السكت في قوله تعالى: {وقيل من راق}

Question
هل يجب السكت عند قوله تعالى: {وقيل من راق} وماذا على من لم يسكت في هذا الموضع ووصل القراءة، هل يأثم بذلك؟ وما حكم الوصل إذا كان هذا الوصل يفسد المعنى أو يوهم معنى غير مراد؟
Answer

مواضع السكت في القرآن -السكتات الخفيفة- موجودة وعليها علامات في المصاحف، وهي جادّة معروفة عند القراء، لكن ما ذكروه من التعليل على طلب هذا السكت قد لا يرقى إلى مسألة الوجوب؛ لأنّ السائل يقول: (هل يجب السكت؟)، فتكون القراءة في هذه الآية: {وقيل مَنْ} سكتة خفيفة {راق} [القيامة: 27]، ومثلها: {كلا بل} سكتة خفيفة {ران} [المطففين: 14]، قالوا: إنا إذا وصلنا {من راق} صار اللفظ (مَرّاق)، قال في التفسير: هو الذي يبيع المرق، أو يصنع المرق، فيوهم هذا المعنى، فينبغي أن يفصل بين الكلمتين، وإلا فالأصل أن الحكم التجويدي هنا الإدغام، نون ساكنة جاءت بعدها الراء.

كذلك قوله: {بل ران} يُسكت بعد {بل} ثم يقال: {ران}، قالوا: إنه يشعر أو يُفهم منه أو يَسمع السامع هذا (برّان) فيظنها تثنية (بَرّ) فقالوا: ينبغي أن يقف على {بل} ولا يصل بها {ران}. وعلى كل حال فرق بين ما يفسد به المعنى، وبين ما لا يفسد به، فإن كان المعنى يفسد بالوصل تعيّن الفصل والوقوف كما في قوله تعالى: {ولا يحزنك قولهم} سكتة خفيفة {إن العزة لله جميعا} [يونس: 65]؛ لأننا لو وصلنا لظن السامع أن جملة {إن العزة لله جميعا} هي قولهم، ولا شك أنهم لم يقولوا بهذا.

وبالمناسبة علماء البلاغة يوجبون الواو في المواضع التي توهم خلاف المراد، فإذا كان علماء القرآن في قوله -جل وعلا-: {فلا يحزنك قولهم إن العزة لله جميعا} يوجبون الوقف هنا؛ لئلا ينقلب المعنى فعلماء البلاغة ليس عندهم شيء يقال له: (وقف لازم) كما عند العلماء في القرآن، فهم يوجبون ذكر الواو في مثل: (لا وأصلحك الله) لكن لو قال: (لا أصلحك الله) انقلب المعنى، لكن لم أر هذه الواو -على حد اطّلاعي- في شيء من النصوص لا من نصوص الكتاب، ولا من نصوص السنة، فمثلاً في الوقف اللازم في المصحف لا يوجد واو، وفي النصوص من السنة يوجد نفي بـ(لا) ثم بعده إثبات بدون واو، فإذا سُلِّط هذا النفي على الإثبات انقلب المعنى، مثاله أنه لما سُئل النبي -عليه الصلاة والسلام- عن شحم الميتة: فإنه تُطلى به السفن، ويستصبح به الناس، ويدهنون به الجلود وما أشبه ذلك، قال: «لا، –سكتة خفيفة- هو حرام» [البخاري: 2236]، لو قلنا: لا هو حرام، (بدون سكت) صار المعنى ليس بحرام، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- ينفي ما ذُكِر على خلافٍ بين أهل العلم في المنفي هل هو البيع -والمثبت بأنه هو الحرام- وعلى هذا الأكثر، أو هو الانتفاع، فالمقصود أنّه لم يقل: (لا وهو حرام) إنما قال: «هو حرام»، وحينئذٍ يجب الوقف. وكذلك إذا قيل عند حكاية قصة شارب الخمر [البخاري: 6781]: (ولما جيء بشارب الخمر أكثر من مرة قال عمر –سكتة خفيفة-: أخزاه الله)، يدعو على هذا الشارب، ولو وُصلت فإنه يُظن دعاءً على عمر، وبهذا ينقلب المعنى. وعلى كل حال إذا كانت هذه الواو التي يستحسنها العلماء ترفع هذا الإشكال فلا إشكال في وجودها، وإلا فالأصل أنه إذا وقف موقفًا مناسبًا، ثم أثبت، فإنه يكفي ولا يحتاج أن يأتي بهذه الواو، والله أعلم.