ما يمكن تفصيله من هؤلاء العشرة ليكون أكثر من واحد "الأب وأبوه" يعني الجد وإن علا، "والابن وابنه" وإن سفل، والخامس "الأخ لأبوين"، والأخ يفصل إلى ثلاثة أشخاص: أخ لأبوين، وأخ لأب، وأخ لأم كلهم يرثون بالشروط الآتية فالخامس الأخ الشقيق لأبوين، والسادس الأخ لأب، والسابع الأخ لأم، "السادس" بالعد على سبيل الإجمال ابن الأخ إلا لأم فمفهومه ابن الأخ لأبوين، ابن الأخ الشقيق، وابن الأخ لأب، فصار عندنا كم؟ ثمانية وتسعة بالبسط والسابع عنده "وكذا عم لأبوين أو لأب لا لأم" فالعم الشقيق والعم لأب اثنان إذا أضيف إلى التسعة صار العدد إحدى عشر، "وابنه" يعني ابن العم "مثله" "لأب" الثاني عشر "لأبوين" الشقيق هو الثاني عشر، "ولأب" هو الثالث عشر، والرابع عشر هو "الزوج" الذي هو التاسع في ترقيمه الإجمالي، والعاشر "المعتِق" وهو الخامس عشر بالتفصيل، أظن العدة ظاهرة، عندنا الأخ بدل ما يكون واحدا يصيرون ثلاثة فيزيد على العشرة اثنان، اثنا عشر، وابنه اثنان بدل ما يكون واحدا فيزيد معنا ثالث، والعم اثنان، وابن العم اثنان أيضًا فيزيد المجموع خمسة على العشرة، بالإجمال يكون عشرة وبالتفصيل تكون العدة خمسة عشر ويقول الناظم الرحبي رحمه الله:

والوارثون من الرجال عشرة

 

 

 

أسماؤهم معروفة مشتهرة

 

الابن وابن الابن ............

 

 

.....................

 

الابن وابن الابن مهما نزلا

 

 

والأب والجد له وإن علا

 

والأخ من أي الجهات كان

 

 

قد أنزل الله به القرآن

 

وابن الأخ المدلي إليه بالأب

 

 

....................

 

يعني لا بالأم.

وابن الأخ المدلي إليه بالأب

 

 

 

فاسمع مقالا ليس بالمكذَّب

 

والعم وابن العم من أبيه

 

 

فاشكر لذي الإيجاز والتنبيه

 

والزوج والمعتِق ذو الولاء

 

 

فجملة الذكور هؤلاء

 

...........................

 

 

فجملة الذكور هؤلاء

 

الآن يقول اشكر لذي الإيجاز والتنبيه، الإيجاز الاختصار بحيث يكون الكلام بقدر المعاني بدون زيادة هذا الإيجاز، وأما إذا زادت الألفاظ عن المعاني فيسمونه إطنابا، وإذا تساوت فالمساواة، لكن هل هنا إيجاز أو فيه إطناب ما نحتاج إليه؟ مثل "قد أنزل الله به القرآن" يحتاج إليه في بيان العدد؟ لو حذف هذا الشطر، وكذلك فاسمع مقالا ليس بالمكذَّب يحتاج إليه في الفرائض في بيان عدد الوارثين من الرجال يحتاج إليه؟ لا يحتاج إليه وكذلك فجملة الذكور هؤلاء أيضا لا يحتاج إليه، فهذا مخالِف للإيجاز الذي ذكره المؤلِّف- عفا الله عنا وعنه- والمسألة لا يترتب عليها كبير أثر فالخطب فيها سهل لكنه سماه إيجازا، وسيأتي في علوم البلاغة أن الإيجاز أن تكون الألفاظ بقدر المعاني لا تزيد، فإن زادت فإطناب، وإن تساوت مع المعاني فالمساواة، فكونه قال إيجاز يعني اختصار، ولا يعني الاختصار أنه يجرد من كل حرف زائد هذا لا يتسنى في كلام البشر، لاسيما النظم الذي قد يضطر الناظم إلى ذكر أشياء من أجل الوزن وإن كان لا يحتاج إليها في الأصل، إذا اجتمع كل الذكور افترضنا أن الخمسة عشر كلهم اجتمعوا كلهم يرثون أو يحجم بعضهم بعضا؟ لا شك أنه يحجب بعضهم بعضا، يقولون إذا اجتمع كل الذكور ورث منهم ثلاثة: الأب، والابن، والزوج، هؤلاء يجتمعون لكن من عداهم لا يمكن أن يجتمعوا مع الثلاثة وإلاَّ قد يجتمع الأخ مع الزوج وهكذا، يعني يجتمع بعضهم مع بعض لكن إذا اجتمع الثلاثة هؤلاء حجبوا بقية الذكور، لما عد الوارثين من الرجال عد الوارثات من النساء، فقال- رحمه الله- "والوارثات بنت وبنت ابن وإن سفل وأم وجدة وأخت وزوج ومعتقة" الوارثات سبع على سبيل الإجمال وعشر على سبيل البسط: بنت وبنت ابن وإن سفل هذه الأولى والثانية والثالثة الأم الثلاث يمكن تفصيلها؟ لا يمكن، وجدة يمكن تفصيلها؟

طالب: ...........

كيف؟ أليس هناك جدة لأب وجدة لأم أم الأم وأم الأب فهما اثنتان الرابعة والخامسة، والأخت تفصل كالأخ، لأبوين، ولأب، ولأم، فزاد عندنا ثلاث، فيكون المجموع ثمانية، والتاسع أو السادس على سبيل الإجمال، زوج كيف يأتي الزوج مع الوارثات؟ أليس قد سبق مع الوارثين من الرجال؟ كيف ورد ذكره مع الوارثات هنا؟

طالب: ...........

المراد به الزوجة، ولا شك أن كلمة زوج على الزوجة أفصح من إلحاق التاء بها، لكنهم في الفرائض لا يكادون يذكرون زوج بدون تاء ويريدون الزوجة؛ لأنه يلتبس الأمر بالزوج الذي هو الذكر فيقولون زوجة، وزوج ومعتِقة.

وليس في النساء طرا عصبة

 

 

 

إلا التي منت بعتق الرقبة

 

يقول الناظم رحمه الله تعالى:

والوارثات من النساء سبع

 

 

لم يعط أنثى غيرهن الشرع

 

بنت وبنت ابن وأم مشفقة

 

 

وزوجة وجدة ومعتقة

 

والأخت من أي الجهات كانت

 

 

فهذه عدتهن بانت

 

إذا اجتمع هؤلاء العشر من الوارثات من النساء قالوا ورث منهن خمس، الخمسة عشر يرث منهم كم؟ ثلاثة، والعشر يرث منهن خمسة النصف، إذا اجتمع العشر ترث البنت، وبنت الابن وإن نزل، والأم، والزوجة، والأخت الشقيقة،، وما عدا ذلك يُحجَب بمن ذكر على ما سيأتي تفصيله -إن شاء الله تعالى-.

والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.